المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط العلمية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في أسماء المحبة

- ‌الباب الثاني: في اشتغال هذه الأسماء ومعانيها

- ‌الباب الثالثفي نسبة هذه الأسماء بعضها إلى بعض هل هي بالترادف أو التباين

- ‌الباب الرابع: في أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وأن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب

- ‌الباب الخامس:في دواعي المحبة ومتعلقها

- ‌الباب السادس: في أحكام النظر وعائلته وما يجني على صاحبه

- ‌الباب السابع: في ذكر مناظرة بين القلب والعين ولوم كل واحد منهما صاحبه والحكم بينهما

- ‌الباب الثامن: في ذكر الشبه التي احتج بها من أباح النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به وأباح عشقه

- ‌الباب: التاسع في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة وما لها وما عليها في هذا الاحتجاج

- ‌الباب العاشر: في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناسفيه

- ‌الباب الحادي عشر: في العشق هل هو اضطراري خارج عن الاختيار أو أمر اختياري واختلاف الناس في ذلك وذكر الصواب فيه

- ‌الباب الثاني عشر: في سكرة العشاق

- ‌الباب الثالث عشر: في أن اللذة تابعة للمحبة في الكمال والنقصان

- ‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه

- ‌الباب الخامس عشر فيمن ذم العشق وتبرم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه

- ‌الباب السادس عشر في الحكم بين الفريقين وفصل النزاع بين الطائفتين

- ‌الباب السابع عشر: في استحباب تخير الصور الجميلة للوصال الذي يحبه الله ورسوله

- ‌الباب الثامن عشر: في أن دواء المحبين في كمال الوصال الذي أباحه رب العالمين

- ‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال

- ‌الباب العشرون: في علامات المحبة وشواهدها

- ‌الباب الحادي والعشرون: في اقتضاء المحبة إفراد الحبيب بالحب وعدم التشريك بينه وبين غيره فيه

- ‌الباب الثاني والعشرون: في غيرة المحبين على أحبابهم

- ‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

- ‌الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين

- ‌الباب السادس والعشرون: في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما

- ‌الباب السابع والعشرون: فيمن ترك محبوبه حراما فبذل له حلالا أو أعاذه الله خيرا منه

- ‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى وقد تقدم ذكر الآيات

الفصل: ‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال

‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال

إعلم أن الجمال ينقسم قسمين ظاهر وباطن فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته كما في الحديث الصحيح "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال فتكسوا صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه

وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل فقل لها في ذلك فقالت إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه

فصل وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض وهي من

ص: 221

زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها {يَزٍِِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} قالوا هو الصوت الحسن والصورة الحسنة والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه

وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يحب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنا أفذلك من الكبر فقال: "لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس" فبطر الحق جحده ودفعه بعد معرفته وغمط الناس النظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار والاستصغار لهم ولا بأس بهذا إذا كان لله وعلامته أن يكون لنفسه أشد ازدراء واستصغارا منه لهم فأما إن احتقرهم لعظمة نفسه عنده فهو الذي لا يدخل صاحبه الجنة

فصل وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب شكرا فإن شكره بتقواه وصيانته ازداد جمالا على جماله وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه قلبه له شيئا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا وينفر عنه من رآه فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه به بين الناس فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره

يا حسن الوجه توق الخنا

لا تبدلن الزين بالشين

ص: 222

ويا قبيح الوجه كن محسنا

لا تجمعن بين قبيحين

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى جمال الباطن بجمال الظاهر كما قال جرير بن عبد الله وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسميه يوسف هذه الأمة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت امرء قد حسن الله خلقك فأحسن خلقك " وقال بعض الحكماء ينبغي للعبد أن ينظر كل يوم في المرآة فإن رأى صورته حسنة لم يشنها بقبيح فعله وإن رآها قبيحة لم يجمع بين قبح الصورة وقبح الفعل

ولما كان الجمال من حيث هو محبوبا للنفوس معظما في القلوب لم يبعث الله نبيا إلا جميل الصورة حسن الوجه كريم الحسب حسن الصوت كذا قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل خلق الله وأحسنهم وجها كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه وقد سئل أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل القمر

وفي صفته كأن الشمس تجري في وجهه يقول واصفه لم أر قبله ولا بعده مثله

وقال ربيعة الجرشي قسم الحسن نصفين فبين سارة ويوسف نصف الحسن ونصف الحسن بين سائر الناس وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم "أنه رأى يوسف ليلة الإسراء وقد أعطي شطر الحسن" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يكون الرسول الذي يرسل إليه حسن الوجه حسن

ص: 223

الاسم وكان يقول: "إذا أبردتم إلي بريدا فليكن حسن الوجه حسن الاسم"

وقد روى الخرائطي من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: "من آتاه الله وجها حسنا واسما حسنا وخلقا حسنا وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله من خلقه" وقال وهب قال داود يا رب أي عبادك أحب إليك قال مؤمن حسن الصورة قال فأي عبادك أبغض إليك قال كافر قبيح الصورة

ويذكر عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتظره نفر من أصحابه على الباب فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته ثم خرج إليهم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تفعل هذا قال: "نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيىء من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال" وقال يحيى بن أبي كثير دخل رجل على معاوية غمصا يعني رمص العينين فحط من عطائه فقال ما يمنع أحدكم إذا خرج من منزله أن يتعاهد أديم وجهه وكانت عائشة بنت طلحة من أجمل أهل زمانها أو أجملهم فقال أنس بن مالك والله ما رأيت أحسن منك إلا معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارة

ص: 224

ودخل عليها أنس يوما في حاجة فقال إن القوم يريدون أن يدخلو اعليك فينظروا إلى جمالك قالت أفلا قلت ليس فألبس ثيابي

وكان مصعب بن الزبير من أجمل الناس وكان يحسد الناس على الجمال فبينا هو يخطب يوما إذ دخل ابن جودان من ناحية الأزد وكان جميلا فأعرض بوجهه عن تلك الناحية إلى ناحية أخرى فدخل ابن حمران من تلك الناحية وكان جميلا فرمى ببصره إلى مؤخر المسجد فدخل الحسن البصري وكان من أجمل الناس فنزل مصعب عن المنبر

وخرج نسوة يوم العيد ينظرون إلى الناس فقيل لهن من أحسن من مر بكن قلن شيخ عليه عمامة سوداء يعنين الحسن البصري وأخذ مصعب ابن الزبير رجلا من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه فقال الرجل أيها الأمير ما أقبح من أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول يا رب سل مصعبا فيم قتلني فقال مصعب أطلقوه فقال الرجل أيها الأمير اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض فقال مصعب أعطوه مائة ألف درهم فقال إني أشهد الله أن لعبد الرحمن بن قيس الرقيات نصفها قال مصعب ولم ذلك قال لقوله

إنما مصعب شهاب من الل

هـ تجلت عن وجهه الظلماء

فضحك مصعب وقال إن فيك لموضعا للصنيعة وأمره بلزومه

وقال الزبير بن بكار حدثنا مصعب الزبيري حدثنا عبد الرحمن بن أبي الحسن قال خرج أبو حازم يرمي الجمار ومعه قوم متعبدون وهو يكلمهم

ص: 225

ويحدثهم ويقص عليهم فبينما هو يمشي وهم معه إذ نظر إلى فتاة مستترة بخمارها ترمي الناس بطرفها يمنة ويسرة وقد شغلت الناس وهم ينظرون إليها مبهوتين وقد خبط بعضهم بعضا في الطريق فرآها أبو حازم فقال يا هذه اتقي الله فإنك في مشعر من مشاعر الله عظيم وقد فتنت الناس فاضربي بخمارك على جيبك فإن الله عز وجل يقول {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فأقبلت تضحك من كلامه وقالت إني والله

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة

ولكن ليقتلن البريء المغفلا

فاقبل أبو حازم على أصحابه وقال تعالوا ندعو الله أن لا يعذب هذه الصورة الحسناء بالنار فجعل يدعو وأصحابه يؤمنون

وقال ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب دخلت امرأة جميلة على الحسن البصري فقالت يا أبا سعيد ينبغي للرجال أن يتزوجوا على النساء قال نعم قالت وعلى مثلي ثم أسفرت عن وجه لم ير مثله حسنا وقالت يا أبا سعيد لا تفتوا الرجال بهذا ثم ولت فقال الحسن ما على رجل كانت هذه في زاوية بيته ما فاته من الدنيا

ص: 226

وقال عبد الملك بن قريب كنت في بعض مياه العرب فسمعت الناس يقولون قد جاءت قد جاءت فتحول الناس فقمت معهم فإذا جارية قد وردت الماء ما رأيت مثلها قط في حسن وجهها وتمام خلقها فلما رأت تشوف الناس إليها أرسلت برقعها فكأنه غمامة غطت شمسا فقلت لم تمنعيننا النظر إلى وجهك هذا الحسن فأنشأت تقول

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا

لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ونظر إليها أعرابي فقال أنا والله ممن قل صبره ثم قال

أوحشية العينين أين لك الأهل

أبالحزن حلوا أم محلهم السهل

وأية أرض أخرجتك فإنني

أراك من الفردوس إن فتش الأصل

قفي خبرينا ما طعمت وما الذي

شربت ومن أين استقل بك الرحل

لأن علامات الجنان مبينة

عليك وإن الشكل يشبهه الشكل

تناهيت حسنا في النساء فإن يكن

لبدر الدجى نسل فأنت له نسل

وقال آخر

يا منسي المحزون أحزانه

لما أتته في المعزينا

إستقبلتهن بتمثالها

فقمن يضحكن ويبكينا

ص: 227

حق لهذا الوجه أن يزدهي

عن حزنه من كان محزونا

وقال آخر

أنيري مكان البدر إن أفل البدر

وقومي مقام الشمس مااستأخر الفجر

ففيك من الشمس المنيرة ضوؤها

وليس لها منك التبسم والثغر

وقال آخر

رقادي يا طرفي عليك حرام

فخل دموعا فيضهن سجام

ففي الدمع إطفاء لنار صبابة

لها بين أحناء الضلوع ضرام

ويا كبدي الحرى التي قد تصدع

ت من الوجد ذوبي ما عليك ملام

ويا وجه من ذلت وجوه أعزة

له وزهى عزا فليس يرام

أجر مستجيرا في الهوى باسطا

إليك يديه والعيون نيام

وذكر الخرائطي عن بعض العلويين قال بينا أنا عند الحسن بن هانىء وهو ينشد

ويلي على سود العيون

النهد الضمر البطون

الناطقات عن الضمي

ر لنا بألسنة الجفون

فوقف عليه أعرابي ومعه بنيه فقال أعد علي فأعاد عليه فقال يا ابن أخي ويلك أنت وحدك من هذا ويلي أنا وأنت وويل ابني هذا وويل هذه الجماعة وويل جيراننا كلهم

ص: 228

وقال الخرائطي حدثنا يموت بن المزرع حدثنا محمد بن حميد حدثنا محمد بن سلمة قال حدثني أبي قال أتيت عبد العزيز بن المطلب أسأله عن بيعة الجن للنبي بمسجد الأحزاب ما كان بدؤها فوجدته مستلقيا يتغنى

فما روصة بالحزن طيبة الثرى

يمج الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزة موهنا

وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

من الخفرات البيض لم تلق شقوة

وبالحسب المكنون صاف نجارها

فإن برزت كانت لعينيك قرة

وإن غبت عنها لم يعمك عارها

فقلت له أتغني أصلحك الله وأنت في جلالك وشرفك فقال أما والله لأحملنها ركبان نجد قال فوالله ما اكترث بي وعاد يتغنى

فما ظبية أدماء خفاقة الحشا

تجوب بظلفيها متون الخمائل

بأحسن منها إذ تقول تدللا

وأدمعها تذرين حشو المكاحل

تمتع بذا اليوم القصير فإنه

رهين بأيام الصدود الأطاول

قال فندمت على قولي وقلت له أصلحك الله أتحدثني في هذا بشيء قال نعم حدثني أبي قال دخلت على سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأشعب يغنيه

ص: 229

مغيرية كالبدر سنة وجهها

مطهرة الأثواب والعرض وافر

لها حسب زاك وعرض مهذب

وعن كل مكروه من الأمر زاجر

من الخفرات البيض لم تلق ريبة

ولم يستملها عن تقى الله شاعر

فقال له سالم زدني فغناه

ألمت بنا والليل داج كأنه

جناح غراب عنه قد نفض القطرا

فقلت أعطار ثوى في رحالن

وما احتملت ليلى سوى طيبها عطرا

فقال له سالم والله لولا أن تتداوله الرواة لأجزلت جائزتك فإنك من هذا الأمر بمكان

قال الخرائطي حدثنا العباس بن الفضل عن بعض أصحابه قال حججت سنة من السنين فإني لبالربذة إذ وقفت علينا جارية على وجهها برقع فقالت يا معشر الحجيج نفر من هذيل ذهب بنعمهم السيل وقعدت بهم الأيام ما بهم نجعة فمن يراقب فيهم الدار الآخرة ويعرف لهم حق الأخوة جزاه الله خيرا قال فرضخنا لها فقلت لها هل قلت في ذلك شيئا فأنشأت تقول

كف الزمان توسدتنا عنوة

شلت أناملها عن الأعراب

قوم إذا حل العفاة ببابهم

ألفوا نوافلهم بغير حساب

فقلنا لها لو أمتعتينا بالنظر إلى وجهك فكشفت البرقع عن وجه لا والله لا تهتدي العقول لوصفه فلما رأتنا قد بهتنا لحسنها أنشأت تقول

ص: 230

الدهر أبدى صفحة قد صانها

أبواي قبل تمرس الأيام

فتمتعوا بعيونكم في حسنها

وانهوا جوارحكم عن الآثام

ثم انصرفت وكان محمد بن حميد الطوسي يهوى جارية فأرسل إليها مرة أترجة فبكت بكاء شديدا فقيل لها يوجه إليك من تحبينه بهدية فتبكين هذا البكاء فغنت

أهدى له أحبابه أترجة

فبكى وأشفق من عيافة زاجر

خاف التلون والفراق لأنها

لونان باطنها خلاف الظاهر

فلما جاءه الرسول أخبره عنها بما أغاظه فكتب إليها

ضيعت عهد فتى لغيبك حافظ

في حفظه عجب وفي تضييعك

وصددت عنه وماله من حيلة

إلا الوقوف إلى أوان رجوعك

إن تقتليه وتذهبي بحياته

فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك

فلما وافتها الرقعة بكت حتى رحمها من حولها ثم اندفعت تقول

هل لعيني إلى الرقاد شفيع

إن قلبي من السقام مروع

لا تراني بخلت عنك بدمع

لا وحق الحبيب مالي دموع

إن قلبي إليك صب حزين

فاستراحت إلى الأنين الضلوع

ليس في العطف يا حبيبي بدع

إنما هجر من يحب بديع

ص: 231

ثم كتبت إليه أنا مملوكة لا أملك من أمري شيئا فإذا كان لك في حاجة فاشترني لأكون طوع يديك فاشتراها فمكثت عنده وكانت من أحظى إمائه حتى قتل في وقعة بابك الخرمي فكانت تتمثل في رثائه بقول أبي تمام

محمد بن حميد أخلقت رممه

أريق ماء المعالي مذ أريق دمه

رأيته بنجاد السيف محتبيا

في النوم بدرا جلت عن وجهه ظلمه

فقلت والدمع من حزن ومن كمد

يجري انسكابا على الخدين منسجمه

ألم تمت يا شقيق النفس مذ زمن

فقال لي لم يمت من لم يمت كرمه

فصل وهذا فصل في ذكر حقيقة الحسن والجمال ما هي وهذا أمر لا يدرك إلا بالوصف وقد قيل إنه تناسب الخلقة واعتدالها واستواؤها ورب صورة متناسبة الخلقة وليست في الحسن هناك وقد قيل الحسن في الوجه والملاحة في العينين وقيل الحسن أمر مركب من أشياء وضاءة وصباحة وحسن تشكيل وتخطيط ودموية في البشرة وقيل الحسن معنى لا تناله العبارة ولا يحيط به الوصف وإنما للناس منه أوصاف أمكن التعبير عنها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه ونظرت إليه عائشة رضي الله عنها ثم تبسمت فسألها مم ذاك فقالت كأن أبا كبير الهذلي إنما عناك بقوله

ص: 232

ومبرإ من كل غبر حيضة

وفساد مرضعة وداء مغيل

وإذا نظرت إلى أسرة وجهه

برقت كبرق العارض المتهلل

ولقي بعض الصحابة راهبا فقال صف لي محمدا كأني أنظر إليه فإني رأيت صفته في التوراة والإنجيل فقال لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير فوق الربعة أبيض اللون مشربا بالحمرة جعدا ليس بالقطط جمته إلى شحمة أذنه صلت الجبين واضح الخد أدعج العينين أقنى الأنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة ووجهه كدارة القمر فأسلم الراهب وفي صفة هند بن أبي هالة له لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة من الرجال ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد شثن الكفين والقدمين دقيق المسربة إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا كأن الشمس تجري

ص: 233

في وجهه وكان مع هذا الحسن قد ألقيت عليه المحبة والمهابة فمن وقعت عليه عيناه أحبه وهابه وكمل الله سبحانه له مراتب الجمال ظاهرا وباطنا وكان أحسن خلق الله خلقا وخلقا وأجملهم صورة ومعنى وهكذا كان يوسف الصديق ولهذا قالت امرأة العزيز للنسوة لما أرتهن إياه ليعذرنها في محبته {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي هذا هو الذي فتنت به وشغفت بحبه فمن يلومني على محبته وهذا حسن منظره ثم قالت {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي فمنع هذا الجمال فباطنه أحسن من ظاهره فإنه في غاية العفة والنزاهة والبعد عن الخنا والمحب وإن غيب محبوبه فلا يجري لسانه إلا بمحاسنه ومدحه ويتعلق بهذا قوله تعالى في صفة أهل الجنة {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} فجمل ظواهرهم بالنضرة وبواطنهم بالسرور ومثله قوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فإنه لا شيء أشهى إليهم وأقر لعيونهم وأنعم لبواطنهم من النظر إليه فنضر وجوههم بالحسن ونعم قلوبهم بالنظر إليه وقريب منه قوله تعالى {وَحُلُّوا

ص: 234

سَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} فهذا زينة الظاهر ثم قال {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} أي مطهرا لبواطنهم من كل أذى فهذا زينة الباطن ويشبهه قوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} فهذا زينة الظاهر ثم قال {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} فهذا زينة الباطن وينظر إليه من طرف خفي قوله تعالى {زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً} فزين ظاهرها بالمصابيح وباطنها بحفظها من الشياطين وقريب منه قوله تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فذكر الزاد الظاهر والزاد الباطن وهذا من زينة القرآن الباطنة المضافة إلى زينة ألفاظه وفصاحته وبلاغته الظاهرة ومنه قوله تعالى لآدم {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} فقابل بين الجوع والعري دون الجوع والظمإ وبين الظمإ والضحى دون الظمإ والجوع فإن الجوع عري الباطن وذله والعري جوع الظاهر وذله فقابل بين نفي ذل باطنه وظاهره وجوع باطنه وظاهره والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فقابل بينهما وسئل المتنبي عن قول امرئ القيس

كأني لم أركب جوادا للذة

ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال

ص: 235

ولم أسبإ الزق الروي ولم أقل

لخيلي كري كرة بعد إجفال

فقيل له إنه عيب عليه مقابلة سبي الزق الروي بالكر وكان الأحسن مقابلته بتبطن الكاعب جمعا بين اللذتين وكذلك مقابلة ركوب الجواد للكر أحسن من مقابلته لتبطن الكاعب فقال بل الذي أتى به أحسن فإنه قابل مركوب الشجاعة بمركوب اللذة واللهو فهذا مركب الطرب وهذا مركب الحرب والطلب وكذلك قابل بين السباءين سباء الزق وسباء الرق قلت وأيضا فإن الشارب يفتخر بالشجاعة كما قال حسان

ونشربها فتتركنا ملوكا

وأسدا منا ينهنهنا اللقاء

وهذه جملة اعتراضية من ألطف الاعتراض

وقيل الحسن ما استنطق أفواه الناظرين بالتسبيح والتهليل كما قيل

ذي طلعة سبحان فالق صبحه

ومعاطف جلت يمين الغارس

وقال علي بن الجهم

طلعت فقال الناظرون إلى

تصويرها ما أعظم الله

ودنت فلما سلمت خجلت

والتف بالتفاح خداها

وكأن دعص الرمل أسفلها

وكأن غصن البان أعلاها

ص: 236

حتى إذا ثملت بنشوتها

قرأت كتاب الباه عيناها

وقال آخر

ذو صورة بشرية قمرية

تستنطق الأفواه بالتسبيح

وقال آخر

وإذا بدت في بعض حاجتها

تستنطق الأفواه بالتسبيح

وقال بشار

تلقى بتسبيحة من حسن ما خلقت

وتستفز حشا الرائي بإرعاد

ولي من أبيات

يا صورة البدر ولا الذي

صور ليس البدر يحكيك

مني على العين ولا تبخلي

بنظرة فالعين تفديك

وإن تحرجت لهذا فكم

قد سبح الرحمن رائيك

هذا بهذا فارتجي أجر من

إن غبت عنه ظل يبكيك

قال ابن شبرمة كفاك من الحسن أنه مشتق من الحسنة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا تم بياض المرأة في حسن شعرها فقد تم حسنها وقالت عائشة رضي الله عنها البياض شطر الحسن وقال بعض السلف جعل الله البهاء والهوج مع الطول والدهاء والدمامة مع القصر والخير فيما بين ذلك

ومما يذم في النساء المرأة القصيرة الغليظة وهي التي عناها الشاعر بقوله

وأنت التي حببت كل قصيرة

إلي ولم تشعر بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار النسا شر النساء البحاتر

ص: 237

والبحاتر هن النساء القصار الغلاظ وبعضهم يبالغ في هذا حتى يفضل المهازيل على السمان

أنشد الزمخشري

لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن

لكنني أعشق السمر المهازيلا

إني امرؤ أركب المهر المضمر في

يوم الرهان فدعني واركب الفيلا

وطائفة تفضل السمان وتقول السمن نصف الحسن وهو يستر كل عيب في المرأة ويبدي محاسنها وخيار الأمور أوساطها

ومما يستحسن في المرأة طول أربعة وهن أطرافها وقامتها وشعرها وعنقها وقصر أربعة يدها ورجلها ولسانها وعينها فلا تبذل ما في بيت زوجها ولا تخرج من بيتها ولا تستطيل بلسانها ولا تطمح بعينها وبياض أربعة لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها وسواد أربعة أهدابها وحاجبها وعينها وشعرها وحمرة أربعة لسانها وخدها وشفتها مع لعس وإشراب بياضها بحمرة ودقة أربعة أنفها وبنانها وخصرها وحاجبها وغلظ أربعة ساقها ومعصمها وعجيزتها وذاك منها وسعة أربعة جبينها ووجهها وعينها وصدرها وضيق أربعة فمها ومنخرها وخرق أذنها وذاك منها فهذه أحق النساء بقول كثير

لو أن عزة خاصمت شمس الضحى

في الحسن عند موفق لقضى لها

ص: 238

وقال آخر

لو أبصر الوجه منها وهو منهزم

ليلا وأعداؤه من خلفه وقفا

وقال آخر

يا طيب مرعى مقلة لم تخف

بوجنتيها زجر حراس

حلت بوجه لم يغض ماؤه

ولم تخضه أعين الناس

وقال آخر

فلم يزل خدها ركنا ألوذ به

والخال في خدها يغني عن الحجر

وقول الآخر وأنشده المبرد

وأحسن من ربع ومن وصف دمنة

ومن جبلى طي ومن وصفكم سلعا

تلاحظ عيني عاشقين كلاهما

له مقلة في خد معشوقه ترعى

وأنشد ثعلب

خزاعية الأطراف مرية الحشا

فزارية العينين طائية الفم

ومكية في الطيب والعطر دائما

تبدت لنا بين الحطيم وزمزم

ثم قال وصفها بما يستحسن من كل قبيلة

وقال صالح بن حسان يوما لأصحابه هل تعرفون بيتا من الغزل في امرأة خفرة قلنا نعم بيت لحاتم في زوجته ماوية

يضيء لها البيت الظليل خصاصه

إذا هي يوما حاولت أن تبسما

ص: 239

قال ما صنعتم شيئا قلنا فبيت الأعشى

كأن مشيتها من بيت جارتها

مر السحابة لا ريث ولا عجل

قال جعلها تدخل وتخرج قلنا يا أبا محمد فأي بيت هو قال قول أبي قيس بن الأسلت

ويكرمها جاراتها فيزرنها

وتعتل عن إتيانهن فتعذر

قلت وأحسن من هذا كله ما قاله إبراهيم بن محمد الملقب بنفطويه رحمه الله

وخبرها الواشون أن خيالها

إذا نمت يغشى مضجعي ووسادي

فخفرها فرط الحياء فأرسلت

تعيرني غضبى بطول رقادي

ومما يستحسن في المرأة رقة أديمها ونعومة ملمسه كما قال قيس بن ذريح

تعلق روحي روحها قبل خلقنا

ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد

فزاد كما زدنا فأصبح ناميا

فليس وإن متنا بمنفصم العهد

ولكنه باق على كل حادث

ومؤنسنا في ظلمة القبر واللحد

يكاد مسيل الماء يخدش جلدها

إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد

قلت ومن المبالغة في معنى البيت الأخير قول أبي نواس

توهمه قلبي فأصبح خده

وفيه مكان الوهم من نظري أثر

ومر بقلبي خاطر فجرحته

ولم أر جسما قط يجرحه الفكر

وصافحه كفي فآلم كفه

فمن غمز كفي في أنامله عقر

ص: 240

ولي من أبيات

يدمي الحرير أديمها من مسه

فأديمها منه أرق وأنعم

فصل فيا أيها العاشق سمعه قبل طرفه فإن الأذن تعشق قبل العين أحيانا وجيش المحبة قد يدخل المدينة من باب السمع كما يدخلها من باب البصر والمؤمنون يشتاقون إلى الجنة وما رأوها ولو رأوها لكانوا أشد لها شوقا والصرورة يكاد قلبه يذوب شوقا إلى رؤية البيت الحرام فإن شاقتك هذه الصفات وأخذت بقلبك هذه المحاسن

فاسم بعينيك إلى نسوة

مهورهن العمل الصالح

وحدث النفس بعشق الألى

في عشقهن المتجر الرابح

واعمل على الوصل فقد أمكنت

أسبابه ووقتها رائح

فصل وقد وصف الله سبحانه حور الجنة بأحسن الصفات وحلاهن بأحسن الحلي وشوق الخطاب إليهن حتى كأنهم يرونهن رؤية العين قال الطبراني حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو بن هشام البيروني حدثنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قول الله عز وجل {حور عين} قال: "حور بيض عين ضخام العيون شعر الحوراء بمنزلة

ص: 241

جناح النسر" قلت أخبرني عن قوله عز وجل {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} قال: "صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قال: "خيرات الأخلاق حسان الوجوه" قلت أخبرني عن قوله {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قال: "رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله عز وجل {عُرُباً أَتْرَاباً} قال: "هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميلاد واحد" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء الدنيا أفضل أم الحور العين قال: "بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبم ذلك قال: "بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت نحن الناعمات فلا نبأس أبدا نحن المقيمات فلا نظعن أبدا ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة منا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة: "إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب

ص: 242

حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة"

فصل وقد وصفهن الله عز وجل بأنهن كواعب وهو جمع كاعب وهي المرأة التي قد تكعب ثديها واستدار ولم يتدل إلى أسفل وهذا من أحسن خلق النساء وهو ملازم لسن الشباب ووصفهن بالحور وهو حسن ألوانهن وبياضه قالت عائشة رضي الله عنها البياض نصف الحسن وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا تم بياض المرأة في حسن شعرها فقد تم حسنها والعرب تمدح المرأة بالبياض قال الشاعر

بيض أوانس ما هممن بريبة

كظباء مكة صيدهن حرام

يحسبن من لين الحديث زوانيا

ويصدهن عن الخنا الإسلام

والعين جمع عيناء وهي المرأة الواسعة العين مع شدة سوادها وصفاء بياضها وطول أهدابها وسوادها ووصفهن بأنهن خيرات حسان وهو جمع خيرة وأصلها خيرة بالتشديد كطيبة ثم خفف الحرف وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرا وباطنا فكمل خلقها وخلقها فهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه ووصفهن بالطهارة فقال {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} طهرن من الحيض والبول والنجو

ص: 243

وكل أذى يكون في نساء الدنيا وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنيهن عليهم وإرادة غيرهم ووصفهن بأنهن مقصورات في الخيام أي ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن بل قد قصرن على أزواجهن لا يخرجن من منازلهم وقصرن عليهم فلا يردن سواهم ووصفهن سبحانه بأنهن قاصرات الطرف وهذه الصفة أكمل من الأولى ولهذا كن لأهل الجنتين الأوليين فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره كما قيل

أذود سوام الطرف عنك وماله

على أحد إلا عليك طريق

وكذلك حال المقصورات أيضا لكن أولئك مقصورات وهؤلاء قاصرات ووصفهن سبحانه بقوله {أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} وذلك لفضل وطء البكر وحلاوته ولذاذته على وطء الثيب قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مررت بشجرة قد رعي منها وشجرة لم يرع منها ففي أيهما كنت ترتع بعيرك فقال: "في التي لم يرع منها" تعني أنه لم يتزوج بكرا غيرها وصح عنه أنه قال لجابر لما تزوج امرأة ثيبا هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك فإن قيل فهذه الصفة تزول بأول وطء فتعود ثيبا قيل

ص: 244

الجواب من وجهين أحدهما أن المقصود من وطء البكر أنها لم تذق أحدا قبل وطئها فتزرع محبته في قلبها وذلك أكمل لدوام العشرة فهذه بالنسبة إليها وأما بالنسبة إلى الواطىء فإنه يرعى روضة أنفا لم يرعها أحد قبله وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} ثم بعد هذا تستمر له لذة الوطء حال زوال البكارة والثاني أنه قد روي أن أهل الجنة كلما وطىء أحدهم امرأة عادت بكرا كما كانت فكلما أتاها وجدها بكرا وأما العرب فجمع عروب وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حسن التأني والتبعل والتحبب إلى الزوج بدلها وحديثها وحلاوة منطقها وحسن حركاتها قال البخاري في صحيحه وأما الأتراب فجمع ترب يقال فلان تربي إذا كنتما في سن واحد فهن مستويات في سن الشباب لم يقصر بهن الصغر ولم يزر بهن الكبر بل سنهن سن الشباب وشبههن تعالى باللؤلؤ المكنون وبالبيض المكنون وبالياقوت والمرجان فخذ من اللؤلؤ صفاء لونه وحسن بياضه ونعومة ملمسه وخذ من البيض المكنون وهو المصون الذي لم تنله الأيدي اعتدال بياضه وشوبه بما يحسنه من قليل صفرة بخلاف الأبيض الأمهق المتجاوز في البياض وخذ من الياقوت والمرجان حسن لونه في صفائه وإشرابه بيسير من الحمرة

ص: 245

فصل فاسمع الآن وصفهن عن الصادق المصدوق فإن مالت النفس وحدثتك بالخطبة وإلا فالإيمان مدخول فروى مسلم في صحيحه من حديث أيوب عن محمد بن سيرين قال إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء فقال أبو هريرة رضي الله عنه أو لم يقل أبو القاسم: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلةالبدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء إضاءة لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب"

وقال الطبراني في معجمه حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي القسوي قال حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم صورة القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على أحسن كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء" قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي هذا عندي على شرط الصحيح

ص: 246

وفي الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون فيها ولا يتغوطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشية "

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرج بن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها " قال قلت يا أبا هريرة وما النصيف قال الخمار فإذا كان هذا قدر الخمار فما قدر لابه!

وقال ابن وهب أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل في الجنة لتأتيه امرأة تضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد عليها السلام ويسألها من أنت فتقول أنا

ص: 247

المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وإن عليهم التيجان وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" وبعض هذا الحديث في جامع الترمذي وهو على شرطه

وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا وأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"

وفي المسند من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب"

وقال ابن وهب حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء" رواه الترمذي

وفي معجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خلق الحور العين من الزعفران"

ص: 248

فصل فإن أردت سماع غنائهن فاسمع خبره الآن ففي معجم الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتته نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه" وقد قيل في قوله تعالى {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} إنه السماع الطيب ولا ريب أنه من الحبرة وقال عبد الله بن محمد البغوي حدثنا علي أنبأنا زهير عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما فكأنما أمروا به فشربوا منها فأذهب الله ما في بطونهم من قذى أو أذى أو بأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم ولم تتغير أشعارهم بعدها أبدا ولم تشعث رؤوسهم كأنما ادهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة

ص: 249

الجنة فقالوا {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ثم تلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم عليهم من غيبته فيقولون له أبشر بما أعد الله تعالى لك من الكرامة ثم ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا قالت أنت رأيته قال أنا رأيته وهو بأثرى فيستخف إحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أخضر وأحمر وأصفر من كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق ولولا أن الله عز وجل قدره لألم أن يذهب بصره ثم طأطأ رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ثم اتكأوا فقالوا {الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} ثم ينادي مناد تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون فلا تمرضون أبدا

وفي سنن ابن ماجه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة

ص: 250

نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية" قالوا نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن المشمرون لها قال: "قولوا إن شاء الله" فقال القوم إن شاء الله تعالى"

فصل فهذا وصفهن وحسنهن فاسمع الآن لذة وصالهن وشأنه ففي مسند أبي يعلى الموصلي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه "فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعتني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله تعالى قد شفعتك وأذنت لهم في دخول الجنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها وإنه لينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة يعني وكبدها له مرآة فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ولا يشتكي قبلها فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن يكون لك أزواج غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت والله ما في الجنة شيء

ص: 251

أحسن منك وما في الجنة شيء أحب إلي منك" وهذا قطعة من حديث الصور الطويل الذي رواه إسماعيل بن رافع

وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا رواه البخاري وقال ثلاثون ميلا"

وفي جامع الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من النساء" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويطيق ذلك قال يعطى قوة مائة" قال هذا حديث صحيح غريب

وفي معجم الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نصل إلى نسائنا في الجنة فقال "إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء" وفي لفظ قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفضي إلى نسائنا في الجنة فقال: "إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى

ص: 252

مائة عذراء" قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي ورجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح

وفي حديث لقيط العقيلي الطويل الذي رواه الطبراني وعبد الله بن أحمد في السنة وغيرهما أنه قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لنا فيها أزواج مصلحات قال "الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير أن لا توالد"

وذكر ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال أنطأ في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم والذي نفسي بيده دحما دحما فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا" قال الحافظ أبو عبد الله دراج اسمه عبد الرحمن بن سمعان المصري وثقه يحيى بن معين وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وكان بعض الأئمة ينكر بعض حديثه والله أعلم

وفي معجم الطبراني من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا"

وفيه أيضا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل هل يتناكح أهل الجنة فقال "بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع دحما دحما"

وفيه أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيجامع أهل الجنة قال: "دحما دحما ولكن لا مني ولا منية"

ص: 253

من قصيدة للمؤلف في وصف الحور

يا خاطب الحور الحسان وطالبا

لوصالهن بجنة الحيوان

لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت

بذلت ما تحوي من الأئمان

أو كنت تعرف أين مسكنها جعلت

السعي منك لها على الأجفان

أسرع وحث السير جهدك إنما

مسراك هذا ساعة لزمان

فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل

مهرها ما دمت ذا إمكان

واجعل صيامك دون لقياها ويو

م الوصل يوم الفطر من رمضان

واجعل نعوت جمالها الحادي وسر

نحو الحبيب ولست بالمتواني

واسمع إذن أوصافها ووصالها

واجعل حديثك ربة الإحسان

يا من يطوف بكعبة الحسن التي

حفت بذاك الحجر والأركان

ويظل يسعى دائما حول الصفا

ومحسر مسعاه كل أوان

ويروم قربان الوصال على منى

والخيف يحجبه عن القربان

فلذا تراه محرما أبدا ومو

ضع حلة منه فليس بدان

يبغي التمتع مفردا عن حبه

متجردا يبغي شفيع قران

ويظل بالجمرات يرمي قلبه

هذي مناسكه بكل زمان

والناس قد قضوا مناسكهم وقد

حثوا ركائبهم إلى الأوطان

وحدت بهم همم لهم وعزائم

نحو المنازل ربة الإحسان

رفعت لهم في السير أعلام الوصا

ل فشمروا يا خيبة الكسلان

ورأوا على بعد خياما مشرفا

ت مشرقات النور والبرهان

فتيمموا تلك الخيام فآنسوا

فيهن أقمارا بلا نقصان

ص: 254

من قاصرات الطرف لا تبغي سوى

محبوبها من سائر الشبان

قصرت عليه طرفها من حسنه

والطرف منه مطلق بأمان

ويحار منه الطرف في الحسن الذي

قد أعطيت فالطرف كالحيران

ويقول لما أن يشاهد حسنها

سبحان معطي الحسن والإحسان

والطرف يشرب من كؤوس جمالها

فتراه مثل الشارب النشوان

كملت خلائقها وأكمل حسنها

كالبدر ليل الست بعد ثمان

والشمس تجري في محاسن وجهها

والليل تحت ذوائب الأغصان

فيظل يععجب وهو موضع ذاك من

ليل وشمس كيف يجتمعان

ويقول سبحان الذي ذا صنعه

لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند

سبحان متقن صنعة الإنسان

مجيئه حتى الصباح الثاني

والشمس لا تأتي بطرد الليل بل

يتصاحبان كلاهما أخوان

وكلاهما مرآة صاحبه إذا

فيرى محاسن وجهه في وجهها

ما شاء يبصر وجهه يريان

وترى محاسنها به بعيان

حمر الخدود ثغورهن لآلئ

سود العيون فواتر الأجفان

والبرق يبدو حين يبسم ثغرها

فيضيء سقف القصر بالجدران

ريانة الأعطاف من ماء الشبا

ب فغصنها بالماء ذو جريان

لما جرى ماء النعيم بغصنها

حمل الثمار كثيرة الألوان

فالورد والتفاح والرمان في

غصن تعالى غارس البستان

والقد منها كالقضيب اللدن في

حسن القوام كأوسط القضبان

في مغرس كالعاج تحسب أنه

عالي النقا أو واحد الكثبان

لا الظهر يلحقه وليس ثديها

بلواحق للبطن أو بدوان

...

ص: 255

لكنهن كواعب ونواهد

فثديهن كأحسن الرمان

والجيد ذو طول وحسن في بيا

ض واعتدال ليس ذا نكران

يشكو الحلي بعاده فله مدى السأيام

والمعصمان فإن تشأ شبههما

وسواس من الهجران

بسبيكتين عليهما كفان

كالزبد لينا في نعومة ملمس

أصداف در دورت بوزان

والصدر متسع على بطن لها

والخصر منهما مغرم بثمان

وعليه أحسن سرة هي زينة

للبطن قد غارت من الأعكان

حق من العاج استدار وحشوه

حبات مسك جل ذو الإتقان

وإذا نزلت رأيت أمرا هائلا

ما للصفات عليه من سلطان

لا الحيض يغشاه ولا بول ولا

شيء من الآفات في النسوان

فخذان قد حفا به حرسا له

فجنابه في عزة وصبيان

قاما بخدمته هو السلطان بينهما

وحق طاعة السلطان

وهو المطاع إذا هو استدعى الحبيب

أتاه طوعا وهو غير جبان

وجماعها فهو الشفاء لصبها

فالصب منه ليس بالضجران

وإذا أتاها عادت الحسناء بكرا

مثل ما كانت مدى الأزمان

وهو الشهي ألذ شيء هكذا

قال الرسول لمن له أذنان

يا رب غفرا قد طغت أقلامنا

يا رب معذرة من الطغيان

أقدامها من فضة قد ركبت

من فوقها ساقان ملتفان

والساق مثل العاج ملموم به

مخ العظام تناله العينان

والريح مسك والجسوم نواعم

واللون كالياقوت والمرجان

وكلامها يسبي العقول بنغمة

زادت على الأوتار والعيدان

وهي العروب بشكلها وبدلها

وتحبب للزوج كل أوان

ص: 256

أتراب من واحد متماثل

سن الشباب لأجمل الشبان

بكر فلم يأخذ بكارتها سوى ال

محبوب من إنس ولا من جان

يعطى المجامع قوة المائة التي اج

تمعت لأقوى واحد الإنسان

ولقد أتانا أنه يغشى بيو

م واحد مائة من النسوان

ورجاله شرط الصحيح رووا لهم

فيه وذا في معجم الطبراني

وبذاك فسر شغلهم في سورة

من بعد فاطر يا أخا العرفان

هذا دليل أن قدر نسائهم

متفاوت بتفاوت الإيمان

وبه يزول توهم الإشكال عن

تلك النصوص بمنة الرحمن

في بعضها مائة أتى وأتى بها

سبعون أيضا ثم جا ثنتان

فتفاوت الزوجات مثل تفاوت ال

درجات فالأمران مختلفان

وبقوة المائة التي حصلت له

أفضى إلى مائة بلا خوران

وأعفهم في هذه الدنيا هو ال

أقوى هناك لزهده في الفاني

فاجمع قواك لما هنا وغض من

ك الطرف واصبر ساعة لزمان

ما هاهنا والله ما يسوى قلا

مة ظفر واحدة من النسوان

ونصيفها خير من الدنيا وما

فيها إذا كانت من الأثمان

لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن

تفعل رجعت بذلة وهوان

وإذا بدت في حلة من لبسها

وتمايلت كتمايل النشوان

تهتز كالغصن الرطيب وحمله

ورد وتفاح على رمان

وتبخترت في مشيها ويحق ذا

ك لمثلها في جنة الرضوان

ص: 257

ووصائف من خلفها وأمامها

وعلى شمائلها وعن أيمان

كالبدر ليلة تمه قد حف في

غسق الدجى بكواكب الميزان

فلسانه وفؤاده والطرف في

دهش وإعجاب وفي سبحان

تستنطق الأفواه بالتسبيح إذ

تبدو فسبحان العظيم الشان

والقلب قبل زفافها في عرسه

والعرس إثر العرس متصلان

حتى إذا واجهته تقابلا

أرأيت إذ يتقابل القمران

فسل المتيم هل يحل الصبر عن

ضم وتقبيل وعن فلتان

وسل المتيم أين خلف صبره

في أي واد أم بأي مكان

وسل المتيم كيف حالته وقد

ملئت له الأذنان والعينان

من منطق رقت حواشيه ووج

هـ كم به للشمس من جريان

وسل المتيم كيف عيشته إذا

وهما على فرشيهما خلوان

يتساقطان لآلئا منثورة

من بين منظوم كنظم جمان

وسل المتيم كيف مجلسه مع ال

محبوب في روح وفي ريحان

وتدور كاسات الرحيق عليهما

بأكف أقمار من الولدان

يتنازعان الكأس هذا مرة

والخود أخرى ثم يتكئان

فيضمها وتضمه أرأيت مع

شوقين بعد البعد يلتقيان

غاب الرقيب وغاب كل منكد

وهما بثوب الوصل مشتملان

أتراهما ضجرين من ذا العيش ل

وحياة ربك ما هما ضجران

يا عاشقا هانت عليه نفسه

إذ باعها غبنا بكل هوان

أترى يليق بعاقل بيع الذي

يبقى وهذا وصفه بالفاني

ص: 258