المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم - دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

[عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الدحض لها

- ‌الفصل الأول: الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة، وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم

- ‌الفصل الثالث: فرية إنكار كرامات الأولياء

- ‌الباب الثاني: الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك

- ‌الفصل الأول: التكفير والقتال.. عرض ثم رد وبيان

- ‌المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثاني: فرية أن الوهابيين خوارج وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثالث: شبهة أن الوهابيين أدخلوا في المكفرات ما ليس فيها

- ‌المبحث الرابع: شبهة مخالفة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لابن تيمية وابن القيم في مسألة الذبح لغير الله..عرض ثم رد

- ‌المبحث الخامس: شبهة عدم طروء الشرك على هذه الأمة.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

- ‌الفصل الثاني: تحريم التوسل.. عرض ثم رد

- ‌الفصل الثالث: منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث: فيما اعترض عليه من قضايا الدعوة مع المناقشة

- ‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل الثاني: تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الثالث: إنكار دعاء الموتى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم

‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم

1

لقد رمى الخصوم هذه الدعوة السلفية، ورموا أتباعها وأنصارها بفرية التجسيم والتشبيه، وما نقموا منهم إلا أنهم وصفوا الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

وسنورد- كما فعلنا في الفصل الأول- بيانا كافيا يوضح معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله في باب أسماء الله وصفاته، ويوضح- أيضا- معتقد أتباعه وأنصار دعوته في هذا الباب.

وسندرك من خلال عرض سريع أن الشيخ رحمه الله، وأتباعه- من بعده- قد اعتنوا بمسألة الأسماء والصفات، وأعطوها حقها من الإيضاح والبيان.

فمع ما كانوا عليه من الانشغال والحرص التام في تقرير توحيد العبادة وبيان ما يناقضه، والاهتمام به قبل كل شيء، لأنه أول واجب على المكلف ومفتاح دعوة الرسل، إلا أن هذا لم يشغلهم عن بيان توحيد الأسماء والصفات2 -كما قرره علماء

1 أوردنا عنوان هذا الفصل هكذا: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم، جريا على مقالة الخصوم حين زعموا أن الشيخ مشبه مجسم بمعنى أنهم يريدون بالتشبيه وبالتجسيم: التكييف والتمثيل. وإلا فإنه من المعلوم عند أهل السنة والجماعة أن لفظ التجسيم من الألفاظ المجملة التي لم يرد نفيها ولا إثباتها في الكتاب ولا في السنة، فمثل لفظ "الجسم" لا يطلق حتى ينظر في مقصود قائله، فإن كان مقصوده معنى صحيحاً، قبل لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص الشرعية دون الألفاظ المجملة، وإن كان مقصوده معنى فاسدا -مثل أن يراد بلفظ الجسم أي البدن كما زعم الخصوم أن الشيخ مشبه مجسم بهذا المعنى الذي يقصوده- رد على قائله. وعلى كل فعنوان هذه الفرية يدل ابتداء على جهل الخصوم، وإعراضهم عن الألفاظ الشرعية الدينية، وتمسكهم بالألفاظ المجملة الموهمة.

2 من المعلوم -أيضا- أن إثبات التوحيد العلمي الخبري يستلزم إثبات توحيد الألوهية.

ص: 113

السلف-، خاصة بعدما انتشرت هذه الدعوة الإصلاحية خارج بلاد نجد، حيث إن بلاد نجد لم تكن ظاهرة فيها الانحرافات في باب الأسماء والصفات، كما كانت الانحرافات ظاهرة ومشاهدة في باب العبادة والألوهية.

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله عن حال أهل نجد في مسألة الأسماء والصفات:

(ونحن بحمد الله قد خلت ديارنا من المبتدعة أهل هذه المقالات) 1 لكن لما انتشرت الدعوة خارج بلاد نجد، احتاج الأمر إلى زيادة بيان في مبحث الأسماء والصفات، لما كان عليه غالب بلاد المسلمين من كثرة الانحراف في باب الأسماء والصفات.

كما أن هذا البيان المفصل- نوعا ما- سيكون بمثابة الرد- ابتداء- والحجة الدامغة لفرية الخصوم الآتي ذكرها بعد هذا البيان.

وسنورد مفتريات الخصوم- كما جاءت مدونة في كتبهم أو من نقلها عنهم-، ثم نتبعها بالرد والدحض. ونسوق في خاتمة هذا الفصل- وبإيجاز- بعض ما سطره خصوم أئمة الدعوة في بيان معتقدهم في الأسماء والصفات. يقرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله عقيدته في باب الأسماء والصفات فيقول- بكل وضوح-:

(ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له، ولا ندّ له ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، فنزّه سبحانه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل. فقال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود وأنه تكلم به

1 "الدرر السنية" 9/164.

2 سورة الصافات آية: 180-182.

ص: 114

حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1. ويقول أيضاً- رحمه الله في بيان توحيد الأسماء والصفات:

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2 متضمنة لما يجب إثباته له تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال صمديته وغناه وأحديته، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والمثيل، فتضمنت إثبات كل كمال، ونفي كل نقص، ونفي إثبات شبيه له، أو مثيل في كماله، ونفي مطلق الشريك

) 3. ويثني الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله على جده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، ثناءً حسناً، لما كان عليه من سلامة المعتقد، وتمام الاتباع للسلف الصالح في باب الأسماء والصفات، فيقول الشيخ عبد اللطيف:

(ولهذا المجدد علامة يعرفها المتوسمون، وينكرها المبطلون، أوضحها وأجلاها وأصدقها وأولاها، محبّة الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلم بما كانوا عليه من أصول الدين، وقواعده المهمة التي أصلها الأصيل وأسها الأكبر الجليل معرفة الله بصفات كماله، ونعوت جلاله، وأن يوصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا تحريف ومن غير تكييف ولا تمثيل)4.

وقد أورد صاحب "جواب الجماعة" معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في باب الأسماء والصفات فقال:

(وكان رحمه الله يعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة

، فيؤمن بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفي عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يلحد في أسمائه، وآياته، ولا يكيف، ولا يمثل صفاته بصفات خلقه

) 5.

فظهر جليا- مما سبق ذكره- ما كان يعتقده الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله في باب الأسماء والصفات، وأنه- رحمه الله يدين الله بما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من

1 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/8.

2 سورة الإخلاص آية: 1.

3 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 4/35، 36.

4 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/156، 157.

5 "جواب الجماعة" ص194.

ص: 115

غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

أما عن معتقد أتباعه- من بعده- في هذا الباب، فنبتدئ بما قاله الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في بيان معتقدهم، حين دخلوا مكة المكرمة سنة 1218هـ، يقول رحمه الله:

(.. مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم والأعلم والأحكم، خلافا لمن قال طريقة الخلف أعلم، وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها، ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها إلى الله تعالى..)1.

ويورد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب معتقدهم في باب الأسماء والصفات- بجواب أوسع من الجواب السابق- فيقول جواباً عن اعتقادهم في آيات الصفات:

(الذي نعتقده والذي ندين الله به، هو مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من الأئمة الأربعة، وأصحابهم رضي الله عنهم أجمعين، وهو الإيمان بذلك والإقرار به وإمراره كما جاء من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل..، ممن سبيلهم في الاعتقاد: الإيمان بصفات الله تعالى، وأسمائه التي وصف بها نفسه، وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليها، ولا نقصان منها ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها، ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ولا تشبيه بصفات المخلوقين، ولا سمات المحدثين بل أمروها2 كما جاءت، وردوا علمها إلى قائلها، ومعناها إلى المتكلم بها صادق لا شك في صدقه، فصدقوه، ولم يعلموا حقيقة معناها3 فسكتوا عما لم يعلموه، وأخذ ذلك الآخر عن الأول، ووصى بعضهم بعضا بحسن الاتباع، والوقوف حيث وقف أولهم، وحذروا من التجاوز لها والعدول عن طريقهم، وبينوا لنا سبيلهم ومذاهبهم، وحذرونا من اتباع طريق أهل البدع والاختلاف..)4.

ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- مبيناً ظهور توحيد الأسماء والصفات، ووضوحه عن طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول:

(ومن المحال في العقل والدين، أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس

1 "الدرر السنية" 1/126.

2 في نسخة الكتاب: أقروها.

3 أي لم يعلموا كيفية الصفات الإلهية.

4 "مجموعة الرسائل" 1/48.

ص: 116

من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب ليحكم بين الناس، فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة، وهو يدعو إلى الله، إلى سبيله بإذن ربه على بصيرة، وقد أخبر الله تعالى بأنه قد أكمل له ولأمته دينهم، وأتم عليهم نعمته، محال هذا وغيره- أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبسا مشتبها، ولم يميز ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وما يجوز عليه وما يمتنع عليه فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول

) 1.

ونختم كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب موجزاً مذهب السلف الصالح فيقول في كتابه "جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والقدرية":

(مذهب السلف رحمة الله عليهم: إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وعلى هذا مضى السلف كلهم، ولو ذهبنا نذكر ما أطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرج بنا عن المقصود في هذا الجواب)2.

وسئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر بن معمر- رحمهم الله عن آيات الصفات الواردة في الكتاب كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3 وكذلك قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 4 وقوله: {أَسْمَعُ وَأَرَى} 5 وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} 6 وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} 7 وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 8 وقوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 9 وغير ذلك في القرآن. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم " قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن " 10 11 وكذلك النفس، وقوله:" إن ربكم ليضحك " 12 وقوله: " حتى يضع

1 المرجع السابق 1/52.

2 المرجع السابق 4/101.

3 سورة طه آية: 5.

4 سورة طه آية: 39.

5 سورة طه آية: 46.

6 سورة المائدة آية: 64.

7 سورة ص آية: 75.

8 سورة الفجر آية: 22.

9 سورة الزمر آية: 67.

10 صحيح مسلم: كتاب القدر (2654)، وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (199) وكتاب الدعاء (3834) ، ومسند أحمد (2/168) .

11 رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

12 أخرجه البخاري ومسلم بمعناه، ولفظهما:"يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ".

ص: 117

رجله فيها فتقول قط " 1 2 وغير ذلك مما لا يحصره هذا القرطاس. على ما تحملون هذه الآيات وهذه الأحاديث في الصفات؟ فكان من جوابهم أن قالوا:

(الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها: ما قال الله ورسوله، وما جمع عليه سلف الأمة وأئمتها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان، وهو الإقرار بذلك، والإيمان من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما قال الإمام مالك لما سئل عن قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3 كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك، وعلته الرحضاء- يعني العرق-، وانتظر القوم ما يجيء منه، فرفع رأسه إليه، وقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء، وأمر به فأخرج، ومن أول الاستواء بالاستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك، وسلك غير سبيله، وهذا الجواب من مالك في الاستواء شاف كاف في جميع الصفات مثل النزول والمجيء واليد والوجه وغيرها فيقال في النزول النزول معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهكذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة

إلى آخر جوابهم رحمهم الله 4. وللشيخ حمد بن ناصر بن معمر رسالة نفيسة تضمنت بيانا شافيا وكافيا لعقيدة السلف الصالح في الأسماء والصفات5 وحشد النصوص والبراهين الدالة على

1 صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن (4850) .

2 رواه البخاري ومسلم.

3 سورة طه آية: 5.

4 "الدرر السنية" 3/185.

5 بمناسبة ورود هذه الرسالة للشيخ حمد بن ناصر بن معمر، فقد لاحظت أن بعض الكتّاب يخلطون فينسبون بعض مؤلفات الشيخ حمد بن ناصر بن معمر النجدي إلى الشيخ محمد بن ناصر الحازمي اليمني، مع أن الأول توفي سنة 1225هـ، بينما الآخر توفي سنة 1283هـ، ومن هذا اللبس أن صديق بن حسن القنوجي ذكر في كتابه "أبجد العلوم"(3/2000) ، أن للشيخ محمد بن ناصر الحازمي رسالة في المشاجرة مع أهل مكة، وأخرى في إثبات الصفات، وقد أورد الزركلي في الأعلام (7/122) هاتين الرسالتين (رسالة في إثبات الصفات، ورسالة في مشاجرة بين أهل مكة وأهل نجد) ونسبهما إلى الحازمي، وذكر أنهما موجودتان في خزانة الرباط (30ك) ، فحرصت -عندئذ- في الحصول عليهما، فلما حصلت عليهما- من المكتبة الكتانية بخزانة الرباط- لاحظت أن "رسالة في إثبات الصفات" هي بعينها رسالة الشيخ حمد بن معمر في الصفات، وهي موجودة في "الدرر السنية"(3/207-262) ، ولكنها غير موجودة في "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"، خاصة وأنه يذكر قوله:(شيخنا محمد بن عبد الوهاب) ومن المعلوم أن الشيخ حمد بن معمر من تلاميذ الشيخ الإمام، ووجدت هذا المخطوط قد طبع- قديماً- في الهند منسوبا إلى الحازمي، ووجدت منه نسخة للشيخ سليمان الصنيع- وهي موجودة في مكتبة جامعة الملك سعود- وقد صحح الصنيع ذلك، فنسبها إلى ابن معمر بدلا من الحازمي. كما أن هذه الرسالة وجدتها مخطوطة في مكتبة الشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد بعنوان معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونسب تأليفها إلى الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، وأما الرسالة الأخرى، وهي رسالة المشاجرة- كما سميت-، فإنها نفس رسالة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، المسماة بـ "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب"، وهي مناظرة الشيخ حمد مع علماء مكة سنة 1211هـ، فقد وهم عمر كحالة في "معجم المؤلفين"(12/72) حين نسب رسالة الفواكه العذاب إلى الحازمي، والله أعلم.

ص: 118

صحة عقيدة السلف الصالح، نقتصر على إيراد هذا النص من هذه الرسالة:

(فشيخنا1 رحمه الله وأتباعه، يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتجاوزون القرآن والحديث، لأنهم متبعون لا مبتدعون، ولا يكيفون، ولا يشبهون، ولا يعطلون، بل يثبتون جميع ما نطق به الكتاب من الصفات، وما وردت به السنة مما رواه الثقات، يعتقدون أنها صفات حقيقية منزهة عن التشبيه والتعطيل، كما أنه سبحانه له ذات حقيقية منزهه عن التشبيه والتعطيل، فالقول عندهم في الصفات كالقول في الذات، فكما أن ذاته حقيقية لا تشبه الذوات، فصفاته صفات حقيقية لا تشبه الصفات، وهذا هو اعتقاد سلف الأمة وأئمة الدين، وهو مخالف لاعتقاد المشبهين، واعتقاد المبطلين، فهو كالخارج من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغا للشاربين)2.

ويقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله، في تقرير توحيد الأسماء والصفات- من خلال سورة الإخلاص:(فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 3 فيها توحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصمدية، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل، فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه، ونفي الشبيه والمثيل، ونفي مطلق الشريك عنه، وهذه الأصول مجامع التوحيد العلمي والاعتقادي الذي يباين صاحبه فرق الضلال والشرك)4.

ويذكر صاحب كتاب "التوضيح عن توحيد الخلاق" بيان توسط أهل السنة والجماعة بين الفرق فيقول:

1 أي محمد بن عبد الوهاب.

2 "الدرر السنية" 3/235، انظر:"الدرر السنية" 3/208.

3 سورة الإخلاص آية: 1.

4 "مجموعة الرسائل والمسائل" 2/64.

ص: 119

(فأهل السنة والجماعة وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسمائه وآياته، ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه، حتى شبهوه بالمعدوم وبالأموات، وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوق، فيؤمن أهل السنة والجماعة بما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تمثيل ولا تكييف..)1.

ويبين الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله أهمية الإيمان بأسماء الله وصفاته، فيقول في كتابه "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" عند شرحه لباب (من جحد شيئا من الأسماء والصفات) :

(لما كان تحقيق التوحيد، بل التوحيد لا يحصل إلا بالإيمان بالله، والإيمان بأسمائه وصفاته، نبه المصنف- أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله صاحب كتاب "التوحيد"- على وجوب الإيمان بذلك)2.

ونظراً لخطورة إنكار شيء من صفات الله عزوجلفإن الشيخ سليمان رحمه الله يقوله في شرحه لقوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَن} 3.

(فيه دليل على أن من أنكر شيئا من الصفات فهو من الهالكين، لأن الواجب على العبد الإيمان بذلك سواء فهمه أم لم يفهمه، وسواء قبله عقله أو أنكره، فهذا هو الواجب على العبد في كل ما صح عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم 4.

ويذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن معتقدهم في باب الأسماء والصفات، وأنه معتقد أهل السنة والجماعة، فيقول في كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" عند شرحه باب قول الله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوه} 5.

(قلت: والذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة متقدمهم ومتأخرهم، إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بجلالة الله إثباتا بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 6 وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذى حذوه

1 "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ص66 = بتصريف يسير.

2 "تيسير العزيز الحميد في شرحه كتاب التوحيد"، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، 1397هـ، ص 574.

3 سورة الرعد آية: 30.

4 "تيسير العزيز الحميد"، ص582.

5 سورة الأعراف آية: 180.

6 سورة الشورى آية: 11.

ص: 120

ومثاله، فكما أنه يجب العلم بأن لله ذاتا حقيقية لا تشبه شيئاً من ذوات "المخلوقين، فله صفات حقيقية لا تشبه شيئا من صفات المخلوقين، فمن جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله، أو تأوله على غير ما ظهر من معناه فهو جهمي قد اتبع غير سبيل المؤمنين، كما قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1 2.

ويشير الشيخ عبد الرحمن بن حسن إلى منشأ ضلال المعطلة في مسألة الصفات، فيقول في شرحه لباب (من جحد شيئاً من الأسماء والصفات) :

(فإن الجهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله، وبنوا هذا التعطيل على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم، فقالوا هذه الصفات هي صفات الأجسام، فيلزم من إثباتها أن يكون الله جسما. هذا منشأ ضلال عقولهم، لم يفهموا من صفات الله إلا ما فهموه من خصائص صفات المخلوقين، فشبهوا الله في ابتداء آرائهم الفاسدة بخلقه، ثم عطلوه من صفات كماله، وشبهوه بالناقصات والجمادات، والمعدومات، فشبهوا أولاً، وعطلوا ثانياً، وشبهوه ثالثاً بكل ناقص ومعدوم، فتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله على ما يليق بجلاله وعظمته

) 3.

وحين ختم الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب التوحيد بقوله: باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 ثم ساق أحاديث هذا الباب5.

كان مما سطره قلم الشيخ عبد الرحمن بن حسن شرحاً لهذا الباب أنه قال:

(وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم قدرته، وعظم مخلوقاته، وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته، وعجائب مخلوقاته، وكلها

1 سورة النساء آية: 115.

2 "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، تحقيق محمد الفقي، ط8، مطابع القصيم بالرياض، 1386هـ، ص449.

3 المرجع السابق ص402.

4 سورة الزمر آية: 67.

5 من هذه الأحاديث ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ:{وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} . انظر: بقية الأحاديث في "كتاب التوحيد"، مجموعة مؤلفات الشيخ، 10/148-150.

ص: 121

تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وتدل على إثبات الصفات لله على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل..

وتأمل ما في هذه الأحاديث الصحيحة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلاله، وتصديقه اليهود فيما أخبروا به عن الله من الصفات التي تدل على عظمته، وتأمل ما فيها من إثبات علو الله تعالى على عرشه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في شيء منها، إن ظاهرها غير مراد، وأنها تدل على تشبيه صفات الله بصفات خلقه، فلو كان هذا حقاً بَلّغَهُ أَمِينُهُ أُمَّتَه، فإن الله أكمل به الدين، وأتم به النعمة، فبلغ البلاغ المبين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين) 1.

ومما كتبه الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في مبحث أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته نختار هذه الخلاصة:

(.. والحاصل أنه ما من اسم يسمى الله به، إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد، وأنه سبحانه منزه عن كل ما يلزم من حدوثه أو نقصه، فكما أن علمنا وقدرتنا وإرادتنا وحياتنا وكلامنا ونحوها من الصفات أعراض تدل على حدوثنا، امتنع أن يوصف الله سبحانه بمثلها، فنعوذ بالله من تأويل يفضي إلى تعطيل، ومن تكييف يفضي إلى تمثيل..)2.

ويورد الشيخ أحمد بن مشرف توحيد الأسماء والصفات بعد توحيد الربوبية وذلك في قصيدته جوهرة التوحيد، فيقول رحمه الله:

والثاني أن يوحد الله على

أسمائه وفي صفاته العلى

وكل ما به تعالى وصفا

لنفسه على لسان المصطفى

فإن وصفه به جل لزم

والحكم في أسمائه كذا التزم3

ويدافع الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتابه النفيس "تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي" عن معتقد السلف الصالح في هذا الباب، ويرد على من رماهم بالتشبيه، فكان مما قاله:

1 "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، ص511، 512 باختصار يسير، وانظر: ما كتبه في تعريف توحيد الأسماء والصفات في "مجموعة الرسائل والمسائل" 2/91.

2 "الدرر السنية" 3/357.

3 "ديوان ابن مشرف" ص2.

ص: 122

(حاشا السلف من اعتقاد التشبيه، أو أنهم يسكتون عن ظهور البدع ولكنهم لكمال علمهم، وقوة إيمانهم لم يفهموا ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله تشبيهاً، وأما المعطلة فإنهم فهموا مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله التشبيه والتجسيم، ثم شرعوا في رد الكتاب والسنة بالتأويلات المستنكرة والتحريفات المزورة، فأخطأوا خطأين، لأنهم شبهوا أولا، ثم عطلوا ثانياً، وأما السلف الصالح، ومن معهم من الخلف الناجح فمسلكهم مسلك بين مسلكين، وهدى بين ضلالتين، أثبتوا بغير تشبيه وتمثيل، ونزهوا بغير تحريف ولا تعطيل، وأنكروا مذهب الجهمية والمعتزلة، وردوا على من قابلهم من المجسمة والممثلة

) 1.

وفي رسالة "تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات"2 لأحد علماء نجد، يذكر معتقدهم في أسماء الله وصفاته فيقول:

(اعلم أن إيماننا بما ثبت في نعوته تعالى كإيماننا بذاته المقدسة، إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة عن الأشباه، من غير أن نعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونعقل وجودها، ونعلمها في الجملة، من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تشبيه ولا تعطيل، ونقول كما قال السلف الصالح: آمنا بالله على مراد الله، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فالاستواء معلوم من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وكل ما وصف الله به نفسه وجب الإيمان به، كما يجب الإيمان بذاته، والكيف مجهول فيهما، لاستحالة تصوره لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3 ومن ليس له مثل لا يمكن التصور في ذاته وصفاته لا شرعاً ولا عقلا..)4.

ويجمل علامة العراق محمود شكري الآلوسي عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسألة الأسماء والصفات فيقول الآلوسي في "تاريخ نجد":

(قد عرف واشتهر واستفاض من تقرير الشيخ، ومراسلاته، ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه، وعرف واشتهر من أمره ودعوته وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلاميذه، أنه على ما كان عليه السلف الصالح، وأئمة الدين أهل

1 "تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي"(طبع ضمن مجموعة كتب) ، مطبعة كردستان مصر، 1329هـ، ص241.

2 توجد هذه الرسالة مخطوطة -ولكنها ناقصة- في قسم المخطوطات بجامعة الملك سعود، رقم 1356، ومنسوبة إلى محمد بن محسن العطاس (كان حيا سنة 1305هـ) .

3 سورة الشورى آية: 11.

4 "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/681.

ص: 123

الفقه والفتوى في باب معرفة الله، وإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت به الأخبار النبوية، وتلقاها أصحاب رسول الله بالقبول والتسليم يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها، كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل

) 1.

وقد تضمن "البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد" ما نصه:

(أما بعد: فإنا نعتقد أن الله واحد في ربوبيته، واحد في ألوهيته، واحد في أسمائه وصفاته

، فله الأسماء الحسنى والصفات العليا كما أثبتها لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسله، بلا تكييف، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، وأن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته على عرشه علا على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون..) 2.

ويقول الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد في خطابه، موضحاً توحيد الأسماء والصفات، ومبيناً أوجه الاتفاق وأوجه الخلاف في هذا التوحيد عند أصحاب المقالات من الفرق الإسلامية:

(توحيد الأسماء والصفات وهو إثبات ما وصف الرب تعالى وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى إثباتاً يليق بجلاله وعظمته، ويختص به من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وجميع أصحاب المقالات من الفرق الإسلامية متفقون على إثبات هذه المقدمة، وهي أن الله تعالى موصوف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، وإنما اختلفوا فيما هو كمال وما هو نقص أو يلزم منه النقص فمنهم من ظن أن وصف الباري تعالى بما وصف به نفسه يلزم منه التجسيم والتشبيه، فنفى ما أثبته الله تعالى لنفسه، وعطل أسماءه وصفاته، وألحد فيها، ومنهم من أثبت ذلك وغلا في الإثبات حتى شبه صفات الباري تعالى بصفات خلقه، وهدى الله أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية إلى القول بما دل عليه الكتاب والسنة ومضى عليه سلف الأمة من إثبات جميع ما وصف به تعالى نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وإمرارها كما جاءت وهذا هو طريق النجاة..)3.

1 "تاريخ نجد"، تحقيق محمد بهجة الأثري، ط السلفية القاهرة، 1343هـ، ص77.

2 ص6.

3 خطاب ابن بليهد أثناء الاجتماع بين علماء مكة ونجد، ص14.

ص: 124

ويقول القصيمي في كتابه "الثورة الوهابية" أثناء حديثه عن معتقد الشيخ محمد ابن عبد الوهاب: (إيمانه بما تواترت عليه الكتب المقدسة، ولا سيما القرآن من أن الله سبحانه وتعالى مستو على العرش استواء يليق به لا كما يستوي المخلوق

وقد نازعه مخالفوه قائلين إن ذلك يقتضي التجسيم وتشبيه الله بخلقه، فرد عليهم قائلا: إن جميع الكتب السماوية مصرحة بذلك تصريحاً لا يقبل الجدل. والله أعلم حيث يصف نفسه، وأعلم بما يجوز في حقه، وما لا يجوز، وقائلا: إن المسلمين قائلون بذلك قبل ظهور هؤلاء المخالفين بلا نزاع بينهم

) 1.

وأخيراً ندرك من خلال النصوص السابقة طريق النجاة الذي سلكه أئمة هذه الدعوة السلفية، تأسيا واقتداء بالرعيل الأول، من وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون القرآن والحديث في ذلك.

ونلاحظ -كما سيأتي- أن مزاعم خصوم هذه الدعوة السلفية التي تكذب على إمام هذه الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتبهته بأنه مجسم ومشبه في الصفات، نلاحظ أن من مبررات الخصوم في القذف بهذا البهتان هو أن الشيخ رحمه الله وكذا أتباعه من بعده يثبتون جميع الصفات التي وردت في الكتاب والسنة، ويمرونها -كما جاءت- على ظاهرها دون تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، ويفوضون العلم بالكيفية إلى الله سبحانه وتعالى.

فجعل الخصوم هذا الإثبات مبرراً في رمي الشيخ بالتشبيه والتجسيم، لذا يأتي مع هذه الفرية غالباً بيان لبعض الصفات التي يثبتها الشيخ لله عز وجل وهو كما تقدم لا يصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم

مثل صفة الاستواء، والعلو، والنزول، ونحوها، ويسوق الخصوم هذا الإثبات زعماً منهم أنه تجسيم وتشبيه، ولا يكتفون بذلك، بل يختلقون زيادة في الإفك والبهتان، فيزعمون أن الشيخ يثبت لله الجلوس والجنب واللسان، بل يكذبون عليه- أشنع من قبل-، ويبهتونه بأنه يقول إن الله جسم كالحيوان.. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

ومن أوائل الذين ذكروا هذه الفرية، أحد علماء الزيدية حين كتب رسالة يرد على رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، فقال هذا الزيدي مخاطباً الشيخ عبد الله:

(وأنت أيضاً قد ناقضت كلامك بكلامك، حيث قلت: وذلك مثل وصف نفسه تبارك وتعالى بأنه فوق السماوات مستو على عرشه، فقد فسرت كتاب الله وأثبت لله

1 "الثورة الوهابية" ط1، مطبعة الرحمانية مصر، 1354هـ، ص12.

ص: 125

صفة، وهي الفوقية المستلزمة للتجسيم، وليست الفوقية مذكورة في قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 2. ويشنع علوي الحداد على الشيخ الإمام، فيقول الحداد:

(ومن أعظم بدع النجدي عقده الدروس في التجسيم للباري تعالى الله عن قول الجاحدين والكافرين علواً كبيرا)3. ويقول -أيضا- عن الشيخ: (.. ومع ذلك أظهر التجسيم والحركة والانتقال) 4.

ويذكر أحد دجالي بلاد المغرب5 هذه الفرية.. فكان من دجله أنه قال في كتابه المسمى "المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية":

(ويحكى عنهم - أي الوهابية- أنهم اتبعوه- أي ابن تيمية- في القول بالتجسيم، وحملوا على ذلك ظواهر القرآن الكريم تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.. وكانوا أجدر باللحوق بأهل الأصنام لأنهم إذا اعتقدوا أن معبودهم جسم لم يعبدوا الله ولا عرفوا منه إلا الاسم..)6. وأما المدعو علي نقي اللكنهوري، فقد رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالأكاذيب والمفتريات، ولكنه أعرض عن هذه الفرية فقال: (ونطوي كشحا عما يعزى إليهم من التجسيم) 7.

ويورد شيخ الكذب أحمد بن زيني دحلان هذه الفرية، أثناء سرده أكاذيب على الشيخ، فقال دحلان:

(وإظهار التجسيم للباري تبارك وتعالى، وعقده الدروس لذلك

)

وتلقف أحمد مختار باشا المؤيد هذا الإفك، فقال:

(ومن مذهبهم: القول بالتجسيم للباري جلا وعلا، وقرروه في دروسهم)9.

ويستنكر النبهاني في قصيدته "الرائية الصغرى" إثبات الوهابيين لصفة العلو لله

1 سورة طه آية: 5.

2 "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/101.

3 "مصباح الآنام"، ص13.

4 "مصباح الآنام"، ص23.

5 وهو المدعو: أبو الفداء إسماعيل التميمي.

6 "المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية"، معهد المخطوطات، الكويت، ق9.

7 "كشف النقاب عن عقائد ابن عبد الوهاب، ط النجف، العراق. 1345هـ، ص80.

8 "الدرر السنية" في الرد على الوهابية"، ص- 56.

9 نقلا عن: "البيان والإشهار في كشف زيغ الملحد مختار"، ص103.

ص: 126

سبحانه وتعالى، فكانوا أحق بالوقوع في الشرك؛ لأن هذا تجسيم على حدّ زعمه، فقال:

وهم باعتقاد الشرك أولى بقصرهم

على جهة للعلو خالقنا قصرا

هو الله رب الكل جل جلاله

فما جهة بالله من جهة أحرى

تأمل تجد هذي العوالم كلها

بنسبة وسع الله كالذرة الصغرى

فحينئذ أين الجهات التي بها

على الله من حمق بهم حكموا الفكرا1

ويأتي المدعو (جميل صدقي الزهاوي) بهذه الفرية، ويستطرد في الإفك والبهتان فيقول:

(لقد خبطت "الوهابية" كل الخبط في تنزيهه تعالى، حيث أبت إلا جعل استوائه سبحانه ثبوتا على عرشه، واستقراراً وعلواً فوقه، وأثبتت له الوجه واليدين، وبعضته سبحانه فجعلته ماسكا بالسماوات على أصبع والأرض على أصبع، والشجر على أصبع، ثم أثبتت له تعالى الجهة، فقالت هو فوق السماوات ثابت على العرش، يشار إليه بالأصابع إلى فوق إشارة حسية، وينزل إلى السماء الدنيا ويصعد

) 2.

ويقول الزهاوي أيضا:

(لقد اعتقدوا متمسكين بظواهر الآيات أن الله تعالى ثبت على عرشه وعلاه علواً حقيقيا، وأن له تعالى وجها ويدين، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ويصعد نزولا وصعوداً حقيقيين، وأنه يشار إليه في السماء إشارة حسية

لقد جعلت الوهابية معبودها جسماً كالحيوان جالساً على عرشه ينزل ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقيين، وله وجه ويد ورجل وأصابع حقيقية يتنزه عنه المعبود الحق

) 3.

وقد شنع يوسف الدجوي على أتباع الدعوة في إثباتهم لصفة العلو لله سبحانه، ويقول عبد الله بن علي القصيمي:

(مما ينقمه "الدجوي" من الوهابيين، ويكفرهم من جرائه مسألة "علو الله على خلقه" وقد كتب في ذلك مقالات كثيرة في مجلة نور الإسلام، وفي مجلة الإسلام، وفي بعض الجرائد اليومية

) 4.

1 " الرائية الصغرى"، ط4، ص28 وقد ألف النبهاني رسالة في نفي الجهة- يرد فيها على ابن تيمية.

2 "الفجر الصادق في الرد على منكري التوسل والكرامات والخوارق" مكتبة المليجي مصر، سنة 1323هـ، ص28.

3 المرجع السابق، ص118.

4 "الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم"، ط1-، مطبعة التضامن من مصر، 1934م، ص118. وانظر: بعض مقالات الدجوي في مجلة نور الإسلام - م2، ص282-289، ص131- 638 مقال تنزيه الله عن المكان والجهة. - 5 م ص519- 527 مقال تنزيه الله عن المكان والجهة.

ص: 127

ويورد (شرف) 1 في معرض تهجمه على الوهابية (المجسمة) على حد تعبيره هذا القول حاكياً حال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

(.. وأنه مؤول فيها الاستواء بالاستقرار قاتله الله، والله تعالى خال عن الجهات الست)2.

وينكر الإسكندراني في نفحته تلك الفرية فيقول:

(ومما تمذهبت به الوهابية في العقيدة إثبات اليد والوجه والجهة للباري وجعله جسماً يصعد وينزل)3. وقد أطال محسن الأمين العاملي هذه الفرية، وسود الصحائف بتلك الكذبة، فنورد بعضاً من إفكه حيث يقول:

(لقد خرق بنفسه- أي ابن عبد الوهاب- ستور التوحيد، وأنه تكلم في حضرة الله تعالى عما يقول علواً كبيراً تكاد السماوات يتفطرن منها، وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، وهي أنه يحمل آيات الصفات على ظاهرها فيقول إن الله جالس على العرش حقيقة وأن له يداً ورجلا وساقا وجنبا وعينا ووجها ولسانا ونفسا وغيرها حقيقة، وأنه يتكلم بحرف وصوف، وذلك عين التجسيم الذي أطبق المسلمون على كونه كفرا

) 4. وبعد أن يسوق بعض الأقوال في معتقد الوهابيين في الصفات، يعقبه بقوله:

(وهذه الأقوال مما تأباه الشريعة الإسلامية والملة المصطفوية لملازمتها التجسيم، وأن المجسمة قد أطبق المسلمون على كفرهم فإنه ينافي التوحيد

) 5.

ويقول هذا الأفاك الأثيم:

1 وهو المدعو شرف اليماني نزيل البحرين، زمن تأليف ابن سحمان الرد عليه حيث تهجم على الدعوة السلفية، وانتصر لإخوانه المفترين مثل دحلان وبابصيل. انظر: مقدمة رسالة "تأييد مذهب السلف" لابن سحمان ص2، 3.

2 نقلا عن: "تأييد مذهب السلف وكشف شبهات من حاد وانحرف ودعي باليماني شرف" ط2، المطبعة المصطفوية الهند، سنة 1323هـ، ص3.

3 نقلاً عن: "النفخة على النفحة" ص35.

4 "كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب"، ط1، مطبعة ابن زيدون، دمشق، 1346هـ، ص8.

5 المرجع السابق، ص12.

ص: 128

(لقد أثبتوا لله جهة الفوق، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء، والقرب وغير ذلك بمعانيها الحقيقية من دون تأويل. وهو تجسيم صريح..)1.

ونختم هذه الفرية بما أورده محمد جواد مغنية في كتابه "هذه هي الوهابية" حين قال:

(يجمد الوهابيون على ظاهر نصوص الكتاب والسنة في صفات الله سبحانه، ولم يجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلت عليه الصورة الحرفية، بل يعتبرون التأويل كفرا؛ لأنه كذب على الله ورسوله، ويرون تنزيه الله بإثبات اليد له والرجل والكف والأصابع والنفس والوجه والعين والسمع والجلوس.. وما إلى ذلك من الصفات التي وصف الله بها نفسه، أو جاءت على لسان نبيه من غير زيادة ولا نقصان، ولا تأويل بما يخالف ظاهرها)2.

وبهذا يتضح من مزاعم الخصوم، أنهم يلصقون فرية التشبيه والتجسيم بالشيخ الإمام وأنصار دعوته، بحجة أن هؤلاء الوهابيين يأخذون بظواهر النصوص في آيات الصفات وأحاديثها. إذا انتقلنا إلى مقام الدحض والرد، لفرية التجسيم والتشبيه، فإن من أبلغ الردود وأقواها، ما أوردناه من النقول المتعددة التي تصرح بإثبات الصفات لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، إثباتا بلا تمثيل ولا تكييف.

وقد أظهر علماء الدعوة الحجج الدامغة والبراهين الساطعة في دحض هذه الفرية الكاذبة الخاطئة.

فيقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرد على (الزيدي) الذي زعم- كما سبق ذكر قوله- إن إثبات الصفات يلزم منه التجسيم، فكان مما قاله الشيخ عبد الله رحمه الله رداً عليه:

(قوله: وقد أردت أن تنزه ربك بما يلزم منه التجسيم كذب ظاهر؛ لأنا قد بينا أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله حق وصدق وصواب، ولازم الحق حق بلا ريب، ولا نسلم أن ذلك يلزم منه التجسيم، بل جميع أهل السنة المثبتة للصفات ينازعون في ذلك، ويقولون لمن قال لهم ذلك لا يلزم منه التجسيم، كما لا يلزم من إثبات الذات لله تعالى، والحياة والإرادة والكلام تجسيم وتكييف عند المنازع، ومعلوم

1 "كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب"، ط1، مطبعة ابن زيدون، دمشق، 1346هـ، ص129. وانظر: المرجع السابق أيضا: ص136، 138.

2 "هذه هي الوهابية"، 1964م، ص92.

ص: 129

أن المخلوق له ذات ويوصف بالحياة والقدرة والإرادة والكلام، ومع هذا لا يلزم من إثبات ذلك لله تعالى إثبات للتجسيم والتكييف تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

ومعلوم أن هذه الصفات في حق المخلوق إما جواهر، وإما أعراض. وأما في حقه تبارك وتعالى، فلا يعلمها إلا هو بلا تفسير ولا تكييف) 1.

ويقول الشيخ عبد الله- أيضا-:

(وقوله وأثبت لله صفة وهي الفوقية المستلزمة للتجسيم كذب ظاهر؛ لأن إثبات الفوقية لا يلزم منه ذلك عند من قال به، والله سبحانه وتعالى أعلم من خلقه بما يجوز عليه وما يمتنع عليه، ولكن هذا شأن أهل البدع والضلال، يردون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله بهذه الأمور القبيحة

) 2.

ويقول الشيخ أحمد بن مشرف الإحسائي، أحد شعراء هذه الدعوة، ردا على فرية التشبيه، ودحضاً لهؤلاء المعطلة الذين عطلوا صفات الله..، فيقول ابن مشرف في قصيدة "الشهب المرمية على المعطلة والجهمية":

نفيتم صفات الله فالله أكمل

وسبحانه عما يقول المعطل

زعمتم بأن الله ليس بمستو

على عرشه والاستوا ليس يجهل

فقد جاء في الأخبار في غير موضع

بلفظ استوى لا غير متأوّل

وقد جاء في إثباته عن نبينا

من الخبر المأثور ما ليس يشكل3

ويفصل الشيخ سليمان بن سحمان- أثناء رده على فرية التجسيم- المراد من إطلاق لفظ "الجسم" على الله سبحانه وتعالى، ويبين ما يجوز من هذه المعاني، وما لا يجوز فيقول رحمه الله:

(الجواب أن نقول اعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا فيكون له الإثبات، ولا نفيا فيكون له النفي، فمن أطلقه نفيا وإثباتا، سئل عما أراد به، فإن قال أردت بالجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه، فلا للهواء جسم لغة.. فهذا المعنى منفي عن الله سبحانه عقلا وسمعا، وإن أردتم به المركب من المادة والصورة والمركب من الجواهر المفردة، فهذا منفي عن الله سبحانه قطعا، وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات، ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم،

1 "مجموعة الرسائل والمسائل"(جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية) 4/118.

2 المرجع السابق 4/101.

3 "ديوان ابن مشرف"، ص17.

ص: 130

ويسمع ويبصر، ويرضى ويغضب، فهذه المعاني ثابتة للرب، وهو موصوف بها، فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما.

وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية، فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى بأصبعه رافعا لها إلى السماء بمشهد الجمع الأعظم مستشهدا له، لا للقبلة

) 1.

- إلى أن قال رحمه الله:

(وكذلك إن أردتم بالتشبيه والتركيب هذه المعاني فنفيكم لها بهذه الألقاب المنكرة خطأ في اللفظ والمعنى، وجناية على ألفاظ الوحي، أما الخطأ اللفظي فتسميتكم الموصوف بذلك مركبا مؤلفا مشبها بغيره، وتسميتكم هذه الصفات تجسيما وتركيبا وتشبيها، فكذبتم على القرآن وعلى الرسول وعلى اللغة، ووضعتم لصفاته ألفاظا منكم بدأت وإليكم تعود، وأما خطأكم في المعنى فنفيكم وتعطيلكم لصفات كماله بواسطة هذه التسمية والألقاب فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر.

وأشد ما جادل به أعداء الرسول من التنفير عنه هو سوء التعبير عما جاء به وضرب الأمثال القبيحة له، والتعبير عن تلك المعاني التي لا أحسن منها بألفاظ منكرة. ألقوها في مسامع المفترين المخدوعين توصلت إلى قلوبهم فنفرت عنه

) 2.

وللشيخ سليمان بن سحمان قصيدة شعرية في الرد على المدعو (شرف اليماني) حين رمى هذه الدعوة السلفية بالتجسيم فكان مما قاله:

فلم نؤول كما قد قاله عمها3

ونتبع الجهم فيما قال وانصرفا

ولم نجسم كما قالوا بزعمهم

بل نثبت الفوق والأوصاف والشرفا

إن المجسمة الضلال ليس لهم

في غيهم من دليل يوجب النصفا

والله ما قال منا واحد أبدا

بأنه كان مجسما إن ذا لجفا

بل نثبت الذات والأوصاف كاملة

كما به الله والمعصوم قد وصفا

ولم نشبه كأهل الزيغ حين بغوا

واستبدلوا بضياء الحق ما انغسقا4

1 "كشف غياهب الظلام"، ص 131-134- باختصار، وانظر:"الضياء الشارق" ص78- 132، وانظر:"الأسنة الحداد" ص172،173.

2 "كشف غياهب الظلام" ص134 باختصار.

3 العمه هو التحير والتردد، انظر: "مختار الصحاح للرازي ص456.

4 "ديوان ابن سحمان". ص130، وانظر: رسالة ابن سحمان "تأييد مذهب السلف" ص6. وانظر: في ديوانه بعض ردوده على تلك الفرية: رده على النبهاني ص94، رده على الزهاوى ص152، 281، رده على العجلي ص261، وغيرها.

ص: 131

ويبين الشيخ فوزان السابق في كتابه "البيان والإشهار" تدليس المدعو أحمد باشا مختار المؤيد، وتلبيسه الحقائق حين رمى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بفرية التجسيم، فقال الشيخ فوزان:

(أقول: أجمل هذا الملحد فريته، فلم يذكر وجه هذا التجسيم الذي قرره الوهابيون في دروسهم مفصلا كما زعمه، وقصده في هذا التدليس، إخفاء مذهبه الباطل فهو جهمي معطل، ويعني بالتجسيم إثبات صفات الباري جل وعلا، كما هي واردة في الكتاب والسنة، وكما عليه سلف الأمة من الإيمان بالله وبما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يحرفون الكلم عن مواضعه

فمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في صفات الله تعالى مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم

) 1.

ومما كتبه محمد رشيد رضا في دحض كذب الرافضي العاملي، لما رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب- وكذا ابن تيمية من قبل- بفرية التشبيه والتجسيم، فقال محمد رشيد رضا:

(إن ما ذكره من العقائد التي زعم أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم أباحوا بها حمى التوحيد، وهتكوا ستوره بإثباتهم لله تعالى صفة العلو والاستواء على العرش

إلخ، إنما أثبتوا بها كسائر أهل السنة ما أثبته الله تعالى في كتابه المعصوم وفي سنة خاتم أنبيائه المعصوم المبينة له.

فهم يثبتون تلك النصوص بمعانيها الحقيقية بدون تأويل، ولكن مع إثبات التنزيه فهم متبعون في ذلك لسلف الأمة الصالح غير مبتدعين له، وإنما ابتدع التأويل الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.

وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام، فبهذه الشبهة عطلوا أكثر صفات الله حتى صارت عندهم في حكم العدم.

والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به، وأشد منهم تنزيها للرب -إلى أن قال-: والقاعدة في ذلك أن تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه

1 ص103.

ص: 132

قد ثبت بدليل العقل والنصوص القطعية من النقل كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 وأن السلف يجمعون بين الأمرين: تنزيه الرب سبحانه ووصفه بما وصف به نفسه من الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغير ذلك، وعدم التحكم في التفرقة بين هذه الصفات وصفات العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام) 2.

ثم يكذب محمد رضا دعوى هذا الرافضي، حيث يقول:

(زعم الرافضي العاملي أن ابن تيمية أول من أثبت ما ذكره من صفات الله تعالى بدون تأويل وتبعه بعض تلاميذه، ثم الوهابية، وأنهم خالفوا في ذلك جميع المسلمين، وهذا كذب وافتراء، وتضليل لعوام أهل السنة، وتمهيد إلى جذبهم إلى الرفض الذي من أصوله تعطيل صفات الله تعالى بالتأويل، وجعله عزوجلكالعدم تعالى الله عما يقول المبتدعون علواً كبيرا. فما من صفة من تلك الصفات إلا وهي منصوصة في القرآن أو في الأحاديث النبوية الصحيحة..)3.

ويقول ناصر الدين الحجازي في "النفخة" راداً على بهتان الاسكندرانى حين جعل إثبات الوهابية للصفات تجسيما:

(الوهابية لم يثبتوا ذلك وإنما أثبته الله تعالى لنفسه، غاية الأمر أن الوهابية كغيرهم من السلف، يؤمنون بذلك، ويكلون علمه إلى الله تعالى من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، وبذلك نطقت كتب عقائدهم.

ولقد كانت المعتزلة ترمي أهل السنة بأنهم مجسمة، وذلك مسطور في كتبهم، وصاحبنا سلك هذا المسلك، فإذا كان المؤلف ينكر إثبات تلك الصفات لله تعالى، فلينكر على من أثبتها، وأما الجسمية فمحال أن يعتقدها مسلم4 ومن ادعاها لأمة مسلمة فعليه أن يبرهن عليها بنقل من كتبهم لا بمجرد الإفك والافتراء) 5.

ويهاجم عبد الله بن علي القصيمى أهل الرفض من أمثال العاملي وغيره؛ لأنهم أكذب الناس حديثا فلا يعول على نقلهم، ويذكر القصيمي ما عليه الرافضة من التشبيه والتجسيم، حيث إنهم من أفراخ اليهود.

1 سورة الشورى آية: 11.

2 "السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة"، مطبعة المنار، مصر 1347هـ، ص74، 75.

3 المرجع السابق ص83.

4 "النفخة على النفحة" ص35.

5 يقصد الحجازي بالجسمية -هاهنا- أي البدن أو المركب من الجواهر المفردة وغيرها من المعاني الباطلة التي من المحال أن يعتقدها موحد.

ص: 133

يقول القصيمي في كتابه "الصراع بين الإسلام والوثنية" في الرد على العاملي بعد أن ساق كلامه:

(يقال إن الذين أباحوا حمى التوحيد وهتكوه ونسفوه، وأضافوا إلى الله ما لا يليق بقدسه وجلاله وكماله من التشبيه والتمثيل، تمثيل الله بخلقه لم يوجد في طائفة من الطوائف المنحرفة مثلما وجدا في طائفة الرافضة.

ولا خلاف بين علماء الملل والنحل أن التشبيه أول ما دخل على الطوائف الدائنة للإسلام. إنما دخل عليها من شطر الرافضة، وجانب شيوخها القدامى.

ولا خلاف أيضا أن التشبيه كان أصلا ووضعا في طوائف الشيعة وشيوخها ووضع مذهبها وبناة نحلتها

حيث إن واضع مذهب الشيعة هو رجل يهودي وهو عبد الله بن سبأ، واليهود هم أهل التشبيه والتنقص لله جل وعلا

) 1.

ثم يقول القصيمي: (وأما دعواه أن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وتلاميذه وأهل السنة من أهل نجد يقولون إن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه يشبه أحداً من خلقه في صفة من صفاته ونعت من نعوته، فهذه دعوى يتقلدها ويبوء بإثمها هو ومن افتجرها له وقلده فيها، ممن تعبدوا الله بالأكاذيب والاختلاق على رجال السنة والحديث تغريراً وتنفيراً وخداعا مزريا، ولو لم تكن كتب ابن تيمية وتلاميذه الأبرار وأهل السنة من أهل نجد مطبوعة منشورة في أنحاء العالم، معروفة للخاصة والعامة، لقلنا كذب على غائب مجهول، قد يروج، وقد ينفق، وقد يحسب من الحقائق الصادقة، وقد يكون كذلك، وقد يخادع الكاذب نفسه ويغش علمه ويظلم دينه، أما الكذب على معلوم حاضر فلا يجرؤ عليه إلا أناس قليلون استهانوا بالحق والخلق

فهذه كتب النجديين موجودة في كل مكان، قد طبع الشيء الكثير منها، وهذه مقالاتهم وآراؤهم في هذه المطالب المتنازع فيها بينهم، وبين هؤلاء الخلوف المخالفين، وهذه أقاويلهم في الله، وفي صفاته، مثل الاستواء على العرش، ومثل كلامه، ونزوله إلى سماء الدنيا، وسائر صفاته تعالى، هل يستطيع أحد من الناس أن يجد فيها أنهم زادوا على النصوص الصحيحة من الآيات والأحاديث الثابتة، أو أنهم قالوا على الله قولاً لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبيه..) 2.

1 "الصراع بين الإسلام والوثنية، 1/ 515.

2 "الصراع بين الإسلام والوثنية، 1/526.

ص: 134

إن هؤلاء الأدعياء ممن رموا هذه الدعوة الإصلاحية بفرية التجسيم والتشبيه، أنهم لم يفقهوا من الصفات التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم إلا صفات البشر، ولم يفقهوا من صفات الله إلا ما فقهوه من خصائص وصفات المخلوقين، فشبهوا الله في ابتداء آرائهم- المنحرفة- بخلقه، ثم عطلوه من صفات كماله- كالاستواء والعلو، والكلام، ونحوها-، وشبهوه بالناقصات، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

فهؤلاء جمعوا ببن التشبيه بالمخلوق أولا، ثم التعطيل ثانيا، ثم التشبيه بالناقصات، ولم يكتفوا بذلك الضرر، بل قذفوا- كذباً وزوراً- أئمة هذه الدعوة السلفية بالتجسيم والتشبيه، حين وصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم1.

ونختم هذا الفصل بذكر مثالين- فقط- لما كتبه الخصوم في مسألة الصفات، ليتضح- جليا- ضلال القوم وفساد عقائدهم في ذلك.

والمثال الأول: هو ما كتبه أحد علماء الشيعة، وهو المدعو محمد بن عبد الوهاب ابن داود الهمداني، في رسالته "إزهاق الباطل"2 حيث ذكر معتقدهم بكل زهو وعجب، على أنه هو المعتقد الحق في ذلك فقال:

1 لزيادة البيان والإيضاح لجهود أئمة الدعوة وأنصارها في تقرير عقيدة أسماء الله سبحانه وصفاته والرد على المخالفين، انظر على سبيل المثال: 1- "جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية"(في مجموعة الرسائل والمسائل 4/92-164) للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. 2- "بيان كلمة التوحيد والرد على الكشميري عبد المحمود، (ضمن مجموعة الرسائل 4/320-364) للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب. 3- "البراهين الإسلامية" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ق3، 4. 4- "مجموعة الرسائل والمسائل" - رسائل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، 3/99، 116، 118، 121، 221، 238. 5- "قصيدة الشهب المرمية على المعطلة والجهمية، لأحمد بن مشرف. 6- "كشف الأوهام والالتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس" لابن سحمان. 7- "تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة" لابن سحمان. 8- رسالة الشيخ حمد بن عتيق إلى صديق حسن خان تنبيها على أخطاء وقعت في تفسيره في مسألة الصفات. 9- "الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم (مبحث علو الله على خلقه والرد على الدجوي ودحض مفترياته ثم البراهين على علو الله على خلقه ص118-166) وغيرها كثير ولله الحمد.

2 "إزهاق الباطل في رد شبه الوهابية"، نسخة خطية مصورة بدارة الملك عبد العزيز، الرياض، ق36. ويليها رسالة -للمؤلف نفسه- بعنوان:"الغنية في إبطال الرؤية"!.

ص: 135

(واعلم أنا لما نظرنا بعين البصيرة.. في المذاهب، وجدنا أحقها بالاتباع والانقياد، وأخلصها من شوايب الفساد، وأعظمها تنزيها لله ولرسوله، ولأوليائه الأمجاد مذهب الشيعة، لأنهم اعتقدوا أن الله سبحانه هو المخصوص بالأزلية والقدم، وأن كل ما سواه محدث، وأنه ليس بجسم، ولا جوهر، ولا في مكان، وإلا كان محدثا، وأنه تعالى غير مرئي، ولا مدرك بشيء من الحواس) .

ففي النص السابق، إنكار لبعض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم حيث أنكر علوه سبحانه، وأنكر رؤيته سبحانه، كما أن هذا النص تضمن وصف الله تعالى بألفاظ مبتدعة مستحدثة، مع الإعراض عن الألفاظ الشرعية الدينية

والمثال الثاني: ما ذكره أحد أدعياء التصوف وهو النبهاني في كتابه "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" حيث يقول:

(قد ظهر لنا معاشر أهل السنة من السلف والخلف من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ظهورا جليا ليس معه أدنى شك وارتياب أن الصواب الصراح والحق الأبلج الوضاح هو تنزيه الله عن جميع الجهات العلويات والسفليات، لأنها من أوصاف الحادثات..)1.

ويقول النبهاني- أيضا- منكرا صفة العلو:

(وأما ما ورد مما يفيد ظاهره أن الله تعالى في جهة العلو وجهة الفوق، وفي السماء، فهذا يجب تأويله قطعا لأن كمال الله تعالى الثابت المحقق من كل الوجوه عقلا ونقلاً يقتضي أن لا تحصره تعالى جهة العلو ولا غيرها من الجهات)2.

ومما قاله النبهاني- شعراً-:

سبحانه من إله ليس يحمله

عرش بل العرش محمول له وبه

لو استقر على العرش لكان به

للعرش حاجة محتاج لمركبه

لكن عليه استوى لا كيف نعلمه

للاستواء أو القهر المراد به

جاء المجيء له سعيا وهرولة

والحب والقرب منه مع تقربه

والعلو والفوق أيضا والنزول أتى

والضحك مع غضب ويل لمغضبه

وقد تعجب من أشياء قد وردت

كما يليق به معنى تعجبه

وهكذا كل لفظ موهم شبها

فوضه لله أو أول بلا شبه3

1 يوسف بن إسماعيل النبهاني،"شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" مكتبة الحلبي، مصر، ص 169.

2 المرجع السابق، ص 171.

3 المرجع السابق، ص 179.

ص: 136

لقد تضمنت تلك النصوص المتردية تعطيلا لصفات الخالق عزوجلمثل العلو والاستواء والنزول وغيرها، كما تضمنت تحريفا للنصوص الثابتة عن مواضعها، مع الافتراء على السلف الصالح، والزعم بأن التعطيل هو مذهبهم، والله المستعان.

ص: 137