المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط العلمية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في أسماء المحبة

- ‌الباب الثاني: في اشتغال هذه الأسماء ومعانيها

- ‌الباب الثالثفي نسبة هذه الأسماء بعضها إلى بعض هل هي بالترادف أو التباين

- ‌الباب الرابع: في أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وأن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب

- ‌الباب الخامس:في دواعي المحبة ومتعلقها

- ‌الباب السادس: في أحكام النظر وعائلته وما يجني على صاحبه

- ‌الباب السابع: في ذكر مناظرة بين القلب والعين ولوم كل واحد منهما صاحبه والحكم بينهما

- ‌الباب الثامن: في ذكر الشبه التي احتج بها من أباح النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به وأباح عشقه

- ‌الباب: التاسع في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة وما لها وما عليها في هذا الاحتجاج

- ‌الباب العاشر: في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناسفيه

- ‌الباب الحادي عشر: في العشق هل هو اضطراري خارج عن الاختيار أو أمر اختياري واختلاف الناس في ذلك وذكر الصواب فيه

- ‌الباب الثاني عشر: في سكرة العشاق

- ‌الباب الثالث عشر: في أن اللذة تابعة للمحبة في الكمال والنقصان

- ‌لباب الرابع عشر: فيمن مدح العشق وتمناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه

- ‌الباب الخامس عشر فيمن ذم العشق وتبرم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه

- ‌الباب السادس عشر في الحكم بين الفريقين وفصل النزاع بين الطائفتين

- ‌الباب السابع عشر: في استحباب تخير الصور الجميلة للوصال الذي يحبه الله ورسوله

- ‌الباب الثامن عشر: في أن دواء المحبين في كمال الوصال الذي أباحه رب العالمين

- ‌الباب التاسع عشر: في ذكر فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال

- ‌الباب العشرون: في علامات المحبة وشواهدها

- ‌الباب الحادي والعشرون: في اقتضاء المحبة إفراد الحبيب بالحب وعدم التشريك بينه وبين غيره فيه

- ‌الباب الثاني والعشرون: في غيرة المحبين على أحبابهم

- ‌الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

- ‌الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين

- ‌الباب السادس والعشرون: في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما

- ‌الباب السابع والعشرون: فيمن ترك محبوبه حراما فبذل له حلالا أو أعاذه الله خيرا منه

- ‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى وقد تقدم ذكر الآيات

الفصل: ‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار فامتنع ورده فقلت له أترد هذا القدر مع شدة فاقتك فقال إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله ولست أرى تمكين هذا الذمي منها غيرة على القرآن فاتفق أن غنت جارية بحضرة الوائق يقول العرجي

أظلوم إن مصابكم رجلا

أهدى السلام تحية ظلم

فاختلف أهل مجلسه في إعراب رجل فمنهم من قال هو نصب وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية أصرت على النصب وقالت لقنني إياه كذلك شيخي أبو عثمان المازني فأمر الواثق بإحضاره إلى بين يديه قال فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أي الموازن أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قلت من مازن ربيعة فكلمني بكلام قومي فقال لي با اسمك وقومي يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت أن أواجهه بلفظة مكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وأعجب به فقال ما تقول في قول الشاعر

أظلوم إن مصابكم رجلا

أهدى السلام تحية ظلم

أترفع رجلا أم تنصبه فقلت الوجه النصب يا أمير المؤمنين فقال ولم ذلك فقلت لأن مصابكم مصدر بمعنى إصابتكم فأخذ البزيدي في معارضتي فقلت هو بمنزلة قولك إن ضربك زيدا ظلم فرجلا مفعول مصابكم ومنصوب به والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن تقول ظلم فيتم فاستحسنه الواثق وقال هل لك من ولد قلت نعم يا أمير المؤمنين بنية قال فما قالت لك عند مسيرك إلينا قلت أنشدت قول الأعشى

ص: 457

أيا أبتا لا ترم عندنا

فإنا بخير إذا لم ترم

ترانا إذا أضمرتك البلا

د بجفى وتقطع منا الرحم

قال فما قلت لها قال قلت قول جرير

ثقي بالله ليس له شريك

ومن عند الخليفة بالنجاح

فقال علي النجاح إن شاء الله ثم أمر لي بألف دينار وردني إلى البصرة مكرما فقال أبو العباس المبرد فلما عاد إلى البصرة قال لي كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة دينار فعوضنا الله ألفا

ص: 458

ابن عم لها فأرادها عن نفسها فامتنعت عليه وقالت

فما طعم ماء من السحاب مروق

تحدر من غر طوال الذوائب

بمنعرج أو بطن واد تطلعت

عليه رياح الصيف من كل جانب

ترقرق ماء المزن فيهن والتقت

عليهن أنفاس الرياض الغرائب

نفت جرية الماء القذى عن متونه

فليس به عيب تراه لشارب

بأطيب مما يقصر الطرف دونه

تقى الله واستحياء تلك العواقب

ص: 458

الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

هذا باب إنما يدخل منه رجلان أحدهما من تمكن من قلبه الإيمان بالآخرة وما أعد الله فيها من الثواب والعقاب لمن عصاه فآثر أدنى الفوتين واختار أسهل العقوبتين والثاني رجل غلب عقله على هواه فعلم ما في الفاحشة من المفاسد وما في العدول عنها من المصالح فآثر الأعلى على الأدنى وقد جمع الله سبحانه وتعالى ليوسف الصديق صلوات الله وسلامه عليه بين الأمرين فاختار عقوبة الدنيا بالسجن على ارتكاب الحرام فقالت المرأة ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاختار السجن على الفاحشة ثم تبرأ إلى الله من حوله وقوته وأخبر أن ذلك ليس إلا بمعونة الله له وتوفيقه وتأييده لا من نفسه فقال {وَإِلَاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فلا يركن العبد إلى نفسه وصبره وحاله وعفته ومتى ركن إلى ذلك تخلت عنه عصمة الله وأحاط به الخذلان وقد قال الله تعالى لأكرم الخلق عليه وأحبهم إليه {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} ولهذا كان من دعائه يا مقلب

ص: 459

القلوب ثبت قلبي على دينك وكانت أكثر يمينه لا ومقلب القلوب كيف وهو الذي أنزل عليه {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} وقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام أعقبه ذلك في الدنيا المسرة التامة وإن هلك فالفوز العظيم والله تعالى لا يضيع ما تحمل عبده لأجله

وفي بعض الآثار الإلهية يقول الله سبحانه وتعالى بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي وكل من خرج عن شيء منه لله حفظه الله عليه أو أعاضه الله ما هو أجل منه ولهذا لما خرج الشهداء عن نفوسهم لله جعلهم الله أحياء عنده يرزقون وعوضهم عن أبدانهم التي بذلوها له أبدان طير خضر جعل أرواحهم فيها تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش ولما تركوا مساكنهم له عوضهم مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم

وقال وهب بن منبه كان عابد من عباد بني إسرائيل يتعبد في صومعة فجاء رجل من بني إسرائيل إلى امرأة بغي فبذل لها مالا وقال لعلك أن تفتنيه فجاءته في ليلة مطيرة فنادته فأشرف عليها فقالت آوني إليك فتركها وأقبل على صلاته فقالت يا عبد الله آوني إليك أما ترى الظلمة والمطر فلم تزل به حتى آواها فاضطجعت قريبا منه فجعلت تريه محاسنها حتى دعته نفسه إليها فقال لا والله حتى أنظر كيف صبرك على النار فتقدم إلى

ص: 460

المصباح فوضع إصبعا من أصابعه حتى احترقت ثم عاد إلى صلاته فدعته نفسه إليها فعاود المصباح فوضع إصبعه الأخرى حتى احترقت فلم يزل تدعوه نفسه وهو يعود إلى المصباح حتى احترقت أصابعه جميعا وهي تنظر فصعقت وماتت

وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أمية بن شبل عن عبد الله بن وهب قال لا أعلمه إلا ذكره عن أبيه أن عابدا من بني إسرائيل كان في صومعته يتعبد فإذا نفر من الغواة قالوا لو استنزلناه بشيء فذهبوا إلى امرأة بغي فقالوا لها تعرضى له فجاءته في ليلة مظلمة مطيرة فقالت يا عبد الله آوني إليك وهو قائم يصلي ومصباحه ثاقب فلم يلتفت إليها فقالت يا عبد الله الظلمة والغيث آوني إليك فلم تزل به حتى أدخلها إليه فاضطجعت وهو قائم يصلي فجعلت تتقلب وتريه محاسن خلقها حتى دعته نفسه إليها فقال لا والله حتى أنظر كيف صبرك على النار فدنا إلى المصباح فوضع إصبعا من أصابعه فيه حتى احترقت قال ثم رجع إلى مصلاه قال فدعته نفسه أيضا فعاد إلى المصباح فوضع إصبعه أيضا حتى احترقت أصابعه وهي تنظر إليه فصعقت فماتت فلما أصبحوا غدوا لينظروا ما صنعت فإذا بها ميتة فقالوا يا عدو الله يا مرائي وقعت عليها ثم قتلتها قال فذهبوا به إلى ملكهم فشهدوا عليه فأمر بقتله فقال دعوني حتىأصلي ركعتين قال فصلى ثم دعا فقال أي رب إني أعلم أنك لم تكن لتؤاخذني بما لم أفعل ولكن اسألك أن لا أكون عارا على القرى بعدي قال فرد الله نفسها فقالت أنظروا إلى يده ثم عادت ميتة

ص: 461

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم قال بينما رجل عابد عند امرأة إذ عمد فضرب بيده على فخذها فأخذ يده فوضعها في النار حتى نشت

وقال حصين بن عبد الرحمن بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان عمر يتفقده إذا غاب فعشقته امرأة من أهل المدينة فذكرت ذلك لبعض نسائها فقالت أنا أحتال لك في إدخاله عليك فقعدت له في الطريق فلما مر بها قالت له إني امرأة كبيرة السن ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها فلو دخلت فحلبتها لي وكانوا أرغب شيء في الخير فدخل فلم ير شاة فقالت اجلس حتى آتيك بها فإذا المرأة قد طلعت عليه فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه فأرادته عن نفسه فأبى وقال اتقي الله أيتها المرأة فجعلت لا تكف عنه ولا تلتفت إلى قوله فلما أبى عليها صاحت عليه فجاءوا فقالت إن هذا دخل علي يريدني عن نفسي فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه فلما صلى عمر الغداة فقده فبينا هو كذلك إذ جاءوا به في وثاق فلما رآه عمر قال اللهم لا تخلف ظني به قال مالكم قالوا استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه فقال عمر رضي الله عنه اصدقني فأخبره بالقصة على وجهها فقال له عمر رضي الله عنه أتعرف العجوز فقال نعم إن رايتها عرفتها فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزهن فجاء بهن فعرضهن فلم يعرفها فيهن حتى مرت به العجوز فقال هذه يا أمير المؤمنين فرفع عمر عليها الدرة وقال أصدقيني فقصت عليه القصة كما قصها الفتى فقال عمر الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف

ص: 462

وقال أبو الزناد كان راهب يتعبد في صومعته فأشرف منها فرأى امرأة ففتن بها فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها فنزلت عليه العصمة فقال رجل خرجت من الصومعة لتعصي الله والله لا تعود معي في صومعتي فتركها معلقة خارج الصومعة يسقط عليها الثلوج والأمطار حتى تناثرت وسقطت فشكر الله ذلك من صنعه ومدحه في بعض كتبه بذي الرجل

وقال مصعب بن عثمان كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها فدخلت عليه امرأة بيته فسألته نفسه فامتنع عليها فقالت إذن أفضحك فخرج هاربا عن منزله وتركها فيه

وقال جابر بن نوح كنت بالمدينة جالسا عند رجل في حاجة فمر بنا شيخ حسن الوجه حسن الثياب فقام إليه ذلك الرجل فسلم عليه وقال يا أبا محمد أسأل الله أن يعظم أجرك وأن يربط على قلبك بالصبر فقال الشيخ

وكان يميني في الوغى ومساعدي

فأصبحت قد خانت يميني ذراعها

وقد صرت حيرانا من الثكل باهتا

أخا كلف ضاقت علي رباعها

فقال له الرجل أبشر فإن الصبر معول المؤمن وإني لأرجو أن لا يحرمك الله الأجر على مصيبتك فقلت له من هذا الشيخ فقال رجل منا من الأنصار فقلت وما قصته قال أصيب بابنه وكان به بارا قد كفاه جميع ما يعنيه ومنيته عجب قلت وما كانت قال أحبته امرأة فأرسلت إليه تشكو حبه وتسأله الزياره وكان لها زوج فألحت عليه فأفشى ذلك إلى صديق

ص: 463

له فقال له لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكف عنك فأمسك وأرسلت إليه إما أن تزورني وإما أن أزورك فأبى فلما يئست منه ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر فجعلت لها الرغائب في تهييجه فعملت لها في ذلك فبينا هو ذات ليلة مع أبيه إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج منه أمر لم يكن يعرفه واختلط فقام مسرعا فصلى واستعاذ والأمر يشتد فقال يا أبه أدركني بقيد فقال يا بني ما قصتك فحدثه بالقصة فقام وقيده وأدخله بيتا فجعل يضطرب ويخور كما يخور الثور ثم هدأ فإذا هو ميت والدم يسيل من منخره

فصل وهذا ليس بعجيب من الرجال ولكنه من النساء أعجب قال أبو إدريس الأودي كان رجلان في بني إسرائيل عابدان وكانت جارية جميلة فأحباها وكتم كل منهما صاحبه واختبأ كل منهما خلف شجرة ينظر إليها فبصر كل منهما سره إلى صاحبه فاتفقا على أن يراوداها فلما قربت منهما قالا لها قد عرفت منزلتنا في بني إسرائيل وإنك إن لم تؤاتينا وإلا قلنا إذا أصبحنا إنا أصبنا معك رجلا وإنه أفلتنا وإنا أخذناك فقالت ما كنت لأطيعكما في معصية الله فأخذاها وقالا إنا أصبنا معها رجلا فأفلتنا وأقبل نبي من أنبيائهم فوضعوا له كرسيا فجلس عليه وقال أقضي بينكم فقالا نعم اقض بيننا ففرق بين الرجلين وقال لأحدهما خلف أي شجرة رأيتها قال شجرة كذا

ص: 464

وكذا وقال للآخر فقال شجرة كذا وكذا غير التي ذكر صاحبه ونزلت نار من السماء فأحرقتهما وأفلتت المرأة وقال عبد الله بن المبارك عشق هارون الرشيد جارية من جواريه فأرادها فقالت إن أباك مسني فشغف بها وقال فيها

أرى ماء وبي عطش شديد

ولكن لا سبيل إلى الورود

أما يكفيك أنك تملكيني

وأن الناس عندي كالعبيد

وأنك لو قطعت يدي ورجلي

لقلت من الرضا أحسنت زيدي

فسأل أبا يوسف عن ذلك فقال أو كلما قالت جارية شيئا تصدق قال ابن المبارك فلا أدري ممن أعجب من هارون الرشيد حيث رغب فيها أو منها حيث رغبت عنه أو من أبي يوسف حيث سوغ له إنيانها

وقال أبو عثمان التيمي مر رجل براهبة من أجمل النساء فافتتن بها فتلطف في الصعود إليها فراودها عن نفسها فأبت عليه وقالت لا تغتر بما ترى وليس وراءه شيء فأبى حتى غلبها على نفسها وكان إلى جانبها مجمرة فوضعت يدها فيها حتى احترقت فقال لها بعد أن قضى حاجته منها ما دعاك إلى ما صنعت قالت إنك لما قهرتني على نفسي خفت أن أشاركك في اللذة فأشاركك في المعصية ففعلت ما رأيت فقال الرجل والله لا أعصي الله أبدا وتاب مما كان عليه

وذكر الحسين بن محمد الدامغاني أن بعض الملوك خرج يتصيد وانفرد عن

ص: 465

أصحابه فمر بقرية فرأى امرأة جميلة فراودها عن نفسها فقالت إني غير طاهر فأتطهر وآتيك فدخلت بيتها وخرجت إليه بكتاب فقالت انظر في هذا حتى آتيك فنظر فيه فإذا فيه ما أعد الله للزاني من العقوبة فتركها وذهب فلما جاء زوجها أخبرته الخبر فكره أن يقربها مخافة أن يكون للملك فيها حاجة فاعتزلها فاستعدى عليه أهل الزوجة إلى الملك وقالوا إن لنا أرضا في يد الرجل فلا هو يعمرها ولا هو يردها علينا وقد عطلها فقال الملك ما تقول فقال إني رأيت في هذه الأرض أسدا وأنا أتخوف دخولها منه ففهم الملك القصة فقال اعمر أرضك فإن الأسد لا يدخلها ونعم الأرض أرضك

وكانت بعض النساء المتعبدات وقعت في نفس رجل موسر وكانت جميلة وكانت تخطب فتأبى فبلغ الرجل أنها تريد الحج فاشترى ثلاثمائة بعير ونادى من أراد الحج فليكتر من فلان فاكترت منه المرأة فلما كان في بعض الطريق جاءها فقال إما أن تزوجيني نفسك وإما غير ذلك فقالت ويحك اتق الله فقال ما هو إلا ما تسمعين والله ما أنا بجمال ولا خرجت إلا من أجلك فلما خافت على نفسها قالت ويحك انظر أبقي في الرجال عين لم تنم فقال لا ناموا كلهم قالت أفنامت عين رب العالمين ثم شهقت شهقة خرت ميتة وخر الرجل مغشيا عليه فلما أفاق قال ويحي قتلت نفسا ولم أبلغ شهوتي

وقال وهب بن منبه كان في بني إسرائيل رجل متعبد شديد الاجتهاد فرأى يوما امرأة فوقعت في نفسه بأول نظرة فقام مسرعا حتى لحقها فقال رويدك يا هذه فوقفت وعرفته فقالت ما حاجتك قال أذات زوج أنت

ص: 466

‌الباب الثامن والعشرون: فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام

قالت نعم فما تريد قال لو كان غير هذا لكان لنا رأي قالت على ذلك وما هو قال عرض بقلبي من أمرك عارض قالت وما يمنعك من إنقاذه قال وتتابعيني على ذلك قالت نعم فحلت به في موضع فلما رأته مجدا في الذي سأل قالت رويدك يا مسكين لا يسقط جاهك عنده فانتبه لها وذهب عنه ما كان يجد فقال لا حرمك الله ثواب فعلك ثم تنحى ناحية فقال لنفسه اختاري إما عمى العين وإما الجب وإما السياحة مع الوحوش فاختارت السياحة مع الوحوش فكان كذلك إلى أن مات

وأحب رجل جارية من العرب وكانت ذات عقل وأدب فما زال يحتال في أمرها حتى اجتمع معها في ليلة مظلمة شديدة السواد فحادثها ساعة ثم دعته نفسه إليها فقال يا هذه قد طال شوقي إليك قالت وأنا كذلك فقال هذا الليل قد ذهب والصبح قد اقترب قالت هكذا تفنى الشهوات وتنقطع اللذات فقال لها لو دنوت مني فقالت هيهات أخاف البعد من الله قال فما الذي دعاك إلى الحضور معي قالت شقوتي وبلائي قال لها فمتى أراك قالت ما أنساك وأما الاجتماع معك فما أراه يكون ثم تولت قال فاستحييت مما سمعت منها وأنشد

توقت عذابا لا يطاق انتقامه

ولم تأت ما تخشى به أن تعذبا

وقالت مقالا كدت من شدة الحيا

أهيم على وجهي حيا وتعجبا

ألا أف للحب الذي يورث العمى

ويورد نارا لا تمل التلهبا

فأقبل عودي فوق بدئي مفكرا

وقد زال عن قلبي العمى فتسربا

وقال ابن خلف أخبرني أبو بكر العامري قال عشقت عاتكة المرية

ص: 457