الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك
الفصل الأول: التكفير والقتال.. عرض ثم رد وبيان
المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها
…
الباب الثاني: الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك
يظهر من خلال عنوان هذا الباب أن الحديث سيكون متجها إلى الشبهات1 التي أثيرت حول دعوة االشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فإذا كان الباب الأول تضمن الحديث عن أكاذيب ومفتريات ضد هذه الدعوة السلفية، وسيتضمن الباب الثالث -كما سيأتي- ما اعترض على دعوة الشيخ مما هو حق وصدق في حد ذاته، فإن هذا الباب هو وسط بين هذين البابين، فهو بين الكذب الصريح في المفتريات، وبين الصدق والصواب في بعض الاعتراضات، فهو باب يتضمن الشبهات مما يحمل طابع الالتباس والإيهام فيحتاج إلى تفصيل وبيان حتى يزول هذا الالتباس، وينكشف ذلك الإيهام.
1 عرف الفيروز آبادي الشبهة بأنها الالتباس، وكذا الرازي في "مختار الصحاح". (انظر:"ترتيب القاموس المحيط للزاوي 2/670، و"مختار الصحاح" ص328 وقال الفيومي في "االمصباح المنير" ص358: (والشبهة في العقيدة المأخذ الملّبس، سميت شبهة لأنها تشبه الحق) .
الفصل الأول: التكفير والقتال.. عرض ثم رد وبيان
إن من أشد الشبهات التي أثيرت على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله شبهة: التكفير والقتال، وحتى يأخذ هذا الفصل حقه بشيء من الاستيفاء، فإنه من المناسب أن نورد هذه الشبهة بنوع من الإطناب والتفصيل كما جاءت مسطورة في كتب المناوئين لهذه الدعوة السلفية ثم نتبعها بالرد والبيان. وهناك دوافع وأسباب كثيرة لزيادة العناية بهذا الفصل، والاهتمام به أكثر من غيره من فصول هذه الرسالة، نذكر من هذه الأسباب ما يلي:
أولا: إن مسألة التكفير والقتال من أهم المسائل وأكثرها خطورة في أبواب العقائد، فلا بد من إعطاء تصور تام، وفهم شامل لهذه المسألة؛ لأن التصور الناقص والفهم القاصر لهذه المسألة يؤدي إلى الوقوع في طرفي نقيض، فإما غلو في التكفير كحال الخوارج، أو تمييع وتذويب لمسألة التكفير كما هو حال المرجئة، كما تظهر أهمية هذه المسألة لما يترتب عليها من النتائج والآثار الخطيرة في كلا الدارين: الدنيا والآخرة، كاستباحة الدماء، وحل الأموال، وغيرها مما جاء مفصلا في كتب الفقه، في باب حكم المرتد.
ثانيا: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وكذا أتباعه من بعده وأنصار دعوته، قد اعتنوا بهذه المسألة عناية فائقة، ووضحوا ما أشكل فيها، وبينوها، وفصلوها تفصيلا شافيا كافيا.
يقول د. صالح العبود:
(كان الشيخ يحذر من نواقض الإيمان ومبطلاته، ويبينها، ويبعدها عن المسلمين، ويبعد المسلمين عنها، بكل ما استطاع. ولقد اهتم بذلك أيما اهتمام، حتى كاد أن يستأثر هذا الجانب بكل همته
كما كاد أن يستأثر بالواقع في بداية الإصلاح؛ ولأن مشكلة العالم الإسلامي تكمن في هذه الناحية، وكيد الشيطان يتركز في هذا الجانب) 1.
ثالثا: احتاجت مسألة التكفير والقتال هذا الاهتمام، نظرا لكثرة من رمى هذه الدعوة السلفية بشبهة "التكفير والقتال"، فما أكثر من أثار هذه الشبهة على دعوة الشيخ، وسيتضح ذلك جليا عند نقل أقوال المناوئين في ذلك.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى أن بعض العلماء المحققين ممن عرف عنهم سلامة المعتقد، قد تأثروا بتلك الشبهة وصدقوا تلك الدعوى - بكل ما فيها من حق أو باطل -.
كما هو واضح من حال الإمام محمد بن علي الشوكاني، حيث يقول الشوكاني - عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه -.
(ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلا تحت دولة صاحب نجد، وممتثلا لأوامره خارج عن الإسلام)2.
كما أن الشيخ محمد بن ناصر الحازمي قد تأثر بتلك الدعاوى.. فذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأثنى عليه خيرا، ومدحه بحسن الاتباع
…
، ولكن أنكر عليه خصلتين، الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها..، والأخرى: التجاري في سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا برهان3.
وكذا الشيخ محمد صديق حسن، صدق هذه الشبهات، فأعلن في كتابه
1 "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية" 2/526.
2 "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" 2/5. ويقول عبد العليم البستوي - أثناء ترجمته لكتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم" ص 177- معلقا على عبارة الشوكاني - التي سبق إيرادها - (لقد كتب الإمام الشوكاني البدر الطالع أيام كانت الحروب قائمة على قدم وساق بين الأمير عبد العزيز بن سعود والشريف غالب) . ومن الإنصاف للإمام الشوكاني رحمه الله أن نذكر أنه قد وصف هذه الدعوة بأوصاف صادقة، وذلك قبل هذا الكلام الذي نقلناه، ويبدو أنه حين نقل شيئا من أحوال هذه الدعوة، أنه غير متوثق ومتأكد من تلك الأقوال، لذا نجده يقول:(وتبلغنا عنه أخبار الله أعلم بصحتها) ، كما أنه أثنى خيرا على ما تضمنته رسالة الإمام عبد العزيز بن سعود، ووصف ما فيها بأنه اعتقاد حسن يوافق الكتاب والسنة، ولا ننسى قصيدته المؤثرة في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
3 انظر: "أبجد العلوم" 3/194، وقد ذكر صديق حسن خان في كتابه "الحطة في ذكر الصحاح الستة" ص151 قولا للحازمي من كتابه "فتح المنان" أثنى فيه على الشيخ الإمام ثناء حسنا، ولم يورد شيئا من المآخذ، ويبدو أن الحازمي قد تغير موقفه، حين تبين له الصواب. فبعد أن كان يتهم الشيخ بالتكفير والقتال، نجده يدافع عنه أصدق دفاع وأقواه في كتابه -المخطوط- "إيقاظ الوسنان".
"ترجمان الوهابية" براءة أهل الحديث من الوهابيين، لأن الوهابيين - كما يذكر محمد صديق حسن - يعرفون بإراقة الدماء، وينص محمد صديق - عفا الله عنه - أن مصدره في هذه المعلومات هي كتب العلماء المسيحيين1!
وممن تأثر وصدق هذه الدعاوى، الشيخ أنور شاه كشميري، فزعم - عفا الله عنه - أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يتسارع إلى الحكم بالتكفير2.
رابعا: إن هذه المسألة تميزت عن غيرها، أن الكثير من المخالفين من عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يوافقونه فيما دعا إليه من بيان التوحيد وتقريره، والنهي عن الشرك والتحذير منه، وسد ذرائعه، دون أن يوافقوه في مسألة التكفير والقتال.
ومما يدل على ذلك ما قاله الشيخ بنفسه رحمه الله حاكيا حال خصومه: (وإذا كانوا أكثر من عشرين سنة يقرون ليلا ونهارا، سرا وجهارا، أن التوحيد الذي أظهره هذا الرجل هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا، وأن الذي أنكره هو الشرك، وهو صادق في إنكاره، ولكن لو يسلم من التكفير والقتال كان على حق
…
هذا كلامهم على رءوس الأشهاد) 3. ويقول الشيخ - في موضع آخر - مبينا وجه مخالفة خصومه: (فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع4 صدقني من يدعي أنه من العلماء
1 انظر: كتاب "دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للنعماني ص 103، ص 104. ولتحقيق موقف محمد صديق حسن من دعوة الشيخ الإمام يراجع ما كتبه عبد العليم البستوي أثناء ترجمته لكتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم" لمسعود الندوي ص175- 177. ويظهر أن مقام الشيخ محمد صديق حسن عند أئمة الدعوة الوهابية كان مقاما رفيعا بدليل أن ابن سحمان أنشد قصيدة في الدفاع عن محمد صديق حسن وكتابه "الدين الخالص" كما يظهر الثناء الحسن والتقدير الكبير في الرسالة التي بعثها الشيخ حمد بن عتيق إلى محمد صديق حسن مبديا بعض الملاحظات على تفسيره "فتح البيان".
2 انظر: بحث "الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ الإمام".. لمحمد يوسف (ضمن بحوث أسبوع الشيخ 2/259) ، وكتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم" ص182، وكتاب "دعايات مكثفة ضد الشيخ" ص135- 146.
3 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/26.
4 هذه الأربع بإيجاز: 1- بيان التوحيد. 2- بيان الشرك. 3- تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه. 4- الأمر بقتال هؤلاء المبغضين للتوحيد. انظر: توضيح هذه الأمور الأربعة في مجموعه "مؤلفات الشيخ" 5/24، 25.
في جميع البلدان، في التوحيد، وفي نفس الشرك، وردوا علي التكفير والقتال) 1. ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لإخوانه تلك الشبهة والجواب عليها:
(ولكنهم يجادلونكم اليوم، بشبهة واحدة، فاصغوا لجوابها، وذلك أنهم يقولون كل هذا حق، نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال، والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا، إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره2 وقتل من أمر به3 وحبسهم
…
إلى آخر جوابه رحمه الله 4.
فهذه بعض الدوافع التي أدت إلى التوسع والإطالة - نوعا ما - في هذا الفصل، ونظرا لطول هذا الفصل وتعدد قضاياه، فقد قسمته إلى سبعة مباحث على الترتيب الآتي:
المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها.
المبحث الثاني: فرية أن الوهابيين خوارج، وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض.
المبحث الثالث: شبهة أن الوهابيين أدخلوا في المكفرات ما ليس منها عرض ثم رد.
المبحث الرابع: شبهة مخالفة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لابن تيمية وابن القيم في هذه المسألة - عرض ثم رد.
المبحث الخامس: شبهة عدم طروء الشرك على هذه الأمة - عرض ثم رد.
المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على المسلمين - عرض ثم رد.
المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة - عرض ثم رد.
1 المرجع السابق 5/25.
2 أي التوحيد.
3 أي التوحيد.
4 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/272.
المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها
إن كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذا رسائل ومؤلفات أئمة وعلماء الدعوة، وأنصارها، قد بينت مسألة التكفير والقتال، وأعطت المسألة حقها من البيان الوافي، والتفصيل التام. ومع كل هذا البيان والتفصيل، نجد أن هؤلاء الخصوم يفترون على دعوة الشيخ، الكذب والبهتان، ويختلقون من عند أنفسهم الإفك وإلصاق التهم قاتلهم الله أتى يؤفكون، فليس عندهم نقل صحيح، ولا يملكون دعوى بدليل.
لقد بينت هذه الدعوة السلفية، في بادىء الأمر، عقيدة التوحيد، وقرر علماؤها عقيدة التوحيد بأقوى الأدلة وأوضح البراهين، وألفوا في بيان التوحيد وتقريره، الكثير من الكتب والرسائل.
لقد اهتم علماء الدعوة بتقرير التوحيد أولا؛ لأنه أول واجب على المكلف، - كما هو معلوم - ولأن من تصور حقيقة التوحيد تصورا تاما، فإنه لزاما أن يتصور حقيقة ما يناقض التوحيد..
ويوضح هذا ما كتبه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في "منهاج التأسيس":
(اعلم أن من تصور حقيقة أي شيء على ما هو عليه في الخارج، وعرف ماهيته بأوصافها الخاصة، عرف ضرورة ما يناقضه ويضاده، وإنما الخفا بلبس إحدى الحقيقتين، أو بجهل كلا الماهيتين، ومع انتفاء ذلك، وحصول التصور التام لهما، لا يخفى ولا يلتبس أحدهما بالآخر، وكم هلك بسبب قصور العلم، وعدم معرفة الحدود، والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة، ومثال ذلك أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان، ولا يرتفعان، والجهل بالحقيقتين، أو أحدهما أوقع كثيرا من الناس في الشرك، وعبادة الصالحين، لعدم معرفة الحقائق وتصورها، وإن ساعد الجهل وقصور العلم عوائد مألوفة، استحكمت البلية وتمكنت الرزية..)1.
ولم يقصر علماء الدعوة جهدهم على تقرير عقيدة التوحيد فحسب، بل تجاوزوا
1 "منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس" ص5، ص6.
ذلك.. إلى أن حذروا من الشرك.. فذكروا نواقض الإسلام، وأوردوا أنواع الشرك والكفر وأقسامه، تحذيرا للأمة وكشفا للغمة، كما سدوا وسائل الشرك وذرائعه، فرحمهم الله جميعا.
وإن نظرة سريعة إلى آثارهم العلمية ومواقفهم العملية في هذا المجال لتعطي الجواب الوافي، والبيان الشافي لمسألة التكفير والقتال ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسنورد الآن مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير والقتال - كما جاءت مدونة في مؤلفاتهم أو منقولة عنهم من غيرهم.
ثم نأتي بالرد والدحض، وذلك من خلال ما كتبه بعض أئمة هذه الدعوة السلفية.
من أوائل الكذابين، ممن تولوا كبر هذا البهتان، ابن عفالق فقد افترى على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورماه بتكفير المسلمين، فقال ابن عفالق عن هذا الإمام المجدد في جوابه على رد ابن معمر:
(وهذا الرجل كفر الأمة، بل والله وكذب الرسل، وحكم عليهم وعلى أممهم بالشرك)1.
ويقول ابن عفالق - مخاطبا عثمان بن معمر:
(فجعلتم تكفير العترة النبوية، وسبهم، ولعنهم، أصلا من أصول دينكم)2.
ويستمر ابن عفالق -في إفكه- منفرا ابن معمر عن الانتصار لهذه الدعوة السلفية، فيصف ابن عفالق الشيخ الإمام بأنه:
(حلف يمينا بالله فاجرة إن اليهود والمشركين أحسن حالا من هذه الأمة)3.
ويخاطب ابن عفالق الشيخ الإمام في رسالة سماها "تهكم المقلدين في مدعي تجديد الدين"، ويصفه بأنه قد ضلل وشتم هذه الأمة، وحكم عليها بالزيغ - حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأفاك الأثيم:
(وقفت على القواعد التي بنيت عليها مذهبك.. فوجدتك قد ارتقيت فيها مرتقا صعبا
…
شتمت فيه الأئمة، وسببت به أعلام الأمة، وهدمت به قواعد الملة المحمدية،
1 جواب ابن عفالق على رسالة ابن معمر ق58.
2 المرجع السابق ق63.
3 المرجع السابق ق65، 66.
وثلبت به جميع الأمة المحمدية، حتى ارتقيت فيه إلى الجزم بزيغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الأربعة..) 1.
وينعق القباني بفرية التكفير والقتال، فيزعم أن الشيخ:(كفر هذه الأمة بأسرها، وكفر كل من لم يقل بضلالتها وكفرها..)2.
ويتهكم القباني بالشيخ المجدد وأتباعه، ويصور حالهم يوم القيامة فيقول مستهزئا:(.. وجاء كل واحد من الأنبياء والمرسلين ومع الألوف من أمته، وجاء النبي الكريم وليس معه من أمته إلا النفر اليسير من أهل العيينة3 وأما الباقون فكلهم مخلدون في النار مع الكفار، مع ما لهم من كثرة الطاعات وأنواع العبادات)4.
ويقول ابن سحيم - الخصم العنيد - في رسالته التي بعثها إلى علماء الأمصار محرضا على الشيخ الإمام، ومنفرا عن دعوته، فيذكر تلك الفرية:
(ومنها أنه ثبت أنه يقول: الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء)5.
ثم يزيد ابن سحيم في إفكه وكذبه وهو يقول:
(ومن أعظمها أنه من لم يوافقه في كل ما قاله، ويشهد أن ذلك حق، يقطع بكفره، ومن وافقه، ونحى نحوه، وصدقه في كل ما قال، قال: أنت موحد، ولو كان فاسقا محضا أو ما شاء..)6.
ويخاطب المدعو محمد بن محمد القادري الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود - لما بلغته رسالة هذا الإمام - فكان من خطابه هذا الإفك:
(فإنك لو تدبرت فيه بعين بصيرتك واعتبرت بها، لما كنت تحكم على الأمة المحمدية بالشرك الأكبر، من غير برهان، وليس هذا إلا شقاوة وخسران وحرمان)7.
1 تهكم المقلدين في مدعي تجديد الدين" ق1.
2 "فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب" ق36.
3 ألف القباني كتابه في الرد على الشيخ الإمام سنة 1157هـ أي أثناء وجود الشيخ في العيينة - كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
4 "فصل الخطاب" ق104.
5 المرجع السابق ق165.
6 المرجع السابق ق168.
7 رسالة في الرد على الوهابية ق4.
ويذكر هذا القادري بعد اطلاعه على رسالة الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، ما نصه - في وصف الإمام عبد العزيز:(بأنه حكم على عوام المؤمنين والعلماء العاملين من أمة سيد الأنبياء والمرسلين بالشرك الأكبر..)1.
ويخترع (الحداد) لفرية التكفير والقتال أوجها جديدة، فكان من إفكه على الشيخ الإمام ما نصه:
(إذا أراد رجل أن يدخل في دينه، يقول له اشهد على نفسك أنك كنت كافرا، واشهد على والديك أنهما ماتا كافرين، واشهد على العالم الفلاني والفلاني أنهم كفار وهكذا، فإن شهد بذلك قبله، وإلا قتله..)2.
ويخاطب الحداد الشيخ الإمام بهذا الكذب، فيقول:
(أيها النجدي كيف لا ترضى بالأحياء أن تجعلهم مشركين حتى تعديت أيها النجدي على أموات المسلمين من سنين عديدة تقول ضالين مضلين، حتى عينت أناسا من أكابر العلماء المحققين وأئمة مقتدى بهم صالحين..)3.
ثم يدعو هذا الحداد إلى الشرك عن طريق الاستغاثة بالأموات، لمجرد مخالفة هذا النجدي، فيقول:
(وينبغي اليوم في هذا الوقت من الحوادث التي حدثت في الثلم في الدين باعتقاد العامة قول البدعي أن الاستغاثة شرك، فالعالم والمقتدى به ينبغي له أن يظهر الاستغاثة4 ليقتدى به
…
) 5.
ويزعم حسن بن عمر الشطي في تذييله الذي كتبه في نهاية "رسالة إثبات الصفات" هذا الإفك، حيث يذكر من صفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
(تكفير المسلمين واعتقاده حل دمائهم وأموالهم وسبي ذراريهم)6.
ويورد الشطي في تذييله الآخر الذي كتبه في خاتمة "رسالة في مشاجرة بين أهل مكة وأهل نجد" أن هذه الرسالة -كما يزعم- (مدارها على تكفير المسلمين
1 رسالة في الرد على الوهابية ق3.
2 "مصباح الآنام"، ص5.
3 "مصباح الآنام"، ص22.
4 يقصد بالاستغاثة -هاهنا- أي الاستغاثة بالأموات. انظر: ما بعد هذا النص السابق وكذلك ص61.
5 "مصباح الآنام"، ص60.
6 ق164.
وحل دمائهم وأموالهم) 1.
ومن أكاذيب الرافضي عبد الرءوف على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كذبه بأن الشيخ سفك دماء آلاف المسلمين، يقول عبد الرءوف:
(فكيف حال رجل قتل آلاف من المسلمين القائلة لا إله إلا الله محمد رسول الله المتصدقين الصائمين الحاجين بيت الله الحرام، بل قتل الذرية والنسوان من غير بغي منهم، ولا عدوان زعما منه أنه من أهل التوحيد فقط، والمسلمون كلهم مرتدون)2.
ويكشف اللكنهوري عن إفكه حين افترى على الشيخ الإمام أنه يكفر المسلمين ويستبيح دماءهم، فكان من إفكه ما نصه:
(اعلم أن عقيدته هي أن جميع المسلمين سوى أهل نحلته كفار مشركون، يحل أموالهم ودمائهم، ويجوز اتخاذهم عبيدا، ويستدل على ذلك بتلفيقات ما أنزل الله بها من سلطان)3.
ورمى عثمان بن منصور الشيخ الإمام بهذه الفرية، فكان من إفكه أنه قال:
(قد ابتلى الله أهل نجد بل جزيرة العرب، بمن خرج عليهم، وسعى بالتكفير للأمة خاصها وعامها، وقاتلها على ذلك جملة، إلا من وافقه على قوله، لما وجد من يعينه على ذلك..)4.
ويصف عثمان الشيخ الإمام بكذب بحت فيقول:
(ولكن هذا الرجل جعل طاعته ركنا سادسا للأركان الخمسة
…
) 5.
ويتحدث شيخ الكذب دحلان عن فرية التكفير والقتال للمسلمين..، فمن أكاذيبه ومفترياته - ما ننقله بنصه حيث يقول:
(فلا يعتقدون موحدا إلا من تبعهم فيما يقولون، فصار الموحدون على زعمهم أقل من كل قليل.
وقال له أخوه سليمان يوما: كم أركان الإسلام يا محمد بن عبد الوهاب فقال: خمسة، فقال: أنت جعلتها ستة، السادس من لم يتبعك فليس بمسلم، هذا عندك ركن
1 ق49.
2 "فصل الخطاب في نقض مقالة ابن عبد الوهاب"، ق33.
3 المرجع السابق، ص52.
4 نقلا عن كتاب "مصباح الظلام" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ص16.
5 نقلا عن كتاب "مصباح الظلام" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ص110.
سادس للإسلام) 1.
ومن كذب دحلان قوله:
(وكانوا يصرحون بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة، وأول من صرح بذلك محمد بن عبد الوهاب، فتبعوه على ذلك، وإذا دخل إنسان في دينه، وكان قد حج حجة الإسلام قبل ذلك، يقولون له حج ثانيا فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشرك، فلا تسقط عنك الحج)2.
ويزيد دحلان في قبح كذبه، وشناعة إفكه، حيث يقول:
(وكان يقول لهم: إني أدعوكم إلى الدين، وجميع ما هو تحت السبع الطباق مشرك على الإطلاق، ومن قتل مشركا فله الجنة، فتابعوه، وصارت نفوسهم بهذا القول مطمئنة..)3.
ويسود الزهاوي -كعادته في مؤلفاته- الصحائف بأكاذيبه، وأباطيله فيرمي الشيخ الإمام بفرية تكفير المسلمين وقتالهم، يقول الزهاوي:
(ثم إنه صنف لابن سعود رسالة سماها "كشف الشبهات عن خالق الأرض والسماوات"4 كفر فيها جميع المسلمين، وزعم أن الناس كفار منذ ستمائة سنة)5.
ويكذب الزهاوي - مرة أخرى - حيث يقول:
(فمما تمذهبت به الفرقة المارقة الوهابية من الأباطيل: تكفيرهم لكل من خالفهم من المسلمين)6.
ويكذب الزهاوي -ثالثة- فيقول:
(لو سأل سائل عما تمذهبت به الوهابية ما هو وعن غايته ما هي، فقلنا في جواب كلا السؤالين هو تكفير كافة المسلمين، لكان جوابا على اختصاره تعريفا كافيا لمذهبها)7.
1 الدرر السنية في الرد على الوهابية" ص42، 43.
2 المرجع السابق ص50.
3 المرجع السابق ص46.
4 ويظهر جليا إفك الزهاوي وكذبه حين اتخذ هذا العنوان -كشف الشبهات عن خالق الأرض والسماوات- ومن المعلوم أن رسالة الشيخ مشهورة ومعلومة بهذا العنوان فقط "كشف الشبهات" دون هذه الزيادة.
5 "الفجر الصادق" ص19.
6 المرجع السابق ص27.
7 المرجع السابق ص64.
ويورد أحد كذابي الرافضة فرية تكفير المسلمين وحل دمائهم، فيقول بأسلوب المخادع:
(أراد الله أن يجعلهم فيما بينهم إخوانا، وعلى العدو أعوانا.. فنقض ابن عبد الوهاب تلك القاعدة الأساسية، وعكس الآية، فصار يكفر المسلمين، ويضرب بعضهم ببعض، وما انجلت تلك الفترة، إلا وهم بأيدي الأعداء ينقضون دعائم الدين.. إلخ)1.
ويدعي المبتدع أحمد رضا خان هذه الفرية، فيقول حاكيا حال الشيخ الإمام:
(الذي يسعده أن يكفر أجداده ومشائخه، وهو لا يكتفي بهذا، بل يكفر سائر المسلمين، ومن بينهم الأئمة والمشائخ
…
إن ابن عبد الوهاب قد أعلن عقب ظهور دينه الجديد أن الأمة الإسلامية منذ ستمائة سنة تتخبط في ظلام الشرك، وقد ردد الوهابيون قول زعيمهم فيما بعد) 2.
ثم يأتي محمد بن نجيب سوقية، فيسبق أقرانه إلى حضيض الكذب وقاع الإفك حيث يقول:
(إن مذهبهم تكفير الأموات، ورمي الأحياء بالشرك من الموحدين.. ولقائل أن يقول ممن عرفت إسناد الكفر والشرك لعامة الموحدين من طرف الوهابية، فالجواب أن ذلك مصرح في رسائلهم وكتبهم
…
) 3.
ومن أفراخ الخصوم في زماننا الحاضر، نورد أقوال ثلاثة منهم، ممن بهت الشيخ الإمام رحمه الله وكذا أتباعه من بعده وأنصار دعوته بفرية تكفير المسلمين واستحلال دمائهم..
يذكر الشيعي محمد جواد مغنية تلك الفرية، مقتديا بأسلافه -الرافضة- في الكذب والبهتان، فيقول:
(وليس من شك أنهم يريدون بالموحدين الوهابية أنفسهم، وبالمشركين جميع المسلمين بدون استثناء)4. ويورد حسين بن حلمي ايشيق تلك الفرية، فيقول في تعليقه على كتاب "الإيمان
1 محمد حسين "نقض فتاوى الوهابية" ص24.
2 "أعز النكات بجواب سؤال أركات"(باللغة الأوردية) .
3 "تبيين الحق والصواب" ص8، باختصار.
4 "هذه هي الوهابية" ص111 بتصرف.
والإسلام" لخالد البغدادي، أثناء كذبه على الوهابيين:
(ولا يحسبون غير أنفسهم مسلمين، ويكفرون ما عداهم، ويقولون أن أموالهم وأنفسهم مباحة للوهابيين)1. ويورد ثالثهم وهو المدعو مالك بن داود -أحد أدعياء التصوف- في كتابه الذي سماه "الحقائق الإسلامية" هذه الفرية، فكان من بهتانه: (وبعض العلماء يسمون الدعوة الوهابية بـ"الدعوة الدموية") 2.
ويزعم أن الوهابيين (مصممون على أن من لم يكن وهابيا فهو مشرك، يجب هجرانه ولا يجوز التعامل معه فيما يخص الدين، أو الدنيا)3.
ويكذب عليهم حين يقول:
(الغاية التي يسعون إلى تحقيقها هي إثبات السنية لهم خاصة، وتكفير جماعة المسلمين من غيرهم)4.
وبعد أن أوردنا بعض هذا الغث والركام لهؤلاء الخصوم، حين قذفوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بتكفير المسلمين، ننتقل إلى سياق بعض ردود علماء هذه الدعوة السلفية على تلك الفرية، وبيانهم للحقيقة كما هي، وسيتضح يقينا تهافت هذه الفرية وينكشف زيفها، وإن كثر قائلوها، فلا تعجبك كثرة الخبيث، فالزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. لقد بلغت هذه الفرية الخاطئة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله،
1 ص31.
2 ص16.
3 ص20.
4 ص21. لزيادة معرفة مفتريات الخصوم في اتهام الشيخ بفرية التكفير انظر إلى: - "حاشية ابن عابدين" 4/260 - "حاشية الصاوي على الجلالين" 3/307، 308 - "كشف الارتياب" للعاملي ص114. - "البراهين الجلية" للموسوي ص71. - "المعتقد المنتقد" ص217 - "المقالات الوفية" لخزبك ص185، 188 -"رسالة في الرد على الوهابية" للمحجوب ص4، 5 - "تاريخ المذاهب الإسلامية" 1/236 وغيرها.
فتعددت ردوده وأجوبته عليها، ولأن فرية تكفير المسلمين واستباحة دمائهم قد شاعت وذاعت في غالب بلاد المسلمين، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، فقد حرص الشيخ رحمه الله على تأكيد هذه الردود، وإعلان براءته مما ألحق به..، فأرسل هذه الردود إلى مختلف البلاد.
فعلى النطاق المحلي في منطقة نجد، نلاحظ أن الشيخ فد بعث رسالة لأهل الرياض ومنفوحه، ينفي تلك الفرية، يقول الشيخ الإمام رحمه الله:
(وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين)1.
ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها:
(وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله)2.
وفي رسالته لأهل القصيم، يشير رحمه الله إلى مفتريات الخصم العنيد ابن سحيم، ويبرىء نفسه من فرية تكفير المسلمين وقتلهم، يقول الشيخ الإمام:
(والله يعلم أن الرجل افترى علي أمورا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم)3.
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بطلان تلك الفرية، ويدحضها فيقول في رسالته لحمد التويجري:
(وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك..)4.
1 مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/189.
2 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/25.
3 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/11، 12 وذكر ذلك أيضا في رسالته لعبد الله بن سحيم مطوع المجمعة 5/62.
4 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/60.
ويؤكد الشيخ الإمام -مرة أخرى- بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جوابا على سؤال الشريف1..:
(وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله..)2.
ويبعث الشيخ رسالة لأحد علماء المدينة لدحض فرية تكفير الناس عموما، يقول الشيخ:
(فإن قال قائلهم إنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفِّر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد)3.
ويكتب الشيخ الإمام إلى إسماعيل الجراعي صاحب اليمن تكذيبا لهذه الفرية، قال الشيخ:
(وأما القول بأنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم)4.
ولما أرسل أحد علماء العراق وهو الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي كتابا للشيخ الإمام يسأله عما يقوله الناس فيه
…
من تكفير الناس إلا من تبعه
…
، فأجابه الشيخ بجواب ذكر فيه كيد الأعداء ثم أعقبه برد فرية الخصوم:
(وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلا عن أن يفتريه، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من تبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون..)5.
وينفي الشيخ حسين بن غنام فرية تكفير المسلمين عن الشيخ الإمام، ويؤكد أن الخصوم هم الذين كفروا الشيخ واستحلوا دمه، يقول رحمه الله في وصف الشيخ:
1 لم يذكر اسم هذا الشريف.
2 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 3/11.
3 المرجع السابق 5/48.
4 المرجع السابق 5/100.
5 المرجع السابق 5/36.
(إنه رحمه الله لما تظاهر ذلك الأمر والشأن، في تلك الأوقات والأزمان، والناس قد أشربت منهم القلوب بمحبة المعاصي والذنوب، وتولعوا بما كانوا عليه من العصيان، وقبائح الأهواء على كل إنسان، لم يسرع لها لسان، ولم يصمم منه لب أو حنان على تكفير هؤلاء العربان، بل توقف تورعا عن الإقدام في ذلك الميدان، حتى نهض عليه جميع العدوان، وصاحوا وباحوا بتكفيره وجماعته في جميع البلدان، ولم يثبتوا فيما جاءوا به من الإفك والبهتان، بل كان لهم على شنيع ذلك المقال إقدام وإسراع وإقبال، ولم يأمر رحمه الله بسفك دم ولا قتال على أكثر الأهواء والضلال) 1:
ويفند الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب تلك الفرية، فيقول:
(وأما ما يكذب علينا سترا للحق، وتلبيسا على الخلق، بأننا نكفر الناس على الإطلاق، أهل زماننا، ومن بعد الستمائة، إلا من هو على ما نحن فيه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركا، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله
…
فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك "سبحانك هذا بهتان عظيم" فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا، فقد كذب علينا وافترى، ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعيا أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيرا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعا من الكبائر كقتل المسلم بغير حق، والزنا، والربا، وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك، أنه لا يخرج بفعله ذلك من دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة) 2.
ويدل على براءتهم أيضا من تلك الفرية، ما يقوله الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في موضع آخر:(إن صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين، وماتوا لا يحكم بكفرهم، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام، وبيان أن من اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر، وأما القائل فيرد أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي التعرض للأموات، لأنه لا يعلم هل تاب أم لا..)3.
1 "روضة الأفكار" 1/33.
2 "الهدية السنية" ص40.
3 "مجموعة الرسائل والمسائل" 1/47.
ولما سئل الشيخ عبد العزيز بن حمد سبط الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن تلك الفرية، كان جوابه رحمه الله بعد أن ساق السؤال:
(وأما السؤال الثاني وهو قولكم: من لم تشمله دائرة إمامتكم ويتسم بسمة دولتكم، وهل داره دار كفر وحرب على العموم إلخ.
فنقول وبالله التوفيق: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما عنه نهى وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم كما يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة. ولم نكفر أحدا دان بالإسلام لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده فقد كذب وافترى) 1.
ومن الحجج الدامغة التي سطرها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وأزهق بها فرية عثمان بن منصور حين قذف الشيخ الإمام بتكفير المسلمين وقتلهم، قولُ الشيخ عبد اللطيف في "مصباح الظلام" دحضاً لذلك:
(هذه العبارة تدل على تهور في الكذب، ووقاحة تامة، وفي الحديث:" إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت "2.
وصريح هذه العبارة أن الشيخ كفر جميع الأمة من المبعث النبوي إلى قيام الساعة إلا من وافقه على قوله الذي اختص به، وهل يتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه، بل أهل البدع كالقدرية والجهمية والرافضة والخوارج لا يكفرون جميع من خالفهم، بل لهم أقوال وتفاصيل يعرفها أهل العلم، والشيخ رحمه الله لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب -أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات- مجمع عليه عند المسلمين لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم) 3.
كما يوضح الشيخ عبد اللطيف تورع جده -الشيخ الإمام- عن التكفير فيقول: (والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر، حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور، أو غيرهم إذا لم يتيسر
1 "مجموعة الرسائل والمسائل 4/574.
2 مسند أحمد (5/273) .
3 ص21، وانظر: ص22.
له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها) 1.
ويورد الشيخ عبد اللطيف في إحدى رسائله معتقد الشيخ الإمام في مسألة التكفير، فيقول:
(فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أندادا فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية)2.
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف أن من عرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أدرك براءته من تلك الفرية الكاذبة، فيقول رحمه الله:
(كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعلم أنه من أعظم الناس إجلالا للعلم والعلماء، ومن أشد الناس نهيا عن تكفيرهم وتنقصهم وأذيتهم، بل هو ممن يدينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم، والشيخ رحمه الله لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمعت الأمة على كفره كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين)3.
وتضمنت مناظرة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن لداود بن جرجيس، تفنيدا لفرية تكفير الناس فيقول الشيخ عبد اللطيف:
(وأما القول بأنا نكفر الناس عموما ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، سبحانك هذا بهتان عظيم)4.
ويدحض الشيخ صالح بن محمد الشتري كذبهم، فيقول: (وأما ما ادعاه أعداؤه المعاصرون له أنه كفر بالعموم، أو يكفر بالذنوب أو يقاتل من لا يستحق قتلا، أو يستحل دمه وماله، فالجواب أن نقول سبحانك هذا بهتان عظيم،
1 "منهاج التأسيس"، ص65، 66.
2 "مجموعة الرسائل" 3/5.
3 "مجموعة الرسائل" 3/449.
4 "تاريخ نجد" للآلوسي ص52. لا أدري عن هذه المناظرة بينهما، هل وقعت مناظرة فعلية بين الشيخ عبد اللطيف وبين داود، أم أن الشيخ الآلوسي كتب وألف هذه المناظرة بناء على اطلاعه على ما كتبه كلا الرجلين.
ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب تبرأ فيهن مما نسب إليه أعداؤه وأن مذهبه مذهب السلف الصالح..) 1.
ويجمل السهسواني الجواب على مفتريات شيخ الكذب دحلان في اتهام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب فيقول:
(هذا كله افتراء بلا ريب على الشيخ، يعرفه من له رائحة من الإيمان والعلم والعقل)2.
ويقول أيضا - بعد ذكر مفتريات أخرى لدحلان في قذف الشيخ الإمام بتكفير الناس -:
(الجواب على هذه الأقوال كلها أنها على طولها وكثرتها كاذبة خبيثة فلا تعجبك كثرة الخبيث)3.
وينفي السهسواني مزاعم دحلان التي رمى بها دعوة الشيخ في مسألة التكفير..، فيقول:
(أن الشيخ وأتباعه لم يكفروا أحدا من المسلمين، ولم يعتقدوا أنهم هم المسلمون، وأن من خالفهم هم مشركون، ولم يستبيحوا قتل أهل السنة وسبي نسائهم
…
ولقد لقيت غير واحد من أهل العلم من أتباع الشيخ، وطالعت كثيرا من كتبهم، فما وجدت لهذه الأمور أصلا وأثرا، بل كل هذا بهتان وافتراء) 4.
ومما قاله محمد رشيد رضا معلقا على الكلام السابق:
(بل في هذه الكتب خلاف ما ذكر وضده، ففيها أنهم لا يكفرون إلا من أتى بما هو كفر بإجماع المسلمين)5.
ويورد الشيخ سليمان بن سحمان الدفاع عن الشيخ الإمام، ويبرأه من هذا البهتان، فيقول رحمه الله حاكيا حال الشيخ:
(فإنه رحمه الله كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها.. فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة
1 "تأييد الملك المنان" ق54.
2 "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" ص485.
3 المرجع السابق ص486.
4 المرجع السابق ص518.
5 المرجع السابق ص518.
أهل الإسلام وعلمائهم.. ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم
…
) 1.
وكتب أحمد الكتلاني في "الصيب الهطال"، دفاعا عن الشيخ في هذا المقام قريبا مما كتبه ابن سحمان2.
وأجاب أحد علماء نجد على تلك الفرية، حيث تلقفها صاحب جريدة القبلة وزعم أن الوهابيين يلزمون الناس بتكفير آبائهم وأجدادهم.
فكان جواب هذا العالم:
(وهذا من نمط ما قبله من الكذب والبهتان، والذي نقوله في ذلك أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه، فالذي يحكم عليه إذا كان معروفا بفعل الشرك ويدين به، ومات على ذلك، فظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه. وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى فإن كانت قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله. وأما من لا نعلم حاله في حال حياته، ولا ندري ما مات عليه، فإنا لا نحكم بكفره، وأمره إلى الله، فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى. وحسبنا الله ونعم الوكيل)3.
ويكذب الشيخ محمد بن عثمان الشاوي هذا البهتان، فيقول في رسالته "القول الأسد":(فإنا لم نكفر بالعموم، ولا نكفر إلا من قام الدليل القاطع على كفره، بصرفه حق الله لغيره، ودعائه، والتجائه إلى ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن غيره..)4.
ويهاجم القصيمي في كتابه "الصراع" خصوم الشيخ من الرافضة مؤكدا براءة الشيخ من فرية التكفير، وأن هؤلاء الرافضة أحق وأجدر بهذا الوصف، فيقول: (إن من عجائب الأيام، وفكاهاتها المضحكة قوما، المبكية قوما آخرين، أن تذهب الشيعة تتهم أهل السنة من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإكفار المسلمين وإحلال
1 "الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد" ص56، 57.
2 انظر: "الصيب الهطال في الرد على شبه ابن كمال" ص55، 56.
3 "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/835.
4 "القول الأسد في الرد على الخصم الألد" ق5.
دمائهم وأموالهم، في حين أن الشيعة تعلن على رءوس الملأ ومسامع العالمين إكفار خيار الأمة، وإكفار كبراء الصحابة، ومن تولاهم من فرق المسلمين، والذي يكفر خيار الصحابة كالصديق وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وغيرهم.. كيف لا يمنعه الحياء من أن يتهم أحدا بإكفار المسلمين..) 1.
من خلال هذه النقول المتعددة تظهر براءة الشيخ الإمام، وكذا أتباعه وأنصار دعوته من مفتريات وأكاذيب الخصوم في مسألة التكفير، ومن طالع كتبهم وقرأ رسائلهم تبين له صحة معتقدهم وسلامة فهمهم لمسألة التكفير، وأن اعتقادهم فيها هو عين اعتقاد السلف الصالح.
1 "الصراع بين الإسلام والوثنية" 1/348 باختصار.