المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة - دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

[عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الدحض لها

- ‌الفصل الأول: الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة، وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم

- ‌الفصل الثالث: فرية إنكار كرامات الأولياء

- ‌الباب الثاني: الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك

- ‌الفصل الأول: التكفير والقتال.. عرض ثم رد وبيان

- ‌المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثاني: فرية أن الوهابيين خوارج وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثالث: شبهة أن الوهابيين أدخلوا في المكفرات ما ليس فيها

- ‌المبحث الرابع: شبهة مخالفة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لابن تيمية وابن القيم في مسألة الذبح لغير الله..عرض ثم رد

- ‌المبحث الخامس: شبهة عدم طروء الشرك على هذه الأمة.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

- ‌الفصل الثاني: تحريم التوسل.. عرض ثم رد

- ‌الفصل الثالث: منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث: فيما اعترض عليه من قضايا الدعوة مع المناقشة

- ‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل الثاني: تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الثالث: إنكار دعاء الموتى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

ادعى بعض خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد خرج على دولة الخلافة العثمانية، ففارق بذلك الجماعة، وشق عصا السمع والطاعة.

فيصف ابن عفالق التوحيد الذي عليه أتباع الدعوة السلفية، فيقول: (وأما توحيدكم الذي مضمونه الخروج على المسلمين

فهذا إلحاد لا توحيد) 1. وينعتهم عمر المحجوب مخاطباً لهم: (ووقعتم في شق العصا) 2 ونلاحظ أن ابن عابدين في حاشيته- كما سبق ذكره- قد وصف أتباع هذه الدعوة بأنهم خوارج، وذلك ضمن باب البغاة، وهم الخارجون عن طاعة الإمام بلا حق3

ويدعي دحلان أن أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب (فارقوا الجماعة والسواد الأعظم) 4 كما يدعي الزهاوي أنهم عرفوا (بالمروق عن طاعة أمير المؤمنين) 5 وإن كثيرا من الخصوم قد وصفوا الشيخ الإمام وأتباعه بأنهم خوارج، لأن من صفات الخوارج الخروج على إمام المسلمين، وشق عصا الطاعة بمجرد وقوعه في المعاصي التي دون الكفر الأكبر

ونوضح ذلك بما ادعاه العاملي حيث يقول:

(الخوارج استحلوا قتال ملوك المسلمين والخروج عليهم.. وكذلك الوهابيون)6.

ويذكر صاحب كتاب "خلاصة تاريخ العرب" مبحثا بعنوان:

(المبحث السادس: في خروج الوهابية عن الطاعة)7.

ويدعي عبد القديم زلوم أن الوهابيين بظهور دعوتهم قد كانوا سبباً في سقوط دولة الخلافة.

1 جواب ابن عفالق على رسالة ابن معمر، ق 57.

2 رسالة في الرد على الوهابية ص 4.

3 انظر: حاشية ابن عابدين 4/262.

4 "الدرر السنية في الرد على الوهابية" ص 32.

5 "الفجر الصادق" ص 73.

6 "كشف الارتياب" ص 115 باختصار.

7 سيديو، خلاصة تاريخ العرب، ترجمة علي باشا مبارك، ط 1، مطبعة محمد أفندى، مصر، 1309 هـ، ص 279.

ص: 233

يقول:

(وكان قد وجد الوهابيون كياناً داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز، فأمدتهم انجلترا بالسلاح والمال، واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة أي رفعوا السيف في وجه الخليفة، وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم)1.

وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة، فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف.

يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم:

(وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه)2.

ويقول أيضا:

(الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشياً، فبين الله له هذا بيانا شائعا كافيا بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير من يدعي العلم، فكيف العمل به)3.

وصرح الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله باعتقادهم في هذه المسألة فقال:

(ونرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية)4.

وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله.

1 "كيف هدمت الخلافة" ص10.

2 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/11.

3 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 1/394.

4 "الهدية السنية" ص109.

ص: 234

فإننا نشير إلى مسألة مهمة جواباً عن تلك الشبهة، فهناك سؤال مهم هو: هل كانت نجد موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟

يجيب الدكتور صالح العبود على هذا السؤال فيقول:

(لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاه عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها "قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان" يعني قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر الديوان، ألفها يمين علي أفندي الذي كان أمينا للدفتر الخاقاني سنة 1018هـ الموافقة لسنة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثين ايالة، منها أربع عشرة ايالة عربية، وبلاد نجد ليست منها ماعدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد

) 1.

ويقول الدكتور عبد الله العثيمين:

(ومهما يكن فإن نجدا لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قوياً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت، فلا نفوذ بني جبر، أو بني خالد في بعض جهاتها، ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعا من الاستقرار السياسي، فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة، والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حاداً عنيفاً)2.

يقول الدكتور عجيل النشمي:

(إن نجداً وما جاورها لم تعرها دولة الخلافة أهمية تذكر، وربما كانت سياستها هذه تجاه بلاد نجد لسعة أراضيها، وترامي أطرافها، هذا من جانب، ولتمكن التوزيع

1 "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الرهاب وأثرها في العالم الإسلامي" - غير منشور- 1/27.

2 محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، ص 11. واستكمالا لما ذكره العثيمين آنفاً، فإننا نورد قوله: (وما ورد من أن بعض أئمة المساجد النجديين كانوا حينذاك يمجدون السلطان العثماني في الخطبة، ربما كان سببه ما يكنه الناس عامة من مشاعر طيبة تجاه ذلك السلطان، وربما كان ناتجاً عن استعمال أولئك الأئمة لخطب من هم أغزر علماً في المناطق الخاضعة خضوعا مباشراً للعثمانيين) . عن كتاب "تاريخ المملكة العربية السعودية"، ص 36، 37.

ص: 235

القبلي والعشائري من جانب آخر

) 1.

ويقول أمين سعيد في هذا الشأن:

(ولقد حاولنا كثيرا في خلال دراستنا لتاريخ الدولتين الأموية والعباسية، وتاريخ الأيوبيين، والمماليك في مصر، ثم تاريخ العثمانيين الذين جاءوا بعدهم وورثوهم، أن نعثر على اسم وال، أو حاكم أرسله هؤلاء، أو أولئك أو أحدهم إلى نجد أو إحدى مقاطعتها الوسطى، أو الشمالية، أو الغربية أو الجنوبية، فلم نقع على شيء، مما يدل على مزيد من الإهمال تحمل تبعته هذه الدول.. على أن الذي استنتجناه في النهاية هو أنهم تركوا أمر مقاطعات نجد الوسطى والغربية إلى الأشراف الهاشميين حكام الحجاز الذين جروا على أن يشرفوا على قبائلها إشرافا جزئياً)2.

ويقول أيضاً:

(وكان كل شيخ أو أمير في نجد مستقلاً استقلالاً تاما في إدارة بلاده وما كان يعرف الترك، ولا الترك يعرفونه)3.

ويبين حسين خزعل حال نجد زمن العصر العثماني فيقول:

(ولما حلت سنة 923 هـ، وظهرت الدولة العثمانية على المسرح السياسي في جزيرة العرب، - وإن كانت الجزيرة العربية لم تشتمل بالحكم العثماني المركزي المباشر، بل اكتفت الدولة العثمانية بالسلطة الاسمية عليها-، كان كل قطر من أقطار الجزيرة العربية مستقلا بذاته، ولاسيما نجد، فقد كانت العصبيات فيها قائمة على قدم وساق، لكل عشيرة دولة، ولكل حاكم من أولئك الحكام حوزته الخاصة يحكمها حكماً

1 مجلة المجتمع، عدد 509، 23 صفر 1401هـ. ومما يدل على أن موقف الشيخ من دولة الخلافة كان سليماً، وأن الشيخ كان لا يجد شكا بأن محل دعوته ليس لها علاقة بدولة الخلافة، ما جاء في رسالته لفاضل آل مزيد رئيس بادية الشام حيث قال له:(إن هذا الذي أنكروا علي وأبغضوني وعادوني من أجله إذا سألوا عنه كل عالم في الشام أو اليمن أو غيرهم يقول هذا هو الحق وهو دين الله ورسوله، ولكن ما أقدر أن أظهره في مكاني لأجل أن الدولة ما يرضون، وابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره بل لما عرف الحق اتبعه)"مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/32. فيبدو من هذا النص سلامة موقف الشيخ من دولة الخلافة، وأن الشيخ كان لا يجد شكاً بأن محل دعوته. ليست خاضعة لدولة الخلافة.

2 "تاريخ الدولة السعودية"، من مطبوعات دار الملك عبد العزيز، ص23.

3 كتاب عن الإمام محمد بن عبد الوهاب، ط 1، شركة التوزيع العربية، بيروت، ص 179.

ص: 236

مطلقا) 1. ويقول جاكلين بيرين في ذلك:

(ولكن شبه الجزيرة العربية ظلت ممتنعة على الفتح التركي بفضل صحرائها التي هلكت فيها عطشا الجيوش التي وجهها السلطان سليمان سنة 1550م)2.

فإذا كانت نجد- محل ظهور وانطلاق هذه الدعوة - ليست تحت سيطرة العثمانيين، فكيف ترد هذه الشبهة ويظن أن الشيخ قد خرج على دولة الخلافة؟.

واستكمالا لهذا المبحث نذكر بعض جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز على ذلك الاعتراض، يقول الشيخ عبد العزيز:

(لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية- فيما أعلم وأعتقد-، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك، بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت- أمير مستقل

وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى

) 3.

ويجيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي على من ادعى أن هذه الدعوة حركة انقلابية المراد منها خلع الخليفة العثماني، وإعادة الخلافة إلى العرب، فكان مما قاله:

(لم يكن ليخطر على بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن ينقلب على خليفة المسلمين، ولا مر بخاطره ذلك.. ولكن الملتفين حول الخليفة إذ ذاك من الطرقيين المتصوفة قلبوا له الأخبار، وشوهوها، ليوغروا صدر الخليفة عليهم، وحرضوه عليهم بحجة أنهم أهل حركة انقلابية على الخليفة نفسه، تقصد إرجاع الخلافة إلى العرب.. مع أن من صميم عقيدة الشيخ رحمه الله التي هي العقيدة الإسلامية الحقة أنه لا تنقض الأيدي من طاعة الخليفة القائم إلا أن يروا فيه كفرا بواحا صراحا، ولم ير الشيخ شيئا من هذا حتى يدعو الناس إلى خلع الخليفة، حتى ولو كان الخليفة فاسقا في ذاته، إن لم يصل فسقه إلى درجة الكفر البواح الصراح، فلا يجوز الانقلاب عليه،

1 "تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، دار مكتبة الهلال، ص 38، 39.

2 "اكتشاف جزيرة العرب"، نقله إلى العربية قدري قلعجي، دار الكاتب العربي، بيروت، ص 24.

3 ندوة تجديد الفكر الإسلامي، ألقيت في قاعة المحاضرات بجامعة الملك سعود، 1402هـ، (مسجلة على أشرطة كاسيت) .

ص: 237

ولا الانتقاض على حكمه، وأن الشرع يخالف القيام على السلطان إلا في حالات الكفر البواح الصراح، حتى وإن الحركة- من أولها إلى آخرها- لم يكن للخليفة والخلافة أي علاقة في الدعوة ألبتة، حتى ولما استتب لهم الأمر في نجد والحجاز، أنهم انتقضوا على الخليفة، ولم يكن للخليفة ذكر قط في مراحل الدعوة....) 1.

يتبين من خلال النصين السابقين جانب من موقف الشيخ من دولة الخلافة فليس هناك عداء أو خصومة لدولة الخلافة. ولذا يقول الدكتور عجيل النشمي:

(نستطيع القول باطمئنان إن كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها تصريح بموقف عدائي ضد دولة الخلافة.

- ويقول أيضا: ولم نعثر على أي فتوى له تكفر الدولة العثمانية بل حصر افتاءاته في البوادي القريبة منه التي كان على علم بأنها على شرك

) 2.

بل- كما يقول النشمي- أن موقفه من دولة الخلافة هو موقف الناصح الآمر بالمعروف، المنكر لما يخالف الشرع دون أن يتعداه إلى الصدام المسلح، بل كان يتجنبه ويتحاشاه، كما هو واضح في موقفه من الأشراف الذين يحكمون الحجاز باسم دولة الخلافة. ويذكر النشمي بعض الأحداث التاريخية- في زمن الشيخ- التي تثبت ما كان عليه الشيخ الإمام من نبل الموقف، وتقدير الدولة العثمانية وإجلالها3.

ونورد خلاصة ما كتبه النشمي في هذا الموضوع، حيث يقول:

(فكانت سياسة الشيخ وموقفه تجاه بلاد الحجاز أنه لم يؤثر عنه طوال حياته تحريض، أو استعداء أو دعوة لحربها، أو الاستيلاء عليها لشعوره أن ذلك الفعل قد يفسر على أنه خروج على دولة الخلافة.

لم تحرك دولة الخلافة ساكناً، ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض، أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ

) 4.

1 الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (من بحوث أسبوع الشيخ- غير منشور-) ص9، 10.

2 مجلة المجتمع، عدد 506، 17 محرم 1401هـ.

3 انظر: ما كتبه النشمي في مجلة المجتمع: عدد 509، 23 صفر 1401 هـ، عدد 510. 30 صفر 1401 هـ.

4 مجلة المجتمع، عدد 510. 30 صفر 1401 هـ.

ص: 238

إذا كان- ما سبق- يعكس تصور الشيخ لدولة الخلافة، فكيف كانت صورة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة؟

يقول د. عجيل النشمي مجيباً على هذا السؤال:

(لقد كانت صورة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة صورة قد بلغت من التشويه والتشويش مداه، فلم تطلع دولة الخلافة إلا على الوجه المعادي لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، سواء عن طريق التقارير التي يرسلها ولاتها في الحجاز، أو بغداد، أو غيرهما.. أو عن طريق بعض الأفراد الذين يصلون إلى الأستانة يحملون الأخبار)1. وساق النشمي بعضا من الأمثلة التي تظهر مدى التشويه وقلب الحقائق الذي ضمته تلك التقارير، أو نقله بعض الأفراد.

ولازالت آثار هذا التشويش، وتبديل الحقائق وتزويرها ظاهرا جليا فيما كتب عن تاريخ العثمانيين، ونورد مثالا على ذلك:

يقول المؤرخ التركي سليمان بن خليل العزي:

(إن المراسلات التي وصلت إلى القسطنطينية من الشريف مسعود بن سعيد شريف مكة تبين أن ملحدا لا دينيا باسم محمد بن عبد الوهاب، قد ظهر من الشرق، قام بضرب وإجبار سكان تلك المنطقة لإخضاعهم لنفسه عن طريق اجتهاد زائف..)2.

وأما دعوى "زلوم" أن دعوة الشيخ أحد أسباب سقوط الخلافة، وأن الإنكليز ساعدوا الوهابيين على إسقاطها. فيقول محمود مهدي الاستانبولي جواباً على هذه الدعوى العريضة:

(قد كان من واجب هذا الكاتب أن يدعم رأيه بأدلة وإثباتات، وقديما قال الشاعر:

وإذا الدعاوى لم تقم بدليلها

بالنص فهي على السفاه دليل

مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الإنكليز وقفوا ضد هذه الدعوة، منذ قيامها

1 مجلة المجتمع عدد 504، 3 محرم 1401 هـ.

2 نقلا عن " الوهابيون الأوائل" لعبد الباري عبد الباقي، ص5. وقد تضمن تاريخ الدولة العلية العثمانية" لمحمد فريد بك ص404 معلومات خاطئة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد ذكر أن الشيخ ولد في الدرعية وأنه درس مذهب أبي حنيفة، وسافر إلى أصفهان وأنه عاد يقرر مذهب أبي حنيفة، ويذكر- أيضا- أن الشيخ أدته ألمعيته إلى الاجتهاد والاستقلال فأنشأ مذهبا جديدا.

ص: 239

خشية يقظة العالم الإسلامي) 1. ويقول الاستانبولي:

(والغريب المضحك والمبكي معاً أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية، مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811م، والخلافة هدمت حوالي 1922م)2.

ومما يدل على أن الإنكليز ضد الحركة الوهابية، أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنئ إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين- إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية-، وليؤكد له أيضا مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض- ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي3.

بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية، وبين إبراهيم باشا، بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل4.ويقول الشيخ محمد بن منظور النعماني:

(لقد استغل الإنجليز الوضع المعاكس في الهند للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم، ورأوه خطراً على كيانهم بالوهابية، ودعوهم وهابيين

، وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند- في الهند- بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للإنجليز، وتضييقهم الخناق عليهم..)

وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة، وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته، كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون.

1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مرآة علماء الشرق والغرب، ص 62.

2 الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مرآة علماء الشرق والغرب ص 64.

3 انظر: الكابتن فورستر سادلير، رحلة عبر الجزيرة العربية خلال عام 1819 م، ترجمة أنس الرفاعي، أشرف على طبعها سعود العجمي ط 2، الصفاة، الكويت، 1403 هـ، ص 7.

4 انظر: الكابتن فورستر سادلير، رحلة عبر الجزيرة العربية خلال عام 1819 م، ترجمة أنس الرفاعي، ص 156، 157.. وانظر: كتاب محمد بن عبد الوهاب ص 105، 106 باختصار.

5 "دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، ص 105، 106 باختصار. بل إن القس زويمر يذكر أن الوهابيين في الهند لا يجاهرون بمعتقدهم، لأنه نسب إليهم الحث على الجهاد ضد الحكومة الإنجليزية. وهذه شهادة خصم، والحق ما شهدت به الأعداء. انظر: مجلة المقتطف م 27، ص 295.

ص: 240