الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبحسبك أنَّ كلّ فرقة من الفرق المختلفة يزعمون أنهم قد تحصل لهم الإغاثة إذا عملوا بما يعتقدونه أو يعتادونه، مع الاتِّفاق على أنَّ منهم مَنْ هو على الباطل؛ على أنَّ الحكايات المزعومةَ موجودة عند كلِّ فرقة، والغالبُ عليها الكذب، ومنها ما هو تخيُّلٌ وأوهام، ومنها ما هو مكر ودجلٌ من بعض الناس الأحياء على ما تقدَّم في الخوارق والغرائب.
فإن كان المغترُّ بهذه الشبهة ممَّن يلتزم الإسلام فيكفيه أن يعلم أنَّ الحجّة إنما هي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ مثل ما وقع له أو سمِعه يقع أكثر منه للنصارى والوثنيِّين، وأنَّ الله قد بيَّن في كتابه أنَّه يستدرج بعض الناس. وقد مرّ في الخوارق والغرائب ما يكفي.
شبه عُبَّاد الأصنام
إن قالوا: أرأيت تعظيمنا لأصنامنا التي جعلناها رمزًا لله تعالى، وتعظيم المسلمين الكعبة، والحجر الأسود، وتعظيم العاشق ــ مثلًا ــ منزلة
(1)
معشوقته غير متديِّنٍ بذلك، ما الفرق بين هذه الثلاثة حتى زعمتم الأوَّل شركًا، والثاني إيمانًا، والثالث ليس بشرك ولا إيمان؟
فالجواب: أن الفرْق هو أنكم تعظِّمون أصنامكم تعظيمًا تطلبون به النفع الغيبيَّ، وتلك عبادة، ولم ينزل الله تعالى بذلك سلطانًا، فليست عبادة له، بل هي عبادة للأصنام. والمسلمون يصنعون ما يصنعون بالكعبة والحجر الأسود طاعة لأمر الله تعالى [568] الذي أنزل به سلطانًا، فتلك عبادة لله
(1)
كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب «منزل» بدون تاء كما سيذكره المؤلف بعد عدّة أسطر.
تعالى. والعاشق لا يطلب بتعظيم منزل معشوقته نفعًا غيبيًّا فليس فعله بعبادة أصلًا.
وبعبارة أخرى: أنتم كذبتم على الله عز وجل، وكذَّبتم رسله، والمسلمون صدقوا على الله تعالى، وصدَّقوا رسله، والعاشق لا صدّق ولا كذّب. وقد قال تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 32 - 33].
وأيضًا أنتم تفتاتون على الله عز وجل، بجعل ما هو حقٌّ له مِن شَرْع الدين والتعظيم على سبيل التديُّن لغيره، بغير إذنه.
وأيضًا أنتم سوّيتم الأصنام بربِّ العالمين، حيث زعمتم أنها تستحقُّ العبادة استحقاقًا يستقلُّ العقلُ بإدراكه، وهذا هو التأليه، ولذلك كان مشركو العرب يعظِّمون الكعبة والحجر أشدَّ مما يعظمون أصنامهم، ومع ذلك يطلقون على الأصنام آلهة، ويقولون: إنهم يعبدونها، ولا يطلقون على الكعبة والحجر الأسود لفظ الإله، ولا يقولون: إنهم يعبدونهما، وما ذلك إلَّا لأنَّهم يعلمون أن تعظيمهم للكعبة ليس مستندًا إلى العقل، وإنما هو مستند إلى أمر الله عز وجل المنقول إليهم بالتواتر عن إبراهيم رسول الله وخليله عليه السلام، فهم يعظِّمونها طاعةً لله عز وجل لأمره الذي [569] عندهم به سلطان.
وأمَّا تعظيم الأصنام فهو شيء استُنْبِط بالخرص والتخمين، فكما أن العقل يستقلُّ بإدراك استحقاق الله عز وجل للتعظيم ادَّعوا أنه يستقلُّ بإدراك