الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنتهك حرمات الله، فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله"1.
والناس في هذا الباب على ثلاثة أقسام:
1-
قسم يغضبون لنفوسهم ولربِّهم.
2-
وقسم يغضبون لنفوسهم ولا يغضبون لربِّهم.
3-
وقسم يغضبون لربهم ولا يغضبون لنفوسهم وهم الوسط الخيار2.
المبحث الثاني:
ذِكر ما في قوله: "ما أراك إلَاّ مبتدعاً" من فائدة
لا ريب أنَّ هذا الرجل الذي قال في شأنه الإمام مالك ما قال قد ارتكب بدعة من البدع التي يُبدَّع قائلها، فعن أشهب بن عبد العزيز قال: سمعتُ مالك بن أنس يقول: "إيّاكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله: وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلّمون في أسمائه وصفاته، وكلامِه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عمّا سكت الله عنه والصحابة والتابعون"3.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والبدعة التي يُعدّ بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة
…
"4.
ثمَّ إنَّ هذه البدع قد تصدر من شخص على وجه قد يكون يُعذر فيه، وقد تصدر على وجه لا يكون معذوراً فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
1 البخاري (6/566 الفتح) ، ومسلم (4/1814) .
2 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/295،296) .
3 رواه الصابوني في عقيدة السلف (ص:69) .
4 مجموع الفتاوى (35/414) .
"وإنَّما المقصود هنا أنَّ ما ثبت قُبحُه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يُعذر فيه، إمَّا لاجتهاد أو تقليد يُعذر فيه، وإمَّا لعدم قدرته كما قد قرّرته في غير هذا الموضع، وقرّرته أيضاً في أصل التكفير والتفسيق المبنيِّ على أصل الوعيد.
فإنَّ نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حقِّ المعيّن، إلَاّ إذا وُجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، هذا في عذاب الآخرة فإنَّ المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار، أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه القاعدة، سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية، أو بسبب فجور في الدنيا، وهو الفسق بالأعمال.
فأمَّا أحكام الدنيا فكذلك أيضاً، فإنَّ جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقاً بدعوتهم، إذ لا عذاب إلَاّ على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلَاّ بعد قيام الحجّة"1.
ولهذا إذا علم العالم المحقق من حال الرجل أنَّه غير معذور بدَّعه بعينِه، ووصفه بأنَّه مبتدع، وإذا كان بخلاف ذلك لم يبدِّعه، ولعلّه لأجل هذا قال الإمام مالك رحمه الله:"وما أُراك إلَاّ مبتدعاً"، وفي لفظ:"وما أُراك إلَاّ ضالاًّ"، وفي لفظ:"وإني لأظنّك ضالاًّ"، وفي لفظ:"وما أظنّك إلَاّ ضالاًّ"، وأُرى بمعنى: أظنّ، فلم يجزم رحمه الله بتبديعه، وفي لفظ قال: "أنت
1 مجموع الفتاوى (10/371،372) .