المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌البيئة الإيمانية قال تعالي: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ - الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية

[محمد علي محمد إمام]

الفصل: ‌ ‌البيئة الإيمانية قال تعالي: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ

‌البيئة الإيمانية

قال تعالي: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* ِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * يَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1).

يا الله أين النور؟

وكيف نلتمس هذا النور؟

وكيف نتعرف علي هذا النور؟

فيرشدنا إليه جلّ شأنه {فِي بُيُوتٍ} ليست في شوارع، وليست في دواوين، وليست في مقاهي.

(1) سورة النور - الآيات من 35: 38.

ص: 220

أرشد الله إلى ثلاث بيئات تنور قلبك، وعندما نخرج نعيش هذه البيئات: بيئة مكانية 00 وبيئة أعمال 00 وبيئة اجتماعية.

قال الله تعالي: {فِي بُيُوتٍ} ولم يقل في مساجد، لأن أول بيئة يعيشها المسلم تذكره بالله، هي بيئة البيوت، ثم بيئة المساجد.

قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله {فِي بُيُوتٍ} :هي بيوت المسلمين ومساجدهم.

إذا دخلت المسجد تذكرت الله، وإذا دخلت بيت مسلم فهو بيئة كاملة، وهكذا عندما دخل الناس في الدين أفواجاً.

وكان آخر دعاء لسيدنا نوح {: عليه السلام رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (1)

فأول مراكز دعوية هي بيوت المسلمين، يقول الله عز وجل على لسان أهل الجنة:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} (2) ليس في مساجدنا مشفقين، بل في أهلنا.

فقد كون الصحابي بيئة في أهله يذكّر أهله، وأهله يذكّرونه، ليس يغفّل أهله، وأهله يغفّلونه.

هم كانوا {فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} ونحن في أهلنا ضحّاكين، في أهلنا مزّاحين، تريد الصلاة اذهب للمسجد، تريد تتعلم اذهب للمدرسة، وبذلك فقدنا البيئات في

(1) سورة نوح – الآية 26.

(2)

سورة الطور - الآية 26.

ص: 221

البيوت، فلو وضعت جهازا مسجلا جاسوسا في بيت من بيوت الصحابة رضي الله عنهم، فإن كل ما يقال في بيت الصحابي، يصلح للنشر.

وهكذا الصحابة عاشوا في بيئة الدين، وكذلك عندما نخرج نعيش أربع وعشرون ساعة، لمدة أربعين يوما في بيئة الدين.

الصحابة رضي الله عنهم تعلموا أول ما تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كيومه، فكرٌ كفكره، وهمٌّ كهمّه 00 ونحن تعلمنا وضوءاً كوضوءه، وهو لا يستغرق دقيقتان، لكننا لم نتعلم يوم كيومه.

في بيوت الصحابة رضي الله عنهم، ثلاثة عشرة سنة، وبيئة الإيمان في بيوت المسلمين، سيدنا عمر رضي الله عنه عندما سمع أن أخته أسلمت أتى لبيتها لقتل زوجها، فلو وجد غناءً لغنّى معهم، ولكن حال دخوله البيت تأثر بالبيئة، فأخته تقرأ القرآن، فقد كانت أعمال الدين في البيت.

عندما نزلت {وَاذْكُر رَّبَّكَ} ليس معناها: أنهم كانوا في غفلة، بل كانوا في ذكر، ولكن تحثهم الآية على زيادة الذكر.

في كل بيت فيه حلقة التعليم، وهكذا البيت يعطي للأمة، فأحاديث كثيرة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله، فعطاء البيت مثل عطاء المسجد، وأعمال البيت مثل أعمال المسجد، فالبيت فيه الأعمال الكاملة كما في المسجد 00 أما بيوتنا فلا تستطيع أن تقوم بأعمال الدين خمسة دقائق، فصار البيت خنجر في ظهر المسجد.

فعلينا أن نخرج لنصلح بيوتنا، ولو بالتدريج 00 وهكذا أول بيئة كانت بيوت المسلمين، نزل جبريل والرسول في بيت خديجة، فالرسول يُذاكر مع خديجة، وبعد ذلك تنتقل المذاكرة إلى بيوت المسلمين، وبعد أربعة عشرة سنة انتقلت

ص: 222

نسخة من الأعمال إلى المسجد، فأصبحت أعمال المسجد، ونفس هذه الاعمال في البيت، فعندما يسمع الصحابي أعمال المسجد ينقلها إلى أهله في البيت.

في المسجد ذكر، وفي البيت ذكر، قال تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (1) وهكذا 124 ألف مدرسة، في 124ألف بيت.

وهكذا بيئة البيت، وبيئة المسجد، تجعل المسلم يمشي في المجتمع ولا يتأثر، فصُنع المسلم في مساجد المسلمين وبيوت المسلمين.

فالسيارة مثلا تصنع في مكان صغير، ولكن تستخدم في كل العالم وهكذا المسلم يربى في البيت والمسجد، ولكن يتحرك في العالم أجمع، وهكذا مصنع الرجال البيت والمسجد.

فهذه البيئات تعلم الانضباط، فليس مكتوب فيها ممنوع التدخين، ولكن لا أحد يدخّن، وليس فيها غيبة، ولا فيها معصية.

هكذا عاش المسلم في بيته 4 أعمال، وفي المسجد 4 أعمال فتنور المجتمع كله.

قال تعالي: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ} فالرفع ليس ماديا فبناء من 70 دوراً لا يساوي شيئا، ولكن خيمة أو بيت صغير يُذكر الله فيه تراه الملائكة كما ترى النجم، ففي الحديث: " البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءيا لأهل السماء كما

(1) سورة الأحزاب – الآية 34.

ص: 223

تراءيا (في المنتخب - يتراء يا) النجوم لأهل الأرض (1). إذن الرفع صفة للأعمال وليست صفة للأحجار.

فالمسجد وظيفته {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} فكل الاعمال ذكر لله عز وجل.

وعندما نخرج في البيئة المكانية: وهي المسجد يحفظك الله عز وجل من الشر، ويحفظك من سماع الغيبة والنميمة.

والبيئة هي بيئة الأعمال، وما هي الأعمال؟ أعمال الدعوة وهي متنوعة: زيارات، تعليم وتعلم، مذاكرات، قيام الليل، ذكر، يومياً نتجالس في الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ، بأن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً " رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ غريب (2).

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ " رواه مالك فيَّ الموطأ بإسناده الصحيح ((3).

(1) كنز العمال _ باب فضائل القرآن برقم 2291

(2)

رياض الصالحين _ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة صـ 187.

(3)

رياض الصالحين _ باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه صـ 193.

ص: 224

فبيئة الأعمال تتكون في الخروج.

والبيئة الثالثة: بيئة الأشخاص (رجال (فهذا تقي، وذاك تقي، في المسجد، وعندما يمشي في الشارع فهو غاض النظر عن المحرمات، وفي الليل تراه قائما لله سبحانه وتعالى، وهكذا تكونت البيئة الاجتماعية.

وهكذا في البيئة المكانية، وبيئة الأعمال، نجلس فيها ونتعلم، وبعدها ننطلق إلى المجتمع، إلى الشوارع نؤثر ولا نتأثر، فنمشي إلى بيئات الغفلة، وأنت سيد الموقف تُسمعهم ولا تسمع منهم، ولكن لو كنت غير ذلك فسوف تسمع منهم ولا يسمعوا منك، فإن لم تكن لساناً كنت أُذناً.

فبيئة المسجد كمستشفى عام، وبيئة البيت كمستشفى خاص، وهكذا حظ نساء الصحابة أنهن كن يأتين المسجد ليسمعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حظ عائشة رضي الله عنها أوفر فرواية الأحاديث عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، لأن عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها أكبر، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي والدرامي عن عائشة (1).

فالبيت سرك، والمسجد علانيتك، ولا بد أن يكون لك بيئتان محميتان من الشر، فلا يدخل الشر بيتك، ولا يدخل مسجدك، فإن أتيت إلى البيت حُفظت، وإن أتيت إلى المسجد حُفظت أيضاً، بإذن الله تعالي.

******

(1) مشكاة المصابيح _ كتاب النكاح _ باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق 2/ 971.

ص: 225