الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعاء عبادةٌ
قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [المؤمن: 60].
[501]
فكلمة (إنَّ) في مثل هذا تفيد التعليل ــ على ما صرَّح به أهل الأصول وغيرهم ــ
(1)
، وذلك يقتضي أن الدعاء عبادةٌ، كأنه قال: ادعوني؛ فإن الدعاء عبادةٌ، ومَن استكبر عن عبادتي سيدخل جهنَّم.
وقد أخرج الإمام أحمد والترمذيُّ وأبو داوود وغيرهم عن النعمان بن بشيرٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الدعاء هو العبادة» ، ثم قرأ:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}
(2)
. وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال:«صحيح الإسناد» ، وأقرَّه الذهبيُّ
(3)
.
وأخرجه في المستدرك أيضًا عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بلفظ:«أفضل العبادة الدعاء» ، وقرأ الآية. قال الحاكم:«صحيحٌ» ، وأقرَّه الذهبيُّ أيضًا.
وأخرج الترمذيُّ عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء مخُّ العبادة»
(4)
.
(1)
الإشارة: ص 85 - 86. [المؤلف]
(2)
مسند أحمد 4/ 267. جامع الترمذيّ، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، 2/ 242، ح 3372، وقال: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ». سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء، 1/ 207، ح 1479. [المؤلف]
(3)
المستدرك، كتاب الدعاء، أفضل العبادة هو الدعاء، 1/ 490 - 491. [المؤلف]
(4)
جامع الترمذيِّ، الموضع السابق، 2/ 242، ح 3371، وقال:«حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة» .
وقد روى الطبرانيُّ في كتاب الدعاء حديث النعمان بن بشيرٍ، بلفظ:«العبادة هي الدعاء» ، ثم قرأ الآية
(1)
.
لا يخفى دلالة السياق على أنَّ قوله: {بِعِبَادَتِهِمْ} أُرِيد بها الدعاء المذكور قبل.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 116 - 117] ، فجعل الدعاء شركًا، والشرك عبادة غير الله عز وجل.
وقال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40 - 41].
الآية صريحةٌ في أن المراد بالدعاء السؤال.
(1)
كتاب الدعاء للطبرانيِّ، باب تأويل قول الله عز وجل: «ادعوني أستجب لكم
…
»، ص 786، ح 1.
وقال ابن جريرٍ: «
…
ما أنتم أيُّها المشركون بالله الآلهةَ والأنداد إن أتاكم [503] عذاب الله أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيءٍ غير الله في حال شدَّة الهول النازل بكم من آلهةٍ ووثنٍ وصنمٍ، بل تدعون هناك ربَّكم الذي خلقكم، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون دون كلِّ شيءٍ غيره، {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} ، يقول: فيفرِّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرُّعكم إليه عظيمَ البلاءِ النازل بكم إن شاء»
(1)
.
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: 33].
(2)
.
[504]
وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ
(1)
تفسير ابن جريرٍ 7/ 113.
(2)
تفسير ابن جريرٍ 21/ 26.
بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس: 18 - 22].
قال ابن جريرٍ: «{دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يقول: أخلَصوا له الدعاء هنالك دون أوثانهم وآلهتهم، وكان مفزعهم حينئذٍ إلى الله دونها» . ثمَّ أخرج عن قتادة قال: «إذا مسَّهم الضرُّ في البحر أخلصوا له الدعاء» . وعن ابن زيدٍ قال: «هؤلاء المشركون يدعون مع الله ما يدعون، فإذا كان الضرُّ لم يدعوا إلا الله، فإذا نجَّاهم إذا هم يشركون»
(1)
.
وقال سبحانه: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32].
[505]
وأخرج عن مجاهدٍ قوله: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قال: «المقتصد في القول، وهو كافرٌ»
(2)
.
(1)
تفسير ابن جرير 11/ 63.
(2)
تفسير ابن جريرٍ 21/ 49.