المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط العلمية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في أسماء المحبة

- ‌الباب الثاني: في اشتغال هذه الأسماء ومعانيها

- ‌الباب الثالثفي نسبة هذه الأسماء بعضها إلى بعض هل هي بالترادف أو التباين

- ‌الباب الرابع: في أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وأن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب

- ‌الباب الخامس:في دواعي المحبة ومتعلقها

- ‌الباب السادس: في أحكام النظر وعائلته وما يجني على صاحبه

- ‌الباب السابع: في ذكر مناظرة بين القلب والعين ولوم كل واحد منهما صاحبه والحكم بينهما

- ‌الباب الثامن: في ذكر الشبه التي احتج بها من أباح النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به وأباح عشقه

- ‌الباب: التاسع في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة وما لها وما عليها في هذا الاحتجاج

- ‌الباب العاشر: في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناسفيه

- ‌الباب الحادي عشر: في العشق هل هو اضطراري خارج عن الاختيار أو أمر اختياري واختلاف الناس في ذلك وذكر الصواب فيه

- ‌الباب الثاني عشر: في سكرة العشاق

- ‌الباب الثالث عشر: في أن اللذة تابعة للمحبة في الكمال والنقصان

- ‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه

- ‌الباب الخامس عشر فيمن ذم العشق وتبرم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه

- ‌الباب السادس عشر في الحكم بين الفريقين وفصل النزاع بين الطائفتين

- ‌الباب السابع عشر: في استحباب تخير الصور الجميلة للوصال الذي يحبه الله ورسوله

- ‌الباب الثامن عشر: في أن دواء المحبين في كمال الوصال الذي أباحه رب العالمين

- ‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال

- ‌الباب العشرون: في علامات المحبة وشواهدها

- ‌الباب الحادي والعشرون: في اقتضاء المحبة إفراد الحبيب بالحب وعدم التشريك بينه وبين غيره فيه

- ‌الباب الثاني والعشرون: في غيرة المحبين على أحبابهم

- ‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

- ‌الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين

- ‌الباب السادس والعشرون: في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما

- ‌الباب السابع والعشرون: فيمن ترك محبوبه حراما فبذل له حلالا أو أعاذه الله خيرا منه

- ‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى وقد تقدم ذكر الآيات

الفصل: ‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

قال الله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} ولما أنزلت هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم قال قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ هذه الآيات

وقال الله تعالى {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} لى قوله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} قال تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} لآية وقال تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى

ص: 316

يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال تعالى {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قال تعالى {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} إن قيل فقد قال الله تعالى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال في الآية الآخرى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أمرهم بالاستعفاف إلى وقت الغنى وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخبر أنه تعالى يغنيهم فما محمل كل من الآيتين فالجواب أن قوله {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ي حق الأحرار أمرهم الله تعالى أن يستعفوا حتى يغنيهم الله من فضله فإنهم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا لم يقدروا عليها وليس لهم من يقوم بها عنهم وأما قوله وأنكحوا اللأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم فإنه سبحانه أمرهم فيها أن ينكحوا الأيامى وهن النساء اللواتي لا أزواج لهن هذا هو المشهور من لفظ الأيم عند الإطلاق وإن استعمل في حق الرجل بالتقييد مع أن العزب عند الإطلاق للرجل وإن استعمل في حق المرأة ثم أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح فالآية الأولى في حكم تزوجهم لأنفسهم والثانية في حكم تزويجهم لغيرهم وقوله في هذا القسم {وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} يعم الأنواع الثلاثة التي ذكرت فيه فإن الأيم تستغني بنفقة زوجها وكذلك الأمة وأما العبد فإنه لما كان لا مال له وكان ماله لسيده

ص: 317

فهو فقير ما دام رقيقا فلا يمكن أن يجعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا بل غناه إنما يكون إذا عتق واستغنى بهذا العتق والحاجة تدعوه إلى النكاح في الرق فأمر سبحانه بإنكاحه وأخبر أنه يغنيه من فضله إما بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته فلم يمكن أن ينتظر بنكاحه الغنى الذي ينتظر بنكاح الحر والله أعلم

وفي المسند وغيره مرفوعا "ثلاثة حق على الله عونهم المتزوج يريد العفاف والمكاتب يريد الآداء" وذكر الثالث

فصل وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره فإنه كان شابا والشباب مركب الشهوة وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه وكان غريبا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم فإذا تغرب زال هذا المانع وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر وكانت المرأة ذات منصب وجمال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان

ص: 318

ومكانه الذي لا تناله العيون وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا كله فعف لله ولم يطعها وقد حق الله وحق سيدها على ذلك كله وهذا أمر لو ابتلي به سواه لم يعلم كيف كانت تكون حاله فإن قيل فقد هم بها قيل عنه جوابان أحدهما أنه لم يهم بها بل لولا أن رأى برهان ربه لهم هذاقول بعضهم في تقدير الآية والثاني وهو الصواب أن همه كان هم خطرات فتركه لله فأثابه الله عليه وهمها كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم تصل إليه فلم يستو الهمان

قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه الهم همان هم خطرات وهم إصرار فهم الخطرات لا يؤاخذ به وهم الإصرار يؤاخذ به فإن قيل فكيف قال وقت ظهور براءته {وما أبرىء نفسى} قيل هذا قد قاله جماعة من المفسرين وخالفهم في ذلك آخرون أجل منهم وقالوا إن هذا من قول امرأة العزيز لا من قول يوسف عليه السلام والصواب معهم لوجوه أحدها أنه متصل بكلام المرأة وهو قولها {الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرىء نفسي} ومن جعله من قوله فإنه يحتاج إلى إضمار قول لا دليل عليه في اللفظ بوجه والقول في مثل هذا لا يحذف لئلا يوقع في اللبس فإن غايته أن يحتمل الأمرين فالكلام الأول أولى به قطعا

ص: 319

الثاني أن يوسف عليه السلام لم يكن حاضرا وقت مقالتها هذه قبل كان في السجن لما تكلمت بقولها {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} والسياق صريح في ذلك فإنه لما أرسل الملك إليه يدعوه قال للرسول {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فأرسل إليهم الملك وأحضرهن وسألهن وفيهن امرأته فشهدن ببراءته ونزاهته في غيبته ولم يمكنهن إلا قول الحق فقال النسوة {حاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} وقالت امرأة العزيز أنا روادته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فإن قيل لكن قوله {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} الأحسن أن يكون من كلام يوسف عليه السلام أي إنما كان تأخيري عن الحضور مع رسوله ليعلم الملك أني لم أخنه في امرأته في حال غيبته وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ثم إنه قال وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي إن ربي غفور رحيم وهذا من تمام معرفته بربه ونفسه فإنه لما أظهر براءته ونزاهته مما قذف به أخبر عن حال نفسه وأنه لا يزكيها ولا يبرئها فإنها أمارة بالسوء لكن رحمة ربه وفضله هو الذي عصمه فرد الأمر إلى الله بعد أن أظهر برءته قيل هذا وإن كان قد قاله طائفة فالصواب أنه من تمام كلامها فإن الضمائر كلها في نسق واحد يدل عليه وهو قول النسوة {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} وقول امرأة العزيز {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فهذه خمسة ضمائر بين بارز ومستتر ثم اتصل بها قوله {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} فهذا هو

ص: 320

المذكور أولا بعينه فلا شيء يفصل الكلام عن نظمه ويضمر فيه قول لا دليل عليه فإن قيل فما معنى قولها {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قيل هذا من تمام الاعتذار قرنت الاعتذار بالاعتراف فقالت ذلك أي قولي هذا وإقراري ببراءته ليعلم أني لم أخنه بالكذب عليه في غيبته وإن خنته في وجهه في أول الأمر فالآن يعلم أني لم أخنه في غيبته ثم اعتذرت عن نفسها بقولها وما أبرىء نفسى ثم ذكرت السبب الذي لأجله لم تبرىء نفسها وهي أن النفس أمارة بالسوء فتأمل ما أعجب أخر هذه المرأة أقرت بالحق واعتذرت عن محبوبها ثم اعتذرت عن نفسها ثم ذكرت السبب الحامل لها على ما فعلت ثم ختمت ذلك بالطمع في مغفرة الله ورحمته وأنه إن لم يرحم عبده وإلا فهو عرضة للشر فوازن بين هذا وبين تقدير كون هذا الكلام كلام يوسف عليه السلام لفظا ومعنى وتأمل ما بين التقديرين من التفاوت ولا يستبعد أن تقول المرأة هذا وهي على دين الشرك فإن القوم كانوا يقرون بالرب سبحانه وتعالى وبحقه وإن أشركوا معه غيره ولا تنس قول سيدها لها في أول الحال {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}

فصل وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان

ص: 321

تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما ثلاثة يمشون إذ أخذتهم السماء فأووا إلى غار في الجبل فانحطت عليهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا صالحة عملتموها فادعوا الله بها فقال بعضهم اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأة وصبيان وكنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني وأنه نآى بي الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم أزل كذلك حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله لهم فرجة وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم فأحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت عنها وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا من

ص: 322

هذه الصخرة ففرج الله لهم فرجة فقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق من أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فأعطيته فأبى أن يأخذه فزرعته ونميته حتى اشتريت له بقرا ورعاءها فجاءني بعد حين فقال يا هذا اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي فقلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فهو لك فقال اتق الله ولا تهزأ بي فقلت لا أستهزىء بك فخذ ذلك فأخذها وذهب فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي من الصخرة ففرج الله عنهم وخرجوا يمشون"

وقال عبيد الله بن موسى حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن سعد مولى طلحة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات ما حدثت به ولكن سمعته أكثر من ذلك قال: "كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط قال فتفعلين هذا ولم تفعليه قط قالت حملتني عليه الحاجة فتركها ثم قال اذهبي والدنانير لك ثم قال والله

ص: 323

لا يعصي الله ذو الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه غفر الله لذي الكفل" وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجب ربك من الشاب ليست له صبوة"

وذكر المبرد عن أبي كامل عن إسحاق بن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النخعي قال كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل في جوار قوم من النخع فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها وهام بها عقله ونزل بالجارية ما نزل به فأرسل يخطبها من أبيها فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي فقال للرسول ولا واحدة من هاتين الخلتين {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهيبها فلما أبلغها الرسول قوله قالت وأراه مع هذا يخاف الله والله ما أحد أحق بهذا من أحد وإن العباد فيه لمشتركون ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر فقال كيف أنت وما لقيت بعدي قالت:

ص: 324

نعم المحبة يا سؤلي محبتكم

حب يقود إلى خير وإحسان

فقال على ذلك إلى م صرت فقالت

إلى نعيم وعيش لا زوال له

في جنةالخلد ملك ليس بالفاني

فقال لها اذكريني هناك فإني لست أنساك فقالت ولا أنا والله أنساك ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالاجتهاد فقال لها متى أراك فقالت ستأتينا عن قريب فترانا فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات رحمه الله تعالى

وذكر الزبير بن بكار أن عبد الرحمن بن أبي عمار نزل مكة وكان من عباد أهلها فسمي القس من عبادته فمر يوما بجارية تغني فوقف فسمع غناءها فرآها مولاها فأمره أن يدخل عليها فأبى فقال فاقعد في مكان تسمع غناءها ولا تراها ففعل فأعجبته فقال له مولاها هل لك أن أحولها إليك فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك فنظر إليها فأعجبته فشغف بها وشغفت به وعلم بذلك أهل مكة فقالت له ذات يوم أنا والله أحبك فقال وأنا والله أحبك قالت فإني والله أحب أن أضع فمي على فمك قال وأنا والله أحب ذلك قالت فما يمنعك فإن الموضع خال قا لها ويحك إني سمعت الله يقول {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} فأنا والله أكره أن يكون صلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة في القيامة ثم نهض وعيناه تذرفان بالدموع من حبه

وقال عبد الملك بن قريب قلت لأعرابي حدثني عن ليلتك مع فلانة

ص: 325

قال نعم خلوت بها والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه قلت فما كان بينكما قال أقرب ما أحل الله مما حرم الله الإشارة بغير ماباس والدنو بغير إمساس ولعمري لئن كانت الأيام طالت بعدها لقد كانت قصيرة معها وحسبك بالحب

ما إن دعاني الهوى لفاحشة

إلا نهاني الحياء والكرم

فلا إلى فاحش مددت يدي

ولا مشت بي لريبة قدم

وقال آخر

وصفوها فلم أزل علم الل

هـ كئيبا مستولها مستهاما

هل عليها في نظرة من جناح

من فتى لا يزور إلا لماما

حال فيها الإسلام دون هواه

فهو يهوى ويحفظ الإسلاما

ويميل الهوى به ثم يخشى

أن يطيع الهوى فيلقى أثاما

وقال الحسين بن مطير

أحبك يا سلمى على غير ريبة

ولا بأس في حب تعف سرائره

أحبك حبا لا أعنف بعده

محبا ولكني إذا ليم عاذره

وقد مات قلبي أول الحب مرة

ولو مت أضحى الحب قد مات آخره

وقال محمد بن أبي زرعة الدمشقي

إن حظي ممن أحب كفاف

لا صدود مقص ولا إنصاف

كلما قلت قد أنابت إلى الوص

ل ثناها عما أريد العفاف

ص: 326

فكأني بين الصدود وبين ال

وصل ممن مقامه الأعراف

في محل بين الجنان وبين النا

ر أرجوطورا وطورا أخاف

وقال عثمان بن الضحاك الحزامي خرجت أريد الحج فنزلت بالأبواء فإذا امرأة جالسة على باب خيمة فأعجبني حسنها فتمثلت بقول نصيب

بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب

وقل إن تملينا فما ملك القلب

فقالت يا هذا أتعرف قائل هذا الشعر قلت نعم نصيب قالت فتعرف زينبه قلت لا قالت فأنا زينبه قلت حياك الله قالت أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين خرج إليه عام أول فوعدني هذا اليوم لعلك لا تبرح حتى تراه قال فبينا أنا كذلك إذا أنا براكب قالت ترى ذلك الراكب إني لأحسبه إياه قال فأقبل فإذا هو نصيب فنزل قريبا من الخيمة ثم أقبل فسلم حتى جلس قريبا منها يسائلها وتسائله أن ينشدها ما أحدث فأنشدها فقلت في نفسي محبان طال التنائي بينهما لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة فقمت إلى بعيري لأشد عليه فقال على رسلك إني معك فجلست حتى نهض معي فتسايرنا ثم التفت إلي فقال أقلت في نفسك محبان التقيا بعد طول التنائي فلا بد أن يكون لأحدهماإلى صاحبه حاجة قلت نعم قد كان ذلك قال ورب هذه البنية ما جلست منها مجلسا هو أقرب من هذا

وقال عمر بن شبة حدثنا أبو غسان قال سمعت بعض المدنيين يقول كان الرجل يحب الفتاة فيطوف بدارها حولا يفرح أن يرى من يراها فإن

ص: 327

ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار واليوم يشير إليها وتشير إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا لم يشك حبا ولم ينشد شعرا وقام إليها كأنه قد أشهد على نكاحها أبا هريرة رضي الله عنه وقال محمد بن سيرين كانوا يعشقون في غير ريبة وكان الرجل يأتي إلى القوم يتحدث عندهم لا يستنكر له ذلك وقال هشام بن حسان لكن اليوم لا يرضون إلا بالمواقعة وقيل لأعرابي ما تعدون العشق فيكم قال القبلة والضمة والغمزة وإذا نكح الحب فسد وقال المبرد كان العتبي يحب جارية تسمى ملك فكتب إليها

يا ملك قد صرت إلى خطة

رضيت منها فيك بالضيم

ما اشتملت عيني على رقدة

مذ غبت عن عيني إلى اليوم

فبت مفتوق مجاري البكا

معطل العين عن النوم

ووجدي الدهر بكم غلمة

فالموت من نفسي على سوم

يلومني الناس على حبكم

والناس أولى فيك باللوم

قال فكتبت إليه

إن تكن الغلمة هاجت بكم

فعالج الغلمة بالصرم

ليس بك الحب ولكنما

تدور من هذا على كوم

يقال كام الفحل يكوم كوما إذا نزا على الحجرة وأرادت هذه المعشوقة قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم

ص: 328

فإنه له وجاء"

وقال أبو الحسن المدائني هوي يعض المسلمين جارية بمكة فأرادها فامتنعت عليه فقال على لسان عطاء بن أبي رباح

سألت الفتى المكي هل في تعانق

وقبلة مشتاق الفؤاد جناح

فقال معاذ الله أن يذهب التقى

تلاصق أكباد بهن جراح

فقالت ألله سألت عطاءعن ذلك فقال لك هذا فقال اللهم نعم فزارته وجعلت تقول إياك أن تتعدى ما أفتاك به عطاء

وقال الزبير بن بكار عن عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون قال أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن

فما تولت حتى تضرعت حولها

وأقرأتها ما رخص الله في اللمم

فضحك محمد وقال إن كان وضاح لمفتيا في نفسه

وقال الأصمعي قيل لأعرابي ما كنت صانعا لو ظفرت بمن تهوى قال كنت أمتع عيني من وجهها وقلبي من حديثها وأستر منها مالا يحبه الله ولا يرضى كشفه إلا عند حله قيل فإن خفت أن لا تجتمعا بعد ذلك قال أكل قلبي إلى حبها ولا أصير بقبيح ذلك الفعل إلى نقض عهدها قال وقيل لآخر وقد زوجت عشيقته من ابن عمها وأهلها على إهدائها إليه أيسرك أن تظفر بها الليلة قال نعم والذي أمتعني بها وأشقاني بطلبها قيل فما كنت صانعا قال كنت أطيع الحب في لثمها وأعصي الشيطان في إثمها ولا أفسد

ص: 329

عشق عشر سنين بما يبقى عاره وتنشر بالقبيح أخباره في ساعة تنفد لذتها وتبقى تبعتها إني إذا للئيم لم يغذني أصل كريم

وقال عباس الدوري كان بعض أصحابنا يقول كان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الوزر والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها

لا خير في لذة من بعدها النار

وقال الحسين بن مطير

ونفسك أكرم عن أمور كثيرة

فما لك نفس بعدها تستعيرها

ولا تقرب المرعى الحرام فإنما

حلاوته تفنى ويبقى مريرها

وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى

وقال الخرائطي حدثنا إبراهيم بن الجنيد حدثنا عبد الله بن أبي بكر المقدمي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال سمعت مالك بن دينار يقول بينا أنا أطوف إذ أنا بجارية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول يا رب كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها أيا رب أما لك أدب إلا النار فما زال مقامها حتى طلع الفجر فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي خارجا أقول ثكلت مالكا أمه جويرية منذ الليلة قد بطلته

وطائفة بالبيت والليل مظلم

تقول ومنها دمعها يتسجم

أيا رب كم من شهوة قد رزئتها

ولذة عيش حبلها يتصرم

ص: 330

أما كان يكفي للعباد عقوبة

ولا أدبا إلا الجحيم المضرم

فما زال ذاك القول منها تضرعا

إلى أن بدا فجر الصباح المقدم

فشبكت مني الكف أهتف خارجا

على الرأس أبدى بعض ما كنت أكتم

وقلت لنفسي إذا تطاول ما بها

وأعيا عليها وردها المتغنم

ألا ثكلتك اليوم أمك مالكا

جويرية ألهاك منها التكلم

فمازلت بطالا بها طول ليلة

تنال بها حظا جسيما وتغنم

وقال مخرمة بن عثمان نبئت أن فتى من العباد هوى جارية من أهل البصرة فبعث إيها يخطبها فامتنعت وقالت إن أردت غير ذلك فعلت فأرسل إليها سبحان الله أدعوك إلى مالا إثم فيه وتدعينني إلى مالا يصلح فقالت قد أخبرتك بالذي عندي فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر فأنشأ يقول

وأسألها الحلال وتدع قلبي

إلى مالا أريد من الحرام

كداعي آل فرعون إليه

وهم يدعونه نحو الأثام

فظل منعما في الخلد يسعى

وظلوا في الجحيم وفي السقام

فلما علمت أنه قد امتنع من الفاحشة أرسلت إليه أنا بين يديك على الذي تحب فأرسل إليها لا حاجة لنا فيمن دعوناه إلى الطاعة ودعانا إلى المعصية ثم أنشد

لا خير فيمن لا يراقب ربه

عند الهوى ويخافه إيمانا

حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى

يخشى إذا وافى المعاد هوانا

ص: 331

وقال عبد الملك بن مروان لليلى الأخيلية بالله هل كان بينك وبين توبة سوء قط قالت والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي ما كان بيني وبينه سوء قط إلا أنه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي فظننت أنه يخنع لبعض الأمر فذلك معنى قولي

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا بنبغي أن نخونه

وأنت لأخرى صاحب وخليل

قالت لا والذي ذهب بنفسه ما كلمني بسوء قط حتى فرق بيني وبينه الموت

وقال ابن أحمر بينا أنا أطوف بالبيت إذ بصرت بامرأة متبرقعة تطوف بالبيت وهي تقول

لا يقبل الله من معشوقة عملا

يوما وعاشقها غضبان مهجور

ليست بمأجورة في قتل عاشقها

لكن عاشقها في ذاك مأجور

فقلت لها في هذا الموضع فقالت إليك عني لا يعلقك الحب قلت وما الحب قالت جل والله عن أن يخفى وخفي عن أن يرى فهو كالنار في أحجارها إن حركته أورى وإن تركته توارى ثم أنشدت تقول

غيد أوانس ما هممن بريبة

كظباء مكة صيدهن حرام

يحسبن من لين الحديث أوانسا

ويصدهن عن الخنا الإسلام

ص: 332

وقد روى محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا عبد الوارث عن محمد بن جحادة عن الوليد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة اتقت ربها وأحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها يوم القيامة ادخلي من أي أبواب الجنة شئت"

وقال الزبير بن بكار أخبرني سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثني أبي أن امرأة لقيت كثير عزة فقالت تسمع بالمعيدي خير من أن تراه قال مه رحمك الله فأنا الذي أقول

فإن أك معروق العظام فإنني

إذا ما وزنت القوم بالقوم أوزن

قالت وكيف توزن بالقوم وأنت لا تعرف إلا بعزة قال والله لئن قلت ذاك لقد رفع الله بها قدري وزين بها شعري وإنها لكما قلت

وما روضة بالحزن طاهرة الثرى

يمج الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزة موهنا

وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

من الخفرات البيض لم تلق شقوة

وبالحسب المكنون صاف نجارها

فإن برزت كانت لعينيك قرة

وإن غبت عنها لم يعمك عارها

ص: 333

قالت أرأيت حين تذكر طيبها فلو أن زنجية تخمرت بالمندل الرطب لطاب ريحها ألا قلت كما قال امرؤ القيس

خليلي مرا بي على أم جندب

نقضي لبانات الفؤاد المعذب

ألم ترياني كلما جئت طارقا

وجدت بها طيبا وإن لم تطيب

فقال والله الحق خير ما قيل هو والله أنعت لصاحبته مني

ودخلت عزة على عبد الملك بن مروان وهو لا يعرفها ترفع مظلمة لها فلما سمع كلامها تعجب منه فقال له بعض جلسائه هذه عزة كثير فقال لها عبد الملك إن أردت أن أرد عليك مظلمتك فأنشديني ما قال فيك كثير فاستحيت وقالت والله ما أعرف كثيرا ولكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في

قضى كل ذي دين فوقى غريمه

وعزة ممطول معنى غريمها

فقال عبد الملك ليس عن هذا أسألك ولكن أنشديني من قوله

وقد زعمت أني تغيرت بعدها

ومن ذا الذي يا عز لا يتغير

تغير جسمي والخليقة كالذي

عهدت ولم يخبر بسرك مخبر

قالت ما سمعت هذا ولكن سمعت الناس يحكون عنه أنه قال في

كأني أنادي صخرة حين أعرضت

من الصم لو تمشي بها العصم زلت

صفوح فما تلقاك إلابخيلة

فمن مل منها ذلك الوصل ملت

فقضى حاجتها ورد مظلمتها وقال أدخلوها على الجواري يأخذن من أدبها وذكرت عنه أنه قال فيها أيضا

ص: 334

وما نلت منها محرما غير أنني

أقبل بساما من الثغر أفلجا

وألثم فاها تارة ثم تارة

وأترك حاجات النفوس تحرجا

وقال الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال هل لكم في جميل نعوده فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه وما يخيل إلي إلا أن الموت يكرثه فنظر إلي ثم قال يا ابن سهل ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن ولم يقتل نفسا يشهد أن لا إله إلا الله قلت أظنه قد نجا وأرجو له الجنة فمن هذا الرجل قال أنا قلت والله ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة في بثينة فقال لا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة فإني في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة فما برحنا حتى مات

وقال عوانة بن الحكم كان عبد المطلب لا يسافر إلا ومعه ابنه الحارث وكان أكبر ولده وكان شبيها به جمالا وحسنا فأتى اليمن وكان يجالس عظيما من عظمائهم فقال له لو أمرت ابنك هذا يجالسني وينادمني ففعل فعشقت امرأته الحارث فراسلته فأبى عليها فألحت عليه فأخبر بذلك أباه فلما يئست منه سقته سم شهر فارتحل به عبد المطلب حتى إذا قدم مكة مات الحارث وذكرها هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وذكر رثاء أبيه له بقصيدته التي فيها

ص: 335

والحارث الفياض أكرم ماجد

أيام نازعه الهمام الكاسا

ولما احتضر أبو سفيان بن الحارث هذا وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهله لا تبكوا علي فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت

ولما قدم عروة بن الزبير علىالوليد بن عبد الملك خرجت برجله الآكلة فاجتمع رأي الأطباء على نشرها وأنه إن لم يفعل سرت إلى جسمه فهلك فلما عزم على ذلك قالوا له نسقيك مرقدا قال ولم قالوا لئلا تحس بما يصنع قال لا بل شأنكم فنشروا ساقه بالمنشار فما أزال عضوا عن عضو حتى فرغوا منها ثم حسموها فلما نظر إليها في أيديهم تناولها وقال الحمد لله أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط

ولما حضرت عمر بن أبي ربيعة الوفاة بكى عليه أخوه الحارث فقال له عمر يا أخي إن كان أسفك لما سمعت من قولي قلت لها وقالت لي فكل مملوك لي حر إن كنت كشفت حراما قط فقال الحارث الحمد لله تعالى طيبت نفسي

وقال سفيان بن محمد دخلت يوما عزة على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز فقالت يا عزة ما قول كثير

قضى كل ذي دين فوفى غريمه

وعزة ممطول معنى غريمها

ص: 336

ما كان هذا الدين فقالت كنت وعدته بقبلة فتحرجت منها فقالت أم البنين أنجزيها وعلي إثمها قالت فأعتقت أم البنين بكلمتها هذه أربعين رقبة وكانت إذا ذكرتها بكت وقالت ليتني خرست ولم أتكلم بها

ولما احتضر ذو الرمة قال لقد هممت بمي عشرين سنة في غير ريبة ولا فساد

وكان الحارث بن خالد بن هشام المخزمي عاشقا لعائشة بنت طلحة وله فيها أشعار أفرد لها ابن المرزبان كتابا فلما قتل عنها مصعب بن الزبير قيل للحارث ما يمنعك الآن منها قال والله لا يتحدث رجالات قريش أن تشبيبي بها كان لريبة ولشيء من الباطل

وقال ابن علاقة دخلت على رجل من الأعراب خيمته وهو يئن فقلت ما شأنك قال عاشق فقلت له ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عفة فجعلت أعذله وأزهده فيما هو فيه فتنفس الصعداء ثم قال

ليس لي مسعد فأشكو إليه

إنما يسعد الحزين الحزين

وقال سعيد بن عقبة لأعرابي ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا قال عذري ورب الكعبة فقلت له ومم ذاك قال في نسائنا صباحة وفي رجالنا عفة

وقال سفيان بن زياد قلت لامرأة من عذرة ورأيت بها هوى غالبا خفت عليها الموت منه ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب فقالت فينا جمال وتعفف والجمال يحملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفني آجالنا وإنا نرى عيونا لا ترونها

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى قال رجل من بن بني فزارة لرجل من

ص: 337

بني عذرة ما يعد موتكم من الحب مزيه وإنما ذاك من ضعف البنية ووهن العقل وضيق الرئة فقال له العذري أما لو رأيتم المحاجر البلج ترشق بالأعين الدعج من فوقها الحواجب الزج والشفاه السمر تفتر عن الثنايا الغر كأنها نظم الدر لجعلتموها اللات والعزى ونبذتم الإسلام وراء ظهوركم

وقال بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف يقول في مرضه الذي مات فيه اللهم إنك تعلم أني لم أطأ فرجا حراما قط وأنا أعلم ولم آكل درهما حراما قط وأنا أعلم

وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي دخلت على المعتضد وعلى رأسه غلمان صباح الوجوه أحداث فنظرت إليهم فرآني المعتضد وأنا أتأملهم فلما أردت القيام أشار إلي فمكثت ساعة فلما خلا قال لي أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط

وقال اليزيدي جلس محمد بن منصور بن بسام وعلى رأسه عدة خدم لم ير قط أحسن منهم ما منهم من ثمنه ألف دينار بل أكثر فجعل الناس ينظرون إليهم فقال محمد هم أحرار لوجه الله إن كان الله كتب علي ذنبا مع واحد منهم فمن عرف خلاف ذلك منهم فليمض فإنه قد عتق وهو في حل مما يأخذ من مالي

وقال إبراهيم بن أبي بكر بن عياش شهدت أبي عند الموت فبكيت فقال ما يبكيك فما أتى أبوك فاحشة قط

ص: 338

وقال عمر بن حفص بن غياث لما حضرت أبي الوفاة أغمي عليه فبكيت عند رأسه فقال لي حين أفاق ما يبكيك قلت أبكي لفراقك ولما دخلت فيه من هذا الأمر يعني القضاء قال لا تبك فإني ما حللت سراويلي على حرام قط ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من توجه الحكم منهما

وقال سفيان بن أحمد المصيصي شهدت الهيثم بن جميل وهو يموت وقد سجي نحو القبلة فقامت جاريته تغمز رجليه فقال اغمزيهما فإن الله يعلم أنهما ما مشتا إلى حرام قط

وقال محمد بن إسحاق نزل السري بن دينار في درب بمصر وكانت فيه امرأة جميلة فتنت الناس بجمالها فعلمت به المرأة فقالت لأفتننه فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها فقال مالك فقالت هل لك في فراش وطي وعيش رخي فأقبل عليها وهو يقول

وكم ذي معاص نال منهن لذة

ومات فخلاها وذاق الدواهيا

تصرم لذات المعاصي وتنقضي

وتبقى تباعات المعاصي كما هيا

فيا سوءتا والله راء وسامع

لعبد بعين الله يغشى المعاصيا

وقال عمر بن بكير قال أعرابي علقت امرأة كنت آتيها فأحدثها سنين وما جرت بيننا ريبة قط إلا أني رأيت بياض كفيها في ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه لا تفسد ما بيني وبينك فإنه ما نكح حب

ص: 339

قط إلا فسد قال فقمت وقد تصببت عرقا حياء منها ولم أعد إلى شيء من ذلك

وذكر أبو الفرج وغيره أن امرأة جميلة كانت بمكة وكان لها زوج فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتتن به قال نعم قالت من قال عبيد بن عمير قالت فائذن لي فيه فلأفتننه قال قد أذنت لك قال فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر فقال لها يا أمة الله استتري فقالت إني قد فتنت بك قال إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك قالت لا تسألني عن شيء إلا صدقتك قال أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو دخلت قبرك وأجلست للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو أردت الممر على الصراط ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال اتسقي الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك قال فرجعت إلى زوجها فقال ما صنعت قالت أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي كانت في كل ليلة عروسا فصيرها راهبة

ص: 340

وقال سعيد بن عبد الله بن راشد علقت فتاة من العرب فتى من قومها وكان عاقلا فجعلت تكثر التردد إليه فلما طال عليها ذلك مرضت وتغيرت واحتالت في أن خلا لها وجهه فتعرضت إليه ببعض الأمر فصرفها ودفعها عنه فتزايد المرض حتى سقطت على الفراش فقالت له أمه إن فلانة قد مرضت وها علينا حق قال فعوديها وقولي لها يقول لك ما خبرك فسارت إليها أمه وسألتها ما بك فقالت وجع في فؤادي هو أصل علتي قالت فإن ابني يسألك عن علتك فتنفست الصعداء ثم قالت

يسائلني عن علتي وهو علتي

عجيب من الأنباء جاء به الخبر

فانصرفت إليه أمه وأخبرته وقالت له تريد أن تصير إليك فقال نعم فذكرت أمه لها ذلك فبكت وقالت

ويبعدني عن قربه ولقائه

فلما أذاب الجسم مني تعطفا

فلست بآت موضعا فيه قاتلي

كفاني سقاما أن أموت تلهفا

وتزايدت بها العلة حتى ماتت

وأحب رجل من أهل الكوفة يسمى أبا الشعثاء امرأة جميلة فلما علمت به كتبت إليه وقالت

لأبي الشعثاء حب دائم

ليس فيه تهمة لمتهم

يا فؤادي فازدجر عنه ويا

عبث الحب به فاقعد وقم

جاءني منه كلام صائد

ورسالات المحبين الكلم

ص: 341

صائد يأمنه غزلانه

مثل ما يأمن غزلان الحرم

صل إن أحببت أن تعطى المنى

يا أبا الشعثاء لله وصم

ثم ميعادك بعد الموت في

جنة الخلد إن الله رحم

حيث ألقاك غلاما ناشئا

ناعما قد كملت فيه النعم

وقال الأصمعي عن أبي سفيان بن العلاء قال بصرت الثريا بعمر بن أبي ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكرت وفي كفها خلوق فزحمته فأثر الخلوق في ثوبه فجعل الناس يقولون يا أبا الخطاب ما هذا زي المحرم فأنشأ يقول

أدخل الله رب موسى وعيسى

جنة الخلد من ملاني خلوقا

مسحت كفها بجيب قميصي

حين طفنا بالبيت مسحا رفيقا

فقال له عبد الله بن عمر مثل هذا القول في هذا الموضع فقال له يا أبا عبد الرحمن قد سمعت مني ما قد سمعت فورب هذه البنية ما حللت إزاري على حرام قط

وقيل لليلى الأخيلية هل كان بينك وبين توبة ما يكرهه الله قالت إذا أكون منسلخة من ديني إن كنت ارتكبت عظيما ثم أتبعه بالكذب

وقال العتبي خرجت إلى المربد فإذا بأعرابي غزل فملت إليه فذكرت النساء فتنفس ثم قال يا ابن أخي إن من كلامهن لما يقوم مقام الماء فيشفي من الظمأ فقلت صف لي نساءكم فقال نساء الحي تريد قلت نعم فأنشأ يقول

ص: 342

رجح ولسن من اللواتي بالضحى

لذيولهن على الطريق غبار

يأنسن عند بعولهن إذا خلوا

وإذا هم خرجوا فهن خفار

قال العتبي فأخبرت به أبي قال تدري من أين أخذ قوله وإن من كلامهن ما يقوم مقام الماء فيشفي من الظمأ قلت لا قال من قول القطامي

قتلننا بحديث ليس يعلمه

من يتقين ولا مكنونه بادي

فهن يبدين من قول يصبن به

مواقع الماء من ذي الغلة الصادي

وهذه الطائفة لعفتهم أسباب أقواها إجلال الجبار ثم الرغبة في الحور الحسان في دار القرار فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه منعه من الاستمتاع بالحور الحسان هناك قال من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة فلا يجمع الله للعبد لذة شرب الخمر ولبس الحرير والتمتع بما حرم الله عليه من النساء والصبيان ولذة التمتع بذلك في الآخرة فليتخير العبد لنفسه إحدى اللذتين وليطب نفسا عن إحداهما بالأخرى فلن يجعل الله من أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها كمن صام عنها ليوم فطره من الدنيا إذا لقي الله ودون ذلك مرتبة أن يتركها خوف النار فقط فإن تركها رغبة ومحبة أفضل من تركها لمجرد خوف العقوبة

ص: 343

ثم أدنى من ذلك أن يحمله عليها خوف العار والشنار ومنهم من يحمله على العفة الإبقاء على محبته خشية ذهابها بالوصال ومنهم من يحمله عليها عفة محبوبه ونزاهته ومنهم من يحمله عليها الحياء منه والاحتشام له وعظمته في صدره ومنهم من يحمله عليها الرغبة في جميل الذكر وحسن الأحدوثة ومنهم من يحمله عليها الإبقاء على جاهه ومروءته وقدره عند محبوبه وعند الناس ومنهم من يحمله عليها كرم طبعه وشرف نفسه وعلو همته ومنهم من يحمله عليها لذة الظفر بالعفة فإن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس ثم تعقبها اللذة وأما قضاء الوطر فبالضد من ذلك ومنهم من يحمله عليها علمه بما تعقبه اللذة المحرمة من المضار والمفاسد وجمع الفجور خلال الشر كلها كما ستقف عليه في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى

فصل ولم يزل الناس يفتخرون بالعفة قديما وحديثا قال إبراهيم بن هرمة

ولرب لذة ليلة قد نلتها

وحرامها بحلالها مدفوع

وقال غيره

إذا ما هممنا صدنا وازع التقى

فولى على أعقابه الهم خاسئا

وقال آخر

أتأذنون لصب في زيارتكم

فعندكم شهوات السمع والبصر

لا يضمر السوء إن طالت إقامته

عف الضمير ولكن فاسق النظر

ص: 344

وقال مسلم بن الوليد

ألا ريب يوم صادق العيش نلته

بها ونداماي العفافة والنهى

وقال آخر

إن تريني زاني العينين

فالفرج عفيف

ليس إلا النظر الفا

تر والشعر الظريف

وقال الموسوي

بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى

يلفنا الشوق من فرق إلى قدم

يشي بنا الطيب أحيانا وآونة

يضيئنا البرق مجتازا على إضم

ثم انثنينا وقد رابت ظواهرنا

وفي بواطننا بعد عن التهم

وقال نفطويه

كم قد خلوت بمن أهوى فيمنعني

منه الحياء وخوف الله والحذر

وكم ظفرت بمن أهوى فيقنعني

منه الفكاهة والتجميش والنظر

أهوى الحسان وأهوى أن أجالسهم

وليس لي في حرام منهم وطر

كذلك الحب لا إتيان معصية

لا خير في لذة من بعدها سقر

وقال الشهاب محمود بن سليمان صاحب ديوان الإنشاء الحلبي

ص: 345

لله وقفة عاشقين تلاقيا

من بعد طول نوى وبعد مزار

يتعاطيان من الغرام مدامة

زادتهما بعدا من الأوزار

صدقا الغرام فلم يمل طرف إلى

فحش ولا كف لحل إزار

فتلاقيا وتفرقا وكلاهما

لم يخش مطعن عائب أو زار

وقيل لبثينة هذا جميل لما به فهل عندك من حيلة تنفسين بها وجده فقالت ما عندي أكثرمن البكاء إلى أن ألقاه في الدار الأخرى أو زيارته وهو ميت تحت الثرى وقيل لعتبة بعد موت عاشقها ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك قالت منعني من ذلك خوف العار وشماتة الجار ومخافة الجبار وإن بقلبي أضعاف ما بقلبه غير أني أجد ستره أبقى للمودة وأحمد للعاقبة وأطوع للرب وأخف للذنب

وهوي فتى امرأة وهويته وشاع خبرهما فاجتمعا يوما خاليين فقال لها هلمي نحقق ما يقال فينا فقالت لا والله لا كان هذا أبدا وأنا أقرأ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وقيل لبعضهم وقد هوي جارية فطال عشقه بها ما أنت صانع لوظفرت بها ولا يراكما إلا الله قال والله لا جعلته أهون الناظرين إلي لا أفعل بها خاليا إلا ما أفعله بحضرة أهلها حنين طويل ولحظ من بعيد وأترك ما يسخط الرب ويفسد الحب

إذا كان حظ المرء ممن يحبه

حراما فحظي ما يحل ويجمل

حديث كماء المزن بين فصوله

عتاب به حسن الحديث يفصل

ص: 346

ولثم فم عذب اللثات كأنما

جناهن شهد فت فيه القرنفل

وما العشق إلا عفة ونزاهة

وأنس قلوب أنسهن التغزل

وإني لأستحيي الحبيب من التي

تريب وأدعى للجميل فأجمل

وقال آخر

وإني لمشتاق إلى كل غاية

من المجد يكبو دونها المتطاول

بذول لمالي حين يبخل ذو النهى

عفيف عن الفحشاء قرم حلاحل

وما ألطف قوله حين يبخل ذو النهى فإن ذا النهى لا يبخل إلا في موضع البخل فأخبر هذا أنه يبذل ماله حين يبخل به ربه في موضع البخل

وقال عامر بن حذافة رأيت بصحار جارية قد ألصقت خدها بقبر وهي تبكي وتقول

خدي يقيك خشونة اللحد

وأقل ما لك سيدي خدي

يا ساكن الترب الذي بوفاته

عميت علي مسالك الرشد

إسمع فديتك قصتي فلعلني

أشفي بذلك غلة الوجد

قال فسألتها عن صاحب القبر فقالت فتى رافقته في الصبا ثم أنشأت تقول

كنا كزوج حمائم في أيكة

متنعمين بصحة وشباب

فغدا الزمان مشتتا بفراقه

إن الزمان مفرق الأحباب

ص: 347

قال فبكيت لرقة شعرها فأنشأت تقول

تبكي عليه ولست تعرف أمره

فلأعلمنك حاله ببيان

ما كان للعافين غير نواله

فإذا استجير ففارس الفرسان

لا يتبع الجيران رفة طرفه

ويتابع الإحسان للجيران

عف السريرة والجهيرة مثلها

فإذا استضم أراك فتق طعان

فقلت أعلميني من هو قالت سنان بن وبرة الذي يقول فيه الشاعر

يا رائدا غيثا لنجعة قومه

يكفيك من غيث نوال سنان

ثم قالت يا هذا والله لولا أنك غريب ما متعك من حديثي قلت فكيف كان حبه لك قالت ما كان يوسدني إذا نمت إلا يده فمكثت معه أربعة أحوال ما توسدت غيرها إلا في حال يمنعه مانع

وقال سعيد بن يحيى الأموي حدثني عمي محمد بن سعيد حدثنا عبد الملك ابن عمير قال كان أخوان من ثقيف من بني كنة بينهما من التحاب شيء لا يعلمه إلا الله وكل واحد منهما أخوه عنده عدل نفسه فخرج الأكبر منهما إلى سفر له وله امرأة فأوصى أخاه بحاجة أهله فبينا المقيم في دار الظاعن إذ مرت امرأة أخيه في درع تجوز من بيت إلى بيت وكانت من أجمل البشر فرأى شيئا حيره فلما رأته ولت ووضعت يدها على رأسها ودخلت بيتا ووقع حبها في قلبه فجعل يذوب وينحل جسمه ويتغير لونه وقدم أخوه فقال مالك يا أخي متغيرا ما وجعك قال ما بي من وجع فدعا له الأطباء فلم يقف

ص: 348

أحد على دائه غير الحارث بن كلدة وكان طبيبا فقال أرى عينين صحيحتين وما أدري ما هذا الوجع وما أظنه إلا عاشقا فقال له أخوه سبحان الله أسألك عن وجع أخي وأنت تستهزىء بي فقال ما فعت وسأسقيه شرابا عندي فإن كان عاشقا فسيتبين لكم فأتاه بشراب فجعل يسقيه قليلا قليلا فلما أخذه الشراب هاج وقال

ألما بي على الأبيا

ت من خيف نزرهنه

غزال ما رأيت اليو

م في دور بني كنه

أسيل الخد مربوب

وفي منطقه غنه

فقال أنت طبيب العرب فبمن قال سأعيد له الشراب ولعله يسمي فأعاد له الشراب فسمى المرأة فطلقها أخوه ليتزوجها فقال المريض علي كذا وكذا إن تزوجتها فقضى ولم يتزوجها

وقال علي بن المبارك السراج حدثنا أبو مسهر عن بكر بن عبد الله قال عرض الحجاج بن يوسف سجنه يوما فأتي برجل فقال ما كان جرمك فقال أصلح الله الأمير أخذني العسس وأنامخبرك بخبري فإن كان الكذب ينجي فالصدق أولى بالنجاة قال وما قصتك قال كنت أخا لفلان فضرب الأمير عليه البعث إلى خراسان فكانت امرأته تهواني وأنا لا أشعر فبعثت إلي ذات يوم رسولا أن قد جاء كتاب صاحبك فهلم لتقرأه فمضيت إليها فجعلت تشغلني بالحديث حتى صلينا المغرب ثم أظهرت لي ما في نفسها مني ودعتني إلى السوء فأبيت ذلك فقالت والله لئن لم تفعل لأصيحن ولأقولن

ص: 349

إنك لص فخفتها والله أيها الأمير على نفسي فقلت أمهليني حتى الليل فلما صليت العتمة وثقت بشدة حرس الأمير فخرجت من عندها هاربا وكان القتل أيسر علي من خيانة أخي فلقيني عسس الأمير فأخذوني وقد قلت في ذلك شعرا قال وما قلت فقال

رب بيضاء آنس ذات دل

قد دعتني لوصلها فأبيت

لم يكن شأني العفاف ولكن

كنت خلا لزوجها فاستحيت

فأمر بإطلاقه

وقال الربيع بن زياد رأيت جارية عند قبر وهي تقول

بنفسي فتى أوفى البرية كلها

وأقواهم في الموت صبرا على الحب

فقلت لها بم صار أوفاهم وأقواهم قالت هويني فكان أهلي إن جاهر بحبي لاموه وإن كتمه عنفوه فلما أخذه الأمر قال

يقولون إن جاهرت قد عضك الهوى

وإن لم أبح بالحب قالوا تصبرا

وليس لمن يهوى ويكتم حبه

من الأمر إلا أن يموت فيعذرا

ولم يزل يردد هذين البيتين حتى مات فوالله يا هذا لا أبرح أو يتصل قبرانا ثم شهقت شهقة فصاح النساء وقلن قضت والذي اختار لها الوفاة فما رأيت أسرع ولا أوحى من أمرها قال ابن الدمينة

وبتنا فويق الحي لا نحن منهم

ولا نحن بالأعداء مختلطان

وبات بقينا ساقط الطل والندى

من الليل بردا يمنة عطران

ص: 350

نذور بذكر الله عنا غوى الصبا

إذا كان قلبانا له يردان

ونصدر عن ري العفاف وربما

نقعنا غليل الحب بالرشفان

قال أبو الفرج وشت جارية بثينة بها إلى أبيها وأخيها وقالت لهما إن جميلا عندها فأتيا مشتملين على سيفيهما فرأياه خاليا حجرة منها يحدثها ويشكو إليها بثه ثم قال لها يا بثينة أرأيت ما بي من الشغف والعشق ألا تجزينيه قالت له بماذا قال بما يكون من المتحابين فقالت له يا جميل أهذا تبغي والله لقد كنت عندي بعيدا منه فإذا عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا فضحك وقال والله ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك ولو علمت أنك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين غيري ولو رأيت منك مساعدة لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي إن طاوعتني نفسي أو هجرتك أبدا أما سمعت قولي

وإني لأرضى من بثينة بالذي

لو أبصره الواشي لقرت بلابله

بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى

وبالأمل المرجو قد خاب آمله

وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي

أواخره لا نلتقي وأوائله

فقال أبوها لأخيها قم بنا فما ينبغي لنا بعد هذا اليوم أن نمنع هذا الرجل من إتيانها

ص: 351