الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
267 - بَابُ الفَصْلِ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
1667 -
حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه:
◼ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ((دَعَانِي أَبِي عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ، فَقَرَّبْتُهُ لَهُ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وَضُوئِهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
…
)) الحَدِيثَ.
[الحكم]:
صحيحٌ. وَصَحَّحَهُ: ابنُ الجَزَريِّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[ن 98 (واللفظُ له) / كن 122/ عب 123/ بز 510/
…
].
سَبَق تخريجُه وتحقيقُه برواياته في «باب جامع في صفة الوُضوء» ، حديث رقْم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).
رِوَايَةُ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ:
• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَبِي حَيَّةَ، قَالَ: ((رَأَيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا
…
)) الحَدِيثَ.
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ. وَصَحَّحَهُ: التِّرْمِذيُّ، وابنُ السَّكَنِ، وابنُ سيِّدِ الناسِ، والألبانيُّ بطرقه. وحَسَّنَهُ: البَغَويُّ، وابنُ القَطَّانِ.
[الفوائد]:
احتَجَّ العَيْنيُّ للحنفيةِ فيما ذهبوا إليه من الفصلِ بينَ المضمضةِ والاستنشاقِ بروايةِ أبي حَيَّةَ هذه، ثُمَّ قال:"فإن قلت: لم يُحْكَ فيه أن كل واحدة من المَضامض والاستِنشاقاتِ بماءٍ واحدٍ، بل حُكِيَ أنه تمضمضَ ثَلَاثًا واستنشقَ ثَلَاثًا. قلت: مدلوله ظاهرًا ما ذكرناه، وهو أن يتمضمضَ ثَلَاثًا، يأخذُ لكلِّ مرة ماءً جديدًا، ثُمَّ يستنشقُ كذلك، وهو رواية البُوَيْطيِّ عن الشافعي"(العمدة 2/ 265، 3/ 9).
قلنا: وقد استدلَّ أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سَلَّامٍ على الفصلِ بحديثَيِ ابنِ عبَّاسٍ وأبي هريرةَ المُخَرَّجين في هذا البابِ، وهُمَا بنحو لفظ حديث عليٍّ هذا.
[التخريج]:
[د 115/ ت 48 (واللفظُ له)، 49/ ن 99، 120/ جه 459
…
].
سَبَق تخريجُه وتحقيقُه برواياته في «باب جامع في صفة الوُضوء» ، حديث رقْم (؟؟؟؟؟).
[تنبيه]:
إنْ قيلَ: قد سبقَ في بعضِ الرواياتِ عن عليٍّ رضي الله عنه أنه جمعَ بين
المضمضةِ والاستنشاقِ، فكيفَ يُستنبَط مِن حديثِهِ هنا الفصلُ؟
فالجوابُ: أن روايةَ الجمعِ من روايةِ عبدِ خَيْرٍ عن عليٍّ، وهي واقعةٌ أخرى غير روايةِ أبي حَيَّةَ وغيرِه عن عليٍّ، والله أعلم.
* * *
1668 -
حَدِيثُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
◼ عَنْ رَاشِدٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الحِمَّانِيِّ، قَالَ:((رَأَيتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ رضي الله عنه بِالزَّاوِيَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ كُنْتَ تُوَضِّئُهُ. قَالَ: «نَعَمْ». فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وبِقَدَحٍ نُحِتَ -يَقُولُ: كَمَا نُحِتَ فِي أَرْضِهِ-، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ المَاءِ، فَأَنْعَمَ غَسْلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ اليُمْنَى فَغَسَلَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ اليُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَّهَا عَلَى أُذُنَيْهِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ كَفَّيْهِ جَمِيعًا فِي المَاءِ)). قَالَ: فَذَكَرَ الحَدِيثَ.
[الحكم]:
إسنادُهُ حسنٌ. وحَسَّنَهُ الهيثميُّ، وقال ابنُ حَجَرٍ:"إسنادُهُ صالحٌ".
وأخرجه الضِّياءُ في (المختارة).
[التخريج]:
[طس 2905 (واللفظُ له) / ضيا (6/ 122/ 2117)].
سَبَق تخريجُه وتحقيقُه برواياته في «باب جامع في صفة الوُضوء» ، حديث رقْم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).
* * *
1669 -
حَدِيثُ عُثْمَانَ:
◼ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: ((أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا
…
)) الحَدِيثَ.
• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:«فَأَهْرَاقَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ اسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا» .
[الحكم]:
صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ أحمد شاكر.
[التخريج]:
تخريج السِّياقة الأولى: [حم 429، 8578/ ش 80/ بز 377، 409، 442 (واللفظُ له) / منذ 372].
تخريج السِّياقة الثانية: [حم 428 (واللفظُ له) / عب 140/ منذ 417].
والحديثُ سَبَقَ تخريجُه وتحقيقُه مع كثيرٍ من رواياتِهِ في: «باب جامع في صفة الوُضوء» .
1670 -
حَدِيثُ أَبِي هريرةَ:
◼ عَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا [ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ معلولٌ؛ فالمحفوظُ أنه من حديثِ عثمانَ رضي الله عنه، وبهذا أَعَلَّه أحمدُ، والبُخاريُّ.
[التخريج]:
[حم 8577 (واللفظُ له) / طح (1/ 36/ 175)(والزيادة له) /
…
].
سَبَق تخريجُه وتحقيقُه برواياته في: «باب جامع في صفة الوُضوء» .
1671 -
حَدِيثُ ابْنِ عبَّاسٍ:
◼ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:((بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، فَوَجَدْتُ لَيْلَتَهَا تِلْكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ [رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم] مِنَ اللَّيْلِ [إِلَى قِرْبَةٍ عَلَى شَجْبٍ، فِيهَا مَاءٌ]، فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، [وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً (مَسْحَةً وَاحِدَةً)، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ])).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وَصَحَّحَهُ أحمد شاكر لذاته، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ لغيرِهِ، وسندُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[د 132 (مختصرًا والروايةُ له) / حم 3490، 3502/ خز 1152/ طب 12504 (مختصرًا) / طهور 83 (والزيادات له)، 292 (واللفظُ له)، 336 (مختصرًا)، 352/ منذ 2665 (مُعلَّقًا) / تهجد 387 (مُطَوَّلًا) / تمهيد (4/ 38 - 39) / هقخ 250 (مختصرًا)].
[السند]:
رواه أحمدُ (3490)، وأبو عبيدٍ في (الطهور) عن يَزيدَ بنِ هارونَ، عن عبَّادِ بنِ منصورٍ، عن عِكْرِمةَ بنِ خالدٍ المَخْزُوميِّ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ به، وفي آخره: قال يزيدُ: "حَسِبْتُهُ قَالَ: ثَلَاثًا ثَلَاثًا"، وطَوَّلَه أحمدُ.
ورواه أبو داودَ -ومن طريقِه البَيْهَقيُّ، وابنُ عبد البرِّ- عنِ الحسنِ بنِ عليٍّ،
ورواه ابنُ أبي الدنيا عن أبي خيثمةَ، كلاهما عن يَزيدَ به، طَوَّلَه ابنُ أبي الدنيا، واختَصَره أبو داودَ، بلفظ:«رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ -فذكر الحديثَ كلَّه ثَلَاثًا ثَلَاثًا-» ، قال:«وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً» .
وأخرجه أحمدُ وابنُ خُزَيْمةَ والطَّبَرانيُّ من طرقٍ عن عَبَّادٍ به، واختصره الطَّبَرانيُّ.
فمَدارُه عندَهم على عَبَّادٍ.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضعفِ عَبَّادٍ، وبه أَعَلَّهُ ابنُ الجَوزيِّ، وابنُ دَقيقٍ، والزَّيْلَعيُّ، والألبانيُّ، كما تقدَّمَ بيانُهُ في تحقيقنا لروايةِ أبي داودَ ضمن روايات حديث ابن عبَّاسٍ في باب جامع في صفة الوُضوء.
بيْنما صَحَّحَهُ أحمد شاكر في تحقيقه لـ (المسند 3490، 3502) بناء على ما حرَّره في شأنِ عَبَّادٍ تحت الحديث (رقم 2131) من المسند.
والحديثُ أصْلُه عند البُخاريِّ (138، 183، 6316)، ومسلمٍ (763)، من رواية كُرَيبٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، وليس فيه صفةُ الوُضوء.
وكذا رواه عطاءٌ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، كما عند أحمدَ (2245).
وكذا رواه ابنُ طاوُسٍ، عن عِكْرِمةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، كما في (المسند 2276).
ورواه الحَكَمُ وأبو بِشْرٍ وغيرُهُما عن سعيدٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، ولم يتعرضا لذكرِ الوضوءِ، انظر (مسند الطيالسي 2754)، و (صحيح البخاري 5919).
ولكن صفة الوضوء صحيحةٌ بشواهدها الكثيرةِ كما سبقَ.
1672 -
حَدِيثُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:
◼ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: ((دَخَلْتُ -يَعْنِى: عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ».
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وأنكره ابنُ عُيَيْنةَ، وَضَعَّفَهُ أبو حاتم وابنُ القَطَّانِ، والنَّوَويُّ، وابنُ القَيِّمِ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، والمباركفوريُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[د 138 (واللفظُ له) / طب (19/ 181/ 410) / هق 236/ علحا 131].
[السند]:
قال أبو داودَ: حدثنا حميدُ بنُ مَسْعَدة، حدثنا مُعْتَمِرٌ، قال: سمِعتُ لَيْثًا يذكرُ عن طلحةَ، به.
ومدار الحديث - عندهم- على مُعْتَمِرٍ، عن لَيْثِ بنِ أبي سُلَيمٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عِلَّتان:
الأولى: ليثُ بنُ أبي سُلَيمٍ، فهو ضعيفُ الحديثِ عند الجهمورِ؛ قال أحمدُ:"مضطربُ الحديثِ"، وقال يحيي بنُ مَعِينٍ:"ليس حديثُه بذاك ضعيف"، وقال أبو حاتم وأبو زُرْعةَ:"لا يشتغلُ به، هو مضطربُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 7/ 178).
ولذا قال ابنُ المُلَقِّنِ: "حديثٌ ضعيفٌ؛ لأن ليثَ بنَ أبي سُلَيمٍ ضعيفٌ عند
الجمهورِ .. ، ونقل النَّوَويُّ رحمه الله في (التهذيب) وكلامه على سنن أبي داودَ، اتفاقَ العلماءِ على ضعفه واضطراب حديثه واختلال ضبطه" (البدر المنير 2/ 104، 105).
الثانية: مصرف بن عمرو، والد طلحة؛ فإنه "مجهولٌ"(التقريب 6685).
قال ابنُ القَطَّانِ: "فَعِلَّةُ هذه الأخبارِ كلِّها الجهلُ بحالِ مُصَرِّفِ بنِ عمرٍو، والد طلحة بن مُصَرِّف، وفي بعضها ليثُ بنُ أبي سُلَيمٍ"(بيان الوهم والإيهام 3/ 318).
هذا، وقد أَعَلَّه بعضُهم بالطعنِ في صحبةِ جدِّ طَلْحةَ.
قال الدَّارِميُّ: "سمِعتُ عليَّ بنَ عبدِ الله المَدِينيَّ يقول: قلتُ لسفيانَ: إنَّ لَيْثًا رَوَى عن طَلْحةَ بنِ مُصَرِّفٍ عن أبيه عن جدِّه: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ.
فأنكر ذلك سفيانُ -يعني: ابنَ عُيَيْنةَ-، وعَجِبَ أن يكونَ جدُّ طَلْحةَ لَقِيَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم" (السنن الكبرى للبيهقي 236).
وقال صالحُ بنُ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ: "سألتُ أبي قلتُ: طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ عن أبيه عن جده، له صحبة؟ وما اسم جده؟ قال: لا أدري، وقد بلغنا عن سفيانَ بنِ عُيَيْنةَ أنه أنكرَ أن يكون له صحبةٌ "(المراسيل لابن أبي حاتم 650).
وقال العبَّاسُ بنُ محمدٍ الدُّوريُّ: "قيل ليحيى بنِ مَعِينٍ: طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ عن أبيه عن جده، رأى جده النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال يحيى: المحدِّثون يقولون: قد رآه، وأهل بيت طلحة يقولون: ليستْ له صحبة"(المراسيل لابن أبي حاتم 651).
وقال ابنُ الجُنَيد: قال يحيى -وأنا أسمع-: "طلحةُ بنُ مصرفٍ، عن أبيه، عن جده، ليس له صحبة، قال ولد طلحة بن مُصَرِّف: ما أدرك جدُّنا
النبيَّ صلى الله عليه وسلم" (سؤالات ابن الجُنَيد 714).
وقد رَدَّ ذلك ابنُ المُلَقِّنِ، فقال:"وهذا يخالفه ما ذكره الخَلَّالُ، عن أبي داودَ: سمعتُ رجلًا من ولدِ طلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ يذكرُ أن جدَّه له صحبة، وقال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم"(البدر 2/ 107).
وقال عليُّ بنُ المَدِينيِّ: "وسألتُ عبدَ الرحمنِ -يعني: ابنَ مهديٍّ- عن نسبِ جد طلحة؟ فقال: عَمرو بن كعب -أو كعب بن عمرو-، وكانت له صحبة"(السنن الكبرى للبيهقي 236).
وقال الزَّيْلَعيُّ: "كان عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ يقول: جده اسمه عَمرو بن كعب، وله صحبة"(نصب الراية 1/ 17).
ثُمَّ أورد بعد ذلك حديثًا يدلُّ على أن له صحبةً.
وقد أثبتَ له الصحبةَ: البَغَويُّ، وابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 3/ 268)، وأبو نُعَيمٍ، وابنُ الأثيرِ، وابنُ قانِعٍ، والنَّوَويُّ في (تهذيب الأسماء 528).
وقال ابنُ عبد البرِّ: "له صحبةٌ، ومنهم مَن يُنكِرها، ولا وجهَ لإنكارِ مَن أنكرَ ذلك"(الاستيعاب 2202).
ورغم ذلك ضَعَّفَهُ عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ بهذه العلةِ، فقال:"وطلحةُ هذا يقال: إنه رجلٌ من الأنصارِ، وهو طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ، ولا نعرفُ لجده صحبة"(الأحكام الوسطى 1/ 170).
وكذا ضعَّفَه ابنُ القَيِّمِ بهذه العلةِ، فقال:"ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديثٍ صحيحٍ الْبَتَّةَ، لكن في حديثِ طلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عن أبيه، عن جده: «رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ»، ولكن لا يُروَى إلا عن طلحةَ عن أبيه عن جده، ولا يعرفُ لجده صحبة"! !
(زاد المعاد 1/ 193).
وقد أُعِلَّ بعلةٍ أُخرى:
فقد نفَى أبو حاتم أن يكون راوي الحديث هو طلحةَ بنَ مُصَرِّفٍ، فقال:"طلحةُ رجلٌ من الأنصارِ، ومنهم من يقول: طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ، ولو كان طلحةَ بنَ مُصَرِّفٍ لم يُختلَفْ فيه"(المراسيل 652). وانظر (الجرح والتعديل 2080).
قال ابنُ حَجَرٍ: "إن كان طلحة المذكور ليس هو ابنَ مُصَرِّفٍ فهو مجهولٌ، وأبوه مجهول، وجدُّه لا يثبتُ له صحبة؛ لأنه لا يُعرَفُ إلا في هذا الحديثِ"(تهذيب التهذيب 8/ 437).
قلنا: الصوابُ أنه طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ؛ فقد قال ليثُ بنُ أبي سُلَيمٍ: "أمرني مجاهدٌ أن ألزم أربعة: أحدهم طلحة بن مُصَرِّف. ورُوي أيضًا عنِ ابنِ إدريسٍ، عن ليثِ بنِ أبي سُلَيمٍ، عن مجاهدٍ، قال: أَعجَبُ أهلِ الكوفة إليَّ أربعة: منهم طلحة بن مُصَرِّف"، ذكرَ ذلك ابنُ القَطَّانِ
وقال: ((وقولُ أبي حاتم: "لو كان طلحة بن مُصَرِّف لم يختلفْ فيه"، ينعكسُ عليه، فلو كان غيره لم يختلفْ فيه، أو لم يقلِ الراوي عنه: إنه ابنُ مُصَرِّفٍ" (بيان الوهم والإيهام 3/ 317).
وعلى كلٍّ فالحديثُ ضعيفٌ من وجهين آخرين كما سبقَ.
ولذا ضَعَّفَهُ أبو حاتم الرَّازيُّ؛ قال ابنُ أبي حاتم: "سألتُ أبي عن هذا الحديثِ؟ فلم يُثبته"(العلل 131).
وَضَعَّفَهُ النَّوَويُّ، فقال:"حديثُ طلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ رواه أبو داودَ في (سننه) بإسنادٍ ليس بقويٍّ فلا يحتجُّ به"(المجموع 1/ 416).
وقال أيضًا: "وأما حديثُ الفصل -أي: حديث طلحة- فالجوابُ عنه من أوجهٍ، أحدها أنه ضعيفٌ كما سبقَ فلا يحتجُّ به لو لم يعارضه شيء، فكيف إذا عارضه أحاديثُ كثيرةٌ صِحاحٌ؟! "(المجموع 1/ 360).
وَضَعَّفَهُ الحافظُ فقال: "أخرجه أبو داودَ بإسنادٍ ضعيفٍ"(بلوغ المرام 1/ 19).
وقال المباركفوريُّ: "هذا الحديثُ الذي رواه أبو داودَ في (سننه)، والطَّبَرانيُّ في (معجمه) ضعيفٌ لا تقوم بمثله حُجَّةٌ"(تحفة الأحوذي 1/ 102).
وَضَعَّفَهُ الألبانيُّ في (ضعيف أبي داود 18).
هذا، وقد قال ابنُ الصَّلاحِ:"أخرجه أبو داودَ، وليس إسنادُهُ بالقويِّ، وقد أنكره بعضُ أئمة الحديث"(شرح مشكل الوسيط 1/ 154). وخالف في كلامه على (المهذب) فقال: "هو حديثٌ حسنٌ، على أن بعضَ الأئمةِ أنكره"(البدر 2/ 108).
* * *
رِوَايَة: يَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ مَن سَبَق.
[التخريج]:
[طب (19/ 180/ 409) / لا 322 (والزيادة له)].
[السند]:
قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا الحسينُ بنُ إسحاقَ التُّسْتَريُّ، حدثنا شَيْبانُ بنُ فَرُّوخَ، حدثنا أبو سلمةَ الكِنْديُّ، حدثنا ليثُ بنُ أبي سُلَيمٍ، حدثني طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ، عن أبيه، عن جده، به.
ومدارُ الحديثِ -عندهما- على ليثِ بنِ أبي سُلَيمٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ سَبَقَ بيانُها في الروايةِ السابقةِ.
والحديثُ قد رُوي من وجهٍ آخرَ وَاهٍ جدًّا في مسحِ باطنِ اللحيةِ والقَفَا، وسيأتي في (باب تخليل اللحية)، وبقية رواياته في باب:(مسح الرأس وصفته).
1673 -
حَدِيثُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما:
◼ عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيتُ عَلِيًّا وعُثْمَانَ رضي الله عنهما تَوَضَّآ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَا:((هَكَذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم)، وَذَكَرَ أَنَّهُمَا أَفْرَدَا المَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ.
• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَفْرَدَ المَضْمَضَةَ مِنَ الِاسْتِنْشَاقِ، ثُمَّ قَالَ:((هَكَذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم).
• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَفْرَدَ المَضْمَضَةَ مِنَ الِاسْتِنْشَاقِ، ثُمَّ قَالَ:((هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
يشهدُ لمعناه ظاهرُ الأحاديثِ السابقةِ، وإسنادُهُ حسنٌ، وذكره ابنُ السَّكَنِ في (صحاحه)، والضِّياءُ في (المختارة)، وجَزَمَ بثبوتِهِ صاحبُ عون المعبود، وهو ظاهرُ صنيع الصَّنعانيِّ وغيره، بينما أنكره ابنُ الصَّلاحِ والنَّوَويُّ، وأَعَلَّ متْنَه الألبانيُّ. وأشارَ إلى إعلاله ابنُ أبي خَيْثَمَةَ.
[التخريج]:
تخريج السِّياقة الأولى: [تخث (السِّفْر الثالث 4419، 4420)].
تخريج السِّياقة الثانية: [جعد 3406 (واللفظُ له) / ثلا 32/ ضيا (1/ 472/ 347) / كر (37/ 382)].
تخريج السِّياقة الثالثة: [جعد 3407].
[السند]:
رواه ابنُ أبي خَيْثَمَةَ، قال: حدثنا عليُّ بنُ الجَعْدِ، قال: أخبرنا عبدُ الرحمنِ بنُ ثابتِ بنِ ثَوْبانَ، عن عَبْدةَ بنِ أبي لُبابةَ، قال: سمعتُ شَقِيقَ بنَ سلَمةَ
…
به.
وتُوبِع ابنُ أبي خَيْثَمَةَ:
فرواه البَغَويُّ في (مسند ابن الجَعْد) وفي (جزء فيه ثلاثة وثلاثون حديثًا من حديثه) -ومن طريقِه الضِّياءُ وابنُ عساكر-: عن عليِّ بنِ الجَعْدِ، عنِ ابنِ ثَوْبانَ، عن عَبْدةَ، به عن عُثْمَانَ وحدَه.
ثُمَّ رواه البَغَويُّ في (مسند ابن الجَعْد) عنه بنفسِ إسنادِهِ عن عليٍّ وحدَه.
وتُوبِع عليه ابنُ الجَعْدِ:
فرواه ابنُ أبي خَيْثَمَةَ (4420) -عَقِبَ رواية ابنِ الجَعْدِ-، من طريقِ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، عنِ ابنِ ثَوْبانَ، عن عَبْدةَ بنِ أبي لُبابةَ، عن شَقيقٍ، عن عُثْمَانَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثله. كذا قال، ولم يسقْ مَتْنَهُ.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجاله ثقات رجال الشيخينِ سوى عبدِ الرحمنِ بنِ ثابتِ بنِ ثوبانَ؛ وهو صالحُ الحديثِ، وإن ليَّنَه جماعةٌ، فقد وَثَّقَهُ جمهورُ الأئمةِ، وقال الحافظُ: "صدوقٌ يخطئُ
…
تغيَّر بأَخَرة" (التقريب 3820).
وقد أشارَ إلى إعلاله ابنُ أبي خَيْثَمَةَ، فقال عَقِبَه:"هكذا قال شقيقٌ: رأيتُ عثمانَ بنَ عَفَّانَ وعليَّ بنَ أبي طالبٍ"، ثُمَّ أسندَ من طريقِ محمدِ بنِ إبراهيمَ؛ أن شقيقَ بنَ سلمةَ حَدَّثَهُ؛ أن حُمرانَ مولى عثمانَ حَدَّثَهُ، قال: رأيتُ عثمانَ قاعدًا في المسجدِ فَدَعَا بوَضوءٍ فَتَوَضَّأَ
…
" (التاريخ الكبير- السِّفر الثالث 3/ 187).
ففي هذه الروايةِ أنه تحمل الحديثَ عن حُمرانَ عن عُثْمَانَ، وليس عن عُثْمَانَ.
وقد أنكرَ متْنَه ابنُ الصَّلاحِ، فقال:"لا يعرفُ ولا يثبتُ عن عُثْمَانَ وعليٍّ رضي الله عنهما، بل روى أبو داودَ في (سننه) عن عليٍّ ضدَّ ذلك، وهو القول الأول، وأنه وصفَ وُضوءَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فتمضمضَ مع الاستنشاقِ بماءٍ واحدٍ"(شرح مشكل الوسيط 1/ 153)، و (البدر المنير 2/ 110).
وتَبِعَه النَّوَويُّ فقال: "هذا منكرٌ لا أصلَ له، بل في سنن أبي داود وغيره عن عليٍّ رضي الله عنه أنه وصفَ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمضمضَ مع الاستنشاقِ"(التنقيح في شرح الوسيط -بهامش الوسيط- 1/ 284).
قلنا: نعم، صَحَّ عن عليٍّ رضي الله عنه، حين وصفَ وُضُوءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ» ، وهذا من روايةِ عَبْدِ خَيْرٍ عن عليٍّ، وهي واقعةُ عينٍ، وقد رُوي عنه من طرقٍ أُخرى كروايةِ أبي حَيَّةَ وغيرِه ما يُفيدُ الفصلَ كما سبقَ؛ ولذا قال ابنُ المُلَقِّنِ مُتَعَقِّبًا ابنَ الصَّلاحِ: "قد رَوَى ابنُ ماجَهْ عن عليٍّ: «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ» . وظاهرُ ذلك الفصل، بل في (مسند الإمام أحمد) ما هو كالصريحِ في ذلك، حيثُ رَوَى بسندِهِ إليه «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، فَأَدْخَلَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فِي فِيهِ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا
…
»، وفي (سنن أبي داودَ) من حديثِ عُثْمَانَ بنِ عبدِ الرحمنِ التَّيْميِّ، قال: «سُئِلَ ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الوُضُوءِ، فَقَالَ: رَأَيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يُسْأَلُ عَنِ الوُضُوءِ، فَدَعَا بِمَاءٍ
…
فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا
…
»، وظاهر هذه الرواية أَخْذُ ماءٍ للمضمضةِ بمفردها ثُمَّ ماءٍ آخَرَ للاستنشاقِ بمفرده؛ إذ الاستنشاقُ هو الاستنثارُ
…
، لا جَرَمَ استَدَلَّ الماوَرْديُّ لقولِ الفصل بهذا الحديثِ
…
، ثُمَّ رَأَيتُ بعد ذلك في (سنن ابنِ السَّكَنِ) المسماة بـ (الصِّحاح المأثورة) ما نَصُّه: رَوَى شَقِيقُ بنُ سَلمَةَ قال: «شَهِدْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بنَ
عَفَّانَ رضي الله عنهما تَوَضَّآ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَفْرَدَا المَضْمَضَةَ مِنَ الِاسْتِنْشَاقِ
…
»، ثُمَّ قال:"رُوِيَ عنهما مِن وجوهٍ"(البدر المنير 2/ 110، 111).
قال ابنُ حَجَرٍ: "فهذا صريحٌ في الفصلِ، فبَطَلَ إنكارُ ابنِ الصَّلاحِ"(التلخيص 1/ 134).
وقال صاحبُ (عون المعبود 1/ 161): "محصل الكلام: أن الوصلَ والفصلَ كلاهما ثابتٌ، لكن أحاديث الوصل قوية من جهةِ الإسنادِ".
وقال المباركفوريُّ: "ذكرَ الحافظُ هذا الحديثَ في (التلخيص)، لكنه لم يذكرْ سندَهُ ولم يبينْ أنه صحيحٌ أو حسنٌ، فلا يُعلم حال إسناده، فمتى لم يعلم أنه حسن أو صحيح لا يصلح للاحتجاج، ولو فرض أن هذا الحديثَ قابلٌ للاحتجاج، وأن الأحاديثَ التي وقعَ فيها: «مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا» تدلُّ صراحة على الفصلِ، فيقال: إن الفصلَ والوصلَ كلاهما ثابتان جائزان كما قال العلامة العَيْنيُّ"(تحفة الأحوذي 1/ 103).
وقال الصَّنعانيُّ: "مع ورود الروايتين: الجمع وعدمه، فالأقرب التخيير، وأن الكلَّ سُنَّةٌ، وإن كانتْ روايةُ الجمعِ أكثرَ وأصحَّ"(السبل 1/ 77).
ولَمَّا ذَكَرَ الألبانيُّ قولَ النَّوَويِّ: "وأما الفصلُ؛ فلم يثبتْ فيه حديثٌ أصلًا، وإنما جاءَ فيه حديثُ طلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وهو ضعيفٌ". تَعَقَّبَه بما ذكره ابنُ حَجَرٍ -مُتَعقِّبًا به ابنَ الصَّلاحِ- من روايةِ ابنِ السَّكَنِ في (صِحاحه) لحديثِ عُثْمَانَ وعليٍّ رضي الله عنهما، ثُمَّ استدركَ الشيخُ فقال: "لكني أشكُّ في ثبوتِ ذِكرِ المضمضةِ والاستنشاقِ في هذا الحديثِ! ؛ فقد أخرجه ابنُ ماجَهْ (1/ 161)، والطَّحاويُّ (1/ 17) من طريقِ ابنِ ثَوْبانَ، عن عَبْدةَ بنِ أبي لُبابةَ، عن شَقيقِ بنِ سلَمةَ، قال: «رأيتُ عُثْمَانَ وعليًّا يتَوضَّآن ثَلَاثًا
ثَلَاثًا، ويقولان: هكذا كان وُضوءُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم». وإسنادُهُ حسنٌ، وابنُ ثوبانَ: هو عبدُ الرحمنِ بنُ ثابتِ بنِ ثوبانَ، وهو حسنُ الحديثِ إذا لم يخالفْ. وهو عندَ الحاكمِ والدَّارَقُطنيِّ والبَيْهَقيِّ من طريقٍ أُخرَى عن شَقِيقِ بنِ سلَمةَ، عن عُثْمَانَ وحدَه؛ بلفظ: «فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا
…
» الحديثَ، ليس فيه التفصيلُ المذكورُ عند أبي عليٍّ" (ضعيف أبي داودَ 1/ 45، 46).
قلنا: نعم، رواه ابنُ ماجَهْ (417) من طريقِ الوليدِ بنِ مسلمٍ،
وابنُ القَطَّانِ في (زوائده) من طريقِ أبي نُعَيمٍ،
والطَّحاويُّ (1/ 29) من طريقِ الهيثمِ بنِ جميلٍ،
والبَزَّارُ (394) من طريقِ موسى بنِ داودَ،
وأبو عُبَيدٍ في (الطهور 81)، والمَرْوَزيُّ في (زوائده عليه)، من طريقِ عاصمِ بنِ عليٍّ،
والطَّيالِسيُّ في (مسنده 81)،
كلهم عنِ ابنِ ثوبانَ به ليس فيه إفراد المضمضة كما ذكره ابنُ الجَعْدِ! .
بل رواه الطَّحاويُّ (1/ 29) عن البُرُلُّسيِّ، والطَّبَرانيُّ في (مسنده 161) عن موسى بن هارون، كلاهما عنِ ابنِ الجَعْدِ به دون إفراد المضمضة! ! .
وهذا قد يُقوِّي شكَّ الألبانيّ لو أنَّ الذي رواه عنِ ابنِ الجَعْدِ هو الحافظُ البَغَويُّ وحدَه، ولكن قد تابعه ابنُ أبي خَيْثَمَةَ وهو إمامٌ كبيرٌ حافظٌ أيضًا، فالأَوْلى حمل رواية الجماعة على الاختصار؛ إذ من العسيرِ توهيم هذين الحافظين، لاسيما وقد تُوبِع عليه ابنُ الجَعْدِ مِن بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، هذا إن
كان قول ابنِ أبي خَيْثَمَةَ: ((مثله)) دقيقًا في تماثلِ اللفظين، فكثيرًا ما يتجوزون ويتساهلون في هذا.
وإنما ساغَ عندنا اختصارهم ذلك، لأن الظاهرَ أن الجملةَ المختصرةَ إنما هي من استنباطِ ابنِ أبي لُبابةَ، إذ هو قائلها كما بيَّنَته روايةُ ابنِ أبي خَيْثَمَةَ بلفظ:((وَذَكَرَ أَنَّهُمَا أَفْرَدَا المَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ))، ففاعل "ذكر" هو شَقِيقُ بنُ سلمةَ، والقائل: "وذكر
…
إلخ" هو عَبْدَةُ، يريد فيما يظهر: وذكر شقيق ما يفيد ذلك أو يدل عليه، وقد سبقَ أن عامرَ بنَ شَقِيقٍ روَى عن شقيقِ بنِ سلمةَ أنه قال: ((رَأَيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ [ثَلَاثًا]، وَاسْتَنْشَقَ [ثَلَاثًا]
…
)) الحديثَ، وهذه هي الطريق الأخرى التي أشارَ إليها الألبانيُّ، والزيادةُ ثابتةٌ فيه من وجوهٍ، وقد رُوِيَ نحوه من طرقٍ أخرى عن عُثْمَانَ كما تقدَّم، وظاهره يدلُّ على الفصلِ بين المضمضةِ والاستنشاقِ كما قررناه فيما سبقَ.
وإذ تبينَ أن التصريحَ بالفصلِ هنا إنما هو من فَهْمِ راويه عَبْدةَ لسياقة شيخه، فلا يُنكَر تفرُّدُ ابنِ ثَوْبانَ بذلك، وعدم ذكر هذا التصريح في الرواياتِ الأخرى لعُثْمَانَ وعليٍّ رضي الله عنهما، والله أعلم.
* * *