الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
حق الإنسان في محيط نظيف وبيئة طبيعية سليمة:
إن الاهتمام بالبيئة أو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان وكل الكائنات الحية، مصدره الانتباه إلى جملة التأثيرات السلبية الناجمة عن الاستخدامات المفرطة للصناعات الكيماوية والتكنولوجية والنووية، وما تفرزه من نفاياتٍ صلبة أو غازية، من شأنها أن تلوّث البيئة، وتعكّر الحياة الطبيعية لكل الكائنات الحية في البحار والمحيطات، وفي الأجواء، وعلى سطح اليابسة، ويُرْجِعُ علماء البيئة التغيّرات المناخية واختلال بعض التوازنات الإيكولوجية، إلى فساد الهواء المستنشق، والماء المستعمل، بسبب الانبعاثات الغازية السامَّة، والإشعاعات النووية، واختلاط منابع المياه بالمواد الكيماوية الخطيرة، مما يهدد كوكبنا في توازنه بأخطار جسيمة قد تؤثر على الحياة فيه.
وقد نبهنا الإسلام إلى أن الله قد خلق الكون على أحسن صورة، وأوجد فيه أسباب الحياة الكاملة، ليكون مهيئًَا لِأَنْ يعيش فيه الإنسان ويعمّره، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. قال تعالى مخبرًا عن نزول آدم إلى الأرض:{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36]. هذا، وإن واجب الاستخلاف والإعمار في الأرض كما أراده الله لآدم وذريته من بعده، يقتضي فيما يقتضي، المحافظة على وسائل الحياة فيها، وعدم السعي فيها بالإفساد؛ قال تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، وقال أيضًا:{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص: 77]، وقال:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41].
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أوصى به القرآن الكريم، بضرورة الإعمار وترك وسائل الخراب والدمار فقال: "إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن
استطاع أن ألّا تقوم حتى يغرسها فليفعل" 1، ونهى صلى الله عليه وسلم عن التبوّل أو التغوّط في الماء الراكد، أو في طريق الناس، فقال: "اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلّى في طريق الناس أو ظلّهم" 2. وهذه الأمثلة من نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، تتعاضد لترسي خلقًا مثاليًّا وسلوكًا نموذجًًّا، يُقِرُّ بأن ما في الأرض وعليها هو من فيض نعم الله على الإنسان، وأن واجب الشكر يفرض عليه أن لا يضيع هذه النعم، وأن لا يسيء استعمالها بالإسراف والإفساد؛ فالإفساد هو جزء من هذا الكون المترامي الأطراف، من عناصره يتكوّن جسم الإنسان، ومن خيراته يعيش، وإليه يعود عند الموت، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55].
إن صيحات الفزع المتوالية هذه الأيام، والصادرة عن الهيئات والجمعيات المهتمة بالبيئة، والمعبر عنها بالجمعيات "الخضر"، تحوّلت إلى همٍّ سياسيٍّ وانشغال أممي، عبَّرت عنه المؤتمرات والندوات الدولية، وأشهرها الندوة الأممية حول البيئة والتنمية التي انعقدت بـ"ريودي جنيرو"3.
وهذه الندوات تصب كلها في مجموعة من الاهتمامات، التي تراها كفيلة بتعديل السلوك البيئي لدى الإنسان، بما يعيد التوازنات الأيكولوجية، وذلك بعملٍ طويل المدى يستهدف التحسيس والتوعية بكل الوسائل الممكنة، وجوهر هذه الاهتمامات نلخصه في المحاور التالية:
- تحويل أنماط الاستغلال، والإنتاج والاستهلاك والتصرف المفرط، إلى ترشيدها السلوك نحو الاعتدال باعتبار الحاجيات اللازمة.
- تغيير نمط التنمية الصناعية بإرساء مشاريع تراعي المواصفات البيئية، وتحافظ على المحيط من كل مخاطر التلوث.
1 رواه أحمد في مسنده: 3/ 191.
2 رواه مسلم.
3 في شهر جوان من سنة 1992.
- حماية صحة الإنسان في المحيط الذي يعيش فيه، وذلك بالحفاظ على التوازنات البيئية، من هواء نظيف وماء صالح للشراب وغذاء طبيعي سليم ..
- معالجة المشاكل البيئية الحاصلة، والمعبّر عنها بتلوث المحيط، بتقليص تأثيراتها الخطيرة على حياة الكائنات.
ولن تتحقق هذه الأهداف، إلّا بحصول تكاتف للجهود الدولية نحو مصالحة حقيقة مع البيئة، من شأنها أن توقف النزيف، وتعيد التوازنات إلى سالف عهدها، وقد أرست المنظمات والهيئات المختصة قواعد لا بُدَّ منها، حتى يحقق الجهد العالمي أغراضه وأهدافه في الحد من خطورة التلوث الحاصل، والتغيرات المناخية الخطيرة والناتجة عن أسباب كثيرة، عدَّدْنَا بعضها، ومن أخطرها ظاهرة الانحباس الحراري المسبب لخروقات بطبقة الأوزون التي تحمي الغلاف الأرضي من الإشعاعات الشمسية المؤذية.
والبلدان العربية والإسلامية تبذل بدورها جهدًا لا يستهان به في هذا المجال الحيوي الهام، وخصصت هياكل وهيئات تعنى بحماية البيئة والمحيط، واقتطعت من ميزانياتها جزءًا لا بأس به للغرض، وشاركت بدورها في الندوات الإقليمية والعالمية، وانخرطت في تكريس السياسة الدولية حول البيئة والمحيط.