الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: عناية الملك عبد العزيز بالهدف الخاص للدعامة الأولى (إقام الصلاة) :
سبق أنَّ الهدف الخاص للدعامة الأولى من دعائم التمكين في الأرض هو أداء الصلاة المعروفة كاملة بأركانها وشروطها وواجباتها وسننها، وأنَّ (إقام الصلاة) قدر زائد على الإتيان بهيئاتها الظاهرة، وإن كان ذلك تسقط به أحكام الدنيا.
لكن إقامة الشيء - كما سبق - هو: (توفيته حقه كاملاً) وأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يأمر بالصلاة حينما أمر ولا مدح حينما مدح إلَاّ بلفظ "الإقامة" تنبيهاً أنَّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها1. وأنَّه ليس للعبد من صلاته إلَاّ ما عقل، وحضر قلبه فيها، وأنَّ لب الصلاة وروحها الخشوع فيها لله تعالى.
ومن هنا سيكون الحديث إن شاء الله تعالى في هذا المطلب عن الأمور التالية:
الأمر الأول: اهتمام الملك عبد العزيز بأداء الصلاة.
الأمر الثاني: عنايته بإقامة الصلاة، وفيه النقاط التالية:
1 -
إقامة الصلاة بالنهي عن تركها. وهذا سيأتي في الدعامة
الثالثة.
2 -
إقامة الصلاة بتعيين الأئمة العالمين بأحكامها وما تصح به.
3 -
إقامة الصلاة بالاعتناء بمواضع الصلاة.
4 -
إقامة الصلاة بتهيئة كل ما يؤدي إلى الخشوع فيها، من فرش
المساجد، وتهويتها، وتكييفها، وتنظيفها، وغير ذلك.
1 المفردات في غريب القرآن ص 429
الأمر الأول: اهتمام الملك عبد العزيز بأداء الصلاة:
كان الملك عبد العزيز منذ صباه ملتزماً بالتعاليم والآداب الشرعية، متمسكاً بكتاب الله، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، محكماً كتاب الله في كل أموره. فلم يعرف عنه في شبابه رغم أنَّه عاش في أول شبابه في بلادٍ كان فيها نوعٌ من التساهل. وفي الحديث:"إنَّ الله ليعجب من الشاب ليس له صبوة"1.
أمَّا صلته بالله عز وجل فنحسب أنَّها لم تكن مقرونة برغبة دنيوية، فعقيدته خالصة، لذلك نجد التوفيق حليفه في أعماله. وكان من أهم المزايا التي يتصف بها قوة الإيمان بالله تعالى، فمنذ نشأته لم يضعف إيمانه بالله أو يشك في ثقته بنصره2.
وقد وضع لحياته نظاماً دقيقاً، أعطى الجانب الديني منه نصيباً وافراً، على الرغم من كثرة مشاغله ومسئولياته. فهو غالباً لا ينام أكثر من ست ساعات في اليوم، على ثلاث فترات، منها أربع ساعات في الليل، يصحو قبيل الفجر فيتوضأ ويصلّي ركعتين، ويقرأ بعضاً من القرآن إلى أن يحين الفجر، فيصلي ثُمَّ ينام ساعة، ثُمَّ يقوم بعدها ليرعى مصالح الدولة. وساعة أخرى بعد الغداء، ثُمَّ المجلس الديني عقب صلاة المغرب3.
وبهذا استطاع أن يجمع بين ما نشأ عليه من تعاليم دينية وبين إدارته لأمور الدولة عندما أصبح في موقع المسئولية4.
1 الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 4/151 عن عقبة بن عامر.
قال في مجمع الزوائد 10/270: "إسناده حسن".
2 الأحيدب: من حياة الملك عبد العزيز ص 37-43
3 الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص 25، المنهج القويم في الفكر والعمل ص 31، الملك الراشد ص 322
4 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/57
ومن أهم ثمرات تدين الملك عبد العزيز رحمه الله أخذه بمبدأ الشورى، فلا يعرف الاستقلال بالرأي، ولكن كانت المشورة الدائمة والاسترشاد بآراء العلماء دأبه ومنهجه1.
الأمر الثاني: عناية الملك عبد العزيز بإقام الصلاة:
سبق أنَّ (إقام الصلاة) قدر زائد على الإتيان بهيئاتها الظاهرة، وأنَّ من (إقام الصلاة) وتوفية حقها النهي عن التساهل فيها، أو تركها، وهذا سيأتي في الكلام عن الدعامتين الثالثة والرابعة.
كما أنَّ من (إقام الصلاة) العناية بمواضعها التي أمر الله أن تقام فيها.
وأنَّ من (إقام الصلاة) تعيين الأئمة الذين يعلمون ما تصح به الصلاة، كما أنَّ من إقامتها كل ما يدعو إلى الاطمئنان والخشوع فيها الذي هو لب الصلاة وروحها. كتهوية المساجد، وفرشها، وتنظيفها، وغير ذلك مِمَّا يساعد على الخشوع وحضور القلب.
وهذا يدعونا إلى بيان جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في هذه الأمور مرتبةً، فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: جهوده في بناء المساجد:
المساجد جمع مسجَد - بفتح الجيم وكسرها - فالمسجَد - بالفتح - الجهة من الوجه، حيث تكون ندب السجود. والمساجِدُ من بدن الإنسان الأعضاء التي يسجد عليها، وهي: الجبهة، والأنف، والبدن، والركبتان والقدمان.
والمسجِدُ: بالكسر، كل موضع يتعبَّد فيه المسلمون بالصلاة2. يشهد لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً" 3
1 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/65
2 لسان العرب / مادة (سجد) 3/204
3 رواه البخاري، كتاب التيمم 1/436، مع فتح الباري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وقد عظَّم الله تعالى مكانة المسجد، ورفع من شأنه في آياتٍ كثيرة منها قوله -تعالى-:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} . [النور آية:36] .
ولَمَّا كان نور الإيمان والقرآن أكثر وقوع أسبابه في المساجد، ذكرها منوهاً بها فقال:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ....} : أي يتعبد لله {فِي بُيُوتٍ} : عظيمة فاضلة هي أحب البقاع إليه وهي المساجد. {أَذِنَ اللَّهُ} : أي أمر ووصَّى {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} : يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتحميد، وغير ذلك من أنواع الذكر وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والاعتكاف وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ثُمَّ مدح الله عمَّارها فقال:{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة} 1: فهؤلاء الرجال - وإن اتجروا وباعوا واشتروا فإنَّ ذلك لا محذور فيه، لا تلهيهم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.
وسبق أنَّ من الأمور الدالة على مكانة الصلاة في الإسلام المواضع التي تقام فيها لما لها من آثار اجتماعية كثيرة منها إيجاد التكافل الاجتماعي بين المسلمين، فالمسجد وسيلة التعارف اليومي، ثُمَّ يتحول التعارف مع مرور الأيام إلى تآلف ومنه تنشأ أواصر الأخوة الإسلامية في الله. والغاية من ذلك كله هو وجود مجتمع مترابط منسجم كالأسرة الواحدة2.
1 وأول الآية قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال} .
2 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/354-355
وقد عني المسلمون في عصورهم المتتابعة بالمساجد لما لها من دور هام في الإسلام، وكونها الجامعات الأولى في التعليم العام.
ولمَّا وصل الدور إلى الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ونظراً لاستقرار دواعي الأمن في ربوع البلاد على يد الملك عبد العزيز والعناية والاهتمام براحة الحجاج، فقد زاد عدد الوافدين لأداء فريضة الحج من البلاد العربية والإسلامية. وكانت الزيادة في اطراد مستمر عاماً بعد آخر - حتى ضاق المسجد الحرام عن استيعابهم، وصار تزاحمهم يمثل مشكلة كبيرة - فوجَّه الملك عبد العزيز بدراسة مشروع لتوسعة المسجد الحرام على أكبر مساحة ممكنة1.
وكانت مساحة المسجد في ذلك الوقت حوالي (000ر30) متراً مربعاً، فعملت الدراسة وبُدِئ في تنفيذ هذا المشروع في 23/8/1375 هـ في عهد الملك سعود - يرحمه الله - وكان يعتبر في وقته أكبر مشروع عمل لتوسعة المسجد الحرام، حيث تمت توسعته بأكبر من ضعف مساحته التي كان عليها في السابق، وعملت حوله ساحات وميادين واسعة وشوارع فسيحة، وخدمات متعددة، كتنظيم مياه زمزم، وتوافر دورات مياه، وغير ذلك.
1 أعلن الملك عبد العزيز عام 1368هـ على العالم الإسلامي اعتزامه توسعة المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وبدأت الدراسة في مشروع توسعة المسجد الحرام، وبُدِئَ في التنفيذ بعد وفاته - يرحمه الله -.
عن كتاب إعلامي بعنوان (المملكة العربية السعودية) صدر عن وزارة المالية بمناسبة صدور ميزانية الدولة للعام المالي 1382/1383هـ وقال إنَّ تكاليف توسعة المسجد الحرام بلغت (700) مليون ريال سعودي.
وانظر: التطبيقات العملية للحسبة في المملكة العربية السعودية من عام 1351-1408هـ للدكتور / طامي بن هديف معيض البقمي.
كما تمَّ تنظيم المشاعر والمناسك الأخرى، لتستوعب أكبر عدد ممكن من الحجاج وضيوف الرحمن.
وبالنسبة للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، فقد أجريت في عام 1375هـ أول توسعة كبيرة، وكانت المساحة الإجمالية للمسجد قبل التوسعة (303ر10) متراً مربعاً، فأصبحت بعد التوسعة (500ر16) متراً مربعاً.
ونظراً لأهمية المساجد ودورها الهام في الإسلام، فقد اهتمت المملكة بإنشاء المساجد وتعميرها في مختلف مناطق المملكة منذ زمنٍ بعيد، وزاد هذا الاهتمام في العصر الحاضر نظراً لما أفاء الله به على هذه البلاد من خير وفير، وُجِّه قسط كبير منه لخدمة الإسلام بصفة عامَّة، وبمشاريع وأساليب متنوعة. وكان لإنشاء المساجد وتعميرها نصيب وافر من ذلك الاهتمام حتى بلغ عدد المساجد التي قامت وزارة الحج والأوقاف بإنشائها أو تعميرها (204ر30) مسجداً في عام 1410هـ1
ثانياً: عناية الملك عبد العزيز رحمه الله بتعيين الأئمة العالمين بأمور الصلاة:
من أهمية المسجد تنبثق أهمية الإمامة فيه، فهي مسئولية كبرى أولاها الإسلام عناية فائقة دلَّ على ذلك الشروط التي أفاض الفقهاء في شرحها وذهبوا إلى وجوب توافرها في الإمام.
ولا شك أنَّ وجود الإمام الصالح الحافظ لكتاب الله، الفاهم للإسلام والشريعة وقضاياها فهماً صحيحاً يسهم في خدمة الدعوة إلى الله.
ونظراً لأهمية الإمامة، فإنَّ الدولة السعودية ومنذ نشأتها كانت حريصة على تدعيم هذا المرفق الهام، فقد اهتمت بتعيين الأئمة والخطباء فكانوا رجالها في مجال نشر الدعوة السلفية وتثبيت أركانها في المجتمع.
1 المرجع السابق.
ومع إشراقة الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - كان أغلب المساجد بدون أئمة لقلة الدعاة، وازدادت حِدَّة المشكلة مع توالي الفتوح وتوحيد البلاد، واتسعت رقعة الدولة، وازداد عدد المساجد بالإضافة إلى مساجد الهجر الجديدة، فكان على الملك عبد العزيز أن يواجه هذه المشكلة. وقد انتهج في هذا المجال عدة تدابير منها:
1 -
شغل المساجد الكبرى بأئمة وخطباء غير متفرغين مِمَّن كانوا يشغلون مناصب القضاء والتدريس وغير ذلك لما كان يتمتع به شاغلو هذه المناصب من درجة كبيرة في العلم.
2 -
إنشاء المؤسسات التعليمية التي تكون نواة لتخريج أئمة مؤهلين مثل: إنشاء دار التوحيد في الطائف سنة (1364هـ) .
3 -
أسند إلى رئاسة القضاء الشرعي المهام المتعلقة بالمدرسين في المساجد حيث نص نظام تركيز مسئوليات القضاء الشرعي على ما يلي:
"جميع المدرسين الرسميين في المساجد يكون تعيينهم وفصلهم وتنقلاتهم وغير ذلك من اختصاص رئاسة القضاء"1.
4 -
توجيه الاهتمام بالأئمة. ونظراً لتطور الظروف المعيشية، وجب أن يمنح القائمون بوظيفة الإمامة والخطابة والدعوة إلى الله الحقوق المادية التي تؤهلهم للتفرغ الكامل لوظائفهم وتضمن لهم المعيشة الكريمة الهادئة فلا يشغلون بمعاشهم ومعاش أسرهم عن التفرغ لمهماتهم2.
1 أبو راس الديب: الملك عبد العزيز والتعليم ص 204، وبيان إحصائية
بالجوامع والمساجد بالمملكة والمرفق بخطاب سعادة وكيل وزارة الحج والأوقاف لشئون المساجد رقم 272 وتاريخ 19/10/1410 هـ، والتطبيقات العملية للحسبة في المملكة ص 233 مع الحاشية.
2 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/381، 2/601، 639
والمتأمل في سيرة العلماء الذين جعلهم الملك عبد العزيز أئمة في المساجد يجد أنَّ معظمهم قضوا حياتهم في نفع العباد ونشر العلم لوجه الله منهم: الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، فقد عينه الملك عبد العزيز إماماً في مسجد والده الإمام عبد الرحمن آل فيصل فاستمر إماماً وواعظاً ومدرساً في هذا المسجد، وقام بذلك خير قيام1.
ثُمَّ جعله إماماً وخطيباً في المسجد الحرام سنة 1344هـ، كما أسند إليه تعيين الأئمة في المساجد واختيارهم.
وعين الملك عبد العزيز الشيخ سعد بن عتيق إماماً في المسجد الكبير في الرياض، وفي هذا المسجد الواسع عقد له حلقتين2 للتدريس إحداهما بعد طلوع الشمس حتى امتداد النهار، والثانية بعد صلاة الظهر.
وكان حريصاً على ما يلقيه من الدروس شديد التثبت لمعنى ما يقرأ عليه فلا يلقى درسه ولا يسمعه3 من الطالب حتى يراجع فيه شروحه وحواشيه، وما قاله العلماء فيه، وضبطه لغةً ونحواً وصرفاً حتى يحرر الدرس تحريراً بالغاً، لذا أقبل عليه الطلاب، واستفادوا منه فوائد جليلة.
وهذا يدل على العناية باختيار أئمة المساجد من الملك عبد العزيز
رحمه الله لأهمية وظيفة الإمام في الإسلام.
وَلَمَّا كان من الأمور التي تسهل على الإمام مهمته في كل الصلوات وفي الحر والبرد، وجود دار يسكنه بجوار المسجد، واقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث كانت حجرات نسائه ملاصقة للمسجد، وأبوابها مشرعة إليه، فقد تنبه الملك
1 المرجع السابق 1/379
2 المراد مجلسين للتدريس.
3 أي لا يقبل من الطالب قراءة الدرس حتى يحضره. لأن بعض المعلمين يطلبون من الدارس قراءة الدرس قبل الشرح وتسميعه أولاً.
لهذا الأمر. فلمَّا ازدادت موارد الدولة بعد تدفق البترول شرع يخصص راتب للأئمة ويشتري لهم البيوت. وتوجد مخطوطة في دارة الملك عبد العزيز تحت رقم (719) تتضمن خطاباً من الملك عبد العزيز إلى الشيخ حمد بن عبد المحسن التويجري يكلفه بشراء بيوت للأئمة والمؤذنين1.
ومن اهتمام الملك عبد العزيز بالأئمة وتعينهم بصفة دائمة ما ورد في أحد كتبه: "من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل. إلى عبد الله بن ناصر. توكل على الله وانحر 2 3. إخوانك ابن ضنمة وجماعته وأقم عندهم تصلي بهم وتعلمهم أمر دينهم".
وقد كان الملك عبد العزيز رحمه الله يختار لكل عمل أفضل من يراه لذلك العمل، فإن لم يجد الأفضل انتقل إلى مَن هو دونه.
وبناءً على ذلك فقد اختار للإمامة في المسجد الحرام، والمسجد النبوي أفضل من كان معروفاً بالعلم بأحكام الصلاة، ومن كان مشهوراً بالتدريس. ففي عام 1344هـ قدم مكة في صحبة الشيخ محمد رشيد رضا كل من الشيخين:
1) عبد الظاهر أبي السمح.
2) والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.
فرشحهما السيد رضا لدى الملك عبد العزيز للإمامة والخطابة في الحرمين الشريفين فاختار الملك عبد العزيز - الشيخ عبد الظاهر أبا السمح لإمامة الحرم المكي وخطابته، واختار الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة لخطابة المسجد النبوي
1 المخطوطة في دارة الملك عبد العزيز برقم (719) ، والدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/382
2 كان تاريخ هذا الخطاب في 28/1/1342 وهو من وثائق الملك عبد العزيز ص 9
3 ومعنى: "وانحر اخوانك"، توجه إليهم، وهي لغة دارجة في الجزيرة.
وإمامته، ومراقبة الدروس بالمسجد النبوي بالإضافة إلى رئاسة هيئة الأمر بالمعروف بالمدينة1.
وهكذا كان للملك عبد العزيز يد طولى في تنظيم تنصيب الأئمة والخطباء للوعظ والإرشاد وإمامة الناس في الصلاة. وقد أصبحت الإمامة وظيفة ثابتة لها مخصصات وعليها واجبات، مِمَّا مكَّن من تحقيق أهداف المسجد وأهمها الدعوة إلى الله تعالى بالعبادة والتوجيه في عصرٍ أصبح لا يكفي فيه الاعتماد على الأعمال التطوعية2.
والمهم هو عبادة الله على الوجه الذي شرعه الله حتى تتحقَّق الغاية التي من أجلها شُرِعَت، ولن يكون ذلك إلَاّ مِمَّن علم ما تصح به، وما هو روحها ولبها3.
ولا شكَّ أنَّ هذه الأمور التي قام بها الملك عبد العزيز، مِمَّا يساعد على حضور قلوب المصلين وخشوعهم في صلاتهم، وقد قال الله -تعالى-:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2] .
1 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 2/795-796
2 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/385، 2/635-650
3 الخشوع في الصلاة لابن رجب الحنبلي ص 10-11، و 30