الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنختم الردَّ على هذه الشُّبهة، بقولِ الإمام ابن الجزريّ:
" إن الصحابة رضي الله عنهم لمّا كتبوا تلك المصاحف جرَّدوها من النّقط والشكل؛ ليحتمله ما لم يكن في العرضة الأخيرة، مما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخطّ الواحد على كِلَا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوَّيْن شبيهة بدلالة اللَّفظ الواحد على كِلا المعنيين المعقولين المفهومين ".
الشُّبهة الرابعة: محاكمة وجوه القراءة على قواعد العربية المشهورة:
لهج الطَّاعنون في إعراب القرآن بقولهم: إن هذه الآية تُخالف القاعدة النحويّة تلك، وهكذا. وهذه الشُّبهة تعلق بها الزّنادقة؛ إذ قرروا وقوع اللَّحن، فقالوا: "من اللحن الفاحش الذي لا يسوغُ مثلُه، ولا يجوزُ على اللهِ سبحانه، ولا على رسوله التكلّم به، والأمر بحفظه وتبقيةُ رَسْمه ودعوى الإحكام والإعجاز فيه؛ نحو قوله:(إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)، وهو موضعُ نَصب؛ وقوله:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ)، وهو موضع
نصب لا إشكالَ فيه على أحد، وقوله:(لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، وموضعِ (وَالْمُقِيمِينَ) رفعٌ واجبٌ في هذا الموضع وجوباً ظاهراً بيناً؛ وقوله:(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ)، وهو (الصابرونَ) بغير اختلافٍ بين أهلِ الإعراب؛ وقوله في المنافقين:(فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10))، وهو موضعُ نصب، وهو في المصحفِ مجزُوم ".
وبمثل هذا الباطل نطق صاحب (تذييل مقالة في الإسلام)، ومَنْ تابعه: من أعداء القرآن، أو مَنْ غُزر بهم.
وهذا الهذيان واضح البطلان، فنرد عليه بما يأتي:
الوجه الأول: إن قول هؤلاء عكسٌ للأُصول التي جرى عليها العلماء، فتُقاس القاعدة على لغة القرآن وتصحَّح بموجبه؛ فهو أفصح أساليب العربيّة على الإطلاق. قال الفراء:" الكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر".
وزاد هذا الأمر إيضاحاً ابن المنيِّر بقوله: "وليس غرضنا تصحيح القراءة بقواعد العربيّة، بل تصحيح قواعد العربيّة بالقراءة".
الوجه الثاني: القرآن الكريم ثابت بالتواتر، فردَّ القراءة المرويّة بالتواترة إذا لم توافق قاعدة - عند بعضهم - لا يصحُّ، يقولُ الشيخ عبد الرحمن الجزيريّ:
"قواعد النحو والبيان التي يقول عنها المبشّرون، إنما هي موضوعة على أساس القرآن الكريم؛ لأنه هو الأصل العربيّ الذي تواتر عن محمّد رسول الله العربيّ، وتحدّى به أفصح العرب منطقا وأبلغهم قولا، فعجزوا عن الإتيان بمثله؛ فكلّ ما يخالفه من العبارات يكون غير عربيّ بدون نزاع، فهل يظنّ هؤلاء الجَهَلة أنّ قواعد سيبويه والخليل أصلٌ يطبق عليها القرآن، فيقال لما خالف هذه القواعد: إنّه لحن؟! إنْ كانوا يظنّون ذلك، فقد بلغ بهم الجهل غايته؛ لأنّ الواقع أنّ قواعد الخليل وسيبويه وغيرهما مِنْ واضعي العلوم العربيّة إنَّما تكون صحيحة إذا وافقت القرآن الكريم، أمّا إذا خالفته في شيء لا يمكن تأويله، فإنّه يكون غلطاً بلا نزاع؟ فهل يصح لعاقل يعرف الخطأ من الصواب أنْ يقول بعد ذلك: إنّ في القرآن لحناً يخالف تلك القواعد؟!