الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تمهيد
المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام مالك بن أنس رحمه الله
…
تمهيد:
لعل من الحسن قبل الشروع في الموضوع أن أُمهِّد بذكر بعض الأمور المهمّة بين يديه، وذلك من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام مالك بن أنس رحمه الله -1.
أولاً: نسبه:
هو شيخ الإسلام، حجّة الأمة، إمام دار الهجرة، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عَمرو بن الحارث بن غيمان بن خُثيل بن عَمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شدّاد بن زرعة، وهو حِمير الأصغر، الحِميري ثم الأصبحي المدني، حليف بني تَيم من قريش، فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحدِ العشرة.
وأمُّه هي عالية بنت شريك الأزدية.
وأعمامه هم: أبو سُهيل نافع، وأُويس، والربيع، والنضر، أولاد أبي عامر.
ثانياً: مولده:
قال الذهبي رحمه الله: "مولد مالك على الأصح في سنة ثلاث وتسعين، عام موتِ أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشأ في صَون ورفاهية وتجمّل".
1 وهي ملخّصة من سير أعلام النبلاء للذهبي (8/48 وما بعدها) ، وللوقوف على مصادر ترجمة الإمام مالك انظر هامش السير، الصفحة المتقدّمة.
ثالثاً: نشأته وطلبه للعلم:
طلب مالكٌ العلمَ وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهّل للفتيا، وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وحدّث عنه جماعة وهو حيٌّ شابٌّ طريٌّ، وقصدَه طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، إلى أن مات.
رابعاً: شيوخه:
طلب الإمام مالك رحمه الله العلمَ وهو حدَثٌ بُعيد موت القاسم وسالم، فأخذ عن نافع، وسعيد المقبري، وعامر بن عبد الله ابن الزبير، وابن المنكدر، والزهري، وعبد الله بن دينار، وخلق.
وقد أحصى الذهبي رحمه الله شيوخه الذين روى عنهم في الموطأ وذكر إلى جنب كلِّ واحد منهم عدد ما روى عنه الإمام مالك ورتّبهم على حروف المعجم.
خامساً: تلاميذه:
قال الذهبي رحمه الله: "وقد كنت أفردتُ أسماء الرواة عنه في جزء كبير يُقارب عددهم ألفاً وأربع مائة، فلنذكر أعيانهم، حدّث عنه من شيوخه: عمّه أبو سُهيل، ويحيى بن أبي كثير، والزهري، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن الهاد، وزيد بن أبي أُنيسة، وعمر بن محمد بن زيد، وغيرهم، ومن أقرانه: معمر، وابن جريج، وأبو حنيفة، وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وشعبة، والثوري
…
"، وذكر آخرين.
سادساً: مؤلفاته:
من مؤلفاته رحمه الله:
1-
الموطأ.
2-
رسالة في القدر كتبها إلى ابن وهب.
3-
مؤلف في النجوم ومنازل القمر.
4-
رسالة في الأقضية.
5-
رسالة إلى أبي غسان بن مطرّف.
6-
جزء في التفسير.
وأما ما نقله عنه كبار أصحابه من المسائل والفتاوى والفوائد فشيءٌ كثيرٌ.
سابعاً: ثناء العلماء عليه:
1-
قال الشافعي: "العِلمُ يدور على ثلاثة: مالك، والليث، وابن عيينة".
2-
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكاً يقول:
"عالم العلماء، ومفتي الحرمين".
3-
وعن بقيّة أنَّه قال: "ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنّةٍ ماضية منك يا مالك".
4-
وقال أبو يوسف: "ما رأيت أعلمَ من أبي حنيفة، ومالك، وابن أبي ليلى".
5-
وذكر أحمد بن حنبل مالكاً فقدّمه على الأوزاعي، والثوري، والليث، وحماد، والحَكم، في العلم، وقال:"هو إمام في الحديث، وفي الفقه".
6-
وقال القطّان: "هو إمام يُقتدى به".
7-
وقال ابن معين: "مالكٌ من حُجج الله على خلقه".
8-
وقال أسد بن الفرات: "إذا أردتَ الله والدارَ الآخرة فعليك بمالكٍ".
ثامناً: أقواله في السنة:
1-
قال مطرّف بن عبد الله: سمعتُ مالكاً يقول: "سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووُلاة الأمر بعده سُنناً، الأخذُ بها اتّباع لكتاب الله، واستكمالٌ بطاعة الله، وقوّةٌ على دين الله، ليس لأحد تغييرها، ولا تبديلُها، ولا النّظرُ في شيء خالفها، من
اهتدى بها فهو مهتدٍ، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتّبع غير سبيل المؤمنين، وولاّه الله ما تولّى، وأصلاه جهنّم وساءت مصيراً".
2-
وروى إسحاق بن عيسى عن مالك رحمه الله أنَّه قال:
"أكلّما جاءنا رجلٌ أجدلُ من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدلِه".
3-
وقال أبو ثور: سمعت الشافعيَّ يقول: "كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أمَا إني على بيّنة من ديني، وأمَّا أنت فشاكٌّ، اذهب إلى شاكٍّ مثلكَ فخاصمه".
4-
وقال يحيى بن خلف الطَرسوسي: "كنت عند مالك فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال مالك: زنديق، اقتلوه، فقال: يا أبا عبد الله، إنّما أحكي كلاماً سمعته، قال: إنّما سمعته منك، وعظَّم هذا القول".
5-
وروى ابن وهب عن مالك رحمه الله أنّه قال: "الناس ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم".
6-
وقال القاضي عياض: قال معنٌ: "انصرف مالكٌ يوماً فلحقَه رجلٌ يُقال له: أبو الجويرية، متّهمٌ بالإرجاء، فقال: اسمع مني، قال: احذر أن أشهد عليك، قال: والله ما أريد إلَاّ الحق، فإن كان صواباً فقُل به، أو فتكلّم، قال: فإن غلبتني، قال: اتبعني، قال: فإن غلبتُك، قال: اتّبعتُك، قال: فإن جاء رجل فكلّمنا، فغلبنا؟ قال: اتّبعناه، فقال مالك: يا هذا، إنَّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تتنقّل".
7-
وعن مالك قال: "الجدالُ في الدِّين ينشئ المراء، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسّي، ويورث الضِّغن".
تاسعاً: وفاته:
قال القعنبي: "سمعتهم يقولون: عُمر مالك تسع وثمانون سنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة".
وقال إسماعيل بن أبي أُويس: "مرض مالك، فسألتُ بعض أهلنا عما قال عند الموت، قالوا: تشهّد، ثم قال: {للهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} 1، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة، فصلَّى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، وَلَد زينب بنت سليمان العباسية، ويُعرف بأمِّه"، رواها محمد بن سعد عنه، ثم قال:"وسألتُ مصعباً، فقال: بل مات في صفر، فأخبرني معن بن عيسى بمثل ذلك".
وقال أبو مصعب الزهري: "مات لعشر مضت من ربيع الأول سنة تسع".
وقال محمد بن سحنون: "مات في حادي عشر ربيع الأول".
وقال ابن وهب: "مات لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول".
قال القاضي عياض: "الصحيح وفاته في ربيع الأول يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يوماً من مرضه".
قال الذهبي: "تواترت وفاتُه في سنة تسع، فلا اعتبار لقول من غلِط وجعلها في سنة ثمان وسبعين، ولا اعتبار بقول حبيب كاتبه، ومطرِّف فيما حكي عنه، فقالا: سنة ثمانين ومائة".
ونقل عن القاضي عياض أنَّ أسد بن الفرات قال: "رأيتُ مالكاً بعد موته، وعليه طويلة وثياب خضر وهو على ناقة، يطير بين السماء والأرض، فقلت: يا أبا عبد الله، أليس قد متَّ؟ قال: بلى، فقلت: فإلامَ صِرتَ؟، فقال: قدِمتُ على ربي وكلّمني كفاحاً، وقال: سلني أعطِك، وتمنَّ عليَّ أُرضِك".
فرحمه الله، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنّة.
1 سورة الروم، الآية:(4) .
ثانياً: إنَّ معنى هذه الكلمة مشهور، ولهذا لما سُئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن أنس عن قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ قالا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
ثالثاً: إنَّه إذا كان معلوماً في اللغة التي نزل بها القرآن كان معلوماً في القرآن.
رابعاً: إنَّه لو لم يكن معنى الاستواء في الآية معلوماً لم يحتج أن يقول: الكيف مجهول، لأنَّ نفيَ العلم بالكيف لا ينفي إلَاّ ما قد عُلم أصله، كما نقول: إنَّا نقرُّ بالله ونؤمن به، ولا نعلم كيف هو.
خامساً: الاستيلاء سواء كان بمعنى القدرة أو القهر أو نحو ذلك هو عام في المخلوقات كالربوبية، فلو كان استوى بمعنى استولى، كما هو عام في الموجودات كلّها لجاز مع إضافته إلى العرش أن يُقال: استوى على السماء، وعلى الهوى، والبحار والأرض، وعليها ودونها ونحوها، إذ هو مستوٍ على العرش، فقد اتفق المسلمون على أنَّه يُقال: استوى على العرش، ولا يُقال استوى على هذه الأشياء، مع أنَّه يُقال استولى على العرش والأشياء، علم أنَّ معنى استوى خاص بالعرش ليس عاماً كعموم الأشياء.
سادساً: أنّه أخبر بخلق السموات والأرض في ستة أيّام ثم استوى على العرش، وأخبر أنَّ عرشَه كان على الماء قبل خلقها، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن عمران بن حُصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذِّكر كلَّ شيء ثم خلق السموات والأرض" 1، مع أنَّ العرش كان مخلوقاً قبل ذلك، فمعلوم أنَّه ما زال مستولياً
1 صحيح البخاري (6/286 الفتح) .
عليه قبل وبعد، فامتنع أن يكون الاستيلاء العام هذا الاستيلاء الخاص بزمان كما كان مختصاًّ بالعرش.
سابعاً: أنَّه لم يثبت أنَّ لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى، إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور:
ثم استوى بِشر على العراق
…
من غير سيفٍ ولا دم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنَّه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنَّه بيت مصنوع لا يُعرف في اللغة، وقد علم أنَّه لو احتجّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحّته، فكيف بيت من الشعر لا يُعرف إسناده؟! وقد طعن فيه أئمة اللغة، وذُكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه الإفصاح قال:"سُئل الخليل هل وجدتَ في اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال: هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها"1. وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله، فحينئذ حمله على ما لا يُعرف حمل باطل.
ثامناً: أنَّه روي عن جماعة من أهل اللغة أنّهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلَاّ في حقِّ من كان عاجزاً ثم ظهر، والله سبحانه لا يعجزه شيء، والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى، فإذا تبيّن هذا فقول الشاعر:
ثم استوى بِشر على العراق
لفظ مجازي لا يجوز حمل الكلام عليه إلَاّ مع قرينة تدل على إرادته، واللفظ المشترك بطريق الأولى، ومعلوم أنَّه ليس في الخطاب قرينة أنَّه أراد بالآية الاستلاء.
1 وذكر نحو هذا عن أبي عبد الله بن الأعرابي، رواه عنه اللالكائي في شرح الاعتقاد (3/399) .
وأيضاً فأهل اللغة قالوا: لا يكون استوى بمعنى استولى إلَاّ فيما كان منازعاً مغالباً، فإذا غلب أحدهما صاحبه قيل: استولى، والله لم ينازعه أحد في العرش، فلو ثبت استعماله في هذا المعنى الأخص مع النزاع في إرادة المعنى الأعم لم يجب حمله عليه بمجرّد قول بعض أهل اللغة مع تنازعهم فيه، وهؤلاء ادّعوا أنّه بمعنى استولى في اللغة مطلقاً.
تاسعاً: أنَّ معنى الاستواء معلوم علماً ظاهراً بين الصحابة والتابعين وتابعيهم، فيكون التفسير المحدث بعده باطلاً قطعاً، وهذا قول يزيد بن هارون الواسطي، فإنَّه قال:"إنَّ من قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} خلاف ما تقرّر في نفوس العامة فهو جهمي"1، ومنه قول مالك:"الاستواء معلوم"، وليس المراد أنَّ هذا اللفظ في القرآن معلوم كما قال بعض الناس: استوى أم لا؟ أو أنَّه سُئل عن الكيفية ومالك جعلها معلومة، والسؤال عن النزول ولفظ الاستواء ليس بدعة ولا الكلام فيه، فقد تكلّم فيه الصحابة والتابعون، وإنَّما البدعة السؤال عن الكيفية"2.
وقد أبطل العلاّمة ابن القيم هذا التأويل الفاسد في كتابه الصواعق المرسلة من اثنين وأربعين وجهاً، فلم يدَعْ رحمه الله لمبطل متعلّقاً3.
فإذا تبيّن فساد هذا التأويل الذي هو أشهر تأويلات هؤلاء، فإنَّ ما سواه من التأويلات أشدّ فساداً وأكثر بعداً عن الحق والصواب.
وقبل أن أختم هذا المبحث أودّ التنبيه على أمرين:
الأول: كلام القاضي أبي يعلى في كتابه إبطال التأويلات بعد أن ذكر أثر أم
1 تقدّم تخريجه (ص: 19) .
2 مجموع الفتاوى (5/144 149) باختصار.
3 انظر: مختصر الصواعق المرسلة (ص:319 وما بعدها) .
سلمة في آية الاستواء حيث قال: "فقد صرّحت بالقول بالاستواء غير معقول، وهذا يمنع تأويله على العلوّ والاستيلاء"1.
قال هذا رحمه الله، مع أنَّ لفظ الأثر عنده "الاستواء غير مجهول" أي غير مجهول المعنى وهو العلو والارتفاع كما تقدّم فكيف يُقال: إنَّه يمتنع تأويله بالعلوّ، مع أنَّ هذا هو معنى اللفظ في لغة العرب.
الثاني: قول القرطبي بعد أن نقل ما قيل في معنى الاستواء حيث قال: "أظهر الأقوال وإن كنتُ لا أقول به ولا أختاره ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أنَّ الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه بلا كيف بائنٌ من جميع خلقه، هذا جملة مذهب السلف الصالح"2.
فهو كلام غريب من مثله رحمه الله، إذ كيف يكون على علم بتظاهر الآيات عليه وقول الفضلاء الأخيار به وأنَّه مذهب السلف الصالح ثم يصرّح بأنَّه لا يقول به ولا يختاره، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلال} ، ولذا قال السفاريني رحمه الله بعد أن نقل كلامه هذا:"وفي قوله رحمه الله: "وإن كنتُ لا أقول به" غاية العجب، لأنَّه اعترف بتظافر الآيات القرآنية عليه ودلالة الأخبار النبوية إليه، وتعويل السلف الصالح الأخيار عليه، فكيف يليق من مثله أن يقول: "وإن كنتُ لا أقول به ولا أختاره" مع الدلالات القرآنية والأحاديث النبوية، وكونه معتقد الرعيل الأول والحزب الذي عليه المعوَّل
…
"3. وبالله وحده التوفيق.
1 إبطال التأويلات (1/71) .
2 ذكره في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ونقله مرعي الكرمي في أقاويل الثقات (ص:132) ، والسفاريني في لوائح الأنوار السنية (1/364) .
3 لوائح الأنوار السنية (1/364)، وانظر: أقاويل الثقات لمرعي الكرمي (ص:132) .
المبحث الثاني:
في معنى قوله: "والكيف غير معقول" والضوابط المستفادة منه
قول الإمام مالك رحمه الله في الاستواء: "والكيف غير معقول" هو نظير قول غير واحد من أئمة السلف في إثبات الصفات عموماً: "بلا كيف"، وقد سبق نقل بعض ألفاظهم في ذلك ومنها غير ما تقدّم:
قول سفيان بن عيينة: "كلُّ شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره ولا كيف ولا مثل"1.
وقول وكيع: "نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ولا نقول كيف هذا، ولِمَ جاء هذا"2.
وسبق أن مرَّ معنا قول مالك نفسه رحمه الله، وغيره من أئمة السلف في الصفات:"أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيف".
قال شيخ الإسلام: "فقول ربيعة ومالك: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب" موافق لقول الباقين:"أمرُّوها كما جاءت بلا كيف" فإنَّما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرّد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا:"الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا:"أمرُّوها كما جاءت بلا كيف"، فإنَّ الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهول بمنزلة حروف المعجم وأيضاً فإنَّه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، إنّما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات، وأيضاً فإنَّ من ينفي
1 رواه الدارقطني في الصفات (ص:70) .
2 رواه الدارقطني في الصفات (ص:71) .