الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك وفشوّه في اللّغة واستعمال مثله في قياس العربية، مع انعقاد الإجماع على تلاوتهِ "، ويستمر في تأويله قائلاً: "ويتأوّل فيه دون أن يقطع به على أنّ أُمّ المؤمنين رضي الله عنها، مع عظيم محلّها وجليل قدرها واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها، لَحَّنت الصحابة وخطّات الكَتَبة وموضعهم من الفصاحة.
والعلم باللّغة: موضعهم الذي لا يُجهل ولا يُنكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز.
وقد تأوّل بعض علمائنا قول أُمّ المؤمنين: (أخطأوا في الكتاب)، أي: أخطأوا في اختيار الأَوْلى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أنّ الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز؛ لأنّ ما لا يجوز مردودٌ بإجماع، وإنْ طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه، وتأول اللَّحن أنّه القراءة واللغة، كقول عمر رضي الله عنه:(أُبَي أقرؤنا وإنَّا لندع بعض لحنه)، أي: قراءته ولغته، فهذا بينٌ وبالله التوفيق ".
الشبهة الثانية: اختلاف القراءات:
مَنْ حاولوا أن يُثبتوا اللَّحن في آيات القرآن الكريم، اتّخذوا من اختلاف القراءات حجّةً لهم، وهذا اعتلالٌ قديم، قالت الزنادقة: "و (القُرَّاء) يختلفون: فهذا يرفع ما ينصبه ذاك، وذاك يخفض ما يرفعه هذا.
وأنتم تزعمون أن هذا كله كلام رب العالمين، فأيُّ شيءٍ بعد هذا الاختلاف تُريدون؟ وأي باطلٍ بعد الخطإ واللَّحْن تبتغون؟ ".
فالطاعنون جعلوا لهم مسلكَيْن في هذه الشُبهة:
الأول: الاختلاف عند القُراء قائم على الاجتهاد، وهذا ما نجده عند المستشرق (جولد تسيهر) وغيره.
الثاني: هذا الاختلاف قاد إلى اللَّحن في الكتاب العزيز.
وللرد على هذه الشبهة، أقولُ: ما تعلق به هؤلاء متهافت من وجوه:
الوجه الأوّل: الله - سبحانه - رخص لعباده، ورفع عنهم المشقة بقراءة كتابه؛ فأنزله على سبعة أحرف، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أقرأني جبريلُ على حرفٍ فراجعته، فلم أزلْ أستزيدُه ويزيدني؛ حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".
وقال أيضاً: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسَّر منه ".
وردَّ على الطاعنين ابن قُتيبة بقوله ت "أمّا ما اعتلّوا به من وجوه القراءات من الاختلاف؛ فإنّا نحتجّ عليهم فيه بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "نزل القرآن على سبعة أحرف"
…
".
الوجه الثاني: منهج القرّاء قائمٌ على التلقّي والسَّماع، فالقراءة سُنَّة متبّعة، يقول أبو عمرو الدانِيّ في كتابه (جامع البيان في القراءات السبع المشهورة): "وأئمّة القراءة لا تعمل في شيءٍ من حروف القرآن على الأفشى في اللُّغة، والأقيس في العربيّة؛ بل على الأثبت في الأثر، والأصحّ في النَّقل.
والروايةُ إذا ثبتت لا يردّها قياسُ عربيّة ولا فشوّ لغة؛ لأنّ القراءة سنَّة متبّعة، يلزم قبولها والمصير إليها".
إذن: القراءة لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف فيها، أو يجتهد مِنْ عند نفسه بضبطها، فطريقها الرواية وضبطها.
الوجه الثالث: وجَّه العلماءُ ما أشكل من وجوه
الروايات في القراعات؛ إذ لكلّ قراءة وجهٌ حَسَن في العربيّة، وبيَّنوا فسادَ رأي مَنْ ردَّها، أو لحَنَ بعضَها، وهذا مبسوطٌ في موضعهِ من كتب الاحتجاج، أو التفسير، أو الإعراب.
الوجه الرابع: ما يدلُّ على فساد هذه الشُّبهة، وأنّ القراءة ليس فيها مجال للقياس، حتى لو جازت في العربيّة؛ إذا لم يصحّ النقل، موقف العلماء من ابن شَنَبُوذ وابن مقسم العطَّار.
أما ابن شَنَبُوذ - (أبو الحسن: محمد بن أحمد، ت 328 هـ) - فقد " زعم أنَّ كُلَّ مَنْ صحَّ عنده وَجْهٌ في العربيّة بحرفٍ من القرآن، يوافق خطَّ المصحف؛ فقراءته به جائزة، وكان أبو بكر بن مجاهد رحمه الله استتابه من بِدْعته، وأحضره السلطان ليؤدبه
…
".
وأمّا ابن مقسم العطّار - (أبو بكر، محمد بن الحسن، ت 354 هـ) - فقال فيه الخطيب البغداديّ: "وكان ابن مقسم من أحفظ الناس لنحو الكوفيّين وأعرفهم بالقراءات
…
وممّا طعن عليه به أنّه عمد إلى حروفٍ من القرآن؛ فخالفَ الإجماع فيها، وقرأها وأقرأها، على وجوه ذَكَر أنَّها تجوز في اللُّغة