المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها - دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

[عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الدحض لها

- ‌الفصل الأول: الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة، وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم

- ‌الفصل الثالث: فرية إنكار كرامات الأولياء

- ‌الباب الثاني: الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك

- ‌الفصل الأول: التكفير والقتال.. عرض ثم رد وبيان

- ‌المبحث الأول: مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ في مسألة التكفير مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثاني: فرية أن الوهابيين خوارج وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض لها

- ‌المبحث الثالث: شبهة أن الوهابيين أدخلوا في المكفرات ما ليس فيها

- ‌المبحث الرابع: شبهة مخالفة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لابن تيمية وابن القيم في مسألة الذبح لغير الله..عرض ثم رد

- ‌المبحث الخامس: شبهة عدم طروء الشرك على هذه الأمة.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السادس: شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين.. عرض ثم رد

- ‌المبحث السابع: شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

- ‌الفصل الثاني: تحريم التوسل.. عرض ثم رد

- ‌الفصل الثالث: منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث: فيما اعترض عليه من قضايا الدعوة مع المناقشة

- ‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل الثاني: تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الثالث: إنكار دعاء الموتى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

‌الباب الثالث: فيما اعترض عليه من قضايا الدعوة مع المناقشة

‌الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

الباب الثالث: فيما اعترض عليه من قضايا الدعوة مع المناقشة

نورد في هذا الباب ما سطره الخصوم من كتابات تتضمن وصف هذه الدعوة السلفية وأنصارها بما هو حق وصدق، ولكنهم ساقوا هذه الجوانب من قضايا الدعوة السلفية في مقام الاعتراض والاستنكار، وليس من أجل الإقرار بها والإنصاف، ولذا فإن هذه الاعتراضات على هذه الدعوة السلفية لا تخلو من كذب وتحامل كما سيظهر جليا في فصول هذا الباب.

وسيكون مسلكنا في هذا الباب هو إيراد اعتراض الخصوم بما فيه من حق وصدق، وما زادوا عليه من إفك وكذب، ثم مناقشة هذا الاعتراض، وسيتضح بالأدلة والبراهين ما كان عليه أئمة الدعوة السلفية من موافقة الحق والصواب في تلك المسائل، كما تكشف حال أولئك الخصوم وما كانوا فيه من ضلال وزيغ وانحراف، أثناء إيرادهم تلك الاعتراضات.

ص: 301

الفصل الأول: هدم الأبنية على القبور والنهي عن شد الرحال لزيارتها

اعترض خصوم الدعوة السلفية على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده بأنهم يهدمون الأبنية على القبور، كما يهدمون القباب التي على الأضرحة والمشاهد، ويمنعون تجصيص القبور وكسوتها وتزيينها، ويرون النهي عن شد الرحال لزيارة القبور

ونحو تلك الأمور.

وبالفعل فقد كان الشيخ رحمه الله وأتباعه من بعده يعتقدون تلك الأمور قولا وعملا، ولكن هؤلاء الخصوم ساقوا تلك الأمور من هدم القباب ومنع كسوة القبور وتزيينها والنهي عن شد الرحال لزيارة المشاهد وغيرها، ساقوها في مقام الاعتراض، وأوردوها بقصد التحامل والتشنيع على هذه الدعوة السلفية، ولذا فإنها لا تخلو غالبا من الكذب والافتراء.

ومن أوائل المعترضين في هذا الفصل سليمان بن سحيم، حين ذكر ذلك في رسالته التي بعثها إلى الأمصار فقال:

(فمن بدعه وضلالاته أنه عمد إلى شهداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكائنين في الجبيلة، زيد بن الخطاب والصحابة، وهدم قبورها وبعثرها؛ لأجل أنهم في حجارة، ولا يقدرون أن يحفروا لهم، فطووا على أضرحتهم قدر ذراع ليمنعوا الرايحة والسباع، والدافن لهم خالد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمد أيضا إلى مسجد في ذلك وهدمه..)1. ويستعظم المحجوب هدم القباب، فيقول- مخاطبا الإمام عبد العزيز الأول-: (وأما ما جنحت إليه من هدم ما يبنى على مشاهد الأولياء من القباب من غير

1 نقلا عن: ابن غنام "روضة الأفكار"، 1/112.

ص: 302

تفرقة بين العامر، والخراب، فهي الداهية الدهياء، والعظيمة العظمى) 1.

وجعل علوي الحداد في كتابه "مصباح الأنام" فصلا في صحة بناء القباب على الأولياء والعلماء، فضلا عن الأنبياء، ثم عقد فصلا في القبة وندبها، وأنها قربة، حيث طعن الحداد في الوهابيين حين هدموا القباب وأزالوها2.

ووصف الحداد الوهابيين بأنهم (يهدمون القبب المبنية عليهم- أي على القبور-)3.

ويستدل إسماعيل التميمي على جواز اتخاذ القبور مساجد، بما جاء في قصة أصحاب الكهف في قوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} 4 يقول إسماعيل:

(.. فإن الله تعالى لما حكى بناء المسجد هاهنا، ولم يسقه مساق الذم، ولا تعقبه بإبطال، دل على أن اتخاذ المسجد على الميت لا بأس به)5.

وأورد هذا التميمي مبحثا في البناء على القبور، جوز فيه البناء على القبور، مستدلا على ذلك ببعض النقول لبعض المنتسبين للعلم، ومؤولا النصوص الشرعية حسب تجويزه..6.

ويورد الرافضي "اللكهنوري" معتقد الشيخ الإمام في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول:

(وأنه يحرم شد الرحال إلى زيارة قبره.. ومستنده إلى حديث رووه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " 7 والاستدلال به على مرادهم غلط ظاهر، فإن مفهوم الحديث كما يظهر على من له أدنى إلمام بالعربية هو أنه لا تشد الرحال من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد، فإن المستثنى منه يجب أن يكون من جنس المستثنى

وأين من ذلك النهي عن شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يزل المسلمون وعلماؤهم يتعاهدون زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وما أنكر قط منكر. فقد ثبت

1 رسالة في الرد على الوهابية، ص7.

2 انظر "مصباح الآنام"، ص42-44.

3 "مصباح الآنام"، ص29.

4 سورة الكهف آية: 21.

5 "المنح الإلهية"، ق58.

6 "المنح الإلهية"، ق56،60.

7 صحيح البخاري: كتاب الجمعة (1189 ،1197) وكتاب الحج (1864) وكتاب الصوم (1996)، وصحيح مسلم: كتاب الحج (1397)، وسنن الترمذي: كتاب الصلاة (326)، وسنن النسائي: كتاب المساجد (700)، وسنن أبي داود: كتاب المناسك (2033)، وسنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1409 ،1410) ، ومسند أحمد (3/7 ،3/34 ،3/45 ،3/51 ،3/53 ،3/71 ،3/77 ،3/78 ،6/7 ،6/397)، وسنن الدارمي: كتاب الصلاة (1421) .

ص: 303

إجماع المسلمين) 1. ثم ينكر مذهب الشيخ الإمام في حكم البناء على القبور، فيقول: (اعلم رحمك الله أن مذهبه في القبور أنه يحرم عمارتها. والبناء حولها، وتعاهدها، والدعاء والصلاة عندها، بل يجب هدمها وطمس آثارها..) 2.

ويدعي اللكنهوري (أن هذه المشاهد تقلع أصول الشرك والعدوان وتجتاح جراثيم الكفر والطغيان

) 3 ويورد اللكنهوري الأدلة على جواز عمارة القبور، فيقول:

(وثبت ذلك في الكتاب في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} 4 حيث قال المسلمون لما مات أهل الكهف نحن نبني عليهم مسجدا يصلي فيه، فحكى سبحانه مقالة المسلمين من غير رد عليهم ولا إنكار. والعجب من شارح كتاب "التوحيد" لابن عبد الوهاب حيث قال بعد ذكر هذه الآية: هذا دليل على أن الذين غلبوا هم الكفار إذ لو كانوا مؤمنين ما أرادوا أن يتخذوا على قبور الصالحين مسجدا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعل ذلك)5.

ويذكر إجماع قومه من الإمامية الرافضة في ذلك، فيقول:

(وأما الإجماع عند أصحابنا الإمامية فهو أيضا متحقق في هذا المقام فإن علماءنا رضي الله عنهم من صدر الإسلام إلى هذا العصر لم يزالوا مطبقين على استحسان مشاهد الأئمة وتعظيمها، وتعاهدها، وتجديدها، على ذلك مضت القرون، ونسلت الأزمنة من غير خلاف أحد)6.

ويحمل اللكنهوري حديث أبي الهياج7 (بأنه وارد في قبور الكفار التي لا فائدة في بقائها، ولا حرمة لها عند الله تعالى)8.

(وأن المراد بالقبر المشرف هو المرتفع مثل قبور النصارى المرتفعة من

1 "كشف النقاب"، ص21.

2 "كشف النقاب"، ص82.

3 "كشف النقاب"، ص82،83.

4 سورة الكهف آية: 21.

5 "كشف النقاب"، ص90.

6 "كشف النقاب"، ص104.

7 سيأتي إيراد نص هذا الحديث.

8 كشف النقاب، ص105.

ص: 304

الأرض، وأما إذا كان نفس القبر مسطحا، ولكن بني حوله قبة عالية، فلا يصدق عليه أنه القبر المشرف) 1.

ويدعي اللكنهوري أن (تقبيل القبر بعد الموت كتقبيل اليد في الحياة لوجود الملاك، وهو التعظيم فيهما على السواء)2.

ويذكر اللكنهوري أن الوهابيين سنة 1223هـ (هدموا القباب، فهدموا قبة سيدتنا خديجة رضي الله عنها

وهدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد أبي بكر

) 3. ويعقد جعفر النجفي بابا في بناء قبور الأنبياء والأولياء، ويجعل ذلك أمراً مشروعا، بحجة أن في بنائها سببا لزيارة القبور وإدراك فضل الزيارة، وأنه علامة للمزار4.

ويثبت دحلان مشروعية شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:

(وإذا كانت كل زيارة- أي للقبر- قربة، كان كل سفر إليها قربة، وقد صح خروجه صلى الله عليه وسلم لزيارة قبور أصحابه بالبقيع وأحد، فإذا ثبت مشروعية الانتقال لزيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم فقبره الشريف أولى وأحرى، والقاعدة المتفق عليها أن وسيلة القربة المتوقفة عليها قربة أي من حيث إيصالها إليها)5.

ويرد دحلان على من قال: إن منع شد الرحال من باب المحافظة على التوحيد فيقول: (إن هذا تخيل باطل؛ لأن المؤدي إلى الشرك إنما هو اتخاذ القبور مساجد، أو العكوف عليها، وتصوير الصور فيها..)

ويجيب دحلان عن حديث "لا تشد الرحال.." بقوله:

وأما قوله " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " 6 فمعناه أن لا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والصلاة

1 كشف النقاب، ص107.

2 كشف النقاب، ص118.

3 كشف النقاب، ص129. ومما يجدر ذكره أن هذا الرافضي ألف كتابا سماه "البيت المعمور في عمارة القبور"، ويقول- كما جاء في كتابه "كشف النقاب" ص89- (أن هذا الكتاب قد طبع في الهند، وتهافت عليه الناس كالفراش المبثوث) .

4 انظر: "منهج الرشاد" ص71.

5 "الدرر السنية في الرد على الوهابية"، ص5.

6 صحيح البخاري: كتاب الجمعة (1189 ،1197) وكتاب الحج (1864) وكتاب الصوم (1996)، وصحيح مسلم: كتاب الحج (1397)، وسنن الترمذي: كتاب الصلاة (326)، وسنن النسائي: كتاب المساجد (700)، وسنن أبي داود: كتاب المناسك (2033)، وسنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1409 ،1410) ، ومسند أحمد (3/7 ،3/34 ،3/45 ،3/51 ،3/53 ،3/71 ،3/77 ،3/78 ،6/7 ،6/397)، وسنن الدارمي: كتاب الصلاة (1421) .

ص: 305

فيه إلا إلى المساجد الثلاثة، فإنها تشد الرحال إليها لتعظيمها والصلاة فيها، وهذا التقدير لا بد منه، ولو لم يكن التقدير هكذا، لاقتضى منع شد الرحال للحج، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا وغير ذلك. ولا يقول بذلك أحد) 1.

وذكر دحلان الأحاديث في وجوب زيارة القبر النبوي، حيث نقلها عن ابن حجر الهيتمي من كتابه "الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم"، يقول دحلان:

" من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني " رواه ابن عدي بسند يحتج به.

" من زار قبري وجبت له شفاعتي " رواه الدارقطني ".

" من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ".

" من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي ".

ثم قال: فتلك الأحاديث كلها في تأكيد زيارته صلى الله عليه وسلم حيا وميتا، والزيارة شاملة للسفر؛ لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور، وإذا كانت كل زيارة قربة، كان كل سفر إليها قربة..) 2.

وخصص السمنودي باباً في الكلام على إثبات مشروعية، التمسح بالقبور، وتقبيلها وكسوتها، وجعل توابيت أو قباب أو عمائم لها، وأعمال المولد للأنبياء، والأولياء. وغير ذلك3.

وقد تحدث السمنودي عن البناء على القبور، فأشار إلى حديث أبي الهياج "أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته " قائلا:

(لم يرد تسويته بالأرض، وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأخبار

كما أن ذلك كان في قبور عظماء المشركين محوا لآثار ما كانت تفعله الجاهلية.. فلا حجة فيه للوهابية، وإلا لكان التسنيم والتسطيح ممنوعين، وقد علمت أنهما مشروعان) 4.

ولما أجاب علماء المدينة المنورة على استفتاء قدمه الشيخ عبد الله بن بليهد رئيس

1 "الدرر السنية"، ص5.

2 الدرر السنية، ص4، 5 باختصار. وقد ذكر دحلان في كتابه "خلاصة الكلام"، ص278 ما حدث سنة 1218هـ حيث إن (الأمير سعود بن عبد العزيز قد أمر بهدم القباب، فهدموا أولا ما في المعلى من القبب، فكانت كثيرة، ثم هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومولد سيدنا علي رضي الله عنه، وقبة السيدة خديجة رضي الله عنها .

3 انظر: "سعادة الدارين" 2/59.

4 "سعادة الدارين" 2/71. وانظر: جوابه على حديث "لا تشد الرحال

" في كتابه "سعادة الدارين" 1/120.

ص: 306

القضاة في الحجاز، إليهم حول البناء على القبور..، وكان جوابهم على الاستفتاء في اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف (25 رمضان 1344هـ)، ومما جاء في هذا الجواب ما نصه:

(أما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعا لصحة الأحاديث الواردة في منعه ولهذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه مستندين على ذلك بحديث علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته "1 رواه مسلم.

وأما اتخاذ القبور مساجد، والصلاة فيها فهو ممنوع مطلقا، وإيقاد السرج عليها أيضاً لحديث ابن عباس لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أهل السنن، وأما ما يفعله الجهال عند الضرائح من التمسح بها، والتقرب لهم بالذبح والنذر ودعاء أهلها مع الله فهو حرام ممنوع شرعاً لا يجوز فعله أصلا. وأما التوجه إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء فالأولى منعه كما هو معروف من معتبرات كتب المذهب؛ ولأن أفضل الجهات جهة القبلة، وأما الطواف بها والتمسح وتقبيلها فهو ممنوع مطلقا) 2.

فلما كتبوا هذا الجواب قام ناس لذلك، وقعدوا، وضجوا وصالوا وقالوا وحرروا بذلك المقالات والكتب، وقد تولى كبر هذا الضجيج والصياح علماء الرافضة، فكان مما كتبوه، ما ذكره العاملي ردا على الوهابية، يقول العاملي معترضاً عليهم:

(إن بناء القبور، وتجصيصها، وعقد القباب فوقها، وعمل الصندوق والخلعة لها مما حرمه الوهابية. وأوجبوا هدم القبور والقباب التي عليها والبناء الذي حولها، وزعم الوهابيون أن البناء على القبور بدعة حدثت بعد عصر التابعين..)3.

ويذكر العاملي بعض أعمال الوهابيين فيقول:

(هدم الوهابية المسجد الذي عند قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بأحد، بعدما هدموا القبة التي على القبر. وأزالوا تلك الآثار الجليلة، ومحوا ذلك المسجد العظيم الواسع فلا يرى الزائر لقبر حمزة اليوم إلا أثر قبر على تل من التراب..)4.

1 صحيح مسلم: كتاب الجنائز (969) ، ومسند أحمد (1/96) .

2 جريدة أم القرى، عدد 69، 17 شوال 1344هـ.

3 "كشف الارتياب"، ص357.

4 "كشف الارتياب"، ص414.

ص: 307

ويذكر العاملي أيضا عنهم:

(ومنع الوهابية تعظيم القبور، وأصحابها، والتبرك بها من لمس، وتقبيل لها، ولأعتاب مشاهدها، وتمسح بها، وطواف حولها، ونحو ذلك)1.

ويحكي العاملي عن الوهابيين فيقول:

(ومنعت الوهابية اتخاذ الخدمة، والسدنة لقبور الأنبياء، والأولياء والصلحاء، واتخاذها عيداً)2.

(ومنعوا أيضا تزيين المشاهد بالذهب، والفضة، والمعلقات والحلي والكسوة ونحو ذلك)3.

ويذكر العاملي حال الوهابيين بالنسبة إلى شد الرحال لزيارة القبر النبوي، فيقول:

(وقد منع الوهابية من شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضلا عن غيره، وقد عرفت أن ابن تيمية في مقام تشنيعه على الإمامية قال: إنهم يحجون إلى المشاهد كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، وما هو حجهم إلا قصدهم زيارتها فسماه حجا لزيادة التهويل والتشنيع)4.

وقد أورد العاملي ما فعله أتباع هذه الدعوة السلفية من هدم القباب والأبنية على القبور في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز سنة 1218هـ5 كما ذكر هدمهم للقباب كذلك في عهد الملك عبد العزيز سنة 1343هـ، فقال عنه:

(لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قبة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي طالب عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد فاطمة الزهراء، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء، وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذكر أيضا، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها من القباب، والمزارات، والأمكنة التي يتبرك بها)6.

وينادي محمد علي الأوردبادي بالويل والثبور حين يقول:

1 "كشف الارتياب" ص429.

2 "كشف الارتياب"، ص448.

3 "كشف الارتياب" ص450.

4 "كشف الارتياب"، ص474.

5 "كشف الارتياب" ص22، 23.

6 "كشف الارتياب"، ص59.

ص: 308

(طرقت الإسلام تلك الداهية الفادحة، والفاجعة المبرحة، مفرقة الكلمة، ومضعضعة أركان الجامعة، ومشوشة أمر الأمة، ومضيعة الحرمة، ألا وهي فادحة هدم القباب

) 1.

ويدعي الأوردبادي أن معنى اتخاذ القبور مساجد هو السجود على القبور فقط لأن المسلمين لم يتخذوا القبور كالمساجد الشرعية2.

ويتعجب الأوردبادي فيقول:

(ويا للعجب فإن العدوان بهدم القباب الشرعية لم يكن إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمه المدينة المنورة)3.

ويقول:

(وهل يستطيع مسلم أن ينكر المقام العظيم في الإسلام لهؤلاء الذين هتكت حرمتهم بهدم القباب التي بناها المسلمون، معاونة لزوارهم على البر، واستدامة لزيارتهم، واستكثاراً من تلاوة القرآن، وذكر الله عند مراقدهم..) 4) .

ويكتب الرافضي محمد حسين رسالة "في نقض فتاوى الوهابية" جوابا على فتوى علماء المدينة- التي سبق ذكرها-، مؤكداً ومقرراً أن التسوية في حديث أبي الهياج "ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" بمعنى عدلته وسطحته، لا بمعنى ساويته وهدمته5.

ويقول محمد حسين:

(والأخبار ناطقة بمشروعية بنائها، وإشادتها، وأنها من تعظيم شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)6.

ويحتج حسن صدر الدين الكاظمي على ضوء علماء المدينة، بوجود القباب والمشاهد، فوجودها دليل على جواز البناء على القبور، يقول:

(ماذا ينكرون وهذه القباب العالية، والبنايات الشامخة القائمة حول مراقد الأنبياء، والأئمة، والأولياء من الصحابة والتابعين، ومراقد العلماء والصالحين قد حشيت بها

1 "رسالة في الرد على الوهابية"، ص3.

2 "رسالة في الرد على الوهابية"، ص9.

3 "رسالة في الرد على الوهابية"، ص4.

4 "رسالة في الرد على الوهابية"، ص6.

5 انظر: "رسالة في نقض فتاوى الوهابية"، ص9- 17.

6 انظر: "رسالة في نقض فتاوى الوهابية"، ص17، 18.

ص: 309

بطون الأقطار والأمصار. بل إن في الآثار القائمة حول قبور الأنبياء السابقين كقبر دانيال، وقبر هود، وصالح، وذي الكفل، ويوشع في بابل، وكقبور الأنبياء المدفونين عند البيت المقدس، بل في بناء الحجر على قبر إسماعيل، وأمه هاجر لأكبر دليل على اهتمام الأمم السالفة في تعظيم مراقد أنبيائهم، وليس بأقل من اهتمام المسلمين في تعظيم مرقد نبيهم، ومراقد أوليائهم) 1.

وينتقد الطباطبائي الوهابيين ويمدح قومه الإمامية فيقول:

(قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها.

وقالت الإمامية: يجوز بناء القبور للأنبياء والأولياء، وتشييدها وحفظها) 2 ويستدل الطباطبائي على ذلك بأن البناء على القبور من باب تعظيم شعائر الله؛ لأن المشاهد المتضمنة لأجساد النبيين، وأئمة المسلمين من معالم الدين الواجب حفظها، وصونها عن الاندراس. والمشاهد من البيوت التي أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، فإن المراد من البيت هو بيت الطاعة، وكل محل أعد للعبادة، فيعم المساجد، والمشاهد لكونها من المعابد) 3. ويشنع الطبطبائي على الوهابيين، فيقول عنهم:

(واجتراؤهم على الله ورسوله بهدم القباب الطاهرة لأئمة البقيع الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً. وأن ذلك منهم إنكار لمودة ذي القربى التي هي من الضروريات الثابتة بالكتاب والسنة)4. ويطعن حسن خزبك في الشيخ الإمام فيقول:

(وكذا تنقيصه الرسل، والأنبياء، والأولياء، وهدم قببهم، بل ونبش قبورهم)5.

ويورد محمد الطاهر يوسف دليلا لهم على شد الرحال لزيارة القبور، فيقول:

1 "رسالة الرد على فتاوى الوهابيين"، ص9، 10. يظهر من هذه النقول المتعددة لبعض علماء الرافضة ضد فتاوى علماء المدينة حول البناء على القبور، أن هؤلاء الرافضة لحقهم غيظ شديد فسودوا تلك الكتب، من أمثال العاملي، والأوردبادي، ومحمد حسين، وحسن صدر الدين، والبلاغي وغيرهم، ولا عجب في ذلك فالرافضة قد عرفوا بعمارة المشاهد وهجر المساجد. انظر: توضيحا لموقفهم من الفتوى في جريدة أم القرى، عدد 104.

2 "البراهين الجلية"، ص41.

3 "البراهين الجلية"، ص47.

4 "البراهين الجلية"، ص72.

5 "المقالات الوفية"، ص188.

ص: 310

(نحن نستدل على شد الرحال على سبيل الوجوب، أو الندب لأماكن دون المساجد الثلاثة بشد الرحال للتجارة الشرعية، وطلب العلم الشرعي، والمقابر، وللإخوان المؤمنين أحياء وأمواتا، ولا سيما قبر نبينا صلى الله عليه وسلم. وجميع الأنبياء والرسل والصحابة والأولياء والصالحين والشهداء..)1.

لقد اهتم علماء الدعوة- كعادتهم- بمسألة البناء على القبور ولعلنا في هذه الأوراق المعدودة نكشف جانبا من هذا الاهتمام والحرص. ولا غرو في هذا، فإن البناء على القبور، وتشييدها، وشد الرحال إليها قد اشتمل- قديما وحديثا- على الكثير من البدع والمنكرات، عدا ما يترتب، وترتب عليه من إحياء الوثنية، وإعادة مظاهر الشرك المتنوعة، وأن التاريخ والواقع أكبر برهان على ذلك والله المستعان.

وقبل أن نورد بعضا من أجوبة أئمة الدعوة وأنصارها، ومناقشتهم على هذا الاعتراض، نرى مناسبة أن يسبق ذلك شيئا مما كتبه الشيخ حسين بن مهدي النعمي ردا على من زعم أن هدم القباب والمشاهد أذية لأولياء الله، يقول رحمه الله:

(وليت شعرى، كيف يكون أمرهم إذا لم يرعهم إلا نزول الإمام الأطهر صاحب السبق الأشهر، علي رضي الله عنه ونضر، بساحتهم يقول:" بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبراً مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته "2.

فعلى الذي يشاهد من حالهم، كأن لهم وقد ثاروا ذلك المثار، وأخذوا لتلك المعاقل بالثار، وأرجعوا عليا القهقرى، وتركوه زاحفا على الوراء وقالوا: أذية لأولياء الله

ثم كيف الخطب لديهم في هذه الأبنية على الأموات المعدة للتلاوة، والصلوات المشتملة على المحاريب، والفرش، والسرج وسائر الآلات إذا أتاهم في شأنها رسول صاحب الوحي المنزل، والهدي السوي الأعدل، يقول: بعثني لإزالة ما قد تقدم إليكم بالنهي عنه من اتخاذ القبور مساجد.

وهذا كله بالنظر إلى نفس البناء على القبر، لا إلى ما ترتب عليه من الوثنية والشرك، وعلى إحياء هذه المشاهد من كلم الإسلام وفقء عين شريعة المختار عليه الصلاة والسلام، وما يقع في الزيارات من أنواع الشرك بدعاء المقبورين، والطواف بتلك الأنصاب، والعكوف عندها، والنذر والتقرب لها بأنواع القربات. وما ترتب على ذلك من المفاسد، والمنكرات كترك الصلاة المكتوبة، وما يقولون من أقاويلهم المفتراة المكذوبة، قد حملوا الولي أو حملها عنهم، واختلاط الرجال بالنساء وأرباب الملاهي،

1 "قوة الدفاع والهجوم"، ص46.

2 سنن أبي داود: كتاب الجنائز (3218) .

ص: 311

واتخاذ الزينات والمجاهرات بالبدع والمعاصي

) 1.

ثم تحدث النعمي عن المفاسد والمنكرات التي تحدث بسبب البناء على القبور من أنواع المفاسد الوثنية، كما صارت هذه الأبنية معتكف كل طامة، ومناخ فجور أهل الفسوق والعقوق من العامة2.

ويرد النعمي على هؤلاء المبتدعة قولهم: (من المعلوم أن صلى الله عليه وسلم له قبة، وأولياء المدينة وأولياء سائر البلدان وأنها تزار كل وقت..) .

أقول: (الأمر كذلك، فكان ماذا؟ بعد أن حذر صلى الله عليه وسلم وأنذر، وبرأ جانبه المقدس الأطهر صلى الله عليه وسلم فصنعتم عين ما نهى عنه..، أفلا كان هذا كافيا لكم عن أن تجعلوا أيضا مخالفتكم عن أمره حجة عليه، وتقدما بين يديه. فهل أشار بشيء من هذا أو رضيه، أو لم ينه عنه؟)3.

ويقول النعمي حاكيا حال عباد القبور: (تأمل دين عباد القبور اليوم، خصوصا الغالين منهم فيها، إذا مسهم الضر أنابوا إليها، ويروون قاتلهم الله أنى يؤفكون إذا دهمتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور، ثم يذوقون الرحمة من الله مع كفرهم هذا. فيقولون كرامة الشيخ وبرهانه، وإذا خفق سعيهم يقولون هو غائب أو ساخط)4.

وأما ما أورده الخصوم من الاعتراض على هدم الشيخ للقباب، والأبنية التي على القبور، والنهي عن شد الرحال لزيارة القبور، فنجد أن الشيخ حسين بن غنام- رحمه الله من أوائل من بين ووضح صواب هذا الاعتراض، فقد بين ذلك في جوابه على رسالة ابن سحيم، مع رده على ما زاد ابن سحيم من الكذب والبهتان، يقول رحمه الله:

(فهذا الكلام ذكر فيه ما هو حق وصدق، وذكر فيه ما هو كذب وزور وبهتان، فالذي جرى من الشيخ رحمه الله وأتباعه أنه هدم البناء الذي على القبور، والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب رضي الله

1 "معارج الألباب"، ص40، باختصار. وانظر: ما كتبه النعمي- في نفس الكتاب. حول الأحاديث في النهي عن البناء على القبور ص105- 113.

2 "معارج الألباب"، ص113.

3 "معارج الألباب"، ص146. وانظر: ما كتبه النعمي من وقائع حدثت للقبوريين من الشرك بالله، والتضرع إلى الأموات، والذبح لها، وقصدها من أجل الشفاء، وقضاء الحاجات. ص177- 182.

4 "معارج الألباب"، ص203.

ص: 312

عنه، وذلك كذب ظاهر، فإن قبر زيد رضي الله عنه ومن معه من الشهداء لا يعرف أين موضعه بل المعروف أن الشهداء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي، ولا يعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يعرف قبر زيد من قبر غيره، وإنما كذب ذلك بعض الشياطين وقال للناس: هذا قبر زيد، فافتتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمع كثير ويسألونه قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فلأجل ذلك هدم الشيخ ذلك البناء الذي على قبره، وذلك المسجد المبني على المقبرة اتباعا لما أمر الله به ورسوله من تسوية القبور، والنهي الغليظ الشديد في بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك من له أدنى ملكة من المعرفة والعلم.

وقوله1 "وبعثرها لأجل أنهم في حجارة ولا يقدرون أن يحفروا لهم فطووا على أضرحتهم قدر ذراع، ليمنعوا الرائحة والسباع. فكل هذا كذب وزور وتشنيع على الشيخ عند الناس بالباطل والفجور، وكلامه هذا تكذبه المشاهدة، فإن الموضع الذي فيه تلك القبور موضع سهل لين الحفر، وأهل العيينة والجبيلة وغيرهما من بلدان العارض يدفنون موتاهم في تلك المقبرة، وهي أرض سهلة لا حجارة فيها) 2.

وذكر ابن غنام ما فعله الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مع عثمان بن معمر أمير العيينة- في بادئ دعوته- من هدم القباب وأبنية القبور، يقول:

(فخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومعه عثمان بن معمر وكثير من جماعتهم، إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ هو الذي هدم قبة قبر زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع بعض أصحابه، وقطع شجرة قريوة: ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود، وأحمد بن سويلم، وجماعة سواهم)3.

ويؤكد ابن غنام أن ما فعله الشيخ الإمام هو عين الحق والصواب الذي عليه أهل العلم من كل المذاهب

يقول رحمه الله:

(ولقد كان العلماء رضي الله عنهم من قديم الزمان ينكرون هذا الذي حدث في هذه الأمة، من تعظيم القبور، وبنائها، وبناء المشاهد عليها، ودعائها، وسؤال أهلها قضاء الحاجات، وتفريج الكربات. وقد بينوا للناس أن هذا خلاف دين الإسلام.

1 أي سليمان ابن سحيم.

2 "روضة الأفكار" 1/123.

3 "روضة الأفكار" 1/78 بتصرف يسير.

ص: 313

فليس هذا الذي بينه للناس الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله في النهي عن دعوة أهل القبور والتبرك بالأشجار والأحجار، فهمه من تلقاء نفسه دون أن يفهمه أحد من علماء هذه الأمة. بل إن العلماء كلهم من جميع المذاهب مطبقون على النهي عنه، والإنكار، والتغليظ على من فعله من الجهال وهم مجمعون على وجوب تغيير ما قدروا عليه من ذلك) 1.

ويبين الإمام عبد العزيز الأول معنى حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فيقول:

(وهو حديث ثابت باتفاق أهل العلم يتلقى بالقبول عنهم، وهو إن كان معناه لا تشدوا الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى الثلاثة التي قد ذكرت، فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة إنما هو للصلاة، والدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، والاعتكاف الذي هو من الأعمال الصالحة، وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم، حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة، ولا يشرع شد الرحال إليه من بعيد، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليه كل سبت ماشيا وراكبا، وكان ابن عمر يفعله كما في الصحيح.

وإذا كان السفر المشروع لقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه، ودخلت زيارة القبر تبعا؛ لأنها غير مقصودة استقلالا، فحينئذ فالزيارة مشروعة مجمع على استحبابها بشرط عدم فعل محذور عند القبر.

واتخاذ قبور الأنبياء، والأولياء مساجد هو الموقع لكثير من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم كود وسواع ويغوث، وتماثيل طلاسم الكواكب، ونحو ذلك) 2.

ويذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ما فعلوه أثناء دخولهم مكة المكرمة سنة ثمان وعشر ومائتين وألف من الهجرة (1218هـ)، فكان مما قاله:

(فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفع

1 روضة الأفكار 1/44. ومما يدل على اهتمام الشيخ الإمام بهذه المسألة، أنه عقد في "كتاب التوحيد" بابا بعنوان (باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده) ، ثم تلاه بـ (باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله) ، ثم أعقبه بباب ثالث (باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وسده كل طريق يوصل إلى الشرك) انظر: "مجموعة مؤلفات الشيخ" 1/62- 76.

2 "الهدية السنية"، ص18، 19.

ص: 314

الضر بسببه من جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمد لله على ذلك) 1.

ويعلل الشيخ عبد الله الدافع لهذا الهدم فيقول:

(وإنما هدمنا بيت السيدة خديجة، وقبة المولد، وبعض الزوايا المنسوبة لبعض الأولياء حسما لذرائع الشرك، وتنفيرا من الإشراك بالله ما أمكن لعظم شأنه فإنه لا يغفر)2.

ويشير الشيخ عبد الله إلى أن بناء القباب على القبور من علامات الكفر فيقول: (أما بناء القباب على القبور فهو من علامات الكفر، وشعائره؛ لأن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بهدم الأوثان، ولو كانت على قبر رجل صالح؛ لأن اللات رجل صالح، فلما مات عكفوا على قبره، وبنوا عليه بنية وعظموها، فلما أسلم أهل الطائف، وطلبوا منه أن يترك هدم اللات شهرا، لئلا يروعوا نساءهم وصبيانهم حتى يدخلوهم الدين فأبى ذلك عليهم وأرسل معهم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب، وأمرهما بهدمها)3.

ولما سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: هل يجوز البناء على القبور؟، كان مما أجاب به رحمه الله:

(ثبت في الصحيحين والسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البناء على القبور وأمر بهدمها، كما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال علي: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته "4

كما أخرج مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه. .. "5) 6.

وذكر الشيخ حمد أحاديث أخرى، ثم أورد أقوال العلماء في ذلك، ثم قال:

(ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به وما نهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما أنتم عليه من فعلكم مع قبر أبي طالب، والمحجوب وغيرهما، وجد أحدهما مضاداً للآخر مناقضاً له، بحيث لا يجتمعان أبداً، فنهى رسول

1 "الهدية السنية"، ص37.

2 "الهدية السنية"، ص43.

3 "مجموعة الرسائل والمسائل"، 1/246.

4 صحيح مسلم: كتاب الجنائز (969) ، ومسند أحمد (1/96) .

5 صحيح مسلم: كتاب الجنائز (970) .

6 "الهدية السنية"، ص83.

ص: 315

الله صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور.. وأنتم تبنون عليها القباب العظيمة، والذي رأيته في المعلاة أكثر من عشرين قبة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزاد عليها غير ترابها، وأنتم تزيدون عليها غير التراب، التابوت الذي عليه، ولباس الجوخ، ومن فوق ذلك القبة العظيمة المبنية بالأحجار والجص) 1. ويبين صاحب "التوضيح" بعضا مما يجب تجاه القبور فيقول:

(وأما تعظيم القبور بمعنى احترامها، فإن كانت للمسلمين فواجب لا يجوز تبول، ولا تغوط، ولا جلوس ووطوء عليها لما في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " 2 وفيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد اتكأ على قبر فقال: " لا تؤذوا صاحب القبر " وفيه أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر مسلم "3.

وأما تعظيمها بمعنى عبادتها فهو أكبر الكبائر عند الخاص والعام، وأصل فتنة عباد الأصنام كما قاله السلف من الصحابة، والتابعين والأئمة المجتهدين) 4.

ثم ذكر صاحب "التوضيح" الأحاديث في النهي عن اتخاذ القبور مساجد منها حديث عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة كانت على وجهه، فإذا اغتّم كشفها، فقال وهو كذلك:" لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر أمته ما صنعوا " 5 متفق عليه ثم يقول صاحب "التوضيح"- بعد هذه الأحاديث- مشيراً إلى حال عباد القبور:

(وهذا حال من سجد لله عند قبر، فكيف بمن يسجد للقبر نفسه، أو دعاه، وعدل عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع الجهال والطغام وضعوها لأنفسهم بتلبيس إبليس عليهم، فسهلت لهم، وطابت بها قلوبهم من تعظيم القبور، وإكرامها، والتوكل عليها، والنذر لها، وكتب الرقاع فيها، وخطاب الموتى بالحوائج يا سيدي يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها، والخرق التي عليها تبركا، وإيقاد السرج عليها، وتقبيلها، وتخليقها وشد الرحال إليها)6.

1 "الهدية السنية"، ص85. وهذه السطور التي نقلناها من كلام الشيخ حمد بن ناصر بن معمر هي جزء من مناظرته لعلماء مكة سنة 1211هـ.

2 صحيح مسلم: كتاب الجنائز (972)، وسنن الترمذي: كتاب الجنائز (1050)، وسنن أبي داود: كتاب الجنائز (3229) ، ومسند أحمد (4/135) .

3 صحيح مسلم: كتاب الجنائز (971) .

4 "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ص208.

5 صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء (3454) وكتاب المغازي (4444) وكتاب اللباس (5816) .

6 "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ص214.

ص: 316

وأورد صاحب "التوضيح" الكثير مما يحدث عند القبور من الشركيات والبدع والمحدثات1.

ثم يبين صاحب "التوضيح" الزيارة الشرعية لقبر نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول:

(فأما المشروع من زيارة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو ما قاله الإمام مالك وأحمد بن حنبل والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم من المجتهدين كلهم قالوا: إن من كان حاضراً في المدينة، فيشرع في حقه أن يأتي إلى القبر، فيصلي، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضوان الله عليهما. قالوا: ولا يكثر من المجيء عليه، ولا يكرره في اليوم مرات احتراما له، ولأنه لم يفعله الصحابة ولا التابعون، وأن من قدم من سفر، أو خرج إليه فيقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي، ويسلم عليه، وعلى صاحبيه بعد أن يصلي لله في المسجد ركعتين)2.

ثم يتبعه ببيان الزيارة البدعية للقبر النبوي فيقول:

(وأما غير المشروع فهو قصده للدعاء واتخاذه عيداً بالاجتماع عنده، والسفر إليه، لما في "الصحيحين" وغيرهما من المسانيد والسنن أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتخذ فبره مسجداً وقال: " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 3 بعد قوله: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " 4 فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد استهانة بأهلها، بل لما يخاف على القاصدين لها من الفتنة بدعائها، أو الدعاء عندها)5.

ويبين صاحب "التوضيح" بطلان ما استدلوا به من أحاديث في مشروعية شد الرحال لزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وسائر القبور6 فيذكر أوجه البطلان فيها:

أحدهما: أن هذه الأحاديث كلها مكذوبة موضوعة باتفاق غالب أهل العلم، ولم يجعلها في درجة الضعيف إلا القليل.

الثاني: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روي في ذلك شيء لأهل الصحيح، ولا السنن، ولا الأئمة المصنفين في المسانيد كالإمام أحمد وغيره.

1 "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ص216، 229.

2 المرجع السابق، ص241، وانظر: ص242- 245.

3 موطأ مالك: كتاب النداء للصلاة (416) .

4 مسند أحمد (2/246)، وموطأ مالك: كتاب النداء للصلاة (416) .

5 "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ص246.

6 وقد ذكر صاحب "التوضيح" تلك الأحاديث، وقد سبق إيرادها نقلا عن دحلان.

ص: 317

الثالث: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا كما ثبت عنه من غير وجه رواه أبو داود من حديث أبي هريرة، ورواه سعيد بن منصور في سننه من حديث أبي سعيد المهري وغيرهما.

فكيف يقول لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم ثم يقول: من حج ولم يزرني فقد جفاني، أو يقول من زار قبري وجبت له شفاعتي، ونحوها من المختلقات، وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد ثم يأمر بشد الرحال إليه، وأنه للدعاء عنده يقصد.

الرابع: أن متأخري الفقهاء القائلين بزيارة القبور من الشافعية، وغيرهم حتى ابن حجر الهيتمي صرح في الإمداد الذي شرح به الإرشاد، كلهم قالوا ينوي الزائر مع زيارته التقرب بالسفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وشد الرحل إليه، والصلاة فيه لتكون زيارة القبور تابعة له..) 1.

ويتحدث الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن حال عباد القبور فيقول: (فإن عباد القبور لا يقتصرون على بعض من يعتقدون فيه الضر والنفع، بل كل من ظنوا فيه ذلك بالغوا في مدحه، وأنزلوه منزلة الربوبية، وصرفوا له خالص العبودية، حتى أنهم إذا جاءهم رجل وادعى أنه رأى رؤيا مضمونها أنه دفن في المحل الفلاني رجل صالح، بادروا إلى المحل وبنوا عليه قبة وزخرفوها بأنواع الزخارف، وعبدوها بأنواع من العبادة، وأما القبور المعروفة أو المتوهمة فأفعالهم معها، وعندها لا يمكن حصره. فكثير منهم إذا رأوا القباب التي يقصدونها، كشفوا الرءوس، فنزلوا عن الأكوار، فإذا أتوها طافوا بها، واستلموا أركانها، وتمسحوا بها، وصلوا عندها ركعتين)2. ويجيب الشيخ عبد الرحمن بن حسن على من سأله عن حكم شد الرحال إلى المكانات المشرفة للأنبياء والأولياء، فيقول:

(فالجواب لا ريب أن هذا مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" 3 فإذا كان تبركا للمحل المزور فهو من الشرك؛ لأنهم قصدوا بذلك تعظيم المزور كقصد النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي لتعود بركته بزعمهم. وهذه حال عباد الأصنام سواء كما فعله المشركون باللات، والعزى ومناة، فإنهم يقصدونها لحصول

1 "التوضيح عن توحيد الخلاق"، ص251، 252 باختصار. وانظر: باقي الأوجه ص252، 253.

2 "تيسير العزيز الحميد"، ص221.

3 صحيح البخاري: كتاب الجمعة (1189 ،1197) وكتاب الحج (1864) وكتاب الصوم (1996)، وصحيح مسلم: كتاب الحج (1397)، وسنن الترمذي: كتاب الصلاة (326)، وسنن النسائي: كتاب المساجد (700)، وسنن أبي داود: كتاب المناسك (2033)، وسنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1409 ،1410) ، ومسند أحمد (3/7 ،3/34 ،3/45 ،3/51 ،3/53 ،3/71 ،3/77 ،3/78 ،6/7 ،6/397)، وسنن الدارمي: كتاب الصلاة (1421) .

ص: 318

البركة بزيارتهم لها، وإتيانهم إليها..) 1.

ويوجز الشيخ عبد الرحمن بن حسن الجواب في مسألة شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

(إن بعض العلماء قد قال يجوز السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، وهذا القول لصاحب "المغني"، وبعض المتأخرين من الحنابلة والشافعية، وهؤلاء يحتجون بقوله "فزوروها" وأما ما يحتج به بعض من لا يعرف الحديث من قوله "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي" فهذا الحديث لا تقوم به حجة عند من له معرفة بعلل الحديث.

ويقول ابن تيمية رحمه الله: والصحيح ما ذهب إليه المتقدمون كأبي عبد الله بن بطة، وأبي الوفاء بن عقيل، وطوائف من المتقدمين من أن هذا السفر منهي عنه لا تقصر فيه الصلاة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وحجتهم ما في "الصحيحين" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد " 2 وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به في الجملة. فلو نذر الرجل أن يصلي في مسجد، أو مشهد، أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة، لم يجب عليه ذلك باتفاق العلماء ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، كما نص عليه شيخ الإسلام..) 3.

ويعلق الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على ما يردده عباد القبور من قول: الدعاء عند قبر فلان ترياق مجرب، فيقول رحمه الله:

(وهذه العبارة وهي قولهم الدعاء عند قبر فلان ترياق مجرب، قد تنازعها عباد القبور والمتبركون بها، فمنهم من يدعي ذلك لقبر أبي حنيفة ومنهم من يدعيه لقبر معروف الكرخي، وعبّاد عبد القادر وأحمد البدوي والحسين عندهم ما هو أعظم من ذلك وأطم، وبعضهم يفضل الدعاء عندها على الدعاء في المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وبهذا وأمثاله عمرت المشاهد، وعطلت المساجد وبنيت القباب، وأرخيت الستور على التبوابيت بمضاهاتها لبيت الله

) 4.

1 "مجموعة الرسائل والمسائل" 2/41 بتصرف يسير.

2 مسند أحمد (2/234) .

3 مجموعة الرسائل والمسائل"، 2/51. وانظر: جوابا آخر للشيخ عبد الرحمن بن حسن في نفس الكتاب 4/390، 393. 4 "البراهين الإسلامية"، ق39.

ص: 319

ولقد أفاض الشيخ عبد اللطيف في الحديث عن حال بلاد المسلمين قبيل ظهور دعوة الشيخ الإمام، وما كانت عليه تلك البلاد من الفتنة بالقبور، والغلو في المشاهد، وما عم فيها وطمّ من مظاهر الوثنية.. فكان مما قاله رحمه الله:

(وفي بندر جدة، ما قد بلغ من الضلال حده، وهو القبر الذي يزعمون أنه قبر حواء، وصنعه لهم بعض الشياطين، وأكثروا في شأنه الإفك المبين، وجعلوا له السدنة والخدام، وبالغوا في مخالفة ما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، من النهي عن تعظيم القبور، والفتنة بمن فيها من الصالحين والكرام، وكذلك مشهد العلوي بالغوا في تعظيمه، وتوقيره، وخوفه، ورجائه.

وكذلك الموصل، وبلاد الأكراد ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد

فعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثنا بل ربا مدبراً، وخالقا ميسرا، وأعادوا به المجوسية وأحيوا به معاهد اللات والعزى، وما كان عليه أهل الجاهلية الأولى، وكذلك مشهد العباس، ومشهد علي، ومشهد أبى حنيفة، ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد رافضتهم وسنتهم.

والرافضة يصلون لتلك المشاهد، ويركعون ويسجدون لمن في تلك المعاهد، وقد صرفوا من الأموال والنذور لسكان تلك الأجداث والقبور ما لا يصرف عشر معشاره للملك العلي القدير..) 1.

وهذه البدع والشركيات قد أنكرها أهل العلم، وليس إنكار الشيخ الإمام بدعا في هذا الأمر.. يقول الشيخ عبد اللطيف مبينا ذلك:

(وهذه الحوادث المذكورة والكفريات المشهورة والبدع المزبورة قد أنكرها أهل العلم والإيمان، واشتد نكيرهم، حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان، ولكن لما كان الغلبة للجهال والطغام انتقض عرى الدين وانثلمت أركانه.

فليس إنكار الحوادث من خصائص هذا الشيخ، بل له سلف صالح من أئمة العلم والهدى، قاموا بالنكير والرد على من ضل وغوى، وصرف خالص العبادة إلى من تحت أطباق الثرى..) 2.

ومن المناسب أن ننقل ما سطره المؤرخ الشهير ابن بشر رحمه الله عن بعض

1 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/387 باختصار.

2 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/388، 389، باختصار. وانظر:"مجموعة الرسائل والمسائل" 3/397، 450، وانظر: كتاب "مصباح الظلام" ص314.

ص: 320

الأعمال التي قام بها الإمام سعود بن عبد العزيز في هذا المقام.

(ففي حوادث سنة 1216هـ حين توجه سعود بالجيوش إلى كربلاء، فهدم القبة الموضوعة على قبر الحسين)1. (وفي حوادث سنة 1217هـ حين دخل سعود مكة، وطاف وسعى، فرّق جيوشه يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد الشركية، وكان في مكة هن هذا النوع شيء كثير في أسفلها، وأعلاها، ووسطها، وبيوتها) . ثم يقول ابن بشر:

(فأقام فيها أكثر من عشرين يوما، ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر يوما يهدمون، يباكرون إلى هدمها كل يوم، وللواحد الأحد يتقربون، حتى لم يبق في مكة شيء من تلك المشاهد، والقباب إلا أعدموها، وجعلوها ترابا)2. ويصف الشيخ الشثري شد الرحال إلى المشاهد بأنه من محدثات الأمور.. فيقول:

(قد علم بالضرورة من دين الإسلام أن شد الرحال إلى المشاهد، وإلى قبور الأنبياء، والصالحين، لأجل تعظيمهم ليس من عمل المصطفى، ولا من عمل الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، بل هو مبتدع محدث مردود على صاحبه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " 3)4.

ويفند السهسواني دعاوى دحلان، ويكشف الصواب في هذا المقام فيقول رحمه الله:

(قوله- أي دحلان-: والزيارة شاملة للسفر؛ لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور كلفظ المجيء الذي نصت عليه الآية الكريمة)5.

أقول: هب أن الزيارة مطلقة شاملة للسفر، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " 6 مقيد لذلك

1 "عنوان المجد في تاريخ نجد" 1/257 بتصرف.

2 "عنوان المجد في تاريخ نجد" 1/263. وقد نكر الجبرتي قريبا من ذلك. انظر: كتاب "من أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي" لمحمد غالب، إشراف دار اليمامة للبحث، الرياض، سنة 1395هـ، ص11.

3 صحيح مسلم: كتاب الأقضية (1718)، وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (14) ، ومسند أحمد (6/240 ،6/270) .

4 "تأييد الملك المنان"، ق4.

5 أي قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} .

6 صحيح البخاري: كتاب الجمعة (1189 ،1197) وكتاب الحج (1864) وكتاب الصوم (1996)، وصحيح مسلم: كتاب الحج (1397)، وسنن الترمذي: كتاب الصلاة (326)، وسنن النسائي: كتاب المساجد (700)، وسنن أبي داود: كتاب المناسك (2033)، وسنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1409 ،1410) ، ومسند أحمد (3/7 ،3/34 ،3/45 ،3/51 ،3/53 ،3/71 ،3/77 ،3/78 ،6/7 ،6/397)، وسنن الدارمي: كتاب الصلاة (1421) .

ص: 321

الإطلاق، على أن لفظ الزيارة مجمل كالصلاة والزكاة والربا. فإن كل زيارة قبر ليست قربة بالإجماع للقطع بأن الزيارة الشركية والبدعية غير جائزة، فلما زار النبي صلى الله عليه وسلم القبور وقع ذلك الفعل بيانا لمجمل الزيارة، ولا يثبت السفر من فعله صلى الله عليه وسلم مع أن الخروج إلى مطلق المسجد أيضا شامل للسفر وهو قربة..، فيكون السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة أيضا قربة، والخصم أيضا لا يقول به، وكذلك الصلاة والذكر شاملان لجميع الصلوات المبتدعة والأذكار المبتدعة، فلو سوغ الاستدلال بمثل تلك الإطلاقات، للزم جواز تلك الصلوات المبتدعة والأذكار المحدثة) 1.

ثم يرد السهسواني قول دحلان: (وقد صح خروجه صلى الله عليه وسلم لزيارة قبور أصحابه بالبقيع، وبأحد، فإذا ثبت مشروعية الانتقال لزيارة قبر غير قبره صلى الله عليه وسلم فقبره الشريف أولى) . فيقول السهسواني مجيبا:

(أقول: الثابت بالحديث المذكور إنما هو مشروعية الانتقال الذي هو دون السفر للزيارة، ولم ينكر أحد، والانتقال الذي تنكر مشروعيته هو السفر، وهو ليس بثابت)2.

ثم يبطل السهسواني قاعدة دحلان: أن وسيلة القربة المتوقف عليها قربة.. لكي يجوز دحلان من خلالها شد الرحال لزيارة القبور

فأبطلها السهسواني من عدة أوجه، نذكر منها ما يلي:

الأول: أن هذه القاعدة في أي كتاب من كتب الأصول والفقه؟ وما الدليل عليها من الكتاب والسنة؟ ولا بد من نقل الإجماع عليها.

الثاني: أن هذه القاعدة منقوضة بأن إتيان مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين قربة. لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا ويصلي فيه ركعتين. مع أن السفر إلى قباء ليس بقربة، فإنه سفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.

الثالث: أنا لا نسلم أن مطلق زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بل القربة هي الزيارة التي لا يقع فيها شد رحل بدليل حديث "لا تشد الرحال

".

الرابع: أنه لو سلم كون مطلق زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة، فلا نسلم كونها متوقفة

1 "صيانة الإنسان"، ص76.

2 "صيانة الإنسان"، ص77.

ص: 322

على السفر للزيارة، لجواز أن يسافر لزيارة المسجد النبوي، أو أمر آخر من التجارة وغيرها.

الخامس: أنه لو سلمت هذه القاعدة فهي إنما هي وسيلة لم ينه الشرع عنها، والسفر للزيارة قد نهى الشارع عنه بدليل "لا تشد الرحال..") 1.

ويذكر الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله، جانبا من معتقدهم في مسألة البناء على القبور فيقول:

(فنحن نذكر الغلو في أهل القبور والإطراء والتعظيم، ونهدم البنايات التي على قبور الأموات لما فيها من الغلو والتعظيم الذي هو أعظم وسائل الشرك بالله..)2.

ويرد مسعود الندوي على فرية كاذبة.. فيقول:

(ومما افتراه الأعداء من التهم المكذوبة أن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود كان هدم القبة المبنية على القبر النبوي. والغريب أن المؤرخين الأوربيين يتلذذون بذكر هذه الأسطورة الكاذبة)3.

ومما كتبه ابن سحمان في الرد على الحداد، ما قاله رحمه الله:

(لم يعهد في زمن من الأزمنة، إطباق جميع الناس خاصتهم وعامتهم على جواز البناء على القبور، واتخاذها مساجد، وإسراجها، وخدمتها وسدانتها والعكوف عندها، بل كان أهل العلم بالله وبدينه في كل زمان ومكان ينهون عن البناء عليها، وعن إسراجها، والعكوف عندها، وعن شد الرحال إليها للزيارة)4.

ويقول: (وأما هدم القباب فنعم، فإن الشيخ فعل ذلك، وقد اتبع في ذلك أئمة الإسلام من سادات الحنابلة وغيرهم من العلماء، فبناء القبور إنما أحدثه الرافضة، فهم سلف الحداد وأشباهه من عباد القبور)5. ويجيب ابن سحمان على اعتراض الطبطبائي قائلاً:

(وأما ما ذكره من منع الوهابية لزيارة قبور الأئمة، فنعم منعوا زيارة المشاهد التي تعبد من دون الله، وشرعوا فيها من الأمور التي لم يأذن بها الله، ولا كان عليه

1 "صيانة الإنسان"، ص77- 79 باختصار.

2 "الهدية السنية"، ص105.

3 "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم"، ص183.

4 "الأسنة الحداد"، ص204.

5 "الأسنة الحداد"، ص205. وانظر: كتاب "الضياء الشارق"، ص276، وكتاب "كشف غياهب الظلام" ص250.

ص: 323

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه، ولا من بعدهم من الأئمة المهتدين..) 1.

ويقول أيضا:

(نعم امتثلت الوهابية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدم القباب التي بنيت على أهل البقيع من أهل البيت وغيرهم؛ لأن ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه، ومن بعدهم من الأئمة المهتدين، ولا يعيب على الوهابية بهدمهم القباب التي بنيت على ضرائح الأموات إلا من أعمى الله بصيرة قلبه)2.

ويبين أحمد الكتلاني أن اتخاذ القبور مساجد من المحدثات الشركية فيقول: (لم يثبت قطعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه بطريق صحيح ولا ضعيف، أنهم اتخذوا القباب والمشاهد، وأوقدوا فيها السرج، ولثموا ترابها، وركبوا عليها التوابيت، وكسوها بالورود والديباج إلى غير ذلك من أنواع البدع التي يفعلها الخارجون عن وفق الشريعة وهديه الذي كان عليه وأصحابه. بل الثابت الصحيح أنه جاء بهدمها وإبطالها كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن عبسة " بعثت بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيئا "3.

وأجمع سلف الأمة وأئمتها على أن كل عمل جار تحت أحكام الشريعة فما كان موافقا لها فهو مقبول، وما كان خارجا عن ذلك فهو مردود، وإن كان تقاضته الطباع، وتحالته النفوس) 4.

وينقل محمد رشيد رضا بعض أقوال أهل العلم في البناء على القبور، فكان من قوله:(ذكر الإمام الشافعي في "الأم" أن ولاة مكة كانوا يهدمون ما بني في مقبرتها من القبور، ولا يعترض عليهم الفقهاء، ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" عند شرح ما ورد في هذا المعنى من الأحاديث، وفي "الزواجر" لابن حجر الهيتمي أن اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثانا والطواف بها، واستلامها والصلاة إليها كلها من كبائر الذنوب..)5.

ويورد عبد الكريم بن فخر الدين بعض العلماء المانعين شد الرحال لزيارة القبور، فيقول: (ومن المانعين عن السفر لزيارة قبور الأولياء، القاضي الحسين من

1 "الحجج الواضحة الإسلامية"، ق35.

2 "الحجج الواضحة الإسلامية"، ق44.

3 صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها (832) .

4 "الصيب الهطال"، ص16.

5 "الهدية السنية"(حاشية) ، ص43،44.

ص: 324

الشافعية، وابن عقيل، وابن بطة وابن تيمية، وابن القيم وابن عبد الهادي من الحنابلة) 1.

ويصف الشيخ محمد بن عثمان الشاوي ما شاهده من الأعمال القبورية في مكة المكرمة حين دخلها مع أتباع هذه الدعوة السلفية سنة 1343هـ، وما فعلوه من هدم قباب الشرك، يقول رحمه الله:

(وبعد أن فرغنا من أعمال العمرة، وبادرنا إلى هدم القباب، وجدنا في القبة المبنية على قبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ما لا تستطاع حكايته، من ذلك أنا وجدنا رقاعا مكتوبا فيها: يا خديجة يا أم المؤمنين جئناك زائرين، وعلى بابك واقفين، فلا تردينا خائبين فاشفعي لنا إلى محمد يشفع لنا إلى جبرائيل، ويشفع لنا جبرائيل إلى الله، ووجدنا عندها كبشا قد جاء به صاحبه ليقربه إليها

ووجدنا عند باب القبة عجوزاً شوهاء من سدنتها، ولقد حدثني غير واحد أنهم سألوها ما حالك، فقالت: هي خادمة لسيدتها المتصرفة في الكون منذ عدة سنين، ولا تصوم، ولا تصلي، ومع ذلك يتمسح بها الزوار، وعند القبة من الشمع والسرج والآلات ما لا يحصى، وعندها من أنواع الطيب، ما لم نجد مثله عند البيت الحرام والحجر الأسود، وأمثال هذا كثير معلوم، فلهذا استعنا بالله تعالى على إزالة تلك القباب

وأما ما هناك من القباب والأبنية على القبور والكتابة وأنواع الزخرفة فذلك شيء لا يعده عاد، لكن الذي نعتقد أن مجرد البناء على القبر من غير صرف شيء من أنواع العبادة لها ذلك بدعة محرمة؛ لأنها من أكبر الوسائل إلى تعظيم أرباب القبور وعبادتهم من دون الله

) 2.

ويفصح الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم بن عبد اللطيف3 (ت 1386هـ عن موقفهم من المشاهد والقباب على القبور، وذلك في قصيدة يرد بها على من سمى نفسه بـ "فتى البطحاء" حين استنكر ذلك الفتى، ما فعلته جيوش الموحدين أثناء دخولها مكة من هدم القباب، والأبنية على القبور

يقول الشيخ عبد اللطيف:

وقولنا أننا قد هدمنا مشاهدا

لخير نبي أو لأفضل صاحب

نعم أننا والحمد لله وحده

الشرك من كل جانب

1 "والحق المبين"، ص23.

2 "القول الأسد"، ق3.

3 وهو حفيد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، ولد في الرياض سنة 1315هـ، وتعلم بها، ثم جلس للتدريس، وتولى إدارة المعاهد العلمية، وله معرفة بالعروض، ويقرض الشعر، وأصدر مجلة إسلامية، توفي في الرياض. انظر:"مشاهير علماء نجد"، ص164.

ص: 325

ونكسر أوثانا ونهدم ما بني

على أثر أو بقعة للأطايب1

وقد تضمن "البيان المفيد" الذي اتفق فيه علماء الحجاز ونجد أن البناء على القبور بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عليا، فأمره أن لا يدع قبراً مشرفا إلا سواه بالأرض2.

ولما سأل الشيخ عبد الله بن بليهد علماء المدينة عن البناء على القبور سنة 1344هـ، وكتبوا جوابا مطابقا للسؤال جار على الأصول الشرعية والقوانين المرعية من ذكر الحكم بدليله، وقام بعض المبتدعة وقعدوا وضجوا على تلك الفتوى كما سبق بيانه، لما حدث كل ذلك، كتب الشيخ عبد الله بن بليهد رحمه الله مقالة نورد منها قوله:

(وهذه الكتب من جميع المذاهب الأربعة قد ثبت فيها أحكام القبور، ونحن لم نخرج عما قالوه، فأفيدونا من شرع البناء علىالقبور، ومن أول من بنى عليها، وغير خاف على من له أدنى ممارسة لعلوم الحديث والتفسير والتاريخ أنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دفن أحد في قبر إلا في التراب، ولم يجصص، ولم يبن عليه، وكذلك من مات من الصحابة بالمدينة المنورة، وفي مكة المكرمة، وغيرها من البلاد البعيدة، وكل من مات منهم دفنوا هنالك، ولم تجصص قبورهم، ولم يبن عليها..)3.

ويذكر الشيخ فوزان السابق جانبا من تلبيس عتاد القبور، فيقول عنهم:

(إنهم يتعلقون بالأسماء، ويغيرون الحقائق من نصوص الكتاب والسنة ويحرفونها عن مواضعها، ويعارضونها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، محتجين بها على فتح أبواب شركهم وضلالهم، الذي أضلوا به كثيرا من جهلة هذه الأمة مقتفين في ذلك أثر من حذرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن سلوك سبيلهم، وذلك فيما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة في لعن متخذي القبور مساجد، لأنه من الغلو الذي نهى الله تعالى عنه، وهو أصل عبادة الأصنام، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: " ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا "4)5.

1 القول الأسد"، ق20، وقد ألحقت هذه القصيدة بعد نهاية رسالة الشاوي، وقد قرض قصيدة الشيخ عبد اللطيف كل من المشايخ: سعد بن حمد بن عتيق، وابن سحمان، ومحمد بن عبد اللطيف آل الشيخ كما أن للشيخ محمد الشاوي قصيدة يرد بها على فتى البطحاء، وقد قرظ هذه القصيدة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.

2 انظر:"البيان المفيد"، ص9.

3 جريدة أم القرى، عدد 104، 4 جمادى الثانية 1345هـ، وانظر:"خطاب الشيخ ابن بليهد" ص 19.

4 صحيح البخاري: كتاب المغازي (4441)، وصحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة (529) ، ومسند أحمد (6/121) .

5 "البيان والإشهار"، ص321.

ص: 326

والتأمل فيما نقلناه من موقف بعض أئمة الدعوة قولا وفعلا نحو أبنية القبور، واتخاذ القباب والافتتان بها، يظهر أن قولهم وفعلهم هو عين الحق والصواب الذي تشهد له الأدلة، وتثبته البراهين، وتعضده أقوال أهل العلم والدين، ومن ثم ظهر ما كان عليه الخصوم من الضلال والبعد عن جادة الصواب حين خالفوا ذلك الحق، وزاغوا عن الصدق، فظنوا الحق باطلا، واعترضوا على الشيخ الإمام وأتباعه من بعده فيما جاء به من الصواب.

وأدركنا ما كان عليه أئمة الدعوة من البصيرة والفقه لواقعهم وبيئتهم فيما حكوه من الطامات الشركية والمصائب الكفرية والحوادث البدعية التي نزلت ووقعت في بلاد المسلمين بسبب الافتتان بالقبور وتزيينها.

ص: 327