المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

البَابُ الثّالث في الأَشْرَاطِ العِظَامِ وَالأَمَارَاتِ القَريبَةِ الّتي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ وهي - الإشاعة لأشراط الساعة

[البرزنجي]

الفصل: البَابُ الثّالث في الأَشْرَاطِ العِظَامِ وَالأَمَارَاتِ القَريبَةِ الّتي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ وهي

البَابُ الثّالث في الأَشْرَاطِ العِظَامِ وَالأَمَارَاتِ القَريبَةِ الّتي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ

وهي أيضًا كثيرة.

فمنها: المهدي (1):

وهو أولها. واعلم؛ أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر.

فقد قال محمد بن الحسن الإسنوي في كتاب "مناقب الشافعي": "قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ب‌

‌ذكر المهدي

، وأنه من أهل بيته صلى الله عليه وسلم". انتهى

وستأتي الإشارة إليها إجمالًا، ولو تعرضنا لتفصيلها طال الكتاب، وخرج عن موضوعه، ولكن نقتصر على حاصل الجمع بين الروايات من غير تَعرُّضٍ لمخرَجها ومُخَرِّجيها، والكلام فيه يأتي في مقامات.

(1) وبسط في الروايات في بيانه ابن حجر في "الفتاوى الحديثية"(ص 27)، وللسيوطي فيه رسالةٌ سماها "كتاب المهتدي" أشار إليها في "اللآلي المصنوعة"(ص 551).

وقال صاحب "عون المعبود"(4: 170): أحاديثه بين صحيح وحسن وضعيف، وبالغ ابن خلدون في "تاريخه" في تضعيف رواياته فلم يصب

إلخ

ولحضرة مولانا أشرف علي التهانوي رسالة في الرد على ابن خلدون مسماة: "مؤخرة الظنون عن ابن خلدون" معروفةٌ، وأيضًا له رسالة بالأوردو باسم "تحقيق مهدي" مطبوعة في آخر المجلد الرابع من "إمداد الفتاوى". (ز).

ص: 175

المقام الأول في اسمه، ونسبه، ومولده، ومبايعته، وَمُهَاجره، وحليته، وسيرته

أما اسمه: ففي أكثر الروايات أنه: محمد، وفي بعضها أنه: أحمد، واسم أبيه عبد الله، فقد ورد، بل صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم؛ كما عند أبي داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "يُواطئ -أي: يُوافق- اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي".

وتعسف بعض الشيعة فقالوا: إنَّ هذا تحريف، والصواب: اسم أبيه اسم ابني -بالنون-، يعني: الحسن، أو أنَّ المراد بأبيه: جده؛ يعني: الحسين، والمراد باسمه: كُنْيتُه، فإنَّ كُنيةَ الحسين: أبو عبد الله، فمعناه: أنَّ كُنية جده الحسين توافق اسم ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لاعتقادهم أنه محمد بن الحسن العسكري.

وهو بَاطلٌ من وجوه:

أما أولًا: فلهذه التعسفات.

وأما ثانيًا: فلأنَّ محمد بن الحسن هذا مات، وأخذ عمه جعفر مِيراث أبيه الحسن.

وأما ثالثًا: فلأنَّ المهدي يُبايَعُ وهو ابن أربعين سنة، أو أقل، ولو كان هو لزاد عن سبع مئة سنة.

وأما رابعًا: فلأنَّ مولد المهدي المدينة، بخلافه.

وأما خامسًا: فلأنَّ رواية ابن المُنادي عن عليّ عليه السلام: "فيجيء الله بالمهدي محمد بن عبد الله".

بل وكثيرٌ من الأحاديث صريحةٌ في رَدِّ ما قالوه.

وُوجوهٌ أُخر لا نُطِيل الكلام بذكرها.

ص: 176

تَنبيه

وقع للشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتاب "اليواقيت والجواهر": أنه مشى على هذا القول، ونسبه "للفتوحات المكية"، وسيأتي كلام "الفتوحات" وليس فيه ذلك، بل الذي فيه هو أنَّ المهدي من أولاد الحسن، ولا شك أن العسكري من أولاد الحسين، فما في "الفتوحات" أعم مما نُسِب إليها.

والظاهر: أن هذا مَدسُوسٌ على الشعراني، ويؤيده أنه في حياته لم يُحرر الكتاب المذكور، وأنه قال فيه: لا أُحِلُّ لأَحَدٍ أن يروي عني هذا الكتاب حتى يَعْرِضَهُ على علماء المسلمين ويجيزوا ما فيه.

وقد وقع فيما خاف منه، فَدُسَّ عليه مذهب الشيعة.

ومما دُسَّ عليه في "طبقاته" أنه قال في ترجمة الحسين بن علي: إنَّ العقب منه فقط، لا من أخيه الحسن.

وهذا أيضًا من دسائس الرافضة، وإلَّا فكيف يُنكر الشعراني نَسَبَ الحسن وهو أظهر من أن يُشهر، وأكثر من أن يُحصر، ومنهم الأعاظم كأئمة اليمن، وملوك الحجاز، وملوك الغرب، وأئمة طبرستان القدماء كالداعي الكبير، وكتب النسب طَافحةٌ بأنسابهم كـ"عمدة الطالب" وغيرها، وأئمة علم الأنساب مُجمِعُون على إثبات نسبه، لم يختلف فيه منهم اثنان.

ثم كيف يجوز أن يُنسَب ذلك إلى الشعراني وهو مصري، وأجلاء بني حسن كانوا بمصر كبني طَباطِبا وغيرهم؟ !

فَليتنبه لذلك فإنه زَلةٌ، وبالله التوفيق.

ولقبه: المهدي؛ لأنَّ الله هداه للحق.

والجابر: لأنه يجبر قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لأنه يجبر؛ أي: يقهر الجبارين والظالمين ويقصمهم.

وكُنيته: أبو عبد الله.

ص: 177

وفي "الشفا" للقاضي عياض رحمه الله: أن كنيته أبو القاسم، وأنه جُمع له بين كُنية النبي صلى الله عليه وسلم واسمه، ولم يذكر له سندًا سلام الله عليه.

وأما نسبه: فإنه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة: أنه من ولد فاطمة عليها السلام. وجاء في بعضها: أنه من ولد العباس رضي الله عنه، ثم اختلفت الروايات في ولدي فاطمة عليها السلام؛ ففي بعضها: أنه من أولاد الحسن، وفي بعضها: أنه من أولاد الحسين.

ووجه الجمع بينهما أن ولادته العُظمى من الحسين، أو من الحسن، وللآخر فيه ولادة من جهة بعض أمهاته، وكذلك للعباس فيه ولادةٌ أيضًا.

على أن في أولاد العباس كان من تَسمّى بالمهدي، وجاءتهم الرايات السود من خراسان كما تجيء للمهدي، وكان قبله المنصور كما يكون قبل المهدي المنصور.

وأما مولده: فإنه يُولد بالمدينة، رواه نُعيم بن حماد عن أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه.

وفي "التذكرة" للقرطبي: أنَّ مولده ببلاد المغرب، وأنه يأتي من هناك ويجوز على البحر، كما سيأتي نقله.

وأما مبايعته: فإنه يُبايع بمكة بين الركن والمقام ليلة عاشوراء؛ كما يأتي.

وأما مهاجره: فإنه يُهاجر إلى بيت المقدس، وأن المدينة تخرب بعد هجرته، وتصير مأوى للوحوش؛ فقد ورد عن عمر رضي الله عنه: أن عِمرَانَ بيت المقدس خَرَابُ يثرب.

وأما حليته: فإنه آدم ضربٌ من الرجال رَبعةٌ، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أشمه، أزج أبلج، أعين، أكحل العينين، براق الثنايا، أفرقها، في خَدِّه الأيمن خالٌ أسود، يُضيءُ وجهه كأنه كوكب دُري، كث اللحية، في كتفه علامةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، أذيل الفخذين، لونه لون عربي، وجسمه جسم إسرائيلي، في لسانه ثقل، وإذا أبطأ عليه الكلام ضرب فخذه الأيسر بيده اليمنى، ابن أربعين سنة.

ص: 178

وفي رواية: ما بين الثلاثين إلى أربعين، خاشعٌ لله خشوع النسر بجناحيه، عليه عبايتان قِطْوَانيتان، يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلُق -أي: بالضم- لا في الخَلْق -أي بالفتح-.

ولنذكر تفسير بعض كلماته:

قوله: (آدم): هو الأسمر شديد السُّمرة، أو هو الذي لونه لون الأرض، وبه سُمّي آدم عليه السلام.

قوله: (ضرب من الرجال): هو الخفيف اللحم الممشوق المستدق.

قوله: (رَبعةٌ): هو بين الطويل والقصير.

قوله: (أجلى الجبهة): هو الخفيف شعر النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته.

قوله: (أقنى الأنف): القنا في الأنف: طوله ودقة أرنبته، يقال: رجل أقنى، وامرأة قنواء.

قوله: (أشمه): يقال: فلان أشم الأنف، إذا كان عرنينه رفيعًا.

قوله: (أزج أبلج): الزجج: هو تقويس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد، وفلان أزج حاجبه كذلك.

و(الأبلج): هو المشرق اللون مسفره، و (الأبلج) أيضًا: هو الذي وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا، والاسم: البَلج؛ بفتح اللام.

قوله: (أعين أكحل العينين): الأعين: الواسع العين، والمرأة العيناء، والجمع: عِينٌ.

ومنه قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ} .

و(الكَحَل) -بفتحتين-: سواد في أجفان العين خلقة من غير اكتحال، والرجل أكحل، والمرأة كحلاء.

قوله: (بَرّاق الثنايا أفرقها)؛ أي: لها بريق ولمعان من شدة بياضها.

ص: 179

و (أفرقها)؛ أي: ثناياه متباعدة ليست مُتلاصقة.

قوله: (أذيل الفخذين)؛ أي: منفرج الفخذين متباعدهما.

قوله: (عبايتان قِطْوَانيتان)؛ القطوانية: قال في "النهاية": عباءة بيضاء قصيرة الخمل والنون زائدة، يقال: كساء قِطْوَاني، وعباءة قِطْوانية.

وأما سيرته: فإنه يعمل بسُنّة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يُوقِظُ نائمًا، ولا يهريق دمًا، يقاتل على السُنّة لا يترك سُنّةً إلَّا أقامها، ولا بدعةً إلَّا رفعها، يقوم بالدين آخر الزمان؛ كما قام به النبي صلى الله عليه وسلم أوله، يملك الدنيا كلها؛ كما ملك ذو القرنين وسليمان.

يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، يَردُّ إلى المسلمين أُلفتهم ونعمتهم، يملأ الأرض قِسطًا وعدلًا؛ كما مُلِئَت ظُلمًا وجورًا، يحثو المال حثيًا، ولا يَعُدهُ عدًا، يقسم المال صِحاحًا بالسوية، يَرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، والطير في الجو، والوحش في القفر، والحيتان في البحر.

يملأ قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غِنىً حتى إنه يأمر مناديًا ينادي: ألا من له حاجة في المال. فلا يأتيه إلَّا رجل واحد، فيقول: أنا.

فيقول: ائْتِ السَّادِن -يعني: الخازن- فقل له: إنَّ المهدي يَأمُرك أن تُعطيني مالًا.

فيقول له: احثُ. حتى إذا جعله في حِجْرهِ وأبرزه نَدِم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. -أي: أحرصهم. والجشع: أشد الحرص- ويقول: أَعْجَز عما وسعهم. قال: فيرده فلا يقبل منه. فيقال له: إنا لا نأخُذُ شيئًا أعطيناه.

تَنْعَمُ الأمة برها وفاجرها في زمنه نعمة لم يُسمع بمثلها قط، تُرسل السماء عليهم مِدرارًا لا تدخر شيئا من قطرها، تُؤتي الأرض أُكلها لا تدخر عنهم شيئًا من بذرها، تجري على يديه الملاحم، يستخرج الكنوز، ويفتح المدائن ما بين الخافقين، يُؤتى إليه بملوك الهند مَغلولين، وتُجعل خزائنهم حُليًا لبيت المقدس، يأوي إليه الناس كما تأوي النحل إلى يَعْسُوبها حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول.

ص: 180

يُمِدُه الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وُجُوه مخالفيه وأدبارهم، جبريل على مقدمته، وميكائيل على ساقته.

ترعى الشاة والذئب في زمنه في مكان واحد، وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا تضرهم شيئًا، ويزرع الإنسان مُدًا؛ يخرج له سبع مئة مُدّ.

ويُرفع الربا، والرياء، والزنا، وشرب الخمر، وتطول الأعمار وتؤدى الأمانة، وتهلك الأشرار، ولا يبقى من يُبْغِضُ آل محمد صلى الله عليه وسلم.

محبوب في الخلائق، يُطفئُ الله به الفتنة العمياء، وتأمن الأرض حتى إن المرأة تحج في خمس نسوة ما معهن رجل لا يخفن شيئًا إلَّا الله.

مكتوب في أسفار الأنبياء: "ما في حكمه ظُلم ولا عيب".

قال الفقيه ابن حجر في "القول المختصر في علامات المهدي المنتظر": ولا يُنافي هذا أنَّ عيسى عليه السلام يفعل بعض ما ذُكر؛ من قتل الخنزير، وكَسْرِ الصليب؛ إذ لا مانع أن كُلًا منهما يفعله.

أقول: ويحتمل أن يكون الزمان واحدًا، ويُنْسَبُ إلى كُلّ منهما باعتبار؛ كما سيأتي.

ص: 181