المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد - دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

[عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الدحض لها

- ‌الفصل الأول: الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة، وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم

- ‌الفصل الثالث: فرية إنكار كرامات الأولياء

- ‌الباب الثاني: الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك

- ‌الفصل الأول: التكفير والقتال.. عرض ثم رد وبيان

- ‌المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثاني: فرية أن الوهابيين خوارج وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثالث: شبهة أن الوهابيين أدخلوا في المكفرات ما ليس فيها

- ‌المبحث الرابع: شبهة مخالفة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لابن تيمية وابن القيم في مسألة الذبح لغير الله..عرض ثم رد

- ‌المبحث الخامس: شبهة عدم طروء الشرك على هذه الأمة.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

- ‌الفصل الثاني: تحريم التوسل.. عرض ثم رد

- ‌الفصل الثالث: منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث: فيما اعترض عليه من قضايا الدعوة مع المناقشة

- ‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل الثاني: تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الثالث: إنكار دعاء الموتى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد

‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد

يفتعل الخصوم شبهة أخرى، هي في حقيقتها لا تختلف عن أختها السابقة، فيدعون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده، قد عمدوا إلى آيات من القرآن نزلت في المشركين، وخوطب بها الكفار- آنذاك- فحملها- أي الشيخ وأتباعه كما يدعون- على المسلمين، فجعلوا المسلمين مثل الكفار..

هذه هي شبهتهم، مع ملاحظة أنهم يقصدون بالمسلمين- هاهنا- من يستغيث بالأموات، ويذبح للجن، وينذر للأولياء

فهم مسلمون- على حد ظنهم- ماداموا يعترفون بأن الله هو المؤثر، والفاعل وبيده النفع والضر..، وهم مسلمون- أيضا- لأنهم ينطقون بالشهادتين، ولو وقعوا في تلك الشركيات.

وسنورد شبهتهم في ذلك.. ثم نتبعها بالرد والبيان.

يشير سليمان بن عبد الوهاب إلى تلك الشبهة، فيقول- مخاطبا أنصار الدعوة السلفية-:

(ولكن ليس هذا بأعجب من استدلالكم بآيات نزلت في الذين {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُون. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 1 والذين يقال لهم {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} 2 والذين يقولون {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} 3 ومع هذا يستدلون بهذه الآيات، وينزلونها على الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقولون ما لله من شريك، ويقولون ما أحد يستحق أن يعبد مع الله

) 4.

ويورد علوي الحداد تلك الشبهة فيقول:

(وأما ما استدل به من الآيات الكريمة على تكفير المسلمين كقوله تعالى {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 5.

1 سورة الصافات آية: 35.

2 سورة الأنعام آية: 19.

3 سورة ص آية: 5.

4 "الصواعق الإلهية" ص 11.

5 سورة المؤمنون آية: 84.

ص: 227

وما بعدها من الآيات فهي إنما نزلت في حق الكفار المنكرين للقرآن والرسول. فأي مناسبة بين المسلم والكافر) 1.

ويدعي اللكنهوري تلك الدعوى فيقول:

(كما أن الخوارج طبقوا ما ورد في الكفار والمشركين من الآيات على المسلمين المؤمنين، فكذلك هؤلاء الوهابيون يطبقون سائر تلك الآيات الواردة في المشركين على مسلمي العالم..)2.

ويزيد دحلان عن غيره- كعادته- الأكاذيب والشبهات، فيقول مستكثرا من تلك الشبهة:

(وعمدوا إلى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين فحملوها على المؤمنين..)3.

ويقول في موضع آخر:

(وحملوا الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على خواص المؤمنين وعوامهم. كقوله تعالى: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 4 وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 5 حيث حملوها على المؤمنين، وأدخلوهم في عموم هذه الآيات)6.

ويقول دحلان في موضع ثالث، أثناء ذكره معتقد الشيخ الإمام:(وتمسك في تكفير المسلمين بآيات نزلت في المشركين، فحملها على الموحدين)7. وتلقف الزهاوي تلك الشبهة، فرددها- كغيره- قائلا: (وحمل الآيات التي نزلت في الكفار من قريش على أتقياء الأمة) 8 ثم قالها

1 "مصباح الآنام " ص17، 18 باختصار.

2 "كشف النقاب عن عقائد ابن عبد الوهاب" ص 80.

3 "الدرر السنية في الرد على الوهابية" ص32.

4 سورة الجن آية: 18.

5 سورة الأحقاف آية: 5.

6 "الدرر السنية" ص39 باختصار.

7 "الدرر السنية" ص51.

8 "الفجر الصادق" ص19.

ص: 228

مرة أخرى: (فعمد إلى الآيات القرآنية النازلة في المشركين فجعلها شاملة لجميع المسلمين

) 1.

ويرددها ثالثة فيقول: (حملت الوهابية جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

) 2..

ويسوق محمد نجيب سوقية هذه الشبهة بأسلوبه المعتاد من بذاءة اللسان وكثافة الجهل وانعدام الورع.. فيقول عن الوهابية:

(أما كفاها فجورا مما تدعيه، وتموه به على العامة من هذه الأمة بقولها أن جميع ما جاء في آي القرآن مما كان أنزل بحق المشركين والكافرين يحملونه على كافة المسلمين الموحدين، ليتني أدري عنهم هل وجدوا أحدا ينسب التأثير لشيء ما في الوجود إلا لله وحده لا شريك له

أو يعتقد أن يكون فاعلا غير الله تعالى في هذا العالم

) 3.

ويظهر في هذه الشبهة تلبيس الخصوم، وتمويههم على سواد الناس، حيث جعلوا عباد القبور مسلمين موحدين، لأنهم يعترفون بأن الله هو الفاعل دون غيره، ولذا فهم مسلمون- كما صرح بذلك "نجيبهم" سوقية!

وقد أشار الشيخ عبد الله أبو بطين إلى خطر مقالة الخصوم، فقال رحمه الله:(وأما قول من يقول إن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين، فلا تتناول من فعل فعلهم، فهذا كفر عظيم، مع أن هذا قول ما يقوله إلا ثور مرتكس في الجهل، فهل يقول إن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا؟ فلا يحد الزاني اليوم، ولا تقطع يد السارق، ونحو ذلك، مع أن هذا قول يستحي من ذكره، أفيقول هذا إن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن؟)4.

وقد تحدث الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن آثار هذه الشبهة، فكان مما قاله رحمه الله: (أن من منع تنزيل القرآن، وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث

1 "الفجر الصادق" ص25.

2 "الفجر الصادق" ص47.

3 "تبيين الحق والصواب" ص 13.

4 "الدرر السنية 8-237.

ص: 229

التي تدخل تحت العموم اللفظي، فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، ومن أعظم الناس تعطيلا للقرآن، وهجرا له وعزلا عن الاستدلال به في موارد النزاع. فنصوص القرآن وأحكامه عامة لا خاصة بخصوص السبب. وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به مع معرفته؟) 1.

ويذكر الشيخ عبد اللطيف أن تلك الشبهة قد وقع فيها داود بن جرجيس فقال الشيخ عبد اللطيف:

(ومن شبهاته قوله في بعض الآيات هذه نزلت فيمن يعبد الأصنام، هذه نزلت في أبي جهل، هذه نزلت في فلان وفلان يريد- قاتله الله- تعطيل القرآن عن أن يتناول أمثالهم وأشباههم ممن يعبد غير الله، ويعدله بربه)2.

ويبين الشيخ عبد اللطيف أن هذه الشبهة من الأسباب المانعة عن فهم القرآن: (ومن الأسباب المانعة عن فهم كتاب الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين، وما حكم عليهم ووصفهم به خاص بقوم مضوا، وأناس سلفوا، وانقرضوا، لم يعقبوا وارثا.

وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين هذه نزلت "في عباد الأصنام، هذه في النصارى

، فيظن الغر أن ذلك مختص بهم، وأن الحكم لا يتعداهم، وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة) 3.

ويظهر الشيخ صالح بن محمد الشثري خطورة هذه الشبهة ومدى انحرافها فيقول - ردا على دحلان-:

(فيا سبحان الله كيف بلغ اتباع الهوى بصاحبه إلى هذا الجهل العظيم، والتناقض البين، وتحريف معاني آيات الله المحكمات الدالة على السؤال والطلب، ويحتج بها على أنها وردت في المشركين وأن حكمها لا يتعداهم

مع أن أحكام القرآن متناولة لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة. قال تعالى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ} 4.

1 "مصباح الظلام" ص140.

2 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/78.

3 "دلائل الرسوخ" ص44.

4 سورة الأنعام آية: 19.

ص: 230

وعلى قول هذا المبطل أن حكم القرآن لا يتعدى من نزل فيه، فيقال: قد خاطب الله الصحابة بشرائع الدين كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وبآيات المواريث، وبآيات الحدود، فيلزم على قول هذا المبطل أن حكمها لا يتعدى الصحابة. وهذا كفر وضلال، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

) 1.

ويوضح السهسواني- رحمه الله صحة معتقد الشيخ الإمام في تلك المسألة، فقال: (نعم قد استدل الشيخ رحمه الله على كفر عباد القبور بعموم آيات نزلت في الكفار، وهذا مما لا محذور فيه، إذ عباد القبور ليسوا بمؤمنين عند أحد من المسلمين

، وإنما تمسك الشيخ في تكفير الذين يسمون أنفسهم مسلمين، وهم يرتكبون أموراً مكفرة بعموم آيات نزلت في المشركين، وقد ثبت في علم الأصول أن العبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص السبب، وهذا مما لا مجال فيه لأحد) 2.

ومما كتبه الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين- ردا على دحلان وغيره ممن وقع في تلك الشبهة- قوله:

(إن العبرة بعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فحمل آية نزلت في مشرك على مؤمن بتشبيه به شائع ذائع، ولأجل ذلك أجرى الفقهاء حكم الكفر بالتشبه بالكفر، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم" 3)4.

ويقول ابن سحمان: (فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله، بصرف خالص حقه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين، ودعاهم مع الله، واستغاث بهم كما يستغيث بالله، وطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون، وتكفيره، وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق، وتنزيل ما أنزله الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذى حذوهم فلا حيلة فيه)5.

ويكشف محمد رشيد رضا عن كثافة جهل أصحاب هذه الشبهة فيقول:

(ومن عجائب جهل دحلان وأمثاله أنهم يظنون أن ما بينه القرآن من بطلان شرك

1 " تأييد الملك المنان" ق 39.

2 "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" ص487.

3 أخرجه أبو داود وأحمد.

4 "الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين" ص 46.

5 "كشف غياهب الظلام عن أوهاب جلاء الأوهام " ص 195، وانظر:"الأسنة الحداد" ص 122.

ص: 231

المشركين خاص بهم لذواتهم، وليس بحجة على من يفعل مثل فعلهم كأن من ولد مسلما يباح له الشرك لجنسيته الإسلامية، وإن أشرك بالله في كل ما عده كتاب الله شركا، وعلى هذا لا يتصور وقوع الردة في الإسلام، لأن من سمي مسلما يجب أن يسمى كفره وشركه إسلاما، أو يعد مباحا له أو حراما على الأقل، وقد يعدونه مشروعا بالتأويل) 1.

ويرد الشيخ فوزان السابق تلك الدعوى فيقول: (وأما القول بأن الآيات التي نزلت بحق المشركين من العرب لا يجوز تطبيقها على من عمل عملهم ممن يتسمى بالإسلام لأنه يقول: لا إله إلا الله، فهو قول من أغواه الشيطان. فآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، لأن مجرد التلفظ بالشهادة مع مخالفة العمل بما دلت عليه لا تنفع قائلها، وما لم يقم بحق لا إله إلا الله نفيا وإثباتا، وإلا كان قوله لغوا لا فائدة فيه.

فالمعترض يريد تعطيل أحكام الكتاب والسنه، وقصرها على من نزلت فيهم، وهذا القول يقتضي رفع التكليف عن آخر هذه الأمة) 2.

ونختم هذه الأجوبة، بما سطره القصيمي ردا على هذه الشبهة، يقول: (وما زال المسلمون والعلماء والأئمه الأعلام، يستدلون بالآيات العامة النازله في الكفار على ما يفتون به المسلمين

ومازالوا يأخذون من تلك العموميات الحجج والدلالات على معتقداتهم وإيمانهم، ولا خلاف عندهم أن القرآن إذا ما نهى اليهود، والنصارى، أو المجوس عن أمر من الأمور، أو أخبر أن ذلك كفر فيهم، أنهم هم أيضا منهيون عن ذلك الأمر، وأنه كفر فيهم.

وقد عقد الإمام الشاطبي في أول كتابه الاعتصام فصلا مبسوطا رد به على البدع والمبتدعين، محتجا بعموم الآيات النازلة في أهل الكتاب، وذكر فيها أقاويل كثيرة عن السلف من صحابة وتابعين ومن بعدهم، قد احتجوا فيها بالآيات المطلقة النازلة أصلا في طوائف الشرك، وأهل الكتاب على إثم البدعة، وخطأ المبتدعين من المسلمين) 3.

1 "صيانة الإنسان للسهسواني (تعليق محمد رشيد رضا) ص 487.

2 "البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار، ص 277.

3 الصراع بين الإسلام والوثنية 1/419 باختصار.

ص: 232