الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعض آثارها
إن ما كتبه الشيخ من المصنفات والرسائل يؤكد يقينا بأن الشيخ لا يدعو إلا لعقيدة السلف الصالح في جميع أبواب الاعتقاد، وليست مصنفاته ورسائله فحسب هي الجواب على هذا فقط، بل إن سيرة الشيخ الإمام وأفعاله وسلوكه جواب آخر، يؤكد بلا أدنى ريب اهتمام الشيخ وحرصه الشديد على تمام التأسي والاقتداء بالسلف الصالح.
كما أن ما كتبه أتباعه - من بعده - وأنصار دعوته السلفية يؤكد أيضا ما اتصف به الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب من تمسك والتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، ويظهر حال وشأن أولئك الأتباع وما كانوا عليه من عض بالنواجذ على عقيدة الفرقة الناجية سواء في أقوالهم أو أفعالهم.
وقد شهد الكثير من العلماء من مختلف البلاد والبقاع، وفي أزمان متفاوتة، بل ومن ديانات متنوعة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يدعو إلى الإسلام كما كان عليه أو ظهوره من صفاء ونقاء ووضوح، بعيدا عن لوثات الفلسفة وأدران الشرك، وخرافات التصوف، ومحدثات البدع.
وحيث إن مثل هذا الموضوع قد أخذ نصيبا وافرا من الكتابة والتصنيف1 فلا حاجة للإطالة فيه، بل نقتصر على إيراد بعض النقول الموجزة التي توضح حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ففي إحدى رسائل الشيخ يجيب عن سؤال أهل القصيم لما سألوه عن معتقده فكان مما قاله رحمه الله:
1 انظر على سبيل المثال ما يلي: محمود مهدي الاستانبولي، "الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مرآة علماء الشرق والغرب" 1400هـ. أمين سعيد، "سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب" ط 1، شركة التوزيع العربية، بيروت، ص 191-215. أحمد بن حجر آل بوطامي، "الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، ص 77-120.
(أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله وسط بين المرجئة والوعيدية2. وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج.
وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأومن بأن الله فعّال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.
وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله.
وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.
1 سورة الصافات آية: 180.
2 الوعيدية هم الخوارج والمعتزلة.
وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا كما قال تعالى:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} 1، وقال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} 2، وقال تعالى:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 3 وهو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 4.
وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.
وأومن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 5 وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم
1 سورة الأنبياء آية: 28.
2 سورة البقرة آية: 255.
3 سورة النجم آية: 26
4 سورة المدثر آية: 48.
5 سورة الحشر آية: 10.
يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.
وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية المطهرة1.
فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل) 2.
وفي رسالته لعبد الرحمن بن عبد الله السويدي3 أحد علماء العراق يذكر الشيخ الإمام رحمه الله حقيقة دعوته، ومن ذلك قوله:
(أخبرك أني ولله الحمد متبع، ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به، من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق لله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة)4. ونورد بعضا من العبارات التى سطرها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في بيان دعوة جده الشيخ الإمام، منها قوله:
(أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إنما دعا الناس إلى أن يعبدوا الله لا شريك له، ولا يشركوا به شيئا، وهذا لا يرتاب فيه مسلم أنه دين الله الذي
1 يظهر من هذه الرسالة تأثر الشيخ محمد بشيخ الإسلام ابن تيمية، فهذه الرسالة قريبة بلفظها ومعناها من العقيدة الواسطية لابن تيمية.
2 محمد بن عبد الوهاب، مؤلفات الشيخ الإمام (الرسائل الشخصية) تصحيح الفوزان والعليقى، الرياض 5/8-11.
3 انظر: ترجمته في " المسك الأذفر" ص 131.
4 مجموعة مؤلفات الشيخ (الرسائل الشخصية) : 5/36.
أرسل به رسله، وأنزل به كتبه) 1.
ويقول الشيخ عبد اللطيف في موضع آخر - حاكيا ما يدعو إليه الشيخ الإمام: (ثم إن شيخنا رحمه الله كان يدعو الناس إلى الصلوات الخمس، والمحافظة عليها حيث ينادى لها، وهذا من سنن الهدى، ومعالم الدين كما دل على ذلك الكتاب والسنة، ويأمر بالزكاة والصيام والحج، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتركه، ويأمر الناس بتركه والنهي عنه، وقد تتبع العلماء مصنفاته رحمه الله من أهل زمانه وغيرهم فأعجزهم أن يجدوا فيها ما يعاب.
وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وأما في الفروع والأحكام فهو حنبلي المذهب لا يوجد له قول مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة..) 2.
ويبين الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن3 في رسالته التي بعثها إلى أهل الحجاز وعسير واليمن معتقدهم وما يدعون إليه فيقول:
(اعلموا أن الذي نعتقده، وندين الله به، وندعو الناس إليه ونجاهدهم عليه هو دين الإسلام الذي أوجبه الله على عباده وهو حقه عليهم الذي خلقهم لأجله، فإن الله خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به في عبادته أحدا من المخلوقين لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهما
…
ونأمر بهدم القباب ونهدم ما بني على القبور، ولا يزاد القبر على شبر من التراب وغيره، ونأمر بإقام الصلاة جماعة في المساجد، ونؤدب من تخلف أو تكاسل عن حضورها وترك الحضور في المسجد ونلزم ببقية شرائع الإسلام كالزكاة والصوم والحج للقادر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وننهى عن الربا والزنا وشرب الخمر، والتتن، وعن لبس الحرير للرجال، وننهى عن عقوق الوالدين، وعن قطيعة الأرحام.
وبالجملة فإنا نأمر بما أمر الله به في كتابه، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وننهى عما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله، ولا نحرم إلا ما حرم الله، ولا نحلل إلا ما حلل الله، فهذا الذي ندعو إليه، ومن كان قصده الحق ومراده الخير والدخول فيه، التزم
1 "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"، ط 1، مطبعة المنار، مصر 1344 هـ، 3/367.
2 المرجع السابق 3/372، 373.
3 ولد الشيخ محمد في الرياض سنة 1282 هـ، وتوفي بها سنة 1367 هـ، تولى القضاء، ورحل إلى عسير داعيا إلى الله، وله مكتبة عظيمة. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 146، "علماء نجد" 3/849.
ما ذكرنا وعمل بما قررنا، فيكون له ما لنا وعليه ما علينا) 1. وقد جاء هذا المعتقد موجزا بعبارة جامعة، كما قال أحدهم:
(أن كل ما ثبت في الشريعة الإسلامية مما جاء عن الله ورسوله فهو مذهبنا، ومعتقدنا وديانتنا، سواء ذكرناه وصرحنا به أو لم نذكره، ولم نعالن به، وكل ما نفته الشريعة الإسلامية، فهو الذي ننفيه ونرفضه، لذلك فعلى كل من تروى له رواية عنا فليعرضها على كتاب الله وسنة رسوله فإن وافقتها فليعلم وليوقن بأنها رأينا ومذهبنا، وإن خالفتها فليوقن أننا نخالفها..)2.
وبهذا يعلم أن الشيخ الإمام وأتباعه - من بعده - يدعون إلى التمسك بمنهج السلف الصالح، سواء كان ذلك في العقائد، أو السلوك والشرائع، ويتحرون الرسائل والأسباب التي تحقق ذلك، ويفعلونها، ويحرصون كل الحرص على تنفيذ أوامر هذا الدين، والابتعاد عن نواهيه، وهم بذلك مقتدون ومتأسون برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
وأما الإشارة إلى آثار هذه الدعوة، فإنه لما كانت دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب هي دعوة لتجديد ما اندرس من عقيدة السلف الصالح، لذا حظيت تلك الدعوة بالقبول لها والتأثر بها من قبل كثير من علماء المسلمين والحركات الإصلاحية، والكثير من عامة المسلمين، وذلك لما تتميز به عقيدة السلف الصالح التي دعا إليها الشيخ الإمام من ميزات وخصائص توجب الاعتقاد بها والميل إليها من الوضوح والصفاء واليقين والثبات والآثار الفعلية الإيجابية والنتائج المحمودة الملموسة في واقع الحياة الدنيا، والنعيم السرمدي الأبدي في الحياة الآخرة. لقد عمت الدعوة وآثارها المباركة بلاد نجد، ثم امتدت إلى الحجاز، ثم سائر بلاد الجزيرة العربية، بل تجاوزت تلك البلاد.. فكان لها أتباع وأنصار في مختلف الأمصار، كالشام ومصر والعراق وبلاد المغرب، والهند، والكثير من الأقطار.
ولا تزال - إلى وقتنا الحاضر - آثارها ونتائجها علمية كانت أو عملية ناطقة بذلك، وشاهدة بصدق هذه الدعوة ووضوحها وسلامة منهجها، وستبقى هذه الدعوة - إن شاء الله - منصورة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
1 عبد الرحمن بن قاسم (جمع) ، "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" ط 2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1385 هـ، 1/290، 291 باختصار.
2 جريدة أم القرى، ع 130، مقال (البيان الفصل هذا آخر ما عندنا) .
ولقد أفاض الباحثون في الحديث عن أثر دعوة الشيخ الإمام على بلاد المسلمين وعلمائهم، وأثرها على الدعوات والحركات الإصلاحية، وألفت من أجل ذلك الرسائل والمصنفات في بيان آثارها وأصدائها، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره1.
ولكن من المناسب أن نورد بعض الأعلام الذين تأثروا بدعوة الشيخ الإمام، ممن لم يذكرهم هولاء الكتاب ضمن من تأثروا بهذه الدعوة، وذلك على حسب اطلاعنا. فيذكر المحامي عباس العزاوي من تأثر بدعوة الشيخ في العراق فيقول:
(وكان الأستاذ عبد العزيز بك بن عبد الله بك الشاوي2 ذهب إلى نجد للحج والمفاوضة مع آل سعود، فاقتنع بمذهبهم وحمله إلى العراق فصار داعيتهم، اقتنع بعد تجربة سنوات، فلم يكتف بالمظاهر والظواهر، وإنما خالط القوم حتى بلغ من المعرفة الصحيحة مبلغها، فاختار أن يكون عقيدته)3.
كما يذكر العزاوي من العلماء الذين تأثروا بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، الشيخ علي السويدي4 ووصفه العزاوي بأنه (عالم دعا إلى اتباع الحديث، وهذا عين مذهب السلف)5.
بل ذكر بعضهم أن الشيخ علي السويدي دعا والي بغداد سليمان باشا الصغير إلى الالتزام بهذه الدعوة6.
وممن تأثر بهذه الدعوة السلفية الشيخ أحمد بن محمد الكتلاني7 فألف رسالة بعنوان "الصيب الهطال في كشف شبه ابن كمال"8 حيث دافع عن دعوة الشيخ،
1 انظر على سبيل المثال: - عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي للعبود2/ 608 - 928. - الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في الدعوة للسكاكر، ص 209 - 260. - انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة لمحمد جمعة ص 63 - 238. - بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب (غالب الجزء الثاني) .
2 لم أعثر على ترجمته.
3 عباس العزاوي، ذكرى أبي الثناء الألوسي، شركة التجارة والطباعة، بغداد، 1377 هـ، ص 37.
4 هو علي بن محمد سعيد السويدي، محدث، مؤرخ، نسابة، أديب، ولد في بغداد، وتوفي بدمشق سنة 1237 هـ، له عدة تصانيف من أشهرها "العقد الثمين في بيان مسائل الدين". انظر:"المسك الأذفر" ص 140 "معجم المؤلفين" 7/200.
5 العزاوي، ذكرى أبي الثناء ص 37، 38 باختصار.
6 انظر: خليل مردم بك، "أعيان القرن الثالث عشر" ط 2، مؤسسة الرسالة بيروت 1977 م، ص 165.
7 لم أعثر له على ترجمة، وقد سألت الشيخ عبد الله الخليفي إمام الحرم المكي في شهر ذي القعدة 1406 هـ - لأنه قام بتصحيح كتاب "الصيب الهطال" للكتلاني - عن ترجمته، فلم أحصل على جواب.
8 مما يجدر ذكره أن هذا الكتاب طبع سنة 1385 هـ عن طريق المكتب الإسلامي في بيروت ضمن مجموعة كتب، وجعل عنوان هذا الكتاب "جواب الجماعة" وذكر الناشر أن مؤلفه مجهول. والله أعلم.
ورد الافتراءات والشبهات المثارة ضد هذه الدعوة، وساق الأدلة والبراهين الواضحة التي تؤكد وتقرر أن دعوة الشيخ الإمام هي دعوة لمذهب أهل السنة والجماعة.
كما تأثر بهذه الدعوة، الشيخ محمد بن ناصر الشريف التهامي اليمني، أحد تلاميذ الإمام محمد بن علي الشوكاني، حتى إنه ألف كتابا في الرد على دعاوى داود بن جرجيس1 التي رمى بها دعوة الشيخ، وجعل داود تلك الدعاوى الكاذبة في كتاب سماه "صلح الإخوان"2 فأجابه التهامي بكتاب سماه "إيقاظ الوسنان على بيان الخلل الذي في صلح الإخوان"3 فند فيه دعاوى ابن جرجيس، وأظهر صدق الشيخ الإمام، ودافع عن عقيدة السلف، وسنورد بعض ردوده في ثنايا أبواب هذه الرسالة.
وتأثر بهذه الدعوة الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين الهندي4 ودافع عنها، ورد على خصومها، فرد على دحلان وأبطل دعاويه بكتاب سماه "الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين".
وتأثر الأستاذ صالح بن دخيل الجار الله5 بهذه الدعوة فسعى إلى نشرها، والرد على خصومها، وقد كتب مقالا مفصلا في مجلة المقتطف، بيّن حقيقة دعوة الشيخ، ورد على مقالة القس زويمر6 التي كتبها عن الوهابية، ووضح الأستاذ صالح ما في مقالة زويمر من الاضطراب والتضليل، فكان مما كتبه رحمه الله:
(واضطرب الناس في الوهابية اضطرابا شديدا لعدم تحقيق أحوالهم، فالناس فيهم ما بين قادح ومادح، فمنهم من جعلهم كالروافض والخوارج والبابية. والحق أنهم
1 هو داود بن سليمان البغدادي النقشبندي، ولد وتوفي فى بغداد (1231-1299هـ) ، انتقل إلى نجد، ودرس عند الشيخ أبي بطين، وله كتب ضد الدعوة السلفية. انظر: ذيل المسك الأذفر ص 459، الأعلام 2/332.
2 وعنوان الكتاب كاملا: "صلح الإخوان من أهل الإيمان وبيان الدين القيم في تبرئة ابن تيمية وابن القيم" وهو كتاب مطبوع سنة 1306 هـ في مطبعة نخبة الأخبار، بمبي (الهند) .
3 وبعضهم يسمي هذا الكتاب: "فتح المنان في ترجيح الراجح وتزييف الزائف من صلح الإخوان". وتوجد لهذا الكتاب نسخة خطية بجامعة الملك سعود.
4 لم أعثر له على ترجمة، ويبدو أنه كان معاصرا للشيخ ابن سحمان، كما هو ظاهر في مقدمة كتاب "البيان المجدي" لابن سحمان.
5 لم أعثر له على ترجمة بهذا الاسم، وإنما ذكره البسام في "علماء نجد" 1/282، 296 باسم جار الله الدخيل - وهو عم سليمان بن صالح الدخيل الآتي ذكره وكان جار الله الدخيل وكيلا لإمارة ابن رشيد في بغداد، ويبدو أن الاسم الصحيح هو ما ذكرناه بدليل ما كتب في خاتمة كتاب "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ط 1، 1319 هـ: (تم طبع الكتاب
…
على نفقة الشيخ صالح بن دخيل الجار الله) ، ص 220.
6 انظر ملخص مقالته: مجلة المقتطف، مجلد 27، ص 295.
متبعون للسنة لا غالون ولا جافون، حتى إني اجتمعت بكثير من مثل هؤلاء بالشام ومصر والعراق سنة 1318 هـ، وبينت مأخذهم ومعتقدهم ومذاهبهم، فأذعنوا لذلك، ووافقوا عليه، وقالوا إنه الحق، وطلبوا كتابا يطبع من تآليفهم يزيل ما لبس على كثير منهم، فإن بعض السياح يجهل حقيقة حالهم. ولا عبرة ببعض العوام الجهال، فطبعت في أواخر رجب سنة 1319 هـ كتاب "توضيح توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب". فانتشر في الآفاق وتلقاه أهل الإنصاف بالقبول والوفاق لأنه كتاب وحيد في فنه يحتاج إليه المبتدي ولا يستغنى عنه المنتهي، وحقيق أن تشد إليه الرواحل وتقطع دون الوصول إليه المنازل
…
) 1.
وألف الشيخ سليمان بن صالح الدخيل2 رسالة بعنوان "حقيقة المذهب الوهابي"3 يقول د. محسن غياض عجيل عن هذه الرسالة:
(وهي رسالة صغيرة في بيان حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والدفاع عنها، ورد ما لفقه خصومها عنها، وقد أوقف الأستاذ الدخيل كثيرا من وقته وجهده ليشرح للعراقيين خاصة وللناس عامة حقيقة تلك الدعوة وما تهدف إليه)4.
ودافع الشيخ محمود شويل5 عن دعوة الشيخ الإمام، فرد على أحد خصوم هذه الدعوة، وهو المدعو محمد البكري أبو حراز السوداني حيث ألف هذا الجاهل رسالة سماها "الوهابية المهزومة"، وكان رد الشيخ محمود شويل بعنوان "القول السديد في قمع الحرازي العنيد"، وقد كشف شويل عن ضلالات الحرازي، وأبان الحق بأدلته، وقرر بمختلف البراهين صحة هذه الدعوة، كما رد على شبهات الخصم وفندها.
هذه أمثلة معدودة لبعض الأشخاص الذين تأثروا بهذه الدعوة السلفية وكان لهم جهود فعالة في نصرة هذه الدعوة.
1 انظر ملخص مقالته: مجلة المقتطف، مجلد 27، ص 893.
2 الشيخ سليمان بن صالح الدخيل، ولد في بريدة سنة 1290 هـ، له مؤلفات كثيرة. كتب في التاريخ، ومارس الصحافة، وأصدر بعض الصحف، توفي في بغداد فقيرا سنة 1364 هـ. انظر ما كتبه محسن عجيل في كتابه عن "الصحفي المؤرخ سليمان الدخيل" و "علماء نجد" 1/282.
3 طبعت في بغداد سنة 1332 هـ، وهو أول موضوع كتبه الشيخ سليمان الدخيل عن نجد في مجلة لغة العرب. انظر: كتاب عجيل - السابق ذكره، ص 21.
4 د. محسن العجيل، الصحفي المؤرخ النجدي سليمان بن صالح الدخيل، ط 1، مركز دراسات الخليج، البصرة، 1982 م، ص 21.
5 محمود شويل المدني، ولد وتوفي بالمدينة (1302-1372 هـ) ، درّس في الحرمين وسافر إلى بلدان عديدة، له مؤلفات، انظر "الأعلام" 7-174.
ومما يجدر التنبيه عليه هاهنا أن نشير إلى ما ذكره الدكتور صالح العبود حول ما يقال من تأثر بعض الحركات والدعوات الإصلاحية والشخصيات الإسلامية بدعوة الشيخ الإمام مثل الحركة السنوسية في ليبيا، والحركة المهدوية في السودان ونحوهما، ومثل الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال وغيرهم.
يقول الدكتور العبود عن دعوى تأثر تلك الحركات والشخصيات بدعوة الشيخ الإمام:
(كل ذلك يحتاج إلى دقة وتحقيق ودليل يثبت أن هذه الدعوات والحركات تأثرت بعقيدة الشيخ وحركته ودعوته وقيام أنصاره.
والحقيقة أن هذه الدعوات والحركات النابعة من أهلها، وهم بأنفسهم لا يذكرون أنهم من أتباع الشيخ ولا أنهم تتلمذوا عليه أو قرأوا كتبه ومؤلفاته وأرادوا تطبيقها) 1.
ويسوق العبود أمثلة في إثبات ما ذكره، فيورد الأدلة على اختلاف الحركة السنوسية2 والثورة المهدوية عما دعا إليه الشيخ الإمام، وغيرهما من الحركات والثورات.
ومن هذه الأمثلة التي ذكرها العبود موضحا عدم تأثر بعض الشخصيات الإسلامية بدعوة الشيخ رحمه الله، ما أورده الإمام محمد عبده في رسالة التوحيد التي ألفها، فهو لم يورد توحيد العبادة الذي هو أول واجب على كل مكلف، يقول العبود - عقب ذلك -:
(وقد استدرك عليه تلميذه محمد رشيد رضا فقال: فات الأستاذ أن يصرح بتوحيد العبادة، وهو أن يعبد الله وحده ولا يعبد غيره بدعاء ولا بغير ذلك مما يتقرب به المشركون إلى ما عبدوه معه من الصالحين والأصنام. وهذا التوحيد هو الذي كان أول ما يدعو إليه كل رسول قومه بقوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} 3.
وقال شيخنا محمد خليل هراس: (وقد غلط الشيخ عبده في اعتباره توحيد الربوبية والانفراد بالخلق هو الغاية العظمى من بعثة الرسل
…
1 د. صالح العبود "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، 2/918-920 باختصار.
2 د. صالح العبود "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، 2/920، 921 ويبدو أن الشيخ العبود خلط بين صاحب الحركة السنوسية المشهورة، وبين السنوسي صاحب العقيدة المعروفة بـ (أم البراهين) ، فالأول هو محمد بن علي السنوسي (ت 1202 هـ) والآخر هو محمد بن يوسف السنوسي (ت 895 هـ) ، حيث ظن العبود أنهما شخص واحد.
3 سورة الأعراف آية: 59.
ولعل فضيلة الشيخ عبده في هذا كان متأثر بالأشعرية الذين جعلوا الانفراد بالخلق هو أخص خصائص الإلهية، واهتموا في كتبهم بإقامة البراهين على هذا النوع من التوحيد دون أن يشيروا إلى توحيد الإلهية
…
) 1.
ويبدو أن أحد الدوافع التي جعلت أولئك الكتاب يدّعون تأثر مثل تلك الحركات والشخصيات بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو وجود أحد أوجه التشابه بين دعوة الشيخ وبين تلك الدعوات، ثم يحاولون عندئذ التوصل إلى إثبات هذا التأثر، فبمجرد أنهم عثروا على صفة جزئية تكون موجودة ومشتركة في كل من دعوة الشيخ وتلك الحركات حتى يحكموا بهذا التأثر، دون النظرة الشاملة لمنهج تلك الدعوات ومدى تأثره حينئذ بمنهج دعوة الشيخ الإمام رحمه الله.
فمثلا دعوة الأستاذ محمد عبده هاجمت التصوف، مثلما هاجمته - من قبل دعوة الشيخ رحمه الله، ولكن شتان بين منهج كل منهما في ذلك الهجوم. يقول د. محمد محمد حسين مشيرا إلى الخلط بين المنهجين:
(حتى خلطوا بهم كل من دعا بهذه الدعوة (أي مهاجمة التصوف) واعتبروه منهم، غافلين عن أن التصوف يمكن أن يهاجم من منطلقين مختلفين من منطلق سلفي يهاجم الابتداع، ومن منطلق علماني ينكر الغيبيات ويخضعها للتفكير الحر، ومن هذا المنطلق خلطوا بين الأفغاني ومحمد عبده وبين محمد بن عبد الوهاب) 2.
1 د. صالح العبود "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، 2/924، 925 باختصار.
2 محمد محمد حسين، "دعوة الإمام بين التأييد والمعارضة"، (مع بحوث أسبوع الشيخ) ، الرياض 1400 هـ، ص 5 باختصار.
دراسة استقرائية مجملة لمؤلفات المناوئين مع موقف علماء الدعوة من هذه المؤلفات المناوئة
يلاحظ الباحث من خلال اطلاع سريع على تاريخ الدعوة أن هذه الدعوة واجهتها معارضة قوية ضارية، وكانت إما معارضة سياسية من جهة الأمراء والحكام، وإما معارضة علمية من جهة العلماء و (المطاوعة) ، بل كان هناك ما يشبه التعاضد والتكاتف بين المعارضتين السياسية والعلمية، كما يبدو في المعارضة الشديدة الطويلة الأمد من دهام بن دواس1 أمير الرياض ضد هذه الدعوة السلفية، ومعه الخصم العنيد والعدو اللدود لهذه الدعوة، هو سليمان بن سحيم2 مطوع الرياض.
ويبدو هذا التعاضد أيضا، في معارضة سليمان بن عريعر3 أمير الإحساء لعثمان بن معمر4 أمير العيينة حين آزر الشيخ الإمام في بداية دعوته، وتهديده بقطع معونته الاقتصادية، فقد عزز هذه المعارضة، ما فعله محمد بن عفالق5 أحد علماء الإحساء، حيث كتب رسالة لابن معمر، ثم تلاها برسالة أخرى6 يحرضه ضد هذه الدعوة، ويشككه فيها، ويورد الشبهات والدعاوى التي يحاول ابن عفالق بواسطتها إقناع ابن معمر بالتخلي عن هذه الدعوة، والتخلص من صاحبها، وقد
1 هو دهام بن داوس بن عبد الله، عرف بالطغيان والظلم والجبروت، وقد استكبر وتصدى لعداوة هذه الدعوة السلفية سبعا وعشرين سنة (1160-1187هـ) ثم هرب إلى الإحساء، وتوفي بها. انظر: ترجمته - كما جاءت في تعليق الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ على كتاب "لمع الشهاب"، ص 34.
2 هو سليمان بن أحمد بن سحيم العنزي، وهو خصم شديد العداوة للدعوة السلفية، وبذل وسائل عديدة في التشنيع بها وتحريض العلماء في الرد عليها، ولد سنة 1130 هـ، وتوفي في الزبير سنة 1181 هـ.
3 هو سليمان بن محمد بن عريعر، وكان رئيس بني خالد، وامتد سلطانه إلى كثير من البلاد المجاورة للإحساء، ومدة سلطنته سبع عشرة سنة توفي سنة 1266 هـ في الخرج من أرض نجد. انظر:"تحفة المستفيد" ص 124، "لمع الشهاب" ص 167.
4 هو عثمان بن حمد بن معمر، تولى إمارة العيينة سنة 1142 هـ، وقد نصر دعوة الشيخ في أول الأمر، ثم تخلى عنه، قتل سنة 1163 هـ. انظر: عنوان المجد 1/ 22- 39.
5 هو محمد بن عبد الرحمن بن عفالق الحنبلي، ولد وتوفي في الإحساء (1100-1164هـ) له مؤلفات في الفقه والفلك، كما أن له مؤلفات ضد الدعوة السلفية - سيأتي بيانها - لم يذكرها ابن حميد في السحب، ولا البسام، ولا صاحب "تحفة المستفيد". انظر:"السحب الوابلة" ص 719 وهو مقال في مجلة العرب بتحقيق حمد الجاسر، س 12، ج 9، 10، ص 641-836، "تحفة المستفيد" ص 396، "علماء نجد" 3/818.
6 وهما رسالتان خطيتان حصلت على صورة منهما عن طريق مكتبة الدولة في برلين بألمانيا.
نجحت مساعيهم في ذلك، وتخلى ابن معمر عن الشيخ الإمام، فغادر العيينة متوجها إلى الدرعية كما هو معلوم.
لقد تعددت أوجه هذه المعارضة، وتنوعت سبل المناهضة والعداء، واستنفد الخصوم الكثير من الوسائل والطرق من أجل محاربة هذه الدعوة والقضاء عليها.
وما كتابة المؤلفات والرسائل ضد هذه الدعوة السلفية ومجددها إلا أسلوب من أساليب إعاقة هذه الدعوة والطعن فيها.
وحين نحاول الكشف عن أبعاد هذه المعارضة ومدى حجمها، فإننا نبين - بإيجاز - حال المعارضة في بلاد نجد أثناء ظهور دعوة الشيخ الإمام1 وما نتج عن تلك المعارضة المحلية من انتشار واتساع في مكائدها ومطاعنها إلى مختلف البلاد والأمصار.
يصور ابن غنام2 - المؤرخ الأول لهذه الدعوة - شدة المعارضة وصلابتها، فلما أورد ما فعله الشيخ ومعه ابن معمر في العيينة من هدم القباب وقطع الأشجار التي يتبرك بها، ذكر موقف المعارضين فقال رحمه الله:
(فأخذوا في رده والإنكار عليه وأتوا بأعظم الأسباب، وزجوا الخلق في لجة الضلال والارتياب، وضجوا على كلمة الحق بالتكذيب والإكذاب.
وأشر الناس والعلماء إنكارا عليه، وأعظم تشنيعا وسعيا بالشر إليه سليمان بن سحيم وأبوه محمد، فقد اهتم في ذلك وأنجد وجد في التحريش عليه والتحريض، وأرسل بذلك إلى الإحساء والحرمين والبصرة، فلم ينل من مراده سوى الخزي والعارة والحسرة، ولقد كاد وشنع وعادى وحشر علماء السوء ونادى وكذب عليه وبهت وزور، فقاموا معه فورا بالإنكار، وأفتوا للحكام والسلاطين بأن القائم بدعوة التوحيد خارجي.
وصنفوا المصنفات في تبديعه وتضليله وتغييره للشرع النبوي وتبديله وتجهيله
1 كتب الأستاذ محمد النويصر رسالة ماجستير بعنوان المعارضة المحلية في نجد لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، منذ ظهورها حتى سقوط الدرعية 1234 هـ (غير منشورة) ، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود.
2 هو حسين بن أبي بكر ابن غنام، ولد في المبرز بالإحساء، وانتقل إلى الدرعية ودرّس بها، وله مؤلفان:"العقد الثمين"، و "تاريخ نجد"، وله قصائد شعرية في الدفاع عن الدعوة السلفية، توفي سنة 1225 هـ في الدرعية. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 185.
وسطروا فيها الجزم بكفره وبطلان حجته ودليله1.
ويذكر الدكتور عبد الله العثيمين عددا - تقريبيا - لأولئك الخصوم في نجد آنذاك، وتنوع مواقفهم فيقول:
(واضح من رسائل الشيخ (الشخصية) أن دعوته لقيت معارضة شديدة من قبل بعض علماء نجد، فالمتتبع لها يلاحظ أن أكثر من عشرين عالما أو طالب علم وقفوا ضدها في وقت من الأوقات، ويأتي في مقدمة هؤلاء المعارضين عبد الله المويس2 من حرمة، وسليمان بن سحيم من الرياض، ويستفاد من هذه الرسائل أن معارضي الشيخ من النجديين كانوا مختلفي المواقف، فمنهم من عارضه واستمر في معارضته مثل المويس، ومنهم من كان يعترف في بداية الأمر بأن ما جاء به الشيخ أو بعضه حق، لكنه غيّر موقفه مع مرور الزمن مثل ابن سحيم، ومنهم - أيضا - من كان متأرجحا في تأييده ومعارضته مثل عبد الله بن عيسى3) 4.ويتحدث العثيمين عن أبرز أوجه كيد المعارضة النجدية، فيقول:
(تبين "الرسائل الشخصية للشيخ الإمام" أن نشاط المعارضة النجدية كان مختلف الجوانب، وفي مقدمة أوجه ذلك النشاط الكتابة ضدها والمتأمل في هذه الرسائل يرى كثرة تلك الكتابة، وإن كان من المتوقع أن أغلبها لم يكن طويل المحتوى.
الوجه الثاني من أوجه نشاط المعارضة النجدية: مجادلة ابن إسماعيل جماعة الشيخ في ثرمداء، ومجادلة سليمان بن سحيم لابن صالح في مجلس الشيوخ في الرياض.
الوجه الثالث: الاتصال بالعلماء وذوي النفوذ خارج نجد وتحريضهم ضد الشيخ ودعوته، مثل إرسال ابن سحيم كتابا إلى العلماء خارج نجد وشكواه له عند أهل
1 روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد وغزوات ذوي الإسلام، ط 1، المكتبة الأهلية بالرياض، ص 31 باختصار.
2 هو عبد الله بن عيسى الشهير بالمويس، ولد في حرمة بنجد، وطلب العلم في الشام، وكان خصما شديدا للدعوة السلفية، توفي بحرمة سنة 1175 هـ. انظر:"السحب الوابلة" ص 692، "علماء نجد" 2/604.
3 لم أعثر له على ترجمة، وإنما الذي يعرف من الرسائل الشخصية للشيخ الإمام، أن عبد الله بن عيسى هو قاضي الدرعية ومطوعها، وأنه كان عالما كبيرا، بدليل قول الشيخ (إن عبد الله بن عيسى ما نعرف في علماء نجد ولا غيره أجل منه) 5/187، وكان الشيخ الإمام قد بعث إليه عدة رسائل. انظر: مجموعة الشيخ 5/240، 276، 280، 304، 314.
4 الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ضمن بحوث أسبوع الشيخ) ، مركز البحوث بجامعة الإمام، 1403 هـ 1/108، 109.
الحرمين، وقد ركب المويس وخواص أصحابه إلى أهل الكواز وقبة رجب يخبرونهم بإنكار الشيخ لما هم عليه، ويستثيرونهم ضده، كما ركب المويس مع ابن ربيعة وابن إسماعيل1 إلى أهل قبة أبي طالب وأغروهم بعدم اتباع الشيخ.
وواضح أن الاتحاد إلى الاستنجاد بالخارج يعكس إدراك المعارضين النجديين لضعفهم أمام دعوة الشيخ وفشلهم في إيقافها.
الوجه الرابع من وجوه نشاط المعارضين المحليين: ترويج الكتب التي ألفها علماء غير نجديين ضد الدعوة بين الناس، كما روج المويس وابن عبيد كتاب القباني البصري2 وكما روج المويس وابن إسماعيل كتاب ابن عفالق34.
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا وبيانا لبعض مكائد الخصوم وتكالبهم ضد هذه الدعوة السلفية بمختلف السبل، فإننا نورد بعض النقول المختارة من الرسائل الشخصية للشيخ الإمام، والتي تكشف عن ضخامة الكيد والعداء من قبل بعض علماء نجد ومطاوعتهم ضد هذه الدعوة الصادقة، كما تكشف عن حجم المعاناة ومقدار المشقات التي تجشمها الشيخ في سبيل دعوته.
ففي رسالته لأهل القصيم يشير الشيخ إلى كيد سليمان بن سحيم فيقول:
(وبلغني أن رسالة ابن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى علي أمورا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي)5.
ويورد الشيخ في رسالته لابن عباد6 مطوع ثرمداء بعضا من مناهضة الخصوم في نجد ضد الدعوة السلفية فيقول:
1 ابن إسماعيل وابن ربيعة وابن عبيد - كما هو الظاهر من هذا النص من خصوم الشيخ، وممن وقفوا ضد هذه الدعوة. انظر توضيح ذلك: مجموعة الشيخ 5/20، 26، 27، 167، 205، 300.
2 سيأتي الحديث عن هذا الكتاب.
3 سيأتي الحديث عن هذا الكتاب.
4 الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ضمن بحوث أسبوع الشيخ) 1/111-113.
5 مؤلفات الشيخ 5/11.
6 هو محمد بن عباد الدوسري، ولد في البير إحدى قرى المحمل، ثم انتقل إلى حوطة سدير، وقرأ على علمائها، وصار قاضيا فى ثرمداء، وتوفي بها سنة 1175 هـ. انظر:"علماء نجد" 3/812.
(وكذلك أحمد بن يحيى1 راعي رغبة عداوته لتوحيد الألوهية والاستهزاء بأهل العارض لما عرفوه، وإن كان يقر به أحيانا عداوة ظاهرة
…
وكذلك ابن إسماعيل أنه نقض ما أبرمت في التوحيد، وتعرف أن عنده الكتاب الذي صنفه رجل من أهل البصرة2 كله من أوله إلى آخره في إنكار توحيد الألوهية، وأتاكم به ولد محمد بن سليمان3 راعي وثيثيه، وقرأه عندكم وجادل به جماعتنا، وهذا الكتاب مشهور عند المويس وأتباعه مثل ابن سحيم وابن عبيد يحتجون به علينا ويدعون الناس إليه..
وكذلك ما أتاهم كتاب ابن عفالق الذي أرسله المويس لابن إسماعيل، وقدم به عليكم العام4 وقرأه على جماعتكم يزعم فيه أن التوحيد دين ابن تيمية..) 5.
وفي رسالة لابن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول الشيخ بعبارة مؤثرة:
(فلما أظهرت تصديق الرسول فيما جاء به سبوني غاية المسبة وزعموا أني أكفر أهل الإسلام وأستحل أموالهم)6.
ويصف الشيخ عداوة الخصوم وفتنتهم في رسالته للسويدي، فيقول رحمه الله:
(ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس وكبرت الفتنة وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله..)7.
ويهاجم الشيخ الإمام بعض خصومه الألداء كابن سحيم، ويصفه بما يناسب حاله وواقعه فقال رحمه الله:(لكن البهيم "سليمان بن سحيم" لا يفهم معنى العبادة)8.
ثم يقول: (فيا سبحان الله ما من عقولهم تفهم أن هذا الرجل من البقر، التي لا تميز بين التين والعنب)9.
ويذكر الشيخ في رسالته لعبد الرحمن بن ربيعة10 مطوع ثادق بعضا من أفاعيل المعارضين، في صد الناس عن هذه الدعوة، فقال الشيخ رحمه الله:
1 هو من خصوم دعوة الشيخ -كما هو الظاهر من هذا النص وغيره- ولم أعثر له على ترجمة.
2 يعني به: أحمد بن علي البصري الشهير بالقباني.
3 هو من خصوم دعوة الشيخ - كما هو الظاهر من هذا النص وغيره - ولم أعثر له على ترجمة.
4 يعني: العام الماضي.
5 مؤلفات الشيخ 5/20 باختصار يسير.
6 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/26.
7 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/36، 37.
8 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/90، 91.
9 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/90، 91.
10 لم أعثر له على ترجمة.
(فهذه خطوط المويس، وابن إسماعيل، وأحمد بن يحيى عندنا في إنكار هذا الدين والبراء منه، وهم الآن مجتهدون في صد الناس عنه، فإن استقمت على التوحيد وتبينت فيه، ودعوت الناس إليه، وجاهرت بعداوة هؤلاء خصوصا ابن يحيى؛ لأنه من أنجسهم وأعظمهم كفرا، وصبرت على الأذى في ذلك فأنت أخونا وحبيبنا)1.
ويورد الشيخ في رسالته لأحمد بن إبراهيم2 مطوع مرات نصا مهما يتضمن بعض مطاعن الخصوم من نجد وغيره، وشيئا من شبهاتهم، وما كانوا عليه من حرص على عداوة الدعوة السلفية، يقول رحمه الله:
(وقد صرحوا - أي علماء الحرمين - أن من أقر بالتوحيد كفر، وحل ماله ودمه، وقتل في الحل والحرم. ويذكرون دلائل على دعاء الأولياء في قبورهم، منها قوله تعالى:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِم} 3 فإن كانت ليست عندك، ولا صبرت إلى أن تجيء، فأرسل إلى ولد محمد بن سليمان في وشيقر ولسيف العتيقي4 يرسلونها إليك. وجاءنا بعض المجلد الذي صنفه القباني، واستكتبوه أهل الحسا، وأهل نجد، وفيه نقل الإجماع على تحسين قبة الكواز وأمثالها، وعبادتها، وعبادة سية طالب، ويقول في تصنيفه إلا ابن تيمية وابن القيم وعشرة أنا عاشرهم فالجميع اثنا عشر، فإذا كان يوم القيامة اعتزلوا وحدهم عن جميع الأمة
…
، وأيضا مكاتيب أهل الحسا موجودة، فأما ابن عبد اللطيف5 وابن عفالق وابن مطلق6 فحشوا بالزبيل أعني سبابة التوحيد واستحلال دم من صدق به أو أنكر الشرك) 78.
ومع شدة هذه الخصومة وضراوتها، وشناعة هذا العناد، واستمراره إلا أن الشيخ
1 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/167.
2 لم أعثر له على ترجمة.
3 سورة الزمر آية: 34.
4 هو سيف بن أحمد العتيقي، ولد في حرمة بسدير، وانتقل إلى الإحساء وتوفي بها سنة 1189 هـ، وقد جمع الردود التي رد بها على الشيخ الإمام، فبلغت سفرا ضخما وهي التي يقصدها الشيخ الإمام هاهنا. انظر:"السحب الوابلة" ص 671، "علماء نجد" 1/327.
5 هو عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الإحساني، وهو أحد شيوخ الشيخ الإمام في الإحساء، وقد راسله الشيخ ودعاه إلى الحق، ولكنه أعرض وألف رسالة ضد الشيخ. انظر "الدرر السنية" 9/216.
6 لم أعثر له على ترجمة.
7 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/205، 206 باختصار.
8 اعتنى الشيخ الإمام بمراسلة مطاوعة بلدان نجد، كما هو بيّن جلي في تلك النصوص التي نقلناها، وغيرها، وكان يورد في رسائله كثيرا من الحجج المقنعة في إثبات صدق دعوته، وقد أشار الشيخ في إحدى رسائله إلى مدى أثر المطاوعة في بعض بلدان نجد فقال:(إذا كان أهل الوشم وأهل سدير وغيرهم يقطعون أن كل مطوع في قرية لو ينقاد شيخها ما منهم أحد يتوقف) مجموعة الرسائل 5-207.
رحمه الله قد كان حريصا على هداية أولئك الخصوم، فيبذل الأسباب والوسائل لتحقيق ما يؤدي إلى استقامتهم والتزامهم بمتابعة الحق المؤيد بالدليل، ويظهر اللين والتلطف معهم، كما هو واضح في رسالته لشيخه عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف أحد علماء الإحساء، حيث يخاطبه فيقول:
(فإني أحبك وقد دعوت لك في صلاتي، وأتمنى من قبل هذه المكاتيب أن يهديك الله لدينه القيم، وما أحسنك لو تكون في آخر هذا الزمان فاروقا لدين الله)1.
وهذا الشيخ المخاطَب قد ألف رسالة في الرد على الشيخ الإمام، سماها "سيف الجهاد لمدعي الاجتهاد"2. ويخاطب الشيخ عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى فيقول:
(فإن كان إني أدعو لك في سجودي، وأنت وأبوك أجل الناس إلي وأحبهم عندي
…
) 3.
ومع ذلك فقد عانى الشيخ الإمام من الشيخ عبد الوهاب وأبيه معاناة شديدة، وأصابه منهما هم وغم كما هو مذكور في بعض رسائله4.
ويصف الشيخ الإمام محمد بن فيروز5 - أثناء رسالته لأحمد بن إبراهيم مطوع مرات - فيقول رحمه الله:
(ولكن تعرف ابن فيروز أنه أقربهم إلى الإسلام، وهو رجل من الحنابلة وينتحل كلام الشيخ "ابن تيمية" وابن القيم خاصة
…
) 6.
ولكن هذا الخصم -محمد بن فيروز- قد بلغت محاربته ومناهضته لهذه الدعوة حدا لا يوصف، لذا مدحه أحد خصوم هذه الدعوة وهو الحداد7 حيث قال مادحا لابن فيروز:
1 "الدرر السنية" 1/32.
2 انظر "مصباح الأنام" للحداد ص 3.
3 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/280.
4 انظر مجموعة مؤلفات الشيخ 5/280، 314، 315.
5 هو محمد بن عبد الله بن فيروز، من أهل نجد أصلا، ولد في الإحساء سنة 1142 هـ، مهر في عدة فنون، وله كثير من الشيوخ والتلاميذ، توفي في البصرة سنة 1216 هـ. انظر:"السحب الوابلة" ص 721، "علماء نجد" 3/882.
6 مجموعة مؤلفات الشيخ 5/206.
7 هو علوي بن أحمد بن الحسن الحداد، من أهل حضرموت، له عدة مؤلفات، توفي سنة 1232 هـ. انظر:"الأعلام" 4/249.
(ولله در الشيخ محمد بن عبد الله بن فيروز الحنبلي لما قام مجتهدا ابتغاء مرضاة الله في إطفاء بدعة هذا الخبيث، كلما رأى وجها لبعض أهل المذاهب الأربعة، تبع ذلك الوجه إذا كان مخالفا لما يعلمه أو يقوله ابن عبد الوهاب البدعي)1.
وبلغ من كيد ابن فيروز أنه - كما قال ابن حميد2 في "السحب الوابلة"3 (كاتب السلطان عبد الحميد خان يستنجده على قتال البغاة الخارجين بنجد)4.
ويصل بابن فيروز الإسفاف وشناعة السباب وبذاءة اللسان لدرجة أنه كتب تقريظا لرسالة تلميذه عبد الله بن داود5 - أحد أفراخ ابن فيروز وواحد من خصوم الدعوة السلفية -، وتضمن تقريظه ما ذكره مسعود الندوي6 رحمه الله حيث قال:
(وفي بداية هذا التقريظ، يبصر القارئ العبارة التالية، ولعله يذوب حياء لمجرد رؤيتها، ولكن نقل الكفر ليس بكفر فاضغط على قلبك واقرأ: ".. بل لعل الشيخ - يعني عبد الوهاب - غفل عن مواقعة أمه - يعني محمد بن عبد الوهاب - فسبقه الشيطان إليها فكان أبا لهذا المارد
…
إلخ" إنا لله وإنا إليه راجعون - وهل يستطيع كبار المقذعين أن ينحطوا إلى هذا المستوى من الإقذاع) 7.
من خلال ما سبق يتضح - إجمالا - شدة كيد الخصوم وقوة المعارضة في بلاد نجد وتنوع أساليبها، وتعدد وسائلها، وذلك أثناء ظهور دعوة الشيخ الإمام
1 "مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي التي أضل بها العوام"، المطبعة العامرة، مصر، 1325 هـ، ص 60.
2 هو محمد بن عبد الله بن حميد، ولد في عنيزة سنة 1232هـ، وكان إمام المقام الحنبلي في مكة، وقد برع في عدة علوم، إلا أنه كان خصما ضد هذه الدعوة السلفية، توفي في مكة سنة 1295هـ. انظر ترجمته: في مجلة العرب ج 9، 10، س 12، ص 642، "علماء نجد" 3/862.
3 هو كتاب "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة"، ولا يزال في حكم المخطوط، وقد ذكر مؤلفه تراجم الحنابلة من حيث وقف ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" سنة 751 هـ، وقد أعرض عن تراجم أئمة الدعوة - غالبا - بل طعن فيهم..- كما سيأتي موضحا -. انظر: مجلة العرب - الجزء السابق ذكره - ص 648.
4 مجلة العرب ج 9، 10، س 12، ص 723.
5 هو عبد الله بن داود الزبيري، ولد في الزبير، ورحل إلى الإحساء وتعلم بها، له مؤلفات، منها كتاب ضد هذه الدعوة السلفية بعنوان:"الصواعق والرعود"، توفي سنة 1225 هـ. انظر:"السحب الوابلة" ص 687، "علماء نجد" 2-539.
6 مسعود الندوي (1328 هـ - 1373 هـ) ، باحث إسلامي وداعية كبير إلى الإسلام واللغة العربية، له عدة كتب. انظر:"الأعلام" 7-221.
7 "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه"، ترجمة عبد الحليم البستوي، من مطبوعات جامعة الإمام، 1404 هـ، ص 170، 171.
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
وهذا البيان الموجز لموقف الخصوم من العلماء والمطاوعة في نجد أثناء ظهور دعوة الشيخ، هو بمثابة المثال الذي يعطي صورة تقريبية لسعة المعارضة عموما وقوة نفوذها في مختلف البلاد.
وناسب - عقب ذلك - أن نذكر بعض ما سطره وكتبه الخصوم من الرسائل والمؤلفات ضد هذه الدعوة، مع مراعاة الترتيب الزماني - حسب وفيات أولئك العلماء -، وكذلك مع مراعاة الترتيب المكاني - حسب القرب من موطن هذه الدعوة -، وكل ذلك قدر المستطاع، وقد نشير لبعض أسماء الخصوم ممن عادى هذه الدعوة، ولكن لم يصل إلينا شيئ مما كتبوه، نظرا لما لهم من أثر في غيرهم بتأليف ما يعارض الدعوة، أو لاتصال جهودهم وارتباطها بمن ألّف وصنف ضد هذه الدعوة.
فممن عارض دعوة الشيخ الإمام وناصبها العداء في بلاد نجد أثناء ظهور الدعوة، عبد الله بن أحمد بن سحيم1 (ت 1175 هـ) ، وهو من بيت آل سحيم الذي يضم أكثر من خصم حارب الدعوة السلفية، ولكن المذكور -كما يقول البسام- (أخف عشيرته معاداة ومجابهة للدعوة السلفية)2.
ومن أشد خصوم هذه الدعوة وأكثرهم عنادا ومناهضة، عبد الله بن عيسى المويس (ت 1175 هـ) ، ومعاداته وخصومته ظاهرة جلية - من خلال رسائل الشيخ والتي أشرنا إلى بعض منها.
يقول ابن حميد في "السحب الوابلة"(وكان ممن أنكر على ابن عبد الوهاب وعلى أتباعه في ابتداء دعوتهم)3. وقد جاهر عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عدوان4 (ت 1179 هـ) بالعداوة للشيخ، (فألف رسالة في نحو ثمانية كراسات من القطع الصغير رد بها على الشيخ
1 هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن سحيم، ولد في المجمعة، وقرأ على علماء سدير، وصار قاضيا على بلدان سدير، وقد كتب له الشيخ الإمام رسالتين مجيبا فيهما على شبهات المويس وسليمان بن سحيم. انظر:"علماء نجد" 2-512، "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/ 62، 130.
2 "علماء نجد" 2/512.
3 ص 692.
4 ولد ابن عدوان فى قرية أثيثية بالوشم، قرأ فى عدة علوم، وله نظم، وبعض الرسائل، توفي بعد رجوعه من المدينة عند واد يقال له العظيم. انظر:"السحب الوابلة" ص 681، "علماء نجد" 2/473.
محمد بن عبد الوهاب) 1.
ويبدو أن هذه الرسالة في الوقف2 وكان مربد بن أحمد الوهيبي التميمي3 من أهل حريملاء من أعداء الدعوة، وبلغ من عداوته وتضليله أن ذهب إلى صنعاء في اليمن، فشوه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مما جعل الصنعاني - على رأي البسام - ينقض مدحه بقصيدة أخرى على وزنها4.
ومن أشد هؤلاء الخصوم عداوة وكيدا، وأعظمهم إفكا وتضليلا، سليمان بن سحيم (ت 1181 هـ) ، فإن عداوته ظاهرة وواضحة كما في الرسائل الشخصية للشيخ الإمام أثناء الرد على مفترياته5.
1 البسام، "علماء نجد" 2/474 وقد طلبت هذه الرسالة ممن يملكها فوعدني بها، وما زلت أكرر الطلب، وهو يكرر الوعد، ولكن دون جدوى.
2 لأن حمد الجاسر فيما يبدو فهم أن رسالة الوقف غير الرسالة التي رد بها ابن عدوان على الشيخ الإمام..، مع أن ظاهر عبارة ابن حميد في "السحب الوابلة" يدل على أنهما رسالة واحدة، يقول ابن حميد (منها رسالة في الوقف رد على مبتدع العارض) ولم يذكر ابن حميد غير هذا الرد، كما يبدو أن البسام ذكر الرسالة على أنها رد، ولم يبين أنها في الوقف، والله أعلم. انظر:"السحب الوابلة" ص 682.
3 نشأ مربد بن أحمد في حريملاء، ثم طلب العلم فى دمشق، وصار قاضي حريملاء، قتل سنة 1171 هـ في بلدة رغبة. انظر:"علماء نجد" 3/947.
4 يذكر البسام - في "علماء نجد" 3/948، أن الصنعاني رجع عن مدحه، بخلاف بعض من المحققين، ويؤكد خصوم الشيخ أن الصنعاني قد رجع عن مدحه، ونقض قصيدته الأولى، بقصيدة أخرى شرحها حفيده يوسف بن إبراهيم الأمير، بعنوان "محو الحوبة في شرح أبيات التوبة" - انظر:"لفحات الوجد" ق 17، و "كشف النقاب" ص 75 - ولقد ألف الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله كتابا سماه "تبرئة الشيخين" الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين" دافع فيه عن الإمامين ابن عبد الوهاب والصنعاني، وأكد ابن سحمان بعدة أدلة أن القصيدة التي نقض بها المدح -أولا- إنما هي موضوعة ومكذوبة على الصنعاني، لأنها تخالف ما كان عليه الصنعاني من اتباع السنة وذم البدع وأهلها، كما هو ظاهر في كتبه، وقد رد ابن سحمان على القصيدة وعلى شرحها، نثرا ونظما، ولقد تضمن شرحه الأبيات كلاما يخالف مخالفة صريحة لما قرره الصنعاني في كتبه مثل "تطهير الاعتقاد". فمن ذلك أن تلك القصيدة وشرحها قد تضمنتا الزعم بأن دعاء الموتى والاستغاثة بهم كفر عملي، والإمام الصنعاني قد عرف عنه أن الاستغاثة بالموتى ودعاءهم من الكفر الاعتقادي المخرج عن دين الإسلام. انظر: "تبرئة الشيخين"، ط 1، مطبعة المنار مصر، 1343 هـ، ص 182 - 195. ومما يؤكد ما ذكره ابن سحمان، أن القصيدة المزعومة قد شرحها يوسف بن إبراهبم الأمير، وهو حفيد الصنعاني، وقد عرف عن هذا الحفيد المناهضة والبغض للدعوة السلفية، فلا يبعد أن يكون هو صاحب القصيدة، خاصة وأن هذا الحفيد يقرظ الشعر. انظر: "لفحات الوجد" ق 18، ق 29، وانظر: المقال في التعريف بـ "لفحات الوجد" بمجلة العرب س 17، ج 9، 10، ص 744.
5 انظر عبد الله العثيمين، بحوث وتعليقات في تاريخ المملكة السعودية، ط 1، الرياض، 1404 هـ (موقف سليمان بن سحيم من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 91-113) .
ولقد كانت رسالته المملوءة بالأكاذيب والشبهات ضد الدعوة السلفية، من أشد الوسائل تشويها للدعوة، وأشنعها تحريفا وتزويرا لمبادئ هذه الدعوة ولأتباعها، حيث إن هذا الخصم قد بعث بتلك الرسالة إلى سائر علماء الأقطار والأمصار يستحثهم ويحرضهم ضد مجدد هذه الدعوة، ولقد كان لها آثارها وأصداؤها السيئة ضد الدعوة ومجددها.
وكتب صالح بن عبد الله الصائغ1 (ت 1183 هـ) قصيدة يرد بها على الأمير الصنعاني لما مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثنى خيرا على دعوته. ومطلع رد الصائغ:
سلام من الرحمن أحلى من الشهد
…
وأطيب عرفا من شذا المسك والورد
إلى معشر الإخوان أهل محبتي
…
وأهل ودادي نعم ذلك من ود
وبعد فقد جاءت إلينا رسالة
…
بها قول زور خارج من لدن زيدي2
ومن المناوئين لهذه الدعوة سيف بن أحمد العتيقي (ت 1189 هـ) ويتجلى عداؤه بأنه جمع الردود التي رد بها على الشيخ محمد بن عبد الوهاب فكانت سفرا ضخما، ولكن - كما قال البسام - (إن هذا المجموع لا يعرف له وجود إلا بالذكر، وعند التصارع فإن البقاء للصالح من الأعمال والأقوال)3. وسعى سليمان بن عبد الوهاب4 (ت 1208 هـ) - شقيق الشيخ الإمام - في معاداة الدعوة وتعددت أساليب خصومته ومناوأته
…
فقد ألف رسالة سماها "فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب"5 كان من آثارها نكوص أهل
1 ولد الصائغ في عنيزة، ونشأ بها وصار قاضيا لها، له عدة تلاميذ ومؤلفات، توفي في عنيزة. انظر:"السحب الوابلة" ص 673، "علماء نجد" 2/364.
2 "علماء نجد" 2/364، ثم قال البسام بعد إيراد الأبيات الثلاثة السابقة:(وتقع في نحو اثني عشر بيتا تركت بقيتها عمدا) .
3 البسام، "علماء نجد" 1/327.
4 ولد الشيخ سليمان في العيينة، وتولى قضاء حريملاء، وأقام في سدير، وتوفي بالدرعية. انظر:"علماء نجد" 1/302.
5 ولعل هذا العنوان هو الاسم الصحيح لرد الشيخ سليمان على أخيه الشيخ الإمام، ويدل على ذلك ما ذكره ابن حميد في "السحب الوابلة" ص 699، والبسام في "علماء نجد" 1/304، وإليه يميل العثيمين في كتابه "الشيخ ابن عبد الوهاب" ص 61، 101، وكذا الشبل في تحقيقه لكتاب "الأخبار النجدية" للفاخري ص 126. ولقد لاحظت أن هذا الكتاب له أسماء أخرى منها: 1- الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، وقد طبع الكتاب بهذا الاسم في الهند 1306 هـ، ثم مصر، وتركيا. 2- حجة فصل الخطاب من كتاب رب الأرباب وحديث رسول الملك الوهاب وكلام أولي الألباب في إبطال مذهب محمد بن عبد الوهاب. نسخة خطية في مكتبة الأحقاف بحضرموت. 3- الرد على من كفر المسلمين بسبب النذر لغير الله، نسخة خطية في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد. ومما يجدر ذكره هاهنا أني لاحظت أن مخطوط "المشكاة المضيئة" في الرد على الوهابية المنسوب لابن السويدي إنما هو مجرد نسخة مكررة حرفيا من كتاب الشيخ سليمان بن عبد الوهاب..، اللهم إلا أن كتاب هذا السويدي يزيد عن كتاب الشيخ سليمان بوجود بعض السباب والألفاظ النابية. انظر -مثلا-: ق 2، ق 3، ق 25.
حريملاء عن اتباع الدعوة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزت آثار الكتاب إلى العيينة، فارتاب وشك بعض من يدعي العلم - في العيينة - من صدق هذه الدعوة وصحتها1.
يقول العثيمين عن ذلك:
(لم يقتصر نشاط سليمان على بلدته - حريملاء -، وإنما بذل جهدا لإقناع أهل العيينة بالخروج على الدعوة ودولتها، وكانت وسيلته في ذلك أن أرسل إليهم كتابا ضمنه آراء تناقض آراء أخيه محمد في مسائل العقيدة
…
) 2.
ويظهر أن سليمان يخالف أخاه في مسألة الذبح والنذر لغير الله ونحوهما فيعتبرهما سليمان من الشرك الأصغر، ويورد الأدلة لكلامه فيدعي أن ابن تيمية وابن القيم على ذلك الرأي الذي يقوله - كما سيأتي موضحا في موضعه3.
وناهض محمد بن فيروز (ت 1216 هـ) دعوة الشيخ الإمام أشنع مناهضة وأشدها، وكاد لها بمختلف أنواع الكيد والمكر، ومن جملة كيده أنه ألف كتابا في الرد
1 انظر: مجموعة الشيخ 1/281، ابن غنام 2/225.
2 الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص 61.
3 حول مسألة هل رجع الشيخ سليمان عن ضلالاته وانضم إلى هذه الدعوة أم بقي مصرا على ذلك العداء؟ يؤكد البسام - في "علماء نجد" 1/305 - بكثير من الأدلة عدم صحة رجوع الشيخ سليمان، وقد تعقب الأستاذ محمد السكاكر أدلة البسام بالمناقشة والرد، كما في رسالته - لنيل الماجستير - "الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في الدعوة" ص 126. وليس المقام هاهنا مقام تفصيل ومقارنة بين أدلة الطرفين، وإنما الذي يهمنا أن نذكّر - ابتداء - بما قاله صلى الله عليه وسلم: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" رواه مسلم. والأنبياء ثم الصحابة ومن بعدهم من سادات الموحدين، قد وجدوا في آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم العداوة الشديدة والخصومة الظاهرة لدعوة الحق والصواب، فلا عجب أن يوجد ذلك فيمن بعدهم كما هو حال الشيخ سليمان - على من يقول بعدم توبته.. - مع أخيه محمد، وأمر آخر وهو أن هناك أدلة - لم يذكرها البسام ولا السكاكر - كأنها ترجّح عدم رجوع الشيخ سليمان.. 1- منها ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن:(وممن أورد هذه الشبهة "عدم طروء الشرك في هذه الأمة" عليه - أي محمد بن عبد الوهاب - عبد الله المويس راعي حرمة، وابن إسماعيل في الوشم، وسليمان بن عبد الوهاب في العارض)"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" 3/ 53. 2- ويقول أيضا بعد أن ساق بعض الردود على شبهات ابن منصور: (وقد اكتفيت بما ذكره شيخنا في رده على سليمان بن عبد الوهاب الذي صدره بحديث عمرو ابن عبسة) "الدرر السنية" 9/ 201. ولم ترد إشارة إلى توبته، بل لم يترحم عليه في هذين النصين. 3- ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن فى كتابه "منهاج التأسيس": (قال "داود" النقل الرابع والعشرون ذكر الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في رده على أخيه محمد بن عبد الوهاب
…
) ص 190. وأثناء رد الشيخ عبد اللطيف على هذا النقل، لم يذكر شيئا مما يدل على رجوع الشيخ سليمان. ويبدو أن الشيخ عبد اللطيف لم يعلم برجوع الشيخ سليمان إلا أثناء تسويده لكتابه "مصباح الظلام"، بدليل أنه وصف سليمان بقصور العلم، وقلة التحصيل، ثم قال - بعد ذلك مباشرة -.. (وقد وقفت على رسالة تدل على رجوعه أثناء تسويد الكتاب) ص 104، 105، وكتاب "مصباح الظلام" ألفه بعد تأليف "منهاج التأسيس" - وإن لم يتم المنهاج - كما دل على ذلك ما جاء في ص 335، 336، من المصباح. فيبعد أن يظل أمر رجوعه خفيا على المجدد الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وكذا ابنه الشيخ العالم عبد اللطيف، ثم لا يعلم الشيخ عبد اللطيف برجوع سليمان إلا أخيرا، والله أعلم، ورحمته أوسع.
على هذه الدعوة بعنوان "الرسالة المرضية في الرد على الوهابية"1.
ما ذكرناه -سابقا- أمثلة معدودة لما كتب ضد الشيخ ودعوته في بلاد نجد، وقبل سقوط الدرعية سنة 1234 هـ.
أما عن بلاد الإحساء فقد ألف عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف - وهو أحد شيوخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في الإحساء - رسالة بعنوان "سيف الجهاد لمدعي الاجتهاد"2.
كما ألف محمد بن عبد الرحمن بن عفالق (ت 1164 هـ) رسالة وجهها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان عنوانها "تهكم المقلدين في مدعي تجديد الدين"3 وقد تضمنت هذه الرسالة أسئلة تعجيزية تهكمية، وبأسلوب يحمل طابع التحدي والغرور، وقد قصد بها ابن عفالق الطعن والتوهين في محمد بن عبد الوهاب، والنيل منه والاستخفاف به - كما هو ظاهر في هذه الرسالة -، كما أن هذه الأسئلة - من خلال الاطلاع عليها - ليست وكذا الجواب عليها من أصول العلم وواجباته، بل أقرب ما تكون إلى فضول العلم وترفه. ومن هذه الأسئلة - المترفة - التي وجهها ابن عفالق إلى الشيخ لكي يجيب عليها،
1 ط. بمباي 1307 هـ، انظر: العثيمين، "الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره"، ص 146.
2 سبق ذكره.
3 وهي رسالة مخطوطة، في مكتبة الجامعة الملكية فى تبونجن بألمانيا، وقد حصلت على صورة منها.
قول ابن عفالق:
(وبعد فأسألك عن قوله تعالى: {وَالْعَادِيَات} 1 إلى آخر السورة التي هي من قصار المفصل كم فيها من حقيقة شرعية وحقيقية لغوية وحقيقة عرفية، وكم فيها من مجاز مرسل ومجاز مركب، واستعارة تحقيقية، واستعارة وثاقية واستعارة عنادية واستعارة عامية واستعارة خاصية واستعارة أصلية واستعارة تبعية واستعارة مطلقة واستعارة مجردة واستعارة مرشحة وموضع الترشيح والتجريد فيها وموضع الاستعارة بالكناية والاستعارة التخيلية وما فيها من التشبيه الملفوف والمفروق والمفرد والمركب والتشبيه المجمل والمفصل. إلى آخر هذه الأسئلة)2.
كما ألف ابن عفالق رسالة وجهها إلى عثمان بن معمر أمير العيينة3 يشككه في دعوة الشيخ، ويطعن فيها حتى يتخلى عثمان عن نصرتها4 -في بادئ الأمر-، وادعى ابن عفالق أن ابن عبد الوهاب خالف ابن تيمية وابن القيم في مسائل التوحيد5 وقد كتب ابن معمر ردا على رسالة ابن عفالق يذكر موافقته لدعوة الشيخ، مما جعل ابن عفالق يكتب جوابا عن رسالة ابن معمر6 وقد شنع في هذا الجواب على الشيخ الإمام وابن معمر، ورماهما بتكفير المسلمين وتضليلهم7 ويظهر من هذه الرسالة إلحاح ابن عفالق في إقناع ابن معمر بترك نصرة الشيخ8.
وفي المدينة كتب محمد بن سليمان الكردي9 (ت 1194هـ) أسئلة وأجوبة ضد الدعوة السلفية، حيث تضمنت مخالفة ومعارضة لما قرره وأكده أئمة الدعوة السلفية قديما وحديثا10.كما كتب الكردي تقريظا لرسالة سليمان بن عبد الوهاب، مؤيدا له في ذلك،
1 سورة العاديات آية: 1.
2 "تهكم المقلدين"، ق 5.
3 توجد مخطوطة في مكتبة الدولة في برلين بألمانيا، وقد حصلت على صورة منها.
4 انظر من تلك الرسالة: ق 39، 40، 49، 52.
5 انظر من تلك الرسالة: ق 42، 44، 50، 52.
6 يوجد جواب ابن عفالق على رد ابن معمر مخطوطا في مكتبة الدولة في برلين بألمانيا، وقد حصلت على صورة منه.
7 انظر: ق 57، 59، 63.
8 مثلا يقول ابن عفالق مخاطبا ابن معمر (وأرسلت لك ما فيه الكفاية) ق 63.
9 محمد بن سليمان الكردي، ولد بدمشق سنة 1127هـ، ونشأ في المدينة، وتولى إفتاء الشافعية فيها، وله عدة مؤلفات، توفي بالمدينة. انظر:"الأعلام" 6/152.
10 عنوانها: "مسائل وأجوبة وردود على الخوارج"، صورة خطية عن معهد المخطوطات، وطبعت ضمن فتاواه في مصر 1357 هـ.
ومادحا لرسالة سليمان ضد الدعوة السلفية، ومما حواه ذلك التقريظ هذه العبارة - التي يخاطب بها الشيخ الإمام -:
(يا ابن عبد الوهاب سلام على من اتبع الهدى فإني أنصحك لله تعالى أن تكف لسانك عن المسلمين)1.
وفي العراق كتب أحمد بن علي البصري الشهير بالقباني2 (كان حيا سنة 1157 هـ) مجلدا ضخما سمي بـ "فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب"3 يزيد عن مائتين ورقة، وهذا الكتاب جواب على رسالة ابن سحيم التي بعثها إلى علماء الأمصار تحريضا لهم على الشيخ وتشويها للدعوة السلفية، ويظهر من هذا الكتاب شدة إلحاح ابن سحيم على أولئك العلماء من أجل مناهضة الشيخ الإمام ودعوته، حيث إنه تكرر منه الطلب مرة ثانية - كما يذكر القباني4 - فكتب القباني هذا المجلد5.
وألف عبد الله بن داود الزبيري (ت 1225 هـ) كتابا في مناهضة هذه الدعوة سماه "الصواعق والرعود في الرد على ابن سعود"6.
1 الحداد "مصباح الأنام"، ص 81.
2 لم أعثر له على ترجمة، ويظهر أن كتابه كان له رواج عند خصوم الدعوة المعاصرين للشيخ كما جاء مدونا في الرسائل الشخصية للشيخ. انظر:"مجموعة الشيخ" 5/20، 206.
3 توجد منه صورة خطية في قسم المخطوطات بجامعة الإمام.
4 انظر: "فصل الخطاب" ق 124.
5 مما يجدر ذكره هاهنا حول الاسم الصحيح لهذا الكتاب أن القباني أشار في مقدمة هذا الكتاب ق 3، 4، أن ابن عبد الوهاب أرسل رسالة إليهم يدعوهم لعبادة الله وحده.. فألف القباني كتابا في الرد على هذه الرسالة، سماه "فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب" فلما قدمت رسالة ابن سحيم وتكرره طلبه سنة 1157 هـ، كتب عندئذ - القباني كتابا آخر هو اختصار للكتاب السابق وزيادة - كما قاله القباني -، ومما يؤيد أن الكتاب الذي هو جواب على رسالة ابن سحيم مغاير للكتاب الأول "فصل الخطاب" أن القباني - يكرر كثيرا (وذكرنا في فصل الخطاب..) . انظر: ق 31، 34، 48، 50، 53، 138، 166 ويؤكد ذلك ما ذكره الأستاذ عباس العزاوي في كتابه "ذكرى أبي الثناء الألوسي" أن الشيخ الإمام أرسل رسالة إلى البصرة في منتصف سنة 1155 هـ، يدعوهم فيها، فأجابه القباني في كتابه "فصل الخطاب" رادا عليه بما وقع من ردود على شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: ص 34. كما أن الشيخ الإمام أورد عبارة للقباني في تحسين بناء القباب على القبور، وإجماع العلماء على تجويزه -على حد زعمه-، انظر: "مجموعة الشيخ" 5/206. وهذه العبارة ليست موجودة -حسب اطلاعي- في الكتاب الآخر الذي هو جواب على رسالة ابن سحيم.
6 يوجد مخطوطا في المكتبة الشرقية ببتنة في الهند، رقم 1238، ويذكر الحداد فى "مصباحه" ص 79: أن عبد الله بن داود استفاد من رد القباني.
يقول البسام في ترجمته للمذكور أنه (قد شرب من مشائخه "وأعظمهم محمد بن فيروز" عداوة للدعوة السلفية في نجد وزعيمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لذا فإنه من أشد الجادين في مجابهتها ومعارضتها، وقد صنف في الرد عليه كتابا سماه "الصواعق والرعود في الرد على ابن سعود"، إلا أن الله قد أبقى هذه الدعوة الطيبة في نمو وتقدم وتوسع في المشارق والمغارب وذهبت رعوده وبروقه خلبا فالحمد لله على المعتقد الحسن)1.
ومن خلال الاطلاع على بعض كتب الخصوم، يظهر أن كتاب الصواعق والرعود له أهمية وعناية عند الخصوم، ويحظى مؤلفه بالمدح والتقدير لديهم.
فقد مدح محمد بن محمد القادري2 هذا الكتاب وبالغ في الإطراء والتبجيل لمؤلفه، فقال:
(وهو كتاب مخزون بالعجائب، ومشحون بالغرائب، عظيم النفع، جليل الشأن، واضح البرهان، لا نعرف كتابا في هذا النمط أشرف منه وأعظم، ولا أنفس منه وأتم، من شأنه أن يكتب سطوره بالنور على خدود الحور
…
ومن أراد أن يعرف دسائس الشيطان التي ألقاها إلى ابن سعود، فعليه بمطالعة "الصواعق والرعود"، فإنه كتاب غريب في صنعه عجيب، وكان التصدي لإبطالها فرض كفاية على علماء المسلمين، لئلا يغتر بها عوام المؤمنين، ويصير الوزر عليهم أجمعين، فجزا الله حضرة الشيخ عبد الله بن داود حيث أبطلها في "الصواعق والرعود" أحسن الجزاء حيث رفع الوزر عنه وعنهم في دار الجزاء) 3. ومدح حسن بن عمر الشطي4 الصواعق ومؤلفها. فقال:
(وقد ألف العلامة المحقق والفهامة المدقق الشيخ عبد الله بن داود كتابا مشهورا مسمى بـ "الصواعق والرعود في الرد على ابن سعود" فقد أطال في ابتداء أمره وسيرته وسيرة من بعده من خلفه، وقد انتشر هذا الكتاب واطلع عليه الفحول وأحسنوا الثناءات على مؤلفه..)5.
1 "علماء نجد" 2-539.
2 لم أعثر له على ترجمة.
3 رسالة صغيرة (بدون عنوان) في الرد على الوهابية، توجد في قسم المخطوطات بجامعة الملك سعود - 7 ورقات، ق 2.
4 هو حسن بن عمر بن معروف الشطي، من علماء دمشق، ولد بها سنة 1205 هـ، له عدة مؤلفات، وله عدة تلاميذ، توفي سنة 1274 هـ. انظر:"النعت الأكمل" ص 367.
5 انظر تذييله على رسالة إثبات الصفات ق 71، وكذا تذييله على رسالة مشاجرة بين أهل مكة وأهل نجد ق 39.
وذكر علوي الحداد الصواعق ومؤلفه، فمدحه بقوله:
(وقد سمعت بكتاب مبسوط في عشرين كراسا سماه "الصواعق والرعود ردا على الشقي عبد العزيز بن سعود"، وقد قرظ عليه أئمة من علماء البصرة وبغداد وحلب والإحساء وغيرهم، تأييدا لكلام مؤلفه وثناء منهم عليه، وقد أجادوا وبينوا)1.
ويقول الحداد: (ومن أراد أن تقر عينه فعليه به أي بكتاب الصواعق والرعود للشيخ العلامة والبحر الفهامة عفيف الدين عبد الله بن داود الزبيري، فما أظنك تجد مثله..)2. ووصف ابن حميد هذا الكتاب بأنه (مجلد حافل أجاد فيه) 3. وأمام هذا الاهتمام والمدح الكبيرين لكتاب الصواعق ومؤلفه، فقد حرصت كثيرا على الحصول والاطلاع عليه، وبذلت جهدي في سبيل ذلك ولكن دون جدوى4.
وفي اليمن كتب عبد الله بن عيسى الكوكباني5 (ت 1224 هـ) كتابا في الطعن على دعوة الشيخ رحمه الله سماه "السيف الهندي في إبانة طريق الشيخ النجدي"6 وقد حوت هذه الرسالة الكثير من المغالطات التاريخية حول تاريخ هذه الدعوة7.
وفي حضرموت ألف علوي بن أحمد الحداد (ت 1232 هـ) كتابين في مناهضة الشيخ ودعوته، فصنف كتاباً بعنوان "السيف الباتر لعنق المنكر على
1 "مصباح الأنام" ص 3.
2 "مصباح الأنام" ص 4.
3 "السحب الوابلة" ص 687.
4 علمت من خلال كتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم"
…
لمسعود الندوي أن هذا الكتاب يوجد مخطوطا في مكتبة بتنه الشرقية بالهند رقم 1238، فأرسلت في طلبه من تلك المكتبات بأكثر من خطاب، فجاء الرد متأخرا بالموافقة على ذلك وبشرط عسير، وهو إرسال كمية (ضخمة) من الكتب المطبوعة مثل "شذرات الذهب" لابن العماد، و "تاريخ بغداد" للخطيب، و "تهذيب التهذيب" لابن حجر وغيرها، ثم حاولت مرة ثانية وثالثة موضحا صعوبة تحقيق هذا الطلب، أو على الأقل التنازل عن بعضه، فجاء الرد مؤكدا على الطلب السابق، فزهدت -عندئذ- في الحصول عليه.
5 ولد الكوكباني سنة 1175 هـ، وتعلم بحصن كوكبان، برز في عدة علوم، وعرف بالأدب وقرظ الشعر، له عدة مؤلفات. انظر:"نيل الأوطار" 2/92.
6 انظر: "لفحات الوجد من فعلات أهل نجد" ق 3.
7 من هذه المغالطات التي ذكرها ابن عيسى ونقلها عنه صاحب اللفحات أن محمد بن عبد الوهاب المقدسي، وكان مبتدأ أمره خروج الشيخ ونزوله على الشيخ عبد العزيز النجدي، الذي لا يعرف حلالا ولا حراما، ق 4، 5.
الأكابر"1 ثم تبعه بآخر عنوانه "مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي التي أضل بها العوام".
والكتاب الأخير يتكون من سبعة عشر فصلا، وفي كل هذه الفصول رد على الدعوة السلفية، وتقرير ما يخالفها، فسود الحداد "مصباحه" بتقرير جواز الاستغاثة بالأموات والغلو في الأولياء، وتأكيد جواز البناء على القبور وتشييد المشاهد والمزارات لقبور الصالحين
…
يقول الحداد في "مصباحه" - مهولا شأن إخوانه من أدعياء العلم ممن أنكر الدعوة السلفية-:
(ثم رأيت جوابا للعلماء الأكابر من المذاهب الأربعة لا يحصون بِعَدٍّ من أهل الحرمين الشريفين والإحساء والبصرة وبغداد وحلب واليمن وبلدان الإسلام نثرا ونظما أتى إليّ بمجموع رجل من آل ابن عبد الرزاق الحنابلة الذين في الزبارة والبحرين فيه رد علماء كثيرين..)2.
وكتب المدعو محمد بن محمد القادري رسالة قصيرة في الطعن على الشيخ والإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود3 (ت 1218 هـ) ، وذلك لما بلغت -هذا القادري- رسالة الأمير عبد العزيز التي توضح معتقدهم وتبين ما هم عليه، وقد كتب هذا الرد الذي هو أقرب إلى السباب والشتام سنة 1211 هـ.. في مدينة حلب4.
وألف عمر المجوب5 (ت 1222 هـ) من علماء تونس رسالة في الرد على الوهابية6 لما بلغته رسالة الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، وهذه الرسالة كأختها السابقة – غالبا - مجرد طعن وتجريح على الدعوة السلفية، وبأسلوب مسجوع متكلف.
1 علوي الحداد، "مصباح الأنام"، ص 2.
2 علوي الحداد، "مصباح الأنام"، ص 2، ص 79. وقد ذكر الحداد: منهم: أحمد المصري الإحسائي، وعطاء المكي له رسالة بعنوان "الصارم الهندي في عنق النجدي"، وألف المنعمي قصيدة في الرد على ابن عبد الوهاب. انظر:"مصباح الأنام"، ص 2، 6.
3 هو الإمام الذي تولى مادة الدولة السعودية الأولى بعد وفاة والده، وقد امتدت وتوسعت الدولة في عهده..، واشتهر رحمه الله بالعدل والتقوى والإحسان إلى الرعية، مات مقتولا وهو يصلي على يد رافضي. انظر:"عنوان المجد" 1/167.
4 انظر: ق 7 من هذه الرسالة.
5 هو عمر بن القاسم بن محجوب التونسي. انظر "معجم المؤلفين" 7/304.
6 طبعت في تونس سنة 1327 هـ، وانظر مناسبة تأليف هذه الرسالة من كتاب "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان" لأحمد بن أبي الضياف 3/63، 64.
ومن بلاد المغرب كتب محمد بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران الفاسي1 (ت 1227 هـ) أحد علماء فاس بالمغرب، رسالة بعنوان "الرد على بعض المبتدعين من الطائفة الوهابية"2 (ت 1229 هـ) ، وكان سبب تأليف كتابه هو وصول رسالتين من الأمير سعود بن عبد العزيز3 (ت 1229 هـ) إلى تلك البلاد فكتب المذكور هذا الرد على تلك الرسالتين، مقلدا أسلافه الأوائل ممن طعن وأنكر هذه الدعوة الصادقة الحقة.
وخلف أولئك الخصوم أثناء مدة الدولة السعودية الثانية (1235 هـ - 1309 هـ) أفراخهم ممن تلقف من شيوخه كره هذه الدعوة والكيد لها، وأشربوا بغض الشيخ الإمام وأتباعه.
فظهر في بلاد نجد محمد بن علي بن سلوم4 (ت 1246 هـ) ، وهو ممن شرق بهذه الدعوة5 وقد ترك نجدا، إلى الإحساء، ثم انتقل إلى البصرة مع شيخه محمد بن فيروز والذي هو خصم عنيد لهذه الدعوة كما تقدم.
ومنهم عثمان بن سند البصري6 (ت 1250 هـ) ، وعداوته ظاهرة في كتابه المسمى "مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود"7 وقد اختصره أمين بن حسن الحلواني المدني8 (ت 1316 هـ) ، ومن مفتريات عثمان بن سند أنه يزعم أن أتباع هذه الدعوة يكفرون عموم المسلمين الذين على الكرة الأرضية9.
1 من فقهاء فاس، مالكي المذهب، له تصانيف. انظر:"الأعلام" 6/ 178.
2 طبعت في مصر سنة 1327 هـ.
3 ولد الإمام سعود في الدرعية سنة 1165 هـ، وعرف عهده بكثرة الغزوات، وقد تلقى العلم من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان للإمام سعود مجالس علم وذكر. انظر:"عنوان المجد" 1/225.
4 هو الفرضي، ولد في العطار بسدير سنة 1161 هـ، ورحل إلى الإحساء، له عدة مؤلفات، وألغاز في الفقه والفرائض، توفي في بلدة سوق الشيوخ. انظر:"السحب الوابلة" ص 827، "علماء نجد" 3/909.
5 يبدو أن البسام يميل إلى أن ابن سلوم ليس من خصوم هذه الدعوة.. وكأنه لم يطلع على ما كتبه الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف في إثبات تلك العداوة. انظر: "الدرر السنية" 9/215، 217، 335.
6 ولد عثمان في حريملاء سنة 1182 هـ، ورحل إلى الزبير، له عدة مؤلفات كما أن له قصائد شعرية، توفي في بغداد. انظر:"روضة الناظرين" 2/73، ولكنه لم يشر إلى تلك العداوة!.
7 هو مخطوط في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد، رقم 5840.
8 انظر: ترجمته في "الأعلام" 2/15، "معجم المؤلفين" 3/6.
9 انظر: مختصر كتاب "مطالع السعود" لعثمان بن سند، اختصره أمين بن حسن، طبعة محب الدين الخطيب، ص 80. يذكر كاظم الدجيلي -في مجلة لغة العرب س 3، ع 4، ص 180- أثناء ترجمة عثمان بن سند بأنه لم يرجع للوهابية لأنه طعن فيهم في هذا الكتاب "مطالع السعود"، وقد صنفه في السنة الأخيرة من حياته.
ومن أشد الخصوم -في بلاد نجد آنذاك- عداوة وكيدا لهذه الدعوة السلفية وأنصارها عثمان بن منصور1 (ت 1282 هـ) ، وأن رسائل الشيخ عبد الرحمن بن حسن2 والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن وغيرهم من علماء الدعوة ممن عاصر عثمان بن منصور، كل ذلك يؤكد شدة تلك العداوة والمناهضة لهذه الدعوة السلفية.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن بعض مؤلفات ابن منصور:
(أما بعد فإنا قد وجدنا في كتب عثمان بن منصور بخطوطه أمورا تتضمن الطعن على المسلمين، وتضليل إمامهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فيما دعا إليه من التوحيد، وإظهار ما يعتقده في أهل هذه الدعوة من أنهم خوارج تنزل الأحاديث التي وردت في الخوارج عليهم)3.
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن أحد كتب ابن منصور:
(وقد رأيت كتابه الذي سماه "جلاء الغمة"، ورأيت حشوه من مسبة دين الله، والصد عن سبيله، والكذب على الله وعلى رسوله، وعلى أولي العلم من خلقه، وأئمة الهدى ما لم نر مثله للمويس وابن فيروز والقباني وأمثالهم ممن تجرد لعداوة الدين ومسبة مشائخ المسلمين)4.
وأما كتبه التي ألفها ضد هذه الدعوة ومجددها فهي: جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة5 وغسل الدرن عما ركبه هذا الرجل من المحن، وتبصرة أولي الألباب6.
وله كتاب رابع بعنوان "منهج المعارج لأخبار الخوارج"7 كما أنه كتب
1 هو عثمان بن عبد العزيز بن منصور الناصري، ولد في أول القرن الثالث عشر في بلدة الفرعة بسدير، وطلب العلم في العراق، له مؤلفات منها "شرح كتاب التوحيد" للشيخ الإمام، وتولى القضاء، توفي في حوطة سدير. انظر:"علماء نجد" 3/ 693.
2 الشيخ عبد الرحمن بن حسن، هو المجدد الثاني، ولد في الدرعية سنة 1193 هـ، درس على كبار علماء نجد، وولي القضاء، وبعد سقوط الدرعية، نقل إلى مصر، ودرس على علمائها، ثم عاد إلى نجد حين طلبه تركي بن عبد الله، له عدة مؤلفات، توفي في الرياض. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 78، "علماء نجد" 1/56.
3 "الدرر السنية" 9/194.
4 "الدرر السنية" 9/351.
5 انظر: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، "مصباح الظلام"، ط 3، دار الهداية، الرياض، ص 16.
6 انظر: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، "مصباح الظلام"، ط 3، دار الهداية، الرياض، ص 30.
7 وهو محفوظ في دار الكتب المصرية، وقد حصلت على صورة منه عن طريق د. عبد الله الشبل، وهذا المخطوط يصل إلى 186 ورقة، تضمن أخبار الخوارج وتاريخهم، ولكنه في المقدمة ق 6 ذكر كلاما يطابق كلامه في كتابه جلاء الغمة - كما نقله الشيخ عبد اللطيف في كتابه "مصباح الظلام" ص 66، ومضمونه الطعن على هذه الدعوة وأتباعها ورميهم بتكفير المسلمين الذين يعمرون المساجد والمدارس..، ولذا ألحقنا هذا الكتاب ضمن المؤلفات المعادية للدعوة، خاصة وأن الشيخ عبد الرحمن بن حسن قد لام عثمان بن منصور حين ألف في الخوارج، فكان مما قاله الشيخ عبد الرحمن:(ومن الأمور الظاهرة البينة أنك تكتب في الخوارج وتذكر كلام شيخ الإسلام فيهم، والواقع في كثير من الأمة أعظم من مقالة الخوارج، عبادة الأوثان وتزيين عبادتها وإنكار التوحيد. والخوارج ما عندنا أحد منهم حتى في الأمصار، ما فيها طائفة تقول بقول الخوارج إلا الأباضية في أقصى عمان، ووقعوا في ما هو أكبر من رأي الخوارج، وهي عبادة الأوثان، ولا وجدنا لخطك وتسمية بالخوارج، وتسمية بالمعارج إلا أن هذه الدعوة الإسلامية التي هي دعوة الرسل إذا كفروا من أنكرها. قلت: يكفرون المسلمين لأنهم يقولون لا إله إلا الله "الدرر السنية" 9/ 231. وانظر حال ابن منصور وتلقيه عن مشايخه "ابن سلوم" وابن سند، وابن جديد" عداوة الشيخ الإمام وبغض دعوته من خلال ما كتبه الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ عبد اللطيف في "الدرر السنية" 9/ 187، 195، 202، 210، 217، 333، 334. ومن الإنصاف مع الشيخ عثمان بن منصور أن أسجل ما أخبرني به الشيخ أحمد بن عبد الله بن حميد في شهر ذي الحجة 1405 هـ عن والده الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله أنه ذكر -وبطريق موثق- رجوع الشيخ عثمان بن منصور عن ضلالاته. كما أني اطلعت على رسالة قصيرة لابن منصور بعنوان "الرد الدامغ على الزعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية زائغ" وهي رد على شيخه عثمان بن سند البصري، وهذه الرسالة موجودة بقسم المخطوطات بجامعة الإمام رقم 2137 (1/3 ب) .
قصيدة يمدح داود بن جرجيس أحد المناوئين للدعوة، ويحثه على مناهضة أئمة الدعوة السلفية، ويسميهم عثمان بالخوارج1.
وممن كتب ضد الدعوة السلفية -آنذاك- محمد بن عبد الله بن حميد (ت 1295 هـ) ، وتمثلت هذه الكتابة في إعراضه في كتابه "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" عن إيراد تراجم علماء الدعوة إلا ما ندر مثل ترجمته لشيخه الشيخ عبد الله أبو بطين رحمه الله، وذكره العلماء الذين ناهضوا الدعوة السلفية، وقد شنع ابن حميد في تراجم الخصوم على أهل الحق بالباطل، ومدح الخصوم على ردودهم، كما أنه يطلق بعض الأوصاف الشنيعة على الشيخ الإمام رحمه الله كما هو واضح أثناء ترجمته لعبد الوهاب بن سليمان والد الشيخ الإمام2.
وكتب ابن حميد -أيضا- رسالة تضمنت الدفاع عن أبيات بردة البوصيري، والرد على الشيخ أبي بطين لما أجاب بما هو الحق عن أبيات البردة الشركية3.
1 انظر: "الدرر السنية" 9-348، 349.
2 انظر: "السحب الوابلة" ص 698، 699.
3 انظر: "مجموعة التوحيد"، ط آل ثاني، المكتب الإسلامي دمشق، 1381 هـ، ص 435، 436.
وفي الحجاز تولى أحمد بن زيني دحلان1 (ت1304هـ) - وكان مفتي الشافعية في مكة- بث الأكاذيب والمفتريات ضد الدعوة السلفية ومجددها، ولقد كان لتلك الأكاذيب التي تقولها على الدعوة وأنصارها، انتشار بين الناس، خاصة عند الحجاج القادمين من سائر أقطار المسلمين.
فمن كتبه2 التي ألفها ضد الدعوة السلفية، رسالته المسماة "الدرر السنية في الرد على الوهابية" وقد طبعت عدة مرات، وهي موجودة ضمن كتابه "خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام"، كما أنها موجودة ضمن كتابه "الفتوحات الإسلامية".
ولقد كان لوجود دحلان في مكة أثر قوي في رواج مفتريات وشبهاته، لذا يقول محمد منظور النعماني3 - مبينا مدى انتشار تلك المطاعن بعد سقوط الدرعية عام 1234 هـ.
(صارت أرض الحجاز مركز دعاية ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعته بعدما أقصت الوهابيين قوات محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك على إيعاز من الحكومة العثمانية.. وأضحت تنتشر في الحجاز -فيما يتصل بالشيخ- أمور مستهجنة إن سمعها مسلم فإنه لا يكره شخصه فحسب.. بل يعتبره أكفر الكافرين في العالم كله.
وبما أن الحرمين الشريفين هما مركز المسلمين الروحي والديني ومهد الدعوة الإسلامية ومنتجع الحجيج من المسلمين في العالم كله، يختلف إليها المسلمون ولا سيما في مناسبة الموسم فساعد كل ذلك على انتشار كل ما يحاك فيهما ضد
1 ولد دحلان بمكة سنة 1232هـ، وتولى فيها الإفتاء والتدريس، له عدة مؤلفات في التاريخ والعقيدة والنحو..، مات في المدينة. يقول عنه محمد رشيد رضا: إن دحلان غير محدث ولا مؤرخ ولا متكلم وإنما هو مقلد للمقلدين ونقال من كتب المتأخرين. انظر ترجمته: "الأعلام" 1/129، "معجم المؤلفين" 1/29، مجلة المنار م7، ص 393.
2 يقول فوزان السابق في "البيان والإشهار": (قد قال بعض الفضلاء من علماء مكة: تصانيف دحلان كالميتة لا يأكلها إلا المضطر. وقد رد عليه كثير من علماء الهند والعراق ونجد وغيرهم ففضحوه وبينوا ضلاله. وقد سمعت غير واحد ممن يوثق بهم من أهل العلم يقولون: إن دحلان هذا رافضي لكنه أخفى مذهبه وتسمى بتقليد أحد الأئمة الأربعة سترا لمقاصده الخبيثة، ولنيل المناصب التي يأكل منها. ومن أدل الدليل على رفضه الخبيث، تأليفه لكتاب "أسنى المطالب في نجاة أبي طالب" الذي رد فيه بهواه نصوص الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة) ص 45.
3 ولد محمد منظور النعماني عام 1323 هـ في إحدى قرى الهند، حارب البدع والخرافات، له عدة مؤلفات نافعة، لا يزال حيا. انظر: مقدمة كتابه "دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب" ص 7.
الوهابيين أو يدور حولهم في المحافل والنوادي أو يقال ويكتب في المؤلفات ساعده على انتشار في طول العالم وعرضه) 1.
ولما رد بعض علماء الدعوة على شيخ الكذب دحلان- كما يصفه البعض، ودحلان جدير بهذا الوصف -، كتب محمد سعيد بابصيل2 -من مكة- (وكان حيا سنة 1293 هـ) رسالة بعنوان "القول المجدي"3 مدافعا عن دحلان ومعترضا على أولئك الأئمة.
وفي اليمن كتب محسن بن عبد الكريم بن إسحاق الحسني4 من صنعاء (ت 1266هـ) كتابا ضد الدعوة وأنصارها، سماه "لفحات الوجد من فعلات أهل نجد"5 وهو عبارة عن أبيات شعرية كتبها ضد الوهابية ثم شرحها في هذا الكتاب، وهو ينقل كثيرا عن أسلافه ممن عادى الدعوة السلفية الوهابية، فقد تلقف كثيرا مما كتبه الكوكباني صاحب "السيف الهندي في إبانة طريق الشيخ النجدي" كما تلقف ما كتبه يوسف بن إبراهيم الأمير6 -وهو حفيد الصنعاني الأمير-. من وصف الوهابيين بالخوارج7 وقد جعل في آخر الرسالة بعض المسائل الفقهية التي يعارض فيها أئمة الدعوة8.وكتب عبد الله بن حسين بلفقيه العلوي9 (ت 1266هـ) من حضرموت رسالة
1 دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مكتبة الفرقان، الهند، 1400هـ ص 26، 27.
2 هو محمد بن سعيد محمد بابصيل، له مؤلفات. انظر: 9 "معجم المؤلفين" 10/36.
3 انظر: مقدمة كتاب "البيان المجدي" لابن سحمان.
4 ولد سنة 1191هـ في صنعاء، وتعلم بها، له عدة مؤلفات، كما أن له نظماً. انظر:"البدر الطالع" 2/78، و"نيل الوطر" 2/201.
5 وتوجد من هذا الكتاب نسختان خطيتان في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، وقد حصلت على صورة خطية - من مكتبة أرامكو بالظهران- تحت عنوان "شرح أبيات في الرد على الوهابية" لمؤلف مجهول، ولما قرأت مقالة الأستاذ عبد الله محمد الحبشي في التعريف بكتاب "لفحات الوجد"، لاحظت التطابق التام بين النصوص التي يوردها الحبشي من هذا الكتاب، وبين نصوص ذلك المخطوط الآخر، كما يظهر التشابه الحرفي بين مقدمة كلا الكتابين، وخاتمتها، وكذا المعلومات التاريخية والأعلام والأماكن إلى آخره مما جعلني أكاد أجزم بأن نسخة أرامكو هي مجرد نسخة مكررة من كتاب لفحات الوجد. انظر: مقال الحبشي في التعريف بهذا الكتاب، مجلة العرب، س 17، ح 9، 10، ص 744.
6 انظر: ترجمته في "نيل الوطر" 2/414.
7 انظر: ق 32- 44، 46- 62، 75- 79.
8 انظر: ق 80-98.
9 ولد بلفقيه في تريم بحضرموت سنة 1198هـ وتوفي بها، له عدة مؤلفات. انظر:"الأعلام" 4/80.
في الرد على الوهابية1 وتتميز هذه الرسالة بخلوها من الألفاظ النابية والكلمات التجريحية- والتي جرت عادة الخصوم أن يسطروها في كتبهم. وهذه الرسالة تدور حول تقرير أن الشرك في الدعاء لغير الله ليس بأكبر.. وفد تكلف المؤلف الكثير من الأدلة والمناقشات من أجل تقرير دعواه2.
وعرف حسن بن عمر الشطي (ت 1274هـ) من الشام بعدائه وبغضه للدعوة السلفية، كما هو صريح كتابته التي سطرها تذييلا على رسالتي (إثبات الصفات) 3 ورسالة "مشاجرة بين أهل مكة وأهل نجد"4 فقد رمى صاحب الدعوة بادعاء النبوة، والتمثيل في صفات الله، كما ألصق به فرية تكفير المسلمين، وغيرها من الأكاذيب والدعاوى الباطلة5 مع أنه قد كتب هذا التذييل- القبيح- بعد اطلاعه وقراءته لرسائل أئمة الدعوة.
وفي بلاد العراق وجد الكثير من الخصوم ممن ناهض هذه الدعوة، وكتب المؤلفات ضدها، نذكر منها: علي نقي اللكنهوري6 (ت 1289 هـ) حيث ألف رسالة سماها "كشف النقاب عن عقائد ابن عبد الوهاب"7 وقد حوى الكتاب الكثير من المطاعن والشبهات على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما ضم الكثير من المعلومات الخاطئة فيما يتعلق بتاريخ الدعوة السلفية وأعمالها.
ومن هؤلاء الخصوم داود بن سليمان بن جرجيس البغدادي (ت1299 هـ) ، وكانت خصومته شديدة جدا، وعداوته ظاهرة ومستفحلة، حيث إن المذكور قدم نجداً، وتلقى شيئا من العلوم الشرعية عن طريق بعض مشايخ نجد8 ثم ما لبث أن أظهر العداوة، وطعن في رسائل أئمة الدعوة فزعم أنها تخالف ما قرره السلف الأوائل كابن تيمية وابن القيم وغيرهما9 لذا فقد تأثر به بعض أدعياء
1 حصلت على صورة خطية منها عن طريق معهد المخطوطات بالكويت الذي صورها من مكتبة الأحقاف في تريم بحضرموت.
2 وله رسالة خطية في "الرد على الخوارج ومن نحا نحوهم، حيث ذكر نفس المسائل الفقهية التي ذكرها محسن بن عبد الكريم صاحب اللفحات، وخالف فيها أتباع الدعوة مثل مسألة المسبحة ووجوب الصلاة في المسجد، ومسألة التبغ (التنباك) وغيرها.
3 سيأتي التعريف بتلك الرسالة، والتحقيق في مؤلفها.
4 سيأتي التعريف بتلك الرسالة، والتحقيق في مؤلفها.
5 انظر: تذييله على رسالة في "مشاجرة بين أهل مكة ونجد" ق 39، 40، وانظر: تذييله على رسالة في "إثبات الصفات" ق 70، 71.
6 اللكنهوري فقيه إمامي، من أهل كربلاء، له مؤلفات، انظر:"الأعلام" 5/30.
7 طبع في النجف بالعراق، سنة 1345هـ.
8 انظر "تأسيس التقديس" لابن بطين ص 2، 3.
9 انظر بيان ذلك والرد عليه من خلال كتاب "منهاج التأسيس" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن. و"تتمة المنهاج" للألوسي.
العلم1 كما مدحه ابن منصور- كما تقدم-.
وتظهر عداوته في كتابه المسمى: "صلح الإخوان من أهل الإيمان وبيان الدين في تبرئة ابن تيمية وابن القيم"2 حيث ضم كتابه نقولا متعددة لابن تيمية وابن القيم حرفها وغلط في فهمها متعمدا هذا التحريف والتلبيس ليقرر بها جواز الاستغاثة بالموتى ودعاءهم.
وله كتاب آخر سماه "المنحة الوهبية في رد الوهابية"3 أكد فيه أن للموتى حياة في قبورهم مثلما كان لهم حياة الدنيا، وأن لهم شعورا وإحساسا كالأحياء، ويقرر ذلك بمختلف الدعاوى، والأقاويل، ليتوصل من هذا التقرير إلى تجويز الاستغاثة بهم ودعائهم كالأحياء تماما. وله رسالة ثالثة في الرد على العلامة محمود الآلوسي في مسألة التوسل4.
وألف محمد بن عبد الوهاب بن داود الهمداني5 (ت 1303هـ) كتابا سماه: "إزهاق الباطل في رد شبه الفرق الوهابية"6 ولا يزال مخطوطا- ولله الحمد- وهو يزيد عن مائة ورقة، وغالب موضوعات الكتاب تدور حول تجويز الاستغاثة بالموتى وطلب الحاجات منها، وإباحة طلب الشفاعة من الأموات، والحث على الغلو في المشاهد والقبور
…
وكتب جعفر النجفي7 (ت 1303هـ) مؤلفا بعنوان "منهج الرشاد لمن أراد السداد"8 وكان سبب تأليفه هو اطلاعه على كتاب من عبد العزيز بن سعود -كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه-، فصنف هذا الكتاب، مقلدا أسلافه في تجويز الاستغاثة بالأموات وسؤالهم المدد، وطلب الشفاعة منهم، ونحو ذلك، فكل ذلك جائز ما دام أن فاعله يعتقد أن الله هو الفاعل المختار-على حد زعم النجفي وأسلافه-.
1 انظر: رسالة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن لأهل عنيزة معاتبا لهم على إكرام داود بن جرجيس."الدرر السنية" 9/329.
2 طبع في الهند (بمباي) سنة 1306هـ.
3 طبع أكثر من طبعة. منها طبعة بمباي 1305هـ، وطبعة استانبول سنة 1403هـ.
4 طبعت مع كتابه "صلح الإخوان".
5 هو إمامي من كاظمة بالعراق، له عدة كتب، انظر:"الأعلام" 6/258.
6 حصلت على صورة منه عن طريق دارة الملك عبد العزيز.
7 هو جعفر بن الحسين، إمامي، دفن بالنجف له عدة مؤلفات. انظر:"الأعلام" 2/124.
8 طبع في النجف بالعراق سنة 1342هـ.
وفي تونس صنف المدعو أبو الفداء إسماعيل التميمي1 (ت 1248هـ) مجلدا سماه "المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية"،2 وهو مخطوط تصل أوراقه إلى تسعين ورقة.
وكتب أحمد سعيد السرهندي النقشبندي3 (ت 1277هـ) رسالة بعنوان "الحق المبين في الرد على الوهابيين".
ومع بداية الدولة السعودية الثالثة (1319هـ) ، ظهر خصوم جدد بعد زوال أسلافهم، نذكر بعضا منهم مع مؤلفاتهم- حسب ترتيب وفياتهم- وبإيجاز:
فكتب إبراهيم السمنودي4 في مصر (ت بعد 1326هـ) مصنفا في مجلدين بعنوان "سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية ومقلدة الظاهرية"5.
وألف المدعو مختار أحمد باشا المؤيد6 من الشام (ت 1340 هـ) رسالة سماها "جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام"7. وكتب مصطفى بن أحمد بن حسن الشطي8 من الشام (ت 1348هـ) رسالة بعنوان "النقول الشرعية في الرد على الوهابية"9.
أما يوسف النبهاني10 من بيروت (ت 1350هـ) فله كتاب بعنوان "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق"11 تضمن الطعن في الوهابيين وابن تيمية وغيرهم،
1 فقيه مالكي، من دعاة الحكومة العثمانية، له رسائل وفتاوى، انظر:"الأعلام" 1/326، "معجم المؤلفين" 2/263.
2 حصلت على صورة خطية منه عن طريق معهد المخطوطات بالكويت، وانظر مناسبة تأليف هذا الكتاب من تاريخ ابن أبي الضياف 3/64.
3 أحمد سعيد، صوفي، ولد سنة 1213 هـ، انظر:"معجم المؤلفين" 1/232.
4 إبراهيم بن عثمان السمنودي الأزهري، له مؤلفات، انظر:"الأعلام" 1/50، و"معجم المؤلفين" 1/57.
5 طبع في مصر سنة 1319هـ.
6 ولد مختار في دمشق سنة 1237هـ، وتوفي بها، زار المدينة ومصر، له مؤلفات. انظر:"الأعلام" 7/191.
7 طبع في دمشق 1330هـ.
8 ولد سنة 1272هـ، حنبلي صوفي، ولي التدريس والقضاء. انظر:"النعت الأكمل"(ومع الزيادات) ص 413.
9 طبعت ضمن رسائل ضد الدعوة السلفية، في مصر، أكثر من طبعة.
10 يوسف بن إسماعيل النبهاني، عمل في القضاء والصحافة، له عدة كتب، كما أن له نظماً، يقول عنه محمد رشيد رضا: كتبه مملوءة بالروايات الموضوعة والمنكرة وكان يروج كتبه لكي يمهد بذلك السبيل ادعاء المهدية لنفسه، انظر:"الأعلام" 8/218، "المنار" م13، ج10، ص 797.
11 طبع في مطبعة الحلبي بمصر.
لأنهم منعوا الاستغاثة بالموتى.
ونظم القصيدة المسماة "الرائية الصغرى"1 في الافتراء على الوهابيين.
وكتب جميل صدقي الزهاوي2 أحد شعراء العراق (ت 1354هـ) كتابا سماه "الفجر الصادق في الرد على منكري التوسل والكرامات والخوارق"3 فالشاعر الزهاوي ينكر على الوهابيين تحريمهم الاستغاثة بالأموات وتحريم الغلو فيهم.
وفي الشام - أيضا - كتب محمد عطاء القسم4 (ت 1357هـ) رسالة بعنوان "الأقوال المرضية في الرد على الوهابية"5.
وأما يوسف الدجوي6 من مصر (ت 1365 هـ) فقد حشى مجلة نور الإسلام بمقالات متعددة7 يطعن فيها بعقيدة السلف الصالح التي دعا إليها أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وأما محسن الأمين العاملي8 أحد شيعة العراق (ت 1371هـ) فله كتاب بعنوان "كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب"9 كما أن لأحمد بن داود بن جرجيس10 (ت 1367 هـ) من العراق، رسالة بعنوان "المواهب الرحمانية في الرد على الوهابية".
1 طبعت عدة مرات.
2 ولد الزهاوي سنة 1279هـ في بغداد، وتوفي بها، تقلب في عدة مناصب، له عدة كتب ومقالات. يقول محمد رشيد رضا عنه: سمعت من كثير من الذين عرفوا الزهاوي في الأستانة أنه ملحد لا يدين بدين وقد تهجم الزهاوي على الشريعة الإسلامية وطعن فيها.. انظر: "الأعلام" 2/137، "المنارة" م13، ج 11 ص 841، أم القرى ع 103.
3 طبع في مصر سنة 1323هـ، وطبع أخيرا في استانبول بتركيا.
4 فقيه حنفي، ولد بدمشق وتوفي بها، كان مفتيا لسوريا، وله مؤلفات. انظر:"معجم المؤلفين" 10/293.
5 طبعت في المطبعة العمومية بمصر سنة 1901م.
6 من علماء الأزهر، ولد في إحدى قرى مصر سنة 1287هـ، له عدة كتب. انظر:"الأعلام" 8/ 216.
7 انظر: مجلة نور الإسلام م 1 ص 588 - 591، م 2 ص 29 - 37، ص114- 131، 282-890، م 4 ص255- 260، م5 ص519- 527.
8 من مجتهدي الإمامية، ولد في إحدى قرى العراق سنة 1282 هـ، وتوفي بدمشق، له عدة مؤلفات، انظر:"الأعلام" 5/287.
9 طبع بدمشق سنة 1346هـ، وأعاد ابنه طبعه -مع زيادات- سنة 1962م.
10 متصوف، عمل مدرسا، ووزيرا، واشتغل بالوعظ، له رسائل. انظر:"الأعلام" 1/123.
وطعن محمد جميل الشطي1 (ت 1379 هـ) من الشام في الوهابية في كتابه: "الوسيط بين الإفراط والتفريط" وكتب حسن الطباطبائي2 من العراق (ت 1380 هـ) مصنفا سماه "البراهين الجلية في تشكيكات الوهابية"3 دافع فيه عن الإمامية، وطعن في الوهابية وعقائدهم.
ومن الكتابات المعاصرة التي ناهضت الدعوة السلفية، ما كتبه حسن بن حسن خزبك4 فله رسالة بعنوان "المقالات الوفية في الرد على الوهابية"5. وصنف مصطفى الكريمي6 رسالة "السنيين في الرد على المبتدعين الوهابيين"7. وألف عبد القادر الإسكندراني8 من دمشق الشام رسالة بعنوان "النفحة الزكية في الرد على شبه الفرقة الوهابية"9.
ثم جاء المدعو محمد توفيق سوقيه من الشام10 فكتب ما أسماه "تبيين الحق والصواب بالرد على أتباع ابن عبد الوهاب"11.
وكتب محمد بن أحمد نور12 من السودان رسالة في الطعن على عقائد الوهابيين13 كما كتب الشيعي المعاصر محمد جواد مغنية رسالة بعنوان "هذه هي الوهابية"14 وجمع محمد الطاهر يوسف بعض الأقوال الكاذبة والنقول المتردية في كتاب سماه "قوة الدفاع والهجوم" ردا على الدعوة السلفية وكذلك مالك بن داود15
1 ولد بدمشق سنة 1300هـ، له مؤلفات في الأدب والتاريخ اشتغل بالقضاء والإفتاء. انظر:"النعت الأكمل" ص 431.
2 لم أعثر له على ترجمة، وكان معاصرا للشيخ ابن سحمان (ت1349 هـ) حيث رد عليه بكتاب- لا يزال مخطوطا- سماه "الحجج الواضحة الإسلامية".
3 طبعت عدة مرات.
4) لم أعثر له على ترجمة، وقد قرظ كتابه يوسف الدجوي (ت1365هـ) .
5 طبعت ضمن رسائل ضد الدعوة السلفية أكثر من طبعة.
6 لم أعثر على ترجمة لمؤلفها.
7 طبعت هذه الرسالة في مصر.
8 لم أعثر له على ترجمة، وكان معاصرا للشيخ محمد بن علي بن تركي (ت 1380هـ) حيث رد عليه.
9 انظر: " النفخة على النفحة" ص 2، 3.
10 لم أعثر له على ترجمة.
11 طبعت في دمشق، وقد نقد محمد رشيد رضا هذين الكتابين- الأخيرين في مجلة المنار م24، ح 4، ص 320.
12 لم أعثر له على ترجمة.
13 انظر الرد على هذا الكتاب: تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور للشيخ صالح بن أحمد.
14 طبعت عام 1964م.
15 مدير مدرسة بأحد مدن مالي، انظر خاتمة كتابه المذكور.
من بلاد مالي ألف كتابا سقيما بعنوان فضفاض "الحقائق الإسلامية في الرد على المزاعم الوهابية"1.
ومن أشد الخصوم المعاصرين- الآن- عداوة ومحاربة للدعوة السلفية حسين حلمي بن سعيد ايشيق2 من استانبول بتركيا، وهو صاحب مكتبة تقوم بطبع ونشر الكتب المناوئة للدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويوزعها إلى سائر الأقطار وبالمجان، وهذه الكتب إما باللغة العربية، أو الفارسية، أو الإنجليزية وغيرها من اللغات، فكثيرا من كتب المناوئين أعاد طباعتها عدة مرات وإرسالها إلى مختلف البلاد، كما أنه له كتباً باللغة التركية، وبعضها مترجم إلى العربية تحوي الطعن والتجريح في الدعوة السلفية.
ومما يجدر التنبيه عليه أن كتبه ومطبوعات مكتبته لها رواج وانتشار في بلاد المسلمين، وهذا ظاهر من خلال الخطابات من بعض الأفراد والمؤسسات التعليمية التي تبدي مشاعرها وشكرها العميق لهذه الكتب المهداة إليهم، والاعتراف بخطر الوهابية ووجوب محاربتها، وهذه الرسائل تكون مدونة في آخر الكتب التي يقوم بطبعها.
وليس المراد من إيراد تلك المؤلفات المناوئة3 هو الحصر، وإنما قصدت من ذلك توضيح وبيان هذه الحملة الشرسة ضد الدعوة السلفية، ومدى الكثرة الهائلة لتلك المؤلفات، وسعة انتشارها ورواجها، ليكون ذلك دافعا من أجل أن يتيقظ حملة عقيدة السلف، فيحرصوا على مجابهة تلك المؤلفات ويبذلوا جهودهم في نصرة معتقدهم الصحيح.
وأما عن موقف علماء الدعوة من تلك المؤلفات المناوئة، فهم- رحمهم الله جميعا- مع انشغالهم بالغزو والجهاد في سبيل الله، وتوليهم- القضاء والفتيا وتعليم الناس، مع ذلك الانشغال فقد دافعوا عن الدعوة السلفية فكتبوا المؤلفات المتعددة في
1 طبع لأول مرة سنة 1403 هـ في تركيا.
2 ولد حسين حلمى ايشيق سنة 1905م، التحق بالدراسة العسكرية، واشتغل بالسياسة، والتزم بالطريقة النقشبندية، يمتلك صحيفة يومية وله نشرات دورية، ويمتلك مكتبة الحقيقة في استانبول، يحرص على طبع الكتب- وبمختلف اللغات- التي تناهض الدعوة السلفية الوهابية، له شطحات وانحرافات متعددة. عن دراسة كتبها الشيخ: إسماعيل بن عتيق حول هذا الرجل وشيء من فكره (غير منشورة) .
3 لمعرفة مؤلفات مناوئة أخرى: - انظر: فهرست المطبوعات العراقية (1856- 1972) 1/168- 173. - انظر: فهرس الخزانة التيمورية 4/3-140.
دحض أكاذيب الخصوم، والجواب عن شبهاتهم ومناظرتهم ومناقشتهم- وسنورد طرفا من تلك المؤلفات فيما يلي:
كان الشيخ الإمام من أوائل الذين كتبوا الردود ضد تلك المؤلفات المناوئة، فقد كتب جوابا مفصلا شافيا في الرد على رسالة أخيه سليمان1 كما أن الرسائل الشخصية للشيخ قد تضمنت مختلف الردود، وأنواع الأجوبة على دعاوى المناوئين ورسائلهم.
وكتب الشيخ أحمد بن مانع2 (ت 1186هـ) وهو أحد تلاميذ الشيخ الإمام رسالة رد بها على عبد الله المويس أحد خصوم الدعوة، وكان المويس يثبط الناس عن صلاة الجماعة ويهون أمرها، فكتب الشيخ أحمد بن مانع هذا الرد موضحا وجوب صلاة الجماعة بالأدلة، ومدافعا عن الشيخ ودعوته بالبراهين الواضحة الدامغة3.
كما كتب محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان4 - وهما من تلاميذ الشيخ الإمام- إلى المويس رسالة ينصحانه ويدعوانه إلى اتباع العقيدة السلفية5. وكتب كل من الشيخ محمد بن علي بن غريب6 (ت 1209هـ) ، والشيخ حمد بن معمر7 (ت 1225هـ) ، والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب8 (ت 1242هـ) كتابا نفيسا بعنوان "التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق"9 وقد طبع كتاب
1 سمي هذا الجواب فيما بعد بـ "مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد"، وقد أورد ابن غنام هذه الرسالة بدون هذا العنوان، كما أن الشيخ عبد الرحمن بن حسن نقل من هذه الرسالة ولم يذكرها بهذا الاسم كما جاء في "الدرر السنية" 9/201.
2 هو أحمد بن مانع بن إبراهيم التميمي، من بلدة أشيقر، توفي في الدرعية سنة 1186هـ. انظر"علماء نجد" 1/182.
3 انظر "علماء نجد" 1/182،183.
4 لم أعثر لهما على ترجمة.
5 انظر "علماء نجد" 2/605، 606.
6 أحد تلاميذ الشيخ الإمام، وقد تزوج بنت الشيخ، وتلاميذه من كبار علماء نجد، توفي مقتولا سنة 1209 هـ. انظر:"علماء نجد" 3/915.
7 من كبار علماء نجد، تعلم في الدرعية، ثم درس بها، بعثه الإمام عبد العزيز الأول سنة 1211هـ إلى مكة ليناظر علمائها، وقد ظهر عليهم وأذعنوا لحجته، وعينه سعود الكبير رئيسا لقضاة مكة، توفي بمكة. انظر "علماء نجد": 1/239، "مشاهير علماء نجد" ص 202.
8 ولد في الدرعية سنة 1165 هـ، برز في عدة علوم، له رسائل مفيدة، وعرف بالشجاعة، وأبناؤه علماء، توفي في مصر حين نقل إليها. انظر "مشاهيرعلماء نجد" ص 48، "علماء نجد" 1/48.
9 الذي دفعني إلى نسبة هذا الكتاب إلى هؤلاء العلماء الثلاثة هو أني عثرت على تعليق خطي كتبه الشيخ سليمان الصنيع رحمه الله على نسخته، ذكر أن هؤلاء هم مؤلفوا الكتاب، ونقل ذلك عن الشيخ محمد بن عبد اللطيف وابن مانع، فليس الكتاب من تأليف الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ويؤيد ما ذكره الصنيع الأمور التالية: 1-أن البسام في "علماء نجد" 3/916 نفى نسبة الكتاب للشيخ سليمان وأثبته لابن غريب المذكور. 2- جاء في ترجمة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في "الدرر السنية" 12/44: (وله مشاركة في كتاب التوضيح) . كما ذكر القاضي في "روضة السنين" 1/323 أن من مؤلفات الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كتاب "التوضيح عن توحيد الخلاق". 3- وذكر الشيخ فوزان السابق في كتابه "البيان والإشهار" ص 54 أن كتاب "توحيد الخلاق في أجوبة العراق، من مؤلفات الشيخ حمد بن ناصر بن معمر. وبهذا يعلم أن كتاب "التوضيح" قد اشترك فيه هؤلاء الثلاثة الأعلام، ومما يجدر التنبيه عليه أن الشيخ الصنيع ذكر محمد بن علي بن غريب باسم أحمد بن محمد بن غريب، ولم أعثر على ترجمة بهذا الاسم، فلعله خطأ أو تصحيف من الشيخ الصنيع. وفي تعليق الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ على كتاب "عنوان المجد"، ذكر- رحمه الله أن الشيخ محمد بن علي بن غريب من المخالفين للدعوة (انظر: "عنوان المجد" 1/133) ، وربما كان هذا الحكم ناشئا عن التأثر بمخطوطة "السحب الوابلة"، لأن ابن حميد زعم أن ابن غريب كان موافقا لدعوة الشيخ الإمام في الظاهر، ومخالفا لهم في الباطن، ولا يستغرب الكذب من ابن حميد، خاصة وأنه كذب بنفس الأسلوب السابق، وفي نفس الصفحة (انظر: "السحب الوابلة" 700، 701) على الشيخ عبد العزيز بن محمد -سبط الشيخ الإمام- فزعم أنه لم تدخل الدعوة في قلبه، بل إن ابن حميد قد افترى أشذ وأشنع -مما نقلناه عنه- على الشيخ الإمام. مع الإشارة إلى أن ابن حميد ذكر ابن غريب باسم "عبد الله بن غريب"، والمذكور في "عنوان المجد" 1/133، أنه محمد بن غريب، وهو الذي صححه صاحب "مشاهير علماء نجد" ص 212، وهو الذي أثبته ابن بسام في كتابه "علماء نجد" 3/915، والله أعلم.
"التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق"1 وهو رد على عبد الله الراوي2 -من العراق- فإنه لما بلغت رسائل الشيخ الإمام- في أواخر القرن الثاني عشر- الوزير سليمان باشا الكبير، كتب عبد الله الراوي ردا عليها..3 فكان كتاب "التوضيح" جوابا عن ذلك الرد.
ودافع حسين بن غنام الإحسائي (ت 1225هـ) مؤرخ نجد عن شيخه محمد بن عبد الوهاب، وكتب قصيدة في الرد على محمد بن فيروز4.
وقد تضمنت رسائل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر ردودا كثيرة وأجوبة نافعة ضد مؤلفات المناوئين ورسائلهم، منها: "النبذة الشريفة النفيسة في الرد على
1 طبع الكتاب في مصر سنة 1319 هـ بالمطبعة الشرقية، وأعيدت طباعته أخيرا في الرياض سنة 1404 هـ.
2 لم أعثر له على ترجمة.
3 انظر: ذكرى أبي الثناء الألوسي ص 34، 35.
4 وتبلغ أبياتها ستة وسبعين بيتا. انظر: "تاريخ ابن غنام"، ط أبا بطين 2/190- 192.
القبوريين1 وكذلك رسالة "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب"2 وغيرهما.
وكتب الشيخ عبد العزيز بن حمد3 (ت 1240هـ) سبط الشيخ الإمام جوابا بيناعن الرسالة المسماة "المسائل الشرعية إلى علماء الدرعية"4.
وسطر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كتابا مهما في رد دعاوى الشيعة بعنوان "جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية"5 وهذا الكتاب رد على بعض علماء الزيدية فيما اعترض به على دعوة التوحيد.
وكتب أحمد بن محمد الكتلاني مؤلفا نافعا دافع فيه عن عقيدة الشيخ الإمام، ورد دعاوى الخصوم وأكاذيبهم، وسمى الكتاب بـ "الصيب الهطال في كشف شبه ابن كمال"6.
وأما الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين (ت 1282هـ) مفتي الديار النجدية -آنذاك- فله كتاب نفيس رد فيه على دعاوى داود العراقي، واسم الكتاب "تأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجيس"، وهو كتاب طويل وقد سبق هذا الكتاب رد موجز سماه بعض تلاميذ الشيخ أبو بطين "الانتصار"7.
وكتب الشيخ محمد بن ناصر الشريف التهامي اليمني (ت1283هـ) ردا مفحما وجوابا مقنعا عن دعاوى ابن جرجيس، واسم كتابه:"إيقاظ الوسنان على بيان الخلل الذي في صلح الإخوان".
وأما الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت1285هـ) فمن أشهر ردوده، رده على داود، وهو الكتاب المسمى بـ "القول الفصل النفيس في الرد على
1 وقد طبعت ضمن "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/592، وكذا "الدرر السنية" 9/3 كما طبعت مستقلة، وهي عبارة عن أجوبة على أسئلة محمد بن أحمد الحفظي اليمني.
2 وقد طبعت عدة مرات، وهي في الحقيقة إجابة عن أسئلة علماء مكة الذين ناظرهم الشيخ حمد بن معمر سنة 1211هـ.
3 سبط الشيخ الإمام، تولى قضاء الدرعية، وبعد سقوطها، وتولى القضاء في عنيزة، ثم في سوق الشيوخ في العراق، وتوفي بها.
4 وقد طبعت ضمن "مجموعة الرسائل والمسائل"، 4/564، وسميت بـ"الأجوبة السنية على الأسئلة الحفظية". انظر "مجموعة الرسائل" 4/584.
5 وقد طبعت هذه الرسالة ضمن "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/47، ثم طبعت مستقلة.
6 سبق الحديث عن الكتاب ومؤلفه.
7 انظر كتاب "تأسيس التقديس": ص 3، ص 63.
داود بن جرجيس"1 وله رسائل متعددة وكثيرة في الرد على عثمان بن منصور، وله رسالة بعنوان "المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال"2 وهي رد على مفتريات رجل من أهل الخرج، وله رد على ابن حميد صاحب "السحب الوابلة" بعنوان "بيان الحجة في الرد على اللجة"3 حيث إن ابن حميد دافع عن الأبيات الشركية في بردة البوصيري، ورد على جواب شيخه الشيخ أبي بطين رحمه الله لما أجاب بما هو حق عن تلك الأبيات، ومن ثم كتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن هذا الجواب النافع.
وقد رد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بقصيدة شعرية على قصيدة ابن منصور التي مدح فيها داود وحثه على مناهضة أئمة الدعوة4.
كما كتب -أيضا- الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع5 (ت 1287هـ) قصيدة رادا على ابن منصور، ومنتصرا للعقيدة السلفية6.
1 تعددت أسماء هذا الكتاب، منها:"الرد النفيس على شبهات ابن جرجيس". "تأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجيس". "كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس". انظر: مجلة الدارة س 5، ع 4، ص 91، 92، مقال "آثار الشيخ عبد الرحمن بن حسن" لأحمد الحكمي. ويبدو -والله أعلم- أن للتلاميذ والأتباع دوراً في إنشاء تلك الأسماء، فيلاحظ أن بعض أئمة الدعوة يكتب رداً أو جواباً بلا عنوان مختار، فيأتي من بعده ويتخذ له عنوانا يناسب محتوى ذلك الكتاب، وهذا أمر ظاهر في رسائل أئمة الدعوة، فمثلا جواب الشيخ الإمام على أخيه سليمان سمي بـ "مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد"، والرد الموجز الذي كتبه أبو بطين جوابا على شبهات داود بن جرجيس، سماه بعض تلاميذ أبو بطين بـ"الانتصار" كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه "تأسيس التقديس". كما أن الشيخ عبد اللطيف حين كتب الرد المختصر على ابن جرجيس، لم يذكره باسم المطبوع الآن "دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ" أو "تحفة الطالب والجليس في الرد على ابن جرجيس"، يقول الشيخ عبد اللطيف في "منهاج التأسيس" - وهو الرد المطول على داود-:(وقد كتبنا فيما تقدم من الرد المختصر..) ص 237، ثم ذكر كلاما مطابقا لما ذكره في "دلائل الرسوخ" - الرد المختصر- ص 93. كما أن جوابه على شبهات الصحاف سمى بـ "الإتحاف في الرد على الصحاف".
2 طبع ضمن "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/289- وطبع مستقبلا.
3 اللجة: لقب لابن حميد، انظر:"مجموعة التوحيد"، ط آل ثاني، ص 435.
4 انظر: "علماء نجد" 3/696.
5 ولد في شقراء، وطلب العلم في الرياض، ولاه الإمام فيصل قضاء القطيف، له رسائل وقصائد. توفي بالإحساء. انظر:"مشاهيرعلماء نجد" ص 239، "علماء نجد" 2/419.
6 انظر: "علماء نجد" 3/697.
وقد تعددت مؤلفات الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (ت 1292هـ) في الرد على مفتريات الخصوم وشبهاتهم، فكتب ردا مختصرا على داود سمي بـ "دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ "1 ثم أتبعه برد مطول بعنوان "منهاج التأسيس والتقديس في الرد على داود بن جرجيس"2.
وأما ردوده على ابن منصور، فقد كتب رحمه الله كتابا قيما بعنوان "مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام"3 وكتب الشيخ عبد اللطيف رسائل أخرى متعددة في بيان تلبيس ابن منصور ورد كيده4.
كما أن له قصيدة يرد بها على قصيدة ابن منصور التي يمدح بها داود العراقي5 وللشيخ عبد اللطيف قصيدة تبلغ ثلاثة وتسعين بيتاً في الرد على البولاقي المصري الذي كتب قصيدة عارض فيها منظومة الأمير الصنعاني في مدحه للشيخ محمد6.
وقد زخرت رسائل الشيخ عبد اللطيف بالحجج الدامغة والردود النافعة على دعاوى المناوئين ومؤلفاتهم.
ونظم الشيخ عبد العزيز بن حسن الفضلي7 (ت 1299هـ) قصيدة يرد بها على ابن منصور لما مدح شيخه داود العراقي8.
وكتب الشيخ صالح بن محمد الشتري9 كتابا مفيدا في الرد على دحلان واسمه "تأييد الملك المنان في نقض ضلالات دحلان "10.
وكذلك الشيخ حمد بن عتيق11 (ت 1301هـ) نظم قصيدة في الرد على
1 طبع أولا سنة 1305هـ، ثم طبع ضمن "الدرر السنية، 9/287.
2 طبع مرتين: الأولى في الهند، والأخرى في مصر.
3 طبع ثلاث مرات: في الهند، ثم مصر، وأخيرا في الرياض.
4 انظر: "الدرر السنية" الجزء التاسع (مختصرات الردود) .
5 انظر: "الدرر السنية" 9/349.
6 انظر: "الدرر السنية" 9/374.
7 ولد في بلدة ملهم، عرف بسرعة البت في القضاء، له مراسلات علمية مع بعض العلماء. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 242، "علماء نجد" 2/438.
8 انظر: "علماء نجد" 3/697.
9 لم أعثر له على ترجمة، وهو من تلاميذ الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وبينهما مراسلات علمية.
10 وهو لا يزال مخطوطا في المكتبة السعودية.
11 ولد الشيخ حمد في الزلفى سنة 1227هـ، وطلب العلم في الرياض، تولى القضاء في عدة بلدان، له عدة مؤلفات، توفي في الأفلاج. انظر:"علماء نجد" 1/288، "مشاهير علماء نجد" ص 244.
ابن منصور1. وللشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن2 (ت 1319هـ) رد على أمين بن حنش البغدادي3.
وألف العالم الهندي محمد بشير السهسواني (ت 1326هـ) كتابه القيم في الرد على أباطيل دحلان، وسماه "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان"4.
وأما الشيخ حسين بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب5 (ت 1329هـ) فقد أنشأ قصيدة رائية تبلغ سبعين بيتا في الرد على أمين بن حنش،6 كما أن له قصيدة تصل إلى مائتي بيت في الرد على النبهاني7.
وسطر الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن8 (ت 1329هـ) قصيدة تبلغ أبياتها أربعة وتسعين بيتا في الرد على أمين بن حنش البغدادي9.
وكتب الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى10 (ت 1329هـ) ردودا كثيرة على المخالفين للعقيدة السلفية التي جددها الشيخ الإمام، منها كتاب بعنوان "الرد على شبهات المستعينين بغير الله"11 وكتاب "الرد على ما جاء في خلاصة الكلام من الطعن على الوهابية والافتراء لدحلان"12 كما أن له قصيدة رد بها قصيدة ابن
1 انظر "علماء نجد" 3/697.
2 ولد بالرياض سنة 1276 هـ، وتعلم بها، ثم طلب العلم في الهند، له رسائل. توفي بالرياض. انظر:"مشاهيرعلماء نجد" ص 122،"علماء نجد" 10/205.
3 انظر: "الدرر السنية" 9/406.
4 طبع الكتاب في عهد المؤلف منسوبا إلى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم السندي، ثم طبع - بعده - منسوبا إليه عدة طبعات..
5 ولد بالرياض سنة 1284هـ، وتعلم بها، له مؤلفات، كما أن له شعراً، نزح إلى عمان، وسكن في جزيرة زعاب وتوفي بها. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 127، "علماء نجد" 1/219.
6 انظر: "مشاهير علماء نجد" ص 127، 128.
7 انظر: "مشاهير علماء نجد" ص 127، 128.
8 ولد بالرياض سنة 1280 هـ، وتعلم بها، له فتاوى وتلاميذ. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 125، "علماء نجد" 1/126.
9 انظر "علماء نجد" 1/127.
10 ولد بشقراء سنة 1253 هـ، وطلب العلم في الرياض، ومارس التجارة، له مؤلفات، من أهمها شرح نونية ابن القيم، وله تلاميذ، وتولى القضاء. انظر "مشاهير علماء نجد" ص 260، "علماء نجد" 1/155.
11 ذكر ابن عيسى في مقدمة هذا الكتاب أنه رد على كتاب "أنموذج الحقائق" ولم يذكر مؤلفه، وصاحب كتاب "مشاهير علماء نجد" والبسام يذكران أن هذا الكتاب- الرد على شبهات المستعينين بغير الله- رد على ابن جرجيس وقد طبع الكتاب أكثر من مرة.
12 يذكر صاحب "مشاهير علماء نجد" أن هذا الكتاب مخطوط، ولم أعثر عليه وقد ذكر البسام أن لابن عيسى كتاب "تهديم المباني في الرد على النبهاني".
منصور في مدحه لابن جرجيس1 ونظم الشيخ علي بن سليمان اليوسف2 (ت 1337 هـ) قصيدة رد بها على النبهاني في رائيته التي افترى فيها على الوهابيين3.
وكتب علامة العراق محمود شكري الألوسي (ت 1342 هـ) سفرا نفيسا في الرد على يوسف النبهانى بعنوان "غاية الأماني في الرد على النبهاني"4 كما أتم رحمه الله كتاب "منهاج التأسيس" للشيخ عبد اللطيف، حيث إن الشيخ عبد اللطيف مات قبل أن يتمه5 فأكمله الألوسي بعنوان "فتح المنان تتمة منواج التأسيس رد صلح الإخوان"6.
ونظم الألوسي قصيدة في الرد على قصيدة النبهاني، حيث إن النبهاني لما اطلع على غاية الأماني، نظم قصيدة طويلة ركيكة سب فيها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من المصلحين، فرد عليه محمود بقصيدة سماها "الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى"7.
كما أن الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى8 (ت 1343 هـ) نظم قصيدة في نحو مئتي بيت في الرد على رائية النبهاني9.
أما الشيخ سليمان بن سحمان (ت 1349هـ) فهو صاحب القلم السيال في الرد على مؤلفات الخصوم ورسائلهم، وقد تعددت مؤلفاته وكثرت- ولله الحمد- فمما كتبه في الرد على الخصوم ما يلي:
"الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد" و"كشف غياهب الظلام عن جلاء الأوهام"- في الرد على مختار أحمد المؤيد-، و"الصواعق المرسلة الشهابية في
1 انظر: "علماء نجد" 3/697. وللشيخ ابن عيسى رد طويل بعنوان "تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي" طبع مع مجموعة كتب سنة 1329 هـ، بمصر.
2 نشأ في بغداد، وتعلم بها، وهو شاعر جيد، انظر:"علماء نجد" 3/716.
3 انظر: "علماء نجد" 3/718.
4 طبع لأول مرة منسوبا إلى (أبي المعالي الشافعي السلامي) ثم طبع بعد ذلك منسوبا إلى الألوسي عدة مرات.
5 حيث اشتغل الشيخ عبد اللطيف بالرد على ابن منصور، فألف رحمه الله "مصباح الظلام"، انظر: المقدمة التي كتبها الشيخ ابن مانع لرسالة "دلائل الرسوخ"، ص 9.
6 طبع مع "المنهاج" في مصر سنة 1366هـ.
7 انظر: مقدمة كتاب "المسك الأذفر" ص 27، "مشاهير علماء نجد" ص 477.
8 ولد ببلدة أشيقر سنة 1270هـ، قام رحلات متعددة، له عناية فائقة بكتابة التاريخ، توفي في عنيزة. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 285، "علماء نجد" 1/117.
9 انظر "علماء نجد" 1/124.
الرد على الشبه الشامية"- في الرد على محمد عطا الكسم-، و "الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق" - يعني جميل الزهاوي العراقي-، و"تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين" - في الدفاع عن الشيخ الإمام والأمير الصنعاني-، و "البيان المجدي لشناعة القول المجدي" -في الرد على بابصيل المكي- وغيرها1.
ومن آخر كتبه التي ألفها- رحمه الله هو كتاب "الحجج الواضحة الإسلامية في رد شبهات الرافضة والإمامية"- وهو مخطوط.
وأما عن ردوده عبر القصائد الشعرية فهى كثيرة جدا، فقد نظم رحمه الله ديواناً بعنوان "عقود الجواهر المنضدة الحسان"، وغالبه ردود على أئمة الضلال الذين ناهضوا الدعوة السلفية، مثل: دحلان، والزهاوي، وشرف، والنبهاني، والعجلي وغيرهم2.
ومن أشهر قصائده رائيته التي رد بها على رائية النبهاني، وقد بلغت أربعمائة بيت3.
وكتب عبد الكريم بن فخر الدين ردا شافيا على دحلان، بعنوان "الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين ".
ونظم الشيخ ناصر بن سعود الشويمي4 (ت 1350هـ) قصيدة تزيد عن أربعين بيتا في الرد على أمين بن حنش. البغدادي الذي انتصر للشرك وأهله، في قصيدة نظمها5.
وكذلك الشيخ محمد رشيد رضا6 من مصر (ت 1354 هـ) دافع عن الدعوة السلفية في مجلته الشهيرة "المنار"، وحرص على نشر كتب أئمة الدعوة وطبعها، وكان من آثار دفاعه عن تلك الدعوة، ما كتبه في رسالته "السنة والشيعة أو الوهابية
1 غالب كتب الشيخ ابن سحمان طبع في الهند أولا، ثم أعيدت طباعته مرة أخرى.
2 انظر: ديوانه الطبعة الهندية، لأن الطبعة التي بعدها محرفة وناقصة.
3 وله أيضا رحمه الله كتب وردود أخرى. انظر: "مشاهير علماء نجد" ص 292.
4 ولد في شقراء عام 1285هـ وتعلم بها، وطلب العلم في الرياض ثم صنعاء اليمن، ثم جلس للتدريس في شقراء، وتوفي بها. انظر:"علماء نجد" 3/961.
5 انظر "علماء نجد" 3/964.
6 ولد في الشام سنة 1282 هـ، وتعلم بها، مارس الصحافة وزار عدة بلدان، وعمل في السياسة، له عدة مؤلفات، توفي بالقاهرة، انظر:"الأعلام" 6/126.
والرافضة) 1 حيت رد على الرافضة أعداء السلف الصالح قديما وحديثا.
وأما الشيخ محمد بن عثمان الشاوي2 (ت 1354 هـ) فله رسالة في الرد على أحد خصوم الدعوة، بعنوان "القول الأسد في الرد على الخصم الألد"3 كما أن له قصائد في الرد على الهجائيين للدعوة السلفية.
وقد قام الشيخ عبد الظاهر أبو السمح4 (ت 1370 هـ) بالدفاع عن عقيدة السلف الصالح التي جددها الشيخ الإمام، فكان من دفاعه أنه ألف رسالة في الرد على المخالفين لتلك العقيدة، وعنوان رسالته "الرسالة المكية في الرد على الرسالة الرملية"5.
وكتب الشيخ محمود شويل (ت 1372 هـ) رسالة نفيسة في الرد على أحد خصوم الدعوة السلفية، وكشف اللثام عن وجه الحق، وأزال تلك الاعتراضات واسم كتابه "القول السديد في قمع الحرازي العنيد"6.
وأما الشيخ مسعود الندوي (ت 1373 هـ) فقد رد على دعاوى الخصوم وفندها في كتابه المفيد "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه"7.
وألف الشيخ فوزان بن سابق السابق8 (ت 1373 هـ) كتابا في الرد على مختار أحمد المؤيد وعنوان الرد "البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار"9 وصنف الشيخ محمد بن علي بن تركي10 (ت 1380هـ) رسالة لطيفة في الدفاع
1 طبع في مطبعة المنار بمصر سنة 1347هـ.
2 ولد في البكيريه سنة 1313هـ، وتعلم بها، ثم طلب العلم في الرياض، وتولى القضاء والتدريس، له تلاميذ، توفي في شقراء. انظر:"مشاهير علماء نجد" ص 337، "علماء نجد" 3/797.
3 وهي مخطوطة في قسم المخطوطات بجامعة الملك سعود، وهي رد على من سمى نفسه بـ "فتى البطحاء".
4 ولد سنة 1300هـ، وكان إماما في الإسكندرية، واستقدمه الملك عبد العزيز إلى مكة وولاه الإمامة والخطابة في الحرم المكي، توفي في القاهرة. انظر:"الأعلام" 4/11.
5 طبعت في مطبعة المنار بمصر سنة 1349هـ.
6 طبع في مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1372هـ.
7 ترجمه إلى العربية عبد العليم البستوي، وطبعته جامعة الإمام سنة 1404هـ.
8 ولد في بريدة عام 1275 هـ وتعلم بها، وطلب العلم في الرياض والهند، ومارس التجارة، وصارت له مشاركة في السياسة، توفي في القاهرة. انظر:"علماء نجد" 3/759.
9 طبع في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1372 هـ.
10 ولد في عنيزة سنة 1301هـ، وزار عدة بلدان، وطلب العلم ومارس التجارة وتولى القضاء، توفي في المدينة. انظر:"علماء نجد" 3/904، "مشاهير علماء نجد" ص 402.
عن هذه الدعوة والرد على الأسكندراني1.. وعنوان رسالة الشيخ ابن تركي "النفخة على النفحة والمنحة"2.
كما أن الشيخ محمد بهجت البيطار3 كتب رسالة موجزة في الرد على الأسكندراني وعنوان رده "نظرة في النفحة الزكية"4.
وكتب أحد علماء نجد ردا على جريدة القبلة الهاشمية5 لما أوردت بعض الأكاذيب ضد الدعوة السلفية الوهابية.
ونظم الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم السويح6 قصيدة في الرد على النبهاني7 كما أن الشيخ صالح بن أحمد كتب ردا على محمد بن أحمد نور- أحد المناوئين للدعوة السلفية في السودان- وعنوان رده "تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور بالقرآن والحديث"8.
وقد كتب عبد الله بن علي القصيمي9 كتبا قوية وأجوبة دامغة في الرد على مؤلفات الخصوم للدعوة السلفية ورسائلهم، ومن أقوى كتبه وأشهرها:"الصراع بين الإسلام والوثنية"10 في الرد على محسن الأمين العاملي صاحب "كشف الارتياب"، وله كتاب قوي آخر بعنوان "البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية"11 وهو
1 وسمى ابن تركي نفسه -أثناء الرد- بـ (ناصر الدين الحجازي) انظر: "علماء نجد" 3/906.
2 طبعت في دمشق سنة 1340هـ.
3 ولد البيطار سنة 1311 هـ، وتتلمذ على كبار علماء الشام، وجلس للتدريس، وتولى الخطابة، وعمل في الحجاز، له مؤلفات. انظر:"تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع" لمحمود سعيد ممدوح، ص 126.
4 وسمى محمد بهجت البيطار نفسه -أثناء الرد- بـ (أبي اليسار الدشقي) . انظر: "علماء نجد" 3/906، وطبعت في دمشق سنة 1340هـ، مع الرسالة السابقة- لابن تركي.
5 انظر: الرد في "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/830. وهناك رد آخر على هذه الجريدة، أورد بعضه محمد رشيد رضا في "المنار"، واعتذر عن نشر الباقي لشدة الأسلوب. انظر: "المنار" م 21، ح 9، ص 496.
6 لم أعثر له على ترجمة.
7 توجد مخطوطة في قسم الوثاثق بدارة الملك عبد العزيز.
8 طبع في المطبعة السلفية بمصر.
9 مما يجدر التنبيه عليه أن القصيمي قد ألف كتبا في نصرة الدعوة السلفية ثم ارتد واختار طريق الضلالة والإلحاد، وألف كتبا في ذلك وقد تصدى له علماء الدعوة، فردوا عليه مثل ابن يابس والسويح وغيرهما، وسنورد في هذا البحث بعض ردود القصيمي، ونستفيد منها متذكرين ما ورد في الحديث "إن الله عز وجل ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" وفي رواية:" بأقوام لا خلاق لهم" -انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 4/205- خاصة ونحن لا نعلم بما سيختم الله حياة هذا الرجل، نسأل الله تعالى الثبات على دينه.
10 يتكون هذا الكتاب من مجلدين، ثم ظهر له جزء ثالث -فيما بعد-، طبع مرتين، الثانية سنة 1402 هـ.
11 طبع في مطبعة المنار بمصر سنة 1350 هـ.
رد على يوسف الدجوي في مسائل التوسل.
وله كتاب ثالث بعنوان "الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم"1 تضمن ردودا ظاهرة وأجوبة ناصعة في رد دعاوى المناوئين. وكتب القصيمي مؤلفا رابعا في بيان حقيقة الدعوة الوهابية بعنوان "الثورة الوهابية"2.
وألف الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي عدة كتب في الدفاع عن هذه الدعوة ومجددها كما هو ظاهر في كتابه "الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، وكتابه الآخر "نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين"، وكتابه الثالث "تنزيه السنة والقرآن عن أن يكونا من أصل الضلال والكفران"3.
وكتب الشيخ محمد منظور النعماني4 من علماء الهند رسالة نافعة في الرد على الدعاوى الكاذبة ضد الدعوة السلفية، بعنوان "دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب5.
وبهذه المؤلفات وغيرها من الوسائل والأساليب التي تنافح عن عقيدة السلف الصالح وتذب عنها، يتحقق وعد الله على الدوام، حيث يظهر الحق ويندحر الباطل، الذي مهما انتفش وانتفخ بكثرة مؤلفاته وأتباعه فهو كالزبد يذهب جفاء.
يقول تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 6.
ولعل فيما ذكرناه من ردود أئمة الدعوة وأنصارها ما يلفت الباحث- ابتداء- إلى هذا التراث الهائل، فيكون إيراد تلك المؤلفات دافعا لكل منصف أن يطلع عليها وينظر فيها، وسيدرك- بكل تأكيد- ما تحمله هذه الكتب من الحجج الدامغة والبراهين الساطعة الناصعة، والتي تعكس سعة علم أولئك الأئمة وعمق فهمهم وقوة أدلتهم ووضوح منهجهم.
ومما يستلزم ذكره هاهنا- بعد أن سردنا هذه الكتب الكثيرة سواء المناوئة أو المدافعة- أن نجيب على سؤال هام وهو:
1 طبع في مطبعة التضامن بمصر سنة 1934م.
2 طبع في مطبعة الرحمانية بمصر سنة 1354هـ.
3 وهذه الكتب الثلاثة مطبوعة متداولة.
4 انظر: ترجمته في مقدمة كتابه "دعايات مكثفة".
5 طبع في لكهنوء بالهند.
6 سورة الصافات آية: 171-173.
ما هي الدوافع والأسباب التي أدت إلى العداء والمناهضة للدعوة السلفية، حتى صنفت المؤلفات والرسائل والكتب ضد هذه الدعوة وبكميات هائلة، ومن مختلف البلاد والأقطار، وعلى مر السنين والأعوام.
من خلال الاطلاع على بعض المراجع التي أشارت إلى تلك الأسباب، ومن خلال مطالعة وتتبع كتب الخصوم، فإنه يمكن إيجاز أبرز هذه الدوافع والأسباب بما يلي:
لعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى تشنيع الخصوم في مؤلفاتهم أثناء ظهور الدعوة السلفية، هو ما كان عليه أولئك الخصوم وكثير من المنتسبين إلى الإسلام من الضلال والغي عن الصراط المستقيم، لقد بلغ الكثير من المسلمين قبيل ظهور دعوة الشيخ الإمام أحط الدركات في الضلال وفساد الاعتقاد، حيث عم الجهل وطغى، فعبد غالب المسلمين ربهم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، فظهرت البدع والشركيات بمختلف أنواعها، وصارت هذه الأمور الشركية والمحدثات البدعية من العوائد والمألوفات التي هرم عليها الكبير وشب عليها الصغير، فانعكست الموازين وانقلبت الحقائق، وأصبح الحق باطلا، والباطل حقا..
ويوضح ابن غنام الحالة السيئة التي وصل إليها المسلمون في مختلف البلاد، وما كانوا عليه من فساد الاعتقاد واستفحال الكفر والابتداع، فيقول رحمه الله:
(كان غالب الناس في زمانه متضمخين بالأرجاس، متلطخين بوضر الأنجاس، حتى قد انهمكوا في الشرك بعد حلول السنة المطهرة بالأرماس، وإطفاء نور الهدى بالانطماس
…
فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين، وخلعوا ربقة التوحيد والدين فجدوا في الاستغاثة بهم في النوازل والحوادث.. أحدثوا من الكفر والفجور والإشراك بعبادة أهل القبور وصرف الدعاء لهم والنذور) 1.
ويصور ابن غنام ضلال بلدان نجد تفصيلا، فكان مما قاله في ذلك:
(وكان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم والكل على تلك الأحوال مقيم، وفي ذلك الوادي مسيم، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، وقد مضوا قبل بدو نور الصواب يأتون من الشرك بالعجاب وينسلون إليه من كل باب، ويكثر ذلك منهم عند قبر زيد بن الخطاب فيدعونه لتفريج الكرب بفصيح الخطاب ويسألونه كشف
1 "روضة الأفكار" 1/5، 6 باختصار.
النوب من غير ارتياب، {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} 1 وكان ذلك في الجبيلة مشهودا وبقضاء الحوائج مذكورا"2.
ويحكي الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن حال عصر الشيخ الإمام فيقول:
(كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة غير مردودة ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ومن بحره الأجاج شاربون، وبه راضون، قد أغشتهم العوائد والمألوفات وحبستهم الشهوات والإرادات عن الارتفاع إلى طلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات..)3.
فلما أظهر الله هذه الدعوة السلفية على يد المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب استنكرها الرعاع وأدعياء العلم والعوام، لأنها خالفت عوائدهم الشركية ومألوفاتهم البدعية، فلما دعاهم الشيخ إلى وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة وأنه لا يدعى ولا يستغاث إلا بالله وحده، فلا يستغاث بالأولياء أو الأنبياء، استنكر أولئك الجهال هذا الحق، وزعموا أن ذلك انتقاص للأنبياء والأولياء، فخالفوا الحق مع ظهوره وبيان أدلته ووضوح براهينه.
وهناك سبب ثان لهذا التحامل والمعاداة للدعوة السلفية وهو ما ألصق بهذه الدعوة ومجددها وأنصارها من التهم الباطلة والأكاذيب والمفتريات، فقد أصاب هذه الدعوة
1 سورة يونس آية: 18.
2 "روضة الأفكار" 1/7. وانظر: ما كتبه الشيخ ابن غنام حول المظاهر الشركية والبدعية في كل من بلاد مكة والطائف وجدة ونجران واليمن، والشام، والعراق، ومصر، 1/8- 12.
3 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/381. 382.
منذ بدء ظهورها حملة مكثفة شنيعة عمت البلاد والعباد، فلقد ألصق بعض أدعياء العلم في هذه الدعوة السلفية ما ليس منها، فزعموا أنها مذهب خامس، وأنهم خوارج يستحلون دماء وأموال المسلمين، وأن صاحبها يدعي النبوة وينتقص الرسول صلى الله عليه وسلم.. إلى آخر تلك المفتريات.
وهذا ظاهر في رسالة ابن سحيم- وهو أحد الخصوم المعاصرين للشيخ- حيث بعث بها إلى سائر علماء الأمصار، يستحثهم ويحرضهم ضد الشيخ، وهو في هذه الرسالة العدوانية قد حشد فيها الكثير من المفتريات والأكاذيب ضد الشيخ الإمام.
وأما أثناء مدة الدولة السعودية الثانية، فتبرز آثار مؤلفات دحلان والذي كان مفتيا للشافعية في مكة، فقد عمت وطمت أكاذيبه ومفترياته ضد هذه الدعوة بين الكثير من حجاج بيت الله الحرام، ثم أذاعها أولئك الحجاج في سائر البلاد.
يقول الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في ذلك:
(سمع الحجاج الوافدون إلى مكة من أشراف الحجاز، وبعض علماء مكة والمدينة التقديس التام من العوام والانقياد الكامل لأقوالهم ضد الشيخ وأتباعه الشيء الكثير من كون أتباع الشيخ لا يحترمون الأولياء والصالحين، ويهدمون قبابهم
…
فلهذا أخذ جمهور الناس في سائر الأقطار فكرة سيئة عن الشيخ وأتباعه) 1.
وفي عصرنا الحاضر، يظهر التحامل الشنيع وبث المعلومات الكاذبة عن الدعوة السلفية في كثير من جهود المبتدعة، ومن أبرزها جهود المدعو حسين حلمي ايشيق من استنابول بتركيا، والذي يقوم بتأليف الكتب ضد الدعوة السلفية ونشر المطبوعات والرسائل ضدها، وتوزيعها على سائر بلاد المسلمين، وهذه الرسائل تحوي بين طياتها الكثير من المعلومات المحرفة والأكاذيب المفتراة، فيصدقها الكثير من السذج والبسطاء.
كما أن هذا التجني والكذب على الدعوة السلفية وأئمتها يظهر في بعض الكتب التي ألفت في تاريخ هذه الدعوة وسيرة مجددها، كما هو واضح في كتاب "لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب"، والذي يعتمد عليه الكثير من المؤلفين ممن صنف في تاريخ وسيرة الشيخ محمد، بل إن بعض هذه الكتب يفتعل أحداثاً ويطنب في سردها وسياقها من أجل الافتراء ضد الدعوة والتنفير منها، وهي ليس لها أدنى رصيد من الواقع2.
1 سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص 53، وانظر:"دعايات مكثفة ضد الشيخ" ص 26. 27.
2 انظر على سبيل المثال: مخطوط "هذا تاريخ في شأن الوزير محمد علي باشا" لخليل بن أحمد الرجبي - ويوجد هذا المخطوط في دار الكتب المصرية- فقد افتعل هذا المؤلف أكاذيب متعددة ضد هذه الدعوة.
ومما يؤسف أن الكثير يتلقف هذا الإفك والبهتان عن أولئك المفترين الوضاعين، دون أدنى تثبت أو تحرٍ في النقل، بل عمدته في ذلك هو مجرد التقليد الأعمى.
ومما يجدر ذكره - هاهنا - هو أن بعض الخصوم قد استغل ما وقع فيه شرذمة من الأعراب وفي زمن يسير - ممن تابع هذه الدعوة - من التشدد والجفاء، فحكموا - بغيا وعدوانا - على جميع أتباع هذه الدعوة وعلى مر الأزمان. بهذا الحكم الجائر، فرموهم أيضا بالتشدد والجفاء.
ولقد قلدهم في تلك الدعوى بعض الكتاب، فوصفوا هذه الدعوة السلفية بالتشدد والجفاء والتطرف، وجعلوا ذلك سببا في عدم قبولها وكثرة أعدائها.
وقد رد الشيخ حمود التويجري على أحد المعاصرين حين رمى أتباع هذه الدعوة بالتشدد، فكان من رده أنه قال:
(التشدد الذي أشار إليه إنما وقع في بعض الأعراب في زمن يسير، فأما الحاضرة وكثير من البادية فكانوا على الطريقة السلفية، ولم يكن فيهم تشدد كما يزعمه بعض الناس. فإطلاق التشدد على العموم متعقب على من ادعاه كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بحال أهل نجد)1.
وسبب ثالث أدى إلى كثرة تلك المؤلفات المناوئة للدعوة السلفية، وهو النزاعات السياسية والحروب التي قامت بين أتباع هذه الدعوة وبين الأتراك من جهة، وبين أتباع هذه الدعوة والأشراف من جهة أخرى. وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا العامل الخطير وما ترتب عليه من تلك المطاعن والمفتريات والشبهات.
يقول محب الدين الخطيب- رحمه الله مشيرا إلى ذلك:
(كان الأستاذ الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه يستعيذ بالله من السياسة ومن كل ما يتصرف منها، لأنها إذا احتاجت إلى قلب الحقائق وإظهار الشيء بخلاف ما هو عليه اتخذت لذلك جميع الأسباب، واستعانت على ذلك بمن لهم منافع شخصية من وراء إعانتها، فتنجح إلى حين في تعمية الحق على كثير من الخلق. ومن هذا القبيل ما كان يطرق آذان الناس في مصر والشام والعراق وسائر بلاد الشرق الأدنى في المائة السنة الماضية من تسمية الدعوة التي دعا بها الشيخ المصلح محمد بن
1 " إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة"، ط 1، مؤسسة النور بالرياض، ص 154.
عبد الوهاب رحمه الله باسم "الوهابية" اتهاما بأنه مذهب جديد..) 1.
ويتحدث محمد عبد الله ماضي عن العوامل التي أدت إلى التشنيع على الوهابية.. فيذكر العامل السياسي فيقول:
(عامل سياسي يرجع إلى الخلاف الذي قام بين آل سعود الوهابيين وبين الدولة العثمانية التي كانت الجزيرة العربية جزءا من أملاكها وقت أن شرع الوهابيون يستقلون بالحكم فيها في القرن الماضي. ذلك الخلاف الذي سبب الحرب النجدية المصرية بين محمد علي والوهابيين، والذي صحبه وترتب عليه كثير من الدعايات ضد الوهابيين خصوم الدولة السياسيين وإظهارهم بمظهر المعتدي على الدين الخارج على تعاليمه حتى تسهل مقاومتهم ويتيسر القضاء عليهم.
وكذلك الخلاف السياسي بين آل سعود والوهابيين وبين أشراف مكة ثم بينهم وبين زعماء نجد المحليين
…
) 2.
ويوضح الشيخ محمد رشيد رضا آثار العداء السياسي مع بداية قيام الدولة السعودية الثالثة، وما فعله الأشراف ضد الدعوة السلفية، فكان مما قاله:
(كانت جريدة القبلة لسان الملك حسين آنذاك، تكيل التهم والأكاذيب على هذه الدعوة السلفية.
وقد أصدر الملك حسين عدة منشورات في جريدة القبلة سنة 1336هـ، وسنة 1337 هـ، رمى الوهابيين بالكفر، وقذفهم بتكفير أهل السنة، والطعن في الرسول
…
وقام بعض أهل دمشق وبيروت يتقربون إلى الأشراف بطبع الرسائل في تكفيرهم ورميهم بالأكاذيب، ثم سرى ذلك إلى مصر، وظهر له أثر في بعض الجرائد..) 3.
(إن سبب قذف الوهابية بالابتداع والكفر سياسي محض، كان لتنفير المسلمين منهم لاستيلائهم على الحجاز، وخوف الترك أن يقيموا دولة عربية، ولذلك كان الناس يهيجون عليهم تبعا لسخط الدولة، ويسكتون عنهم إذا سكنت ريح السياسة)4.
وهناك سبب رابع أدى إلى تراكم تلك المؤلفات المعادية للدعوة السلفية وهو دفاع هؤلاء الخصوم -وبالأخص الصوفية والرافضة- عن معتقداتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة.
1 مجلة الزهراء، 1354هـ (صفر) ، ص 84، 85. وقد أشار إلى ذلك مسعود الندوي في كتابه "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه" ص 147.
2 "النهضات الحديثة في جزيرة العرب" ط 2، دار إحياء الكتب العربية، 1372هـ، ص 59.
3 المنار، م 24، ح 8، ص 584- بتصرف.
4 المنار، م 24، ح 8، ص 584- بتصرف.
فإنه لما غلب على حال كثير من المسلمين ظهور الشركيات، وانتشار البدعيات، واستفحال الخرافات، والغلو في الأموات والاستغاثة بهم، وظهور تشييد المشاهد وإقامة المزارات على القبور، وزخرفتها وتزيينها وصرف الأموال الطائلة عليها.. فلما غلب ذلك على حال عامة المسلمين، فإن هؤلاء المتصوفة والرافضة وجدوا في هذا الواقع الآسن مرتعا خصبا لبث سمومهم العقدية.
فلما بدت أنوار هذه الدعوة تكشف غياهب الظلام، وتزيل أدران الشرك ونجاساته، وتدعو الناس إلى تحقيق التوحيد بصفائه ونقائه، أدرك الخصوم أن ظهور هذه الدعوة السلفية نذير بزوال عقائدهم الباطلة، فحشد أولئك الخصوم قواهم وانبروا في التشنيع بهذه الدعوة وأنصارها، وهم أثناء تشنيعهم يذكرون معتقدهم الصوفي أو الرافضي -وغيرهما- ويزينونه للناس ويزعمون أنه الحق1.
فنجد هؤلاء الصوفية أثناء ردهم على الدعوة السلفية، يتبجحون بصوفيتهم ويفتخرون بانتسابهم إلى الطرق الصوفية كالنقشبندية أو القادرية أو التيجانية.. ويدافعون عن التصوف وأدعيائه.
والرافضة أثناء مناهضتهم للدعوة السلفية يدافعون- بكل ما عرف عنهم من كذب وقلب للحقائق- عن معتقدهم، ونوضح ذلك بما حدث منهم لما كتب علماء المدينة سنة 1344 هـ الفتوى حول حكم البناء على القبور واتخاذها مساجد وأجابوا بالحق الذي تعضده الأدلة، فلما ظهرت هذه الفتوى، وتم العمل بموجبها، وأزيلت القبب والأبنية على القبور، عندئذ قام علماء الرافضة وضجوا، وسودوا الصحائف والأوراق في الطعن على هذه الفتوى، والنعي للمسلمين على زوال تلك القباب والمزارات فمن هذه الكتب التي سطرت- آنذاك- رسالة في رد الوهابية للأوردبادي، ورسالة في نقض فتاوى الوهابية لمحمد حسين، والرد على فتاوى الوهابيين لحسن صدر الدين الكاظمي، وغيرها من الكتب والرسائل التي ألفها أئمة الرافضة، والذين عهد عنهم عمارة المشاهد والقباب، دون المساجد التي أمر الله أن تعمر بطاعته2.
هذه بعض الأسباب الظاهرة لشدة عداوة الخصوم للدعوة الوهابية3 وكثرة
1 من خلال استقراء كتب الخصوم، لاحظت أن غالبهم إما صوفية أو رافضة، فالمتصوفة يجاهرون بذلك وينافحون عن تصوفهم ويدافعون عن أرباب التصوف وكذلك الرافضة يفعلون.
2 انظر: أم القرى ع 104، مقالا "حول هدم القبور للشيخ عبد الله البليهد".
3 بالنسبة إلى كلمة "الوهابية" فإن الكثير من الخصوم أطلقوا هذا اللقب على أتباع الدعوة السلفية، ويريدون بذلك توهيم الناس أن الوهابية مذهب جديد أو مستقل عن سائر المذاهب الإسلامية، لذا فإن بعض الباحثين يتحاشون من هذا اللقب. (انظر: تعقيب الشيخ صالح الفوزان على كتاب "محمد بن عبد الوهاب" لعبد الكريم الخطيب، مجلة كلية أصول الدين ع 1، ص 68، حيث خطأ الفوزان إطلاق اسم "الوهابية" على دعوة الشيخ من ناحية اللفظ ومن ناحية المعنى، وانظر: ما كتبه الشيخ عبد الله الجبرين حول هذا الإطلاق في مجلة البحوث الإسلامية ع 9، ص 129) . ولكن فيما بعد - كما هو ظاهر في السنوات الأخيرة - نجد علماء الدعوة وأنصارها لا يتحاشون استعمال كلمة "الوهابية" (انظر: رسالة "الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية" لابن سحمان، و"أثر الدعوة الوهابية" لمحمد حامد الفقي، و "الوهابيون والحجاز" لمحمد رشيد رضا، و"الثورية الوهابية والفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم، للقصيمي، و"حقيقة المذهب الوهابى" لسليمان الدخيل) . يقول أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه عن محمد بن عبد الوهاب: (ومن معاملة الله لهم -أي خصوم الدعوة- بنقيض قصدهم هو أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة، ولا يحبون الرسول كما زعموا، صار الآن لقبا لكل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات، والتمسك بمذهب السلف) ص 51. ويقول مسعود الندوي في كتابه "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم": (وعلى كل حال فنظرا إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة، هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء فلا أرى حرجا في هذه التسمية) ص 165. وانظر: ما كتبه عبد الله العثيمين في كتابه "محمد بن عبد الوهاب" ص 101-104.
المؤلفات المناوئة لهذه الدعوة الصادقة الحقة.