المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌تقديمٌ الحمد لله، والصلاة والسلام على أفضل خلقه - الإشاعة لأشراط الساعة

[البرزنجي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌تقديمٌ الحمد لله، والصلاة والسلام على أفضل خلقه

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تقديمٌ

الحمد لله، والصلاة والسلام على أفضل خلقه سيدنا محمدٍ رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

أما بعد:

فإنَّ الله جَلّ شأنه خَلقَ الخَلْق، وجعل لهم نهاية لا يُسَتَقدمُ عنها ولا يُستَأخر.

وبكرمه وَمِنّته -تعالى شأنه- لم يُفْلت الخلق بالنهاية، ولم يفجأهم فُجاءة، بل جعل لها علامات وأمارات قريبة، ومتوسطة، وبعيدة حتى يَتَهيؤوا لما بعد النهاية، ويُهَيئوا أنفسهم للرحمة أو النكاية؛ فالسعيد من اتعظ بغيره، وعمل لما بعد الموت، والشقي من لم يعتبر بغيره، وَتمنّى على الله الأماني؛ فإنه لن يَهلِكَ على الله إلَّا هالك.

فلم يخلُ قرنٌ إلَّا وأُلّفَ فيه كتابٌ أو أكثر في هذا القبيل إلى يومنا هذا، سواء كان كتابًا مستقلًا، أو أبوابًا وَكُتبًا في الجوامع المدونة الحديثية؛ كما لا يخفى على المُطّلع.

وأوسع الكتب مادةً، وأحسنها جمعا وترتيبًا، وألطفها توفيقًا بين الروايات، وأصحها تطبيقًا للحديث على الواقعة هو كتاب الإمام، المحدث، الفقيه، الواسع الاطلاع: محمد بن رسول البرزنجي رحمه الله تعالى، المسمى بـ"الإشاعة لأشراط الساعة".

أما كونه أوسع مادة فقد جمع كتابه من كُتب الحفاظ المكثرين؛ كما ذكر هو في المقدمة فقال:

ص: 8

"مأخذ ما نذكره في كتابنا هذا من الأحاديث غالبًا كتب الحافظين الإمامين: الحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ جلال الدين السيوطي؛ كشرح البخاري؛ المسمى: "فتح الباري" للأول.

وكـ"الدُّر المنثور"، و"الخصائص الكبرى"، و"جمع الجوامع"، و"العَرْف الوردي"، و"الكشف" للثاني.

وكتب الإمام الشريف نور الدين علي السمهودي، وكتب المحقق علي المتقي، وقليلًا كتب غيرهم". إلى آخر ما قال.

وأما كونه أحسنَ ترتيبًا وجمعًا فقد أقرَّ به غيره، وقاله المؤلف بنفسه:

(فانقسمت الأمارات إلى ثلاثة أقسام:

قسمٌ ظهر وانقضى؛ وهي الأمارات البعيدة.

وقسمٌ ظهر ولم ينقض، بل لا يزال يتزايد ويتكامل، حتى إذا بلغ الغاية ظهر.

والقسم الثالث: وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة، وإنها تتتابع كنظام خرزٍ انقطع سلكها.

فلنذكر كُلّ قسم في باب على حدته.

وهذا تَرتيبٌ لم أره لغيري، ولعله أقرب إلى الضبط، وأنفع للعوام إن شاء الله تعالى.

وأما كونه ألطف توفيقًا فأقول الكلمة المعروفة: "من لم يذق لم يدر"؛ فإنه من يطالع كتابه يُدهَش.

طالع مثلًا روايات مُلْك المهدي عليه السلام المتعارضة، وجمع المؤلف بينها تر العجب. ومثله في الكتاب كثير، وكثير.

وأما كونه أصح تطبيقًا للحديث على الواقعة فهذا فنٌ صعبٌ يحتاج إلى نظرٍ دقيق، وبصيرةٍ نافذة، ولا يجترئُ عليه كلُّ من هبَّ ودبّ؛ فإنه يحتاج إلى أن يكون حافظًا لِطُرُقِ الحديث وألفاظه المختلفة، وفوق ذلك الاستحضار الدقيق لها، ثم إلى معرفة

ص: 9

الوقائع وتواريخها حتى يطبق الحديث على الواقعات. ومثاله أيضًا في الكتاب كثير وكثير. لا يخفى على القارئ.

كيف لا؛ ومؤلفه محدِّثٌ، وَفقيهٌ، ومؤرخٌ، ومشاركٌ في أكثر العلوم المتداولة في زمانه، بل محقَّقٌ فيها ولا نطيل الكلام بذكر ترجمته؟ !

وكان قد اعتنى بكتاب "الإشاعة" شيخنا الإمام المُحدّث الحافظ محمد زكريا الكاندهلوي ثم المهاجر المدني رحمه الله تعالى، وكانت عنده نسخةٌ من الكتاب مطبوعة قديمة سنة (1325 هـ) بالقاهرة، فكان أن جلَّدَها الشيخ رحمه الله تعالى تجليدًا؛ بحيث أدخل بعد كُلّ ورقة مطبوعة ورقة بيضاء؛ ليكتب عليها فائدةً تسنح له، أو لطيفة حديثية تظهر له، أو تطبيقًا للحديث على الواقعة، فذكرنا كلام شيخنا رحمه الله تعالى في مواضعه في الحاشية، وميزناه بحرف:(ز).

ثم كان الشيخ رحمه الله تعالى أراد أن يكتب ذيلًا على كتاب "الإشاعة"، وألحقه في آخر نسخته لكن لم يتمه، فتتميمًا للفائدة ألحقناها في آخر الكتاب، لكن لما كان كلام الشيخ رحمه الله تعالى إشاراتٍ مستخلصة من الأحاديث المفصلة، ذكرنا في الحاشية الأحاديث التي أشار إليها الشيخ رحمه الله تعالى.

وعناية شيخنا رحمه الله تعالى بالكتاب ألجأتنا إلى الاعتناء به؛ فإنه لا يعرف الفضل إلَّا ذووه.

بل شيخنا رحمه الله تعالى هو الذي أمرنا أن نُرتب ما كُتب على الكتاب من الحواشي في آخر حياته، ولكن كل شيء مرهون بوقته.

وشيخنا هو الإمام، المُحدِّث، الحافظ، الفقيه، العابد، الزاهد، الورع: محمد زكريا ابن العلامة محمد يحيى الصديقي الكاندهلوي، ثم المهاجر المدني.

ولد لعشر خلون من شهر رمضان سنة (1315 هـ)، وأدرك الإمام الكبير الرباني الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي رحمه الله تعالى في صباه، وسعد بحنانه وعطفه؛ لما كان بينه وبين أبيه من اختصاص.

وأسرة شيخنا معروفةٌ بالعلم والزهد والعبادة، فَربّاهُ والده تربيةً دقيقةً حسنة،

ص: 10

فحفظ القرآن الكريم، ثم الكتب الدينية الابتدائية على أساتذة الفن في ذلك الوقت، ثم لما انتقل والده إلى (جامعة مظاهر علوم) بسهارنفور أكمل دراسة الحديث على أبيه، وعلى شيخه الإمام خليل أحمد السهارنفوري؛ صاحب "بذل المجهود في شرح سنن أبي داود" في عشرين مجلدًا.

وبعد التخرج بدأ التدريس في نفس الجامعة، فدرَّس فيها من سنة (1335 هـ) إلى (1388 هـ) مختلف الكتب بإتقانٍ وإمعان.

ومن كتب الحديث خصوصًا كان له اشتغالٌ بالتدريس بـ"سنن أبي داود"، و"صحيح البخاري" أكثر من غيرهما، فدرَّس "سنن أبي داود" من أوله إلى آخره ثلاثين مرة تقريبًا، و"صحيح البخاري" أكثر من ثلاثين مرةً بشرحٍ مُفصّل.

وَألّفَ تآليف كثيرة بالعربية والأوردية، أكثر من ستين تأليفًا، بعضها في خمسة عشر مجلدًا.

ورزقت تأليفاته قبولًا حسنًا، وانتشرت في العالم، فطبع بعضها أكثر من عشر مراتٍ، بل بعضها بلغت طبعاته أكثر من خمسين مرةً، وترجمت بعض كتبه إلى أكثر من عشرين لغةً، وقد ألقى الله محبته في جميع الطوائف المختلفة.

وبالجملة: كان هو رجالًا في رجل واحد.

وليس على الله بمستنكرٍ

أن يجمع العالَمَ في واحد

وكانت أوقاته منظمة؛ لكلّ عملٍ وقتٌ محدَّد لا يجاوزهُ إلى غيره، وكان لا ينام في الليل والنهار ثلاث ساعات، بل لا يدع أحدًا من خدمه ومرافقيه أن يناموا في الليل والنهار؛ ولو في أوقات متفرقة أكثر من ثلاث ساعات، وكان يغضب على من يرى من مرافقيه ينام كثيرًا، ويقول لهم:(هذه الدنيا دار عمل؛ فاعملوا هنا، وبعد الموت ننام) وكثيرًا ما كان يتمثل بقول الشاعر:

بقدر الكد تكتسب المعالي

ومن طلب العُلا سهر الليالي

وهذا كان حاله منذ كان عمره عشرين سنة، إلى أن تُوفّي.

ص: 11

كان لا يعرف الملل ولا الكسل، ويقضي أوقاته في سبيل العلم والعبادة.

وأما استحضاره لكتب الحديث، والشروح، والفقه فحدِّث ولا حرج.

كانت كتب الأحاديث؛ خصوصًا "صحيح البخاري" والكتب الستة، بجميع طُرُقِها وألفاظها المختلفة على طرف لسانه، وهكذا حال الشروح الحديثية والكتب الفقهية، وهذا جربناه كثيرًا.

فلما كان في آخر حياته ضعف بصره، وكان يعتمد علينا في إملاء تأليفاته، فكان يأمرنا ببحث حديث أو مسألةٍ في كتاب ما، فإذا لم نجد المسألة في الكتاب كان يقول:(هات الكتاب الفلاني وافتح باب كذا، واقرأ من صفحة كذا) فنجد المسألة، أو الحديث.

وهكذا كانت حاله في عِبَادة ربه، وفي قراءة القرآن والذكر حتى جاء أمر ربه، فلبَّاه بعد العصر من يوم الإثنين من شهر شعبان سنة (1402 هـ)، وصُلِّي عليه بعد العشاء، ودفن بالبقيع بجوار أهل البيت، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ولو أطلنا الكلام لاحتجنا إلى مجلد كبير، ولكن لا يسع هذا المختصر إلَّا هذا.

والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على حبيبه دائمًا وسرمدًا.

كتبه: حبيب الله قربان علي

(26/ 11/ 1416 هـ)

ص: 12