المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقارنةبين فقه الدعوة وفقه التعليم - الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية

[محمد علي محمد إمام]

الفصل: ‌مقارنةبين فقه الدعوة وفقه التعليم

‌مقارنة

بين فقه الدعوة وفقه التعليم

o قال تعالى: {الرّحْمََنُ * عَلّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ} . (1).

o وقال تعالى: {فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} (2).

o وُبعث صلى الله عليه وسلم معلما وداعيا .. ومن خلاله صلى الله عليه وسلم تتكون شخصية الداعي، وشخصية المعلم.

o معلما أصحابه الراغبين الطالبين .. وداعيا الرافضين المعاندين، مثل: أبي جهل وأبي لهب وغيرهم.

o فجهد التعليم علي الراغبين، وجهد الدعوة علي غير الراغبين.

o قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ

(1) سورة الرحمن - الآيات من 1: 3.

(2)

سورة الأنبياء - الآية 79.

ص: 94

بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. (1).

o الظلمات نوعان:

1) ظلمة الشرك والكفر: قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابُنَيّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (2).

2) ظلمة المعصية: ولذلك أرسل موسي عليه السلام لإخراج بني إسرائيل من ظلمة المعاصي والفسق إلي نور الإيمان واليقين.

o كانت بعثة موسي عليه السلام مزدوجة:

1) للمسلمين (العصاة): وهم بني إسرائيل، قوم موسي عليه السلام.

2) للكفار: فرعون وقومه .. ولذا قال موسى عليه السلام لفرعون {وَإِن لّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} (3) لأنه عنده قومه وهما الأساس في الدعوة، {إِنّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4).

فالدعوة ليست فقط للكفار، كما يقول بعض الناس، فالله عز وجل أمر موسي عليه السلام وقومه:{وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ وَأَخِيهِ أَن تَبَوّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (5).

(1) سورة إبراهيم - الآية1.

(2)

سورة لقمان - الآية 13.

(3)

سورة الدخان - الآية 21.

(4)

سورة نوح - الآية 1.

(5)

سورة يونس – الآية87.

ص: 95

وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك مسلم تارك للصلاة، فكانت الدعوة موجه فقط للكفار .. والتعليم للمسلمين.

o المعلم يجلس في مكانه دون أن يتحرك ويأتيه الناس، لأن العلم يؤتى إليه، وله المثوبة عند الله عز وجل، وهذا التعليم علي نهج النبوة.

أما الداعي فيمشي ويتحرك علي الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأبي جهل تعالي عندي وأعلمك وأفهمك، بل ذهب بنفسه صلى الله عليه وسلم إليه، بل ودار في الأسواق وعلي المنازل داعيا:

قال تعالي: {وَقَالُوا مَا لِهََذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} (1).

وقال تعالى: {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (2) أول كلمة اذهب (دليل الحركة).

وقال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) يمشي (دليل الحركة).

وقال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (4) وجاء (دليل الحركة).

(1) سورة الفرقان – الآية 7.

(2)

سورة طه – الآية24، والنازعات 17.

(3)

سورة الأنعام – الآية 122.

(4)

سورة يس – الآية 20.

ص: 96

وقال تعالى: {وَإِذْ نَادَىَ رَبّكَ مُوسَىَ أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} (1) ائْتَ (دليل الحركة).

فقدم الله عز وجل الوسيلة علي المقصد (اذْهَبْ .. وَجَآءَ من .. ائْتَ) لبيان أهمية الوسيلة.

o مفتاح العلم حرك قلمك، ومفتاح الدعوة حرك قدمك.

سُئل الشيخ سعيد أحمد رحمه الله: أين كتبكم؟

فقال: الأرض أوراقنا، وأقدامنا أقلامنا.

o إذا ذهب المعلم للطلاب لكي يعلمهم، فقد أهان وظيفته، فهو دائما في حالة العزة، ما يتعرض للأحوال التي تهزه، فهو دائما في الاحترام.

أما الداعي: فكثير من الأحوال تمر عليه بالسخرية والاستهزاء، قال تعالى:{وَقَالُوا يَأَيّهَا الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَمَجْنُونٌ َ} (2).

وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَىكَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهََذَا الّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمََنِ هُمْ كَافِرُونَ َ} (3).

وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهََذَا الّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً َ} (4).

وقال تعالى: {كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمّتْ كُلّ أُمّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقّ فَأَخَذْتُهُمْ

(1) سورة الشعراء – الآية 10.

(2)

سورة الحجر – الآية 6.

(3)

سورة الأنبياء – الآية 36.

(4)

سورة الفرقان – الآية41.

ص: 97

فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ َ} (1).

فالداعي يتعرض للإهانة والاستهزاء، يقال عنه أنه:(مجنون، ساحر، كاهن، شاعر، كذاب).

o فأيها الداعي العظيم إذا لم يعرف لك المدعو حقك، فاعرف له حقه، واطلب حقك من الله عز وجل، قال تعالى {:َألآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىَ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا وَفِي الَاخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنّ الْعِزّةَ للهِ جَمِيعاً هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ َ} (2).

o الداعي إلي الله عز وجل يتعرض للأحوال من جهة البشر: (ضرب .. شتم .. سب .. طرد .. تخويف .. قتل) أحوال شتي للتربية، لأنه من أين يأتي:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (3).

o المعلم يأخذ عزته بحق ويؤجر (عزة شرعية)، ولكن ليس بصاحب الحظ العظيم .. أما صاحب الحظ العظيم، فهو الداعي إلي الله عز وجل، قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ} (4)

(1) سورة غافر – الآية5.

(2)

سورة يونس – الآيات من62: 65.

(3)

سورة لقمان - الآية 13. سورة الأعراف – الآية 199.

(4)

سورة فصلت – الآيات من 33: 35.

ص: 98

o جهد العلم علي العقل، حتى يتنور العقل .. وجهد الدعوة علي القلب حتى يتنور القلب .. والمطلوب أولا إصلاح القلب بالدعوة.

o التعليم جهد علي العقل لأن العقول متنوعة، ولذا حاجاتها مختلفة .. أما جهد الدعوة علي القلب ومتكرر لأن حاجة القلوب متماثلة.

o الدعوة لتوضيح الواضح .. والفتوي لتوضيح الغامض.

o قوة المعلم بالمعلومات، وقوة الداعي بالصفات التي تجذب الناس:{وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1).

وقال تعالي: {إِنّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نّعْمَ الْعَبْدُ إِنّهُ أَوّابٌ} (2) وما قال إنا وجدناه عالما، مع أن الأنبياء هم أعلم الناس، فمدحه بصفة الصبر.

o طالب علم راغب عنده قيام ليل وأحيانا معلمه ليس عنده قيام الليل، ففي قصة الأخدود: قال المعلم الراهب لتلميذه الغلام: أي نبي أنت اليوم أفضل مِني قد بلغ مِنْ أمرك ما أرى! وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليََّ (3) عندما اشتغل بالدعوة أصبح أفضل من معلمه، وبعد الدعوة تأتي المشاق علي الداعي (وإنك ستبتلى).

o في جهد الدعوة: ترغيب وترهيب .. إكرام .. دعاء بالليل.

وفي جهد التعليم: المعلومات تتغير من يوم إلي يوم، ومنهاج التعليم يتغير ويتنوع .. أما منهاج الدعوة ثابت لا يتغير:

{خُذِ الْعَفْوَ} (4) دائما00 {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ} (5).

(1) سورة القلم – الآية 4.

(2)

سورة ص – الآية 44.

(3)

جزء من حديث رواه مسلم (كتاب رياض - الصالحين باب الصبر).

(4)

سورة الأعراف – الآية 199.

(5)

سورة النحل – الآية 127.

ص: 99

{فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ الْلّيْلِ فَسَبّحْ وَأَطْرَافَ النّهَارِ لَعَلّكَ تَرْضَىَ} (1).

{اصْبِر عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيْدِ إِنّهُ أَوّابٌ} (2).

{فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (3).

{وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (4).

كل الآيات في الدعوة تأمر بالصبر (منهاج ثابت).

سيدنا نوح عليه السلام ظل يقول لقومه من أول يوم حثي هلاكهم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إِنّهُ كَانَ غَفّارا} (5) لأن الجهد علي القلب ما يختلف أبدا .. البسمة سلاح كل داعي.

صاحب يسن دعا إلي الله عز وجل وما قرأ آية ولا حديث .. لو كان أبو هريرة في مكة ما كان يتثني له أن يروي حديثا واحدا .. ثروة الحديث النبوي، في ميدان التعليم بالمسجد النبوي.

في التعليم يلزمنا ثروة الأحاديث .. وفي الدعوة يلزمنا أن نقوم بالخدمة

(1) سورة طه – الآية 130.

(2)

سورة ص – الآية 17.

(3)

سورة ق – الآية 39.

(4)

سورة المزمل – الآية 10.

(5)

سورة المزمل – الآية 10.

ص: 100

والصفات والأخلاق الحسنة .. والذي لا يعرف قدرك اعرف قدره .. والذي لم يعطك حقك فأعطه حقه واطلب حقك من الله عز وجل (تكن داعيا).

ليس في التعليم عواطف .. أما في الدعوة هموم ومشاعر وأحزان ودعاء ومتابعة علي الدوام.

التعليم فيه شخصيتان: (معلم، طالب علم) فالداعي يأخذ صفات الطالب وليس المعلم، مثل: التودد والتواضع للمدعو، فيتودد لكل الناس بشتى الصور.

كلام الدعوة يحتاجه الداعي والمدعو، أما المعلم فإنه لا يحتاج إلي علمه عكس الطالب .. ولكن الداعي يحتاج إلي كل كلمة يقولها.

في التعليم لا ينشغل المعلم بالطالب .. وفي الدعوة ينشغل الداعي بالمدعو، حتى يمرنه علي القيام بالأعمال في جميع الأحوال.

المعلم لا يفرض التعليم علي كل الناس، ولكنه مثل الصيدلي يصرف الدواء حسب طلب المريض.

كل التعليمات في المدرسة للطالب، وليست للمعلم .. أما كل التعليمات في القرآن للداعي إلي الله عز وجل حتى يثبت علي دعوتهن أمام المشاكل التي تواجهه في الداخل والخارج.

جهد التعليم: جهد خاص (مفتي .. مفسر .. مجود) وهذه مواهب ليست متوفرة في كل الناس، ولذلك هي فرد كفاية (تعلم علم المسائل).

جهد الدعوة: جهد الأمة كلها، فهو ميسر للجميع، كل إنسان يُصبح داعية بأخلاقه وصفاته.

تكون داعية كبيرا بالهمة، وتكون معلما كبيرا بالفطنة والكياسة والموهبة.

فالأمة كلها مؤهلة للدعوة، وليست مؤهلة كلها للتعليم.

ص: 101

يستطيع الإنسان أن يُصبح داعيا مثاليا بالفطرة، مثل صاحب يسن دعا بفطرته بدون أن يعلمه أو يوجهه أحد .. فالدعوة جهد فطري، والتعليم جهد كسبي.

تأمل في سورة القمر تجد أن التيسير جاء بعد قصص الدعوة، وما جاء بعد التعلم، بعد ذكر قوم نوح:{وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ} (1) وبعد ذكر قوم عاد: {وَلَقَدْ يَسّرْنَا ٍ} ، وبعد ذكر قوم ثمود:{وَلَقَدْ يَسّرْنَا} ، وبعد ذكر قوم لوط:{وَلَقَدْ يَسّرْنَا ٍ} ، فقد يسر الله عز وجل الدعوة وفقه الدعوة.

o كلمة: (قُلْ) وردت في القرآن حوالي 350 مرة:

{قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2).

{

قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (3).

{

قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (4).

{

قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدّارُ الَاخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مّن دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (5).

{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لّجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَىَ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ

(1) سورة القمر – الآية 17.

(2)

سورة البقرة – الآية 80.

(3)

سورة البقرة – الآية 91.

(4)

سورة البقرة – الآية 93.

(5)

سورة البقرة – الآية 94.

ص: 102

يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1).

{

قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (2)

{قُلْ إِنّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَىَ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ} (3).

{

قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4).

{قُلْ أَتُحَآجّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} (5).

{

قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ} (6).

{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىَ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات لَعَلّهُمْ يَفْقَهُونَ} (7).

(1) سورة البقرة – الآية 97.

(2)

سورة البقرة – الآية 111.

(3)

سورة البقرة – الآية 120.

(4)

سورة البقرة – الآية 135.

(5)

سورة البقرة – الآية 139.

(6)

سورة البقرة – الآية 140.

(7)

سورة الأنعام – الآية 56.

ص: 103

{قُلْ هُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ} (1).

{قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (2).

{قُلْ هُوَ الرّحْمََنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مّبِينٍ} (3).

{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (4) والآيات كثيرة، والقرآن كله دعوة .. والله جل جلاله يقول لنا {: بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ} (5) ويقول لنا: (قُلْ

) ونحن نسكت!!!!.

o الفرق بين مؤمن يسن ومؤمن آل فرعون:

أن مؤمن يسن، قال لقومه:{يَا قَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (6) وما قال: (اتبعوني) لأنه مسلم جديد أسلم حديثا، فليس عنده علم ولا منهج ولا بيئة، ولكن عنده دلالة علي غيره.

أما مؤمن آل فرعون، فإنه مؤمن قديم، ولذا قال: {وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ

(1) سورة الملك – الآية23.

(2)

سورة الملك – الآية24.

(3)

سورة الملك – الآية 29.

(4)

سورة الإخلاص – الآيات من 1: 4.

(5)

سورة المائدة – الآية 57.

(6)

سورة يسن – الآية 20.

ص: 104

بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (1).

وأما مؤمن يسن: سجله الله سبحانه وتعالى من كبار الدعاة مع قلة معلوماته، قال:: {يَا قَوْم} وكذلك الأنبياء تقول: {يَا قَوْم} .

o هناك فاصل زمني بين المعلم والطالب، فالمعلم دائما أكبر من الطالب .. لكن في الدعوة ليس هناك فاصل زمني بين رجل عنده 40 سنة يوجه الناس للشر ثم بعد الدعوة يهتدي، فيوجه الناس للهداية، فيستوي هو والقديم الذي سبقه بالدعوة.

o الداعية دائما يتهم نفسه، فهذا كليم الله موسي عليه السلام يقول:{قَالَ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ} (2).

وهذا نبي الله يونس عليه السلام: {وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلََهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ} (3).

وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي؛ وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني؛ أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل

(1) سورة غافر – الآية 28.

(2)

سورة القصص – الآية 16.

(3)

سورة الأنبياء – الآية 87.

ص: 105

شيء قدير " مُتَّفَقٌ عَلَيه (1).

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال:" قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (2).

o ليس هناك رسوب في الدعوة .. أما في التعليم يوجد قابلية للرسوب والنجاح.

o كل داعي معلم، وليس كل معلم داعي، ففي الحديث قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إن اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (3).

وكل فضائل التعليم يأخذها الداعية، حتى لو كان قليل العلم.

o الطب علم قضاء الحاجة، وممكن أن تتعلمه من الكفار .. أما الدعوة علم القيام علي المقصد.

o مهنة الطب ليست لتحقير المريض، ولكن رحمة له .. وليست الدعوة لتحقير الناس وتصنيفهم: هذا فاسق .. هذا مبتدع .. هذا كافر .. بالفطرة: {يَا قَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (4).

o العلماء مثل الذهب النادر .. والدعاة مثل الذهب الشائع .. وكل الأمة ذهب إذا قامت علي الدعوة.

(1) رياض الصالحين – باب الدعوات صـ 505.

(2)

رياض الصالحين – باب الدعوات صـ 505.

(3)

المرجع السابق – كتاب العلم صـ 479.

(4)

سورة يسن – الآية 20.

ص: 106

o الداعي لا يطلب منزلة اجتماعية: {وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1).

o الداعية لا يطلب شهرة في زمانه، بل بعد موته {وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} (2) فالداعي الذي يطلب شهرة تسقط دعوته.

o المعلم له احترام الظاهر من الناس .. أما الداعي فربما ينظر إليه أنه أهل: {وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيم} (3).

o إبليس (عليه لعنة الله) بفساد فطرته ندب نفسه لإفساد البشرية، وما كلفه أحد بذلك، وما سأل عن شرعية عمله.

o وصاحب يسن بجمال فطرته يندب نفسه لهداية البشرية، ما أحد كلفه، وما سأل عن شرعية عمله.

وكذلك الداعي بجمال فطرته يندب نفسه، ويضحي بنفسه وما له ومركزه وجاهه من أجل هداية الخلق.

o الصحابة رضي الله عنهم ما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدعوة أفرض كفاية أم فرض عين، بل دعوا إلي الله عز وجل بجمال فطرتهم.

o من السابق نفهم أنه إذا كانت الدعوة ثقيلة علي المسلم، إذا فطرته تحتاج إلي طهارة لأنها ملوثة .. والدعوة الانفرادية تُظهر ذلك.

o إذا جاءت الصفات، تأتي الصفات .. بمعني: أن الصفات تولد الصفات وتنشرها، فمؤمن يسن تأثر بصفات الدعاة، فأصبح داعية.

o الكفار نظروا إلي دنيا الأنبياء فلم يهتدوا، ولكن لو نظروا إلي صفاتهم لتغير الحال وقبلوا الهداية.

(1) سورة فصلت – الآية 33.

(2)

سورة الشعراء – الآية 84.

(3)

سورة فصلت – الآية 35.

ص: 107

o بساطة الدعوة والداعي جعلت الناس ما يفهمون مقصد الدعوة:

{وَقَالُوا مَا لِهََذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىَ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظّالِمُونَ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مّسْحُوراً} (1).

o الداعي معروف بليله إذا نام الناس .. وبنهاره بدعوته وكرمه وأخلاقه مع من يدعوهم.

o الداعي يغزو الدنيا كلها مثل: ربعي بن عامر يقول لرستم قائد الفرس: إن الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله عز وجل، قالوا: وما موعود الله؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى .. !! (2).

o الداعي مثل الغواصة تغوصٍ في الماء ولا يدخل فيها الماء، فهو يغوص في أهل الباطل، ولا يدخل فيه الباطل.

o الداعي لا يعبأ بكيفية موته، ولكن كيف يحيا الدين ولو بسبب قطرات دمه، مثل: غلام الأخدود.

o اللهم وفقنا لجهد حبيبك، علي منهاج حبيبك، حسب مرضاتك.

(1) سورة الفرقان – الآيتان 7، 8.

(2)

البداية والنهاية لابن كثير.

ص: 108