الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتنقلب الحياة البشرية إلى جحيم من المعاناة والعذاب، قال تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65]، وقال سبحانه:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]. فكان من حكمة الإسلام أن وضع الأسس الثابتة، وبنى القواعد المتينة، حتى يسلم البناء الاجتماعي من التصدّع بصلاح أفراده، ولقد كانت الفترة المكية زمن البعثة، والتي تواصلت زهاء ثلاث عشرة سنة، قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، موجهة توجيهًا كليًّا إلى التربية العقدية والتأصيل الإيماني، والتهذيب النفسي والعقلي والأخلاقي، وفق أسلوب من التدرج يراعي الخاصيات التي تتطلبها كل مرحلة من مراحل الدعوة إلى الدين الجديد، ثم تلت هذه الفترة الهامة، مرحلة التشريع للمجتمع الجديد الناشئ وفق ضوابط أخلاقية وسلوكية، ميزتها الشمولية لكلِّ جوانب الحياة الفردية والجماعية، وقاعدتها المساواة بين كل الناس دون التفرقة بينهم لدواعٍ جنسية أو عرقية أو لغوية، وميزانها العدل في ترتيب الحقوق والواجبات على حسب ما تحتمله الطاقة البشرية من غير إسراف ولا تقصير.
أ-
حق الحياة:
وهو من أقدس الحقوق البشرية على الإطلاق، وأولاها بالإثبات والحماية، بدليل أن الشرائع السماوية أجمعت على إقرار هذا الحق الأصلي، واعتباره من أوكد الكليات الخمس الواجب حفظها ومراعاتها، والإسلام حرَّم تحريمًا مشددًا قتل النفس البشرية بغير حقٍّ، وسدَّ كل أبواب الذرائع المؤدية إلى إتلافها وإهلاكها، بإهمالها أو إيلامها أو تعذيبها أو تعرضيها إلى الخطر بأي شكل من الأشكال، قال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]، وقال أيضًا:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
لقد كان من عادات العرب في الجاهلية الحمقاء، قتل الأبناء ووأد البنات
خوف الفقر وخشية العار، ولم تكن للنفس البشرية عندهم وعند غيرهم من سائر الأمم والشعوب في تلك العهود المظلمة من الحرمة والقداسة ما هو كفيل بحمايتها وصيانتها، ولم تطمس آثار هذه العادات -الراجعة إلى أصول العقائد الوثنية "تقديم الأرواح البشرية قربانًا للآلهة المعبودة" التي وصفها القرآن بالسفه والجهل، بسبب الظلمة المطبقة على النفس، والغشاوة التي رانت على العقل، قال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]- حتى بزغت شمس الإسلام؛ لتمحو بنورها ظلام الجاهلية، وترسي مبادئ العدل والحق.
إن الإقرار بالحق المقدس في الحياة، أولته التشريعات المعاصرة المتطورة بالغ اهتمامها، بما أرسته من المواثيق والعهود والالتزامات الدولية، ووضعته من القواعد والقوانين الوقائية والزجرية، من خلال المجلات القانونية المختصة، وخاصةً منها مجلات القانون الجزائي.
ويستتبع الإقرار بمبدأ حق الحياة، تثبيت مجموعة من الحقوق المتفرعة اللازمة، بقصد إحاطة هذا الحق الأصلي بمجموعة من الضمانات الحمائية، اقتضتها ظروف تطور الحياة في مختلف جوانبها، وتعدّد المخاطر المحيطة بها، ومن بينها:
- حق الضمان الاجتماعي في توفير الأسباب الدنيا لحياة بشرية كريمة، وتأمين وسائل العيش، ومنها حق الشغل.
- حق الرعاية الصحية، بتوفير وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض المهددة للصحة البشرية.
- حق التغطية الاجتماعية، وكفالة مختلف الأصناف والشرائح المحتاجة إلى الدعم الاجتماعي، سواء بتوفير الأُطُرِ والهياكل لرعاية الأيتام والشيوخ العجّز وفاقدي السند وذوي الإعاقات الذهنية والبدنية، أو بتقديم المساعدات والمنح المادية والعينية لتخفيف وطأة الحياة عنهم.
- حق توفير المرافق الدينية والثقافية والترفيهية، وسائر الأنشطة التي تستجيب لحاجيات الإنسان الروحية والنفسية والجسدية؛ كالمساجد والجوامع والمدارس والمكتبات والفضاءات الرياضية والترفيهة.
ولن يطمح الإنسان قطعًا، إلى تحقيق ذاته في الحرية بمختلف أشكال التعبير عنها، أو إلى تحقيق كرامته وعزته، ما لم يستند حق الحياة إلى قواعد ثابتة تضمنها عقيدة راسخة، وتحرسها جملة القواعد والمبادئ والقوانين، وتعمل على تنفيدها وحمايتها مختلف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.