المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حقوق المرأة في الإسلام: - الإسلام وحقوق الإنسان في ضوء المتغيرات العالمية

[كمال الدين جعيط]

الفصل: ‌ حقوق المرأة في الإسلام:

ب-‌

‌ حقوق المرأة في الإسلام:

- حق المساواة في الحقوق:

وهو حق أصلي مقدَّسٌ، تنتفي معه كل الفوارق المصطنعة وأشكال التمييز الوهمي بين الجنسين، ومنطلق الإسلام في ذلك وحدة الأصل المعبرة عن وحدة الجوهر الإنساني، ولا يكون من معنى حينئذ لتنوع الجنس بين الذكر والأنثى إلّا للضرورة الطبيعية البشرية المقتضية لتواصل النوع، قال تعالى:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 3 - 4]، وقال سبحانه:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].

وعلى هذه القاعدة المتينة، شرَّع الإسلام من الحقوق ما به تتحقق الكرامة الإنسانية للمرأة والرجل على حد السواء، وفتح لها مجال العمل وتنمية الذات وتفتيق المواهب والقدرات إلى ما لا حدَّ له، وجعل ذلك مقياس التفاضل بينهما.

هذه روعة الإسلام فيما وضعه للبشرية من دواعي النماء إلى الأفضل والأرقى، ما اتسعت له القدرة البشرية في العطاء والبذل، وليس فيه من حدٍّ ولا عائقٍ إلّا ما يكون انتكاسًا أو ارتدادًا عن هذا المبدأ الرباني، الذي لا يرى الفوارق بينهما إلّا بالعمل الصالح، والجهد المبرور، والبذل الخيّر، بما يرجع بالنفع العميم على البشرية جمعاء، قال تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195].

ومن الحقوق اللازمة التي نادت بها الشرائع السماوية، وأكدتها مقتضيات التطور في زمننا المعاصر، حق التربية والتعليم، وحق العمل، وحق المشاركة السياسية والاجتماعية.

- الحق في التربية والتعليم:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، وغذاها فأحسن تغذيتها، كانت له وجاء من النار"1.

1 رواه البخاري في باب الجهاد، ص31.

ص: 19

لا شكَّ أن التربية هي أساس كل تنشئة صالحة، والوسيلة إلى تنمية الطاقات النفسية والعقلية والجسدية للمُرَبَّى، وإن اتخاذ الوسائل الممكنة التي تساعد على هذه التربية وتعينها على إدراك غايات الصلاح، لهو جزء لا يتجزأ من عملية التربية، ومن أوكد هذه الوسائل، تعليم البنت وإنارة عقلها وقلبها، حتى تنشأ على الوعي السليم الصحيح بوجودها ودورها، وما هي مؤهلة له طبيعيًّا واجتماعيًّا للقيام به داخل الأسرة والمجتمع، وبقدر ما يتنامى هذا الوعي وتتطور المهارات المكتسبة، تكبر المسئولية ويعظم الدور المنوط بعهدة المرأة كشريكٍ فاعلٍ وعضوٍ في عملية التنمية الشاملة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية، ولقد برزت المرأة في مراحل التعليم المختلفة بقدرات جد محترمة، وأثبتت جدراتها بأرقى الشهادات العلمية في مختلف الاختصاصات التي كانت إلى وقتٍ غير متأخر معدودة ضمن مشمولات الرجل وقصرًا عليه.

لقد تعالت أصوات المصحلين في بلادنا الإسلامية، منذ القرن التاسع عشر الميلادي، مناديةً بتعليم المرأة ورفع الجهل عنها، إذا كنا نروم حقًّا إصلاحًا اجتماعيًّا شاملًا يرقى بالمجتمع ويحقق نهضته، فالمرأة إلى ما هي مؤتمنة عليه بحكم خلقتها، وما أودعه الله فيها من ميزات وخصائص تلائم دورها في التربية والرعاية، وتمكنها من المشاركة الاجتماعية الإيجابية الفاعلة، فهي المدرسة الأولى للمجتمع بأسره، والمعلمة الأولى للبشرية، في رحمها وأحضانها تنشأ الحياة الإنسانية ويتحدد مصيرها.

وفي تاريخنا الإسلامي الحافل، عديد الأمثلة على نساءٍ مسلمات جليلات برزن بعلمهن واجتهادهن، وضرب بهنَّ المثل في الإجادة علمًا وأدبًا وخلقًا، ومنهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي روت الحديث، وفسرت ما أغلق على أفهام الناس من آي القرآن الكريم، وأدلت باجتهادها في عديد الأحكام الفقهية، علاوةً عن درايتها بالأنساب وقولها الشعر، وفي بلادنا تونس، مثلٌ آخرٌ لامرأة صالحة خيرة، جرى ذكرها على كل لسان، جمعت بين العلم الديني والأدب

ص: 20

الخلقي، هي الأميرة المحسنة عزيزة عثمانة، وقد أوقفت حياتها وريعها خدمةً لأبناء بلدها من المحرومين، فكانت نموذجًا رائعًا للمرأة المثالية في عطائها الإنساني، وإحساسها التضامني التكافلي، وقدرتها الفعّالة على الإسهام في حياة المجتمع التونسي الذي تفاعلت معه أخذًا وعطاءً.

- الحق في العمل:

وهو مبدأ قرآني جليل، رفعه الإسلام إلى مقام العبادة، وجعله عنوانًا على الصلاح والفلاح، ومرقاة إلى الدرجات العلى من الجنة.

والمرأة غير مستثناة من هذه القاعدة الحقوقية الهامة لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وقال أيضًا:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105].

ولقد أثبتت المرأة، عندها فُسِحَ لها باب العمل واقتحمت مجاله بكل جرأة واقتدار، أنها لا تقلُّ قيمةً ولا جدارةً ولا إمكانيات، بل استطاعت بما أودعه البارئ سبحانه فيها من سجايا الصبر وطول الأناة والموهبة العقلية، مستعينة في ذلك بإحساسها الإنساني الفطري العميق، أن تنجح وتبرز، وتناقس وتتألق في مجالات عدة، جنبًا إلى جنبٍ مع شقيقها الرجل.

ولسنا ندَّعي شيئًا، عندما نثني على بعض التجارب المتقدمة في بعض بلداننا العربية والإسلامية، وأخص بالذكر التجربة التونسية1 التي نجحت في مجال تنمية العنصر البشري، وإدماج المرأة كشريكٍ أساسيٍّ وفاعلٍ بجانب الرجل، في مشروع التنمية الشاملة التى تقدّمت فيه البلاد التونسية العربية المسلمة

1 يُعَدُّ صدور مجلة الأحوال الشخصية حدثًا بارزًا في تاريخ تونس الحديث "13 أوت 1956م"، خاصةً على مستوى التشريعات المتعلقة بتثبيت قواعد الاستقرار والازدهار لحياة الأسرة، وتمكين المرأة التي تمثل نصف المجتمع من حقها في التعليم والشغل والمشاركة في الحياة العامة

ص: 21

أشواطًا لا بأس بها. وفي الرؤية التونسية، كما لا يخفى، مزجٌ حكيمٌ بين خصوصيات الانتماء العربي الإسلامي، كثابتٍ من الثوابت الأساسية في مجال التشريع والإنجاز، وبين دواعي التطور والانفتاح كخيارٍ حضاريٍّ تستوجبه متطلبات العصر الحديث، وهذا لا ينكره عاقل حصيف.

لقد ضمنت مختلف التشريعات التي صدرت بتونس منذ العهد الأول للاستقلال للأسرة أسباب استقرارها وتوازنها، بما أرسته من الحقوق والواجبات المبنية على أسباب من المسئولية المتبادلة والتعاون المثمر بين أفراد الأسرة، كما أَوْلَتْ هذه التشريعات عنايةً بالمرأة وأمكنتها من مزاولة دورها داخل الأسرة وخارجها بكل ثقة وكفاءة، وارتقى العهد الجديد في تونس منذ 7 نوفمبر 1987م بتوجيهٍ من سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي -حفظه الله ورعاه- بهذه الحقوق إلى أعلى مستوياتها، بتطوير التشريعات والقوانين1، تدعيمًا لدور الأسرة، وضمانًا لدواعي التماسك فيها؛ لأن في قوتها وتوازنها قوة للمجتمع وتثبيتًا لاستقراره، وهي رؤية حضارية مستمدَّةٌ من جوهر ديننا الحنيف وروحه السمحة، في تفاعل إيجابي، وتناغمٍ سليمٍ مع مقتضيات العصر وضروراته.

- الحق في المشاركة السياسية:

لقد شاركت المؤمنات، شأنهن في ذلك شأن الصحابة -رضوان الله عليهم- جميعًا، في مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ صلى الله عليه وسلم عليهن العهد، كما على الرجال، على السمع والطاعة؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 12]. وفي هذا أبلغ مثال وأفصح مقال، على ما يوليه الإسلام من

1 ومن أمثلة هذه التنقيحات الجريئة، ما جاء به الفصلان "32 - 32" مكرر من مجلة الأحوال الشخصية، من ضبط إجراءات إضافية لضمان حسن التقاضي من جهة، وتهيئة المناخ لفض الخلاف بين الزوجين بالحسنى، وذلك بإحداث خطة قاضي الأسرة الذي يتولى السعي بالإصلاح وتقريب شقة الخلاف بين الطرفين، مراعاةً لجانب الأبناء، وحفاظًا على استقرار الحياة الأسرية.

ص: 22

قيمةً بالغة لدور المرأة في المشاركة في الحياة العامة، ومنها الحياة السياسية، واعتبر الإسلام المسئولية في كل أبعادها، مشتركة بين الجنسين الرجل والمرأة، كل فيما هو موكول له، ومؤهل إليه، لقوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"الرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"1.

وقد جاءت التشريعات المعاصرة لتأكيد هذا الحق وتثبيته، وإزالة المعوقات المعنوية والمادية، التي تمنع المرأة من حقها في التعبير عن رأيها، والإصداع بموقفها، مثلها في ذلك مثل الرجل، وقد أمكنها ذلك من دخول المجالس الوزارية والنيابية والبلدية، والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، وهي في ذلك جديرة بما حظيت به بفضل من عزمها وجهدها وكفاءتها.

إن المرأة المعاصرة، بما اكتسبته من مهاراتٍ مضافةٍ إلى سابق مهارتها في الرعاية والحضانة وإدارة شئون البيت، قد اكتملت أهليتها بما توفر لها من أسباب الرقي المعنوي والمادي، ويبقى على المجتمع الدولي أن يوفِّر الضمانات اللازمة التي تحمي هذه المكتسبات من أشكال التجني والتعدي، ومن مزالق الانحراف التي تحولّت من خلاله المرأة إلى منتوج إعلاني ولافتة إشهارية رخيصة، أو إلى موضوع جنسيٍّ مبتذلٍ يلغي عقلها وينفي إنسانيتها، وهي مفارقة عجيبة، في زمن ترتفع فيه أصوات المصلحين الداعية إلى إحلال الحرية والكرامة محل الاستعباد والدناءة، تسعى في المقابل معاول الهدم والتخريب إلى الارتكاس بالمرأة إلى مستوياتٍ حقيرةٍ من الدعارة وصنوف الابتزاز الجسدي.

1 رواه البخاري في كتاب النكاح.

ص: 23