المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وبنو أبي العاصي: محمَّد، وأحمد، وعبد الله. قَال: - وأَخوهم - رحلة ابن خلدون

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌التَّعريف بابن خَلدونورحلته غربا وشرقا

- ‌نسبه

- ‌سلفه بالأندلس

- ‌سلفه بأفريقية

- ‌نشأته ومشيخته وحاله

- ‌ولاية العلامة بتونس

- ‌ثم الرحلة بعدها إلى المغرب

- ‌والكتابة عن السلطان أبي عنان

- ‌حدوث النكبة من السلطان أبي عنان

- ‌الكتابة عن السلطان أبي سالم

- ‌في السر والإنشاء

- ‌الرحلة إلى الأندلس

- ‌الرحلة من الأندلس إلى بجايةوولاية الحجابة بها على الاستبداد

- ‌مشايعة أبي حمو صاحب تلمسان

- ‌مشايعة السلطان عبد العزيزصاحب المغرب على بني عبد الواد

- ‌فصلٌ

- ‌العودة إلى المغرب الأقصى

- ‌الإجازة ثانية إلى الأندلسثم إلى تلمسان واللحاق بأحياء العربوالمقامة عند أولاد عريف

- ‌الفيئة إلى السلطان أبي العباسبتونس والمقام بها

- ‌الرحلة إلى المشرقوولاية القضاء بمصر

- ‌السفر لقضاء الحج

- ‌ولاية الدروس والخوانق

- ‌ولاية خانقاه بيبرس، والعزل منها

- ‌ فتنة الناصري

- ‌السعاية في المهاداة والاتحافبين ملوك المغرب والملك الظاهر

- ‌ولاية القضاء الثانية بمصر

- ‌سفر السلطان إلى الشاملمدافعة الططر عن بلاده

- ‌لقاء الأمير تمرسلطان المغل والططر

- ‌الرجوع عن هذا الأمير تمر إلى مصر

- ‌ولاية القضاء الثالثة والرابعة والخامسة بمصر

الفصل: وبنو أبي العاصي: محمَّد، وأحمد، وعبد الله. قَال: - وأَخوهم

وبنو أبي العاصي: محمَّد، وأحمد، وعبد الله. قَال: - وأَخوهم عثمان، وله عقِب. ومنهم الحكيم المشهور بالأَندلس من تلامِيذِ مَسْلَمَة المَجْريطي، وهو أبو مُسلم عمر بن محمد بن بَقِيّ بن عبد الله بن بكر بن خالد ابن عثمان بن خالد بن عثمان بن خَلدون الدَّاخل. وابن عمه أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله. قال: ولم يبق من ولد كُرَيب الرئيسِ المذْكور إلا أَبو الفضل بن محمد بن خَلَف بن أَحمد بن عبد الله بن كُرَيْب - انتهى كلام ابن حَزم.

‌سلفه بالأندلس

ولمَّا دخل خَلدون بن عُثمان جدُّنا إلى الأَندلس، نزل بِقَرْمُونَة في رَهط من قومه حَضْرَمَوت، ونَشَأَ بيتُ بَنِيه بِها، ثم انتَقلوا إلى إِشْبِيلِيةَ. وكانوا في جُند اليَمَن، وكان لكُرَيب من عقِبِه وأخيه خالد، الثورةُ المعروفةُ بأشبيلية أَيام الأَمير عبد الله المرواني، ثار على ابن أبي عَبْدة، وملكها من يَده أعواماً، ثم ثار عليه إبراهيم ابن حجَّاج، بإِملاءِ الأمير عبد الله وقَتله، وذلك في أَواخر المائة الثالثة.

وتلخيص الخبر عن ثورته، على ما نقله ابن سَعيد عن الحِجَاري وابن

ص: 29

حَيَّان

وغيرهما، وينقلونَهُ عن ابن الأَشعث مؤَرخ إِشْبِيلِيةَ: أن الأَندلس لما اضطربت بالفتن أيام الأمير عبد الله تطاول رؤساء إِشْبِيلِيةَ إلى الثَّورة والاستبداد، وكان رؤَساؤها المتطاولون إلى تلك في ثلاثة بيوت: بيت بَني أبي عَبْدَة، ورئيسهم يومئذ أُمَيَّة بن عبد الغافر بن أبي عَبْدَة، وكان عبدُ الرحمن الداخل ولَّى أبا عبده إِشْبِيلِيةَ وأَعمالها، وكان حَافدُه أُمَيةُ من أعلام الدولة بقرطبة، ويولونه الممالك الضخمة. وبيت بني خلدون هؤلاءِ، ورئيسُهم كُرَيْب المذْكور، ويَردفه أخوه خالد.

قال ابن حَيَّان: وبيت بني خَلدون إلى الآن في إِشْبِيلِيةَ نهاية في النَّباهة، ولم تزل أعلامُه بين رياسة سلطانية ورياسة علمية. ثم بيت بني حجَّاج، وَرَئيسهم يومئذ عبد الله. قال ابن حَيَّان: هم - يعني بني حجَّاج - من لَخْم، وبيتُهم إِلَى الآن في إِشْبِيلِيةَ ثَابِت الأصل، نَابت الفرع موسوم بالرياسة السلطانية والعلمية. فلما عظمت الفتنة بالأندلس أعوامَ الثمانين والمائتين، وكان الأَمير عبد الله قد ولَّى على إِشْبِيلِيةَ أُمَيَّة بن عبد الغافر، وَبعَثَ معه ابنَه محمداً، وجعله في كفالته، فاجتمع هؤُلاء النَّفَر، وثارُوا بِمحمَّد بن الأمير عبد الله وبأمية صاحبهم، وهو يمالئهم على ذلك، ويكيد بابن الأمير عبد الله. وحاصروهما في القَصْر، حتَّى طلب منهم الّلحاق بأبيه فأَخرجوه، واستبدّ أُمية إِشْبِيلِيةَ، ودَسَّ على عبد الله بن حجَّاج من قَتَله، وأَقام أخاه إبراهيمَ مكانه. وضبط إِشْبِيلِيةَ، واسترهنَ أولادَ بَنِي خَلدون وبني حجَّاج، ثم ثاروا به، وهمَّ بقتل أبنائهم فراجَعوا طاعتَه. وحلفوا له، فأَطلق أبناءَهم فانتقضوا ثانية. وحاربوه فاستَمات وقَتَل حُرَمه، وعَقَر خُيولَه، وأحرق موجودَه. وقاتَلهم حتى قَتلوه مقبلاً غيرَ مدبر، وعاثت العامَّة في رأْسِه. وكتبوا إلى الأَمير عبد الله بأنه خَلَع فقتَلوه، فقبل منهم مداراة، وبعث عليْهم هشامَ بن عبد الرحمن من قَرابته، فاستبدُّوا عليه، وفتكوا بابنه، وتولَّى كِبر ذَلك كريب بن خَلدون، واستقلَّ بإِمارتها.

وكان إبراهيم بن حجَّاج بعد ما قُتل أخوه عبدُ الله - على ما ذَكَرَهُ ابن سَعيد عن

ص: 30

الحِجَاري - سَمَت نفسُه إلى التَّفَرد، فظاهر ابْنَ حَفصُون أعظم ثوار الأندلس يومئذ، وكان بمَالَقَة وأعمالها إلى رُنْدَة، فكان له منه ردْءٌ. ثم انصرف إلى مُداراة كُرَيْب بن خَلدون وملابسته، فَردَفه في أمره، وشَركَه في سلطانه، وكان في كُرَيب تحامل على الرَّعية وتعصُّب، فكان يتجَهُّم لهم، ويغلظ عليهم، وابن حَجَّاج يَسْلك بهم الرفق والتلطف في الشفاعة لهم عنده، فانحرفوا عن كُريبِ إلى إبراهيم. ثم دسَّ إلى الأمير عبد الله يطلب منه الكتاب بولاية إِشْبِيلِيةَ، لتسكن إِليه العامَّة، فكتب إليه العهدَ بذلك. وأَطلع عليه عُرَفَاءَ البلد، مع ما أشربوا من حُبِّه، والنَّفرة عن كُريْب، ثم أجمع الثورة، وهاجت العامة بكُرَيْب فقتلوه، وبعث برأْسه إلى الأمير عبد الله، واستقرَّ بإِمارة إِشْبِيلِيةَ.

قال ابن حَيَّان: وحَصَّن مدينة قَرمُونَة من أَعظم معاقل الأندلس، وجعلها مُرْتَبَطا لخيوله، وكان ينتقل بينها وبين إِشْبِيلِيةَ. واتخذ الجُند ورتَّبهم طبقات، وكان يصانع الأميرَ عبد الله بالأموال والهَدايا، وببعث إليه المَدَدَ في الصَّوائف. وكان مقصوداً مُمَدَّحاً، قصده أهل البيوتات فوصلهم، وَمَدحَهُ الشعراء فأجازَهم، وانتجعه أبو عمر ابن عبد ربِّه صاحب العِقد، وقصدَهُ من بين سائر الثوار، فعرَفَ حقه، وأعظم جائزتَهُ.

وَلَم يزل بيت بني خَلدون بإِشْبِيلِيةَ - كما ذكَرَهُ ابن حَيَّان وابنُ حَزْم وغيرُهما - سائرَ أَيام بني أمية إلى أَزمان الطَّوائف -، وانْمَحت عنْهم الإمارة بما ذهب لهم من الشوكة.

ولما علا كعبُ بن عَبَّاد بإِشْبِيلِية، واستبدَّ على أهلها، استوزر من بني خَلدون

ص: 31