المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقارنة بين جهد الداعي وجهد السياسي - الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية

[محمد علي محمد إمام]

الفصل: ‌مقارنة بين جهد الداعي وجهد السياسي

‌مقارنة بين جهد الداعي وجهد السياسي

- السياسي المسلم المخلص، مثل الوزير والبرلماني وخلافه وكذلك الداعي مقصودهما خدمة الأمة، والاثنين لهما الأجر من الله تعالي.

- السياسي اهتمامه بإصلاح أحوال الناس أكثر من اهتمامه بإصلاح الأعمال، فالمرأة الباغية من بني إسرائيل التي سقت الكلب، غفر الله لها، لأنها أصلحت حاله، فما بالنا بمن يُصلح مأكولات ومشروبات ومواصلات وسكن وصحة الإنسان المكرم عند الله تعالي، فلا شك أن له الأجر من الله تعالي إذا صلحت نيته، ففي الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: " بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر اللَّه له فغفر له، قالوا: يا رَسُول اللَّهِ! إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: " في كل كبد رطبة

ص: 153

أجر" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وفي رواية للبخاري: " فشكر اللَّه له فغفر له فأدخله الجنة ".

وفي رواية لهما: " بينما كلب يطيف (1) بركية (2). قد كاد يقتله العطش إذ رأته

بغي من

بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها (3). فاستقت له به، فسقته فغفر لها به. (4).

وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وفي رواية له: " مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة ".

وفي رواية لهما: " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر اللَّه له فغفر له"(5).

(1) أي يدور حول

(2)

أي: البئر.

(3)

أي: خفها.

(4)

رياض الصالحين _ باب بيان كثرة طرق الخير صـ 100.

(5)

المرجع السابق صـ 101.

ص: 154

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللَّه له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه تعالى يتلون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده؛ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

- أما الداعي فاهتمامه الشديد بصلاح الأعمال، وصلاح الأعمال تبدأ بصلاح الجوارح، وصلاح الجوارح بصلاح القلب، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهى القلب " متفق عليه (2).

وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم (3).

(1) رياض الصالحين _ باب قضاء حوائج المسلمين صـ 145.

(2)

المرجع السابق _ باب الورع وترك الشبهات صـ 267.

(3)

المرجع السابق _ باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأقوال والأفعال البارزة والخفية صـ 42.

ص: 155

- سيدنا موسي عليه السلام وجد فساد في أحوال وأعمال بني إسرائيل، فكان شغله الشاغل إصلاح الأعمال، وفي فترة إصلاح الأعمال، جاءت عليهم بعض الأحوال، يعني جاءت عليهم المشقة والبلاء أثناء القيام بالجهد، قال تعالى:{وَقَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ الأرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ * قَالُوَاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (1).

وكذلك لو نظرنا إلي حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، لوجدنا أنهم وقعت عليهم المشقة والبلاء، في فترة التربية بمكة المكرمة.

- السياسي أول ثمار جهده ينعكس علي نفسه وأهله وأولاده، فتصلح أحوالهم، فيتحسن مطعمهم ومشربهم ومسكنهم وملبسهم ومركبهم.

أما الداعي: أول ثمار جهده ينعكس علي نفسه وأهله وبيئته، وذلك بإصلاح أعمالهم، بسبب الدعوة والتعليم وإقامتهم علي الأعمال قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلَا تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ وَأَقِمْنَ الصّلَاةَ وَآتِينَ الزّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (2).

(1) سورة الأعراف _ الآيات من 127: 129.

(2)

سورة الأحزاب _ الآيتان 33، 34.

ص: 156

وقال تعالى: {قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ} (1).

- السياسي نهاية فكره محلي لا يتجاوز بلده، فممكن أن نقول وزير مصري .. وزير أردني، وليس وزير عالمي مشغول بإصلاح أحوال الناس ي بلده، وفي كل العالم 00 أما الداعي: أول فكره وجهده للعالم، فلا نقول داعي مصري أو سعودي ولكن عالمي مثل: الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.

- السياسي يحتاج إلي قوة فكرية وعلمية واقتصادية وعشائرية، حتي يؤثر في مركز الثقل، حتي يستطيع قضاء حاجاته، وحاجات الناس00 أما الداعي لا يحتاج إلي الأسباب المادية، فحتى لو كان أعمي أو فقير أو عبد مثل: بلال وعمار وصهيب، يستطيع القيام بهذا الجهد المبارك.

- لا يمكن توحيد فكر السياسة في العالم، فكل واحد يتفكر حسب أحواله وأسبابه وبلده، ولكن الداعي عالمي الفكر والجهد والأسلوب، والهم والدعاء والغاية.

- الأحوال المخالفة تضعف شخصية السياسي وربما يفقد منصبه 00 أما الداعي فالأحوال المخالفة تقوي شخصيته وتربيه.

- السياسي تفرض عليه شخصيته السياسة بالرد والنقد وإظهار العيوب 00 أما الداعي ليس عنده الرد والنقد، ولكن عنده الترغيب والدعوة.

- السياسي يتكلم عن المخلوق أكثر مما يتكلم عن الخالق، ويتكلم عن الدنيا أكثر مما يتكلم عن الآخرة، ويتكلم عن الأسباب أكثر مما يتكلم عن الأعمال 00 والداعي يتكلم عن الخالق ويتكلم عن الآخرة، ويستحي أن يذكر المخلوق والأسباب المادية والدنيا.

(1) سورة هود _ الآية 73.

ص: 157

- السياسي يقوم منصبه علي أساس الشهرة، وكذلك المفتي ومعلم الدين والفقيه 00 أما الداعي لا يأخذ بدعوته شهرة، فقط قال تعالى:{وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الَاخِرِينَ} (1) وقال تعالي: {وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} (2). وبعض الأحيان يكون غير مرغوب.

- السياسي جهده جهد الخواص ولا يصلح للسياسة كل الناس 00 أما الدعوة فيلح لها كل الناس حتى النساء والصبيان والعبيد، وأصحاب الأعذار مثل: المرضي والفقراء وأصحاب العاهات.

- النبي صلى الله عليه وسلم قام بالدعوة إلي الله عز وجل لإصلاح الأعمال، وبعدها فتح الله عز وجل بأفضل سياسة راشدة 00 وعندما أنزل الله الأوامر لإصلاح الأحوال، فكان التنفيذ الفوري، فانصلحت الأحوال فور التنفيذ.

(1) سورة الشعراء _ الآية84

(2)

سورة مريم _ الآية50.

ص: 158