المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: في بيان أهمية القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري - الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

-

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام مالك بن أنس رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: في ذكر معتقد أهل السنة والجماعة في صفة الاستواء بإيجاز

- ‌المبحث الثالث: في بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري

- ‌الفصل الأوَّل: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته وذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح

- ‌المبحث الأوَّل: تخريج هذا الأثر وبيان ثبوته عن الإمام مالك رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: ذكر الشواهد على هذا الأثر من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: ذكرُ نظائر هذا الأثر مما جاء عن السلف الصالح

- ‌المبحث الرابع: ذكر كلام أهل العلم في التنويه بهذا الأثر وتأكيدهم على أهميته، وجعله قاعدة من قواعد توحيد الأسماء والصفات

- ‌الفصل الثاني: في ذكر معنى هذا الأثر،وبيان مدلوله، وما يستفاد منه من ضوابط في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأوّل:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌المبحث الثالث:

- ‌المبحث الرابع:

- ‌الفصل الثالث: في إبطال تحريفات أهل البدع لهذا الأثر

-

- ‌الفصل الرابع: في ذِكر فوائد عامة مأخوذة من هذا الأثر

- ‌المبحث الأول:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌المبحث الثالث:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: في بيان أهمية القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري

وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء، لا في نفسه المقدّسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقّن أنَّ الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإنَّ الله منزَّهٌ عنه حقيقة، فإنَّه سبحانه مستحقٌ للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم، ولافتقار المحدَث إلى محدِث، ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى.

ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثِّلون صفات الله بصفات خلقه كما لا يمثِّلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله فيعطِّلوا أسماءه الحسنى وصفاته العليا ويحرِّفوا الكلم عن مواضعه ويلحدوا في أسماء الله وآياته، وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل، أما المعطِّلون فإنَّهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلاّ ما هو اللاّئق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل، مثّلوا أوّلاً وعطّلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقُّه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللاّئقة بالله سبحانه وتعالى"1.

ويمكن تلخيص الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها في ستة أقسام ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكل قسم منها عليه طائفة من أهل القبلة وهي:

1 مجموع الفتاوى (5/26،27) .

ص: 34

قسمان يقولان: تجرى نصوص الصفات على ظواهرها.

وقسمان يقولان: إنَّ نصوص الصفات على خلاف ظاهرها، أي ظاهرها غير مراد.

وقسمان: يسكتون.

أما الأولون فقسمان:

أحدهما: من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبِّهة، ومذهبهم باطل أنكره السلف، وإليهم يتوجّه الردّ بالحق.

الثاني: من يجريها على ظاهرها اللاّئق بجلال الله، كما يجري ظاهر اسم العليم والقدير والرب والإله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللاّئق بجلال الله، فإنَّ ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إمَّا جوهر محدَث، وإمَّا عرَض قائم به.

فالعلم والقدرة والكلام والمشيئة والرحمة والرضا والغضب ونحو ذلك في حق العبد أعراضٌ، والوجه واليد والعين في حقه أجسام، فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأنَّ له علماً وقدرةً وكلاما ومشيئة وإن لم يكن ذلك عرَضاً يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين.

وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضحٌ، فإنَّ الصفات كالذات، فكما أنَّ ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات، فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات

وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها، أعني الذين يقولون ليس لها في الباطن

ص: 35

مدلول هو صفة الله تعالى قط، وأنَّ الله لا صفة له ثبوتية، بل صفاته إما سلبية وإما إضافية وإما مركبة منهما، أو يثبتون بعض الصفات وهي الصفات السبعة أو الثمانية أوالخمسة عشر أو يثبتون الأحوال دون الصفات، ويقرّون من الصفات الخبرية بما في القرآن دون الحديث، على ما قد عرف من مذاهب المتكلّمين، فهؤلاء قسمان:

قسم: يتأوّلونها ويُعيِّنون المراد مثل قولهم: استوى بمعنى استولى، أو بمعنى علوّ المكانة والقدر، أو بمعنى ظهور نوره للعرش، أو بمعنى انتهاء الخلق إليه، إلى غير ذلك من معاني المتكلِّمين.

وقسم: يقولون: الله أعلم بما أراد بها، لكنا نعلم أنَّه لم يرد إثبات صفة خارجية عما علمناه.

وأما القسمان الواقفان:

فقوم: يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللاّئق بجلال الله، ويجوز أن لا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك، وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم.

وقوم: يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات.

فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها"1.

والصواب في ذلك هو طريق السلف الصالح رحمهم الله، إثباتُ ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسولُه صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونعوت الجلال من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ونفيُ ما نفاه الله عن نفسه وما نفاه عنه رسولُه صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، إثباتٌ بلا تمثيلٍ وتنزيهٌ بلا تعطيلٍ على حدِّ قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

1 انظر: مجموع الفتاوى (5/112 117) .

ص: 36

‌المبحث الثالث: في بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري

لا ريب أنَّ معرفةَ القواعد والأصول والضوابط الكليّة الجامعة يُعدُّ من أعظم العلوم وأجلِّها نفعاً وأكثرها فائدةً، ذلك أنَّ "الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان والأصول للأشجار لا ثبات لها إلاّ بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوّى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى وينمي نماءً مطَّرداً، وبها تُعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيراً، كما أنَّها تجمع النظائر والأشباه التي من جمال العلم جَمعُها"1 إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة التي لا تحصى.

بل إنَّ "من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها: أنَّ أحكامَها الأصوليَّة والفروعية والعبادات والمعاملات وأمورها كلّها لها أصولٌ وقواعدُ تَضبِطُ أحكامَها وتَجمعُ مُتفرِّقَها وتَنشر فروعَها وتَردُّها إلى أصولها"2.

والقاعدة: هي أمرٌ كلّيٌّ ينطبق على جزئيّاتٍ كثيرةٍ تُفهم أحكامُها منها3.

فإذا ضُبطت القاعدةُ وفُهم الأصلُ أمكن الإلمام بكثيرٍ من المسائل التي هي بمثابة الفرع لهذه القاعدة، وأُمن الخلطُ بين المسائل التي قد تشتبه، وكان فيها تسهيلٌ لفهم العلم وحفظه وضبطه، وبها يكون الكلام مبنياًّ على علمٍ متينٍ وعدلٍ وإنصافٍ.

1 طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص:4) .

2 الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص:243) .

3 انظر: شرح الكوكب المنيّر للفتوحي (ص:6) .

ص: 34

ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا بُدَّ أنْ يكون مع الإنسان أصولٌ كليّةٌ تُردُّ إليها الجزئيّات؛ ليتكلّم بعلمٍ وعدلٍ، ثمّ يعرف الجزئيّات كيف وقعت، وإلاّ فيبقى في كذبٍ وجهلٍ في الجزئيّات، وجهلٍ وظُلمٍ في الكليّات فيتولّد فسادٌ عظيمٌ"1.

لأجل هذا عُني أهل العلم كثيراً بوضع القواعد وجَمعها في الفنون المختلفة، فلا تكاد تجد فناًّ من الفنون إلاّ وله قواعدُ كثيرةٌ وضوابطُ عديدةٌ تَجمع مُتَفرِّقَه، وتُزيل مشتَبهَه، وتُنير معالمَه، وتُيسِّر فهمَه وحِفظَه وضبطَه2، "ويحصل بها من النفع والفائدة على اختصارها ما لا يحصل في الكلام الطويل"3.

ولهذا فإنَّه يترتَّب على العناية بالقواعد المأثورة والأصول الكليّة المنقولة عن السلف الصالح رحمهم الله من الفوائد والمنافع ما لا يعلمه إلاّ الله؛ لأنَّ فيها كما يقال وضعُ النقاط على الحروف، وفيها تجليةٌ للأُمور، وتوضيحٌ للمسائل، وإزالةٌ للّبْس، وأَمْنٌ من الخَلْط، إلى غير ذلك من الفوائد.

1 الفتاوى (19/203) .

2 انظر: مقدمة الرسالة التي بعنوان: (فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى) المستلّة من بدائع الفوائد لابن القيِّم، بتحقيقي.

3 تفسير ابن سعدي (5/3) .

ص: 35

‌المبحث الرابع:

في معنى قوله: "والسؤال عنه بدعة" والضوابط المستفادة منه

قوله رحمه الله: "والسؤال عنه بدعة" أي: الكيف، فالسؤال عن كيفية صفات الباري بدعة محدثةٌ، "لأنَّه سؤال عما لا سبيل إلى علمه، ولا يجوز الكلام فيه، ولم يسبق ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعده من أصحابه"1.

قال الإمام البربهاري رحمه الله: "احذر صغار المحدثات مِن الأمور، فإنَّ صغارَ البدع تعود كباراً، فالكلام في الربِّ عز وجل مُحدثٌ وبدعة وضلالة، فلا نتكلّم فيه إلَاّ بما وصف به نفسه، ولا نقول في صفاته: (لِمَ؟) ، ولا (كيف؟) ، والقرآن كلام الله وتنزيلُه ونوره ليس مخلوقاً، والمِراء فيه كفر"2.

وهذا من السنة اللازمة المتأكّدة في حق كلِّ مسلم، ومَن فارق ذلك كان معدوداً في جملة أهل البدع والأهواء، كما قال الإمام علي بن المديني رحمه الله:"السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، ثم تصديق بالأحاديث والإيمان بها لا يُقال: لِمَ؟، ولا كيف؟ إنَّما هو التصديق بها والإيمان بها وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقلُه فقد كفى ذلك وأحكم عليه الإيمان به والتسليم"3.

ثم إنَّه خوض في أمرٍ محالٍ على العقول أن تدركه، فكما أنَّ بصر الإنسان له غاية لا يمكن أن يتجاوزها، وكما أنَّ سمعه له غاية لا يمكن أن يتجاوزها، فكذلك

1 ذم التأويل لابن قدامة (ص:26) .

2 سير أعلام النبلاء (15/91)، وانظر شرح السنة للبربهاري (ص:24،25) .

3 رواه عنه اللالكائي في شرح الاعتقاد (1/165) .

ص: 37