الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي القتال: لا يجوز الهوادة مع الكفار، ويقابل بأقبح الألفاظ، مثل: يا عدو الله .. وامصص بظر الللات.
مقارنة
بين جهد الدعوة وجهد العبادة
o العبادة أوقات محدودة.
أما جهد الدعوة: متواصل ليلا ونهارا طول الحياة.
o الخالق إذا استعملك رفع قيمتك، ويوفيك حقك، ويعطيك أكثر مما تعمل حتي يأجرك علي النية والذرة، وأحيانا يعطيك بغير حساب.
والمخلوق إذا استعملك رخصك وأذلك وأتعبك كثرا ولا يوفيك حقك.
o العبادة علي نهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم 00 والدعوة علي نهج 124 ألف نبي ورسول.
o الاستخدام الكامل للأنبياء 100 % من جهد إلي جهد، ومن طاعة إلي طاعة،
قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىَ رَبّكَ فَارْغَبْ} (1) يؤدي إلي الإخلاص، والإخلاص مدخل لإصلاح النفس، وفي قراءة {فَرَغََّبْ} الآخرين.
o نشوق غيرنا حتى نشتاق 00 ونخوف غيرنا حتى نخاف.
o أول فقه في الدين: قبل فقه الصلاة والصيام والحج هو فقه الدعوة 00 وجهد الدعوة قبل جهد الصلاة والصيام والحج.
o الصحابة رضي الله عنهم ثلاث عشر عاما، والله عز وجل لهم:{كُفّوَاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ وَآتُوا الزّكَاة} (2) لتبسطوا أخلاقكم وأعمالكم الدعوية.
o ففرغ الله أبدان الصحابة لجهد الدعوة 13 عاما، وفرغ عقولهم لفقه الدعوة، وفرغ ألسنتهم لتلاوة قرآن الدعوة، ليتهيئوا لنيابة النبوة، قال تعالى:{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (3)
o فرغهم الله عز وجل لفقه الدعوة قبل فقه الزواج والطلاق والميراث 00 بعد ذلك كانت الأعمال في حياتهم بمزاج الدعوة إلي الله (داعٍ يصلي 00 داعٍ يحج 00 داعٍ يصوم 00 داعٍ بقاتل في سبيل الله عز وجل) فالدعوة وفقه الدعوة هو الأساس حتى يترسخ اليقين علي الله وموعوداته.
o العبادات فيها رخص، فمثلا: كالقصر في صلاة المسافر00 والمريض يصلي أحيانا وهو جالس أو نائم علي جنبه أو علي ظهره 00الحج لمن استطاع إليه
(1) سورة الشرح _ الآيتان7،8.
(2)
سورة النساء _ الآية77
(3)
سورة إبراهيم _ الآية 1.
سبيلا 00 والزكاة لمن يملك النصاب00 وفي الصوم يفطر المسافر ثم يقضي، والمريض المزمن يفطر ويفدي عن صومه، والمريض غير المزمن يفطر ثم يقضي بعد برءه من المرض.
o أما الدعوة: فليس فيها رخص، فلم يعذر الضعفاء، قال تعالى:{لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلَا عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلَا عَلَى الّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (1) فالله عذرهم عن القتال 00 ولكن ما عذرهم عن الدعوة والنصح.
o كما أن الأساس ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وإلا تحدث كارثة 00 وممكن التبديل والتغيير في الأدوار وفي النوافذ وفي الأبواب والحوائط 00 كذلك فقه الدعوة هو الأساس.
o أساس جهد الدين: قال تعالى: {يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيرا} (2)
o عنوان رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} (3).
o بدأت دعوة كل نبي بمطالبة قومه بالعبادة: قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (4).
o وأول مطلب للنبي صلى الله عليه وسلم: من ينصرني؟ من يؤويني؟ من يمنعني حتى أبلغ
(1) سورة التوبة _ الآية91
(2)
سورة الأحزاب _ الآيتان 45، 46.
(3)
سورة الأنبياء _ الآية107.
(4)
سورة الأعراف _ الآية59.
رسالة ربي وله الجنة؟ يطلب منهم أن يقوموا معه بجهد الدعوة إلي الله.
فأول مطلب هو الدعوة وليس العباد .. والنصرة حتى تقوم الأمة علي الجهد، ولكن عيسي عليه السلام طلب النصرة من بني إسرائيل عندما أحس بالنهاية (الكفر)، قال تعالى:{فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ} (1)
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان له حواريون مثل (طلحة والزبير رضي الله عنهما (2) ً) ولكن لم يطلب منهم النصرة كما طلب عيسي عليه السلام من الحواريين، فلو طلب من الحواريين فقط، فما كان لنا نصيب في التكليف، فالله عز وجل كلف الأمة كلها بنصرة الدين، قال تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوَاْ أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنّصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآمَنَت طّآئِفَةٌ مّن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طّآئِفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَىَ عَدُوّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (3).
o سُمي العباد في الأمم السابقة بالأولياء 00 وسُمي الدعاة في أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بالأولياء.
o ما ذكر الله عز وجل قصة في القرآن ليشيد بعبادتهم، بل يذكرهم بقوة دعوتهم:
قال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا
(1) سورة آل عمران _ الآية52.
(2)
كما جاء في الحديث: عن جابر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب؟ " قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " متفق عليه (مشكاة المصابيح _ كتاب المناقب _ باب مناقب العشرة 3/ 1725).
(3)
سورة الصف _ الآية 14.
الْمُرْسَلِينَ} (1).
وقال تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلا} (3).
o قوة العابد في عزلته، حتى لا يشوش الناس عليه علاقته بالله عز وجل، يجلس في خلوته حتى تتجلي الأنوار في قلبه00 لكن قوة الداعي في مخالطته للخلق، فيفرح بمخالطة القوم لدعوتهم.
o حكم فقهي: إنقاذ من يقع في الحريق أو في البئر مقدم علي العبادة (الصلاة) 00 فلو كان الرجل فى صلاته واستمر فيها، فالأعمى سيسقط فى البئر أو في الحريق، ويكون المصلى آثماً، فالترتيب الصحيح هو أن يترك الصلاة، ثم يأخذ بيد الرجل ويبعده عن البئر ثم يرجع إلى صلاته.
o فقه الدين: هو فقه العبودية، كيف يعيش الإنسان 24 ساعة تحت مظلة {إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) .. يعيش 24 ساعة يُعبد فكره، يُعبد همه، يُعبد أوقاته، يُعبد زوجته، يُعبد ماله.
(1) سورة يسن _ الآية 20
(2)
سورة غافر _ الآية 28.
(3)
سورة الكهف _ الآية 37.
(4)
سورة الفاتحة - الآية 5.
o الإنسان يتكلم 24 ساعة في فقه الدين، وهمه همَّ دنياه، وفكره فكر دنياه، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (1) عبَّدَ لسانه وما عبَّدَ قلبه، ما عبَّدَ همه، لذا يقول الله تعالي:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (2)
o في السنة الأولي من البعثة نزل منهاج الأمة: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وما شرع الصيام والصوم والحج.
o كيف أفكارنا، وجوارحنا، تدخل في العبودية، عن طريق:{ومِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (3).
o فقه العبودية: إذا تَتكلم .. تَمشي .. تَتحرك .. تَنام .. ُتفكر .. تَجلس .. تتعاون مع غيرك .. تُسافر .. ترتحل من مكان إلي مكان، من أجل {لِيَعْبُدُونِ} .
o الهداية: قال تعالي: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (4). وقال تعالي: {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (5) فالهداية هي العبادة، والعبادة هي الهداية.
(1) سورة الحج – الآية11.
(2)
سورة البقرة – الآية 208.
(3)
سورة البقرة – الآية 207.
(4)
سورة الفاتحة - الآية 6.
(5)
سورة يسن – الآية61.
o الله سبحانه وتعالى أثني علي عبودية الأنبياء، في القرآن:{صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (1) فتعرف علي عبودية إبراهيم وموسي وعيسي ونوح عليهم السلام، وتعرف علي عبودية صاحب يسن، فكل عبودية أثني الله عليها في القرآن جعلها مطمح حياتنا، وهي العبودية المرغوب فيها، عبادة: من ينصرني حى أبلغ رسالة ربي؟.
o كل مسلم أول شيء فعله، فتح بيته لإيواء دين الله عز وجل، لإيواء كلام الله، وكلام رسوله، وخرج لنصرته .. بالقعود ماذا تؤوي؟ بالقيل والقال!!!.
o أول ما علم موسي عليه السلام أصحابه، علمهم الصلاة والصيام .. وأول ما علم نوح عليه السلام أتباعه، علمهم الصلاة والصيام .. وأول ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه، علمهم جهده ودعوته.
o بسبب بركة ختم النبوة، أُعطيت الأمة من أول يوم أعظم عبودية، وهي عبودية همَّ إحياء الدين، بها يُصبح العبد من أعبد خلق الله تعالي.
o أعظم عبودية أن تضع عبادتك وعبادة من تحبهم، في ميزانك.
o يُصبح الرجل بالدعوة أمة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2) لما تنوي أن تُحيي أمة، فأنت أمة.
o كُلفنا باستلام نيابة النبي صلى الله عليه وسلم:
كان جهد الدعوة ينتقل من نبي إلي نبي، كلما مات نبي، خلفه نبي آخر في جهده، فخلف سيدنا إبراهيم عليه السلام في جهده، إسحاق ويعقوب عليهما السلام .. ووهب لسيدنا زكريا عليه السلام، يحي عليه السلام، ليخلف أباه في جهده .. والنبي صلى الله عليه وسلم أخذت
(1) سورة الفاتحة – الآية7.
(2)
سورة النحل – الآية120.
أبناءه صغاراً، لتقر عينه بأمته، تشتغل بهذا الجهد معه، وبعده.
هكذا كانت عبادة الدعوة إلي الله عز وجل، تنتقل من نبي إلي نبي، وببركة ختم النبوة، انتقلت من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلي أمته {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1).
وما أشرك الله سبحانه وتعالى سيدنا هارون مع سيدنا موسي عليهما السلام، في الدعوة، إلا بعد إلحاح من سيدنا موسي عليه السلام علي الله عز وجل:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * َويَسِّرْ لِي أَمْرِي *َ واحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي*هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي*وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي*َكيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * َونَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * َقالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (2).
فأشرك الله عز وجل سيدنا هارون عليه السلام في أمره، وأشرك الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها، في أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
o كانت أقدام موسي وهارون عليهما السلام، تمشي إلي فرعون، وما في قدم إسرائيلي مشي في الدعوة، لكن أقدام الصحابة رضي الله عنهم مع أقدام النبي صلى الله عليه وسلم .. وكان الثناء من الله عز وجل علي الأنبياء فردي، لا يشمل أممهم، بل بين الله عز وجل عيوب أممهم، وببركة جهد النبي صلى الله عليه وسلم مجد الله عز وجل صفات نبينا وصفات أمته.
o القرآن الكريم عندما يقول لنا: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (3) يأمرنا بإتباعه في الدعوة، والحذر من هفوات
(1) سورة يوسف_ الآية108.
(2)
سورة طه _ الآيات من 25: 36.
(3)
سورة مريم - الآية 51.
أصحابه .. وببركة ختم النبوة، اقتدوا بمحمد وأصحابه.
o فقه العبادة، فقه مجمل في القرآن:
ففي الصلاة: قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ} (1).
وفي الصيام: قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ} (2).
وفي الزكاة: قال تعالى: {وَآتُوا الزّكَاةَ} (3).
وفي الحج: قال تعالى: {وَللهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (4).
o أما فقه الدعوة: فهو فقه مفصل في القرآن، الله عز وجل بينه لنا من أول نوح عليه السلام حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، القرآن الكريم مليء بقصص الأنبياء عليهم السلام00 وقيض الله عز وجل لنا العلماء لحفظ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
o لو قرأت قول الله تعالي: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (5).
(1) سورة البقرة _ الآية 43.
(2)
سورة البقرة _ الآية 183.
(3)
سورة البقرة _ الآية 43.
(4)
سورة آل عمران _ الآية97.
(5)
سورة البقرة _ الآية 183.
أي من ظلمة المعصية إلي نور الطاعة .. ولكن علي أي مذهب؟
ما ترك الله عز وجل الدعوة لأي مذهب فقهي يفصلها 00 وتولي تفصيلها بذاته من خلال كتابه وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
o فقه العبادة مهم، وفقه الدعوة أهم00 لذلك تولي الله تفصيل الأهم بذاته العلية، يفصل دعوة نوح عليه السلام وصبره علي قومه مع طول مدة رسالته00يفصل دعوة إبراهيم عليه السلام وأخلاقه وحلمه 00 فصل لنا دعوتهم وما فصل لنا عبادتهم.
o القرآن المكي كله يبين فقه {:َ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ} ولو فهمت الأمة هذا العلم، ما بقي واحد في الظلمة.
o الدعوة مفصلة في القرآن، والعبادة مجملة00 المفصل الأمة جهلته، والمجمل الأمة فهمته 00 مع أن الإنسان يفهم المجمل ولا يعذر في عدم فهم المفصل00 والسبب واضح هو قوة الطلب علي المجمل، بالإضافة أن الشيطان جعل في قلوب الناس حساسية ضد جهد الدعوة لأنه يحاج إلي تضحيات.
o الأنبياء السابقين أقاموا أقوامهم علي جهد العبادة، ولم يقيموهم علي جهد الدعوة، سيدنا موسي عليه السلام ما طلب من قومه أن يذهبوا معه إلي فرعون عليه اللعنة والرسول صلى الله عليه وسلم كلف بدعوة فراعنة كثيرون، فكلف الأمة كلها بلواء الدعوة، قال تعالى: {الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلَالَ
الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) ما قال: آمنوا به وصلوا وصاموا.
o مولود يولد علي الجهد لا علي اللعب، قال تعالى:{فَلَمّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاّ جَعَلْنَا نَبِيّاً} (2).
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الله عز وجل وهب له أمته كلها، قال تعالى:{قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (3) فأنت هبة ليس لأبيك ولا لأمك، ولكن هبة لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فكن خير هبة لأحسن موهوب.
o الله طلب من الأمة النصرة للدين، قال تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوَاْ أَنصَارَ اللهِ} (4) في سورة الصف، لنكون صفا واحدا، في نصرة الدين والنداء لكل أهل الإيمان.
o القرآن المكي يأمرنا باتباع الأحسن، قال تعالى:{وَاتّبِعُوَاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رّبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (5) جهد العبادة حسن، وجاء بعد جهد أحسن خلال 13 سنة0
o قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ
(1) سورة الأعراف _ الآية 157.
(2)
سورة مريم _ الآية49.
(3)
سورة يوسف_ الآية 108.
(4)
سورة الصف_ الآية14.
(5)
سورة الزمر_ الآية55.
سَبِيلاً} (1) هذه الآية مكية والسبيل هو طريق الدعوة 00 كما اتخذه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولذا ندم الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو علي تأخرهم عن سلك طريق الدعوة مع النبي صلى الله عليه وسلم من بداية الدعوة، وذلك حين حضر أناس باب عمر وفيه سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب والشيوخ من قريش رضي الله عنهم فخرج آذنه فجعل يأذن لأهل بدر كصهيب وبلال وعمار رضي الله عنهم، قال: وكان والله بدريا، وكان يحبهم وكان قد أوصي به، فقال أبو سفيان ما رأيت كاليوم قط أنه يؤذن لهذه العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا، فقال سهيل بن عمرو رضي الله عنه: وياله من رجل، ما كان أعقله، أيها القوم! إني والله! قد أري الذي في وجوهكم فإن كنتم غضابا فاغضبوا علي أنفسكم دعي القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم أما والله! لما سبقوكم من الفضل فيما يرون أشد عليكم قوة من بابكم هذا الذي تنافسون عليه، ثم قال: إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون ولا سبيل لكم والله! إلي ما سبقوكم إليه فانظروا هذا الجهاد فالزموه عسي الله عز وجل أن يرزقكم الجهاد والشهادة، ثم نفض ثوبه فقام، فلحق بالشام. قال الحسن: صدق والله! لا يجعل الله عبدا أسرع إليه كعبد أبطا عنهم (2).
o شريعة الإسلام شريعة: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ وَلَا تَتَفَرّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِيَ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ
(1) سورة الفرقان _ الآية27.
(2)
رواه الحاكم في المستدرك 3/ 282. وأخرجه البخاري في تاريخه، وابن عبد البر في الاستيعاب (حياة الصحابة_ رغبة الصحابة في الجهاد 1/ 436).
وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (1).
وهي شريعة أولي العزم من الرسل، والله عز وجل يبينها لنا حتي نسير عليها00 {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} ما كبر علي المشركين صلاتنا ولا صيامنا ولا حجنا، ولكن كبر عليهم دعوتنا.
{اللهُ يَجْتَبِيَ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} وما ذكر الله عز وجل الاجتباء إلا بعد الجهد، كما في قوله تعالي:{وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هََذَا لِيَكُونَ الرّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ فَأَقِيمُوا الصّلَاةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىَ وَنِعْمَ النّصِيرُ} (2) الله عز وجل اجتبي كل الأمة، فمطلوب مني أن أطلب وأسعى وأجتهد أن يقبل الله مني أن أكون من المجتبين.
o قال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (3) مجد ربه ساعة فالله من فوق عرشه مجده حتى قيام الساعة .. فما بالنا بالذي يمجد ربه آناء الليل وآناء النهار، وحتى نهاية عمره وهو يمجد ربه.
o عبادة الجهد أفضل من عبادة الزهد.
o زهد الصحابة كان بسبب انشغالهم بالجهد 00 فكان من نتيجة ذلك قلت الأشياء عندهم00 ولما فتحت الفتوحات لم ينشغلوا بها، بل خافوا منها، فعن
(1) سورة الشوري _ الآية13.
(2)
سورة الحج _ الآية78.
(3)
سورة يسن _ الآية20.
الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أُتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه، قال: فألقى إليه سواري كسري بن هرمز فجعلهما في يده، فبلغا منكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة، قال: الحمد لله! سواري كسرى بن هرمز في يد سراقة بن مالك بن جعشم أعرابي من بني مدلج! ثم قال: اللهم! إني قد علمت أن رسولك صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يُصيب مالا فينفقه في سبيلك وعلي عبادك، وزويت ذلك عنه نظرا منك له وخيارا، ثم قال: اللهم! إني قد علمت أن أبا بكر رضي الله عنه كان يُحب أن يصيب مالا فينفقه في سبيلك وعلي عبادك، فزويت ذلك عنه نظرا منك له وخيارا، اللهم! إني أعوذبك أن يكون هذا مكرا منك بعمر! ثم تلا:{أَيَحْسَبُونَ أَنّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِن مّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاّ يَشْعُرُونَ} (1)(2).
o زهد خالد بن الوليد رضي الله عنه بسبب جهده، لأنه كان يعرض نفسه للشهادة كل وقت00 ولكن الذي يحرم نفسه من الطيبات دون الجهد، ويخاف من الموت (الشهادة في سبيل الله) ليس بزاهد.
o لا توجد آية في القرآن تمدح الزهد، ولكن الآيات تمدح الجهد00 والداعي عنده جهد الكسب وجهد الإنفاق 00 أما الزاهد فلا كسب ولا إنفاق، بل جائع يدعو غيره للجوع.
o العبادة في حياة العابد كل من كل 00 أما في حياة الداعي فهي جزء من كل.
o العبادة تعلق بالله (صلاة 00 صوم 00 ذكر 00 قراءة قرآن 00 ذكر) .. أما الدعوة تعلق وتخلق، ومعني التخلق: علاقة مخلوق بمخلوق.
الجولة تخلق، فكيف نجعل التعلق في التخلق {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ
(1) سورة المؤمنون _ الآيتان 55، 56.
(2)
حياة الصحابة _ الخوف علي بسط الدنيا _ خوف عمر رضي الله عنه. وبكاؤه 2/ 244
وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1).
والعابد ما عنده التخلق لأنه أدار ظهره للخلق.
الداعي بالليل تعلق بالله .. وبالنهار تخلق (تأليف .. تعريف .. دعوة .. تكليف.
الداعي بالليل تملق، وبالنهار تخلق.
o في جهد الدعوة ممكن سفيه يتهكم عليك، فتحلم عليه، فتتعلم الصبر والعفو والإناة00 أما العابد فقد أدار ظهره للخلق، فلا يحتك بالناس، فلا يتعلم الحلم ولا الصبر.
o الخطباء والوعاظ يقولون: شكر الله لحسن استماعكم00 اللهم! بلغت، اللهم فاشهد00 وكأن الدين لسان يتكلم وأذن تسمع.
أما الداعي يقول: {يَاقَوْمِ اتّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ} (2).
{ياَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (3).
ما يقول: اسمعوني، ففي الآيتين ما يقولون اسمعوا المرسلين
o سبعين ألف عابد من بني إسرائيل ما ذكر الله قصة إيمانهم وعبادتهم، ولكن الذي قام منهم بالدعوة، ذكر الله عز وجل قصته في القرآن،: {وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ
(1) سورة الأنعام – الآية 122.
(2)
سورة غافر _ الآية 38.
(3)
سورة يسن _ الآية20.
بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (1) شرفه جهده ولم يشرفه نسبه00 وبلال رضي الله عنه لم يشرفه نسبه بل شرفه جهده، بعد أن كان يُسمي بلال العبد أصبح يُسمي سيدنا بلال، أصبح مؤذن الرسول، أصبح يجلس مع الأكابر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليَّ رضي الله عنهم، الكل يعرف حقه، فيقول عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.
o عُباد بني إسرائيل (70 ألف) في عهد موسي، ماذا فعل الله عز وجل بهم؟
وبعد موسي عليه السلام:
وقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الاْرْضِ أُمَمًا} قال أبو عبيدة: فرقناهم فرقا. قال ابن عباس: هم اليهود، ليس من بلد إلا وفيه منهم طائفة. وقال مقاتل: هم بنو إسرائيل. وقيل: معناه: شتات أمرهم وافتراق كلمتهم. {مّنْهُمُ الصَّالِحُونَ} وهم
(1) سورة غافر – الآية 28.
(2)
سورة الأعراف– الآية160.
(3)
سورة الأعراف – الآية168.
المؤمنون بعيسى ومحمد عليهما السلام. {وَمِنْهُمْ دُونَ ذالِكَ} وهم الكفار. وقال ابن جرير: إنما كانوا على هذه الصفة قبل أن يبعث عيسى، وقبل ارتدادهم (1).
لما جاءت طرق التعبد فالعباد صاروا (أمما) أي شيعا وفرقا، وفرحوا بذلك، قال تعالى:{مِنَ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (2).
فماذا فعل الله بهم؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَاّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " رواه الترمذي (4).
والآن بفضل الله عز وجل بالدعوة ملايين الناس والفكر واحد والاتجاه والهدف واحد، والنية واحدة، بسبب الدعوة جمع الله عز وجل قلوبهم.
o نور الإيمان في قلب الداعي أقوي من نور الشمس.
o هناك فرق بين يقين الداعي ويقين العابد00 فالداعي كل يوم يزداد يقينه علي
(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي.
(2)
سورة الروم – الآية32.
(3)
سورة الأنعام – الآية159.
(4)
في كتاب الإيمان _ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة.
الغيبيات، وهكذا كل الأنبياء عليهم السلام.
o الأمة لما صارت عُباد زادت الفتن.
o صاحب الجهد يحفظ في مكان الفتنة، مثل: سيدنا لوط عليه السلام، قال:{رَبّ نّجِنِي وَأَهْلِي مِمّا يَعْمَلُون} (1). فقال الله تعالى: {فَنَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} (2).
o أما العابد فيفتن في مكان العبادة، مثل:
1) بلعام بن باعوراء:
قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءاتَيْنَاهُ ءايَاتِنَا} أنها العلم بكتب الله
(1) سورة الشعراء – الآية 169.
(2)
سورة الشعراء – الآية170 ..
(3)
سورة الأعراف _ الآيتان 170، 176.
عز وجل، والمشهور في التفسير أنه بلعام بن باعوراء، وكان من أمره على ما ذكره المفسرون أن موسى عليه السلام غزا البلد الذي هو فيه، وكانوا كفارا، وكان هو مجاب الدعوة، فقال ملكهم: ادع على موسى، فقال: إنه من أهل ديني ولا ينبغي لي أن أدعو عليه، فأمر الملك أن تنحت خشبة لصلبه، فلما رأى ذلك، خرج على أتان له ليدعو على موسى، فلما عاين عسكرهم، وقفت الأتان فضربها، فقالت: لم تضربني، وهذه نار تتوقد قد منعتني أن أمشي؟ فارجع، فرجع إلى الملك فأخبره، فقال: إما أن تدعو عليهم، وإما أن أصلبك، فدعا على موسى باسم الله الأعظم أن لا يدخل المدينة، فاستجاب الله له، فوقع موسى وقومه في التيه بدعائه، فقال موسى: يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه؟ فقال: بدعاء بلعم، فقال: يا رب فكما سمعت دعاءه علي، فاسمع دعائي عليه، فدعا الله أن ينزع منه الاسم الأعظم، فنزع منه. وقيل: إن بلعام أمر قومه أن يزينوا النساء ويرسلوهن في العسكر ليفشوا الزنا فيهم، فينصروا عليهم. وقيل: إن موسى قتله بعد ذلك. وروى السدي عن أشياخه أن بلعم أتى إلى قومه متبرعا، فقال: لا ترهبوا بني إسرائيل، فإنكم إذا خرجتم لقتالهم، دعوت عليهم فهلكوا، فكان فيما شاء عندهم من الدنيا، وذلك بعد مضي الأربعين سنة التي تاهوا فيها، وكان نبيهم يوشع لا موسى.
قوله تعالى: {ءايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} أي: خرج من العلم بها.
قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال (فكان من الغاوين) أي من الضالين الهالكين الحائرين البائرين وقوله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاٌّرْضِ} أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا ولحلنا بينه وبين المعصية بالآيات التي آتيناه إياها {وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاٌّرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت غيره من أولي
البصائر والنهى، قوله تعالى:{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} وهذه الآية من أشد الآيات على أصحاب العلم، إذا مالوا عن العلم إلي الهوي وذلك لأنه تعالى بعد أن خص هذا الرجل بآياته وبيناته، وعلمه الاسم الأعظم، وخصه بالدعوات المستجابة، لما اتبع الهوى انسلخ من الدين وصار في درجة الكلب، وذلك يدل على أن كل من كانت نعم الله في حقه أكثر، فإذا أعرض عن متابعة الهدى وأقبل على متابعة الهوى، كان بعده عن الله أعظم، فمن آتاه الله العلم والدين فمال إلى الدنيا، وأخلد إلى الأرض، كان مشبها بأخس الحيوانات وهو الكلب اللاهث (1).
2) جريج العابد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدًا، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له،
(1) انظر تفسير سورة الأعراف بزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، مفاتيح الغيب للرازي – وتفسير القرآن العظيم لابن كثير.
فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها. فحملت، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت: “ اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع " فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها، قال: " ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث فقالت: مر رجل حسن الهيئة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت: اللهم اجعلني مثلها؟! قال: إن ذلك الرجل كان جبارًا فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها زنيت، ولم تزن وسرقت، ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها " متفق عليه (1).
1) برصيصا العابد:
ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنكَ إِنّيَ أَخَافُ اللهَ رَبّ الْعَالَمِينَ} (2) أن عابدا من
(1) رياض الصالحين _.باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين
(2)
سورة الحشر – الآية 16.
بني إسرائيل كان يقال له برصيصا تعبد في صومعة له أربعين سنة لا يقدر عليه الشيطان، فجمع إبليس يوما مردة الشياطين، فقال: ألا أحد منكم يكفيني برصيصا؟ فقال الأبيض: وهو صاحب الأنبياء أنا أكفيكه، فانطلق على صفة الرهبان، وأتى صومعته، فناداه فلم يجبه وكان لا ينفتل عن صلاته، إلا في كل عشرة أيام، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام، فلما رأى أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا، اطلع فرآه منتصبا يصلي على هيئة حسنة، فناداه ما حاجتك؟ فقال: إني أحببت أن أكون معك، أقتبس من عملك، وأتأدب بأدبك، ونجتمع على العبادة، فقال برصيصا: إني لفي شغل عنك ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض يصلي، فلم يقبل إليه برصيصا أربعين يوما، ثم انفتل فرآه يصلي فلما رأى شدة اجتهاده، قال ما حاجتك؟ فأعاد عليه القول: فأذن له فصعد إليه، فأقام معه حولا لا يفطر إلا كل أربعين يوما، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوما، وربما زاد على ذلك، فلما رأى برصيصا اجتهاده أعجبه شأنه وتقاصرت إليه نفسه، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إني منطلق عنك، فإن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما أرى، وكان يبلغنا عنك غير الذي أرى فاشتد ذلك على برصيصا، وكره مفارقته، فلما ودعه قال له الأبيض: إن عندي دعوات أعلمكها يشفي الله بها السقيم، ويعافي بها المبتلي، فقال برصيصا: إني أكره هذه المنزلة لأن لي في نفسي شغلا، فأخاف أن يعلم الناس بهذا،
فيشغلوني عن العبادة فلم يزل به حتى علمه إياها، ثم انطلق إلى إبليس فقال: قد والله أهلكت الرجل فانطلق الأبيض، فتعرض لرجل فخنقه، ثم جاءه في صورة رجل متطبب فقال لأهله: إن بصاحبكم جنونا فأعالجه قالوا: نعم فقال لهم: إني لا أقوى على جنيه ولكن سأرشدكم إلى من يدعو له فيعافى فقالوا له: دلنا قال انطلقوا إلى برصيصا العابد فإن عنده اسم الله الأعظم، فانطلقوا إليه فدعا بتلك الكلمات، فذهب عنهم الشيطان، وكان الأبيض يفعل بالناس ذلك، ثم يرشدهم إلى برصيصا، فيعافون، فلما طال ذلك عليه انطلق إلى جارية من بنات ملوك بني إسرائيل، لها ثلاثة إخوة، فخنقها، ثم جاء إليهم في صورة متطبب، فقال أعالجها؟ قالوا: نعم. فقال إن الذي عرض لها مارد لا يطاق، ولكن سأرشدكم إلى رجل تدعونها عنده، فإذا جاء شيطانها دعا لها، قالوا: ومن هو؟ قال بريصصا، قالوا فكيف لنا أن يقبلها منا وهو أعظم شأنا من ذلك؟ اقال إن قبلها، وإلا فضعوها في صومعته، وقولوا له: هي أمانة عندك، فانطلقوا إليه فأبى عليهم، فوضعوها عنده. وفي بعض الروايات أنه قال: ضعوها في ذلك الغار، وهو غار إلى جنب صومعته، فوضعوها، فجاء الشيطان فقال له: انزل إليها فامسحها بيدك تعافى، وتنصرف إلى أهلها، فنزل، فلما دنا إلى باب الغار دخل الشيطان فيها، فإذا هي تركض، فسقطت عنها ثيابها، فنظر العابد إلى شيء لم ير مثله حسنا وجمالا، فلم يتمالك أن وقع عليها، وضرب على أذنه، فجعل يختلف إليها إلى أن حملت، فقال له الشيطان: ويحك يا برصيصا قد افتضحت، فهل لك أن تقتل هذه وتتوب؟ افأن سألوك عنها قلت: جاء شيطانها، فذهب بها، فلم يزل بها حتى قتلها، ودفنها، ثم رجع إلى صومعته، فأقبل على صلاته إذ جاء إخوتها يسألون عنها، فقالوا: يا برصيصاا ما فعلت أختنا؟ قال: جاء شيطانها فذهب بها، ولم أطقه، فصدقوه، وانصرفوا. وفي بعض الروايات أنه قال: دعوت لها، فعافاها الله، ورجعت إليكم، فتفرقوا ينظرون لها أثرا، فلما أمسوا جاء الشيطان إلى كبيرهم في منامه، فقال: ويحك: إن
برصيصا فعل بأختك كذا وكذا. وإنه دفنها في موضع كذا من جبل كذا، فقال: هذا حلم، وبرصيصا خير من ذلك، فتتابع عليه ثلاث ليال، ولا يكترث، فانطلق إلى الأوسط كذلك، ثم إلى الأصغر مثل ذلك، فقال الأصغر لإخوته: لقد رأيت كذا وكذا، فقال الأوسط: وأنا والله، فقال الأكبر: وأنا والله، فأتوا برصيصا، فسألوه عنها: فقال: قد أعلمتكم بحالها، فكأنكم اتهمتموني، قالوا: لا والله، واستحيوا، وانصرفوا، فجاءهم الشيطان فقال: ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا وكذا، وإن إزارها لخارج من التراب، فانطلقوا، فحفروا عنها، فرأوها، فقالوا: يا عدو الله لم قتلتها؟ اهبط. فهدموا صومعته، ثم أوثقوه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم قادوه إلى الملك فأقر على نفسه، وذلك أن الشطيان عرض له، فقال: تقتلها ثم تكابر، فاعترف، فأمر الملك بقتله وصلبه، فعرض له الأبيض، فقال: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، ويحك ما اتقيت الله في أمانة خنت أهلها، أما استحييت من الله؟ األم يكفك ذلك حتى أقررت ففضحت نفسك وأشباهك بين الناس؟ افإن مت على هذه الحالة لم تفلح، ولا أحد من نظرائك، قال: فكيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة حتى أنجيك، وآخذ بأعينهم، وأخرجك من مكانك، قال: ما هي؟ قال: تسجد لي، فسجد له، فقال: هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك أن كفرت {إِنّى بَرِاء مّنكَ} ثم قتل. فضرب الله هذا المثل لليهود حين غرهم المنافقون، ثم أسلموهم (1).
(1) زاد المسير في علم التفسير - تفسير سورة الحشر.
وعن ابن عباس أنه قال: إن الشياطين قالوا يا سيدنا مالنا نراك تفرح بموت العالم ولا تفرح بموت العابد والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه .. ؟ قال: فانطلقوا .. فانطلقوا إلى عابد فأتوه فى عبادته قالوا إنا نريد أن نسألك فانصرف. فقال ابليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ فقال: لا أدرى. فقال: أترونه كفر فى ساعة.
ثم جاءوا إلى عالم فى حلقته يضحك أصحابه ويحدثهم فقالوا إنا نريد أن نسألك .. فقال سل: فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ قال: نعم. قالوا كيف
…
؟ قال: يقول كن فيكون. فقال ابليس: أترون ذاك لا يعدوا نفسه وهذا يفسد عليَّ عالماً كثيراً.
ورويت هذه الحكاية من وجه آخر:
أنهم سألوا العابد فقالوا: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه فقال العابد: لا أدرى. فقالوا أترونه تنفعه عبادته مع جهله، وسألوا العالم عن ذلك فقال: هذه المسألة محال .. لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً فلا يكون مثله بل كان عبداً من عبيده وخلقاً من خلقه. فقال أترون هذا يهدم فى ساعة ما أبنيه فى سنين (1).
(1) مفتاح دار السعادة - ابن القيم.
وهكذا يوقع الشيطان العباد في الفتن والمعاصي ويخرجهم من الدين، ولكنه لا يستطيع أن يقترب من الداعي، لأن العابد منشغل بنفسه ومقبل على عبادة
ربه والعالم منشغل بمعرفة ربه ودعوة الخلق إليه.
o فصلاح عبودية العابد يفضل له الخلوة، وإذا خرج من الخلوة يتأثر بالفتن00 ولكن لصلاح الداعي يفضل له الحركة في الدعوة، ولا يتأثر من الفتن، بل الفتن تقوي عبوديته.
o العابد ملذاته في عبادته .. والداعي يُضحي بملذاته لهداية غيره، فيجعل الله عز وجل ملذاته في دعوته.
o العابد يحقر العاصي ويغضب عليه، فمزاجه غضبي خاصة مع العصاة00 والداعي يتأسف ويحزن ويشفق ويرحم علي العصاة.
o بسمة الداعي في وجه العاصي، أحبُ إلي الله عز وجل من بكاء العابد في سجوده00 لأن بسمة الداعي في وجه العاصي لإنقاذه من النار، والعابد يبكي لإنقاذ نفسه.
o البكاء في وجه الناس ينفرهم، فمن صفات الداعي: بكاءً بالليل، بساما بالنهار.
o البسمة نهارا وجهراً .. والبكاء ليلا وسراً.
o نافلة الداعي خير من فريضة العابد، لأنها سببا لنشر الدين وهداية الخلق.
o بدء السلام نافلة، ورد السلام فرض .. ونافلة السلام خير من فريضة الرد .. الخير بالخير والبادئ أرحم.
o فالداعي استثمر السنة لإقامة الفرض00 فلو استثمر فرض لأقام أفراد علي الحق .. فالصحابة رضي الله عنهم في فتح مكة أفطروا في نهار رمضان، فهم ضحوا بالفرض لإحياء آلاف وملايين الناس علي الإيمان والأعمال حتى قيام الساعة.
o الكفار يتأثرون بنور نافلة الداعي، مثل: آداب الطعام 00 آداب النوم 00 وإذا
تأثروا أسلموا ثم يأتي عندهم جميع الفرائض والسنن .. فاستثمار الفريضة يأتي بمليارات الفرائض.
o العابد مثل: مصباح يضيء في حجرة 00 أما الداعي مثل الشمس تستنير بها الدنيا كلها.
o غبار الداعي وهو متحرك في الدعوة خير من مسك العابد، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يلج النار رجل بكي من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (1) 0
وأرسل عبد الله بن المبارك، إلى: فضيل بن عياض، رسالة قال فيها:
يا عابد الحرمين لوأبصرتنا
…
لعلمت أنك فى العبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه
…
فنحورنا بدماءنا تخضبُ
أو كان يتعب خيله فى باطلٍ
…
فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحنُ
…
عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيبُ
ولقد آتانا من فعال نبينا
…
قول صحيح صادق لا يكذبُ
لا يستوى غبار خيل الله
…
فى أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب
وهذا كتاب الله ينطق بيننا
…
ليس الشهيد بميت لا يكذب
(1) رياض الصالحين - كتاب الجهاد - باب وجوب الجهاد وفضل الغدوة والروحة
o وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. متفق عليه (1) هذا فم الصائم، فما بالنا بفم الداعي إلي الله ..
o الداعي عنده الإيثار وليس الاستئثار، قال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2).
o الداعي مثل: الذي يزرع شجرة المانجو 00 والداعي مثل: الذي يشرب عصير المانجو.
فالذي يشرب يجد لذة بدنية 00 أما الذي يزرع ويسقي الزرع، يجد لذة روحية، وهو أول من يجني ثمرة زرعه، فالداعي يستفيد من دعوته قبل استفادة المدعو.
o الأمة المسلمة، الله عز وجل مدحها وهي تشرب الخمر في مكة00 بأي شيء؟ إنها العبودية:
وصفهم بأنهم عباده 00 الله سبحانه وتعالى يمجد أعظم عبودية حققتها أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(1) رياض الصالحين - باب وجوب الصوم. .
(2)
سورة الحشر – الآية 9.
(3)
سورة الفرقان – الآيات من 63: 65.
00 وفي ذلك الحين ما زالوا يشربون الخمر لأنها حُرمت في المدينة، وما صاموا رمضان لأن الصوم فرض في السنة الثانية للهجرة00 وما حجوا لأن الحج فرض في السنة التاسعة للهجرة.
والله سبحانه وتعالى يخاطبهم: {وَعِبَادُ الرّحْمََنِ} فكانت فيهم العبودية الكاملة لله تعالي من أول يوم، بل من أول لحظة 00 وتجلي ذلك عليهم عندما نزل عليهم ألوان العذاب، بسبب إسلامهم، ولم يتراجعوا عن عبوديتهم لله تعالي 00 فمشقة القيام بالصلاة والصيام والزكاة والحج وتلاوة القرآن، لا يذكر بجانب العذاب الذي وقع عليهم، مثل الذي وقع علي (بلال وصهيب وعمار بن ياسر وأسرته وخباب والمقداد).
يا الله! أي عبودية أجمل من عبودية مجدها الله عز وجل {يَمْشُونَ} فالمشي علي الأرض لتذكير الغافلين، هو عند الله أعظم عبودية بالنهار، كما أن أعظم عبودية لموسي عليه السلام مشيه في النهار لدعوة فرعون {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (1).
{يَمْشُونَ} فعل يفيد الحال والاستقبال 00 يعني هذا شأنهم، هذا مقصد حياتهم00 عمل يومي وحتى الموت.
ما أجملها من صفات {يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} يمشون علي الأرض
(1) سورة طه – الآية24، والنازعات الآية 17.
في لين وتواضع وسكينة ووقار، ولا يتبخترون في مشيتهم، مع ما يحملون (أعظم دين أنزله الله عز وجل للبشرية، ويتحركون بهذه الصفات التي غيرت مجري حياتهم، لينشروا دين الله عز وجل، ومع ذلك لا يجهلون علي أحد إذا تعرض لهم بالإيذاء عندما يعرضون عليه الدعوة، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما} استخدام القوة الخُلقية لإعلاء كلمة الله عز وجل.
فهذه سيرتهم بالنهار، يتحملون أذي الخلق لهم عندما يدعونهم إلي الله عز وجل.
أما سيرتهم بالليل: يشتغلون بالتملق (1) إلي الله عز وجل أن ينزل رحمته عليهم وعلي عباده: {وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً} (2).
(1) يروي أن الله تعالي أوحي إلي بعض عباده: إن لي عبادا من عبادي يحبوني وأحبهم ويشتقون إليَّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم، وينظرون إليَّ وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك، قال: يارب! وما علاماتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي الشفيق غنمه، ويحنون إلي غروب الشمس كما يحن الطائر إلي وكره عند الغروب، فإذا جنهم الليل واختلط بالظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة، وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إليَّ أقدامهم وافترشوا إليَّ وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إليَّ بإنعامي، فبين صارخ وباكٍ وبين متأوه وشاكٍ، وبين قائم وقاعد، وبين راكعٍ وساجد بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي، أول ما أُعطيهم ثلاث: أقذف في قلوبهم من نوري فيخبرون عني كما أُخبر عنهم، والثانية: لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم، والثالثة: أُقبل بوجهي عليهم فتري من أقبلت بوجهي عليه لا يعلم أحد ما أريد أن أُعطيه (إحياء علوم الدين للغزالي).
(2)
سورة الفرقان _ الآية 64.
{يِبِيتُونَ} : تفيد الاستمرار كل ليلة وحتى الموت.
الحركة الليلية بين يدي الله عز وجل من أجل هداية الناس .. ليلك من أجل الناس 00 ونهارك من أجل الناس 00 وتحمل المشقة من أجل الناس.
قال العلماء: شرع الله عز وجل قيام الليل لهذه الأمة، قبل أن يشرع الصلوات الخمس 00 فما الحكمة من مشروعية قيام الليل، قبل مشروعية الصلوات الخمس؟
والحكمة من ذلك:
o أن أول مطلب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: من ينصرني؟ أي من يشتغل معيَّ بالدعوة إلي الله عز وجل .. وربنا سبحانه وتعالى أعطانا عبودية الدعوة بكل مطالبها، ومن مطالبها:{أدْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ 00 وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ 00خُذِ الْعَفْوَ 00 اذْهَبْ 00 يَمْشُونَ 00 قُمْ فَأَنذِرْ 00 قُمِ الْلّيْلَ}
والجاهل هنا من هو؟ أهو الجاهل بالزراعة؟ أم هو الجاهل بالصناعة أو التجارة؟
الجاهل: هو الذي ما عرف ربه 00 الذي عظم المخلوق وما عظم الخالق 00 الذي عظم الأموال 00 وما عظم الأعمال 00 عظم دنياه وما عظم آخرته 00 هذا كافر، والله تبارك وتعالي هذا الجاهل: مجرم، ِ قال تعالي: {إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * َإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * َإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (1).
وسماه الله عز وجل: جاهل حتى يأتي في قلوبنا الرحمة عليه 00 ولذا كان صلى الله عليه وسلم في أشد الأحوال عليه يقول: " اللهم! اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ".
وبسبب جهل الناس هم {يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} تواضعا لخلق الله يدعونهم إلي الله عز وجل، ويتعبون أبدانهم {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما} يُذلون أنفسهم من أجل هداية الناس، أما القعود فهو عزة للنفس مع راحة البدن (فيما يبدو وليس كذلك) مع تضييع دين الله. عز وجل
يا سلام عزة نفس مع راحة البدن، مع تضييع دين الله عز وجل، وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يمشي إلي الطائف علي الأقدام ما استخدم الحمار ليركبه، حتى يتشرف بإتعاب بدنه في سبيل الله. عز وجل
مشى صلى الله عليه وسلم علي قدميه، وليست قدميك أعظم حرمة من قدميه00 فمشي من مكة إلي الطائف 00 هذا المشي لا يستطيع أكبر رياضي أن يتحمله.
لما وصل إلي الطائف ما كانت نهاية التعب، فلو استقبله أهل الطائف كما
(1) سورة المطففين – الآيات من 30: 35.
(2)
سورة السجدة – الآية 12.
استقبله أهل المدينة بدق الطبول، ويغنون: طلع البدر علينا
…
فلو فعلوا ذلك فما كان تحقق كمال العبودية.
الله سبحانه وتعالى قدر عليه استقبال الطائف، قبل أن يقدر له استقبال المدينة، واحترامهم وحبهم له 00فربنا سبحانه وتعالى يقدر الأحوال المخالفة علي الداعي حتى يُربيه أولا، وبعد ذلك تأتي الأحوال الموافقة له 00 حتى الناس يعرفوا قدره وينتشر الدين.
فالأحوال المخالفة لك، والموافقة من أجل غيرك حتى يفهموا دين الله عز وجل.
كيف استقبل أهل الطائف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التعب؟
استقبل أهل الطائف رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر استقبال، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: " لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسى، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فنادانى فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فنادانى ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثنى ربى إليك لتأمرنى بأمرك، فما شئت: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ". متفق عليه (1).
أعجب وأجمل صفة عند العرب قبل الإسلام هي صفة الكرم، خاصة إكرام
(1) رياض الصالحين _ باب العفو والإعراض عن الجاهلين.
الضيف، فهذا شاعرهم الجاهلي يفتخر بكلمة ما نستطيع أن نقولها نحنُ، يقول:
وإني لعبد الضيف مادام نازلا
…
وليس لي شيمة مثلها لشيمة العبد
عبودية الخدمة لا عبودية الركوع والسجود.
فهؤلاء الذين تفاخروا بإكرام الضيف، وعُرفوا بالكرم، لسان حالهم، يقول: كل الضيفان يستحقوا الكرم، إلا هذا الضيف (محمد صلى الله عليه وسلم سيد البشرية جمعاء) 00وربنا سبحانه وتعالى شرفه بإذلال نفسه، لأن عزة النفس بإذلالها من أجل الله سبحانه وتعالى (1) وما يستطيع أحد أن يُعز نفسه بنفسه، فمصادر العزة منه لأنه (المعز جل جلاله).
معني العبودية:
هي غاية الحب مع غاية الذل .. فهل عندك قدرة علي أن تُذل نفسك (2)؟
(1) قيل: الجنة عروس ومهرها قهر النفوس.
(2)
يقول ابن القيم رحمه الله:
ومنها أن يكمل لعبده مراتب الذل والخضوع والانكسار بين يديه والافتقار إليه فإن النفس فيها مضاهاة للربوبية ولو قدرت لقالت كقول فرعون ولكنه قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر وإنما يخلصها من هذه المضاهاة ذل العبودية وهو أربع مراتب:
المرتبة الأولى: مشتركة بين الخلق وهي ذل الحاجة والفقر إلى الله فأهل السموات والأرض جميعا محتاجون إليه فقراء إليه وهو وحده الغني عنهم وكل أهل السموات والأرض يسألونه وهو لا يسأل أحدا.
المرتبة الثانية: ذل الطاعة والعبودية وهو ذل الاختيار وهذا خاص بأهل طاعته وهو سر العبودية.
المرتبة الثالثة: ذل المحبة فإن المحب ذليل بالذات وعلى قدر محبته له يكون ذله فالمحبة أسست على الذلة للمحبوب، كما قيل:
اخضع وذل لمن تحب فليس في
…
حكم الهوى أنف يشال ويعقد
وقال آخر:
=مساكين أهل الحب حتى قبورهم
…
عليها تراب الذل بين المقابر
المرتبة الرابعة: ذل المعصية والجناية.=
فإذا اجتمعت هذه المراتب الأربع كان الذل لله والخضوع له أكمل وأتم إذ يذل له خوفا وخشية ومحبة وإنابة وطاعة وفقرا وفاقة، وحقيقة ذلك هو الفقر الذي يشير إليه القوم وهذا المعنى أجل من أن يسمى بالفقر بل هو لب العبودية وسرها وحصوله أنفع شيء للعبد وأحب شيء إلى الله (مدارج السالكين – باب أسرار حقيقة التوبة 1/ 228)
ويحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار = فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية وقال بعض العارفين: لا طريق أقرب إلى الله من العبودية ولا حجاب أغلظ من الدعوى ولا ينفع مع الإعجاب والكبر عمل واجتهاد ولا يضر مع الذل والافتقار بطالة يعني بعد فعل الفرائض والقصد: أن هذه الذلة والكسرة الخاصة تدخله على الله وترميه على طريق المحبة فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق وإن كانت طرق سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبوابا من المحبة لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والانكسار والافتقار وازدراء النفس ورؤيتها بعين الضعف والعجز (المرجع السابق)
فالذي يذل نفسها من أجل الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى يُعزها بقدرته وحده، والذي يريد أن يُعز نفسه بنفسه فالله سبحانه وتعالى يُذلها بقدرته وحده، مثل فرعون:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (1).
فالذي لا يتحرك ويظن أن أن هذه عزة، فقد خدع نفسه، لأنها عزة وهمية وليست حقيقية، والشيطان يضحك عليه.
(1) سورة الزخرف– الآية51.
كل أهل الطائف جاهلون والنبي صلى الله عليه وسلم صبر عليهم حتى دخلوا في الإسلام، وخرج من ثقيف: محمد بن القاسم الذي كان سببا لنشر الإسلام في بلاد الهند، وهنالك قبره يشهد عليه.
الجاهل سبك، شتمك، ما عليك إلا أن تسامحه وتدعو له، وتقوم أمام الله في الليل وتقول: يارب! اجعل صبري عليه سببا لهدايته.
يتجولون ويتحركون في الدعوة، فإذا مرو باللغو، قال تعالى:{وَالّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزّورَ وَإِذَا مَرّوا بِاللّغْوِ مَرّوا كِراماً} (1).
فأهل الجهد مشغولون بجهدهم ما عندهم وقت فراغ للرد علي أهل الباطل لانشغالهم بالحق، قال تعالى:{وَإِذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (2).
مشغولين لأن الناس ستموت علي الكفر.
الداعي كل يوم يمشي {يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} وكل يوم يمشى في الدعوة يجعل الله له نورا يمشي به {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ} (3).
o بدون النور يتخبط الإنسان في الظلمات.
(1) سورة الفرقان _ الآية72.
(2)
سورة القصص – الآية 55.
(3)
سورة الفرقان _ الآية 64.
فما هو النور؟
نور الإيمان 00 نور العبادات 00 نور جمال المعاملات 00 نور جمال المعاشرات.
o نور العابد مثل مصباح البيت، يختبئ في مغارة، في مسجد، ينعزل عن الناس.
o مصادر الثروة عند الداعي:
1) المصدر الأول: أن تُعطي ما عندك للناس .. ولكن ماذا عندنا؟ العمر قليل 00 والمال قليل 00 والعلم قليل 00 والتضحية قليل00 فهذا المصدر من أضعف المصادر فما علينا إلا أن ننوي دعوة كل الناس، وندعو الله أن يهدي كل الناس، وننوي أن نُكرم كل الناس، فرب عمل صغير عظمته النية 00 ورب عمل كبير صغرت النية.
2) المصدر الثاني: السريرة الصالحة، فيخاطب الإنسان نفسه:
_ وددتُ لو أن عندي وادٍ من دقيق فأنفقه في سبيل الله.
_ وددتُ أن يكون بعدد كل شعره فى جسدى نفسٍ تقتلُ فى الله تعالي.
_ وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله وأن لحمى قرض بالمقاريض.
_ وددتُ لو أن الله هدي الخلق أجمعين.
_ وددت أن الله يحركني في العالم بالدعوة إلي الله.
_ وددت أن يرزقني الله صفات الأنبياء.
فيأتي عندنا الترقي في السيرة والسريرة.
3) المصدر الثالث: {أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (1) العابد لا يسيء إليه أحد في ركوع ولا سجود 00 فالذين اعتزلوا الناس يعبدون الله في مساجدهم ما أساء إليهم أحد 00 وما أكثر الإساءة إلي الداعية عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أخفت فى الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت فى الله لم يؤذى أحد "(أخرجه أحمد والترمذى وابن حبان وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح)(2).
ولم يحتمل أحد فى الله ما احتمله صلى الله عليه وسلم، وما انتقم لحظة واحدة ممن آذاه.
(أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ) سبك 00 شتمك 00 قطعك 00 فسقك 00 زندقك 00 كفرك 00 فاصبر، واعفُ، وعظم، الثروة الإيمانية.
o وقال تعالي: {َإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (3)
حتى يأتي المصدر الثالث (العفو): {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (4).
هذه المصادر تجعلك ثريا في إيمانك.
o قال تعالي: {إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (5)
(1) سورة النساء _ الآية149.
(2)
مشكاة المصابيح – كتاب الرقاق – باب فضل الفقراء – 3/ 1464.
(3)
سورة الفرقان _ الآية41.
(4)
سورة آل عمران – الآية 134.
(5)
سورة النساء _ الآية149.
نعم هذا الخير أظهرناه فاجتمعنا من أجل الله عز وجل، ونَخرجَ، ونُخرجَ الجماعات في سبيل الله عز وجل، {أو تخفوهَ} فنخفي في صدورنا المحبة لكل الناس، ونخفي في صدورنا أننا نتمني أن البشرية كلها تركع وتسجد لله عز وجل، نخفي في صدورنا حبنا لسعادة البشرية كلها.
o ما أحد يُسيء لك وأنت تجلس في بيتك، ففي ذات مرة قال لي رجل: يا شيخ! أنت عاقل وبتفهم، وما شاء الله عندك مؤهل علمي00 أين الدليل علي الخروج في سبيل الله عز وجل؟ فقلتُ له: لا الخروج ولا القعود يهمنا _ الذي يهمنا إحياء الدين _ أعطيني أنت برهان للقعود عن إحياء الدين 00 هات دليل علي أن القعود عن الحركة للدين، يحي الدين، عايزين وسيلة لإحياء الدين00 ها قعد وأُقعدَ، تضيع وتُضيع الآخرين.
o يحي الدين بكلمتين: أتحرك في سبيل الله عز وجل وأُحرك غيري 00 أركع لله وأُركع غيري، أسجد لله وأُسجد غيري، أذكر الله وأُذكر غيري لله.
o خذل بنو إسرائيل جهد نبيهم موسي عليه السلام بثلاث كلمات:
الكلمة الأولي: إنا.
الكلمة الثانية: ها هنا.
الكلمة الثالثة: قاعدون.
وبهذا الخذلان آذوا موسي عليه السلام .. والله تبارك وتعالي حذرنا من هذا الإيذاء (إيذاء الأنبياء)، قال تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللهُ مِمّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهاً} (1)، ولذا ذكر الله عز وجل في سورة الصف بعد آية القتال: {ِإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ
(1) سورة الأحزاب _ الآية69.
صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (1) فقال في الآية التي تليها: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (2)
يقول الإمام الفخر الرازي: (في تفسير قوله تعالي): {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ} لما بين الله تعالى أن من يؤذي الله ورسوله يلعن ويعذب وكان ذلك إشارة إلى إيذاء هو كفر، أرشد المؤمنين إلى الامتناع من إيذاء هو دونه وهو لا يورث كفرا، وذلك مثل من لم يرض بقسمة النبي عليه السلام وبحكمه بالفيء لبعض وغير ذلك فقال:(كبيرا){يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ} وحديث إيذاء موسى مختلف فيه، قال بعضهم: هو إيذاؤهم إياه بنسبته إلى عيب في بدنه (3)،
(1) سورة الصف _ الآية4.
(2)
سورة الصف _ الآية5.
(3)
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن موسي كان رجلا حييا ستيرا لا يري من جلده شيء استحياء، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما تستر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص، وإما أُدرة، وإن الله أراد أن يبرئه، فخلا يوما وحده ليغتسل، فوضع ثوبه علي حجر، ففرَّ الحجر بثوبه، فجمح موسي في أثره يقول: ثوبي يا حجر! حتي انتهي إلي ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عُريانا أحسن ما خلق الله، وقالوا: والله ما بموسي من بأس، وأخذ ثوبه، وطفق بالحجر ضربا، فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا" متفق عليه (مشكاة المصابيح _ كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق _ باب بدء الخلق وذكر الأنبياء3/ 1590).
والأدرة: نفخة بالخصية.
وقال بعضهم: إن قارون قرر مع امرأة فاحشة حتى تقول عند بني إسرائيل إن موسى زنى بي فلما جمع قارون القوم والمرأة حاضرة ألقى الله في قلبها أنها صدقت ولم تقل ما لقنت (1) وبالجملة الإيذاء المذكور في القرآن كاف وهو أنهم قالوا له: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (2). وقولهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (3) وقولهم: {لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} (4) إلى غير ذلك فقال للمؤمنين لا تكونوا أمثالهم إذا طلبكم الرسول إلى القتال أي لا تقولوا: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (5).
(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال .. عندما أتى موسى قومه أمرهم بالزكاة فجمعهم قارون فقال لهم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فتحملتموها فتحملوا أن تعطوه أموالكم، فقالوا: لا نتحمل أن نعطيه أموالنا فما ترى، فقال: لهم أرى أن أرسل إلى بغى بنى إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها فدعا موسى عليه السلام عليهم فأمر الله الأرض أن تطيعه فقال موسى للأرض خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا يقولون يا موسى .. يا موسى، ثم قال للأرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم فجعلوا يقولون يا موسى .. يا موسى، ثم قال للأرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا، يقولون: يا موسى .. يا موسى، فقال للأرض خذيهم فأخذتهم فغيبتهم فأوحى الله إلى موسى عليه السلام سألك عبادى وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزتى لو أنهم دعونى لأجبتهم قال ابن عباس وذلك قول الله عز وجل:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} خسف به إلى الأرض السفلى (رواه الحاكم في المستدرك 2/ 408).
(2)
سورة المائدة _ الآية24.
(3)
سورة البقرة _ الآية55.
(4)
سورة البقرة _ الآية62.
(5)
سورة المائدة _ الآية24.
ولا تسألوا ما لم يؤذن لكم فيه: وإذا أمركم الرسول بشيء فأتوا منه ما استطعتم
…
(1).
ولما خذل بنو إسرائيل جهد نبيهم، ما كان باعتبارهم، يقعدوا أربعين سنة، مثلما يقول لك أحد الناس، عندما تشكله علي الخروج في سبيل الله عز وجل: الأسباب غير مساعدة 00 لما الأحوال تتحسن 00 والفقير يقول لما الأحوال تتغير 00 يعني بعض شهر شهرين، يا موسي {إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} فماذا أعطاهم الله عز وجل، علي هذا القعود؟ قعدهم أربعين سنة جبرا ً:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (2).
فالله عز وجل حرمهم من الجهد 00 فجزاء القعود التقعيد.
فنستغفر الله سبحانه وتعالى، كما قال مشايخنا: عن كل لحظة، بل عن كل ساعة نجلس فيها عن هذا الجهد، سواء قعود بدني، أو قعود بالعواطف، بدون همٍ، فلا بد أن تكون الهموم الدعوية طوال 24 ساعة، فكل دقيقة ما فكرنا في الدعوة نستغفر الله عليها.
o إذا جلس الزراع وقعدوا وأضربوا عن عمل الزراعة، ماذا يحدث
…
في الدنيا؟ فالنتيجة: يموت الناس جوعا.
وإذا أضربت أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجلست وقالت: الدعوة ليست مسئوليتنا، ماذا يحدث في العالم؟ فالنتيجة: تموت القلوب، ويموت الناس علي كفرهم ويدخلون نار جهنم والعياذُ بالله0
o تعبدنا الله سبحانه وتعالى بـ: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
(1) تفسير مفاتيح الغيب – تفسير سورة الإحزاب
(2)
سورة المائدة _ الآية26.
وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ َ} (1).
وتعبدنا بـ {وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلَا تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2).
وتعبدنا بـ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (3) كل هذا قبل أن يتعبدنا بالحج والصوم والزكاة.
o عبودية هذه الأمة كملت 100 %، فالله سبحانه وتعالى فتح لهم أبواب السماء، قال تعالى:{سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ} (4).
o كمل الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة عبوديتها، قبل أن يكمل تشريعها.
o ما الفرق بين كمال التشريع وكمال العبودية؟
* كمال التشريع: هو نزول كل الأوامر من عبادات (صلاة .. صوم .. زكاة .. حج) ومعاملات ومعاشرات وأخلاق.
* وكمال العبودية: أن يكون عندك استعداد لقبول الأوامر، سواء قبل نزول التشريع أو بعد نزوله.
فذم الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل لأنهم ليس عندهم كمال العبودية، قال تعالى:{وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُس َكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُمْ مّا فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً} (5).
(1) سورة النحل - الآية 125.
(2)
سورة القصص - الآية 87.
(3)
سورة الأعراف – الآية 199
(4)
سورة الإسراء – الآية 1.
(5)
سورة النساء – الآية 66.
عن أبي إسحاق السبيعي قال لما نزلت {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} الآية قال رجل لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ".
وعن الأعمش قال لما نزلت {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} الآية قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو فعل ربنا لفعلنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي".
وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود فقال اليهودي والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب علينا {أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} لفعلنا فأنزل الله هذه الآية.
وعبد الله بن الزبير قال لما نزلت {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أنزلت لكان ابن أم عبد منهم ".
وعن شريح بن عبيد قال لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} الآية أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: " لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل" يعني ابن رواحة (1).
o لو أن إنسان نائم وعنده استعداد لامتثال أي أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، فهو في نومه أعظم قدراً عند الله سبحانه وتعالى، من إنسان ساجد ويبكي وما عنده استعداد أن يُضحي من أجل أمر الله سبحانه وتعالى.
o { يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} : استخدام القوة البدنية في سبيل الله، لإحياء دين الله عز وجل.
(1) تفسير ابن كثير.
o { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما} استخدام القوة الخُلقية، لإعلاء كلمة الله عز وجل.
o معلم .. مفتي: استخدام القوة العلمية.
o مقاتل في سبيل الله: يستخدم القوة الغضبية.
o الداعي: يستخدم القوة الخُلقية.
o سلاح إبراهيم عليه السلام: {إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ} (1).
o أمدح آية في القرآن للداعي هي: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (2).
o فالجهد قسمان: بدني، وخُلقي.
o مقصد الجهد البدني: {يَمْشُونَ} هو توصيل الهداية للناس من خلال العواطف والأخلاق والمحاسن إلي الناس.
o انظر لرد الأقوام السابقين علي أنبيائهم:
* قالوا لسيدنا نوح عليه السلام: {إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مّبِينٍ} (3).
* وقالوا لسيدنا هود عليه السلام: {إِنّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنّا لَنَظُنّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (4).
فهل الرد الخُلقي أن يرد نوح عليه السلام ويقول: أنا لستُ ضال أنتم الضالون00 أنا نبي!.
ويرد هود عليه السلام ويقول: أنا لستُ سفيه أنتم السفهاء00 أنا نبي!.
(1) سورة هود – الآية 75.
(2)
سورة القلم – الآية 4.
(3)
سورة الأعراف – الآية60.
(4)
سورة الأعراف – الآية60.
هناك شيئين: إما لا ترد وتصبر (وهذا أعلاهما منزلة) 00 وإما أن ترد بالأدب0
فرد نبي الله نوح عليه السلام بالأدب وقال: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ} (1).
ورد نبي الله هود عليه السلام بالأدب وقال: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ} (2).
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلي درجة ممن سبقه من الأنبياء، ما أُثر عنه أنه رد مطلقا 00 فكم قيل عنه: أنه مجنون؟!! وكم قيل عنه أنه ساحر؟!! وكم قيل عنه أنه: شاعر 00 وأنه كاهن!!!
فلما قالوا عنه: أنه شاعر، وأنه كاهن، فلم يرد عن نفسه، ورد الله عز وجل عنه فقال:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (3).
ولما قالوا عنه أنه: مجنون، فما رد عن نفسه ولكن الله عز وجل رد عنه، وقال:{نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُون} (4) وقال الله سبحانه وتعالى {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} (5).
وقالوا عنه: أبتر 00 أي يموت أولاده صغارا فلا يبقي له أحد.
ومارد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أبتر وذكري مرفوع في السماء؟!! 00
(1) سورة الأعراف – الآية61.
(2)
سورة الأعراف – الآية67
(3)
سورة الحاقة – الآيات من 40:42.
(4)
سورة القلم – الآيتان 1، 2.
(5)
سورة التكوير _ الآية 22.
وربه سبحانه وتعالى يتولي الرد عنه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (1) أي من كان في قلبه مثقال ذرة من بغضك، فهو الأبتر المقطوع.
فقد انشغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعظيم الله عز وجل، وتمجيده، وتعظيم حرماته 00 فالله كرمه، وعظمه، ورفع ذكره ودافع عنه.
o الدعوة: أن يمتلئ قلبك حبا لإنابة وهداية الخلق إلي الله عز وجل.
o عبادة موسي عليه السلام المشي إلي فرعون 00 وفي نفس الوقت عبادة الإسرائيلي التسبيح والركوع والسجود والبكاء والتضرع أمام الله عز وجل.
o فمن أعبدُ لله عز وجل الإسرائيلي ساجداً، مسبحا، باكيا، أم موسي عليه السلام إلي فرعون ماشيا؟
الإسرائيلي يُعَبِدَّ نفسه00 ومقصد موسي عليه السلام أن أهل مصر جميعا يعبدون الله عز وجل.
وأنت تُقيم الجولة للدعوة إلي الله عز وجل، وهناك إنسان يسجد ويبكي من خشية الله عز وجل في سجوده، أيكما أعبد؟!!.
رجل عَبَّدَ شفتاه بالتسبيح لله طوال 24 ساعة، فمجد الله بشفتيه الصغيرتين، وهي عبودية صغري 00 أما العبودية الكبرى أن تُعَبِِدَ غيرك لربك 00 فانشغلنا بالعبودية الصغرى عن الكبرى.
o يونس عليه السلام أقر بظلمه لقومه عندما تركهم فلما استقر في بطن الحوت، قال تعالى:{وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلََهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ} (2) والله َ سبحانه وتعالى حذر النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ بّكَ وَلَا تَكُن
(1) سورة الكوثر – الآية 3.
(2)
سورة الأنبياء – الآية77.
كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىَ وَهُوَ مَكْظُومٌ} (1).
o أقام الله سبحانه وتعالى هذه الأمة علي جهد الدعوة بكل أنواعها، لذلك كان قيام الليل، فالمسلم بين أمرين:
الأول: قال تعالى: {قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً} (2).جزء من الدعوة ويتقدم الدعوة، وشُرع قبل الصلوات الخمس بعشر سنين.
الثاني: قال تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ} (3).
وما بين {قُمِ} و {قُمْ} لُم نفسك علي التقصير في طاعة الكبير.
o لا يمكن أن تظهر محاسن الدين للبشرية إلا عن طريق الدعوة.
_ ماهية الصلاة: الانقطاع عن البشر والاتصال بالله عز وجل.
_ ماهية الصيام: ترك الحلال من الطعام والشراب والجماع، من
…
أجل الحصول علي تقوي الله عز وجل.
_ ماهية الحج: أركان وطواف وسعي ورمي جمرات.
_ ماهية القتال: تحريم المحاسن لأن فيه قطع الرقاب، وليس فيه خذ العفو.
فالناس لا تري جمال الدين في الصلاة والصيام والحج والزكاة والشرائط والكتب والقتال، ولكن الفريضة الوحيدة التي تُظهر محاسن الدين هي الدعوة.
o الصلاة أربع هيئات: (قيام 00 ركوع 00 سجود 00 تشهد).
o والجهد أربع أعمال: (الدعوة إلي الله عز وجل 00 التعليم 00 العبادات والذكر 00 الخدمة) 0
o العبادة لا توحد الفكر 00 أما الدعوة توحد الفكر وتجمع الملايين.
(1) سورة القلم – الآية48.
(2)
سورة المزمل– الآية2.
(3)
سورة المدثر– الآية2.
o جماعة الأنبياء يوصينا الله سبحانه وتعالى باتباعهم، قال تعالى:{أُوْلََئِكَ الّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرَىَ لِلْعَالَمِينَ} (1) اقتده من دعوتهم، وليس من عبادتهم قال تعالى:{لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (2).وكل الدعاة في العالم يقول الله سبحانه وتعالى لهم: {إِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (3) ويقول لهم أيضا: {وَإِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاتّقُونِ} (4).
o التوراة نزلت بعد هلاك فرعون 00 ماذا نفهم من ذلك؟
نفهم من ذلك أنه كان هناك جهد ودعوة قبل نزول التوراة، قال تعالي {: اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (5)
في النهار جهد الدعوة وفي الليل:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (7)
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (8).
(1) سورة الأنعام – الآية90
(2)
سورة المائدة – الآية48
(3)
سورة الأنعام – الآية90
(4)
سورة المؤمنون – الآية52.
(5)
سورة طه – الآية24، والنازعات 17.
(6)
سورة هود – الآية 120.
(7)
سورة مريم – الآية 41.
(8)
سورة مريم - الآية 51.
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (1).
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً} (2).
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللهَ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (3) فالقرآن المكي يقرأ في الليل لخدمة الدعوة إلي الله عز وجل.
الدعوة: استخدام القوة الخُلقية لإعلاء كلمة الله عز وجل 00 والعواطف الدعوية ثابتة: فيصلي بالعواطف الدعوية00 يصوم بالعواطف الدعوية00 يحج بالعواطف الدعوية 00 يقاتل بالعواطف الدعوية 00 فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما يري أحد يخطأ في العبادة، فعندما يصحح له يهش ويبش في وجهه، كما فعل مع معاوية بن الحكم السُلمى رضي الله عنه، قال: بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلىَّ .. ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونى لكنى سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى وأمى ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فو الله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. رواه مسلم (4).
(1) سورة مريم - الآية 54
(2)
سورة مريم - الآية 56.
(3)
سورة الأحقاف - الآية21.
(4)
مشكاة المصابيح _ كتاب الصلاة _ باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما لايباح منه1/ 310.
ولكن عندما يخطأ أحد في الدعوة يغضب ويعنف، كما فعل مع أسامة بن زيد رضي الله عنه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: بعثنا رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم، إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لى:" يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! قلت: يا رسول الله! إنما كان متعوذا فقال: " أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! " فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عله.
وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟! " قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفاً من السلاح، قال:" أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟! " فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (1).
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجلاً من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلاً من المسلمين قصد غفلته، وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد رضي الله عنه، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، وأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال:" لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله! أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا - وسمى له نفراً- وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقتلته؟ " قال نعم: قال: " فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله! استغفر لي. قال:
(1) كتاب رياض الصالحين _ باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى
" وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " فجعل لا يزيد على أن يقول: " كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة " رواه مسلم (1).
o لماذا جلسنا في الذكر؟
الله عز وجل ما قال لموسي عليه السلام اجلس لذكري، ولكن في حال ذهابه إلي فرعون قال:{اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} . (2).
o وراء كل عصا رسالة: عصا المعلم00 عصا الشرطي 00 عصا النبي.
فالدعوة إلي الله: رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
والقتال: عصا النبي صلى الله عليه وسلم.
والعصا الآن ليس لها رسالة (الدعوة) 00 فلما تكون الدعوة موجودة، توجد العصا 00 وممكن أن تكون الدعوة موجودة والعصا غير موجودة، نضرب مثال يوضح ذلك: قد يُصدر وزير التربية والتعليم قراراً بمنع الضرب، ولكن لا يُصدر قرار بمنع التعليم.
ولذا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم هي الدعوة إلي الله فلا تتعطل بحال من الأحوال.
ولهذا مطلوب الرحمة، والله تعالي هيأ الدعاة لذلك، فمثلا الأمومة موجودة في الأم قبل الولادة00 وكذلك الرحمة في قلوب الأنبياء عليهم السلام.
o القرآن صنع شخصية النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) المرجع السابق.
(2)
سورة طه – الآية42.
(كان خُلقه القرآن)، (كان قرآنا يمشي علي الأرض).
لذا أقوي الأدلة القرآن ثم السنة.
o حق القرآن أن نجود الجهد00 فالأمة كبرت وعظمت تجويد اللفظ:
هذا قارئ كبير00هذا شيخ كبير في التجويد00 هذا تفسير الإمام فلان.
o فكيف نكبر الأمر والجهد (جهد القرآن)، بلال يؤذي والقرآن
ينزل00 وليس بهذا الكلام تحقير أو تقليل من شأن التجويد والتفسير.
القرآن صنع شخصية النبي صلى الله عليه وسلم:
o ما ينظر الله عز وجل إلي نتائج الجهد 00 ولكن ينظر إلي كمال وجمال الجهد 00 الترسخ ثم التوسع.
الله عز وجل بين عظمة وسيلة الداعي 00 كالحصان الذي يركبه المجاهد أثناء الجهد، من خلال صوت أنفاسه، وأثر ضرب حافره في الأرض وهجومه علي العدو في سورة العاديات، قال تعالى:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} (1) وفي الحديث: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بأصبعه، ويقول:" الخيل معقود بنواصيها الخير إلي يوم القيامة، الأجرُ والغنيمةُ " رواه مسلم (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله، وتصديقا بوعده، فإن شبعه، وريه، وروثه، وبوله في ميزانه يوم القيامة (3).
فهذا الحصان المذلل لركوب الداعي المجاهد عليه في سبيل الله عز وجل (هذه
(1) سورة العاديات – الآيات من 1: 3.
(2)
مشكاة المصابيح _ كتاب الجهاد _ باب إعداد آلة الجهاد 2/ 1136.
(3)
المرجع السابق
صفته).
وغير المذلل 00 يربط في عربة كارو أو حنطور، لأنه ليس له قيمة إلا بما يحسن.
وهكذا الذي يحمل الدين والذي يستنكف عن حمل الدين.
o يجوز استخدام المذاهب في العبادات، ولا يجوز استخدام المذاهب في الدعوة 00 لأن طريق الأنبياء واحد.
o تُبني العبادات علي التخفيف والرخص 00 وتُبني الدعوة علي التضحية والعزيمة.
o عبودية الداعي أقسم الله عز وجل بها {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ً} (1).فاجتهد الشيطان نتسليط شياطين الإنس علي الداعي 00 أما عبودية العابد فيستطيع الشيطان أن يفسدها بالوسوسة.
o بداية الصعود في الدعوة: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (2).
o الآية الفاصلة بين العبادة في البيت الحرام وجهد الدين: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الَاخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ * الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشّرُهُمْ رَبّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنّاتٍ لّهُمْ
(1) سورة الحجر – الآيات من 42.
(2)
سورة الأعراف – الآية 199.
فِيهَا نَعِيمٌ مّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1).
o لا يشترط علي العابد أن يعرف المخلوق، بل يعرف الخالق 00 ويشترط علي الداعي أن يعرف الخالق والمخلوق.
o ولا يشترط علي العابد أن يعرف الدنيا، بل يعرف الآخرة فقط 00 ويشترط علي الداعي أن يعرف الدنيا والآخرة.
o سنة الداعي أفضل من فريضة العابد.
o العابد جهده في زهده، وذلك بالتقلل من الأشياء 00 أما الداعي فزهده في جهده وحركته (يعني فالحركة دليل الزهد)
o يموت العابد فتنتهي عبادته 00 ولكن عندما يموت الداعي تحيا وتنتشر دعوته، مثل غلام الأخدود 00 صاحب يسن 00 مؤمن آل فرعون 00 الصحابة رضي الله عنهم.
نهاية جهد العابد، بداية جهد الداعي .. ونهاية جهد الداعي، بداية جهد النبوة، ونهاية جهد النبي، بداية جهد أي رسول، ونهاية جهد أي رسول، بداية جهد أولي العزم من الرسل، ونهاية جهد أولي العزم من الرسل، بداية جهد سيدهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
******
(1) سورة التوبة – الآيات من 19 22.