الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البابُ الثّاني في الأَمَارَاتِ المتَوَسِّطة الّتي ظَهَرَت وَلَم تَنقَضِ
الباب الثاني في الأَمَارَاتِ المتَوَسِّطةِ التي ظَهَرَت وَلَم تَنقَضِ
بل تتزايد إلى أن تتكامل وتتصل بالقسم الثالث، ولنسرد أحاديثها اختصارًا.
فمنها: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكع بن لُكع" رواه أحمد، والترمذي، والضياء عن حذيفة رضي الله عنه، وابن مردويه عن علي كرّم الله وجهه.
اللُّكع: العبد، أو الأحمق، أو اللئيم؛ أي: حتى يكون اللئام أو الحمقاء أو العبيد رؤساء الناس.
ومنها: "يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه كالقابض على الجمر" رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، كناية عن: عدم المُسَاعِد والمُعَاوِن على الدِّين.
ومنها: "يكون في آخر الزمان عُبادٌ جُهال، وقراء فسقةٌ" رواه أبو نُعيم، والحاكم عن أنس رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حِبّان، عن أنس رضي الله عنه.
ومنها: "من أشراط الساعة: الفُحش، والتفحش، وقطيعة الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن" رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه.
ومنها: "من اقتراب الساعة: انتفاخ الأهلة، وأن يُرى الهلال قَبَلًا -بفتحتين؛ أي: ساعة ما يطلع- فيقال: لليلتين" رواه الطبراني عن ابن مسعود، وأنس رضي الله عنهما.
ومنها: "أن تتخذ المساجد طرقًا، وأن يظهر موت الفجأة" رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه.
ومنها: "من اقتراب الساعة: كثرة القَطر -أي: المطر-، وقلة النبات، وكثرة القراء -أي: العباد-، وقلة الفقهاء، وكثرة الأمراء، وقلة الأمناء" رواه الطبراني عن عبد الرحمن بن عمرو الأنصاري.
ومنها: "يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حُثَالةٌ كحثالة الشعير أو التمر" رواه أحمد، والبخاري، عن مرداس الأسلمي.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رِواية، والورع تصنعًا" رواه أبو نعيم في "الحلية" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أن يكون الولد غيظًا، وأن يكون المطر قيظًا، وأن يفيض الأشرار فيضًا" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
أي: يكون الولد غيظ أبيه وأمه؛ أي: يعمل ما يغيظهما بعقوقه لهما، ولا يكون طوعهما، ويكون المطر في الصيف؛ فلا يُنبت شيئًا.
وهذا قريبٌ مما مر أنَّ من أشراطها: كثرة القطر، وقلة النبات.
و(فيض الأشرار): كثرتهم؛ أي: يكثر الشرار كثرةً.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة، وأشراطها: أن يُصدّق الكاذب، وأن يُكذّب الصادق" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه (1).
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة، وأشراطها: أن يؤتمن الخائن، وأن يُخَوّن الأمين، وأن يتواصل الأطباق -أي: الأباعد والأجانب-، وتقطع الأرحام" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة وأشراطها: أن يَسُود كل قبيلة مُنافقوها، وكل سُوقٍ فُجارها" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(1) ذكره في "مجمع الزوائد"(7: 323) مفصلًا (ز).
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة، وأشراطها: أن يكون المُؤمن في القبيلة أذل من النقد" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(النقد): صِغار الغنم.
ومنها: "أن! من أعلام الساعة، وأشراطها: أن تزخرف المحاريب وأن تخرب القلوب" رواه الطبراني عنه.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة، وأشراطها: أن يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء" رواه الطبراني عنه.
وهو كناية عن: كثرة اللواط في الرجال، وكثرة السِّحَاق في النساء.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة، وأشراطها: أن تكثف المساجد، وأن تعلو المنابر" رواه الطبراني عنه.
و(المنابر): يجوز أن يكون بالموحدة جمع مِنْبَر، وأن يكون بالمثناة جمع مِنَارة، وكلاهما واقع.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة وأشراطها: أن يُعمر خَرابُ الدنيا، ويُخرب عِمرانها" رواه الطبراني عنه، وابن عساكر عن محمد بن عطية السعدي.
أي: يُخرب البلدُ العامر ويبنى بمحلٍّ آخر، كما نقل مصر إلى القاهرة، وكما نقل الكوفة إلى نجف.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة، وأشراطها: أن تظهر المعازف، وتشرب الخمور" رواه الطبراني عنه.
المعازف؛ بالعين المهملة، والزاي المعجمة: جمع عزف.
قال في "النهاية": وهي الدفوف وغيرها مما يضرب، وقيل: كل لعب عزف.
ومنها: "أنَّ من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكثر الشُّرط، والهمازون، والغمازون، واللمازون، وأن يكثر أولاد الزنا" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
و (الشُّرط)؛ بضم المعجمة، وفتح المهملة: هم أعوان السلطان.
قال السخاوي: وهم الآن أعوان الظلمة، ويُطلق غالبًا على أقبح جماعة الوالي ونحوه، وربما توسع في إطلاقه على ظلمة الحُكام. انتهى
و(الهمز): الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم، وهمز يهمز فهو هَمّازٌ وَهُمَزة؛ للمبالغة، ومثله: اللَّمزُ، فهو لَمازٌ ولُمَزة، ومنه قوله تعالى:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} ، وقوله تعالى:{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} ، وقوله تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} .
وقيل: اللَّمزُ: هو العيب في الوجه، والهمز: العيب بالغيبة.
ومنها: "أنَّ بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تُعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق" رواه أحمد، والبخاري، والحاكم وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
و(فشو القلم) كنايةٌ عن كثرة الكَتَبةِ وقلة العلماء؛ يعني: يكتفون بتعلم الخط؛ ليخالطوا الحكام.
ومنها: "إذا استحلّت هذه الأمة الخمر بالنبيذ -أي: يشربونها، ويسمونها النبيذ، والنبيذ في المعنى هو الخمر؛ لأنها: كل مُسكر مائع -والربا بالبيع- أي: يتحيلون بإظهار الربا في صورة البيع -والسُّحت بالهدية- أي: يأكلون الرشوة والحرام الصرف، ويسمونها: هدية -واتجروا بالزكاة- أي: يُعطون الزكاة لأجرائهم، أو يتعارضون بالزكاة، فيعطي هذا لهذا، وبالعكس-".
ومنها: "إذا استغنى النساء بالنساء، والرجال بالرجال فبشرهم بريحٍ حمراء تخرج من قبل المشرق، فيَمسخ بعضهم، ويَخسف ببعض، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" رواه الديلمي عن أنس رضي الله عنه.
ومنها: "إذا اتخذ الفيء دُولًا" رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال في "الفائق": الدُّول؛ بضم الدال وفتحها: ما يدول الإنسان -أي: يدور- من الحظ.
وقال في "النهاية": هو الدُّول؛ بضم الدال وفتح الواو: جمع دُولة بالضم، وهو ما يتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم.
ومعناه: إذا اختص الأغنياء وأصحاب المناصب بأموال الفيء، ومنعوا عنها مُستحقيها.
ومنها: "أن تتخذ الأمانة مَغْنمًا، والزكاة مَغْرمًا، ويُتعلم لغير الدِّين" رواه الترمذي عنه.
ومعناه: أن يذهب المؤتمنون بأمانات الناس وودائعهم ويتخذونها مغانم كأنها غنيمة وقعت في أيديهم، ويَعُد الناس الزكاة غرامة؛ أي: يَشُق عليهم أداؤها كما يشق عليهم الغرامات.
ويتعلمون لغير الدين؛ أي: يحملهم على التعلم غير الدين، من طلب المقاصد الدنية الردية، والمناصب الدنيوية.
ومنها: "إذا أطاع الرجل امرأته وعقَّ أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد" رواه الترمذي عنه.
ومعناه: يُقرب صديقه ويُكرمه، ويُبعد أباه ويؤذيه، ويكثُر اللغط في المساجد بحديث الدنيا، كأنهم جالسون في ناديهم، لا في مسجدهم.
ومنها: "إذا ساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وَأُكرِمَ الرجل مخافة شره" رواه الترمذي عنه.
يعني: يكون فاسق القوم كبيرهم وسيدهم، و (الزعيم) من يتكفل بأمر القوم ويقوم به.
و(الرُّذّل): الرديء من كل شيء، أي: يقوم بأمرهم أردَؤُهم.
ومنها: "إذا ظهرت القِينَات -أي: المغنيات- والمعازف، وشُربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها" رواه الترمذي عنه.
وقد ظهر لعن آخر هَذه الأمة أولها في الرافضة قبَّحهم الله تعالى.
ومنها: "إذا اقترب الزمان كثُر لُبس الطيالسة، وكثرت التجارة، وكثر المال، وعُظِّم رب المال لماله، وكثرت الشُّرط، وكانت إمارة الصبيان، وكثرت النساء، وجار السلطان، وطففت المكيال والميزان" رواه الطبراني، والحاكم، عن أبي ذر رضي الله عنه.
والتطفيف: هو نقص الكيل والوزن والذرع، وهو من الكبائر، قال تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ؛ أي: اشتروا منهم {يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} ؛ أى: باعوهم {يُخْسِرُونَ} .
ومنها: "أن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلًا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث" رواه مُسلم في مقدمة "صحيحه" عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها: "أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا" رواه مسلم عن ابن عمرو رضي الله عنهما.
ومنها: "إذا اقترب الزمان يُربّي الرجل جروًا -أي: ولد الكلب- خير له من أن يربي ولدًا له، ولا يوقر كبير، ولا يرحم صغير، ويكثر أولاد الزنا حتى أن الرجل ليغشى المرأة -أي: يزني بها- على قارعة الطريق، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أمثلهم في ذلك الزمان المُدَاهِن" رواه الطبراني، والحاكم، عن أبي ذر رضي الله عنه.
ومعنى: "يلبسون جلود الضأن"
…
إلى آخره: أنهم يُلَينون القول، ويحسنون الفعل رياءً، وقلوبهم كالذئاب.
ومنها: "إذا كانت الفاحشة في كباركم، والمُلك في صغاركم، والعلم في رُذَّالِكم، والمُدَاهنة في خياركم" رواه أحمد، وابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه.
ومنها: "إذا تقارب الزمان ينقي الموت خيار أمتي؛ كما ينقي أحدكم الرطب من الطبق" رواه الرامهرمزي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "إذا تطاول الناس في البنيان -وفي رواية: "إذا رأيت الحُفاة العُراة العالة رِعَاء الشاء يتطاولون في البنيان، فانتظروا الساعة" رواه الشيخان عن عمر رضي الله عنه.
وذلك حيث كَثُرت أموالهم، وامتدت وجاهتهم، ولم يكن لهم دأبٌ ولا همةٌ سوى البناء؛ لأنهم لا يشتغلون بالعبادة ولا بالعلم ولا بالجهاد.
ومنها: "إذا وُسِّدَ الأمر -وفي رواية: "أسند الأمرُ"- إلى غير أهله فانتظروا الساعة" رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولله در القائل:
أَيَا دَهْرُ أَعْمَلْتَ فِينَا أَذَاكَا
…
وَوَلَّيْتَنَا بَعْدَ وَجْهٍ قَفَاكَا
قَلَبْتَ الشِّرَارَ عَلَيْنَا رُؤُوسًا
…
وَأَجْلَسْتَ سَفلتنَا مُسْتَوَاكَا
فَيَا دَهْرُ إِنْ كُنْتَ عَادَيْتَنَا
…
فَهَا قَدْ صَنَعْتَ بِنَا مَا كَفَاكَا
ومنها -من أشراط الساعة-: "أن يتدافع أهل المسجد لا يَجدُون إمامًا يصلي بهم" رواه أحمد، وأبو داود، عن سُلامة بنت الحران.
ومنها: "لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر. وليس به الدِّين؛ ما به إلَّا البلاء" رواه مسلم، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم (1)، وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم".
وهذا قد وقع كثيرًا، ولا يزالُ يقع من قتل الملوك، وهم إن لم يكونوا أئمة، لكنهم نواب عنهم، فقتلهم بمنزلة الأئمة.
ومنها: "أن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر" رواه الطبراني عن أبي أمية الجُمحي.
(1) وحمله صاحب "إزالة الخفاء" على شهادة عثمان رضي الله عنه (ز).
ومعناه: أن الأكابر من أولاد المهاجرين والأنصار بل ومن قريش يشتغلون بطلب الدنيا والجاه، ويبقى الأصاغر من الموالي وأخلاط الناس هم الذين يتعلمون، فيطلب منهم الفتاوى في الواقعات.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يقتل الرجل أخاه لا يدري فيم قتله" رواه الحاكم في "تاريخه" عن أبي موسى رضي الله عنه.
ومنها: -من أشراط الساعة-: "أن يَملُكَ من ليس أهلًا أن يُمَلّك، ويُرفع الوضيع ويُتَّضعَ الرفيع" رواه نُعيم بن حماد عن كثير بن مرة مُرسلًا.
ومنها -من اقتراب الساعة-: إذا كثر خُطباء منابركم، وركن عُلماؤكم إلى وُلاتِكُم، فأحلوا لهم الحرام، وحرّموا عليهم الحلال، فأفتوهم بما يشتهون" رواه الديلمي عن عليّ كرّم الله وجهه.
ومنها -من اقتراب الساعة-: إذا تَعلَّم عُلماؤكم ليَجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة" رواه الديلمي عن عليّ كرّم الله وجهه.
ومعناه: يقرؤون القرآن بالأجرة، لا يقرؤون لله.
ومنها: "لا تزال الأمة على شريعة حسنة ما لم تظهر فيهم ثلاث: ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الحِنْث، ويظهر فيهم السَّقارُون". قالوا: وما السَّقارُون؟ قال: "نشَءٌ يكونون في آخر الزمان؛ تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا التَّلاعُنُ" رواه أحمد والطبراني، والحاكم، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه.
قُلْتُ: وهذا كثير في الفلاحين، والبقالين، والسَّفلةُ، فيبدأ أحدهم بشتم صاحبه عند التلاقي قبل السلام، بل ويمضي كل منهما ولا يعرفون السلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يعمد الرجل إلى النبطية فيتزوجها على معيشة، ويترك بنت عمه لا ينظر إليها" رواه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه.
ومعناه: يتزوج الدَّنِية الأصل؛ لغناها، ويترك بنت عمه الأصيلة؛ لفقرها.
ومنها: "أن من أمارتها: أن تُقطع الأرحام، ويُؤخذ المال بغير حقه، وتُسفَكَ
الدماء، ويشتكي ذو القرابة قرابته لا يعود عليه بشيء، ويطوف السائل لا يوضع في يده شيء" رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يُجعل كتاب الله عارًا، ويكون الإسلام غريبًا، وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يُقبض العلم، وَيهرِم الزمان، وينقص عمر البشر، وتنقص السنون والثمرات، ويؤمن التُّهماء، ويتهم الأُمَناء، ويصدَّق الكاذب، ويكذَّب الصادق، ويكثر الهرج -وهو: القتل- وحتى تبنى الغرف -أي القصور- فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد -أي: لعقوق أولادهن- وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، وَيهلِكَ الناس، ويكثر الكذب، ويقل الصدق، وحتى تختلف الأمور بين الناس، ويُتبع الهوى، ويُقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضًا -أي: ينقص- ويفيض الجهل فيضًا -أي: يكثر-، ويكون الولد غيظًا، والشتاء قيظًا -سبق تفسيرهما-، وحتى يُجهر بالفحشاء، وتُزوى الأرض زيًا، وتقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار أمتي، فمن صدقهم بذلك ورضي به لم يَرَحْ رائحة الجنة" رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني، وأبو نصر السجزي، وابن عساكر، عن أبي موسى رضي الله عنه، وسنده جيد.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يخرج قومٌ يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها" رواه أحمد، والخرائطي، وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
ومعناه: يمدحون الناس ويظهرون محبتهم نِفاقًا ويطرونهم، ويمدحون أنفسهم حتى يتوسلوا إلى أخذ الأموال منهم.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم في الطرق" رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى توجد المرأة نهارًا تنكح -أي: تجامع وسط الطريق- لا يُنكر ذلك أحدٌ، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول: لو نحيتها عن الطريق قليلًا. فذلك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم" رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى تتناكر القلوب، وتختلف الأقاويل، ويختلف
الأخوان من الأب والأم في الدِّين" رواه الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يتغايروا على الغلام كما يتغاير على المرأة" رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يُعِزَّ الله فيه ثلاثًا: درهمًا من حلال، وعلمًا مستفادًا، وأخًا في الله عز وجل" رواه الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه.
يعني: تقل فيه هذه الثلاثة حتى لا تكاد تُوجد.
ومنها: "إذا رأيت الصدقة كُتِمت وغُلت، واستؤجر على الغزو، وأخرب العامر، وَأُعمر الخراب، ورأيت الرجل يتمرس بأمانته -وفي رواية: بدينه- كما يتمرس البعير بالشجر فإنك والساعة كهاتين" رواه عبد الرزاق، والطبراني، عن عبد الله بن زينب الجندي.
قال في "النهاية": يُتمرس؛ أي: يتلعب، ويعبث بدينه؛ كما يعبث البعير بالشجر.
ومنها: "أن من أشراط الساعة: حيف الأئمة، وتصديقٌ بالنجوم، وتكذيبٌ بالقدر" رواه البزار عن عليّ كرّم الله وجهه مرفوعًا، وسنده حسن.
ومنها: "لا يذهب الناس حتى يقولوا: القرآن مخلوق. وليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله؛ منه بدأ، وإليه يعود" رواه اللالكائي، والأصبهاني، عن عليّ كرّم الله وجهه.
ومنها: "إذا اجتمع عشرون رجلًا أو أكثر أو أقل فلم يكن فيهم من يُهاب في الله فقد حضر الأمر" رواه البيهقي، وابن عساكر، عن عبد الله بن بشر الصحابي رضي الله عنه.
ومنها -من أشراط الساعة-: أن يمر الرجل في المسجد فلا يركع ركعتين" رواه ابن أبي داود عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها: "تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة أشياء؛ فمنها: نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها، وذلك مما حرّم الله ورسوله، ويَمقُتُ الله عليه ورسوله".
ومنها: "نكاح الرجل الرجل، وذلك مما حرّم الله ورسوله، ويَمقُتُ الله عليه ورسوله".
ومنها: "نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرّم الله ورسوله، ويَمقُتُ الله عليه ورسوله، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على ذلك حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا" رواه الدارقطني، والبيهقي، وابن النجار، عن أَبي قَالٍ الصحابي رضي الله عنه.
ومنها: "ليأتين على الناس زمان يكون فيه استشارة الإماء، وسلطان النساء، وإمارة السفهاء" رواه ابن المنادي عن علي كرّم الله وجهه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة، وحتى تُتَّخذ المساجد طُرقًا فلا يُسجد لله فيها، وحتى يَبعث الغلام الشيخ بريدًا بين الأفقين، وحتى يَبلُغ التاجر بين الأفقين فلا يجد ربحًا" رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وهو كناية عن عدم الرغبة في الصلاة، وعدم توقير الصغير الكبير، وعدم البركة في التجارة؛ لغلبة الكذب والغش على التجار.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى يتحول شرار أهل الشام إلى العراق، وخيار أهل العراق إلى الشام" رواه ابن أبي شيبة عن أبي أمامة رضي الله عنه.
ومنها: "يأتي على الناس زمان لا يَسلَم لذي دين دينه إلَّا من فَرّ من شاهق إلى شاهق، أو من حجر إلى حجر؛ كالثعلب يفر بأشباله، وذلك في آخر الزمان إذا لم تنل المعيشة إلَّا بمعصية الله، فإذا كان كذلك حلت الغربة، يكون في ذلك الزمان هلاك الرجل على يد أبويه إن كان له أبوان، وإلَّا فعلى يد زوجته وولده، وإلَّا فعلى يد الأقارب والجيران يُعيرونَهُ بضيق المعيشة، ويكلفونه ما لا يطيق حتى يورد نفسه الموارد التي يَهلكُ فيها" رواه أبو نُعيم، والبيهقي، والخليلي، والرافعي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها: "يأتي على الناس زمان يقعد الرجل إلى قومٍ، فما يمنعه أن يقوم إلَّا مخافة أن يقعوا فيه" رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "سيصيب أمتي في آخر الزمان بلاءٌ شَديدٌ لا ينجو منه إلَّا رجلٌ عرف
دين الله فجاهد عليه بلسانه وبقلبه، فذلك الذي سبقت له السوابق، ورجلٌ عرف دين الله فَصدّق به" رواه أبو نصر السجزي، وأبو نُعيم، عن عمر رضي الله عنه.
ومنها: "يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم، فلا تجالسوهم؛ فليس لله فيهم حاجة" رواه البيهقي عن الحسن مُرسلًا.
ومنها: "يأتي على الناس زمانٌ يستخفي المؤمن فيهم؛ كما يستخفي المنافق فيكم" رواه ابن السُّني عن جابر رضي الله عنه.
ومنها: "يأتي على الناس زمان هَمُّهم بُطونهم، وشرههم متاعهم، وقِبلتُهم نساؤهم، ودِينُهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شر الخلق؛ لا خلاق لهم عند الله" رواه السُّلمي عن عليّ كرّم الله وجهه.
ومنها: "يأتي على الناس زمان عَضُوضٌ، يعض الموسر على ما في يده" رواه أحمد عن علي رضي الله عنه.
ومنها: "يأتي على الناس زمان يُقتل فيه العلماء كما تُقتل الكلاب، فياليت العلماء في ذلك الزمان تحامقوا" رواه الديلمي، وابن عساكر، عن عليّ كرّم الله وجهه (1).
ومنها: "يأتي على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر" رواه أبو نُعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه (2).
ومنها: "لا تَذهبُ الأيام والليالي حتى يَخْلقَ القرآن في صدور أقوامٍ من هذه الأمة كما تَخْلقُ الثياب، ويكون ما سواه أعجب لهم، يكون أمرهم طمعًا كله لا يخالطه خوف، إن قَصّر في حق الله تعالى منَّته نفسه الأماني، وإن تجاوز إلى ما نهى الله عنه قال: أرجو أن يتجاوز الله عني. يلبسون جُلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في نفسه المُدَاهن الذي لا يأمر بالحق ولا ينهى عن المنكر" رواه أبو نُعيم عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
(1) وفي "منتخب كنز العمال"(5/ 407) برواية الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما. (ز).
(2)
ورواه الحاكم (4/ 518) وقال: صحيح على شرطهما، وأقره عليه الذهبي. وفي "منتخب الكنز"(5/ 407) برواية أبي نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه (ز).
ومنها: "يأتي على الناس زمان لا يتبع فيه العالم، ولا يُستحيى فيه من الحليم، ولا يُوقر فيه الكبير، ولا يرحم فيه الصغير، يقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب، لا يعرفون مَعروفًا، ولا ينكرون مُنكرًا، يمشي الصالح فيهم مُستخفيًا، أولئك شرار خَلقِ الله لا ينظر الله إليهم يوم القيامة" رواه الديلمي عن عليّ كرّم الله وجهه.
ومنها: "يَجيءُ يوم القيامة المُصحف، والمسجد، والعترة. فيقول المصحف: يا رب؛ خرقوني ومزقوني. ويقول المسجد: يا رب؛ خربوني، وعطلوني، وضيعوني. وتقول العترة: يا رب؛ طردونا، وقتلونا، وشردونا، وأجثو بركبتي للخصومة.
فيقول الله تبارك وتعالى: "ذلك إليَّ، وأنا أولى بذلك" رواه الديلمي عن جابر رضي الله عنه، وأحمد، والطبراني، عن أبي أمامة رضي الله عنه.
وكأنه إشارةٌ إلى ما وقع في زمن بني أمية ومن بعدهم؛ من قتل أهل البيت، وتعطيل مسجده صلى الله عليه وسلم، وربط الخيل فيه في زمن يزيد، وتمزيق المصحف في زمن الوليد، أو يكون تمزيق المصحف كنايةً عن عدم العمل به.
ومنها: "يوشك أن لا تجدوا بيوتًا تكنُّكم؛ تهلكها الرواجف، ولا دواب تبلغوا عليها في أسفاركم؛ تهلكها الصواعق" رواه أبو نُعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها: "إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم؛ فالدمار عليكم" رواه الحكيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
ومنها -من اقتراب الساعة-: "أن يُصلي خمسون نفسًا لا يقبل لأحدهم صلاة" رواه أبو الشيخ عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومعناه: أنهم لا يأتون بشروطها وأركانها؛ فلا تَصِحُّ لأحدهم صلاة، فلا تُقبل منهم.
ومنها: "أنَّ الساعة لا تقوم حتى لا يُقسم مِيرَاثٌ، ولا يُفْرحَ بغنيمة" رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ومنها -من أشراط الساعة-: "تقارب الأسواق. قلت: ما تقارب الأسواق؟ قال: "أن يشكو الناس بعضهم إلى بعض قلة الإصابة -أي: الربح-، ويكثر ولد البغي، وتفشو الغيبة، ويُعظَّم رب المال -أي: يكرم من جهة ماله-، وترتفع الأصوات في المساجد، ويظهر أهل المنكر، ويظهر البناء" رواه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها -من أشراط الساعة-: "سوء الجوار، وقطيعة الأرحام، وأن يُعطل السيف من الجهاد، وأن تجتلب الدنيا بالدين" رواه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها -من أشراط الساعة-: "أن يظهر الفحش والتفحش، وسوء الخلق، وسوء الجوار" رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها: "لا تقوم الساعة حتى لا تحمل النخلة إلَّا تمرة" رواه ابن أبي شيبة عن رجاء بن حيوة.
كِنايةٌ عن قلة الثمار والبركات.
ومنها -من أشراط الساعة-: "موت البدار" رواه ابن أبي شيبة عن مجاهد.
وفي رواية عن الشعبي: "من اقتراب الساعة: موت الفجاءة".
ومنها: "سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتون أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البُخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمتهم؛ كما خدمتكم نساء الأمم قبلكم".
قال ابن عمرو رضي الله عنهما: قلت لأبي: وما المياثر؟ قال: سروج عظام. رواه أحمد، والحاكم، عن ابن عمرو رضي الله عنهما.
ولهذا الحديث شواهدُ وطُرق.
منها: عند مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه: "صِنْفَانِ من أمتي من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات
مُمِيلات مَائِلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
قال النووي في "رياض الصالحين": أي: يُكْبِرنَ رؤوسهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما. انتهى
وقد فصلنا الكلام في هذه المسألة في رسالةٍ مستقلة سميناها: "أجوبة الخمس عن الأسئلة الخمس".
ومنها: "يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان رجال معهم أسياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه" رواه أحمد، والحاكم وصححه، عن أبي أمامة رضي الله عنه.
ومنها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ثم أخذ بحلقة باب الكعبة، فقال:"يا أيها الناس؛ ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ "، فقام إليه سلمان فقال: أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله. قال: "من أشراط الساعة: إضاعة الصلاة، والميل مع الهوى، وتعظيم رب المال".
فقال سلمان: ويكون هذا يا رسول الله؟ !
قال: "نعم، والذي نَفْسُ مُحمدٍ بيده، فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مَغرمًا، والفيءُ مَغنمًا، ويصدَّق الكاذب، ويكذَّب الصادق، ويُؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين، ويتكلم الرُّوَيبضة".
قالوا: وما الرُّوَيبضة؟
قال: "يتكلم في الناس من لم يكن يتكلم، وينكر الحق تسعة أعشارهم، ويذهب الإسلام فلا يبقى إلَّا اسمه، ويذهب القرآن فلا يبقى إلَّا رسمه، وتُحلى المصاحف بالذهب، ويتسمن ذكور أمتي، وتكون المشورة للإِماء، ويَخطبُ على المنابر الصبيان، وتكون المخاطبة للنساء. فعند ذلك تُزخرف المساجد كما تُزخرف الكنائس والبِيعُ، وتطول المنابر، وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة، وألسن مختلفة، وأهواء جمة".
قال سلمان: ويكون ذلك يا رسول الله؟ !
قال: "نعم، والذي نَفْسُ مُحمدٍ بيده، عند ذلك يا سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأَمة، يذوب قلبه في جوفه؛ كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يُغيره، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويُغار على الغلمان؛ كما يُغار على الجارية البكر. فعند ذلك يا سلمان تكون أمراء فسقة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، فإن أدركتموهم فصلّوا صلاتكم لوقتها. عند ذلك يا سلمان يجيء سَبيٌ من المشرق، وسَبيٌ من المغرب، جثاؤهم -أي: أجسادهم- جثاء الناس، وقلوبهم قلوب الشياطين، لا يرحمون صغيرًا، ولا يوقرون كبيرًا. عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام، ويحج ملوكهم لهوًا وتَنَزُّهًا، وأغنياؤهم للتجارة، ومساكينهم للمسألة، وقراؤهم رياءً وسمعة".
قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ !
قال: "نعم، والذي نَفْسي بيده، عند ذلك يا سلمان يَفشُو الكذب، ويظهر الكوكب له الذنب، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتتقارب الأسواق".
قال: وما تقاربها؟ قال: "كسادها، وقلة أرباحها. عند ذلك يا سلمان، يبعث الله ريحًا فيها حَيّاتٌ صُفرٌ، فتلتقط رؤوس العلماء لِمَا رأوا المنكر فلم يغيروه".
قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ !
قال: "نعم، والذي نفس محمدٍ بيده"، رواه ابن مردويه عنه.
قوله في الحديث: "وتكثر الصفوف"
…
إلخ؛ معناه: أنهم لا يتمون الصفوف الأول فالأول، بل يَصطفُّ كل ثلاثة في صف، وأربعة في صف، وهكذا فتكثر الصُّفوفُ.
ويؤيده قوله: "مع قلوب متباغضة"؛ لأن ذلك يُورث تخالف القلوب وتباغضها؛ كما أشار إليه حديث: "أقيموا صفوفكم -أي: أتموها- ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم".
وقد جاء عنه روايةٌ أخرى أبسط منه.
قال القاضي أبو الفرج المعافى في المجلس الحادي والستين من كتابه "الجليس والأنيس" ما لفظه:
حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن سعيد أبو الحسن الترمذي، في صفر سنة سبع عشرة وثلاث مئة، أملاه من أصل كتابه، قال: حدثنا أبو سعيد محمد بن الحسن بن ميسرة، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أبي شعيب الخواتيمي، قال: حدثنا إبراهيم بن مخلد، عن سليمان الخشاب، مولى لبني شيبة، قال: أخبرني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس (1) رضي الله عنهما قال: لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أخذ بحلقتي باب الكعبة، ثم أقبل بوجهه على الناس فقال:"يا أيها الناس". قالوا: لبيك يا رسول الله، يَفْدِيكَ آباؤنا وأمهاتنا. ثم بكى حتى علا انتحابه، فقال:"يا أيها الناس؛ إني أخبركم بأشراط القيامة: إنَّ من أشراط القيامة: إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل مع الهوى، وتعظيم رب المال".
قال: فوثب سلمان فقال: بأبي أنت وأمي؛ إنَّ هذا لكائن؟ !
قال: إي والذي نفسي بيده. إنَّ المؤمن ليمشي بينهم يومئذ بالمخافة".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده. عندها يَذُوبُ قلب المؤمن؛ كما يَذُوبُ الملح في الماء مما يرى ولا يستطيع أن يُغَيّر".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده. عندها يكون المطر قَيظًا والولد غَيظًا، ويفيض اللئام فيضًا، ويغيض الكرام غيضًا".
(1) ذكره السيوطي في "الدر"(6/ 53). وحديث: "وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشد" برواية علي رضي الله عنه في "جمع الفوائد"(2/ 151) في (الفتن)، وبرواية أبي هريرة رضي الله عنه في "الخصائص الكبرى"(2/ 105)، وفي "مجمع الزوائد"(7/ 280)، وبرواية أبي أمامة رضي الله عنه في "إحياء العلوم"(2/ 271). (ز).
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، للمؤمن يومئذ أذل من الأَمَة، فعندها يكون المُنكر معروفًا والمعروف مُنكرًا، ويُؤتمَن الخائن ويُخوَّن الأمين، ويُصدق الكذاب ويُكذب الصادق".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يكون أمراء جورة، ووزراء فسقة، وأُمَناءُ خونة، وإمارة النساء، ومشاورة الإماء، وصعود الصبيان المنابر".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ إنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها يليهم أقوامٌ إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم، ويستأثرون بفيئهم، وليطؤون حريمهم، ويجار في حكمهم، ويليهم أقوام جُثَاهم جُثَا الناس -قال القاضي أبو الفرج: هو هكذا في الكتاب، والصواب: "جثثهم جثة الناس"- وقلوبهم قلوب الشياطين، لا يوقرون كبيرًا، ولا يرحمون صغيرًا".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ إنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها تُزخرف المساجد كما تُزخرف الكنائس والبِّيع، وتحلى المصاحف، ويطيلون المنابر، ويكثر العقوق، قلوبهم متباغضة، وأهواؤهم جمة، وألسنتهم مختلفة".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ إنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يأتي سبيٌ من المشرق والمغرب يلون أمتي، فويل للضعفاء، وويل لهم من الله تعالى".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ إِنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يكون الكذب ظَرفًا، والزكاة مغرمًا، وتظهر الرُّشَا، ويكثر الربا، ويتعاملون بالعِينَةِ، ويتخذون المساجد طُرقًا".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها تُتَّخذُ جلود النمور صِفَافًا، يتحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير، ويتهاونون بالدماء، وتظهر الخمور والقِيَنات والمعازف، وتشارك المرأة زوجها في التجارة".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها يَطْلُعُ كوكب له الذنب، ويكثر السيجان، ويتكلم الرُّوَيبضة".
قال سلمان: وما الرُّوَيبضة؟ قال: "يَتكلّم في العامة من لم يكن يتكلم. وَيُحتقر الرجل للسمنة، وَيُتغنّى بكتاب الله عز وجل، وَيُتّخذ القرآن مزامير، ويُباع الحكم، ويكثر الشُّرُط".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ إنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يحج أمراء الناس لهوًا وتَنَزُّهًا، وأوساط الناس للتجارة، وفقراء الناس للمسألة، وَقُراء الناس للرياء والسمعة".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ إنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يُغار على الغلام؛ كما يُغار على الجارية البكر، ويُخطَبُ الغلام؛ كما تُخطَبُ المرأة، ويُهيأ كما تُهيأ المرأة، ويتشبه النساء بالرجال، ويتشبه الرجال بالنساء، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وتركب ذوات الفروج السروج، فعليهن من أمتي لعنة الله".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يظهر قراء عبادتهم التلاوم بينهم، أولئك يسمون في ملكوت السماء الأنجاس الأرجاس".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها تتشبب المشيخة".
قال: قلت: وما شَببُ المشيخة؟
قال -أَحسبهُ ذهب من كتابي "أنَّ الحمرة"(1)؛ هذا الحرف وحده-: "أنَّ الحُمرة خضاب الإسلام، والصفرة خضاب الإيمان، والسواد خضاب الشيطان".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يُوضع الدِّين وتُرفع الدنيا، ويُشيد البناء وتعطل الحدود، ويميتون سُنتي، فعندها يا سلمان لا ترى إلَّا ذامًّا، ولا ينصرهم الله".
قال: بأبي أنت وأمي، وهم يومئذ مسلمون كيف لا ينصرون؟ !
قال: "يا سلمان؛ إنَّ نصرة الله: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأرى قومًا يذمون الله تعالى، ومذمتهم إياه أن يشكوه، وذلك عند تقارب الأسواق".
قال: وما تقارب الأسواق؟
قال: "عند كسادها؛ كُلٌّ يقول: ما أبيع، ولا أشتري، ولا أربح. ولا رازق إلَّا الله تعالى".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها يجفو الرجل والديه، ويبر صديقه، ويتحالفون بغير الله تعالى، ويحلف الرجل من غير أن يستحلف، ويتحالفون بالطلاق يا سلمان، لا يَحلِفُ بها إلَّا فاسق، ويفشو الموت؛ موت الفجأة، وَيُحَدّثُ الرجل سَوطه".
قال سلمان: بأبي أنت وأمي؛ وإنَّ هذا لكائن؟ !
قال: "إي والذي نفسي بيده، عندها تخرج الدابة، وتَطْلُعُ الشمس من مغربها، ويخرج الدجال، وريح حمراء، ويكون خَسفٌ، ومَسخٌ، وقَذفٌ، ويأجوج ومأجوج، وهدم الكعبة، وتمور الأرض، وإذا ذكر الرجل رُئِيَ".
(1) لعل الذي ذهب من كتابه هو قوله: يختضبون بالسواد.
ومنها: عن عليّ كرّم الله وجهه: أنَّ عمر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال:"ذلك عند حَيفِ الأئمة، وتكذيب بالقدر، وإيمان بالنجوم، وقوم يتخذون الأمانة مَغْنمًا، والزكاة مَغْرمًا، والفاحشة زيارة".
فسألته عن: "الفاحشة زيارة"؟ فقال: "الرجلان من أهل الفسق يصنع أحدهما طعامًا وشرابًا، ويأتيه بالمرأة فيقول: اصنع ما كنت تصنع، فيتزاورون على ذلك. قال: فعند ذلك هلكت أمتي يا بن الخطاب" رواه ابن أبي الدنيا، والبزار، عنه.
ومنها: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة: إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدماء، واستعلوا بالبناء، وباعوا الدِّين بالدنيا، وتقطعت الأرحام، ويكون الحكم ضَعفًا، والكذب صِدقًا، والحرير لِباسًا، وظهر الجور، وكثر الطلاق، وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وَخُوّنَ الأمين، وصدق الكاذب، وَكُذّب الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قَيظًا، والولد غَيظًا، وفاض اللئام فيضًا، وغاض الكرام غيضًا، وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مُسُوكَ الضأن، قلوبهم أنتن من الجيفة وأَمَرُّ من الصَّبِر، يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة، وتظهر الصفراء -يعني: الدنانير-، وتطلب البيضاء، وتكثر الخطباء، ويقل الأمر بالمعروف، وحُلّيت المصاحف، وصورت المساجد، وَطُوّلت المنابر، وَخُربت القلوب، وَشُربت الخمور، وَعُطلّت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحُفاة العُراة قد صاروا مُلوكا، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وتشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وحُلِفَ بغير الله، وشهد المرء من غير أن يُستشهد، وَسُلّم للمعرفة، وَتُفقِّهَ لغير دين الله، وطلب الدنيا بعمل الآخرة، واتخذ المغنم دُولًا، والأمانة مَغْنَمًا، والزكاة مَغْرمًا، وكان زعيم القوم أرذلهم، وَعقّ الرجل أباه، وجفا أمه، وبر صديقه، وأطاع امرأته، وعلت أصوات الفسقة في المساجد، واتخذت القينات والمعازف، وشربت الخمور في الطرق، واتخذ الظلم فخرًا، وبيع الحكم، وكثرت الشُّرَط، واتخذ القرآن مزامير، وجلود
السباع صِفَافًا، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء، وخَسفًا، ومَسخًا، وقَذفًا، وآيات"، أخرجه أبو نُعيم في "الحلية" عنه.
ومنها: "إذا ظهر القول، وخُزِن العمل، وائتلفت الألْسُن، واختلفت القلوب، وقطع كُلّ ذي رَحِم رحمه فعند ذلك لعنهم الله فأصمهم، وأعمى أبصارهم" رواه أحمد، وعَبْد بن حُميد، وابن أبي حاتم، عن سلمان - رضي لله عنه - موقوفًا. والحسن بن سفيان، والطبراني، وابن عساكر، والديلمي، عنه مرفوعًا.
ومنها: "إذا الناس أظهروا العلم، وضَيّعوا العمل، وتحابوا بالألسن، وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك، فأصمّهم وأعمى أبصارهم" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العِلم" عن الحسن رحمه الله.
ولنختم هذا القسم بحديثٍ عن أمير المؤمنين علي (1) كرّم الله وجهه جامعٍ لأكثر ما ذُكِرَ، وزيادة تبرُّكًا.
قال: قال صلى الله عليه وسلم: "مِنْ اقتراب الساعة: إذا رأيتم الناس أضاعوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكبائر، وأكلوا الربا، وأكلوا الرشا، وشيدوا البناء، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، واتخذوا القرآن مزامير (2)، واتخذوا جلود السباع صِفافًا، والمساجد طُرقًا، والحرير لِباسًا، وأكثروا الجور، وفشا الزنا، وتهاونوا بالطلاق، وائتمن الخائن، وَخُوّن الأمين، وصار المطر قَيظًا، والولد غيظًا، وأمراء فَجرة، ووزراء كَذبة، وأمناء خَونة، وعُرفاء ظَلمة، وقَلّتِ العلماء، وكَثُر القراء، وَقلّتِ الفُقهاء، وحُليت المصاحف، وزُخرِفت المساجد، وطولت المنابر، وفسدت القلوب، واتخذوا القينات، واستُحِلت المعازف، وشُربت الخمور، وعطلت الحدود، ونقصت الشهور، ونقضت المواثيق، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وركب النساء البَراذِين، وَتَشبّهت النساء بالرجال والرجال بالنساء، وَحُلفَ بغير الله، وشهد الرجل من غير أن يُستشهد، وكانت الزكاة مَغْرمًا
(1) رواه الترمذي مختصرًا، وعنه صاحب "المشكاة"، وقد تقدم (ص 111). (ز).
(2)
سيأتي معناه (ص 166)، وورد هذا اللفظ -في هذا الكتاب- برواية ابن عباس، وحذيفة، وعلي رضي الله عنهم وسؤال سلمان. وفي "مجمع الزوائد"(7/ 323) برواية عوف (ز).
والأمانة مَغْنمًا، وأطاع الرجل امرأته وَعقَّ أُمه، وقرب صديقه وأقصى أباه، وصارت الإمارات مواريث، وَسبَّ آخر هذه الأمة أولها، وأُكْرِمَ الرّجُل اتقاء شره، وكَثُرت الشُّرط، وَصَعِدت الجهال المنابر، ولبس الرجال التيجان، وضيقت الطرقات، وشُيد البناء، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وَكَثُرت خطباء منابركم، وركن علماؤكم إلى وُلاتِكُم، فأحلوا لهم الحرام، وحرّموا عليهم الحلال، وأفتوهم بما يشتهون، وتَعلّم علماؤكم العلم، ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة، وضيعتم حق الله في أموالكم، وصارت أموالكم عند شراركم، وقطعتم أرحامكم، وشربتم الخمور في ناديكم، ولعبتم بالميسر، وضربتم بالكَبَرْ والمعزفة والمزامير، ومنعتم محاويجكم زكاتكم ورأيتموها مَغْرمًا، وَقُتِلَ البريء ليغيظ العامة، واختلفت أهواؤكم، وصار العطاء في العبيد والسقاط، وَطُفِفت المكاييل والموازين، وَوَليت أموركم السفهاء" رواه أبو الشيخ، وعويس، والديلمي؛ كلهم عن عليّ كرّم الله وجهه.
ولنشرع في شرح ألفاظه؛ ليتم به النفع:
قوله: (أضاعوا الصلاة)؛ أي: تركوها، أو أخلوا بشيءٍ من أركانها وواجباتها.
ولا ينافي هذا ما ورد أنَّ: "أول ما يُرفع من الأمة الأمانة، وآخر ما يُرفع الصلاة"؛ لأن المراد بقاء صورة الصلاة، وهنا إضاعتها بالإخلال بخشوعها، أو شروطها.
وقوله: (أضاعوا الأمانة): قال في "النهاية": الأمانة تقع على الطاعة، والعبادة والوديعة والثقة والأمانة. انتهى
والكل جائزٌ هنا، أما في قوله الآتي:(الأمانة مَغْنمًا) فالمراد بها الوديعة.
قوله: (وشيدوا البناء)؛ أي: طولوها من الشيد، بمعنى الرفع، أو جصصوها وعملوها بالشيد؛ وهو كل ما طليت به الحائط من جصٍّ وغيره.
وقوله: (واتبعوا الهوى)؛ أي: ما تهواه أنفسهم من العقائد الفاسدة، والآراء الباطلة المخالفة للأحاديث الصحيحة.
قوله: (باعوا الدين بالدنيا)؛ أي: رضوا بنقص دينهم مع سلامة دنياهم، وآثروا سلامة الدنيا على سلامة الدين.
قوله: (اتخذوا القرآن مزامير)؛ أي: يَتَغنّونَ به من غير تَدبرٍ في مواعظه وأحكامه.
قوله: (اتخذوا جلود السباع صفافًا): جمع صُفّة، وهي للسُّرجِ بمنزلة المَيثَرة من الرَّحل؛ وهو شيء يُفْرَشُ في السرج ويُجلس عليه. ومنه الحديث:"نُهي عن صُفُفِ النمور".
قوله: (المساجد طُرقًا)؛ أي: يمرون بالمسجد بغير الصلاة، ولا يصلون فيه ركعتين.
قوله: (تهاونوا بالطلاق)؛ أي: يحلفون بالطلاق كثيرًا لا يبالون بوقوعه.
قوله: (صار المطر قَيظًا): مر تفسيره.
قوله: (اتخذوا القِينَات): جمع قِينَة، وهي الأَمَةُ المُغنية.
و(المعازف): آلات اللهو؛ كالطنبور، والبربط، والرباب، وغيرها.
قوله: (عُطّلت الحدود): كأن لا يُرجم الزاني، ولا يُقطع السارق، ولا يُحدُّ القاذف.
قوله: (نقصت الشهور)؛ بالصاد المهملة؛ أي: تكون الشهور أكثرها ناقصة.
قوله: (وَنُقضت المواثيق)؛ بالضاد المعجمة: المواثيق: جمع ميثاق، وهو العهد.
قوله: (ركب النساء البراذين): جمع بِرذَونْ؛ بكسر الموحدة، وسكون الراء، وفتح الذال المعجمة، آخره نون: الدابة. والمؤنث برذونة، وجمعه براذين، ويقال لصاحبه: المُبَرذِن.
والمعنى: أنهن يركبن الدواب؛ كما في رواية: "يركبن السرج تشبهًا بالرجال".
قوله: (حُلِفَ بغير الله)، كأن يقول: ورأس السلطان. أو: وحياة سيدي، أو والدي، أو: الأمانة. أو غير ذلك من الطلاق أو العتق، أو نحو ذلك.
وقد أتى زمان لا يصدقون إلا إن حلف بغير الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قوله: (كانت الزكاة مَغْرمًا)
…
إلى قوله: (أقصى أباه): مر تفسيرها.
قوله: (صارت الإمارات مواريث)، أي: لا يراعون في الإمارة الدِّين والرُّشدَ والتدبير والعلم، وغير ذلك من صِفَاتِ الكمال، بل يقولون: هذا ولد الأمير أو أخوه، فهو أحق بالإمارة.
وأول من أحدث هذا بنو أمية، فَوَلّوا أبناءهم، ولم يفعل أَحَدٌ من الخلفاء الراشدين هذا؛ فلم يولوا أولادهم ولا قرابتهم.
قوله: (وَسبّ آخر هذه الأمة أولها): إشارةٌ إلى ما اشتهر من الرفض، وَسبِّ عامة الصحابة والتابعين والسلف الصالح، حتى أن الرجل منهم ليَسبُّ أباه وجدَّه الذي مات على السُّنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قوله: (وَأُكرِمَ الرجل اتقاء شره)؛ أي: يخافُ إن لم يُكرمه؛ أن يَناله شره وليس به من الدين شيء.
قوله: (كثرت الشُّرط)؛ أي: أعوان الظلمة.
قوله: (واستغنى الرجال بالرجال)
…
إلخ: مر تفسيره.
قوله: (وصعدت الجهال المنابر): معناه واضح.
وفي رواية: (الجهلاء) بدل: الجهال، ومعناه: السِّمان؛ أي: الذين ليس عندهم خوف الآخرة؛ فإنَّ الخوف يُذيب الشحم.
ولذا قال الشافعي رضي الله عنه: "ما رأيت سمينًا أفلح قَطُّ".
قوله: (ولبس الرجال التيجان)؛ أي: رجعوا إلى عادة المجوس والفُرْس من لبس التاج؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "العمائم تيجان العرب"؛ أي: أن العرب لا يلبسون التاج، وإنما يلبسون العمائم بدلها.
قوله: (وضُيّقت الطرقات)؛ أي: يبنون في الطريق الشارع الدَّكَك، ويجلسون فيها، ويتحدثون بالباطل، ويضيقون الطرقات على المارة.
قوله: (وكثرت خطباء منابركم)؛ أي: إنهم لا يخطبون لله ولا للاستحقاق، وإنما يشترون وظيفة الخطابة، فيكثر الراغبون في ذلك، ولقد رأينا للمسجد الواحد أكثر من عشرين خطيبًا.
قوله: (ركن علماؤكم)
…
إلخ؛ أي: يميل العلماء إلى الملوك فَيُفْتُونَ بمقتضى هواهم ولو خالف الشرع، ويتوصلون بذلك إلى دنياهم، فيحلون لهم الحرام من المعازف، وأكل الحرام، والكِبر، والغُرور، والمُكُوس، ويحرّمون عليهم الحلال من التواضع، والتقلل، وإقامة الحدود، ونحوها.
قوله: (وتعلم علماؤكم)
…
إلخ؛ أي: لا يتعلمون لوجه الله ولدينهم، وإنما قصدهم في التعلم تحصيل الدنيا.
ومن علامة ذلك: أنَّ أكثر رغبتهم في الفلسفيات والحكميات، فتراهم جاهلين بالسُّنة وشرائع الأحكام ويعدون أنفسهم من عُلماء الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قوله: (اتخذتم القرآن تجارة)؛ أي: إن أعطوا أُجرة على القراءة قرؤوا، وإلا لم يقرؤوا.
قوله: (ضيعتم حق الله في أموالكم)؛ أي: من الزكاة، وغير ذلك من الحقوق المالية، إما بعدم إخراجها، أو بالإخلال ببعض شروطها من الاستحقاق وقدر الواجب، وغير ذلك.
قوله: (وشربتم الخمور في ناديكم)؛ أي: في مجالسكم العامة غير مختفين، بل مجاهرين بشربها.
وليس هذا تكرارًا مع قوله السابق: (وشربت الخمور)؛ لأن ذلك هو الشراب، لا بقيد المجاهرة، بخلاف هذا.
وكذا يُقال في حديث حذيفة المار: "وشربت الخمور في الطرق".
قوله: (ولعبتم بالميسر وضربتم بالكبر)
…
إلخ.
قال في "النهاية": الميسر هو القمار، ومنه الحديث:"الشطرنج ميسر العجم"، شبه اللعب به بالميسر؛ وهو القمار بالقَدّاح، وكل شيء فيه قمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز. انتهى
أي: ومنه اللعب في الأعياد بالبيض ونحوه.
و(الكَبَر)؛ بفتحتين: الطبل ذو الرأسين، وقيل: الطبل الذي له وجه واحد.
و(المعزفة): واحدة المعازف، وقد مر تفسيرها.
و(المزامير): جمع مزمار؛ وهو الآلة التي يُزْمَرُ بها، ويقال له بالفارسية: صَرنا.
قوله: (منعتم محاويجكم زكاتكم): معناه واضح.
قوله: (قتل البريء ليغيظ العامة بقتله): معناه: أنهم لا يقتلون القاتل، ويقتلون بريئًا من قبيلته أو قريته؛ ليغيظهم ذلك، وهو جَمعٌ بين ذنبين: ترك القَوَد، وقتل البريء.
قوله: (صار العطاء في العبيد والسقاط): سقاط الناس: أراذلهم وأدانيهم. فهو كقوله: "وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله".
قوله: (وطُفِّفَ المكاييل والموازين): التطفيف هو: بخس الكيل والوزن.
فهذه جُملةٌ من الأشراط من القسم الثاني وهي كلها موجودة، وهي في التزايد يومًا فيومًا، وقد كادت أن تَبْلُغُ الغاية، أو قد بَلَغت.
فنسأل الله أن يُجنبنا الفتن، ويَعصمنا من المحن، ويُميتنا على السُّنن، ويغفر لنا الذنوب التي جنيناها في السِّر والعلن؛ إنه جواد كريم ذو المِنن، بجاه جَدِّ الحسين والحسن، آمين يا أرحم الراحمين.