المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌من صفات اليهود قال تعالى: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ - الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية

[محمد علي محمد إمام]

الفصل: ‌ ‌من صفات اليهود قال تعالى: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ

سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدّينِ وَلَوْ أَنّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً} (1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {للهِ ما فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِيَ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2). اشتد ذلك على أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأتوا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رَسُول اللَّهِ كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والجهاد والصيام والصدقة وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟! بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير." فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل اللَّه تعالى في إثرها: {آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (3). فلما فعلوا ذلك نسخها اللَّه تعالى فأنزل اللَّه عز وجل: {لَا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا

(1) سورة النساء – الآية 46.

(2)

سورة البقرة – الآية 284.

(3)

سورة البقرة – الآية 285.

ص: 160

لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (1). قال: " نعم "{رَبّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا} (2). قال: " نعم {رَبّنَا وَلَا تُحَمّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قال نعم وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (3). قال:" نعم. رواه مُسْلِمٌ. (4).

وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (5)) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ (6).

(1) سورة البقرة – الآية286.

(2)

سورة البقرة – الآية286

(3)

سورة البقرة – الآية286.

(4)

كتاب رياض الصالحين _ باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى وما يقوله من دعي إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهي عن منكر صـ 116.

(5)

سورة الأعراف – الآية138.

(6)

في كتاب الفتن _ باب مَا جَاءَ لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ برقم 2180، صـ 554.

ص: 161

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً "(1).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَاّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " رواه الترمذي (2).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري (3).

o من فقه الدعوة أن نعرف الشر حتى نتوقاه، فنتقزز من الصفات الذميمة لا من الذات، فقد يموت اليهود في العالم وتبقي اليهودية لأن اليهود ذوات واليهودية

(1) رواه أبو داود برقم 4596، والترمذي برقم 2640، وابن ماجة برقم3991.

(2)

في كتاب الإيمان _ باب ما جاء في افتراق الأمة برقم 2641، صـ 659.

(3)

رياض الصالحين _ باب العلم صـ 478.

ص: 162

صفات قبيحة .. لو بقي اليهود في بلادهم ولم يؤذونا فلم نحاربهم.

o يجب أن نخاف من الصفات القبيحة والذميمة، فخوف عمر من النفاق جعله من أبعد الناس عنه.

o مطلوب المغايرة من حياة الكفار إلي المطابقة والمماثلة لحياة المؤمنين الصالحين.

o نخرج في سبيل الله عز وجل لنطلب الكمال .. أما الأنبياء عليه السلام الله عز وجل كملهم ثم طالبهم بالدعوة إليه.

o حياة الأنبياء والمرسلين كلها مضيئة، ولكن يختلفون في الإضاءة مثل النجوم.

o الأصل في الدين حياة الأنبياء والمرسلين.

o إذا كان الإنسان معه الحق لا يتأثر بالباطل والأمثلة كثيرة:

فالله عز وجل صنع حياة موسي عليه السلام في بيئة فرعون الفاسدة.

وكذلك امرأة فرعون كانت في بيئة فرعون الفاسدة.

وكذلك كل الأنبياء الحق الكامل كان معهم فلم يتأثروا بالباطل الذي في أقوامهم، بل هم قاموا بتغيير البيئة للأفضل والأكمل بعد جهد الدعوة إلي الله.

o وإذا كان الإنسان معه الباطل، فلنوح وامرأة لوط وابن نوح ووالد إبراهيم .. وإبليس عليه اللعنة عاش وسط الملائكة {وهمٌ لاّ يَعْصُونَ اللهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1) ولكن لم يتأثر بالبيئة.

o اليهودية تسمم القلب .. فاليهودية في تل أبيب (الذات) .. واليهودية في بيوتنا (الصفات)(2) فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " نظفوا أفنيتكم فإن اليهود لا ينظفون

(1) سورة التحريم _ الآية6.

(2)

ومعناه: أن حياتنا فيها كثير من حياتهم.

ص: 163

أفنيتهم".

فمحاربة اليهود علي مدار 24 ساعة فرض عين علي كل مسلم ومسلمة.

الذي يجلس يأتيه الذباب، ذبابة، ذبابة .. ولكن لوخرج وتحرك في الهواء يذهب الذباب .. فلا بد من الحركة للدين حتي تخرج من حياتنا اليهودية.

o من صفات اليهود في القرآن:

(1)

استثقال الأوامر:

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُوا مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (1).

أما أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا يفرحون بالوحي، ويبكون علي فقدان الوحي كما حدث مع أم أيمن حينما زارها الصديق والفاروق، فعن أنس قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها، ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إني لا أبكي إني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم (2).

(1) سورة البقرة _ الآية93.

(2)

كتاب رياض الصالحين _ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة صـ 186.

ص: 164

فنخرج في سبيل الله عز وجل حتي نقول: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ونغاير اليهود.

(2)

الإقبال علي الشهوات وترك المجاهدات:

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىَ لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنّ لَكُمْ مّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وّكَانُوا يَعْتَدُونَ} (1).

الله عز وجل رزقهم المنًّ والسلوى في التيه بدون التعب، فيصبحون فيجدونه معلق في الشجر، وظلوا هكذا أربعين عاما، فلم يصبروا علي المنًّ والسلوى، فلم يستحيوا أن يسألوا موسي عليه السلام أن يدعوا الله أن يرزقهم ما ذُكر في الآية .. أما أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقد صبروا علي تحمل الجوع حتى أكلوا ورق الشجر .. ولذا نخرج في سبيل الله عز وجل حتى نقلل من الشهوات.

(3)

اليهود يمجدون أنفسهم ولا يحبون أن يظهر الخير من عند غيرهم: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَأَىءَهُ وَهُوَ الْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (2).

(1) سورة البقرة _ الآية61.

(2)

سورة البقرة _ الآية91.

ص: 165

ولكن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله عنهم: {والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالَاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (1).

(4)

اليهود يفترون علي الله الكذب:

قال تعالى: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَىَ بِهِ إِثْماً مّبِيناً} (2).

أما المسلم: قال تعالى: {يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} (3).

وقال تعالى: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مّن قَضَىَ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً} (4). فشهد الله عز وجل بصدق المؤمنين.

أما المنافق فسمته الكذب يأخذ من صفات اليهود:

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " متفق عليه (5).

(1) سورة البقرة _ الآية 4.

(2)

سورة النساء _ الآية 50.

(3)

سورة التوبة _ الآية119.

(4)

سورة الأحزاب _ الآية23.

(5)

كتاب رياض الصالحين _ باب تحريم الكذب صـ 531.

ص: 166

وعن صفوان بن سليم، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانا؟ قال " نعم ". فقيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: " نعم ".فقيل: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: " لا ". رواه مالك والبيهقي في شعب الإيمان مرسلا (1).

(5)

البهتان: كان اليهود في المدينة يقرأون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ويقولون للأنصار إن هذا الزمان أوان بعثة نبي، فإذا ظهر سنتبعه ونقتلكم شر قتلة، فلما بعث صلى الله عليه وسلم، آمن به الأنصار، وكفر به اليهود وحسدوه وحاربوه وحاولوا قتله {وَلَمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (2). وهذا عبد الله بن سلام الحبر اليهودي يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قوم بهت، وإليك قصة إسلامه: قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكف له (3)، فكنت مسرا بذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة. فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت. فقالت عمتي حين

(1) مشكاة المصابيح _ كتاب الآداب _ باب حفظ اللسان والغيبة والشتم 3/ 1364.

(2)

سورة البقرة _ الآية89.

(3)

توكف الخبر: إذا انتظر. انظر النهاية 5/ 221.

ص: 167

سمعت تكبيري: لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت. قلت لها: أي عمة وهو، والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بعث بما بعث به ". فقالت له:" يا ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ "(1).قلت لها: " نعم ". قالت: " قذاك إذا ". قال: " فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فكان أول شئ سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: " افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " (2).

وعند البيهقي عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إني سائلك عن خلال لا يعملهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ وما هذا السواد الذي في القمر؟ قال: " أخبرني بهن جبريل آنفا. قال: " جبريل "؟ قال: " نعم ". قال " عدو اليهود من الملائكة ". " ثم قرأ: قال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لّجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَىَ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (3). قال: " أما أول أشراط الساعة: فنار تخرج على الناس من

(1) بعثت في نفس الساعة: أي بعثت وقد حان قيامها وقرب، إلا أن الله أخرها قليلا، فبعثتني في ذلك النفس، فأطلق النفس على القرب. انظر النهاية 5/ 94.

(2)

أخرجه الترمذي 4/ 386 (1854) وقال: حسن صحيح غريب.

ورواه البخاري والبيهقي عن أنس، وابن إسحاق عن رجل من آل عبد الله بن سلام، والإمام أحمد، ويعقوب بن سفيان عن عبد الله بن سلام، والبيقهي عن موسى بن عقبة وعن ابن شهاب (سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد 3/

(3)

سورة البقرة _ الآية97.

ص: 168

المشرق (تسوقهم) إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد حوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، وأما السواد الذي في القمر: فإنهما كانا شمسين. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا الْلّيْلَ وَالنّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رّبّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلّ شَيْءٍ فَصّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} (1) فالسواد الذي رأيت هو المحو ". فقال: " أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ". ثم رجع إلى أهل بيته فأمرهم فأسلموا وكتم إسلامه. ثم خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله! إن اليهود قد علمت أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، وأنهم قوم بهت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، وقالوا في ما ليس في، فأحب أن تدخلني بعض بيوتك ". فأدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بيوته، وأرسل إلى اليهود فدخلوا عليه فقال: " يا معشر يهود يا ويلكم اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله قد جئتكم بالحق فأسلموا ". فقالوا: ما نعلمه. فقال: " أي رجل فيكم الحصين بن سلام؟ قالوا: " خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ". فقال: أرأيتم إن أسلم ". قالوا: " أعاذه الله من ذلك ". فقال: " يا ابن سلام اخرج إليهم ". فخرج عبد الله فقال: " أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله حقا، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة: اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله

(1) سورة الإسراء _ الآية12.

ص: 169

وأؤمن به وأصدقه وأعرفه. قالوا: " كذبت أنت شرنا وابن شرنا "، وانتقصوه. قال:" هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؟ " قال: " وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث وحسن إسلامها "(1).

وقال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىَ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} (2).

لذا نخرج في سبيل الله ونغاير اليهود .. ونتبع الرسول صلى الله عليه وسلم عمليا.

(6)

الغلو في الدين:

قال تعالى: {يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لّكُمْ إِنّمَا اللهُ إِلََهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لّهُ وما فِي السّمَاوَات وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَىَ بِاللهِ وَكِيلاً} (3).

وقال تعالى: {قُلْ يََأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلَا تَتّبِعُوَاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلّوا كَثِيراً وَضَلّوا عَن سَوَآءِ السّبِيلِ} (4).

وقال تعالى: {وَقَالُوا اتّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لّهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ لّهُ قَانِتُونَ} (5).

(1) سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد 3/.

(2)

سورة النساء_ الآية156.

(3)

سورة النساء_ الآية171.

(4)

سورة المائدة_ الآية77.

(5)

سورة البقرة_ الآية116.

ص: 170

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ} (1).

فحكم الله عليهم بالكفر:

قال تعالى: {لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَآلُوَاْ إِنّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ وَمَن فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَللهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَاللهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2).

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَار * لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلََهٍ إِلاّ إِلََهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} (3).

(1) سورة التوبة_ الآية 30.

(2)

سورة المائدة_ الآية17

(3)

سورة المائدة _ الآيتان 72، 73.

ص: 171

(7)

وصف الله بما لا يليقُ به سبحانه وتعالى: قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} (1).

وقال تعالى: {لّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (2).

(8)

احتقار الآخرين:

قال تعالى: {قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي اللأُمّيّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (3).

لذلك أفسدوا في الأرض، والفساد في الأرض طرق العلو في الأرض .. أما أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندهم احترام الآخرين.

ولذا نخرج في سبيل الله عز وجل حتى نتعلم احترام الآخرين، حتي نغاير حياة اليهود.

(9)

التقصير مع تزكية النفس:

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُزَكّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (4). وليس ذلك فحسب بل يقولون: نحن شعب الله المختار.

(1) سورة المائدة _ الآية 64.

(2)

سورة آل عمران _ الآية 181.

(3)

سورة آل عمران _ الآية75.

(4)

سورة النساء _ الآية 49.

ص: 172

أما نحنُ أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما قلنا عن أنفسنا بل الله عز وجل قال عنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (1).

ونقولها (ولا فخر) ونكررها لنشجع أنفسنا ونقوم علي المسئولية ونخدم الناس.

ولذا نخرج لأننا أمة الخير نُحب الخير للغير، وندعوهم للخير حتى نغاير صفات اليهود.

(10)

التحايل واتباع الهوى:

كما في قصة أصحاب السبت قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَوا مِنْكُمْ فِي السّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (2).

وقال تعالى: {وَسْألْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىَ رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ * فَلَماّ نَسُوا مَا ذُكّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَماّ عَتَوْاْ عَن مّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ *

(1) سورة آل عمران _ الآية110

(2)

سورة البقرة _ الآية65.

ص: 173

وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكَ لَيَبْعَثَنّ عَلَيْهِمْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ إِنّ رَبّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ} (1).

(11)

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قال تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (2).

(12)

موالاة الكفار:

قال تعالى: {تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلََكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (3).

أما أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالي عنهم: {لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الَاخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوَاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلََئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ

(1) سورة الأعراف _ الآيات من 163: 167.

(2)

سورة المائدة _ الآيتان 78، 79.

(3)

سورة المائدة _ الآيتان 80، 81.

ص: 174

وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلََئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).

(13)

الجُبن:

قال تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرًى مّحَصّنَةٍ أَوْ مِن وَرَأَىءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} (2).

(14)

فرقة القلوب واختلافها:

قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ} (3)

ولكن أهل الإيمان:

قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ} (4).

وقال تعالى: {مّحَمّدٌ رّسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي

(1) سورة المجادلة _ الآية 22.

(2)

سورة الحشر _ الآية14.

(3)

سورة الحشر _ الآية14.

(4)

سورة آل عمران _ الآية103.

ص: 175

وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىَ عَلَىَ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (1).

ولذا نخرج في سبيل الله عز وجل لتجميع الأمة بالكامل، قلبا قبل القالب، والأفكار قبل الأقطار .. فبالدعوة تكون الأمة أمة حقيقية، ونغاير صفات اليهود.

(15)

أكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله عز وجل:

قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ كَثِيراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2).

(16)

إيذاء الدعاة (الأنبياء عليهم السلام:

قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللهُ مِمّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهاً} (3).

(1) سورة الفتح _ الآية 29.

(2)

سورة التوبة _ الآية34.

(3)

سورة الأحزاب _ الآية69

ص: 176

(17)

الحرص علي الحياة:

قال تعالى: {وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَىَ حَيَاةٍ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (1).

والملاحظ أن كلمة حياة جاءت نكرة غير معرفة بـ ال وهذا دليل علي أنهم يحرصون علي أي حياة (حياة البهائم .. حياة الشياطين).

(18)

المشاعر الدنيوية:

قال تعالى: {يَأَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوَاْ آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هِادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هََذَا فَخُذُوهُ وَإِن لّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُوْلََئِكَ الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الَاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2).

اليهود عندهم لا إله إلا الله وليس عندهم محمد رسول الله00 ولكن النصاري ما عندهم لآ إله إلا الله ولا محمد رسول الله 00 ومع ذلك سهل علي النصاري الدخول في الإسلام عن اليهود، لأن النصراني ضال وعندما يعرف الحق

(1) سورة البقرة _ الآية96.

(2)

سورة التوبة _ الآية41.

ص: 177

يستجيب، أما اليهودي فهو متكبر والمتكبر ليس له نصيب في الهداية، مثلُ إبليس فلا يقبل الحق00 وكذلك المسلم المتكبر إذا طُلب منه الخروج يرفض مع أنه يعلم أنه حق (ما منعه إلا الكبر) 00 بخلاف المسلم العاصي الضال سهل عليه أن يخرج في سبيل الله عز وجل.

ولذا نخرج في سبيل الله لتحويل مشاعرنا من الدنيا إلي الآخرة ونغاير صفة اليهود.

(19)

ترك الجهد للدين:

قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَىَ إِنّا لَنْ نّدْخُلَهَآ أَبَداً مّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (1). (2).

ولكن الصحابة رضي الله عنهم لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر لأخذ العير ووجد أن أبا سفيان قد نجا بالقافلة وأتى خبر مسير قريش فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم.

وفى رواية فقام أبو بكر فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن الاسود فقال: يا رسول الله أمضِ لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ َ} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون (3).

(1) سورة المائدة _ الآية24.

(2)

سورة المائدة _ الآية24

(3)

وفى ابن هشام متبعون.

ص: 178

ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إن معكما مقاتلون (1). عن يمينك وعن شملك وبين يديك ومن خلفك والذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً ودعا له.

وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ. أن عمر قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقابلنك فأهب لذلك أهبته. وأعد لذلك عُدته ثم استشارهم ثالثاً ففهمت الأنصار أنه يعنيهم وذلك أنهم عدد الناس فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه وجزاه الله خيراً فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك تعرض بنا قال: أجل وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود فى ديارهم فاستشارهم ليعلم ما عندهم فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضِ لما أردت ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألا ينصروك إلا فى ديارهم وإنى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم:

فاظعن حيث شئت

وصل حبال من شئت

واقطع حبال من شئت

وخذ من أموالنا ما شئت

وأعطنا ما شئت

وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت

وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لرأيك

فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان. وفى رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك.

والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحد .. وما نكره أن نلقى عدونا غداً .. وإنا لصبرٌ فى الحرب .. صُدق فى اللقاء .. لعل

(1) وفى ابن هشام متبعون.

ص: 179

الله يُريك منا ما تقر به عينك .. ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره فسربنا على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك ولا نكون كالذين قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (1). ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون. فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بقول سعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأنى أنظر الآن إلى مصارع القوم (2) ..

أعظم ذم في القرآن:

قال تعالى: {اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} (3).

وقال تعالى: {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} (4).

قالهما الله عز وجل للمنافقين، فهم علي شاكلة اليهود.

إذا تحركت الأقدام تحركت الأفهام.

إذا تحركت الأقدام تحركت القلوب إلي علام الغيوب حتى تنال المطلوب.

أقعد وأُقعد غيري هذا تشبه باليهود 00 أما أتحرك وأُحرك غيري هذا هو المطلوب.

(1) سورة المائدة _ الآية24

(2)

انظر سبل الهدى والرشاد - 4/ 42، حياة الصحابة - 1/ 396.

(3)

سورة التوبة_ الآية46.

(4)

سورة التوبة _ الآية 83.

ص: 180

جزاء القعود والتقصير00الكبر والتعالي علي الدين00 ولذا بعد كل كلمة نقولها نرغب الناس علي الخروج والحركة للدين00 حتى الناس يسمونا جماعة الخروج00 وبذلك نغير صفة اليهود0

* * * * *

ص: 181