الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خواطر إيمانية
حول سورة الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1).
بهذه السورة العظيمة، فتح الله تبارك وتعالي كتابه العزيز، فهي فاتحة الخير، وفاتحة العز، وفاتحة النصر، وفاتحة البركة، وفاتحة الكرامة، وفاتحة الهداية، فكل شيء تريده أن تبدأ بالفاتحة (2) 0
فضل سورة الفاتحة:
أولا: عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه قال: كنت أصلّي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صلّيت، قال: فأتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قلت يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ
(1) سورة الفاتحة - الآيات من 1: 7.
(2)
أخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل آمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ".
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (1)؟ ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن، قال:" نعم {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " أخرجه أحمد ورواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة (2) "
ثانيا: وعن أُبيّ بن كعب رضي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي نصفين " رواه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن أُبي بن كعب " هذا لفظ النسائي. (3)
ثالثا: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنّا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إنَّ سيّد الحي سليم أي لديغ وإنَّ نفرنا غُيَّب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه ما كنا نأبنه: أي نعيبه أو نتهمه برقيه، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن؟ أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيتُ إلاّ بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي أو نسأل صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما كان يدريه أنها رُقْية؟ اقسموا واضربوا لي
(1) سورة الأنفال _ الآية 24.
(2)
مشكاة المصابيح _ كتاب فضائل القرآن 1/ 654.
(3)
سنن النسائي بشرح الإمامين السيوطي والسندي – كتاب الإفتتاح – باب فضل فاتحة الكتاب – 1/ 610.
بسهم " رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وفي بعض روايات مسلم أن أبا سعيد الخدري وهو الذي رقى ذلك اللديغ. (1)
رابعاً: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلي الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته " رواه مسلم والنسائي عن ابن عباس ". (2) ومعنى قوله نقيضا أي صوتاً.
خامساً: وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداجٌ - ثلاثاً - غير تمام فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:{الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال:{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجّدني عبدي، وقال مرة: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال:{إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ
(1) سورة الفاتحة – الآيات من 1: 7.
(2)
مشكاة المصابيح – كتاب فضائل القرآن 1/ 656.
أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) " رواه مسلم عن أبي هريرة "(1)
وعددها: سبع آيات، قال الله تعالي:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2)
في هذه الآيات يَمُنُّ الله بها، على نبيه وعلى كل من تَبِعه، أن جعل قرآنك الذي هو دستور حياتك، جعله في سبع آيات، اختصره، وأَوْجزه، وجعل أنواره في سبع آيات، وضعها في صدرك {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا} فلولا الفاتحة، كيف نفهم القرآن، تقرأ البقرة، تقرأ آل عمران، تقرأ النساء، لا تعرف المقصد، ولا تعرف المنهاج، ولا تعرف كيف تقدم، وكيف تؤخر، فخير ما يفهمنا ويفسر لنا القرآن هي سورة الفاتحة.
بالقرآن نعرف الفاتحة، وكيف نعرف الفاتحة؟ إذا أردت أن تفهم المجمل، اقرأ المفصّل، وإذا أردت أن تفهم المفصّل، اقرأ المجمل، هي الفاتحة نقرؤها في الركعة الأولى وفي الثانية وهكذا مرةً بعد مرة {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا} سَهْلٌ حفظهما، ولهذا الله عز وجل ما أوجب علينا حفظ جزء أو جزئين، فالفاتحة
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/ 39، 296، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من ترك القراءة بفاتحة الكتاب في صلاته 1/ 215، والترمذي في تفسير القرآن _ باب من سورة فاتحة الكتاب 5/ 184، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب 1/ 605.
(2)
سورة الحجر – الآيتان 87، 88.
ومعها سورة واحدة هذا واجب وجوبا عينيا، والباقي وجوب كفائي وسنّة، فالله أوجب علينا أن يكون القرآن دستور حياتنا، أفكارنا قرآنية، أعمالنا قرآنية، همومنا قرآنية - كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن -الجهد فرض عين، أما التلاوة فما كل الأمة تمتعت بتلاوة القرآن، ولكن كل الأمة تمتعت بتلاوة الفاتحة، ما كل الأمة حفظت القرآن، أشغل سيدنا خالد رضي الله عنه جهد القتال عن حفظ القرآن فقد كان لا يحفظ السور الطويلة، ولكن كان يحفظ السور القصيرة، ما كان يحفظ، قوله تعالي:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (1) لكن كان يشتغل في القتال وما كانت سُميّة رضي الله عنها تحفظ قوله تعالي: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (2). ولكن كانت تشتغل بالدعوة، ما كل الأمة حفظوا {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (3) ولكن كل الأمة غضت أبصارها.
تستطيع مع الفاتحة وسورة أو سورتين أن تكون صالحاً ومصلحاً، فمصدر الهداية القرآن والسنة، كيف القرآن والسنّة مصدر هداية؟ يعني جهد القرآن وجهد السنَّة مصدر هداية.
(1) سورة البقرة _ الآية 191.
(2)
سورة النحل - الآية 125.
(3)
سورة النور– الآية30.
والسنَّة كم يجب أن نحفظ منها؟ كم حديث يجب حفظه من السنَّة؟ فبدون سنَّة لا نهتدي، وبدون قرآن لا نهتدي، فكم حديث يجب أن نحفظ؟ الجواب: ولا حديث فلا يجب حفظ حديث واحد وجوبا عينيا، فأكثر الصحابة لم يَرْوُوا ولا حديث، فسيدنا جعفر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم لم يروي ولا حديث، فأول حياته هَاجَر إلى الحبشة، وابتعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمعه، ولم يكن هناك كتب أو انترنت، ولمَّا رجع من الحبشة أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة مُؤتة فاستُشهِد رضي الله عنه، فلا يجب عليَّ حفظ، حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (1) " ولكن وجب عليَّ إكرم الضيف لأني علمت أن من هديّ الرسول صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف، والمسلم وإن لم يحفظ حديث في حسن الجوار، إلا أنه وجب عليه حسن الجوار، لأنه عَلِمَ أنَّ من هَدْيِه صلى الله عليه وسلم حُسْن الجوار فأحْسَنَ الجوار 00 فإذاً المطلوب منا أن نتَعَلُّم جهد القرآن، وجهد السنة، وليس معني ذلك أننا نُحقر من يحفظ القرآن، والسنة النبوية المطهرة، وإلا فمن يحفظ علي الأمة دينها.
فكيف إذن نخشع في الصلاة، ونترقى في الصلاة، ونتقدم في الصلاة؟.
إذن نتَدَبَّر في صلاتنا، في كل صلاة نقول الله أكبر (ونتَدَبَّر) الله أكبر ونقرأ الفاتحة (ونَتَدَبَّر فيها).
ونحن في هذه الجلسة الكريمة، نتدبر الآيات السبع، حتى يُعِين تَدَبَّرها على الخشوع والخضوع والتوجه في صلاتنا،
الصلاة تُسَمَّى صلاة، وتسمى ركوع، وتسمى سجود، وتسمى الفاتحة وتسمى القرآن، (وقرآن الفجر) أي صلاة الفجر، قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
(1) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (رياض الصالحين – باب إكرام الضيف).
ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} (1) وقال تعالي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} (2) معناه أن الصلة بالله تتحقق، بالقيام والركوع والسجود، ففي الحديث- قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي - هذا حديث قدسي يسمي الفاتحة صلاة، فما قال: قسمت الفاتحة لكن سمّى الصلاة بها لأنها أهَمُّ أركانها - فإذا قال عبدي: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الرب: حمدني عبدي، (تَذْكُرُه فيذكرك ويجيبك، فيقول حمدني عبدي، يذكرك بهذه الصفه أي عبدٌ حامدٌ)، وإذا قال:{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فأنت تتكلم وهو جل وعلا يتكلم، أنت تثني وهو يثني، وأنت تذكر وهو يذكر، فإذا قال:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجّدني عبدي، وقال مرة: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال:{إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، (فلك يا الله العبادة، نعطيه العبادة ويعطينا النصرة والمعونة والمعيّة، فإياك نعبد: عليَّ، وإياك نستعين: أي منه العون،، فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)" رواه مسلم عن أبي هريرة "(3)
(1) سورة الحج _ الآية 77.
(2)
سورة الحج _ الآية 77.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/ 39، 296، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من ترك القراءة بفاتحة الكتاب في صلاته 1/ 215، والترمذي في تفسير القرآن _ باب من سورة فاتحة الكتاب 5/ 184، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب 1/ 605.
وتنتهي الفاتحة بالدعاء، أن يعطينا حياة الأنبياء، وحياة الدعاة، وحياة الصديقين، يا الله جنبنا طريق المغضوب عليهم (اليهود) والضالين (النصارى)، وهذا الدعاء لعبدي ولعبدي ما سأل.
وهكذا لعظمتها، وأهميتها، قال الله جل وعلا: قسمت الصلاة، ولم يقل الفاتحة.
هذه السورة وُضِعَتْ في الترتيب أول سورة في القرآن الكريم، فهي موجز للقرآن، فكما تُبْدَأ الأخبار بالموجز، ثمّ يأتي التفصيل، كذلك الفاتحة موجز القرآن كلّه، ثم يأتي التفصيل، فاقرأ البقرة وآل عمران والنساء والباقي كله تفصيل.
فالفاتحة لأنها فاتحة كل خير، ومن أسمائها الكافية تكفي قلبك نوراً، تكفي روحك، تكفيك لفهم حياتك، هي الكافية تكفيك في الدنيا والآخرة، وهي الشافية تشفيك، وهي الواقية تقيك، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، فهنا سُمِيَ الكل باسم الجزء {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، إلى هنا أنت الآن تُبَيّن عقيدتك، لمن هذه الحياة؟ مَنِ المعبود؟ هذه أهم صفات ربنا الألوهية والربوبية والرحمة والمالكية.
إذن {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} هذه عقيدة المسلم.
قوله تعالي: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) منهاجنا واعلم أن الحمد ثناء على
(1) فلما أنعم الله عز وجل علي عبده، حيثُ أوجده من العدم وأمده بالنعم، وكانت الفاتحة فاتحة الكتاب، بدأها الله عز وجل، بالحمد والثناء علي الله عز وجل، ليحمد العبد ربه عز وجل دائما علي ما أنعم به عليه من نعمه العظيمة .. وآلائه الجسمية .. حيث أرسل إليه أفضل رسله .. وأنزل عليه أشرف كتبه .. وشرع له أفضل شرائع دينه .. وجعله من خير أمة أخرجت للناس .. وهداه لمعالم دينك الذي ارتضاه لنفسك، والذي ليس فيه التباس00 فاللَّهُمَّ .. لك الحمد كما هديتنا للإسلام وعلمتنا الحكمة والقرآن.
وكان الحسن البصري يبدأ مجلسه بالحمد والثناء: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا، وهديتنا، وعلمتنا وأنقذتنا، وفرجت عنا .. لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن .. ولك الحمد بالآهل والمال والمعافاة كبت عدونا .. وبسطت رزقنا .. وأظهرت أمننا .. وجمعت فرقتنا .. وأحسنت معافاتنا .. ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا .. فلك الحمد علي ذلك حمدا كثيرا، لك الحمد بكل نعمه أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب .. لك الحمد حتى ترضي .. ولك الحمد إذا رضيت).
ولما كانت الصلاة هي الصلةُ بين العبد وربه، افتتحها بفاتحة كتابه، ليبتدئ المصلي صلاته بحمد ربه والثناء عليه، وبعد التكبير وقبل قراءة الفاتحة يُسن للمصلي أن يدعو بدعاء الاستفتاح:" سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ". (رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة) ويستفتح قيام الليل:" اللَّهُمَّ .. لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن .. ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن .. ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن .. ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، اللَّهُمَّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، لا إله غيرك (متفق عليه). =
=
…
وفي الركوع يقول: سبحان ربي العظيم (ثلاثا) ثم يستحب أن يقول: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"(متفق عليه).، " اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، وخي، وعظمي، وعصبي ".
ثم يرفع رأسه من الركوع، رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً:"سمع الله لمن حمده" إن كان إماماً أو منفرداً، ويقول بعد قيامه:"ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، وإن زاد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" فهو حسن " رواه مسلم.
ثم يسجد ويقول: " سبحان ربي الأعلى "(ثلاثا) ثم يُستحب أن يقول: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " ثم يقول: " اللهم لك سجدت، وبك آمن، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسنُ الخالقين ".
وبعد التسليم: يستغفر الله ثلاثاً ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" رواه مسلم.
المحمود، ثناء على المحمود، ويشاركه الشكر، إلا أن بينهما فرقا، وهو: أن الحمد قد يقع ابتداء للثناء، والشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة، وقيل: لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر، فتقديره: قولوا: الحمد لله أربع وعشرين ساعة، ليس بالصلاة إياك نعبد، وخارج الصلاة افتح باب الهوى، فعندما تسلم تتحلل من الصلاة ولا تتحلل من العبودية فتنتقل من عبادة إلى عبادة، فمن عبادة الصلاة، إلى عبادة المشورة، إلى عبادة التعليم، والتعلم إلى عبادة الفقه، فلا يجوز التحلل من العبودية دقيقة واحدة.
فـ {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} : منهاج الساعة الأولى صباحا، الساعة الأولى مساءً، الساعة الثانية صباحاً، الساعة الثانية مساء. إذن إياك نعبد يتعلم المسلم من دينه عبودية أربع وعشرين ساعة قبل أن يتعلم الصيام والحج يتعلم كيف يعبد 24 ساعة عن طريق هذا الجهد المبارك.
{الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} مفتاح الدين، أول آية الحمد تثني على الرب، كما أثنى الرب على نفسه:
{للهِ ما فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ} (1)،:
{
…
وَللهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} (2).
{
…
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3)
{
…
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} (4)
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (5)
(1) سورة البقرة – الآية284.
(2)
سورة المائدة – الآية17.
(3)
سورة الملك – الآية1.
(4)
سورة الفرقان – الآية61.
(5)
سورة الفرقان – الآية 1.
َ {
…
تبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1)، هذه كلها آيات يُثني فيها ربنا على نفسه، وليس أنت الذي تثني عليه 00 فكم الله عز وجل يُمَجد نفسه، وكل آية في الفاتحة، مثل شباك صغير، نافذة صغيرة تطل بها على أنوار قرآنية عديدة.
كم حَمْدٌ في القرآن:
1) قال تعالي: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2). محمود في ربوبيته.
2) وقال تعالي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} (3) محمود على شريعته، وتشريعه وكل أمر من أوامره تحمده عليه حتى يسعدك هذا الأمر.
3) وقال تعالي: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} (4) محمود على خلقه.
4) قال تعالي: {َقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (5) محمود في مالكيته.
5) وقال تعالي: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} (6)
(1) سورة الرحمن– الآية78.
(2)
سورة الفاتحة – الآية2.
(3)
سورة الكهف – الآية 1.
(4)
سورة الأنعام – الآية 1.
(5)
سورة الإسراء – الآية 111.
(6)
سورة النمل– الآية 59.
6) وقال تعالي: {َقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (1)
7) وقال تعالي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (2).
8) وقال تعالي {: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3).
أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النا ر، محمود على قضائه.
وإذا دخل أهل النار النار محمود على عدله، فهذا أكمل عدله.
وإذا دخل أهل الجنة الجنة، محمود على فضله.
فدائما الثناء على الله، ودائما الحمد لله، ودائما راضٍ عن ربك، ولكن المطلوب هو يرضى عنك، إذا راح المال أنا راضٍ عنه فهذا ليبتليني، ويمتحنني وحتى يرقيني .. ولكن أحوالنا الآن السخط على الله، تسخط على الله، وترضى عن النفوس.
(1) سورة النمل – الآية93.
(2)
سورة سبأ – الآية 1.
(3)
سورة الزمر – الآية 75.
الحمد لله ترجع إلى الله لك الحمد ملء السموات ولك الحمد ملء الأرض وملء ما شئت من شاء بعد، يا الله أنت في كل لحظة وإلى الأبد، أهل الثناء والمجد.
فالذي عنده طاقة فالله يحب الحمد، وبدل أن توجهها لأبوك وأخوك ولعشيرتك، وَجِّه طاقة الحمد إلى الله، وطاقة الذم والسخط وَجِّهْهَا إلى نفسك، فكل لحظة ساخط على نفسه حامد لربه، ساخط على نفسه، لأنها ما قامت على حق العبودية كما ينبغي، فكل لحظة تسخط نفسك وما تسخط غيرك، وتحمد ربك (إني ظلمت نفسي) تسخط نفسك، (ولا أقسم بالنفس اللوامة) لوم نفسك ولا تلوم أحد، فاليوم الناس تلوم ربها، ويلوم كل شيء حوله، ولا يلوم نفسه، فمفتاح الدين لوم نفسك، واحمد ربك، احمده يحمدك، حامد محمود، ذاكر مذكور، والناسي منسي {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} (1). {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} (2). الحمد كل الحمد، استغراق لله.
وقوله تعالي: {ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} : كل شيء في الكون مربوب بربوبية الله، فالله جل وعلا خالقه، ومربيه، فهو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي أحي، وهو الذي يميت، قال تعالي:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3).
(1) سورة التوبة – الآية 7 6.
(2)
سورة الحشر – الآية 19.
(3)
سورة الروم – الآية 40.
فكل ذرة في الكون مربوبة فلا يمكن أن تضرك إلا بأمر من الله، ولا تنفعك إلا بأمر من الله (1).
صاحب المنزل (رب البيت أو رب الأسرة) يقدم لزوجته وأولاده الطعام والكسوة، ولا يزيد علي ذلك، فإنه لا يستطيع أن يُحرك معدته ولا معدة ولده، ولا يستطيع أن يُحرك قلبه ولا قلب ولده .. ولكن الله عز وجل بقدرته وحده يُحرك كل جسم الإنسان.
وهذه الربوبية يتبعها {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ليبين لك أن كل شيء يُريده منك رب العزة سبحانه وتعالى فيه الرحمة لك أيها الإنسان الضعيف، فهو رحمان الدنيا والآخرة، ورحيمهما.
وهو رب العزة لقوله تعالي: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (2). فالذي يُريد العزة فعليه بطاعة الله العزيز 00 فالعزة مربوبة بربوبية الله عز وجل، وكذلك الذلة مربوبة بربوبية الله عز وجل.
(1) كما جاء في الحديث: عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال:" كنت خلف النبي، صلى الله عليه وسلم، يوماً فقال: " يا غلام إني أعلمك كلمات: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام، وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (رياض الصالحين _ باب المراقبة)
(2)
سورة الصافات – الآية 180.
فلما علم الصحابة رضي الله عنهم أن كل شيء من قبل رب العزة سبحانه وتعالى، وأن كل شيء متبوع بـ {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} لم يخافوا من أي شيء يُصيبهم 00 لم يخافوا الفقر، ولم يخافوا المرض، لم يخافوا العري، لم يخافوا من العدو.
فكان أحدهم يباتُ جوعان، وإذا سئل عن حاله، يقول: أنا في سعادة لويعلمُ بها الملوك وأبناء الملوك لحاربونا عليها بالسيوف.
وأصبحوا عريانين، من أجل الدين، ولكن سعداء بربهم الذي خلقهم، وأقامهم علي دينه.
ولم يخافوا من المرض لأنه مكفر للذنوب، فسيدنا أبو ذر رضي الله عنه يقول: أحب ثلاث:
1) أحب الفقر تواضعا لربي.
2) وأحب المرض تكفيرا لذنوبي.
3) وأحب الموت للقاء ربي.
فالعدو الآن يخوفنا من غير الله عز وجل 00 ويجب علينا أن لا نخاف من غير الله عز وجل، لأن كل شيء من وراءه {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} .
أي العوالم كلها مربوبة والرب واحد، ربوبية وألوهية مبنية على الرحمة، رحيم في ألوهيته ورحيم في ربوبيته، رحيم إذا أَمَرَ، رحيم إذا نهى، رحيم إذا أعطي، رحيم إذا منع.
فهنا حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فالطفل عندما يثق بأبيه، فإذا أبوه أخذ فلوسه يحسن الظن بأبيه، فأبي أخذ فلوسي حتى يخبئها، أمَّا غير أبيه فيجلس يبكي، فلهذا الطفل الصغير مطمئن بالرب المخلوق، فكيف الرب الخالق؟ كيف يريدك، أن تثق به.
وقوله تعالي: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وسمي هذا اليوم (يوم القيامة) بيوم الدين، لأنه في هذا اليوم لا يستطيع أحد من البشر، أو من الجن، أو من الملائكة، أن يدعي ملكية أي شيء 00 لأن في ذلك اليوم، كما قال الله تعالي:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (1).
ومن هنا يتذكر الإنسان أن أي عمل يعمله، ليوم الدين، وأن يكون يوم الدين نُصب عينيه، يُصلي ليوم الدين 00 يصوم ليوم الدين 00 يحج ليوم الدين 00 يجاهد ليوم الدين 00 يدعو الناس إلي الله ليوم الدين 00 قال تعالي:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} (2).
ولا بد للمسلم أن يتذكر دائما في يومه، يوم الدين، فالله سبحانه وتعالى أخبر عن أحوال الأنبياء، أنهم لا تمر عليم لحظة إلا وهم يذكرون الآخرة، {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (3).
(1) سورة إبراهيم – الآية48.
(2)
سورة الإنسان – الآيات من 8:10.
(3)
سورة ص – الآية 46.
وسر القرآن كله في قوله تعالي: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (1)} : هذا منهاجك، منهاج الحياة وبرنامج الحياة، فلا بد من العبادة
أولا، ثم الاستعانة، يا رب! منا العبادة ومنك العون، يقول أحد العلماء: ما أكثر الاستعانة، وقلة العبادة:(يا رب! انصرنا 00 يا رب!: ارحمنا 00 يا رب! اهدنا) ومع قلة العبادة، لا يستجاب الدعاء.
وما أكثر الطاعة وقلة العبادة 00 وهل هناك فرق بين الطاعة والعبادة؟ قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (2).
فالطاعة مثلا تكون من الولد لوالده، يقول الوالد لولده: أعطيني كذا، فيعطيه ما أمره به، ويُعطيه وليس في قلبه خوف ولا خشوع، من والده، أنه سيتقبله منه أم لا 00 ولله المثل الأعلي: الله سبحانه وتعالى طلب منا الصلاة، فصلينا بالجسد، وليس في قلوبنا خشوع ولا خضوع ولا انكسار، هل سيقبل الله سبحانه وتعالى منا
(1) يقول ابن القيم (رحمة الله: (وسر الأمر والخلق والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى الى هاتين الكلمتين وعليهما مدار العبودية والتوحيد حتى قيل انزل الله مائة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن وجميع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل وجمع معاني المفصل في الفاتحة وجمع معاني الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين (مدارج السالكين).
(2)
سورة النساء – الآية 59.
هذه الصلاة أم لا 00 وهذا الفرق الذي بيننا وبين الصحابة {رضي الله عنهم َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (1).
تصدقت حتي يقول الناس أنك رجل كريم: هذه طاعة ولا تُسمي عبادة 00 أعطيت الصدقة، ثم قمت بالمن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَاّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (2).
فلا بد أن تُعطي الصدقة وتنكسر أمام الله عز وجل بأن يقبلها منك، تقول يا رب! هذا المال مالك فاقبله مني 0
وكل الأعمال علي ذالك من جهاد، ودعوة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وذكر وتلاوة للقرآن.
فإذا صحت الطاعة بالعبادة، كان هناك الطلب الصادق.
قوله تعالي: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} هذا المقصد مقصد حياة المسلم.
(1) سورة المؤمنون – الآية 60.
(2)
سورة البقرة – الآية 264.
الذي يمشي في الدعوة يعيش، همَّ الأنبياء، وفكر الأنبياء علي مدار24ساعة، والذي لا يعرف الدعوة يتعلم -صلّوا كما رأيتموني أصلي- عبودية 5 دقائق ووضوءا كوضوئه عبودية دقيقة (والسلام عليكم).
نزلت هذه السوره وفيها {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قبل أن تفرض الصلوات الخمس، فهي من أوائل السور نزولا، الأمة تهتف {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، وليس هناك صلاة ظهر أوعصر.
فـ {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} : منهج جماعي، وليس إياك أعبد، تنفرد فقط بالعابد.
إياك أعبد هذا منهج العباد سابقا، يحمل فراشه ويمشي إلى الكهف، يعتكف 20 سنة ينقطع، لا يعرف إخوانه، ولا يعرف أقربائه ولا أهل دينه، فيقول:(إياك أعبد) فينعزل وينطوي.
أمّا منهاج الأمة {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} فَضُمَّ جهدك لجهدي، فهذا يقوم بالخدمة00 وهذا يقوم بالتعليم 00 وهذا بالبيان، لكن كل هذه الأعمال مقصدها واحد هو كيف يحيى الدين.
فطاقات الأمة كالبنيان المرصوص، حجرٌ .. حجر، فكل الحَجَرِ صار بيتاً واحداً، ولكن البيت كم حجرٌ فيه؟ وهكذا المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص فأنت تُعلِّم وهذا يصلي وذاك يذكر والآخر يتجول وآخر بالدعاء ولكن كل هذه الأعمال تتكامل ولا تتخاصم، تشكل {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، لهذا لا يمكن عن طريق الصلاة نصلي ونقول {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونُوَحِد فكرهم، فـ {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} لتوحيد
الفكر، فسبعين ألف مصلي لا يعرفون الدعوة وهم كتف بكتف والأفكار شتى 00 ولكن داًعٍ هنا، وداعٍ في الصين تجدهم بفكر واحد.
كم مثل هذه الجلسات الآن في العالم، وكلها هدفٌ واحد، وفكرٌ واحد، فأستطيع أن أقول {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} وأنا لست وحدي في الدعوة فلي إخوانٌ، فأحب شئ إلى الله اللذين يقاتلون في سبيله صفا، كأنهم بنيان مرصوص، وليس هناك بنيان جسدي في القتال، هذا يَفِر، وهذا يَكِر، لكن كل المقاتلين في أيام النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أمة واحدة، تقاتل تحت راية واحدة، ومقصد واحد، وهو إعلاء كلمة الله، وهكذا البنيان الجسدي بنيان مرصوص، فكري بنيان مرصوص، روحي بنيان.
قوله: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} : عمل جماعي ومقصد جماعي.
وقوله: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : أعطي العون لكل الأمة ليس معناها أَعِنِّي ولا تُعِن أخي، اهدنا: يارب! ثبِّت هذه الأمة على جهد نبيك، فأنت تدعو لنفسك ولسائر الأمة بالثبات على جهد النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم اهدنا، واهدِ بنا.
وهكذا سورة الفاتحة {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} منهاج حياتنا، واهدنا أي للمقصد.
س: ما لفرق بين {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} واهدنا (المقصد)؟ أليست الهداية هي العبودية؟
ج: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي يا الله خذ بأيدينا إلى أكمل عبودية، واهدنا: أي وفقنا إلى كمال العبودية، وثبتنا على الكمال، وزدنا كمالا، اهدنا، ففيه عبادة موجودة عندنا، وعبادة أخرى مطلوبة عند ربنا، عندنا مثلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
} (1) وعندنا {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (2) وعندنا {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (3)، يارب خذ بأيدينا فتقول {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} وتطلب من الله الزيادة والترقي والثبات، ليس لنفسك فقط، بل حتى لا يبقى إنسان في الكون إلَّا ويركع لله عز وجل، فالهداية مقصد حياة المسلم.
يقول أحد الصالحين: وَدِدْتُ أن أُقَطع إرباً إرباَ ولا يُعصى الله في الأرض، فكأنه يقول ما رأيك لو تُقَطَع إربا إربا ويكون جميع الناس مهتدين لا يعصون الله، فهو مستعد لأي ثمن لتحقيق المقصد - أي الذي تضحي من أجله - وهو الهداية لنا وللناس كافة.
وآخر يقول: وَدِدْتُ لو تَغْلِي بِيَ المراجل (أي يوضع في القدر ويغلي به كطهي اللحم) ولا يعصى الله في الأرض.
فمن أجل هذا المقصد تقطعت نِعال الصحابة، ومن أجله جُرحوا وقُرِّحوا، وبسبب الصدق في التضحيه لهذا المقصد، أعطى الله الهداية لملايين من الناس يسبب جهدهم، ولأجل هذا المقصد خرجنا ثلاثة أيام بالصعوبة، ونقول: يا الله بسبب هذه الثلاثة أيام أعطي البشرية الهدايةً فهو مقصد عظيم، أعطيناه تضحية بسيطة، مقصد عظيم:{اهدِنَا} ، أعطيناه أيام قليلة.
يصلي المريض ويقول {اهدِنَا} ولا يقول اشفنا لأن الهداية مقصد عظيم والشفاء مطلوب، فالهداية مطلوبة، والشفاء مطلوب لكن الشفاء حاجتنا والهداية مقصد حياتنا00 فلو مات الإنسان مريضا فالله عز وجل يعطيه أجراً ويدخله الجنة00
(1) سورة السجدة – الآية16.
(2)
سورة الذاريات – الآية 17 0
(3)
سورة القصص– الآية54.
لكن لو مات المريض ضالأً، لم يكن يصلي وهو مريض فيدخل النار وما شفع مرضه له.
فالهداية مقصد حياة الشبعان 00 ومقصد حياة الجائع00 ومقصد حياة المريض 00 مقصد حياة الصحيح 00 ومقصد حياة الملك والمملوك، إذن اهدنا وحّدت مقصد الأمة، فالكل يقول {اهدِنَا} .
لكن الآن الأمّة مقصدها ليس واحداً لأن {اهدِنَا} مقصد لفظي، فالجائع يقول:{اهدِنَا} وبقلبه يقول أطعمنا، والعُزَّاب لسانهم يقول {اهدِنَا} وقلوبهم تقول ياالله زوجنا، فالمقصد اللفظي لا يُوَحِّد، لكن عندما جماعة الدعوة خرجوا لاجتماع في بنجلاديش، ملايين الناس من 200 جنسية، لكن كل واحد منهم مقصد حياته كيف الله
…
عز وجل يُنزل الهداية علي أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
فنحن نجتهد لا ليكون {اهدِنَا} مقصد لساني لفظي، فمقصدك في قلبك لكن اللسان يعبر، فالمقاصد في القلوب {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} (1)، فلا يضاف المقصد إلى اللسان، مقصد اللسان، مقصد العين، لكن مقصد القلب، فأنت عندما تسافر إلى مكان ما، لا تقول أقصد بلد فلان ولكن مقصدك بقلبك، فكيف يكون مقصد {اهدِنَا} مقصد أربع وعشرين ساعة، ليس مقصد صلاة بل مقصد حياة، تدعو الله بالصلاة أن يعطيك الهداية.
و {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} منهاج حياة، لكن {اهدِنَا} مقصد حياة، والحياة بدون مقصد وبال قِلَّتُها أحسن منها، بدونها يقول الكافرُ يوم القيامة {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} لمن لم يحمل هذا المقصد، فبدون هذا المقصد، تكون حياة الحيوان أحسن من
(1) سورة العاديات – الآية10.
حياة هذا الإنسان، لأن الحيوان قام بمقصده، لكن الإنسان أُعطي مقصداً، وما قام به، فالحيوان خلق ليكون حيوانا، أما أنت فخلقت لتكون إنساناً كاملاً حياتك مثل حياة الأنبياء.
قوله تعالي: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}
وحينئذ تأتي النصرة من الله عز وجل 00 ولكن إذا حصل تحول في القلوب، كانت الهزيمة، حتي ولو كان قائد الكتيبة محمد صلى الله عليه وسلم كما في غزوة أُحد وحنين.
فالخطر في الطريق أنه طريق واحد، وليس فيه اعوجاج.
وإذا أردت أن تسير علي هذا الطريق، فلا بد لك من النظر في سيرة الذين نهجوه قبلك وكيف مشوا عليه قبلك.
لأن الذين سبقوك علي هذا الصراط، هم السبب في هدايتك ونجاحك.
فعندما يدخل أهل الجنة، الجنة، فكل فوج يدخل يُسلم علي الذين سبقوه، لأنهم كانوا السبب في نجاته، فاللاحق يسلم علي السابق.
وكذلك أهل الضلال في النار، قال تعالي:{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لَاّ تَعْلَمُونَ} (1).
فكل فعل فعلوه، وكل أذي تحملوه، وكل نهج انتهجوه، فلا بد أن تسير علي ضربه.
وصراط من هذا؟ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}
(1) سورة الأعراف – الآية 38.
صراط الهداية، كيف يا الله ومثل هداية مَنْ؟ مثل هدايتنا؟
نحن هدايتنا ناقصة، بل مثل من أنت كَمَلْتَ هدايتهم ومدحتهم في القرآن {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .
ومن هؤلاء الذين أنعم الله عز وجل عليهم؟
هم الذين جاء ذكرهم في قوله تعالي: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (1).
(1) سورة النساء – الآية 60.
(2)
سورة الأنعام – الآيات من 83: 90.
قف مع هذه الآية: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فأول هدايتك من البشر هم الأنبياء والرسل، فيجب النظر في حياتهم، فانظر في حياة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (1). هذا الذي ربنا هداه، أقول يا رب! أنا أريد حياة مثل حياة إبراهيم عليه السلام، الحياة المملوءة بتقديم التضحيات من أجل الله تبارك وتعالي، أُلقي في النار من أجل الله تعالي، {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ً} (2) 00 ترك زوجه في الصحراء من أجل الله
…
قصصه كثيرة في القرآن تبين تضحيات إبراهيم من أجل هداية البشرية 00فكل يوم أنت تطلب بنفسك يا الله أعطني جولات إبراهيم عليه السلام، وفكر إبراهيم عليه السلام، وأخلاق إبراهيم عليه السلام.
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (3).وكل يوم يا الله أعطني صبر موسى على الدعوة، كم تعب في دعوة بني إسرائيل 00 وكم صبر عليهم؟!.
وانظر في حياة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم لقد أُلقي علي رأسه الشريف فرث الجذور وهو يصلي، فصبر وتحمل علي هذا الإيذاء، ولم ييأس، فيجب أن تتحمل كما تحمل وتتعب كما تعب، وتصبر كما صبر 00 كُسرت رباعيته من أجل الدين، وشج وجهه من أجل الدين، ودميت قدماه من أجل الدين، وخرج من الطائف هائما علي وجهه فلم يستفق إلا بقرن الثعالب من أجل الدين، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فإذا أردت الهداية فاجعل حياتك شبيهة بحياتهم.
(1) سورة مريم - الآية 41.
(2)
سورة الصافات - الآية 97.
(3)
سورة مريم - الآية 51.
وكذلك انظر في حياة الصحابة الكرام، وعلي رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ": خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .... " متفق عليه (1).
فعليك بحياة الصحابة الكرام، فمنهم من قطعت يداه من أجل الله تعالي، مثل جعفر الطيار 00 ومنهم من قطعت أُذناه من أجل الله تعالي مثل عبد الله بن جحش 00 ومنهم من بقر بطنه وأكلت كبده، مثل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب 00 ومنهم من أكل ورق الشجر حتي تشققت شدقاه مثل سعد بن أبي وقاص وأصحابه 00 كلهم أُوذوا وتحملوا، وابتلوا وصبروا من أجل الدين 00 فإذا أردت الهداية فعليك بطريقهم، صراطهم وليس صراط غيرهم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ،
{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} : وهم اليهود، {وَلَا الضَّالِّينَ}: وهم النصاري.
فإذا رأيت مالك ينقص ومالهم يزداد فلا تحزن 00 وإذا رأيت ملكك ينقص وملكهم يزداد فلا تحزن 00 وإذا رأيت تجارتك تنقص وتجارتهم تزداد فلا تحزن 00 ومعك فاتحة الكتاب في صدرك، قال تعالي:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2).
(1) مشكاة المصابيح – باب مناقب الصحابة 3/ 1695.
(2)
سورة الفاتحة – الآيات من 1: 7.
فكيف إذا كنت كل يوم تطلب الهداية، ولا تأتي الهداية، لأنك لا تقصد ما تقوله، لسانك يطلب، وقلبك لا يطلب، فاللسان ترجمان القلب، فإذا طلب الإنسان، ولم يطلب القلب، إذاً أصبح اللسان كذاب، ولا يستجاب لدعائه، ليس أهل التبليغ، يقولون لك: أُخرج 40 يوم، ولكن أنت تطلب يا الله أخرجني.
تقول اهدني، كيف هي هداية موسى؟ كم تعب موسي عليه السلام فيا الله إجعلني أُضَحِّي كما ضَحَوْا، فأنت كل يوم تطلب من الله جهد الدعوة.
كل يوم المسلم يطلب من الله جهد الدعوة وعندما تأتي تُشَكِّلُه يهرب، فهو يطلب شيئا يهرب منه، يطلب شيئا ولا يحبه، فمطلوبك ما أصبح محبوبك، مطلوبك الهداية، ومحبوبك الذهب، تضحك على الله، لسانك يقول يا الله اهدنا ولكن فقط مجاملة، المطلوب على اللسان الهداية، والمحبوب في القلب هي الدنيا.
ليس {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} صراط كصراطهم ولكن بلا (ك)، بل مطابقة كأنه هو، كيف حياتنا تطابق حياتهم وفكرنا يطابق فكرهم وهذا أقوى تشبيه، تشيبه المطابقة، فهذا أعظم مقصد، وأعظم مطلب، وأعظم ما نرجوه طَمَعَنَا ربنا فيه، وقال اطمعوا فيه، واطلبوه بحق أُعطيه لكم، طلب الصحابة بحق فليس هناك صحابي ضال، بل كمّل الله هدايتهم، ونحن كل يوم نقول {اهدِنَا} ولم يعطينا، فالكريم يعطي فكيف إذا ألْحَحْت عليه بالدعاء، لوهناك غني وأنت فقير وطلبت منه ألف ريال، وهوعنده مليارات من الريالات، وهو كريم جدا، فهو أغنى واحد، وأكرم واحد، وأنت كل يوم تطلب منه هذه الألف ريال، ولم يعطك فهل يبقى كريم؟ كلا فقد صار بخيلا، ولله المثل الأعلى الذي عنده خزائن الهداية وكل يوم 17 مرة على الأقل في الركعات المفروضة تقول {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} فما السبب أنّ الله لا يعطينا؟ لأنه ما عندك صدق في الطلب، مثالك مثال: الفقير
قليل الأدب يدير ظهره للغني، وبلا مبالاة يطلب من الغني العطاء، ولكن أنت اسأل بالأدب والحاجة والافتقار كما الفقير يسأل منكسراً محتاجا.
فلو طلبنا هذا المقصد بالانكسار والافتقار والاحتياج والصدق لأعطانا الله إياه.
كيف؟ عندما يكون ولدك مريض ولا ينفعه دواء والطبيب يقول لك ما بقى إلا ربك يشفيه، فكيف تطلب الشفاء لهذا الولد؟ للأغراض الدنيويه صلاة الحاجة كل يوم نصليها، ولكن هذه صلاة الحاجة لأي شيئ شُرعت؟ لقضاء أكبر حاجة، {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (1) على حاجة الدعوة، استعينوا كل يوم تصلي صلاة الحاجة، ما هي حاجتك؟ يا الله {اهدِنَا} فكل صلاة تسمى صلاة الحاجة، وليست للحاجات الدنيوية فقط، ولكن الهداية هي حاجة الحاجات، ونحن أحوج ما نكون للهداية، كل يوم نُصلي حتى الله يقضي حاجتنا، وأنت ساجد تقول:{اهدِنَا} ولكن قلبك على الهداية، تقول سبحان ربي الأعلى وقلبك يا الله أعطنا الهداية.
استعينوا على هذا المقصد، كيف الله يجعلك داعية ويصبرك على الدعوة كما صبر الأنبياء.
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} على قضاء هذه الحاجة، أن يعطينا صفات الأنبياء، وأخلاق الأنبياء، ويثبتنا كي لا نُفْتًن.
ربنا ذكَرَ مَنْ هم المنعم عليهم ومن هم الذين ماتوا مغضوبا عليهم فذكر ماذا قال قارون، وماذا قال فرعون، وذكر ما هي اليهودية، والله جل جلاله ما ذكر أسماء بل ذكر صفات، {َ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ
(1) سورة البقرة – الآية 45.
بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (1) هذه يهودية، قل غَيِّر يا الله، لا تجعلني أحرص على الحياة مثل اليهود.
{إِِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ِ} يا رب! أعطني حياته، فكل صفة ربنا أعطاها للصالحين، قل: يا رب! أعطنيها.
وكل صفة فتن بها الكفار والمشركين والفساق، فقل: يا الله! باعد بيني وبين هذه الفتنة، وهذه الصفة.
عندنا يهود وعندنا يهودية والمذكور في القرآن اليهودية أي الصفات، ماهي اليهودية الموجودة في القرآن، والتي نقول يا الله باعد بيننا وبينها، وجنبنا شرها؟، هذه صفات اليهودية.
حب الدنيا {وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَىَ حَيَاةٍ} ، ليس الحياة بل (حياة) ولو مع قرف، وخمسين مرض، لا يحب أن يموت، لأن أقل حياة، أحسن من مستقبله بعد الموت، والمرض بحد ذاته جحيم، واليوم الشيبة عندنا لو عمره ثمانين سنة، ومَرِض وعلاجه فقط في أوربا، ويكلفه نصف مليون ريال وعنده اثنين مليون ريال، يقول أدفع؟، بدل ما تضع نصف مليون أنفقهم في سبيل الله ومت، لكن اليهودي لا يريد أن يموت، ويفعل المستحيل لكي يؤخر الموت، يومان أو ثلاث، وهكذا نحن غير مطمئنين على الآخرة.
وصفة: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} (2)
{َ سمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ (3)} (4) هذه يهودية.
(1) سورة البقرة – الآية96.
(2)
سورة التوبة _ الآية41.
(3)
السحت: الربا.
(4)
سورة المائدة _ الآية42.
ونحن نخرج في سبيل الله عز وجل، حتى نسمع قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نُخْرِج هذه الصفة من حياتنا.
وصفة: {ٌتَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ} (1). كل المسلمين في بيوتهم قلوبهم شتى، وما في قلب واحد على الثاني، هذا يُشَرِّق وهذا يُغَرِب، وعندما نخرج في سبيل الله ليست هناك قلوب شتى، بل قلوبنا متوجهة، اللذين هنا في المسجد وجميع الدعاة في العالم قلب واحد.
{وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ِ} وكل يوم نقول: غَيِّر يا الله، فقوة المطابقة في حياتك لحياة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين 00 وقوة المغايرة في حياتك للمغضوب عليهم، هو الهداية.
واليوم مغايرتنا هي حَلْقِية (أي بالكلام) وليس هناك مغايرة حقيقية.
غَيِّر مغايرة السلوك للسلوك، مغايرة الأخلاق للأخلاق، ومغايرة الفكر للفكر.
(1) سورة الحشر _ الآية14.
(2)
سورة البقرة _ الآية61.
ما اسم هذه اليهودية؟ هذه اسمها تَتَبُع الشهوات، ونحن عندنا تَتَبُع المجاهَدات، فمن زيارةٌ إلى جولة إلى انتقال، كلها من مجاهدة إلى أخرى، ولكن تجلس في البيت تَتَبع الشهوات، فهات شاي، وهات قهوة، ما عنده إلا مزاج الشهوات.
فنحرج حتى نُخْرٍج هذه اليهودية، وهي تتبع الشهوات:{وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} (1).
الجنّةُ خُلقت لِتَتَبُع الشهوات {: يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2) وأما في الدنيا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (3)
وصفة: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (4). هذه اليهودية اسمها عدم الغيرة على محارم الله.
فلعنهم الله عز وجل على لسان أنبيائهم، ولو قال على لسان محمد لقالوا: محمد ما يحبهم.
(1) سورة النساء _ الآية27.
(2)
سورة الزخرف _ الآية 71.
(3)
سورة التوبة _ الآية20.
(4)
سورة المائدة _ الآيتان 78، 79.
فإذا جلسنا تأتي هذه اليهودية في حياتنا، إذا كان جارك تارك للصلاة زوره _ ما لي وما له _ {ِ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ} تأتي هذه اليهودية في حياتنا في الجلوس.
المشايخ يقولون لا ننتصر على اليهود، إلا أن نخرج صفة اليهودية من حياتنا، فاليهودية هي يهودية الصفات، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَقَزَزُ من يهودية الذات فالذوات ليست نجسة، يصافح اليهود، دعته يهودية لطعام فاستجاب، وفي المعاملة استلف منهم صلى الله عليه وسلم، فما تتقزز منهم، وأما نحن فنتقزز من ذواتهم، ولكن الصفات نعانقُها، فإذا جاءَنا عربي وعنده اليهودية فنعانقه، ونقول له مرحبا لأنه عربي، فربنا ما خلق في رحم الأم دما يهوديا، ودما عربيا، ولكن الله خلق إنسانا، ولمّا هذا الإنسان يَذٍلُّ، ويكذب، ويأكل السحت، صار يهوديا.
فاليهودية صفات، والإسلام صفات، وليس ذوات، لو حللنا دمك ما يطلع أنت مسلم، أو يهودي، ولكن لو حللنا صفاتك تعرفك.
فصفاتهم إذن فينا، صفة التبرج، وصفة حب الدنيا، وصفة الكذب، وصفة أكل الحرام، {َبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا} (1)
جميع العوالم، عالم البشر، عالم الطيور، عالم الملائكة، عالم الجان، عالم النيران وكل العوالم مربوبة، وعالم الصحة، ما تأتيك ذرة من عالم الصحة إلا بإذن ربها، وما تأتيك ذرة من المرض إلا باذن ربها، ما تسقط من ورقة إلا يعلمها، رب كل شاء، رب الشياطين، ورب الملائكة، الشيطان يعرف ربه:{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (2) ولكنه عصى، فما عنده لا إله إلا الله
(1) سورة المائدة _ الآيتان 78، 79.
(2)
سورة ص _ الآية79
فهو تمرد على ألوهيته، لكن ليس لديه رب آخر، مثل الطفل الصغير يتمرد على أبوه لكن ليس لديه أب آخر، وهكذا الشيطان، فما يقدر يعيش بنفسه.
وفي سنن النسائي وكتاب ابن السني، عن صُهيب رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يرَ قريةً يُريد دخولَها إلا قال حين يَراهَا: " اللَّهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِها وَخَيْرَ ما فيها، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ أهْلها، وَشَرّ ما فِيها ". (1)
يا رب! بحق هذا الإسم يعني الله، وما معنى:(الله)؟ يعني المعبود، تقول إياك نعبد.
الحمد لله على التوحيد العقلي، الاعتقادي، القلبي، يعني قلبك اعترف بأنه الله، لكن قلبك اعترف بأنه الله، والجوارح تعصي، إذن الحمد لله، كيف تتفاعل مع الله {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، صار توحيد عملي، ولما نقول:{الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فما دام رب العالمين، لا أحد يقدر أن يعينك، إذن:{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالرب يُستعان به والإله يُعبد، فتقول الحمد لله أي الإله بحق أن يُعبد، {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ولمّا نقول:{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} استرحم، وأعظم رحمة هي الهداية، (اهدنا)، ولما تقول الرحمن تذكر أعظم رحمة، ولما تُسمع الله (إياك نعبد)، ولما تسمع (رب)، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
وهكذا بدأت السورة بالتوحيد العلمي (الله، رب، رحمن) وبعد ذلك بالتوحيد العملي (اهدنا، نعبد، نستعين)،أعتقد بأنه إلهاً ربا رحيما، ولما تقول:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} تذكر كم نعمه في الجنة، رضا وحور وقصور فتقول {
(1) كتاب الأذكار _ باب ما يقوله من رأي قرية يريد دخولها أو لا يريد (النووي)
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} وكم غضب الله في النارمن الحميم والغساق فتقول: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} غير المغضوب عليهم.
فمن مستعد يُحْيٍي {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} يجعلها منهاج 24 ساعة، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يجعلها عبودية 24ساعة، ويجعل {اهدِنَا} مقصد حياة عن طريق هذا الجهد المبارك، وربنا يجعل جهد الدعوة المبارك سبب لإحياء الدين كله في العالم كله وإلى يوم القيامة؟. مستعدين إن شاء الله؟؟؟
اللهم! لك الحمد يا رب! كما يرضيك عنا، اللهم صلي على محمد نبينا.
اللهم! يا رب! اغفر لأمة نبيك، وارحم أمة نبيك، واهدي أمة نبيك، وأقم أمة نبيك على جهد وفكر ومقصد نبيك.
اللهم! يا رب! اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنك أنت الأعز الأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * * * *