الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَا قَاضٍ وَلَكِنِّي مُسْلِمٌ:
ولو كنت قاضيًا غير مسلم لسبَّح لساني بحمد القانون كما يفعل الغربيون، ولو كنت قاضيا مسلما يجهل الإسلام لقلدت الأوروبيين وأظهرت الإيمان بالقانون، ولكني قاضٍ مسلم تهيأ له بفضل الله أن يعرف من الإسلام ما لا يعرفه قضاة كثيرون، وعلم من مخالفة القوانين الوضعية للإسلام ما لا يعلمه إلا القليلون.
تجرد القاضي المسلم كُفر:
إن القاضي المسلم يستطيع أن يتجرد كما يوجب عليه القانون في كل ما يمس المصالح الفردية، وكل ما يتصل بالمناورات الحزبية، أما ما يمس الإسلام ونظمه في التشريع والاجتماع والحكم، وما يمس العدالة الاجتماعية والقضائية، وما يمس الحقوق والواجبات، وما يمس الأخلاق والفضائل والمُثُل الإنسانية، وما يمس أمن الدولة في حاضرها ومستقبلها، أما هذا كله فلا يستطيع القاضي المسلم أن يتجرد فيه إلا إذا
كفر بالإسلام، وإلا إذا كان حيوانا يفكر كما يفكر الحيوان، ويأكل كما تأكل الأنعام.
إن الدستور الأساسي للمسلم هو الشريعة الإسلامية، فكل قانون وضعي جاء متفقا مع نصوصها أو مسايرًا لمبادئها العامة أو روحها التشريعية فهو على العين والرأس يطيعه المسلم بأمر الله، وكل قانون جاء على خلاف ذلك فهو في الرغام وتحت الأقدام، ولا كرامة لما يخالف الإسلام، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله.
وأي مسلم يأتي ما يعلم أنه مخالف للإسلام فهو فاسق، فإن أتاه مستحِلا إتيانه فهو مرتد عن الإسلام كافر بالله، ولا شك أن كل مسلم يكره لنفسه أن يتصف بإحدى هاتين الصفتين فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس.
لا طاعة على مسلم في معصية الله:
والإسلام يوجب على المسلم أن يطيع الله ورسوله أولاً، وأن يطيع أُولِي الأَمْرِ ثَانِيًا، ولكن الإسلام يوجب على المسلم أن لا يطيع أحدًا في معصية الله فطاعة أولي الأمر لا تجب فيما يُخْرِجُ المسلم عن طاعة الله، وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
فهذا النص يعطي الحكام حق الأمر، ويرتب على الأفراد
واجب الطاعة ولكنه يقيد الحق والواجب معًا ولا يطلقهما، فليس لآمر أن يأمر بما يخالف الإسلام، سواء كان المأمور موظفًا أو غير موظف، وذلك ظاهر من قوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ» ، وقوله:«مَنْ أَمَرَكُمْ مِنَ الوُلَاّةِ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ» .
على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر:
والإسلام يوجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وذلك قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]. وقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]. وقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41]. وقوله: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79].
وقد جاءت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مبينة لهذه المعاني ومؤكدة لها، من ذلك ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال في خطبة خطبها: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ هَذِهِ الآيَةِ وَتُؤَوِّلُونَ على خلاف تأويلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ
أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَا مِنْ قَوْمٍ عَمِلُوا بِالمَعَاصِي وَفِيهِمْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلْ إِلَاّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ"».
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «[لَتَأْمُرُنَّ] بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ» .
والأمر بالمعروف هو الترغيب في كل ما ينبغي قوله أو فعله طبقًا لنصوص الشريعة الإسلامية.
والنهي عن المنكر هو الترغيب في ترك ما ينبغي تركه أو