الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
حقوق الإنسان في الإسلام:
1 -
الحقوق الأساسية:
لا شكَّ أن التربية النفسية والعقلية والسلوكية السليمة الصحيحة، شرط ضروري ولازم لتهيئة التربة الصالحة التي نريد أن نبذر فيها بذور الحق والواجب، حتى ينشأ في الأجيال المتعاقبة الوعي الكامل بمستلزمات الحياة البشرية؛ من حرية وكرامة ومساواة وعدالة.
ولقد كانت الفترة المكية زمن البعثة، والتي تواصلت زهاء ثلاث عشرة سنة، قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، موجَّهَةً توجيهًا كليًّا إلى التربية العقدية، والتأصيل الإيماني، والتهذيب النفسي والعقلي والأخلاقي، وفق أسلوب من التدرج يراعي الخاصيات التي تتطلبها كل مرحلة من مراحل الدعوة إلى الدين الجديد، ثم تلت هذه الفترة الهامة، مرحلة التشريع للمجتمع الجديد الناشئ، وفق ضوابط أخلاقية وسلوكية، ميزتها الشمولية لكلِّ جوانب الحياة الفردية والجماعية، وقاعدتها المساوة بين كل الناس، دون التفرقة بينهم لدواعي جنسية أو عرقية أو لغوية، وميزانها العدل في ترتيب الحقوق والواجبات على حسب ما تحتمله الطاقة البشرية من غير إسراف ولا تقصير.
ومن الحقوق الإنسانية الأساسية التي أحاطها الإسلام بسياج الحرمة والقداسة:
أ- حق الحياة:
وهو من أقدس الحقوق البشرية على الإطلاق، وأولاها بالإثبات والحماية، بدليل أن الشرائع السماوية أجمعت على إقرار هذا الحق الأصلي، واعتباره من أوكد الكليات الخمس الواجب حفظها ومراعاتها. والإسلام حرَّم تحريمًا مشددًا قتل النفس البشرية بغير حقٍّ، وسدَّ كل أبواب الذرائع المؤدية إلى إتلافها وإهلاكها،
بإهمالها أو إيلامها أو تعذيبها أو تعريضها إلى الخطر بأيّ شكل من الأشكال؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].
ويستتبع الإقرار بمبدأ حق الحياة، تثبيت مجموعة من الحقوق المتفرعة اللازمة، بقصد إحاطة هذا الحق الأصليّ بمجموعة من الضمانات الحمائية، اقتضتها ظروف تطور الحياة في مختلف جوانبها، وتعدد المخاطر المحيطة بها، ومن بينها:
- حق الضمان الاجتماعي في توفير الأسباب الدنيا لحياة بشرية كريمة، وتأمين وسائل العيش، ومنها: حق الشغل.
- حق الرعاية الصحية، بتوفير وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض المهددة للصحة البشرية.
- حق التغطية الاجتماعية، وكفالة مختلف الأصناف والشرائح المحتاجة إلى الدعم الاجتماعي، سواء بتوفير الأطر والهياكل لرعاية الأيتام والشيوخ العجَّز وفاقدي السند؛ ذوي الإعاقات الذهنية والبدنية، أو بتقديم المساعدات والمنح المادية والعينية لتخفيف وطأة الحياة عنهم.
- حق توفير المرافق الدينية والثقافية والترفيهية وسائر الأنشطة التي تستجيب لحاجيات الإنسان الروحية والنفسية والجسدية؛ كالمساجد والجوامع والمدارس والمكتبات والفضاءات الرياضية والترفيهية.
ب- حق الحرية:
إن الحرية هي التعبير الطبيعي عن نزوع الذات البشرية إلى الانعتاق من كل المقيدات والمكبلات التي تحول دون تحقيق ذاته وتنمية طاقاته العقلية والنفسية والوجدانية، وهي تكتسب من القدسية والحرمة ما يجعلها قرينة التكليف والمسئولية في الدساتير والشرائع السماوية؛ قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
والحرية تتفرع إلى ضروبٍ وأنواع متعددة، تشمل كل جوانب الحياة البشرية الروحية والعقلية والمادية، ولا تستثني أيَّ حقٍّ من الحقوق المترتبة عليها، إلّا ما تستوجيه شروط ولوازم الحياة الجماعية في حال التعارض بين الحق الفرديّ وحق المجموعة عليه.
- حرية التديُّن:
وهو حق الإنسان في أن يختار دينه وعقيدته من غير إكراهٍ ولا إجبار، لاعتبارٍ أساسي؛ هو حاجة الإنسان الماسة إلى تلبية حاجياته النفسية الوجدانية؛ لأن أصل كل حرية ينطلق من داخل النفس البشرية، فإذا ما تَمَّ لها ذلك، توجهت إلى العالم الخارجي في قوةٍ وتوازنٍ لتحقق ذاتها وفعلها الحضاري.
- حرية التعبير:
وهي الحق في أن يعلن الإنسان عن جملة أفكاره وقناعاته التي يعتقد فيها الصواب والصلاح له ولغيره، وهو حقٌّ ينتج عن عضوية الإنسان داخل المجتمع الإنسانيّ باعتباره جزءًا منه، ومسئولًا مكلفًا مدعوًّا إلى الإسهام فيه برأيه وفعله، إثراءً للتجربة الإنسانية، وتحصينًا لها من العثرات والنواقص.
جـ- حق المساواة:
دعا إلى المساواة بين بني البشر، وإلغاء صنوف التمييز من منطلق وحدة الأصل البشري الذي يعود إلى آدم عليه السلام، فقال عليه الصلاة والسلام:"كلكم من آدم وآدم من تراب" 1، وقال أيضًا:"والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"2.
وقد جاءت التشريعات الإسلامية معتبرة لهذا الحق الأصليّ في المساواة بين جميع الناس أمام القانون، لا مجال للحظوة الخاصة، ولا لدواعي القربى، ولا للعصبية العرقية أو الدينية.
1 رواه أحمد في مسنده: 3/ 367.
2 رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي.