الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: في المقصود بإقامة الصلاة على ضوء الآية الكريمة
…
المطلب الثالث: في المقصود بإقام الصلاة على ضوء الآية الكريمة:
قال الراغب الأصفهاني1 في مفرداته: "وإقامة الشيء توفيته حقه" ثُمَّ قال: "ولم يأمر الله تعالى بالصلاة حينما أمر، ولا مدح بها حينما مدح، إلَاّ بلفظ الإقامة تنبيهاً أنَّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها"2.
ومن هنا ندرك أنَّ إقامة الصلاة في القرآن أمر زائد على مجرَّد فعل الصلاة. فالصلاة هي حركة الأجساد الخاصة من قيام وقعود وركوع وسجود ودعاء وتسبيح وتكبير وتحميد ونحو ذلك. وبها يعتد في أحكام الدنيا.
أمَّا تمامها الذي يحصل به الثواب فهو إقامتها بحضور القلب فيها. ومن هنا يحصل التفاوت بين المصلين مع أنَّ الحركات الظاهرة واحدة شكلاً وزمناً، لكنها تختلف وتتباين في حضور القلب والخشوع. فليس للعبد من صلاته إلَاّ ما عقل منها وحضر قلبه فيها.
وهذا ما يؤكد أنَّ حضور القلب في الصلاة هو روحها ولبها، وبقدر حضور القلب فيها تكون إقامتها. فإذا تجرَّدت من حضور القلب لم تقترن في القرآن الكريم بلفظ الإقامة.
وقد سبق أنَّ مِمَّا يدل على مكانة الصلاة كونها تأتي بعد الشهادتين. فهي الركن الثاني من أركان الإسلام - كما في الحديث: "بني الإسلام على خمس:
1 هو: الحسين بن محمد بن الفضل - أو المفضل - من أهالي أصبهان، أديب لغوي، مفسر، توفي سنة 502 هـ.
الأعلام 2/279، معجم المؤلفين 4/9، البلغة في علوم اللغة ص 153، مقدمة المفردات ص 3
2 المفردات للراغب الأصفهاني ص 429، الصلاة في القرآن ص 54
شهادة أن لا إله إلَاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلاً" 1.
والحكمة من ذلك كونها دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، وتصديقاً له.
وسبق أيضاً أنَّ الصلاة تأتي بمعنى الإيمان، وخاصّةً في الآية التي هي موضوع البحث، وأنَّها تشتمل على الشهادتين في التشهد الأول والأخير، وتطلق على الإسلام، والدين - كما سبق - وأنَّها الفارق بين الإيمان والكفر. وأنَّها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتشتمل على جميع أركان الإسلام الخمسة بطريق التلازم. فإقامتها تعني توفية حقوق هذه المعاني - كما تعنى - أداءها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة لها شرعاً. فلو نقص المصلي شيئاً من ذلك لم يكن مقيماً لصلاته وإنْ أتى بهيئاتها الظاهرة.
ومِمَّا يدل على ذلك وأنَّها تستلزم الإيمان والزكاة والدين كله:
أنَّ الإيمان في الشرع قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وعملٌ بالأركان. وكذلك الصلاة أقوال واعتقاد وعمل بالأركان.
وأمَّا استلزامها للزكاة فقد سبق بيانه، وأنَّ أداء الصلاة كاملة بحقوقها يستلزم أداء الزكاة ودفعها لمستحقيها.
وأمَّا كونها تستلزم الدين كله، فلأمور منها:
أولاً: أنَّها الفارق بين الكفر والشرك والإيمان: "بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة"2.
1 سبق تخريجه ص 59
2 سبق تخريجه ص 56
ثانياً: مشروعيتها في جميع الشرائع - كما سبق - وهذا مِمَّا اتفقت عليه جميع الأديان، فهي بمعنى التوحيد، أو تتضمن معناه. فإقامتها تستلزم إقامة الدين كله، والنقص فيها نقص في الدين.
ولَمَّا كان من لوازم إقامتها حضور القلب، والخشوع فيها، وهذا يتطلب أموراً يجب الإتيان بها، فإنَّ من تلك الأمور ما يأتي:
الأمر الأول: تحقيق معنى التوحيد الذي دلَّت عليه الصلاة، وهو الهدف العام الذي سبقت الإشارة إليه في هذه الدعامة.
الأمر الثاني: معرفة ما تتوقف عليه صحتها. وفيه النقاط التالية:
1 -
تأديتها كاملة بأركانها وشروطها وواجباتها وسننها.
2 -
إقامة الصلاة بالنهي عن تركها أو التساهل فيها.
3 -
إقامة الصلاة بتعيين الأئمة العالمين بما تصح به إقامتها.
4 -
إقامتها ببناء مواضعها والمحافظة عليها وتوفير كل ما يلزم لذلك من فرش وتنظيف وتهوية وإنارة وغير ذلك.