المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الأوَّل: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته وذكر الشواهد - الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

-

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام مالك بن أنس رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: في ذكر معتقد أهل السنة والجماعة في صفة الاستواء بإيجاز

- ‌المبحث الثالث: في بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري

- ‌الفصل الأوَّل: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته وذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح

- ‌المبحث الأوَّل: تخريج هذا الأثر وبيان ثبوته عن الإمام مالك رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: ذكر الشواهد على هذا الأثر من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: ذكرُ نظائر هذا الأثر مما جاء عن السلف الصالح

- ‌المبحث الرابع: ذكر كلام أهل العلم في التنويه بهذا الأثر وتأكيدهم على أهميته، وجعله قاعدة من قواعد توحيد الأسماء والصفات

- ‌الفصل الثاني: في ذكر معنى هذا الأثر،وبيان مدلوله، وما يستفاد منه من ضوابط في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأوّل:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌المبحث الثالث:

- ‌المبحث الرابع:

- ‌الفصل الثالث: في إبطال تحريفات أهل البدع لهذا الأثر

-

- ‌الفصل الرابع: في ذِكر فوائد عامة مأخوذة من هذا الأثر

- ‌المبحث الأول:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌المبحث الثالث:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌الفصل الأوَّل: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته وذكر الشواهد

‌الفصل الأوَّل: في تخريج هذا الأثر، وبيان ثبوته وذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح

‌المبحث الأوَّل: تخريج هذا الأثر وبيان ثبوته عن الإمام مالك رحمه الله

-

لقد اشتهر هذا الأثر عن الإمام مالك رحمه الله شهرة بالغة، ورواه عنه طائفة من تلاميذه، وهو مرويٌّ عنه من طرق عديدة، وقد حَظِي باستحسان أهل العلم، وتلقَّوه بالقبول، وهو مخرَّج في كتب عديدة من كتب السنة.

وفيما يلي ذكرٌ لما وقفت عليه من طرق لهذا الأثر مع ذكر مخرِّجيها، وما وقفت عليه من كلام أهل العلم في بيان ثبوته.

1-

رواية جعفر بن عبد الله1

قال الحافظ أبو نعيم في الحلية: حدّثنا محمد بن علي بن مسلم العقيلي، ثنا القاضي أبو أميَّة الغلابي، ثنا سلمة بن شبيب2، ثنا مهدي بن جعفر3، ثنا جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله

1 عدَّه الذهبي في المشتبه في الرواة عن مالك، وتعقَّبه ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه (4/98 - 99) بقوله:" فيه نظر؛ لأنَّ هذا الإطلاق يوهم أنَّ شيخ جعفر مالكُ بن أنس الإمام، وكأنَّه - والله أعلم - عند المصنِّف الإمام مالك، فلهذا أطلقه، وليس بالإمام، إنَّما هو مالك بن خالد الأسدي البصري كما سمَّاه الأمير وغيره"، وذكر نحواً من هذا ابن حجر في تبصير المنتبه (2/621) .

2 هو سلمة بن شبيب النيسابوري أبو عبد الرحمن الحَجْري المسمَعي، نزيل مكة.

قال أبو حاتم: (صدوق)، وقال أبو نعيم:"أحد الثقات، حدّث عنه الأئمة والقدماء"، توفي سنة (247هـ)، انظر: تهذيب الكمال (11/284) .

3 هو مهدي بن جعفر بن جَيْهان بن بهرام الرملي، أبو محمد.

قال فيه ابن حجر:"صدوق له أوهام" كما في التقريب له (برقم:6979) .

ونقل ابن حجر في تهذيبه (10/289) عن الذهبي قوله:"رأيت له رواية عن مالك في تفسير ابن أبي حاتم"، توفي سنة (230هـ) .

ص: 38

{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكتُ بعود في يده حتى علاه الرّحضاء يعني العرق ثمَّ رفع رأسه ورمى بالعود وقال:"الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وأمر به فأُخرج1.

ورواه الإمام أبو إسماعيل الصابوني في كتابه (عقيدة السلف) قال: أخبرنا أبو محمد المخلدي العدل، حدّثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني، حدّثنا أبو الحسين علي بن الحسن، حدّثنا سلمة بن شبيب به، وذكر نحوَه، إلاّ أنّه قال:"الكيف غير معلوم"2.

ورواه أيضاً الإمام الصابوني من طريق أخرى قال: أخبرنا به جدّي أبو حامد أحمد بن إسماعيل، عن جدّ والدي الشهيد، وأبو عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني، حدّثنا محمد بن أحمد ابن أبي عون النسوي، حدّثنا سلمة بن شبيب به3.

ورواه الحافظ اللالكائي في شرح الاعتقاد من طريق علي بن الربيع التميمي المقري قال: ثنا عبد الله بن أبي داود قال: ثنا سلمة ابن شبيب به، باللفظ السابق4.

1 الحلية لأبي نعيم (6/325،326) ، ورواه الذهبي في السير (8/100) من طريق أبي نعيم.

2 عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص:38) .

3 عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص:39) .

4 شرح الاعتقاد (3/398) .

قال الألباني - حفظه الله -:"وأما ما عزاه إليه صاحب (فرقان القران بين صفات الخالق وصفات الأكوان) (ص:16) : بلفظ:"الاستواء مذكور" فلم أره فيه، ولا رأيت من ذكره غير المشار إليه، وهو من الثقات [كذا في الأصل وهو تصحيف من الطابع، والصواب (وهو من النفاة) ] ؛ ولذلك ركن إلى هذا اللفظ لأن فيه ما يريده من نفي معنى الاستواء وأنه معروف عند مالك"، مختصر العلوّ (ص:142) .

ص: 39

وتابعه بكّار بن عبد الله1 عن مهدي بن جعفر عن مالك، ولم يذكر شيخه جعفر بن عبد الله.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد2، أخبرنا محمد بن عبد الملك قال: حدّثنا عبد الله بن يونس قال: حدّثنا بقيُّ بن مخلد قال: حدّثنا بكار بن عبد الله القرشي قال: حدّثنا مهدي بن جعفر عن مالك ابن أنس أنَّه سُئل عن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} : كيف استوى؟، قال: فأطرق مالك ثم قال:"استواؤه مجهول3، والفعل منه غير معقول، والمسألة عن هذا بدعة".

وتابعه أيضاً الإمام الدارمي، قال في كتابه الردّ على الجهميّة: حدّثنا مهدي بن جعفر الرملي ثنا جعفر بن عبد الله وكان من أهل الحديث ثقة عن رجل قد سمّاه لي، قال: جاء رجل إلى مالك ابن أنس، وذكره4.

فزاد في إسناده بعد جعفر بن عبد الله:"عن رجل".

ومهدي بن جعفر صدوق له أوهام وقد اضطرب في روايته لهذه القصة، فرواها مرّة عن شيخه جعفر بن عبد الله عن مالك، ورواها مرّة أخرى عن شيخه جعفر عن رجل عن مالك، ورواها مرّة ثالثة عن مالك مباشرة، وهذا

1 هو بكار بن عبد الله بن بسر بن أرطاة الدمشقي القرشي.

روى عن أسد بن موسى، وروى عنه أحمد بن أبي الحواري وأبو حاتم وأبو زرعة.

قال ابن أبي حاتم:"كتبت عنه عن أبي وسألته عن بكار هذا؟ فقال: (هو صدوق) ، الجرح والتعديل (1/1/410) .

(7/151) .

3 كذا وردت العبارة في التمهيد وهي يقيناً محرّفة، والصواب كما في الطرق المتقدِّمة للأثر وغيرها"استواؤه غير مجهول"، وقد أفادني أحد طلَاّب العلم الثقات باطّلاعه على النسخة الخطية للتمهيد في المغرب ووجد لفظة [غير] ملحقة بالهامش من الناسخ، ثم وقفت على مصورة لها فوجدت الأمر كذلك.

4 الردّ على الجهميّة (ص:55،56) .

ص: 40

الاضطراب الذي في هذه الطريق لا ينفي صحة القصة؛ لأنَّها قد جاءت من طرق أخرى تعضدها وتقوِّيها - كما سيأتي -.

2-

رواية عبد الله بن وهب1

قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران2، ثنا أبي3، حدّثنا أبو الربيع بن أخي رشدين ابن سعد4 قال: سمعت عبد الله بن وهب يقول: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استواؤه؟، قال: فأطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال:"الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه،

1 هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي الفهري، أبو محمد.

روى عن خلق كثير، وثّقه ابن معين وأبو زرعة، وقال فيه أحمد بن حنبل:"ما أصحّ حديثه وأثبتَه".

وهو من أثبت الناس في مالك؛ فقد قال هارون بن عبد الله الزهري:"كان الناس يختلفون في الشيء عن مالك، فينتظرون قدوم ابن وهب حتى يسألوه عنه".

وقال أبو مصعب:"مسائل ابن وهب عن مالك صحيحة"، توفي سنة (197هـ) ، تهذيب الكمال (16/277 - 286) .

وقال فيه ابن حجر في التقريب (رقم:3718) :"ثقة حافظ عابد".

2 أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي النيسابوري أبو الحسن.

قال فيه الذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات 331هـ فما بعدها)(ص:187) : "أبو الحسن الإسماعيلي النيسابوري العدل".

وقال السمعاني في الأنساب (1/155) :"كان كثير السماع من أبيه".

3 محمد بن إسماعيل بن مهران أبو بكر الإسماعيلي، قال فيه الحاكم:"هو أحد أركان الحديث بنيسابور، كثرة ورحلة واشتهارا

ثقة مأمون"، قال إبراهيم ابن أبي طالب:"لم يجوِّد لنا حديث مالك كالإسماعيلي"، توفي سنة (295هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (14/117 - 118) .

4 أبو الربيع هو سليمان بن داود بن حماد بن سعد المَهْري، وجدّه حماد بن سعد أخو رِشْدين بن سعد، توفي سنة (253هـ) .

ترجم له المزي في تهذيب الكمال (11/409 - 410) ، وذكر أنَّ النسائي وثّقه.

ص: 41

‌المبحث الرابع:

في معنى قوله: "والسؤال عنه بدعة" والضوابط المستفادة منه

قوله رحمه الله: "والسؤال عنه بدعة" أي: الكيف، فالسؤال عن كيفية صفات الباري بدعة محدثةٌ، "لأنَّه سؤال عما لا سبيل إلى علمه، ولا يجوز الكلام فيه، ولم يسبق ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعده من أصحابه"1.

قال الإمام البربهاري رحمه الله: "احذر صغار المحدثات مِن الأمور، فإنَّ صغارَ البدع تعود كباراً، فالكلام في الربِّ عز وجل مُحدثٌ وبدعة وضلالة، فلا نتكلّم فيه إلَاّ بما وصف به نفسه، ولا نقول في صفاته: (لِمَ؟) ، ولا (كيف؟) ، والقرآن كلام الله وتنزيلُه ونوره ليس مخلوقاً، والمِراء فيه كفر"2.

وهذا من السنة اللازمة المتأكّدة في حق كلِّ مسلم، ومَن فارق ذلك كان معدوداً في جملة أهل البدع والأهواء، كما قال الإمام علي بن المديني رحمه الله:"السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، ثم تصديق بالأحاديث والإيمان بها لا يُقال: لِمَ؟، ولا كيف؟ إنَّما هو التصديق بها والإيمان بها وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقلُه فقد كفى ذلك وأحكم عليه الإيمان به والتسليم"3.

ثم إنَّه خوض في أمرٍ محالٍ على العقول أن تدركه، فكما أنَّ بصر الإنسان له غاية لا يمكن أن يتجاوزها، وكما أنَّ سمعه له غاية لا يمكن أن يتجاوزها، فكذلك

1 ذم التأويل لابن قدامة (ص:26) .

2 سير أعلام النبلاء (15/91)، وانظر شرح السنة للبربهاري (ص:24،25) .

3 رواه عنه اللالكائي في شرح الاعتقاد (1/165) .

ص: 37

عقله له نطاق محدّد، ومجال لا يمكن أن يتجاوزه.

يروى أنَّ رجلاً أتى بابن له إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: "لقد حيّرت الخصومة عقله، وأذهبت المنازعة قلبه، وذهبت به الكلفة عن ربه، فقال عبد الله: امدد بصرك يا ابن أخي ما السواد الذي ترى؟ قال: فلان، قال: صدقت، قال: فما الخيال المسرف من خلفه؟ قال: لا أدري، قال عبد الله: يا ابن أخي فكما جعل الله لأبصار العيون حداًّ محدوداً من دونها حجاباً مستوراً فكذلك جعل لأبصار القلوب غاية لا يجاوزها، وحدوداً لا يتعدّاها، قال: فردّ الله عليه غارب عقله، وانتهى عن المسألة عما لا يعنيه، والنظر فيما لا ينفعه، والتفكر فيما يحيِّره"1.

وهو كلام حسن وتنظير سديد وإن كان لم يثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما2 والأمر كما ذكر، فكما أنَّ الله جعل لأبصار العيون حدوداً معلومة فكذلك الشأن في أبصار القلوب، لها مجال محدود لا يمكنها أن تتجاوزه أو تتعدّاه.

أورد هذا الأثر ابن بطة في كتابه الإبانة وقال معلِّقاً عليه: "فاتقوا الله يا معشر المسلمين وانتهوا عن معرفة خلقه، أما تعلمون أنَّ الله عز وجل قد أخذ عليكم ميثاق الكتاب أن لا تقولوا على الله إلاّ الحق، فسبحان الله أنى تؤفكون"3.

وقد عقد الإمام ابن بطة رحمه الله في هذا الموضوع باباً نافعاً في كتابه الإبانة

1 رواه ابن بطة في الإبانة (1/422) .

2 في إسناده أبو اليقظان وهو عثمان بن عمير البجلي ضعيف اختلط وكان يدلِّس ويغلو في التشيُّع كما في التقريب لابن حجر، ومسعود بن بشير لم أجده.

3 الإبانة لابن بطة (1/423) .

ص: 38

وهو (باب ترك السؤال عما لا يعني البحث والتنقير عما لا يضر جهله والتحذير من قوم يتعمّقون في المسائل ويتعمّدون إدخال الشكوك على المسلمين)1.

أورد تحته جملة من النصوص والآثار منها:

1-

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فاعملوا منه ما استطعتم"2.

2-

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: "هلك المتنطِّعون" ثلاث مرات3.

3-

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلاّ عن ثلاث عشرة مسألة حتى قُبض كلُّهن في القرآن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ} 4، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ} 5، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى} 6، {وَيَسَأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ} 7 ما كانوا يسألون إلاّ عمّا ينفعهم".

4-

حديث المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عز وجل كره لكم ثلاثاً: قيل وقال وكثرة السؤال"8.

1 الإبانة (1/390 424) .

2 رواه البخاري (13/251 الفتح) ، ومسلم (4/1830) .

3 رواه مسلم (4/2055) .

4 سورة: البقرة، الآية:(217) .

5 سورة: البقرة، الآية:(219) .

6 سورة: البقرة، الآية:(220) .

7 سورة: البقرة، الآية:(222) .

8 رواه البخاري (3/340 الفتح) ومسلم (3/1341) .

ص: 39

5-

وعن ابن شبرمة رحمه الله قال: "من المسائل مسائل لا يجوز للسائل أن يسأل عنها، ولا للمسؤول أن يجيب فيها".

6-

وعن عمران بن عبد الله الخزاعي قال: مرّ القاسم بن محمد بقوم يتكلّمون في القدر فقال: "انظروا ما ذكر الله في القرآن فتكلموا فيه وما كفّ الله عنه فكفُّوا".

7-

وعن إبراهيم النخعي قال: "كانوا لا يسألون إلاّ عن الحاجة".

8-

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً سدده وجعل سؤاله عما يعنيه وعلمه فيما ينفعه".

وذكر آثاراً أُخر ثم قال: "فالعجب يا إخواني رحمكم الله لقوم حيارى تاهت عقولهم عن طرقات الهدى، فذهبت تند محاضره في أودية الردى، تركوا ما قدّمه الله عز وجل في وحيه وافترضه على خلقه، وتعبَّدَهم بطلبه وأمرهم بالنظر والعمل به، وأقبلوا على ما لم يجدوه في كتاب ناطق ولا تقدمهم فيه سلَف سابق، فشغلوا به وفرّغوا له آراءهم وجعلوه ديناً يدعون إليه ويعادون من خالفهم عليه، أما علم الزائغون مفاتيح أبواب الكفر ومعالم أسباب الشرك، التكلف لما لم تحط الخلائق به علماً به، ولم يأت القرآن بتأويله ولا أباحت السنة النظر فيه، فتزيد الناقص الحقير والأحمق الصغير بقوته الضعيفة، وعقله القصير، أن يهجم على سر الله المحجوب، ويتناول علمه بالغيوب يريدها لنفسه، وطوى عليها علمها دون خلقه، فلم يحيطوا من علمها إلاّ بما شاء، ولا يعلمون منها إلاّ ما يريد، فكلما لم ينزل الوحي بذكره ولم تأت السنة بشرحه من مكنون علم الله ومخزون غيبه وخفي أقداره فليس للعباد أن يتكلّفوا من علمه ما لا يعلمون، ولا يتحمّلوا من نقله ما لا يطيقون، فإنه لن يعدو رجل كلف ذلك نظره وقلّب فيه فكره أن يكون كالناظرين في عين الشمس ليعرف قدرها، أو

ص: 40

كالمرتمي في ظلمات البحور ليدرك قعرها، فليس يزداد على المضي في ذلك إلاّ بعداً، ولا على دوام النظر في ذلك إلاّ تحيُّراً، فليقبل المؤمن العاقل ما يعود عليه نفعه، ويترك إشغال نظره وإعمال فكره في محاولة الإحاطة بما لم يكلفه، ومرام الظفر بما لم يطوقه، فيسلك سبيل العافية، ويأخذ بالمندوحة الواسعة ويلزم الحجة الواضحة والجادة السابلة والطريق الآنسة، فمن خالف ذلك وتجاوزه إلى الغمط بما أمر به والمخالفة إلى ما ينهى عنه، يقع والله في بحور المنازعة وأمواج المجادلة ويفتح على نفسه أبواب الكفر بربه والمخالفة لأمره والتعدي لحدوده، والعجب لمن خلق من نطفة من ماء مهين فإذا هو خصيم مبين، كيف لا يفكر في عجزه عن معرفة خلقه، أما يعلمون أنَّ الله عز وجل قد أخذ عليكم ميثاق الكتاب أن لا تقولوا على الله إلاّ الحق فسبحان الله أنى تؤفكون.

حدّثني ابن الصواف، قال: سمعت أبي يقول: سمعت بعض العلماء يقول: "لو كلَّف الله هؤلاء ما كلَّفوه أنفسهم من البحث والتنقير لكان من أعظم ما افترضه عليهم".

فالزموا رحمكم الله الطريق الأقصد والسبيل الأرشد والمنهاج الأعظم من معالم دينكم وشرائع توحيدكم التي اجتمع عليها المختلفون واعتدل عليها المعترفون {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1، وترك الدخول في الضيق الذي لم نخلق له"2.

1 سورة: الأنعام، الآية:(153) .

2 الإبانة لابن بطة (1/420،421) .

ص: 41