المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - الحكومات الإسلامية: - الإسلام وأوضاعنا القانونية

[عبد القادر عودة]

فهرس الكتاب

- ‌من نور كتاب الله:

- ‌دعاء

- ‌مَعْذِرَةً إِلَى القَانُونِ:

- ‌أَنَا قَاضٍ وَلَكِنِّي مُسْلِمٌ:

- ‌ذَلِكُمْ هُوَ حُكْمُ الإِسْلَامِ:

- ‌عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ وَاجِبَهُ:

- ‌وَظِيفَةُ القَانُونِ:

- ‌أُصُولُ القَانُونِ:

- ‌قَانُونُ كُلِّ أُمَّةٍ قِطْعَةٍ مِنْهَا:

- ‌قَوَانِينُنَا غَرِيبَةٌ عَنَّا:

- ‌القَانُونُ يُوضَعُ لِحِمَايَةِ العَقَائِدِ:

- ‌مَتَى يَكُونُ لِلْقَانُونِ سُلْطَاٌن

- ‌القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ يُبْطِلُهَا الإِسْلَامُ:

- ‌القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ بَاطِلَةٌ بِحُكْمِ نَفْسِهَا

- ‌مَاذَا فَعَلَتْ بِنَا القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ

- ‌خَسِرْنَا مَعْرَكَةَ الاِسْتِقْلَالِ بِالاِنْحِرَافِ عَنْ الإِسْلَامِ:

- ‌القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ تُهَدِّدُ نِظَامَنَا الاِجْتِمَاعِي:

- ‌لِمَاذَا يُحَالُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالإِسْلَامِ

- ‌1 - الاسْتِعْمَارُ:

- ‌2 - الحُكُومَاتُ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌أَيُّهَا المُسْلِمُونَ آنَ أَنْ تَعْمَلُوا

الفصل: ‌2 - الحكومات الإسلامية:

‌2 - الحُكُومَاتُ الإِسْلَامِيَّةِ:

ما يدفع الحكومات الإسلامية لحرب الإسلام؟:

رأينا فيما سبق كيف تحارب الحكومات الإسلامية الإسلام، وتناهض المسلمين العاملين لمجد الإسلام، ورأينا كيف تبيح هذه الحكومات ما حرم الله وتحرم ما أحل الله، ورأينا كيف عطلت الإسلام وخرجت على حدود الله، ورأينا كيف وقفت جهودها على تلبية طلبات المستعمرين وحمايتهم من المسلمين والوطنيين، رأينا كل هذا وسقنا عليه كثيرًا من الأمثلة تبين بجلاء اضطراب منطق الحكومات الإسلامية فيما تدعيه من إسلام، وما تأتيه من أعمال قائمة على جحود الإسلام، وليس ثمة ما يدعو لأن نأتي بأمثلة جديدة ففيما ذكرنا الكفاية، ولكنا نحاول هنا أن نعرف الدوافع التي تدفع الحكومات الإسلامية إلى إتيان الأفعال التي لا يبيحها الإسلام، أو تدفعها إلى السكوت على ما ينكره الإسلام، وهذه الدوافع مهما اختلفت ترجع إلى عاملين: أولهما الجهل بأحكام الإسلام، وثانيهما: الخوف من ذهاب السلطان.

ص: 146

الجهل بأحكام الإسلام:

من المؤسف حَقًّا أن يكون رجال الحكومات الإسلامية جاهلين بالإسلام، وهم يسيطرون على الأمم الإسلامية، ويوجهونها في مشارق الأرض ومغاربها، وهم الذين يمثلون الإسلام والأمم الإسلامية في المجامع الدولية.

وأغلب رجال الحكومات الإسلامية مسلمون ينتمون إلى أسر عريقة في إسلامها، وأكثر الحكام المسلمين متدينون يؤمنون إيمانًا عميقًا، ويؤدون عباداتهم بقدر ما يعلمون، ولكنهم لا يعلمون من الإسلام إلا القشور، بل إن إسلامهم لا يزيد على إسلام الجهلة والعوام.

إنهم لا يعرفون عن الإسلام إلا أنه إيمان وصوم وصلاة وحج ولا يعرفون ما وراء ذلك.

إنهم لا يعرفون أن الإسلام جمع بين الأولى والآخرة، ومزج بين الدين والدنيا، وبين المسجد والدولة.

إنهم لا يعرفون أن الإسلام شريعة كاملة، وأنه أتى بنصوص في الحُكْمِ والإدارة والسياسة والاقتصاد والمعاملات، وأنه جاء بأحكام للحرب وَالسِّلْمِ ولكل ما يتعلق بشؤون الدنيا، وأنه يوجب تطبيق نصوصه وأحكامه وجعلها أساسًا للحكم ومنهاجًا للحكام.

إنهم لا يعرفون أن أول أصل من أصول الإسلام هو أن

ص: 147

يؤمن المسلم بما أنزله الله، وأن الإيمان لا يكون بالقول والاعتقاد، وإنما بهما وبالعمل. فكل إنسان مطالب بالعمل، وسوف يسأل عن عمله فإن أحسن فلنفسه وإن أساء فعليها، ولن يدخل الجنة أحد إلا بعمله الذي يتفق مع ما أمره الله به:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 105]. {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]. {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72].

إنهم لا يعرفون أن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - أوجب علينا أن نتبع شريعة الإسلام، ولم يجعل لنا أن نتبع شريعة غيرها {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية: 18]. {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3]. وأنه - جَلَّ شَأْنُهُ - جعل الدين الإسلام لا غيره {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. وأنه لن يقبل مِن أحد أن يَدِينَ بغير الإسلام، ولن يقبل منه عملاً ولو جاء مُوَافِقًا لما يأمر به الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

إنهم لا يعرفون أن الحُكْمَ في بلاد الإسلام يجب أن يقوم

ص: 148

على أساس ما أنزل الله، وأن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - أمرنا بذلك أَمْرًا جَازِمًا فقال:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]. وقال {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وأنه - جَلَّ شَأْنُهُ - اعتبر من لم يحكم بما أنزل الله كافرًا {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

إنهم لا يعرفون أن الإسلام هو اتباع دين الله خَالِصًا، وأن المسلم لا يكون مسلمًا إلا إذا كان مخلصًا للإسلام لا يؤمن إلا به ولا يعمل إلا له ولا يطيع إلا إياه {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11].

إنهم يجهلون أن أحكام الإسلام لا تقبل التجزئة، وأن نصوصه تمنع العمل ببعضها وإهمال البعض الآخر، كما تمنع الإيمان ببعضها والكفر ببعض {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة: 85]. {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]. {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَاّ النَّارَ} [البقرة: 174].

وهم يجهلون أن واجب الحكومة الإسلامية الأول هو

ص: 149

إقامة الدين بما فيه من قيادة وعبادة وسياسة وأخلاق، وأن الإسلام يفترض في الحكومة الإسلامية أن وظيفتها إقامة حدود الله وأنها مستخلفة عن الله لِتُقِيمَ دِينَهُ وَتَحْرُسَ دَعْوَةَ رَسُولِهِ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]. {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41].

وهم يجهلون أن ما يحملون عليه المسلمين من الأوضاع الأوروبية والقوانين الوضعية إنما هو شرع ما لم يأذن به الله {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].

وهم لجهلهم بالإسلام يلزمون المسلمين هذا الذي لم يأذن به الله، ويريدونهم على أن يتحاكموا إلى القوانين الوضعية مُحْتَجِّينَ بأنها أفضل وأهدى لهم، وأنها سبيل الرقي والتقدم، وكذبوا والله وما زادوا على أن وضعوا أنفسهم تحت قول الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 60].

وهم لجهلهم بالإسلام إذا قيل لهم ارجعوا إلى الله وَحَكِّمُوا كِتَابَهُ أَعْرَضُوا {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ

ص: 150

بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48]. وهم مع إعراضهم يصدون عن سبيل الله وَيَدَّعُونَ أنهم يقصدون التوفيق بين المسلمين وغيرهم، فهم كما قال الله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَاّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} [النساء: 61 - 63].

وهم يعلمون أن القوانين الوضعية ليست إلا أهواء الناس وشهوات الأحزاب، ونزوات الحكام. ولكنهم يجهلون أن الله نهى عن اتباع الهوى وَحَمْلِ الناس عليه لأنه ضلال وإضلال عن سبيل الله {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].

وهم يظنون أن هذه القوانين الفاسقة الضالة هي السبب في تقدم الأوروبيين وقوتهم، وهو ظن لا يقوم على ذرة من الحق والصدق، فتلكم هي نفس القوانين التي كانت لهم يوم ظهر الإسلام فأخرجهم مما كانوا يملكون، ويوم تألب عليه الصليبيون فردهم على أعقابهم خاسرين، ويوم سيطر على أوروبا فأعطاه أهلها الجزية صاغرين، وما كان لمسلم حاكم أو غير حاكم أن يدع أمر الله ويتبع الظن {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116].

ص: 151

وما على المسلم أن يكون أكثر الناس مخالفين له، فإن الحق ليس في اتباع الكثرة ولا في طاعتها، ولكن في طاعة الله {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَاّ ظَنًّا} [يونس: 36]. {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].

والمسلم مقيد بأوامر الله، ليس له أن يحيد عنها، وليس له أن يعمل حسابًا لأهواء الناس وأعداء الإسلام {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الشورى: 15].

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. وليس له أن يخشى الناس فإنما الخشية لله ومن الله {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]. وإذا كان حكامنا يحفظون قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فعليهم أن يحفظوا بقية الآية {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].

وإذا كان هذا هو حكم الله، فكيف يطمع الحكام أن يطيعهم المسلمون في معصية الله وفيما حَرَّمَهُ اللهُ من اتباع الهوى وطاعة الطواغيت وقوانين الكفر والضلال! وقد أوجب الله أن يستجيبوا له ولرسوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]، وجعل من شيمة المسلم أن يسمع ويطيع أمر الله ورسوله:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51].

ص: 152

هؤلاء هم حكامنا المسلمون، وتلك هي بعض أحكام الإسلام التي يجهلون، فإن كانوا يجهلونها كما نعتقد، فلعلهم يعلمون أن جهلهم قد أَوْدَى بالإسلام وأهلك المسلمين، وإن كانوا يعلمون أحكام الإسلام ويتجاهلونها أو يجحدونها فقد نقضوا عهد الله، وقطعوا ما أمر به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، واستنكفوا عن عبادته، واستكبروا بعد أن أكرمهم وَمَكَّنَ لهم وجعلهم حُكَّامًا على الناس، ولست أملك إلا أن أذكرهم بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25]. {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النساء: 172]، {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 173]. ({هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَاّ مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَاّ خَسَارًا} [فاطر: 39].

الخوف من ذهاب السلطان:

وحكام المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا يكادون يصلون إلى السلطان حتى يستبد بهم الخوف من ذهاب السلطان، ويستعبدهم الحرص على استبقاء هذا السلطان، وإنهم لَيُضَحُّونَ بالكثير في سبيل الاحتفاظ بسلطانهم، يُضَحُّونَ بعزتهم وعزة بلادهم، وبكرامتهم وكرامة بلادهم،

ص: 153

ويضحون بالإسلام ليرضوا أعداء الله وأعداء الإسلام.

إنهم يوالون أعداء الله وأعداء الإسلام من الإنجليز والفرنسيين وغيرهم، ويوادونهم إرضاءً لأعداء الله واستبقاءً لودهم وعطفهم، وهم لا يوالونهم مُوَالَاةَ التُّقَاةِ التي يجيزها الإسلام، وإنما يوالونهم مُوَالَاةَ العطف والإخلاص والحرص على منافع أعداء الله، ولو أضر بالمسلمين والإسلام. وكل ذلك يفعلونه في سبيل الاحتفاظ بالحكم والسلطان وما يتبعهما من الثروة والجاه. ولعل جهلهم بأحكام الإسلام وبتحريم موالاة أعداء الله هو الذي سهل عليهم أن يحرصوا على هذه الموالاة، وأن يُعلنوا عنها بكل لسان، ويتمسكوا بها في كل آن.

وحكامنا يطيعون في المسلمين أعداء الله من الإنجليز والفرنسيين والأمريكيين، ويؤذون المسلمين والمسلمات بغير ما اكتسبوا، ويستحلون منهم مَا حَرَّمَ اللهُ، لأنهم يقاومون الاستعمار والاستغلال، ويكافحون أعداء اللهِ وأعداء الإسلام. ولعل هؤلاء الحكام يجهلون أن الله أمرهم أن لا يطيعوا الكافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران: 149، 150]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100].

ولعل هؤلاء الحكام يجهلون أن كثيرًا من أهل الكتاب يَوَدُّونَ للمسلمين أن يرجعوا كفارًا بعد إيمانهم، وأن الله حرم على المسلم أن يثق بغير مسلم، أو يؤمن إلا لمن تبع دينه

ص: 154

{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109]. {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} [آل عمران: 69]. {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73].

وَحُكَّامُنَا لَا يُشَجِّعُونَ وَلَا يُقَرِّبُونَ مُسْلِمًا يَخْدِمُ الإِسْلَامَ، لأنهم حريصون على أن يصبغوا الدولة بغير صبغة الإسلام تَقَرُّبًا إلى أعداء الله، وإرضاءً لمن يحاربون الله، وحتى لَا يُتَّهَمُوا بأنهم يتعصبون للإسلام، وما عليهم بعد ذلك أن يضيعوا الإسلام، وأن يوهنوا من قوته، ولو فهموا الإسلام على حقيقته لما فعلوا ذلك، ولو آمنوا حق الإيمان لعلموا أن الإيمان هو الحب والبغض، وأن المسلم لا يؤمن إلا إذا تعصب للإسلام، وصبغ نفسه وما حوله بصبغة الإسلام:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138].

وهكذا أَذَلَّ الحرص على السلطان طلاب السلطان، وضيع الجهل بالإسلام أحكام الإسلام، وَابْتُلِيَ المسلمون بحكومات هَمُّهَا الوصول إلى الحكم والبقاء فيه، ليس من همها الإسلام ولا تطبيق أحكام الإسلام.

ص: 155