المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط العلمية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في أسماء المحبة

- ‌الباب الثاني: في اشتغال هذه الأسماء ومعانيها

- ‌الباب الثالثفي نسبة هذه الأسماء بعضها إلى بعض هل هي بالترادف أو التباين

- ‌الباب الرابع: في أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وأن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب

- ‌الباب الخامس:في دواعي المحبة ومتعلقها

- ‌الباب السادس: في أحكام النظر وعائلته وما يجني على صاحبه

- ‌الباب السابع: في ذكر مناظرة بين القلب والعين ولوم كل واحد منهما صاحبه والحكم بينهما

- ‌الباب الثامن: في ذكر الشبه التي احتج بها من أباح النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به وأباح عشقه

- ‌الباب: التاسع في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة وما لها وما عليها في هذا الاحتجاج

- ‌الباب العاشر: في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناسفيه

- ‌الباب الحادي عشر: في العشق هل هو اضطراري خارج عن الاختيار أو أمر اختياري واختلاف الناس في ذلك وذكر الصواب فيه

- ‌الباب الثاني عشر: في سكرة العشاق

- ‌الباب الثالث عشر: في أن اللذة تابعة للمحبة في الكمال والنقصان

- ‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه

- ‌الباب الخامس عشر فيمن ذم العشق وتبرم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه

- ‌الباب السادس عشر في الحكم بين الفريقين وفصل النزاع بين الطائفتين

- ‌الباب السابع عشر: في استحباب تخير الصور الجميلة للوصال الذي يحبه الله ورسوله

- ‌الباب الثامن عشر: في أن دواء المحبين في كمال الوصال الذي أباحه رب العالمين

- ‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال

- ‌الباب العشرون: في علامات المحبة وشواهدها

- ‌الباب الحادي والعشرون: في اقتضاء المحبة إفراد الحبيب بالحب وعدم التشريك بينه وبين غيره فيه

- ‌الباب الثاني والعشرون: في غيرة المحبين على أحبابهم

- ‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

- ‌الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين

- ‌الباب السادس والعشرون: في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما

- ‌الباب السابع والعشرون: فيمن ترك محبوبه حراما فبذل له حلالا أو أعاذه الله خيرا منه

- ‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى وقد تقدم ذكر الآيات

الفصل: ‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه

ا‌

‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه

هذا موضع انقسم الناس فيه قسمين وربما كان الشخص الواحد فيه مجموع الحالتين فقسم مدحوا العشق وتمنوه ورغبوا فيه وزعموا أن من لم يذق طعمه لم يذق طعم العيش قالوا وقد تبين أن كمال اللذة تابع لكمال الحب فأعظم الناس لذة بالشيء أكثرهم محبة له وقد تقدم بقريره قالوا وقد حبب الله سبحانه وتعالى إلى رسله وأنبيائه نساءهم وسراريهم فكان آدم أبو البشر شديد المحبة لحواء وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه خلق زوجته منه ليسكن إليها قالوا وحبه لها هو الذي حمله على موافقتها في الأكل من الشجرة قالوا وأول حب كان في هذا العالم حب آدم لحواء وصار ذلك سنة في ولده في المحبة بين الزوجين قالوا وهذا داود من محبته للنساء جمع بين مائة امرأة وكذلك ابنه سليمان قالوا وقد عاب اليهود عليهم لعائن الله رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة النساء وكثرة تزوجه فأنزل الله سبحانه وتعالى ذبا عن رسوله وإخبارا بأن ذلك من فضله وإنعامه عليه {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} قالوا وقد كان عند إبراهيم خليل الرحمن أجمل النساء سارة ثم تسرى بهاجر وكانت المحبة لها قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان إبراهيم الخليل يحب سريته هاجر محبة

ص: 169

شديدة وكان يزورها في كل يوم على البراق من الشام من شغفه بها

قال الخرائطي حدثنا نصر بن داود حدثنا الواقدي عن محمد بن صالح عن سعد بن إبراهيم عن عامر عن سعد عن أبيه فذكره وقد ثبت في الصحيح من حديث الشعبي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فلما رجعت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال وما تريد قلت أحب أن أعلم قال عائشة قلت إنما أعني من الرجال قال أبوها وذكر مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن عمته عن عائشة أن فاطمة رضي الله عنهم ذكرتها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها يا بنية إنها حبيبة أبيك وأصل الحديث في الصحيح من حديث الليث عن ابن شهاب عن محمد ابن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه فدخلت وهو مضطجع معي في مرطي فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألست تحبين ما أحب قالت بلى قال فأحبي هذه " وثبت في الصحيح من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل

ص: 170

ويقول اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يريد أنه يطيق العدل بينهن في النفقة عليهن والقسم بينهن وأما التسوية بينهن في المحبة فليست إليه ولا يملكها

وقال ابن سيرين سألت عبيدة عن قوله تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} فقال يعني الحب والجماع

وقال ابن عباس لا يستطيع أن يعدل بينهن في الشهوة ولو حرص

وقال أبو قيس مولى عمرو بن العاص بعثني عمرو إلى أم سلمة فقال سلها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل أهله وهو صائم فإن قالت لا فقل لها إن عائشة رضي الله عنها حدثتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم فسألها فقالت لا فأخبرها بما قال عبد الله فقالت أم سلمة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى عائشة رضي الله عنها لم يتمالك عنها أما أنا فلا وقال بيان الشعبي أتاني رجل فقال كل أمهات المؤمنين أحب إلا عائشة فقلت أما أنت فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عائشة رضي الله عنها أحبهن إلى قلبه

وقال مصعب بن سعد فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن عشرة آلافعشرة آلاف وزاد عائشة ألفين وقال

ص: 171

إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها يقول حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول رب العالمين المبرأة من فوق سبع سموات قال أبو محمد بن حزم وقد أحب من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين كثير

قال الخرائطي واشترى عبد الله بن عمر جارية رومية فكان يحبها حبا شديدا فوقعت ذات يوم عن بغلة له فجعل يمسح التراب عن وجهها ويفديها وكانت تقول له أنت قالون تعني جيد ثم إنها هربت منه فوجد عليها وجدا شديدا وقال

قد كنت أحسبني قالون فانصرفت

فاليوم أعلم أني غير قالون

وقصة مغيث وعشقه بريرة حتى إنه كان يطوف وراءها ودموعه تسيل على خديه في الصحيح وكان عروة بن أذينة شيخ مالك من العلماء الثقات الصلحاء وقفت عليه امرأة فقالت أنت الذي يقال له الرجل الصالح وأنت تقول

إذا وجدت لهيب الحب في كبدي

عمدت نحو سقاء القوم أبترد

هذا بردت ببرد الماء ظاهره

فمن لنار على الأحشاء تتقد

وكان محمد بن سيرين ينشد

إذا خدرت رجلي تذكرت من لها

فناديت لبنى باسمها ودعوت

دعوت التي لو أن نفسي تطيعني

لألقيت نفسي نحوها وقضيت

ص: 172

وقال صالح عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن مسعود رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلا ليس فيهم إلا قرشي والله ما رأيت صفحة وجوه قط أحسن من وجوههم يومئذ قال فذكروا النساء فتحدثوا فيهن وتحدثت معهم حتى أحببت أن نسكت قالوا ولولا لطافة الحب ولذته ما تمناه المتمنون وقال شاعر الحماسة

تشكى المحبون الصبابة ليتني

تحملت ما يلقون من بينهم وحدي

فكانت لقلبي لذة الحب كلها

فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي

قالوا والعشق المباح مما يؤجر عليه العاشق كما قال شريك بن عبد الله وقد سئل عن العشاق فقال أشدهم حبا أعظمهم أجرا وصدق والله إذا كان المعشوق ممن يحب الله للعاشق قربه ووصله وقالت امرأة

لن يقبل الله من معشوقه عملا

يوما وعاشقها لهفان مهجور

ليست بمأجورة في قتل عاشقها

لكن عاشقها في ذاك مأجور

ونحن نقول متى باتت مهاجرة لفراش عاشقها الذي هو بعلها لعنتها الملائكة حتى تصبح قالوا والعشق يصفي العقل ويذهب الهم ويبعث على حسن اللباس وطيب المطعم ومكارم الأخلاق ويعلي الهمة ويحمل على طيب الرائحة وكرم العشرة وحفظ الأدب والمروءة وهو بلاء الصالحين ومحنة العابدين وهو ميزان العقول وجلاء الأذهان وهو خلق الكرام كما قيل

وما أحببتها فحشا ولكن

رأيت الحب أخلاق الكرام

قالوا وأرواح العشاق عطرة لطيفة وأبدانهم رقيقة ضعيفة وأزواجهم

ص: 173

بطيئة الانقياد لمن قادها حاشا سكنها الذي سكنت إليه وعقدت حبها عليه وكلامهم ومنادمتهم تزيد في العقول وتحرك النفوس وتطرب الأرواح وتلهو بأخبارهم أولو الألباب

فأحاديث العشاق زينة مجالسهم وروح محادثتهم ويكفي أن يكون الأعرابي الذي لا يذكر مع الملوك ولا مع الشجعان الأبطال يعشق ويشتهر بالعشق فيذكر في مجالس الملوك والخلفاء ومن دونهم وتدون أخباره وتروى أشعاره ويبقى له العشق ذكرا مخلدا ولولا العشق لم يذكر له اسم ولم يرفع له رأس

وقال بعض العقلاء العشق للأرواح بمنزلة الغذاء للأبدان إن تركته ضرك وإن أكثرت منه قتلك

وقال ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس وجد في صحيف لبعض أهل الهند العشق ارتياح جعل في الروح وهو معنى تنتجه النجوم في مطارح شعاعها ويتولد في الطباع بوصلة أشكالها وتقبله الروح بلطيف جوهرها وهو يعد جلاء القلوب وصيقل الأذهان ما لم يفرط فإذا أفرط صار سقما قاتلا ومرضا منهكا لا تنفذ فيه الآراء ولا تنجع فيه الحيل والعلاج منه زيادة فيه

وقال أعرابي هو أنيس النفس ومحادث العقل تجنه الضمائر وتخدمه الجوارح وقال عبد الله بن طاهر أمير خراسان لولده اعشقوا تظرفوا وعفوا تشرفوا وقال قدامة وصفه بعض البلغاء فقال يشجع الجبان ويسخي البخيل ويصفي ذهن البليد ويفصح لسان العيي ويبعث حزم العاجز

ص: 174

ويويذل له عز الملوك وتصدع له صولة

الشجاع وهو داعية الأدب وأول باب تفتق به الأذهان والفطن وتستخرج به دقائق المكايد والحيل وإليه تستروح الهمم وتسكن نوافر الأخلاق والشيم يمتع جليسه ويؤنس أليفه وله سرور يجول في النفوس وفرح يسكن في القلوب وقيل لبعض الرؤساء ابنك قد عشق فقال الحمد لله الآن رقت حواشيه ولطفت معانيه وملحت إشاراته وظرفت حركاته وحسنت عباراته وجادت رسائله وحلت شمائله فواظب على المليح واجتنب القبيح

وقيل لآخر ذلك فقال إذا عشق لطف وظرف ودق ورق وقيل لبعضهم متى يكون الفتى بليعا قال إذا صنف كتابا أو وصف هوى أو حبيبا وقيل لسعيد بن أسلم إن ابنك شرع في الرقيق من الشعر فقال دعوه يظرف وينظف ويلطف وقال العباس بن الأحنف

وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى

ولا خير فيمن لا يحب ويعشق

وقال الحسين بن مطير

إن الغواني جنة ريحانها

نضر الحياة فأين عنها نعزف

لولا ملاحتهن ما كانت لنا

دنيا نلذ بها ولا نتصرف

وقال غيره

ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها

وأنت وحيد مفرد غير عاشق

وقال آخر

هل العيش إلا أن تروح وتغتدي

وأنت بكأس العشق في الناس نشوان

ص: 175

وقال العطوي

ما دنت بالحب إلا

والحب دين الكرام

وقال آخر

نظرت إليها نظرة فهويتها

ومن ذا له عقل سليم ولا يهوى

وقال آخر

وما سرني أني خلي من الهوى

ولو أن لي ما بين شرق ومغرب

وقال آخر

وما تلفت إلا من العشق مهجتي

وهل طاب عيش لامرئ غير عاشق

وقال آخر

ولا خير في الدنيا بغير صبابة

ولا في نعيم ليس فيه حبيب

وقال الكميت

ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها

فيما مضى أحد إذا لم يعشق

ألعشق فيه حلاوة ومرارة

فاسأل بذلك من تطعم أو ذوق

وقال آخر

وما طابت الدنيا بغير محبة

وأي نعيم لامرئ غير عاشق

وقال آخر

أسكن إلى سكن تلذ بحبه

ذهب الزمان وأنت خال مفرد

وقال آخر

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى

فأنت وعير في الفلاة سواء

وقال آخر

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

ص: 176

وقال آخر

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى

فقم فاعتلف تبنا فأنت حمار

وقال آخر

إذا لم تذق في هذه الدار صبوة

فموتك فيها والحياة سواء

وقال الأقرع بن معاذ

ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر

حبيبا ولا وافى إليك حبيب

وقال آخر

وما ذاق طعم العيش من لم يكن له

حبيب إليه يطمئن ويسكن

وقال علي بن أبي كثير لابن أبي الزرقاء هل عشقت قط حتى تكاتب وتراسل وتواعد قال لا فقال لا يجيء منك شيء وكان لبعض الملوك ولد واحد ساقط الهمة دنيء النفس فاتر فأراد أن يرشحه للملك فسلط عليه الجواري والقيان فعشق منهن واحدة فأعلم بذلك الملك فسر وأرسل إلى المعشوقة أن تجني عليه وقولي إني لا أصلح إلا لملك أو عالم فلما قالت له ذلك أخذ في التعلم وما عليه الملوك من أدوات الملك حتى برع في ذلك وقال المرزباني سئل أبو نوفل هل يسلم أحد من العشق فقال نعم الجلف الجافي الذي ليس له فضل ولا عنده فهم فأما من في طبعه أدنى ظرف أو معه دمائة أهل الحجاز وظرف أهل العراق فهيهات وقال علي بن عبدة لا يخلو أحد من صبوة إلا أن يكون جافي الخلقة ناقصا أو منقوص الهمة أو على خلاف تركيب الاعتدال

ص: 177

قالوا ولا يكمل أحد قط إلا من عشقه لأهل الكمال وتشبه بهم فالعالم يبلغ في العلم بحسب عشقه له وكذلك صاحب كل صناعة وحرفة ويكفي أن العاشق يرتاح لكريم الأخلاق والأفعال والشيم لتحمد شمائله عند معشوقه كما قال

ويرتاح للمعروف في طلب العلى

لتحمد يوما عند ليلى شمائله

وقال أبو المنجاب رأيت في الطواف فتى نحيف الجسم بين الضعف يلوذ ويتعوذ ويقول

وددت بأن الحب يجمع كله

فيقذف في قلبي وينغلق الصدر

فلا ينقضي ما في فؤادي من الهوى

ومن فرحي بالحب أو ينقضي العمر

فقلت يا فتى أما لهذه البنية حرمة تمنعك عن هذا الكلام فقال بلى والله ولكن الحب ملأ قلبي بفرح التذكر ففاضت الفكرة في سرعة الأوبة إلى من لا يشذ عنه معرفة ما بي فتمنيت المنى والله ما يسرني ما بقلبي منه ما فيه أمير المؤمنين من الملك وإني أدعو الله أن يثبته في قلبي عمري ويجعله ضجيعي في قبري دريت به أو لم أدر هذا دعائي أو انصرف من حجتي ثم بكى فقلت ما يبكيك قال خوف أن لا يستجاب دعائي وله قصدت وفيه رغبت مما يعطي الله سائر خلقه ثم مضى قالت هذه الفرقة وغاية ما يقدر في أمر العشق أنه يقتل صاحبه كما هو معروف عند جماعة من العشاق وقد قال سويد بن سعيد الحدثاني حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 178

نه قال من عشق فكتم وعف وصبر فمات فهو شهيد رواه عن سويد جماعة وقال الخطيب حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب إملاء منه حدثنا أبو عبد الله المرزباني وابن حيوية وابن شاذان قالوا حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه قال دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه فقلت له كيف تجدك فقال حب من تعلم أورثني ما ترى فقلت ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه فقال الاستمتاع على وجهين أحدهما النظر المباح والثاني اللذة المحظورة فأما النظر المباح فأورثني ما ترى وأما اللذة المحظورة فإنه منعني منها ما حدثني أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة" قال الحاكم أبو عبد الله إنما أتعجب من هذا الحديث فإنه لم يحدث به غير سويد وهو وداود بن علي وابنه أبو بكر ثقات ثم رواه الخطيب حدثنا الأزهري حدثنا المعافى بن زكريا حدثنا قطبة بن الفضل بن إبراهيم الأنصاري حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق حدثنا سويد حدثنا ابن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا ورواه الزبير بن بكار عن عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عبد العزيز بن أبي حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم به ولفظه من عشق فعف فمات فهو شهيد رواه أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب اعتلال القلوب حدثنا أبو يوسف يعقوب بن عيسى من ولد عبد الرحمن بن عوف عن الزبير فذكره فخرج سويد

ص: 179

عن عهدة التفرد به على أنه لو تفرد به فهو ثقة احتج به مسلم في صحيحه وقال عبد الله بن أحمد قال لي أبي أكتب عنه حديث ضمام وقال البغوي كان حافظا وكان أحمد ينتقي لولديه عليه صالح وعبد الله فكانا يختلفان إليه وقال مسلم ثقة ثقة وقال أبو حاتم الرازي ويعقوب بن شيبة هو صدوق وأكثر ما عيب به التدليس وقد صرح هاهنا بالتحديث وعيب بأنه ذهب بصره في آخر عمره فربما أدخل عليه هذا الحديث في كتبه ولكن رواية الأكابر عنه هذا الحديث كان قبل ذهاب بصره لأنه إنما عمي في آخر عمره وليس هذا بقادح في حديثه قلت وهذا حديث باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا لا يشبه كلامه وقد صح عنه أنه عد الشهداء ستا فلم يذكر فيهم قتيل العشق شهيدا ولا يمكن أن يكون كل قتيل بالعشق شهيدا فإنه قد يعشق عشقا يستحق عليه العقوبة وقد أنسكر حفاظ الإسلام هذا الحديث على سويد وقد تكلم الناس فيه فقال ابن المديني ليس بشيء والضرير إذا كان عنده كتب فهو عيب شديد وقال يعقوب بن شيبة صدوق مضطرب الحفظ ولا سيما بعد ما عمي وقال البخاري كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه وقال أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث أحد ما أنكر على سويد وأنكره البيهقي وأبو الفضل بن طاهر وأبو الفرج بن الجوزي وأدخله في كتابه الموضوعات

ولما رواه أبو بكر الأزرق عن سويد عاتبه عليه ابن المرزبان فأسقط ذكر

ص: 180

النبي صلى الله عليه وسلم منه وكان سويد إذا سئل عنه لا يرفعه وهذا أحسن أحواله أن يكون موقوفا ولذلك رواه أبو محمد الحسين القاري من حديث أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله وأما سياق الخطيب له من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها فلا يشك من شم رائحة الحديث أن هذا باطل على هشام عن أبيه عن عائشة ولا يحتمل هذا المتن هذا الإسناد بوجه والتحاكم في ذلك إلى أهل الحديث لا إلى العارين الغرباء منه والظاهر أن ابن مسروق سرقه وغير إسناده وأما حديث الزبير بن بكار فمن رواية يعقوب بن عيسى وهو ضعيف لا تقوم به حجة قد ضعفه أهل الحديث ونسبوه إلى الكذب

ص: 181