الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال
إعلم أن الجمال ينقسم قسمين ظاهر وباطن فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته كما في الحديث الصحيح "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال فتكسوا صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه
وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل فقل لها في ذلك فقالت إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه
فصل وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض وهي من
زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها {يَزٍِِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} قالوا هو الصوت الحسن والصورة الحسنة والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه
وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يحب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنا أفذلك من الكبر فقال: "لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس" فبطر الحق جحده ودفعه بعد معرفته وغمط الناس النظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار والاستصغار لهم ولا بأس بهذا إذا كان لله وعلامته أن يكون لنفسه أشد ازدراء واستصغارا منه لهم فأما إن احتقرهم لعظمة نفسه عنده فهو الذي لا يدخل صاحبه الجنة
فصل وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب شكرا فإن شكره بتقواه وصيانته ازداد جمالا على جماله وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه قلبه له شيئا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا وينفر عنه من رآه فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه به بين الناس فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره
يا حسن الوجه توق الخنا
…
لا تبدلن الزين بالشين
ويا قبيح الوجه كن محسنا
…
لا تجمعن بين قبيحين
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى جمال الباطن بجمال الظاهر كما قال جرير بن عبد الله وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسميه يوسف هذه الأمة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت امرء قد حسن الله خلقك فأحسن خلقك " وقال بعض الحكماء ينبغي للعبد أن ينظر كل يوم في المرآة فإن رأى صورته حسنة لم يشنها بقبيح فعله وإن رآها قبيحة لم يجمع بين قبح الصورة وقبح الفعل
ولما كان الجمال من حيث هو محبوبا للنفوس معظما في القلوب لم يبعث الله نبيا إلا جميل الصورة حسن الوجه كريم الحسب حسن الصوت كذا قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل خلق الله وأحسنهم وجها كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه وقد سئل أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل القمر
وفي صفته كأن الشمس تجري في وجهه يقول واصفه لم أر قبله ولا بعده مثله
وقال ربيعة الجرشي قسم الحسن نصفين فبين سارة ويوسف نصف الحسن ونصف الحسن بين سائر الناس وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم "أنه رأى يوسف ليلة الإسراء وقد أعطي شطر الحسن" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يكون الرسول الذي يرسل إليه حسن الوجه حسن
الاسم وكان يقول: "إذا أبردتم إلي بريدا فليكن حسن الوجه حسن الاسم"
وقد روى الخرائطي من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: "من آتاه الله وجها حسنا واسما حسنا وخلقا حسنا وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله من خلقه" وقال وهب قال داود يا رب أي عبادك أحب إليك قال مؤمن حسن الصورة قال فأي عبادك أبغض إليك قال كافر قبيح الصورة
ويذكر عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتظره نفر من أصحابه على الباب فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته ثم خرج إليهم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تفعل هذا قال: "نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيىء من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال" وقال يحيى بن أبي كثير دخل رجل على معاوية غمصا يعني رمص العينين فحط من عطائه فقال ما يمنع أحدكم إذا خرج من منزله أن يتعاهد أديم وجهه وكانت عائشة بنت طلحة من أجمل أهل زمانها أو أجملهم فقال أنس بن مالك والله ما رأيت أحسن منك إلا معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارة
ودخل عليها أنس يوما في حاجة فقال إن القوم يريدون أن يدخلو اعليك فينظروا إلى جمالك قالت أفلا قلت ليس فألبس ثيابي
وكان مصعب بن الزبير من أجمل الناس وكان يحسد الناس على الجمال فبينا هو يخطب يوما إذ دخل ابن جودان من ناحية الأزد وكان جميلا فأعرض بوجهه عن تلك الناحية إلى ناحية أخرى فدخل ابن حمران من تلك الناحية وكان جميلا فرمى ببصره إلى مؤخر المسجد فدخل الحسن البصري وكان من أجمل الناس فنزل مصعب عن المنبر
وخرج نسوة يوم العيد ينظرون إلى الناس فقيل لهن من أحسن من مر بكن قلن شيخ عليه عمامة سوداء يعنين الحسن البصري وأخذ مصعب ابن الزبير رجلا من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه فقال الرجل أيها الأمير ما أقبح من أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول يا رب سل مصعبا فيم قتلني فقال مصعب أطلقوه فقال الرجل أيها الأمير اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض فقال مصعب أعطوه مائة ألف درهم فقال إني أشهد الله أن لعبد الرحمن بن قيس الرقيات نصفها قال مصعب ولم ذلك قال لقوله
إنما مصعب شهاب من الل
…
هـ تجلت عن وجهه الظلماء
فضحك مصعب وقال إن فيك لموضعا للصنيعة وأمره بلزومه
وقال الزبير بن بكار حدثنا مصعب الزبيري حدثنا عبد الرحمن بن أبي الحسن قال خرج أبو حازم يرمي الجمار ومعه قوم متعبدون وهو يكلمهم
ويحدثهم ويقص عليهم فبينما هو يمشي وهم معه إذ نظر إلى فتاة مستترة بخمارها ترمي الناس بطرفها يمنة ويسرة وقد شغلت الناس وهم ينظرون إليها مبهوتين وقد خبط بعضهم بعضا في الطريق فرآها أبو حازم فقال يا هذه اتقي الله فإنك في مشعر من مشاعر الله عظيم وقد فتنت الناس فاضربي بخمارك على جيبك فإن الله عز وجل يقول {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فأقبلت تضحك من كلامه وقالت إني والله
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة
…
ولكن ليقتلن البريء المغفلا
فاقبل أبو حازم على أصحابه وقال تعالوا ندعو الله أن لا يعذب هذه الصورة الحسناء بالنار فجعل يدعو وأصحابه يؤمنون
وقال ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب دخلت امرأة جميلة على الحسن البصري فقالت يا أبا سعيد ينبغي للرجال أن يتزوجوا على النساء قال نعم قالت وعلى مثلي ثم أسفرت عن وجه لم ير مثله حسنا وقالت يا أبا سعيد لا تفتوا الرجال بهذا ثم ولت فقال الحسن ما على رجل كانت هذه في زاوية بيته ما فاته من الدنيا
وقال عبد الملك بن قريب كنت في بعض مياه العرب فسمعت الناس يقولون قد جاءت قد جاءت فتحول الناس فقمت معهم فإذا جارية قد وردت الماء ما رأيت مثلها قط في حسن وجهها وتمام خلقها فلما رأت تشوف الناس إليها أرسلت برقعها فكأنه غمامة غطت شمسا فقلت لم تمنعيننا النظر إلى وجهك هذا الحسن فأنشأت تقول
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا
…
لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر
…
عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ونظر إليها أعرابي فقال أنا والله ممن قل صبره ثم قال
أوحشية العينين أين لك الأهل
…
أبالحزن حلوا أم محلهم السهل
وأية أرض أخرجتك فإنني
…
أراك من الفردوس إن فتش الأصل
قفي خبرينا ما طعمت وما الذي
…
شربت ومن أين استقل بك الرحل
لأن علامات الجنان مبينة
…
عليك وإن الشكل يشبهه الشكل
تناهيت حسنا في النساء فإن يكن
…
لبدر الدجى نسل فأنت له نسل
وقال آخر
يا منسي المحزون أحزانه
…
لما أتته في المعزينا
إستقبلتهن بتمثالها
…
فقمن يضحكن ويبكينا
حق لهذا الوجه أن يزدهي
…
عن حزنه من كان محزونا
وقال آخر
أنيري مكان البدر إن أفل البدر
…
وقومي مقام الشمس مااستأخر الفجر
ففيك من الشمس المنيرة ضوؤها
…
وليس لها منك التبسم والثغر
وقال آخر
رقادي يا طرفي عليك حرام
…
فخل دموعا فيضهن سجام
ففي الدمع إطفاء لنار صبابة
…
لها بين أحناء الضلوع ضرام
ويا كبدي الحرى التي قد تصدع
…
ت من الوجد ذوبي ما عليك ملام
ويا وجه من ذلت وجوه أعزة
…
له وزهى عزا فليس يرام
أجر مستجيرا في الهوى باسطا
…
إليك يديه والعيون نيام
وذكر الخرائطي عن بعض العلويين قال بينا أنا عند الحسن بن هانىء وهو ينشد
ويلي على سود العيون
…
النهد الضمر البطون
الناطقات عن الضمي
…
ر لنا بألسنة الجفون
فوقف عليه أعرابي ومعه بنيه فقال أعد علي فأعاد عليه فقال يا ابن أخي ويلك أنت وحدك من هذا ويلي أنا وأنت وويل ابني هذا وويل هذه الجماعة وويل جيراننا كلهم
وقال الخرائطي حدثنا يموت بن المزرع حدثنا محمد بن حميد حدثنا محمد بن سلمة قال حدثني أبي قال أتيت عبد العزيز بن المطلب أسأله عن بيعة الجن للنبي بمسجد الأحزاب ما كان بدؤها فوجدته مستلقيا يتغنى
فما روصة بالحزن طيبة الثرى
…
يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهنا
…
وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها
من الخفرات البيض لم تلق شقوة
…
وبالحسب المكنون صاف نجارها
فإن برزت كانت لعينيك قرة
…
وإن غبت عنها لم يعمك عارها
فقلت له أتغني أصلحك الله وأنت في جلالك وشرفك فقال أما والله لأحملنها ركبان نجد قال فوالله ما اكترث بي وعاد يتغنى
فما ظبية أدماء خفاقة الحشا
…
تجوب بظلفيها متون الخمائل
بأحسن منها إذ تقول تدللا
…
وأدمعها تذرين حشو المكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فإنه
…
رهين بأيام الصدود الأطاول
قال فندمت على قولي وقلت له أصلحك الله أتحدثني في هذا بشيء قال نعم حدثني أبي قال دخلت على سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأشعب يغنيه
مغيرية كالبدر سنة وجهها
…
مطهرة الأثواب والعرض وافر
لها حسب زاك وعرض مهذب
…
وعن كل مكروه من الأمر زاجر
من الخفرات البيض لم تلق ريبة
…
ولم يستملها عن تقى الله شاعر
فقال له سالم زدني فغناه
ألمت بنا والليل داج كأنه
…
جناح غراب عنه قد نفض القطرا
فقلت أعطار ثوى في رحالن
…
وما احتملت ليلى سوى طيبها عطرا
فقال له سالم والله لولا أن تتداوله الرواة لأجزلت جائزتك فإنك من هذا الأمر بمكان
قال الخرائطي حدثنا العباس بن الفضل عن بعض أصحابه قال حججت سنة من السنين فإني لبالربذة إذ وقفت علينا جارية على وجهها برقع فقالت يا معشر الحجيج نفر من هذيل ذهب بنعمهم السيل وقعدت بهم الأيام ما بهم نجعة فمن يراقب فيهم الدار الآخرة ويعرف لهم حق الأخوة جزاه الله خيرا قال فرضخنا لها فقلت لها هل قلت في ذلك شيئا فأنشأت تقول
كف الزمان توسدتنا عنوة
…
شلت أناملها عن الأعراب
قوم إذا حل العفاة ببابهم
…
ألفوا نوافلهم بغير حساب
فقلنا لها لو أمتعتينا بالنظر إلى وجهك فكشفت البرقع عن وجه لا والله لا تهتدي العقول لوصفه فلما رأتنا قد بهتنا لحسنها أنشأت تقول
الدهر أبدى صفحة قد صانها
…
أبواي قبل تمرس الأيام
فتمتعوا بعيونكم في حسنها
…
وانهوا جوارحكم عن الآثام
ثم انصرفت وكان محمد بن حميد الطوسي يهوى جارية فأرسل إليها مرة أترجة فبكت بكاء شديدا فقيل لها يوجه إليك من تحبينه بهدية فتبكين هذا البكاء فغنت
أهدى له أحبابه أترجة
…
فبكى وأشفق من عيافة زاجر
خاف التلون والفراق لأنها
…
لونان باطنها خلاف الظاهر
فلما جاءه الرسول أخبره عنها بما أغاظه فكتب إليها
ضيعت عهد فتى لغيبك حافظ
…
في حفظه عجب وفي تضييعك
وصددت عنه وماله من حيلة
…
إلا الوقوف إلى أوان رجوعك
إن تقتليه وتذهبي بحياته
…
فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
فلما وافتها الرقعة بكت حتى رحمها من حولها ثم اندفعت تقول
هل لعيني إلى الرقاد شفيع
…
إن قلبي من السقام مروع
لا تراني بخلت عنك بدمع
…
لا وحق الحبيب مالي دموع
إن قلبي إليك صب حزين
…
فاستراحت إلى الأنين الضلوع
ليس في العطف يا حبيبي بدع
…
إنما هجر من يحب بديع
ثم كتبت إليه أنا مملوكة لا أملك من أمري شيئا فإذا كان لك في حاجة فاشترني لأكون طوع يديك فاشتراها فمكثت عنده وكانت من أحظى إمائه حتى قتل في وقعة بابك الخرمي فكانت تتمثل في رثائه بقول أبي تمام
محمد بن حميد أخلقت رممه
…
أريق ماء المعالي مذ أريق دمه
رأيته بنجاد السيف محتبيا
…
في النوم بدرا جلت عن وجهه ظلمه
فقلت والدمع من حزن ومن كمد
…
يجري انسكابا على الخدين منسجمه
ألم تمت يا شقيق النفس مذ زمن
…
فقال لي لم يمت من لم يمت كرمه
فصل وهذا فصل في ذكر حقيقة الحسن والجمال ما هي وهذا أمر لا يدرك إلا بالوصف وقد قيل إنه تناسب الخلقة واعتدالها واستواؤها ورب صورة متناسبة الخلقة وليست في الحسن هناك وقد قيل الحسن في الوجه والملاحة في العينين وقيل الحسن أمر مركب من أشياء وضاءة وصباحة وحسن تشكيل وتخطيط ودموية في البشرة وقيل الحسن معنى لا تناله العبارة ولا يحيط به الوصف وإنما للناس منه أوصاف أمكن التعبير عنها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه ونظرت إليه عائشة رضي الله عنها ثم تبسمت فسألها مم ذاك فقالت كأن أبا كبير الهذلي إنما عناك بقوله
ومبرإ من كل غبر حيضة
…
وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
…
برقت كبرق العارض المتهلل
ولقي بعض الصحابة راهبا فقال صف لي محمدا كأني أنظر إليه فإني رأيت صفته في التوراة والإنجيل فقال لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير فوق الربعة أبيض اللون مشربا بالحمرة جعدا ليس بالقطط جمته إلى شحمة أذنه صلت الجبين واضح الخد أدعج العينين أقنى الأنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة ووجهه كدارة القمر فأسلم الراهب وفي صفة هند بن أبي هالة له لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة من الرجال ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد شثن الكفين والقدمين دقيق المسربة إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا كأن الشمس تجري
في وجهه وكان مع هذا الحسن قد ألقيت عليه المحبة والمهابة فمن وقعت عليه عيناه أحبه وهابه وكمل الله سبحانه له مراتب الجمال ظاهرا وباطنا وكان أحسن خلق الله خلقا وخلقا وأجملهم صورة ومعنى وهكذا كان يوسف الصديق ولهذا قالت امرأة العزيز للنسوة لما أرتهن إياه ليعذرنها في محبته {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي هذا هو الذي فتنت به وشغفت بحبه فمن يلومني على محبته وهذا حسن منظره ثم قالت {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي فمنع هذا الجمال فباطنه أحسن من ظاهره فإنه في غاية العفة والنزاهة والبعد عن الخنا والمحب وإن غيب محبوبه فلا يجري لسانه إلا بمحاسنه ومدحه ويتعلق بهذا قوله تعالى في صفة أهل الجنة {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} فجمل ظواهرهم بالنضرة وبواطنهم بالسرور ومثله قوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فإنه لا شيء أشهى إليهم وأقر لعيونهم وأنعم لبواطنهم من النظر إليه فنضر وجوههم بالحسن ونعم قلوبهم بالنظر إليه وقريب منه قوله تعالى {وَحُلُّوا
سَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} فهذا زينة الظاهر ثم قال {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} أي مطهرا لبواطنهم من كل أذى فهذا زينة الباطن ويشبهه قوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} فهذا زينة الظاهر ثم قال {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} فهذا زينة الباطن وينظر إليه من طرف خفي قوله تعالى {زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً} فزين ظاهرها بالمصابيح وباطنها بحفظها من الشياطين وقريب منه قوله تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فذكر الزاد الظاهر والزاد الباطن وهذا من زينة القرآن الباطنة المضافة إلى زينة ألفاظه وفصاحته وبلاغته الظاهرة ومنه قوله تعالى لآدم {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} فقابل بين الجوع والعري دون الجوع والظمإ وبين الظمإ والضحى دون الظمإ والجوع فإن الجوع عري الباطن وذله والعري جوع الظاهر وذله فقابل بين نفي ذل باطنه وظاهره وجوع باطنه وظاهره والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فقابل بينهما وسئل المتنبي عن قول امرئ القيس
كأني لم أركب جوادا للذة
…
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزق الروي ولم أقل
…
لخيلي كري كرة بعد إجفال
فقيل له إنه عيب عليه مقابلة سبي الزق الروي بالكر وكان الأحسن مقابلته بتبطن الكاعب جمعا بين اللذتين وكذلك مقابلة ركوب الجواد للكر أحسن من مقابلته لتبطن الكاعب فقال بل الذي أتى به أحسن فإنه قابل مركوب الشجاعة بمركوب اللذة واللهو فهذا مركب الطرب وهذا مركب الحرب والطلب وكذلك قابل بين السباءين سباء الزق وسباء الرق قلت وأيضا فإن الشارب يفتخر بالشجاعة كما قال حسان
ونشربها فتتركنا ملوكا
…
وأسدا منا ينهنهنا اللقاء
وهذه جملة اعتراضية من ألطف الاعتراض
وقيل الحسن ما استنطق أفواه الناظرين بالتسبيح والتهليل كما قيل
ذي طلعة سبحان فالق صبحه
…
ومعاطف جلت يمين الغارس
وقال علي بن الجهم
طلعت فقال الناظرون إلى
…
تصويرها ما أعظم الله
ودنت فلما سلمت خجلت
…
والتف بالتفاح خداها
وكأن دعص الرمل أسفلها
…
وكأن غصن البان أعلاها
حتى إذا ثملت بنشوتها
…
قرأت كتاب الباه عيناها
وقال آخر
ذو صورة بشرية قمرية
…
تستنطق الأفواه بالتسبيح
وقال آخر
وإذا بدت في بعض حاجتها
…
تستنطق الأفواه بالتسبيح
وقال بشار
تلقى بتسبيحة من حسن ما خلقت
…
وتستفز حشا الرائي بإرعاد
ولي من أبيات
يا صورة البدر ولا الذي
…
صور ليس البدر يحكيك
مني على العين ولا تبخلي
…
بنظرة فالعين تفديك
وإن تحرجت لهذا فكم
…
قد سبح الرحمن رائيك
هذا بهذا فارتجي أجر من
…
إن غبت عنه ظل يبكيك
قال ابن شبرمة كفاك من الحسن أنه مشتق من الحسنة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا تم بياض المرأة في حسن شعرها فقد تم حسنها وقالت عائشة رضي الله عنها البياض شطر الحسن وقال بعض السلف جعل الله البهاء والهوج مع الطول والدهاء والدمامة مع القصر والخير فيما بين ذلك
ومما يذم في النساء المرأة القصيرة الغليظة وهي التي عناها الشاعر بقوله
وأنت التي حببت كل قصيرة
…
إلي ولم تشعر بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد
…
قصار النسا شر النساء البحاتر
والبحاتر هن النساء القصار الغلاظ وبعضهم يبالغ في هذا حتى يفضل المهازيل على السمان
أنشد الزمخشري
لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن
…
لكنني أعشق السمر المهازيلا
إني امرؤ أركب المهر المضمر في
…
يوم الرهان فدعني واركب الفيلا
وطائفة تفضل السمان وتقول السمن نصف الحسن وهو يستر كل عيب في المرأة ويبدي محاسنها وخيار الأمور أوساطها
ومما يستحسن في المرأة طول أربعة وهن أطرافها وقامتها وشعرها وعنقها وقصر أربعة يدها ورجلها ولسانها وعينها فلا تبذل ما في بيت زوجها ولا تخرج من بيتها ولا تستطيل بلسانها ولا تطمح بعينها وبياض أربعة لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها وسواد أربعة أهدابها وحاجبها وعينها وشعرها وحمرة أربعة لسانها وخدها وشفتها مع لعس وإشراب بياضها بحمرة ودقة أربعة أنفها وبنانها وخصرها وحاجبها وغلظ أربعة ساقها ومعصمها وعجيزتها وذاك منها وسعة أربعة جبينها ووجهها وعينها وصدرها وضيق أربعة فمها ومنخرها وخرق أذنها وذاك منها فهذه أحق النساء بقول كثير
لو أن عزة خاصمت شمس الضحى
…
في الحسن عند موفق لقضى لها
وقال آخر
لو أبصر الوجه منها وهو منهزم
…
ليلا وأعداؤه من خلفه وقفا
وقال آخر
يا طيب مرعى مقلة لم تخف
…
بوجنتيها زجر حراس
حلت بوجه لم يغض ماؤه
…
ولم تخضه أعين الناس
وقال آخر
فلم يزل خدها ركنا ألوذ به
…
والخال في خدها يغني عن الحجر
وقول الآخر وأنشده المبرد
وأحسن من ربع ومن وصف دمنة
…
ومن جبلى طي ومن وصفكم سلعا
تلاحظ عيني عاشقين كلاهما
…
له مقلة في خد معشوقه ترعى
وأنشد ثعلب
خزاعية الأطراف مرية الحشا
…
فزارية العينين طائية الفم
ومكية في الطيب والعطر دائما
…
تبدت لنا بين الحطيم وزمزم
ثم قال وصفها بما يستحسن من كل قبيلة
وقال صالح بن حسان يوما لأصحابه هل تعرفون بيتا من الغزل في امرأة خفرة قلنا نعم بيت لحاتم في زوجته ماوية
يضيء لها البيت الظليل خصاصه
…
إذا هي يوما حاولت أن تبسما
قال ما صنعتم شيئا قلنا فبيت الأعشى
كأن مشيتها من بيت جارتها
…
مر السحابة لا ريث ولا عجل
قال جعلها تدخل وتخرج قلنا يا أبا محمد فأي بيت هو قال قول أبي قيس بن الأسلت
ويكرمها جاراتها فيزرنها
…
وتعتل عن إتيانهن فتعذر
قلت وأحسن من هذا كله ما قاله إبراهيم بن محمد الملقب بنفطويه رحمه الله
وخبرها الواشون أن خيالها
…
إذا نمت يغشى مضجعي ووسادي
فخفرها فرط الحياء فأرسلت
…
تعيرني غضبى بطول رقادي
ومما يستحسن في المرأة رقة أديمها ونعومة ملمسه كما قال قيس بن ذريح
تعلق روحي روحها قبل خلقنا
…
ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميا
…
فليس وإن متنا بمنفصم العهد
ولكنه باق على كل حادث
…
ومؤنسنا في ظلمة القبر واللحد
يكاد مسيل الماء يخدش جلدها
…
إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
قلت ومن المبالغة في معنى البيت الأخير قول أبي نواس
توهمه قلبي فأصبح خده
…
وفيه مكان الوهم من نظري أثر
ومر بقلبي خاطر فجرحته
…
ولم أر جسما قط يجرحه الفكر
وصافحه كفي فآلم كفه
…
فمن غمز كفي في أنامله عقر
ولي من أبيات
يدمي الحرير أديمها من مسه
…
فأديمها منه أرق وأنعم
فصل فيا أيها العاشق سمعه قبل طرفه فإن الأذن تعشق قبل العين أحيانا وجيش المحبة قد يدخل المدينة من باب السمع كما يدخلها من باب البصر والمؤمنون يشتاقون إلى الجنة وما رأوها ولو رأوها لكانوا أشد لها شوقا والصرورة يكاد قلبه يذوب شوقا إلى رؤية البيت الحرام فإن شاقتك هذه الصفات وأخذت بقلبك هذه المحاسن
فاسم بعينيك إلى نسوة
…
مهورهن العمل الصالح
وحدث النفس بعشق الألى
…
في عشقهن المتجر الرابح
واعمل على الوصل فقد أمكنت
…
أسبابه ووقتها رائح
فصل وقد وصف الله سبحانه حور الجنة بأحسن الصفات وحلاهن بأحسن الحلي وشوق الخطاب إليهن حتى كأنهم يرونهن رؤية العين قال الطبراني حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو بن هشام البيروني حدثنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قول الله عز وجل {حور عين} قال: "حور بيض عين ضخام العيون شعر الحوراء بمنزلة
جناح النسر" قلت أخبرني عن قوله عز وجل {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} قال: "صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قال: "خيرات الأخلاق حسان الوجوه" قلت أخبرني عن قوله {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قال: "رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله عز وجل {عُرُباً أَتْرَاباً} قال: "هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميلاد واحد" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء الدنيا أفضل أم الحور العين قال: "بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبم ذلك قال: "بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت نحن الناعمات فلا نبأس أبدا نحن المقيمات فلا نظعن أبدا ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة منا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة: "إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب
حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة"
فصل وقد وصفهن الله عز وجل بأنهن كواعب وهو جمع كاعب وهي المرأة التي قد تكعب ثديها واستدار ولم يتدل إلى أسفل وهذا من أحسن خلق النساء وهو ملازم لسن الشباب ووصفهن بالحور وهو حسن ألوانهن وبياضه قالت عائشة رضي الله عنها البياض نصف الحسن وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا تم بياض المرأة في حسن شعرها فقد تم حسنها والعرب تمدح المرأة بالبياض قال الشاعر
بيض أوانس ما هممن بريبة
…
كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الحديث زوانيا
…
ويصدهن عن الخنا الإسلام
والعين جمع عيناء وهي المرأة الواسعة العين مع شدة سوادها وصفاء بياضها وطول أهدابها وسوادها ووصفهن بأنهن خيرات حسان وهو جمع خيرة وأصلها خيرة بالتشديد كطيبة ثم خفف الحرف وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرا وباطنا فكمل خلقها وخلقها فهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه ووصفهن بالطهارة فقال {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} طهرن من الحيض والبول والنجو
وكل أذى يكون في نساء الدنيا وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنيهن عليهم وإرادة غيرهم ووصفهن بأنهن مقصورات في الخيام أي ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن بل قد قصرن على أزواجهن لا يخرجن من منازلهم وقصرن عليهم فلا يردن سواهم ووصفهن سبحانه بأنهن قاصرات الطرف وهذه الصفة أكمل من الأولى ولهذا كن لأهل الجنتين الأوليين فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره كما قيل
أذود سوام الطرف عنك وماله
…
على أحد إلا عليك طريق
وكذلك حال المقصورات أيضا لكن أولئك مقصورات وهؤلاء قاصرات ووصفهن سبحانه بقوله {أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} وذلك لفضل وطء البكر وحلاوته ولذاذته على وطء الثيب قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مررت بشجرة قد رعي منها وشجرة لم يرع منها ففي أيهما كنت ترتع بعيرك فقال: "في التي لم يرع منها" تعني أنه لم يتزوج بكرا غيرها وصح عنه أنه قال لجابر لما تزوج امرأة ثيبا هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك فإن قيل فهذه الصفة تزول بأول وطء فتعود ثيبا قيل
الجواب من وجهين أحدهما أن المقصود من وطء البكر أنها لم تذق أحدا قبل وطئها فتزرع محبته في قلبها وذلك أكمل لدوام العشرة فهذه بالنسبة إليها وأما بالنسبة إلى الواطىء فإنه يرعى روضة أنفا لم يرعها أحد قبله وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} ثم بعد هذا تستمر له لذة الوطء حال زوال البكارة والثاني أنه قد روي أن أهل الجنة كلما وطىء أحدهم امرأة عادت بكرا كما كانت فكلما أتاها وجدها بكرا وأما العرب فجمع عروب وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حسن التأني والتبعل والتحبب إلى الزوج بدلها وحديثها وحلاوة منطقها وحسن حركاتها قال البخاري في صحيحه وأما الأتراب فجمع ترب يقال فلان تربي إذا كنتما في سن واحد فهن مستويات في سن الشباب لم يقصر بهن الصغر ولم يزر بهن الكبر بل سنهن سن الشباب وشبههن تعالى باللؤلؤ المكنون وبالبيض المكنون وبالياقوت والمرجان فخذ من اللؤلؤ صفاء لونه وحسن بياضه ونعومة ملمسه وخذ من البيض المكنون وهو المصون الذي لم تنله الأيدي اعتدال بياضه وشوبه بما يحسنه من قليل صفرة بخلاف الأبيض الأمهق المتجاوز في البياض وخذ من الياقوت والمرجان حسن لونه في صفائه وإشرابه بيسير من الحمرة
فصل فاسمع الآن وصفهن عن الصادق المصدوق فإن مالت النفس وحدثتك بالخطبة وإلا فالإيمان مدخول فروى مسلم في صحيحه من حديث أيوب عن محمد بن سيرين قال إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء فقال أبو هريرة رضي الله عنه أو لم يقل أبو القاسم: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلةالبدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء إضاءة لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب"
وقال الطبراني في معجمه حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي القسوي قال حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم صورة القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على أحسن كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء" قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي هذا عندي على شرط الصحيح
وفي الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون فيها ولا يتغوطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشية "
وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرج بن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها " قال قلت يا أبا هريرة وما النصيف قال الخمار فإذا كان هذا قدر الخمار فما قدر لابه!
وقال ابن وهب أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل في الجنة لتأتيه امرأة تضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد عليها السلام ويسألها من أنت فتقول أنا
المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وإن عليهم التيجان وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" وبعض هذا الحديث في جامع الترمذي وهو على شرطه
وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا وأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"
وفي المسند من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب"
وقال ابن وهب حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء" رواه الترمذي
وفي معجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خلق الحور العين من الزعفران"
فصل فإن أردت سماع غنائهن فاسمع خبره الآن ففي معجم الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتته نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه" وقد قيل في قوله تعالى {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} إنه السماع الطيب ولا ريب أنه من الحبرة وقال عبد الله بن محمد البغوي حدثنا علي أنبأنا زهير عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما فكأنما أمروا به فشربوا منها فأذهب الله ما في بطونهم من قذى أو أذى أو بأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم ولم تتغير أشعارهم بعدها أبدا ولم تشعث رؤوسهم كأنما ادهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة
الجنة فقالوا {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ثم تلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم عليهم من غيبته فيقولون له أبشر بما أعد الله تعالى لك من الكرامة ثم ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا قالت أنت رأيته قال أنا رأيته وهو بأثرى فيستخف إحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أخضر وأحمر وأصفر من كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق ولولا أن الله عز وجل قدره لألم أن يذهب بصره ثم طأطأ رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ثم اتكأوا فقالوا {الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} ثم ينادي مناد تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون فلا تمرضون أبدا
وفي سنن ابن ماجه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة
نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية" قالوا نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن المشمرون لها قال: "قولوا إن شاء الله" فقال القوم إن شاء الله تعالى"
فصل فهذا وصفهن وحسنهن فاسمع الآن لذة وصالهن وشأنه ففي مسند أبي يعلى الموصلي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه "فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعتني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله تعالى قد شفعتك وأذنت لهم في دخول الجنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها وإنه لينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة يعني وكبدها له مرآة فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ولا يشتكي قبلها فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن يكون لك أزواج غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت والله ما في الجنة شيء
أحسن منك وما في الجنة شيء أحب إلي منك" وهذا قطعة من حديث الصور الطويل الذي رواه إسماعيل بن رافع
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا رواه البخاري وقال ثلاثون ميلا"
وفي جامع الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من النساء" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويطيق ذلك قال يعطى قوة مائة" قال هذا حديث صحيح غريب
وفي معجم الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نصل إلى نسائنا في الجنة فقال "إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء" وفي لفظ قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفضي إلى نسائنا في الجنة فقال: "إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى
مائة عذراء" قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي ورجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح
وفي حديث لقيط العقيلي الطويل الذي رواه الطبراني وعبد الله بن أحمد في السنة وغيرهما أنه قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لنا فيها أزواج مصلحات قال "الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير أن لا توالد"
وذكر ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال أنطأ في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم والذي نفسي بيده دحما دحما فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا" قال الحافظ أبو عبد الله دراج اسمه عبد الرحمن بن سمعان المصري وثقه يحيى بن معين وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وكان بعض الأئمة ينكر بعض حديثه والله أعلم
وفي معجم الطبراني من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا"
وفيه أيضا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل هل يتناكح أهل الجنة فقال "بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع دحما دحما"
وفيه أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيجامع أهل الجنة قال: "دحما دحما ولكن لا مني ولا منية"
من قصيدة للمؤلف في وصف الحور
يا خاطب الحور الحسان وطالبا
…
لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت
…
بذلت ما تحوي من الأئمان
أو كنت تعرف أين مسكنها جعلت
…
السعي منك لها على الأجفان
أسرع وحث السير جهدك إنما
…
مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل
…
مهرها ما دمت ذا إمكان
واجعل صيامك دون لقياها ويو
…
م الوصل يوم الفطر من رمضان
واجعل نعوت جمالها الحادي وسر
…
نحو الحبيب ولست بالمتواني
واسمع إذن أوصافها ووصالها
…
واجعل حديثك ربة الإحسان
يا من يطوف بكعبة الحسن التي
…
حفت بذاك الحجر والأركان
ويظل يسعى دائما حول الصفا
…
ومحسر مسعاه كل أوان
ويروم قربان الوصال على منى
…
والخيف يحجبه عن القربان
فلذا تراه محرما أبدا ومو
…
ضع حلة منه فليس بدان
يبغي التمتع مفردا عن حبه
…
متجردا يبغي شفيع قران
ويظل بالجمرات يرمي قلبه
…
هذي مناسكه بكل زمان
والناس قد قضوا مناسكهم وقد
…
حثوا ركائبهم إلى الأوطان
وحدت بهم همم لهم وعزائم
…
نحو المنازل ربة الإحسان
رفعت لهم في السير أعلام الوصا
…
ل فشمروا يا خيبة الكسلان
ورأوا على بعد خياما مشرفا
…
ت مشرقات النور والبرهان
فتيمموا تلك الخيام فآنسوا
…
فيهن أقمارا بلا نقصان
من قاصرات الطرف لا تبغي سوى
…
محبوبها من سائر الشبان
قصرت عليه طرفها من حسنه
…
والطرف منه مطلق بأمان
ويحار منه الطرف في الحسن الذي
…
قد أعطيت فالطرف كالحيران
ويقول لما أن يشاهد حسنها
…
سبحان معطي الحسن والإحسان
والطرف يشرب من كؤوس جمالها
…
فتراه مثل الشارب النشوان
كملت خلائقها وأكمل حسنها
…
كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها
…
والليل تحت ذوائب الأغصان
فيظل يععجب وهو موضع ذاك من
…
ليل وشمس كيف يجتمعان
ويقول سبحان الذي ذا صنعه
لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند
…
سبحان متقن صنعة الإنسان
مجيئه حتى الصباح الثاني
والشمس لا تأتي بطرد الليل بل
…
يتصاحبان كلاهما أخوان
وكلاهما مرآة صاحبه إذا
فيرى محاسن وجهه في وجهها
…
ما شاء يبصر وجهه يريان
وترى محاسنها به بعيان
حمر الخدود ثغورهن لآلئ
…
سود العيون فواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها
…
فيضيء سقف القصر بالجدران
ريانة الأعطاف من ماء الشبا
…
ب فغصنها بالماء ذو جريان
لما جرى ماء النعيم بغصنها
…
حمل الثمار كثيرة الألوان
فالورد والتفاح والرمان في
…
غصن تعالى غارس البستان
والقد منها كالقضيب اللدن في
…
حسن القوام كأوسط القضبان
في مغرس كالعاج تحسب أنه
…
عالي النقا أو واحد الكثبان
لا الظهر يلحقه وليس ثديها
…
بلواحق للبطن أو بدوان
…
...
لكنهن كواعب ونواهد
…
فثديهن كأحسن الرمان
والجيد ذو طول وحسن في بيا
…
ض واعتدال ليس ذا نكران
يشكو الحلي بعاده فله مدى السأيام
والمعصمان فإن تشأ شبههما
…
وسواس من الهجران
بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد لينا في نعومة ملمس
…
أصداف در دورت بوزان
والصدر متسع على بطن لها
…
والخصر منهما مغرم بثمان
وعليه أحسن سرة هي زينة
…
للبطن قد غارت من الأعكان
حق من العاج استدار وحشوه
…
حبات مسك جل ذو الإتقان
وإذا نزلت رأيت أمرا هائلا
…
ما للصفات عليه من سلطان
لا الحيض يغشاه ولا بول ولا
…
شيء من الآفات في النسوان
فخذان قد حفا به حرسا له
…
فجنابه في عزة وصبيان
قاما بخدمته هو السلطان بينهما
…
وحق طاعة السلطان
وهو المطاع إذا هو استدعى الحبيب
…
أتاه طوعا وهو غير جبان
وجماعها فهو الشفاء لصبها
…
فالصب منه ليس بالضجران
وإذا أتاها عادت الحسناء بكرا
…
مثل ما كانت مدى الأزمان
وهو الشهي ألذ شيء هكذا
…
قال الرسول لمن له أذنان
يا رب غفرا قد طغت أقلامنا
…
يا رب معذرة من الطغيان
أقدامها من فضة قد ركبت
…
من فوقها ساقان ملتفان
والساق مثل العاج ملموم به
…
مخ العظام تناله العينان
والريح مسك والجسوم نواعم
…
واللون كالياقوت والمرجان
وكلامها يسبي العقول بنغمة
…
زادت على الأوتار والعيدان
وهي العروب بشكلها وبدلها
…
وتحبب للزوج كل أوان
…
أتراب من واحد متماثل
…
سن الشباب لأجمل الشبان
بكر فلم يأخذ بكارتها سوى ال
…
محبوب من إنس ولا من جان
يعطى المجامع قوة المائة التي اج
…
تمعت لأقوى واحد الإنسان
ولقد أتانا أنه يغشى بيو
…
م واحد مائة من النسوان
ورجاله شرط الصحيح رووا لهم
…
فيه وذا في معجم الطبراني
وبذاك فسر شغلهم في سورة
…
من بعد فاطر يا أخا العرفان
هذا دليل أن قدر نسائهم
…
متفاوت بتفاوت الإيمان
وبه يزول توهم الإشكال عن
…
تلك النصوص بمنة الرحمن
في بعضها مائة أتى وأتى بها
…
سبعون أيضا ثم جا ثنتان
فتفاوت الزوجات مثل تفاوت ال
…
درجات فالأمران مختلفان
وبقوة المائة التي حصلت له
…
أفضى إلى مائة بلا خوران
وأعفهم في هذه الدنيا هو ال
…
أقوى هناك لزهده في الفاني
فاجمع قواك لما هنا وغض من
…
ك الطرف واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا
…
مة ظفر واحدة من النسوان
ونصيفها خير من الدنيا وما
…
فيها إذا كانت من الأثمان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن
…
تفعل رجعت بذلة وهوان
وإذا بدت في حلة من لبسها
…
وتمايلت كتمايل النشوان
تهتز كالغصن الرطيب وحمله
…
ورد وتفاح على رمان
وتبخترت في مشيها ويحق ذا
…
ك لمثلها في جنة الرضوان
ووصائف من خلفها وأمامها
…
وعلى شمائلها وعن أيمان
كالبدر ليلة تمه قد حف في
…
غسق الدجى بكواكب الميزان
فلسانه وفؤاده والطرف في
…
دهش وإعجاب وفي سبحان
تستنطق الأفواه بالتسبيح إذ
…
تبدو فسبحان العظيم الشان
والقلب قبل زفافها في عرسه
…
والعرس إثر العرس متصلان
حتى إذا واجهته تقابلا
…
أرأيت إذ يتقابل القمران
فسل المتيم هل يحل الصبر عن
…
ضم وتقبيل وعن فلتان
وسل المتيم أين خلف صبره
…
في أي واد أم بأي مكان
وسل المتيم كيف حالته وقد
…
ملئت له الأذنان والعينان
من منطق رقت حواشيه ووج
…
هـ كم به للشمس من جريان
وسل المتيم كيف عيشته إذا
…
وهما على فرشيهما خلوان
يتساقطان لآلئا منثورة
…
من بين منظوم كنظم جمان
وسل المتيم كيف مجلسه مع ال
…
محبوب في روح وفي ريحان
وتدور كاسات الرحيق عليهما
…
بأكف أقمار من الولدان
يتنازعان الكأس هذا مرة
…
والخود أخرى ثم يتكئان
فيضمها وتضمه أرأيت مع
…
شوقين بعد البعد يلتقيان
غاب الرقيب وغاب كل منكد
…
وهما بثوب الوصل مشتملان
أتراهما ضجرين من ذا العيش ل
…
وحياة ربك ما هما ضجران
يا عاشقا هانت عليه نفسه
…
إذ باعها غبنا بكل هوان
أترى يليق بعاقل بيع الذي
…
يبقى وهذا وصفه بالفاني