المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌من نور كتاب الله:

- ‌دعاء

- ‌مَعْذِرَةً إِلَى القَانُونِ:

- ‌أَنَا قَاضٍ وَلَكِنِّي مُسْلِمٌ:

- ‌ذَلِكُمْ هُوَ حُكْمُ الإِسْلَامِ:

- ‌عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ وَاجِبَهُ:

- ‌وَظِيفَةُ القَانُونِ:

- ‌أُصُولُ القَانُونِ:

- ‌قَانُونُ كُلِّ أُمَّةٍ قِطْعَةٍ مِنْهَا:

- ‌قَوَانِينُنَا غَرِيبَةٌ عَنَّا:

- ‌القَانُونُ يُوضَعُ لِحِمَايَةِ العَقَائِدِ:

- ‌مَتَى يَكُونُ لِلْقَانُونِ سُلْطَاٌن

- ‌القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ يُبْطِلُهَا الإِسْلَامُ:

- ‌القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ بَاطِلَةٌ بِحُكْمِ نَفْسِهَا

- ‌مَاذَا فَعَلَتْ بِنَا القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ

- ‌خَسِرْنَا مَعْرَكَةَ الاِسْتِقْلَالِ بِالاِنْحِرَافِ عَنْ الإِسْلَامِ:

- ‌القَوَانِينُ الوَضْعِيَّةُ تُهَدِّدُ نِظَامَنَا الاِجْتِمَاعِي:

- ‌لِمَاذَا يُحَالُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالإِسْلَامِ

- ‌1 - الاسْتِعْمَارُ:

- ‌2 - الحُكُومَاتُ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌أَيُّهَا المُسْلِمُونَ آنَ أَنْ تَعْمَلُوا

الفصل: ‌معذرة إلى القانون:

‌مَعْذِرَةً إِلَى القَانُونِ:

وعليَّ بعد ذلك واجب أرجو أن أوَفَّق فيه، واجب الاعتذار إلى القانون، ومَن أوْلى مني بالاعتذار للقانون؟ ووظيفتي أن أقوم بتفسيره وتطبيقه والتمكين له وحياطته من العدوان والامتهان.

إني أعتذر للقانون لأهاجم القوانين. أعتذر للقانون باعتباره معنى، وأهاجم من القانون النص والمبنى.

معذرة إلى القانون إذا ما هاجمته وأنا من سدنته، أو كشفت للناس ما يخفى عليهم من حقيقته، أو فسرته تفسيرا يذهب بجلاله، ويهون على الناس من شأنه، ويغريهم بمناوأته.

القانون يحرم علينا الكلام

إن القانون يحرم على الموظفين وعلى الأخص القضاة أن يبدو رأيهم في المسائل العامة، ويعد ذلك منهم اشتغالا بالسياسة، والسياسة عند صانعي القانون هي كل ما يمس

ص: 7

المسائل الاجتماعية والاقتصادية والمالية، وكل ما تعلق بتنظيم الدولة وصلتها بالأفراد والجماعات والدول، وكل ما اتصل بنظام الحكم، بل كل ما اتصل باستقلال الدول وحريتها وكرامتها.

إن صانعي القانون يريدون أن يجعلوا من الإنسان آلة، يريدون من القاضي أن يغمض عينيه فلا ينظر، وأن يصم أذنيه فلا يسمع، وأن يمسك لسانه فلا يتكلم، وأن يتجرد من إنسانيته فلا يحس ولا يشعر ولا يفكر.

كيف يتجرد القاضي؟

وهل يستطيع القاضي أن يتجرد من الإحساس والشعور، ويتخلص من نعمة العقل والتفكير، وهو يعيش في وسط مشاكل الحكم والإدارة، وبين نضال الأحزاب والجماعات، وفي دوامة الاجتماع والسياسة، تطالعه في كل يوم مناظر الكادحين المحرومين، وتملأ سمعه أنات العاملين المظلومين، وتعرض عليه في كل صباح ألوان وضروب من الرِّق الاجتماعي، والإجحاف السياسي، والاستغلال المحرم!

القاضي لا يتجرد في أمة محتلة

وهل يستطيع القاضي أن يتجرد كما يشاء القانون في أمة محتلة، وُلد شيوخها وشبابها في ظل احتلال أجنبي لا يزال جاثمًا على صدرها، يحتل أرضها، ويسيطر على أرزاقها، وينهب أقواتها، ويضغط حريتها، ويتدخل في سياستها،

ص: 8

ويستعين على أبنائها الأحرار الأبرار بإخوان لهم باعوا نفوسهم للشيطان، وفتنهم عن دينهم ووطنهم الحكم والسلطان؟!

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في أمة أذلها الاحتلال، وأرهقتها الأغلال، وأفقرها المحتلون في مالها وأخلاقها، وبثوا الفساد في ربوعها، وأغروا العداوة والبغضاء بين أبنائها، وجعلوهم أحزابا متعددة كل حزب بما لديهم فرحون، تحسب كل حزب جَمِيعًا وقلوبهم شتى، بأسهم بينهم شديد، بدأوا حياتهم مجاهدين يكافحون الاحتلال، ويطالبون بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، فلما ألقى إليهم المحتلون بكراسي الحكم ومغانمه تحلق هؤلاء المكافحون الأفذاذ حولها، وسالموا المحتلين على كل شيء غيرها، وانقلبوا بفضل هذه الكراسي أعداء يكافح بعضهم بعضا، ويأخذ بعضهم برقاب بعض، يسفكون دماءهم، وينهشون أعراضهم، ويقطعون أرحامهم.

القاضي لا يتجرد في أمة كلها فوضى

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد يسمح فيه بتعذيب المتهمين أشد العذاب ليعترفوا بما فعلوه أو بما لم يفعلوه، فتخلع أظافرهم، ويضربون مرة بعد مرة حتى يغمى عليهم، وتكوى أجسامهم بالنار، وتوشى بآثار السياط، ويمنع عنهم الدواء والطعام والماء، وتهتك أعراضهم فيوضع الحديد والخشب في أدبارهم، ويهَدَّدون بأن يفعل مثل هذا في أمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم، ويحتل الجنود بيوتهم أياما وأسابيع

ص: 9

وليس فيها إلا النساء، ثم يبلغ هذا كله أو بعضه للقائمين على القانون فلا يفعلون شَيْئًا، ثم تثار هذه الاتهامات أمام المحاكم ويرددها أكثر من متهم، وتؤيدها الأوراق الرسمية والكشوف الطبية فلا تحاول النيابة العامة أن تحقق في هذه الاتهامات الفظيعة لتحمي على الأقل سُمعة القانون وسمعة القائمين عليه.

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد يعلم كل من فيه أنهم يعيشون في فوضى، وأن الحق للأقوى، وأن القانون المسكين إنما هو أداة لجر المغانم والترخيص بالمظالم، وأن وظائف الدولة وخيراتها مقصورة على الأنصار والمحسوبين والمنسوبين، وأن النفاق هو وسيلة النجاح في الحياة، وأن التحلل من الأخلاق والإباحية هو أول ما يقرب إلى ذوي النفوذ والجاه؟

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد يعيش في عهد الإقطاع، تقوم الحياة فيه على استغلال الأقوياء القاعدين للضعفاء العاملين، فالضعيف يشقى لينال اللقمة الجافة، ويكدح ليحصل على اللباس الخشن، بينما يتحول كدح الضعيف وشقاؤه ذهبا نضارا يصب في جيوب القاعدين المترفين، فيستحلونه لأنفسهم ويحبسونه عمن هو أحق به منهم، فإذا شكا الضعيف الكادح هذا الوضع، استُعينَ عليه بالحاجة طورا، واستُعينَ عليه بالقانون طورًا آخر، حتى برم الضعيف بضعفه وبالقانون، وبدأ يتمرد على الوضع الذي هو فيه وعلى القانون الذي يحميه.

ص: 10

القاضي لا يتجرد في أمة تنحرف عن الدين والخُلُق:

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد إسلامي ينص دستوره على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام بينما يتنكر حكامه وحكوماته للإسلام، ويتنمرون لكل من يخدم الإسلام، ويطاردون من يتعاونون على البر والتقوى، ويحمون من يتعاونون على الإثم والعدوان؟

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد ينسلخ من الأخلاق وينحرف عن الفضائل، وينكر البر والتراحم، وينأى عن مُثُلِه العليا تشبها بسادته وكبرائه واقتداءً بمترفيه؟

متى يستطيع القاضي أن يتجرد؟

إن القاضي قد يستطيع أن يتجرد في أمة تحترم شرائعها، وتنفذ نصوص قوانينها، ويتواصى بالحق والعدل أفرادها، أما في أمة لا منطق لها، تتدين ولا تحترم دينها، وتقنن ولا تنفذ قوانينها، وتعلن أن شعارها الحق والعدل والحرية وما ذلك من شعارها، أما في أمة لا يتواصى أفرادها بالحق، ولا يدعون إلى الخير ولا يأمرون بمعروف ولا يتناهون عن منكر، أما في أمة هذا شأنها فإن القاضي لا يمكنه أن يتجرد ولو حرص على التجرد، لسبب واحد بسيط هو أنه لا يستطيع.

فليغضب من شاء:

إن أناسا ستحمر أنوفهم عندما يقرؤون هذا الكلام غضبا

ص: 11

وحِمية لأصنام العصر الحاضر، وما الأصنام إلا هذه القوانين التي هم عليها عاكفون، هذه القوانين التي يطيعها المسلمون فيما يغضب الله، وتُحرِّم بها الحكومات الإسلامية ما أحل الله، وتُحِل بها ما حرم الله.

إنهم سيغضبون لأن كاهنا من كهنة هذه الأصنام قد عقها وكفر بها، وسيعجبون كيف أن قاضيا من خدام القانون يهاجم القانون ويكفر بالقانون، وسيتنادون من كل مكان أن خذوا على يد هذا الرجل قبل أن يحطم أصنامكم ويهدم نظامكم، ولكن هيهات. إنها ليست فكرة فرد ولكنه وعي أمة، إنه ليس نداء اللسان ولكنه نداء الإيمان، إنه الكفاح في سبيل الإسلام، إنه جهاد .. جهاد نتقرب به إلى الله.

ص: 12