الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
توطئة:
شرع الإسلام من المبادئ وسنَّ من القيم ما يكفل الحقوق الكاملة التي توجبها الحياة الإنسانية، وتفرضها الكرامة البشرية على هذه الأرض، ولم تحظ هذه الحقوق في أيّة شريعة من الشرائع السماوية أو من النظم الأرضية، بمثل ما حظيت به في شريعة الإسلام، فقد ارتقت بها حتى جعلتها من الواجبات الدينية المتحتمة التي يحرم الإخلال بها، قال سبحانه في محكم تنزيله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
ولأهمية موضوع الحقوق الإنسانية، التي تُعَدُّ انشغالًا رئيسيًّا اليوم في العالم، اخترت الكتابة في هذا المبحث، مع بعض الاعتبارات الأخرى، أوجزها كالتالي:
1 -
العناية البالغة التي أصبح يوليها المجتمع الدولي لقضايا حقوق الإنسان في أبعادها المتعددة، على مستوى التشريعات التي تطورت في اتجاه تأصيل الثقافة الحقوقية وإحاطتها بالضمانات اللازمة، وقد تعددت حول هذه القضية وجهات النظر، وتنامى الجدل، وحَمِيَ الحوار، وكَثُرَ فيه السجال الفكري، وتزايدت أعداد الجمعيات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، وبرزت الهيئات القطرية والإقليمية والدولية المنتصرة لقضايا حقوق الإنسان، وانفسخ مجال التركيز عليها في وسائل الإعلام، التي لها من التأثير الفعَّال والدعاية القوية ما هو غير خافٍ، حتى غدت قضايا حقوق الإنسان من الاهتمامات المركزية الجوهرية التي تتبناها الدول والمنظمات والنخب السياسية والفكرية، ويعتني بها جمهور الناس.
2 -
قد يغلب على ظن الخاصِّ والعامِّ، تحت تأثير ما يذاع من هنا وهناك، أن هذه القضية إنما هي من الاهتمامات المستجدة المستحدثة، أو هي ثمرة من الثمرات التي أنتجتها حضارة العصر، أو هي من مبتدعات الثقافة الغربية الغازية المسيطرة على العالم، ولما لم يخل المجتمع العربي والإسلامي من هذه التأثيرات التي شكَّلَت نمط تفكيره، وكيَّفَتْ حياته وطرق تعامله، ووجَّهَتْ سلوكياته، شأنه في ذلك شأن بقية المجتمعات، مع ما تَبِعَ ذلك من موجاتٍ عارمَةٍ من التشكيك والافتراء على الإسلام والطعن فيه، سواء عن سوء قصد من أعدائه، أو جهل به من أبنائه، كان لا بُدَّ من تصحيح المفاهيم وتوضيح الحقائق، وردّ الطعون، وبيان الخطأ من الصواب، حتى تطمئن النفوس وتستنير العقول، وتبرأ الضمائر من الشكوك.
3 -
تعدد المفاهيم المتناولة لقضايا الحرية والديمقراطية، بتعدد المرجعيات الفلسفية والأيديولوجية والدينية، مما يجعل قضايا حقوق الإنسان تتأرجح بين نوازع الفردية والاجتماعية، وبين دواعي الخصوصية والكونية. والثابت أن التحوّلَ الحضاري الكبير الذي يعيشه العالم اليوم في ظلِّ المد الجديد للعولمة، يتخذ من ناحيةٍ شَكْلَ صراعٍ ظاهرٍ بين وسائل وغايات متناقضة، وقيم ومعطيات متباينة، ومن ناحيةٍ أخرى شكل صراع خفيّ بين ممارسات الهيمنة ومواقف الصمود أمامها، والتشبث بمبدأ الاستقلال وحرية القرار الوطني.
4 -
إن مواقف الشطط والتطرف لا تثبت أمام تيار التاريخ الجارف، سواء كانت صادرة عن أنصار العالمية والكونية، أو عن أنصار الإقليمية والمحلية، وإنما تتغذى الثقافة الإنسانية من مجموع التراكمات وثراء الخصوصيات، في تفاعلٍ مستمرٍّ مع الزمن، فتصنع بذلك مدًّا تضامنيًّا إنسانيًّا عالميًّا، لا مجال فيه لغلبة نموذج حضاري مُعَيَّنٍ على آخر، ولا حظَّ فيه لسيطرة ثقافة على أخرى، إلّا أن ميزان التفاضل بين الحضارات يبقى دومًا رَهْنَ ما تشعُّ به من قيمٍ عادلةٍ تفيض خيرًا، وتعمُّ أمنًا وسلمًا على الإنسانية جمعاء.