المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شرع الدين خاص بالرب - رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٣

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌ وقد يكون للمعبود الواحد ألوف من التماثيل يطلقون على كل تمثال منها اسم ذلك المعبود

- ‌ عبادة الشياطين

- ‌ عبادة الهوى

- ‌النظر فيما كان يعتقده المشركون في آلهتهم ويعملونه

- ‌تفسير عبادة الأصنام

- ‌عُبَّاد النار

- ‌عجل السامري

- ‌الأناسي الأحياء وأرواح الموتى

- ‌تفسير تأليه المسيح وأمه عليهما السلام

- ‌تأليه الأحبار والرهبان

- ‌ شرع الدين خاصٌّ بالربِّ

- ‌عبادة القبور والآثار

- ‌عبادة أشخاصٍ لا وجود لها

- ‌المصريُّون

- ‌ في عهد إبراهيم عليه السلام

- ‌ في عهد موسى عليه السلام

- ‌العرب وتأليه الإناث الخياليَّات

- ‌تحرير العبارة في تعريف العبادة

- ‌ فصلٌ في الدعاء

- ‌الدعاء عبادةٌ

- ‌ أحكام الطلب، ومتى يكون دعاءً

- ‌من أشنع الغلط في هذا الباب الاعتمادُ على التجربة

- ‌مَن قاس الأموات على الأحياء [555] فهو كمَن قاس الملائكة على البشر

- ‌ الشبهات ورَدُّها

- ‌شبه عُبَّاد الأصنام

- ‌ شُبَه عُبّاد الأشخاص الأحياء

- ‌شُبَه النصارى في عبادتهم الصليب

- ‌شبهة للنصارى واليهود في شأن الأحبار والرهبان

- ‌شُبَهُ عَبَدَةِ الملائكة

- ‌تقسيم الكفر إلى ضربين

- ‌الأعذار

- ‌ ذكر أمور ورد في الشريعة أنها شركوأشكل تطبيقها على الشرك

- ‌تمهيد

- ‌ الطِّيَرة

- ‌ فصل في التِّولة والسحر

- ‌ التأثير على ضربين:

- ‌ حكم السحر وتعليمه وتعلمه

- ‌ طرق تحصيل قوة السحر

- ‌ القسم بغير الله عز وجل

- ‌حقيقة القَسَم

- ‌ تسمية النذر يمينًا وحلفًا والقول بأن كفارته كفارة يمين أمر معروف عن السلف

- ‌ الشرك إذا أُطْلِق في الشريعة في مقام الذَّمِّ كان المراد به الشركَ بالله عز وجل، بأن يُشْرِكَ معه غَيْرَه في العبادة على سبيل العبادة للشريك

- ‌ لم يجئ في الشرع نصٌّ على أنَّ الرئاء شرك بالله، وإنما جاء أنَّه شرك فحسب

- ‌قول ما شاء الله وشئت

- ‌فهرس مصادر التحقيق

الفصل: ‌ شرع الدين خاص بالرب

الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 13 - 21].

قيل: إن المراد بقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} : شركاء للمشركين في كفرهم.

وقيل: المراد: شركاء يشركونهم بالله تعالى.

ومَن قال هذا فسَّره بالأوثان، وتأوَّل نسبة الشرع إليها بأنها سبب له أو أنها تماثيل لمن شرع في زعمهم. وقد تقدَّم ذلك عن البيضاوي.

والصواب إن شاء الله المعنى الثاني، أي أنَّ المراد: شركاء يشركونهم بالله عز وجل؛ لأنَّ عامَّة ما

(1)

[397] يجيء في القرآن بهذا المعنى، وأن المراد الرؤساء الذين يطيعونهم ويتديَّنون بما يخترعون لهم على أنه من الدين، فيُعلَم من هذه الآية ومما قبلها أن‌

‌ شرع الدين خاصٌّ بالربِّ

، فمَن ادَّعى أن له حقًّا أن يشرع، وأن ما شرعه يكون دينًا؛ فقد ادَّعى الربوبيَّة، ومَن قال في شخصٍ: إن له حقًّا أن يشرع وأن ما شرعه يكون دينًا؛ فقد اتَّخذه ربًّا، وجعله شريكًا لله عز وجل، وذلك تأليهٌ له وعبادةٌ وشركٌ بالله تعالى.

(1)

إلى هنا انتهى الدفتر الرابع، ويليه الدفتر الخامس، وأوَّله: يجيء في القرآن ....

ص: 658

وقد مرَّ

(1)

قول الزجَّاج ــ فيما نقله ابن هشامٍ

(2)

ــ أن المعنى في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151]. قال: «الأصل: «أبيِّن لكم لئلا تشركوا» ، وذلك لأنهم إذا حرَّم عليهم رؤساؤهم ما أحلَّه الله سبحانه وتعالى فأطاعوهم أشركوا؛ لأنهم جعلوا غير الله بمنزلته».

وبعد؛ فقد ثبت أن اليهود كانوا يعلمون أن حدَّ الزاني المحصن الرجم، وأن ذلك في التوراة حقٌّ، فشرع لهم أحبارُهم الاكتفاءَ بالجلد والتحميم

(3)

، فاتَّخذوا ذلك دينًا يزعمون أن الله يحبه ويرضاه.

وأما النصارى فأمرهم أظهر؛ فقد ثبت عندهم أن عيسى عليه السلام أخبرهم أنه لم يُبعَث لنسخ التوراة وإنما بُعِث لتثبيتها، [398] ثم خرج أحبارهم فأبطلوا أحكام التوراة التي كان عيسى نفسه يعمل بها، كالختان وتحريم لحم الخنزير وتحريم السبت وغيرها، زاعمين أنَّ ما شرعه بولس وغيره يكون دينًا يحبُّه الله ويرضاه.

وهكذا مشركو العرب كانوا يزعمون أنَّ ما شرعه عمرو بن لُحَيٍّ وأضرابه دينٌ يحبُّه الله ويرضاه، ولما كان يوم الفتح أُخرِجت من الكعبة صورتا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبأيديهما الأزلام يستقسمان بها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قاتلهم الله، أما والله لقد علموا أنهما

(1)

ص 326. [المؤلف]. ص 598.

(2)

المغني. [المؤلف]. 1/ 250، وانظر: معاني القرآن للزجاج 2/ 303 - 304.

(3)

التحميم: تسويد الوجه بالحُمَم، وهو الفحم. انظر: غريب الحديث لأبي عُبَيدٍ 4/ 16، النهاية 1/ 444.

ص: 659

لم يستقسما بها قطُّ»

(1)

.

فقد زعم المشركون أن الاستقسام بالأزلام دينٌ يحبُّه الله ويرضاه، حتى صوَّروا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يستقسمان بالأزلام، مع علمهم بأنهما لم يستقسما بها قطُّ، وإنما أحدثها بعض الرؤساء.

وقد قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [آل عمران: 93 - 94]، [399] وقال تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103].

والقرآن يقسِّم الكفر إلى قسمين: الكذب على الله، والتكذيب بآياته. قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68]، وفي القرآن آياتٌ أخرى بمعناه.

وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ} استفهامٌ إنكاريٌّ، أي: لا أحد أظلم منه، فعُلِم من ذلك أن ذلك يكون شركًا؛ لأنه لو لم يكن شركًا لكان الشرك أعظمَ منه؛ لقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].

(1)

البخاريّ، كتاب الحجِّ، باب مَن كبَّر في نواحي الكعبة، 2/ 150، ح 1601. [المؤلف]

ص: 660

فأما أرواح الموتى فعبادتها من جنس عبادة الجنِّ عند بعض الناس، ومن جنس عبادة الملائكة عند آخرين. وسيأتي الكلام على ذلك، إن شاء الله تعالى

(1)

.

* * * *

(1)

انظر: ص 815 - 816.

ص: 661