الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقارنة
بين الحاجة والمقصد
o قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إلا ليعبدون.} (1)
o المقصد: واحد لكل البشر، ولكن الحاجات مختلفة.
o العبودية: هي أن تتعرف علي مراد الله تعالي، ثم تقوم عليه.
o السعادة: هي أن يحقق الله عز وجل لك ما تُحبه، بالإيمان والأعمال.
o والسعادة: هي لذات مستمرة، لا يفصل بينها لحظة ألم واحدة (لذة بعد لذة) قال تعالى:{إِنّ أَصْحَابَ الْجَنّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الأرَأَىئِكِ مُتّكِئُونَ* لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مّا يَدّعُونَ} (2).
(1).سورة الذاريات _ الآية 56.
(2)
سورة يس - الآيات من 55: 57.
o الشقاء: هو عذاب مستمر، وألم مستمر لا يفصل بينهما لحظة واحدة، ولهذا، قال تعالى:{وَقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنّمَ ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفّفْ عَنّا يَوْماً مّنَ الْعَذَابِ * قَالُوَاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا بَلَىَ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلَالٍ} (2) ولذلك لا يجوز لإنسان مهما بلغت به الأحوال في الدنيا أن يقول: أنا شقي، لأن حياته يتخللها فترات من الراحة.
o الدنيا: تعب وراحة، ولكن السعادة والشقاء في الآخرة.
o العبودية: هي أساس السعادة في الآخرة، فإذا بلغ الإنسان مقصده فلن يفكر فيما أصابه من نقص في الحاجات .. وأما إذا لم يبلغ مقصده فلن يفيد اكتمال الحاجات، مثل: فريق كرة سافر وواجه ظروف صعبة جدا في السفر والإقامة، ولكن فاز في المبارة، فلا يتذكر الظروف الصعبة، والعكس لو سافر وأقام بكل سهولة ويسر وراحة ولكن انهزم فلا يفرح براحة وسهولة سفره وإقامته بل يحزن ويتألم لأنه لم يحقق مقصده رغم تفاهة المقصد.
o الإنسان في الدنيا بفرح بمقصده ولو كان تافها.
(1) سورة الزخرف - الآيات من 71: 73.
(2)
سورة غافر - الآيتان 49، 50.
o عندما جعلنا الحاجات مقصد، صارت:{إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (1). لفظ فقط نقوله.
o إذا أراد الإنسان يذهب إلي عمله في الدنيا فلا أحد يرغبه، لأنه شعر أن عمله مقصد، وحتى أنه لا يرغب نفسه، لأن المقصد في قلبه، ولكننا رغبنا بعضنا في الآخرة لضعفنا وجهلنا.
o المقصد: هو ما أشغل القلب والجوارح في كل وقت، وعلي كل الأحوال، فكرا وعملا.
o أهل الدنيا إذا قلت الحاجة عندهم يغضبوا، وإذا زادت يفرحوا، قال تعالى:{اللهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الَاخِرَةِ إِلاّ مَتَاعٌ} (2).
o الحاجة إذا فاتت الإنسان يتعب قليلا، ولكن لو فاته المقصد جاء الشقاء الأبدي، لأنه إذا جاع يتعب ولكن لا يشقي، وإذا مرض يتعب ولكن لا يشقي، ولكن إذا عصي ربه يشقي، لأن المعصية ضد المقصد.
o الجهد: هو تحمل نقصان الحاجات، من أجل القيام علي المقصد.
o الترف: هو ترك المقصد، من أجل تكميل الحاجات، قال تعالي:{وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (3).
(1) سورة الفاتحة - الآية 5.
(2)
سورة الرعد - الآية 26.
(3)
سورة الإسراء - الآية 16.
o المقصد في وسع الناس في كل الأحوال:
_ إبراهيم عليه السلام أمام جبروت النمرود ولم يترك المقصد.
_ أيوب عليه السلام في المرض لم يترك المقصد.
_ سليمان عليه السلام في الملك ولم يترك المقصد.
_ يوسف عليه السلام في السجن لم يترك المقصد.
_ عيسي عليه السلام في الفقر ولم يترك المقصد.
_ والنبي محمد صلى الله عليه وسلم مرت به كل الأحوال التي مرت بالأنبياء وهو أعبد الخلق إلي الله عز وجل.
o ابتلي كثير من الأنبياء والمرسلين والصالحون بنقص الحاجات، ولكن لم يبتُلوا بالمعصية (أي بنقص المقصد).
o الصحابة رضي الله عنهم تقطعت نعالهم في غزوة ذات الرقاع وهم يمشون وراء المقصد .. ونحن تقطعت نعالنا ونحن نمشي وراء الحاجات .. جولتان في الأسبوع، ولكن كم جولة في السوق كل يوم؟ من أجل رضا الطفل الصغير تقطعت نعالنا .. فكيف نفعل من أجل رضا الرب الكبير.
o الجنة ليست قائمة علي قوانين الأجور، ولكن علي المحبة (محبوبنا الأعلى الله جل جلاله.
o الكفار عندهم الحاجات، وليس عندهم مقصد .. ولكن اللذين عرفوا مقصدهم، أخذوا النتيجة قبل النهاية {وَالسّلَامُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} (1).
(1) سورة مريم - الآية 33.
o الحاجات كثيرة، ولكن المقصد واحد (رضا الله عز وجل).
o تعلمنا الحاجات، ولم نتعلم كيف نقوم علي المقصد.
o الكافر جعل حاجته مقصد، قال تعالى:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} (1).
o يوم القيامة الذي يؤتي كتابه، بيمينه يفرح وينسي الحاجات، قال تعالى:{فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ * إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ} (2).
o والذي أوتي كتابه بشماله ينسي الحاجات، قال تعالى:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يا ليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَآ أَغْنَىَ عَنّي مَالِيَهْ * هّلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلّوهُ * ثُمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ * ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ} (3).
(1) سورة الأحقاف - الآية 20.
(2)
سورة الحاقة – الآيات من 19: 24.
(3)
سورة الحاقة – الآيات من 25: 33.
o قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا *وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا *يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَىَ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (1) الزلزلة دمرت كل الحاجات.
o القرآن يُشيد بأهل الجنة لقيامهم علي المقصد:
قال تعالى: {لَهُمْ دَارُ السّلَامِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِيّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2).
وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3).
وقال تعالى: {أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4).
وقال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ} (5).
وقال تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَىَ} (6).
(1) سورة الزلزلة- الآيات من 1: 8.
(2)
سورة الالأنعام - الآية 127.
(3)
سورة السجدة - الآية 17.
(4)
سورة الأحقاف – الآية 14.
(5)
سورة الحاقة – الآية 24.
(6)
سورة النازعات - الآية 35.
وقال تعالى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ
…
وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىَ الدّارِ} (1). .
وقال تعالى: {وَسِيقَ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ إِلَى الّجَنّةِ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين َوَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوّأُ مِنَ الْجَنّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (2). ففي نهاية كل آية يُشيد بقيامهم علي المقصد.
o نخرج في سبيل الله عز وجل حتى تكون الحاجات خلف المقصد، ففي الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنياً من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مربك شدة قط؟ فيقول: لا، والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط " رواه مسلم (3).
(1) سورة الرعد - الآية 24.
(2)
سورة الزمر - الآيتان 73، 74.
(3)
رياض الصالحين – كتاب الزهد صـ 223.
الأول: كانت الحاجات عنده عالية جداً، والمقصد ضائع.
والثاني: كانت حاجاته شبه معدومة، ومقصده عالي وواضح ومقدم.
o الإنسان له شيئان:
1) المقصد:
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إلا ليعبدون} (1).
2) الحاجة: إذا زادت، طغت علي المقصد.
كل الناس غنيهم وفقيرهم، مريضهم وصحيحهم، يستطيع أن يحقق
(1) سورة الذاريات - الآية 56.
(2)
سورة المائدة - الآية 3.
(3)
سورة الشورى - الآية13.
المقصد .. ولكن لا يستطيع أحد أن يكمل حاجاته وشهواته.
المتأمل في الحياة يجد: صحة ثم مرض .. غني ثم فقر .. شباب ثم هرم .. حياة ثم موت .. لأنها ليست مقصود الحياة، ولهذا كمل الله مقصد الأنبياء، وابتلاهم بالحاجات، مثل: أيوب (عليه السلام ومرضه وفقره .. يوسف (عليه السلام وإخوته والسجن .. محمد صلى الله عليه وسلم وتسع أبيات ليس فيها إلا ماء .. ولم يبتلوا بالمقصد، وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا " (1)
الدين مرتبط بقلب الإنسان وجوارحه، وليس مرتبط بما عنده من الدنيا .. فنجد أغلب أتباع الأنبياء القائمين علي المقصد فقراء، ولهذا قالوا لنوح عليه السلام:{فَقَالَ الْمَلاُ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاّ بَشَراً مّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتّبَعَكَ إِلاّ الّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرّأْيِ وَمَا نَرَىَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ} (2).
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ
فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ} (3).
وقال تعالى له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا
(1) جزء من حديث رواه الإمام الترمذي في سننه (مشكاة المصابيح _ كتاب الدعوات _ باب جامع الدعاء 2/ 767.
(2)
سورة هود - الآية 27.
(3)
سورة الأنعام - الآية 52.
قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (1) أي صبر نفسك مع الفقراء.
والله عز وجل عاتبه في عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، قال تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلّىَ * أَن جَاءَهُ الأعْمَىَ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّىَ * أَوْ يَذّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ} (2). .
وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (3) وما قال: اليوم أكملت لكم دنياكم.
فرغت بيوت الصحابة من الحاجات، ولكن مُلئت حياتهم وبيوتهم بتحقيق المقصد.
o الله عز وجل فرغ بيوت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من الحاجات لتكميل المقصد .. وفرغت أرحامهم من الحمل حتى يتفرغن ليُعَلمن المقصد والقيام عليه، قال تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (4).
o المسلمون اليوم حبس مقاصدهم في مساجدهم فقط، وتفكروا في حاجاتهم، في كل مكان.
o كل عمل يُرضي الله فهو (مقصد) .. وكل كلمة تُرضي الله فهي (مقصد) .. ولكن كيف نقوم علي المقصد؟
هو أن تتفاعل مشاعرنا مع ما يحبه الله عز وجل، مثل: خالد ابن الوليد
(1) سورة الكهف - الآية 28.
(2)
سورة عبس – الآيات من 1: 4.
(3)
سورة المائدة - الآية 3.
(4)
سورة الأحزاب – الآية 34.
قال: ما ليلة تهدي إلي بيتي عروس أنا لها محب وأبشر فيها بغلام بأحب إليَّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أُصبح بها العدو (1).
فكان المقصد واضح في حياتهم، فطغي علي حاجاتهم.
o الله عز وجل لا يحرضنا علي الحاجات، ولكن يحرضنا علي المقصد:
قال تعالى: {وَلَا يَصُدّنّكَ عَنْ آيَاتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلَا تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً
…
وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (4).
قال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (5).
وقال تعالى: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
(1) أخرجه أبو يعلي عن قيس بن أبي حازم (انظر كتاب حياة الصحابة _ باب الجهاد _ رغبة الصحابة رضي الله عنهم إلي الجهاد 1/ 437
(2)
سورة القصص - الآية 87
(3)
سورة النحل - الآية 125.
(4)
سورة فصلت - الآية 33.
(5)
سورة يوسف - الآية 108.
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).
o والمتأمل في كل من سورة هود وإبراهيم والرعد .. يجدهم كلهم دعوة.
o لما نقوم علي المقصد القيام الصحيح، ونقيم غيرنا عليه، نجد الحاجات تراجعت في حياة الإنسان إلي الخلف .. ثم تكون كل الحاجات في خدمة المقصد (أي تُصرف النعم في إرضاء المُنعم جل جلاله .. ثم يُصبح الحصول علي الحاجات عبودية لله تعالي، مثل:
البيع: قال تعالى: {وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا} (3).
والطعام:
قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} (4).
وقال تعالى: {كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ} (5).
(1) سورة آل عمران - الآية 104
(2)
سورة آل عمران - الآية 110.
(3)
سورة البقرة - الآية 275.
(4)
سورة البقرة - الآية 172
(5)
سورة طه - الآية 81.
طلب الرزق: قال تعالى: {هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ} (1).
الزواج: قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُوا} (2).
لما كانت هذه الحاجات حسب أوامر الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، صارت عبودية لله تعالي.
o أعظم مظهر من مظاهر العبودية لله تعالي، هو جهد الدعوة إلي الله عز وجل، قال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (4).
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (5).
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ
(1) سورة الملك - الآية 15.
(2)
سورة النساء - الآية 3.
(3)
سورة النور – الآية32.
(4)
سورة مريم – الآية40.
(5)
سورة مريم - الآية 51.
رَسُولاً نّبِيّاً} (1).
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً} (2).
o الموعود علي الجهد:
1) الموعود الكبير: الجنة.
2) الموعود الصغير: النصر.
الدنيا دار تربية .. فإذا تأخر الموعود الصغير: {نَصْرٌ مّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} فإنما يتأخر للتربية .. أما إذا تأخر الموعود الكبير {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ
(1) سورة مريم - الآية 54
(2)
سورة مريم - الآية 56.
(3)
سورة الأحقاف - الآية21.
(4)
سورة الصف – الآيات من 10: 13 ..
الْعَظِيمُ} (1) دليل علي غضب الله عز وجل.
انتصار المشركين مع شركهم استدراج من الله عز وجل، ونصرُ إسرائيل الآن استدراج، لأنهم ليسوا أمة رسالة، قال تعالى:{وَالّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
وقال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذّبُ بِهََذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (3).
أما هزيمة المسلمين في غزوة أحد تربية من الله عز وجل للأمة إلي يوم القيامة.
الدعوة مفتاح يفتح كل السُبل .. النصر ربما يتأخر، ولكن المعية تكوم مع الداعي من أول لحظة، فالمعية أهم من النصرة، وهي (التأييد .. الحفاظة .. الثبات .. الانشراح .. الاطمئنان .. الثقة.
فالنصرة تُعطي للكفار استدراجا .. وتربية للمسلم .. ولكن المعية تعطي للخواص فقط.
o والنصرة ممكن أن تكون فتنة واستدراج، وهي لعلو دنياك علي عدو غيرك .. ولكن المعية لعلو دينك، فالصحابة في غزوة أحد الله عز وجل نصرهم ولكن بعضهم فتن فانهزموا .. وفي حنين البعض ركن للعدد والعدة، قال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمّ وَلّيْتُم مّدْبِرِينَ} (4) فانهزموا، وعندما زال
(1) سورة الصف – الآية 12.
(2)
سورة الأعراف - الآية 182.
(3)
سورة القلم – الآية 44.
(4)
سورة التوبة - الآية 25.
عنهم ذلك، نصرهم الله عز وجل، قال تعالى:{ثُمّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا وَعذّبَ الّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ} (1).
o الإيمان والجهد يحقق المقصد، والمقصد يأتي بالموعود الكبير، وهو {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2).
o أي شيء يتحقق بعد الموت فهو موعود كبير، لأنه دائم، قال تعالى:(مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلّهَا تِلْكَ عُقْبَىَ الّذِينَ اتّقَوا وّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النّارُ} (3).
o أما النصر فهو موعود صغير لأنه ينتهي .. وأحيانا يكون الموعود الصغير للفتنة، قال تعالى:{وَأَلّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مّآءً غَدَقاً * لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} (4) فالموعود الصغير تفتن به، أما الموعود الكبير تُكرم به.
o حب الله عز وجل يأتي بالنصر .. فيكون حب الله مقدم علي ما سواه .. فحب الله يأتي بالقدس وفلسطين .. فكانوا معنا ولما انشغلنا بالحاجات عن المقصد، نُزعتا منا، قال تعالى: {الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُاْ
(1) سورة التوبة - الآية 26.
(2)
سورة الصف – الآية 12.
(3)
سورة الرعد - الآية 35
(4)
سورة الجن – الآيتان 16، 17.
الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الأمور} (1) لما تركنا الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخرجوا من الدين .. ظلمناهم بترك الدعوة حتى تركوا الدين .. وظلمونا بإخراجنا من أرض الله فلسطين.
o ما الفرق بين المقصد والموعود؟
المقصد: ما يحبه الله جل وعلا.
والموعود: ما نُحبه نحنُ .. فإذا أقمنا أنفسنا علي ما يحبه الله عز وجل، من (الإيمان والتقوى والإنابة والاستقامة والدعوة والصلاة والذكر وقراءة القرآن .. الخ.
o فالله عز وجل يعطينا ما نُحبه، قال تعالى:{مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مّصَفّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا مَآءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (2) والنظر إلي وجه الله تعالي، قال تعالى:{لّلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلّةٌ أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (3).
o الله عز وجل جعل المقصد ميسر لكل إنسان، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك " رواه
(1) سورة الحج - الآية 41.
(2)
سورة محمد - الآية 15.
(3)
سورة يونس - الآية 26.
البخاري (1).
o ولكن الحاجات غير ميسرة لكل واحد، فلا يستطيع أي إنسان أن يتحصل علي كل احتياجاته في الدنيا، قال تعالى:{مّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نّرِيدُ ثُمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مّدْحُوراً} (2).
o في طلب الحاجات:
قال تعالي: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ} (3).
وفي طلب المقصد:
قال تعالى: {وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا} (4).
وقال تعالى: {سَابِقُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا
…
} (5)
وقال تعالى: {فَفِرّوَاْ إِلَى اللهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ} (6).
وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ
…
} (7).
o الحاجات مهمة والمقصد أهم.
o مشاعر الإنسان تابعة لمقصده الذي يضحي من أجله بدون تكلف.
(1) رياض الصالحين _ باب الرجاء.
(2)
سورة الإسراء - الآية 18.
(3)
سورة الإسراء - الآية.
(4)
سورة آل عمران - الآية 133.
(5)
سورة الحديد - الآية 21.
(6)
سورة الذاريات - الآية 50.
(7)
سورة الحج - الآية 78.
o إذا كانت الحاجات في خدمة المقصد تأخذ حكم المقصد، يعني الدنيا تصير دينا .. وإذا كان المقصد في خدمة الحاجة يأخذ حكم الحاجة، يعني الدين يصير دنيا.
o الله عز وجل وعد بقاء الحاجات، وما وعد بقضاء الشهوات في الدنيا، قال تعالى:{وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ} (1).
وفي الحديث: " وإن الروح الأمين _ وفي رواية: وإن روح القدس _ نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ". رواه في شرح السنة والبيهقي في شعب الإيمان (2).
o وأخيرا: من عرف مقصوده قدم له مجهوده.
******
(1) سورة هود - الآية 678.
(2)
مشكاة المصابيح _ كتاب الرقاق _ باب التوكل والصبر 3/ 1458.