المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حق المساواة والعدالة - الإسلام وحقوق الإنسان في ضوء المتغيرات العالمية

[كمال الدين جعيط]

الفصل: ‌حق المساواة والعدالة

الدولية في الزمن المعاصر، على تأكيد هذا الحق وحمايته من كل أنواع الاعتداء والقهر والتهميش والإقصاء، سواء بتغليب النزعة الجماعية على حساب حق الفرد فيها، أو إطلاق مكامن الفرد إلى الحدِّ الذي يتعالى فيه قراره على قرار المجموعة، فتنعدم الغاية النبيلة من وراء تقرير هذا الحق الأصلي، فإن الإسلام لم يغفل عن توجيه عنايته إلى هذا الجانب الهامِّ في حياة الفرد والمجموعة بما شرعه للفرد من حق الإدلاء برأيه، والاجتهاد بفكره، والتعبير عن إرادته بلك حرية، ما لم تخرج عن مراعاة مصالح المجموعة المعتبرة شرعًا، أو تنقلب عليها لتفضي إلى تفتيت قواها وضياع جهودها؛ فتنحل الرابطة الجامعة بكليتها، ويضيع في خِضَمِّ ذلك نفعها وصلاح انتظامها، وفي نصوص الكتاب والسنة شواهد تدعو إلى مشاركة الفرد بتوظيف إمكاناته العقلية والمادية إلى دعم المجموعة وتوطيد أركانها.

من ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني"، إلى أن قال:"لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير في إن لم أسمعها"1. يقصد أن إسداء كلمة الحق والجهر بها واجب مفترض على كل مسلم.

1 انظر: البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق عبد الله التركي: 9/ 415.

ص: 14

‌حق المساواة والعدالة

جـ- حق المساوة والعدالة:

لطالما عانت الإنسانية عبر تاريخها الطويل من ويلات الغبن والحرمان من أبسط الحقوق الضامنة للحد الأدنى من الكرامة البشرية، ومن هذه المآسي استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وامتلاك ناصية حياته بغير حق، لم يمنعه من ذلك بريق الحضارات التي قامت منذ تاريخ بعيد؛ كحضارة اليونان وفارس وروما، والتي أضفت شرعية ظالمة على ما آلت إليه حياة البشر من التدني والانحطاط وسوء المنقلب.

ولما أشرقت أنوار الإسلام على هذه الدياجير، تبدّت للإنسانية سوءاتها، وتاقت الأنفس المضطهدة إلى العيش في ظل عدالة الدين الجديد، الذي يعود إلى

ص: 14

آدم عليه السلام، فقال عليه الصلاة والسلام:"كلكم من آدم، وآدم من تراب" 1، وقال أيضًا:"والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"2.

وقد جاءت التشريعات الإسلامية معتبرة لهذا الحق الأصلي في المساواة بين جميع الناس أمام القانون، لا مجال للحظوة الخاصة ولا لدواعي القربى، ولا للعصبية العرقية أو الدينية، قال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، ولا ما من شأنه أن يمسَّ حقوق الناس بغير وجه حقٍّ مما يخالف مقتضيات العدالة التي تضمنتها شريعة الإسلام، قال -جل شأنه:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].

إن هذه المبادئ الإنسانية العامة، تُعَدُّ قواعد أساسية، لا غنى عنها لكل تشريعٍ يتناول حقوق الأفراد والجماعات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولسنا نقصد من خلال هذا البحث الوجيز التعرُّض إلى كل هذه الجوانب التي تناولتها التشريعات والبحوث المستفيضة، وإنما سنأتي على بيان الوجه الاجتماعي لهذه الحقوق، لما لهذا الجانب من الأهمية القصوى، متناولين الحقوق الأسرية التي تنبني عليها مجموع العلاقات بين أفراد العائلة، مع الوقوف على أهم القضايا المطروحة اليوم في مجال التشريعات المتصلة بحقوق المرأة والطفل والعناية بالشيخوخة، دون التغاضي عما أصبح اليوم يعد هاجسًا قويًّا وهتمامًا أولويًّا في مخططات الدول وبرامجها، من أجل تهيئة محيط سليم وبيئة ملائمة لحياة اجتماعية طبيعية صحية.

1 رواه أحمد في مسنده: 3/ 367.

2 رواه أحمد ومسلم والنسائي.

ص: 15