المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقرضت - الإشاعة لأشراط الساعة

[البرزنجي]

الفصل: ‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقرضت

‌البابُ الأوّل في الأَمَارَاتِ البعيدَةِ الّتي ظَهرَت وَانقَرَضت

ص: 29

البَابُ الأوّل في الأَمَارَاتِ البَعِيدَةِ الّتي ظَهَرَتْ وَانقَرَضَتْ

وهي كثيرةٌ:

فمنها: موت النبي صلى الله عليه وسلم:

وهو من أَعظم المصائب في الدِّين، بل أعظمها، ومن ثَمَّ قال صلى الله عليه وسلم:"إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب" رواه ابن سعد، عن عطاء بن أبي رباح.

وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب منكم بمصيبة من بعدي، فليتعزَّ بمصيبته بي عن مصيبته التي تُصيبه، فإنه لن يُصاب أحدٌ من أمتي من بعدي بمثل مصيبته بي" رواه الطبراني في "الأوسط".

وعن أم سَلمةَ رضي الله عنها؛ أنها ذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت:"يا لها من مُصيبة! ما أُصبنا بعدها من مُصيبة؛ إلَّا هَانت إذا ذكرنا مُصيبتنا به صلى الله عليه وسلم" رواه البيهقي.

وهو أَولُ فَتْحِ باب الاختلاف؛ حيث قالوا: مِنّا أمير، ومنكم أمير.

وعن عوف بن مالك رضي الله عنه رفعه قال: "اُعدد ستًا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس" الحديث.

وَروى الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن عمر؛ سِتُّ خصال كائنة فيكم: قَبضُ نبيكم" الحديث.

وروى نُعيم، عن حذيفة رضي الله عنه حديثًا طويلا؛ منه: فقال: "هيهات

ص: 31

هيهات، والذي بعثني بالحق؛ ليزيدونها يا حذيفة خصالًا سِتًا، أولهن: موتي"، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون" الحديث.

وفي الصحيح: "ما نفضنا أيدينا من تراب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا".

ومنها: قتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:

ففي "صحيح البخاري": أنَّ عمر سأل حذيفة رضي الله عنهما عن الفتنة التي تَمُوج كموج البحر، فقال: يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها، إنَّ بينك وبينها بابًا مُغلقًا. قال: أَيُفتح الباب أو يُكسر؟ قال: لا، بل يُكسر. قال: ذاك أحرى أن لا يُغلق. وفيه أنَّ الباب هو عمر رضي الله عنه.

وَروى الطبراني بسندٍ رجاله ثقات: أنَّ أبا ذر لقي عمر رضي الله عنهما، فأخذ عمر بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أَرسل يدي يا قُفل الفتنة. الحديث.

وفيه: أنَّ أبا ذر رضي الله عنه قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم هذا. وأشار إلى عمر رضي الله عنه.

وَروى البزار من حديث قدامة بن مظعون، عن أخيه عثمان؛ أنه قال لعمر رضي الله عنهما: يا غُلق الفتنة. فسأله عن ذلك -أي فسأل عمر عثمان بن مظعون رضي الله عنهما عن سبب تسميته بذلك- فقال: مَرَرت أنت يومًا ونحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"هذا غُلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شَديدُ الغَلْق ما عاش".

وَروى الخطيب في "الرواة عن مالك": أنَّ عمر رضي الله عنه دخل على امرأته أم كُلثُوم بنت علي رضي الله عنهما فوجدها تبكي، فقال: ما يُبكيك، قالت: هذا اليهودي -لكعب الأحبار- يقول: إنك بابٌ من أبواب جَهنم. فقال عمر رضي الله عنه ما شاء الله. ثم خرج فأرسل إلى كعب، فجاءه، فسأله عن قوله، فقال: يا أمير المؤمنين؛ والذي نفسي بيده لا يَنسلخُ ذو الحجة حتى تدخل الجنة. فقال: ما هذا؟ مرةً في الجنة، ومرةً في النار! فقال: إنا لنَجِدكُ في كتابنا على بابٍ من

ص: 32

أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مِتَّ اقتحموا.

وفي "صحيح البخاري": أنَّ أبا وائل قال: قلنا لحذيفة رضي الله عنه: أَعلِمَ عمرُ مَن الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أنَّ دون غدٍ الليلة، إني حَدّثته حديثًا ليس بالأغاليط. قال:"فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقًا فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر".

وحاصل معنى هذه الأحاديث: أنه صلى الله عليه وسلم شَبّه مدة حياة عمر رضي الله عنه بحصنٍ منيع فيه أهل الإسلام، وشبّه شخص عمر رضي الله عنه بباب ذلك الحصن، وفهم ذلك عمر رضي الله عنه، وسأل حذيفةَ: أيموت أم يقتل؟ فأخبره أنه يقتل، فقال: ذاك أحرى أن لا يُغلق، فإنَّ الباب إذا كان موجودًا يمكن غَلقُه بعد الفتح، بخلاف ما إذا انكسر.

وإنما كان هو الباب دون عثمان رضي الله عنه؛ لأنَّ وجود الباب يمنع من دخول العدو للحصن، وإنَّ الفتنة لم تظهر في حياة عمر رضي الله عنه؛ لأنَّ وجوده كان بابًا مانعًا من ظهورها، وإنما ظهرت في حياة عثمان رضي الله عنه، وَقُتلَ هو فيها، فلو كان هو الباب المانع منها لما ظهرت الفتن في حياته، فاندفع ما استشكله الزركشي من أنَّ الواقع في الوجود يشهد أنَّ الأولى بذلك عثمان رضي الله عنه؛ لأنَّ قتله هو سبب افتراق الكلمة.

ووجه الاندفاع ظاهرٌ، وسببه كما رواه ابن سعد، عن ابن شهاب: أنَّ عمر رضي الله عنه كان لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غُلامًا عنده صَنْعًا، ويستأذنه أن يُدخِلهُ المدينة، يقول: إنَّ عنده أعمالًا كثيرةً فيها منافع للناس، حَدادٌ، نقاش، نجار. فكتب إليه عمر رضي الله عنه، فأذن له أن يُرسل به إلى المدينة، وكان كافرًا مجوسيًا يُدعى: أبا لؤلؤة، وكان خبيثًا، إذا نظر إلى الصبيان الصغار يمسح رؤوسهم ويبكي، ويقول: إنَّ العرب أكلت كبدي. وكان قد ضرب عليه المغيرة مئة درهم في كل شهر، وفي رواية: مئة وعشرين درهمًا، وفي رواية: أربعة دراهم كل يوم.

ص: 33

فجاء إلى عمر رضي الله عنه يشتكي إليه شدة الخراج، فقال له عمر رضي الله عنه: ماذا تُحْسِن من العمل؟ فذكر له أعمالًا كثيرة، فقال له عمر رضي الله عنه: ما خراجك بكثير في كَفّةِ عملك. فانصرف ساخطًا يتذمر.

وفي رواية قال: وما تعمل؟ قال: الأرحاء. وسكت عن سائر أعماله، قال: في كم تعمل الرَّحَى؟ فأخبره، قال: وبكم تبيعها؟ فأخبره، فقال: لقد كلفك يسيرًا، انطلق فأعط مولاك ما سألك.

فلما وَلّى قال عمر رضي الله عنه: ألا تجعل لنا رحى؟ .

وفي رواية: قال له: ألم أُحَدثْ أنك تقول: لو أشاء لصَنعتُ رحى تطحن بالريح؟ ! فالتفت العبد ساخطًا على عمر رضي الله عنه، ومع عمر رهط، فقال: لأصنعنَّ لك رحى يَتحدّث الناس بها، فلما وَلّى العبد، أقبل عمر رضي الله عنه على الرهط الذي معه، فقال: أوعدني العبد آنفًا.

وفي رواية: قال: بلى؛ أجعل لك رَحى يَتحدّث بها أهل الأمصار. ففزع عمر رضي الله عنه من كلمته، وعليٌّ كرّم الله وجهه معه، فقال: ما تراه أراد؟ قال: أوعدك يا أمير المؤمنين.

قال عمر رضي الله عنه: يكفينا الله، قد عَلمتُ أنه يريد بكلمته غدرًا.

فخرج عمر رضي الله عنه إلى الحج، فلما صدر اضطجع بالمُحصَّب، وجعل رداءه تحت رأسه، فنظر إلى القمر فأعجبه استواؤه وحسنه، فقال:"اللهم؛ إنَّ رعيتي قد كثرت وانتشرت، فاقبضني إليك غير عاجزٍ ولا مضيع".

فصدر إلى المدينة. ورأى عمر رضي الله عنه في المنام أنَّ ديكًا أحمر نقره نقرتين أو ثلاثًا بين السُرّة والثُّنَّةِ، فقالت أسماء بنت عُميس أم عبد الله بن جعفر: قولوا له فَليُوص؛ فإنه يقتله رجلٌ من الأعاجم. وكانت تَعبُر الرؤيا.

وروى أبو يعلى، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي عن أبي رافع قالوا: كان أبو لؤلؤة عبدًا للمُغيرة بن شعبة، وكان يَصنعُ الرحى، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين: إِنَّ المغيرة قد

ص: 34

أثقل عليَّ غلتي، فكلّمه يُخفف عني، قال: اتق الله وأحسن إلى مولاك، ومن نية عمر رضي الله عنه أن يَلقى المغيرة فيكلمه فيُخففَ عنه.

وفي رواية: أنه كلّمه في أمره ووصى به خيرًا وهو لا يدري، فغضب العبد، وقال: وسع الناس كلهم عدله غيري. فأضمر على قتله، فاصطنع خنجرًا له رأسان، وشحذه، وسمَّه، ثم أتى به إلى الهُرمُزان، فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى أنك لا تَضربُ به أحدًا إلَّا قتلته. فتحيّن أبو لؤلؤة، فجاء في صلاة الغداة، فخرج عمر رضي الله عنه بدرته يُوقظ الناس لصلاة الصبح، وكان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة يتكلّم فيقول: أقيموا صفوفكم. فذهب يقول كما كان يقول، فقام أبو لؤلؤة وراء عمر رضي الله عنه، فلما كَبَّر طَعنهُ ثلاث طعنات، طعنة في كتفه، وأخرى في خاصرته، وأخرى تحت سُرّته بين الثُّنةِ والسُّرة، وقد خرقت الصِّفَاق وهي التي قتلته، وطعن ثلاثة عشر رجلًا، فهلك منهم سبعةٌ، وتصايح الناس، فرمى رجلٌ على رأسه بِبُرْنُسٍ، ثم اضطبعه إليه.

وفي رواية: فاشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين، نِصَابه في وسطه، فكمن في زاوية البيت في غَلَس السَّحَر، فلم يزل هنالك حتى خرج عمر رضي الله عنه يُوقظ الناس لصلاة الصبح، وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك، فلما دنا عمر رضي الله عنه منه وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السُّرة، ثم انحاز أيضًا على أهل المسجد فطعن من يليه، حتى طعن سوى عمر رضي الله عنه أحد عشر رجلًا، ثم انتحر بخنجره.

وفي رواية: فلما رأى أنه أُحِيطَ به قتل نفسه، فقال عمر رضي الله عنه: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليُصل بالناس، ثم غَلَب عمر رضي الله عنه النَّزفَ حتى غُشي عليه، فلم يزل في غشيةٍ واحدةٍ حتى أسفر الصبح، فلما أسفر أفاق فنظر في وجوه الناس، فقال: أصلّى الناس؟ قالوا: نعم. فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة. ثم دعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى، ثم قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة؛ غُلام المغيرة بن شعبة. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدةٍ سجدها له قط، ما كانت العرب لتقتلني، أنا أحبُّ إليها من ذلك. ثم دعا بنبيذ

ص: 35

فشربه، فخرج من جرحه، فقال بعضهم: نبيذ. وقال بعضهم: بل دم. فدعا بلبن، فخرج من جرحه.

فلما عَلِم أنه ميتٌ، جعل الأمر شورى بين ستة: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.

وجعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما معهم مشيرًا وليس هو منهم، وَأَجّلهُم ثلاثًا، وأمر صُهيبًا أن يُصلي بالناس، ثم قال: ادعوا لي عليًا، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعدًا. فوصاهم، فلما خرجوا من عنده قال: إن ولوها الأجلح -يعني: عليا- سلك بهم الطريق الأقوم. فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحملها حيًا وميتًا. رواه ابن سعد، والحارث، وأبو نُعيم في "الحلية"، واللالكائي في "السُّنَّة".

عن أبي مطر قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: دَخلتُ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وجَأهُ أبو لؤلؤة وهو يبكي، فقلت: ما يُبكيكَ يا أمير المؤمنين؟ قال: أبكاني خبر السماء، أيُذهب بي إلى الجنة أم إلى النار؟ فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما لا أُحصيه:"سيدا كُهُول أهل الجنة: أبو بكر، وعمر، وأنعما" فقال: أشاهد أنت لي يا عليّ بالجنة؟ قلت: نعم. قال: وأنت يا حسن؛ فاشهد على أبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عمر من أهل الجنة. رواه ابن عساكر.

وعن أبي أوفى بن حكيم قال: لما كان اليوم الذي مات فيه عمر رضي الله عنه قلت: والله لآتين باب عليِّ بن أبي طالب. فأتيت باب عليٍّ، فإذا الناس يَرقُبُونه، فما لبث أن خرج علينا فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: لله دَرُّ باكية عمر؛ قالت: واعمراه؛ قَوّمَ الأود، وأيّد العمد، واعمراه؛ مات نقي الثوب، بريئًا من العيب، واعمراه؛ ذهب بالسُّنّة، وأبقى الفتنة.

صدقت؛ أصاب والله ابن الخطاب خيرها، ونجا من شرها.

وفي "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني لواقفٌ في قوم

ص: 36

ندعوا الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد وُضع على سريره، إذا رجل من خلفي وضع مرفقيه على منكبي يقول: رحمك الله، إن كُنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك؛ لأني كثيرًا ما كُنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر"، وإن كُنت لأرجو أن يجعلك الله معهما. فَالْتَفتُّ فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي لفظ له: عن ابن أبي مُليكة؛ أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: وُضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يَرُعْني إلَّا رجلٌ آخذ منكبي، فإذا عليّ بن أبي طالب، فترحّم على عمر وقال: ما خَلّفتَ أحدًا أَحبُّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله؛ إن كنت لأَظُن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحَسبتُ أني كثيرًا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر".

فائِدَة

في شرح "البخاري" للقسطلاني: أنَّ الشمس كُسِفت يوم مات عمر رضي الله عنه، وأنَّ الأرض أظلمت، فجعل الصبي يقول لأُمه: يا أماه؛ أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني، ولكن قُتل عمر.

وأنَّ الجن نَاحَت على عمر رضي الله عنه قبل أن يموت بثلاث، فقالت:

أَبَعْدَ قَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَظْلَمَتْ

لَهُ الأَرْضُ تَهْتَزُّ العِضَاةُ بِأَسْوُقِ

جَزَى اللهُ خَيْرًا مِنْ إِمَامٍ وَبَارَكَتْ

يَدُ اللهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ

فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ

لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بِالأَمْسِ يُسْبَقِ

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا

بَوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفْتَقِ

وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَمَاتُهُ

بِكَفَّيْ سَبَنْتَى أَزْرَقِ الْعَيْنِ مُطْرِقِ

ص: 37

تَنبيْه

(العِضَاةُ) -بكسر العين المهملة والضاد المعجمة، جمع عِضَهَة؛ كعِنَبة، وعِضَه؛ كعِنَب. وهو كالعِضَاهة؛ بالكسر-: أعظم الشجر أو الخمط، أو كل ذات شوكٍ، أو ما عَظُمَ منها وطال.

و(أسْوُق): جمع ساق، هُمزت واوه لتحتمل الضمة، كذا في "القاموس".

يعني: أَبعد قتل عمر رضي الله عنه؛ تَهتزُّ الأشجار على سوقها؟ !

و(البوائق) -جمع بائقة- وهي: الداهية.

و(الأكمام) -جمع كِمًّ؛ بكسر الكاف، وقد يضم-: غطاء الزهر والورد قبل أن يتفتق.

يعني: تركت دواهي وفتنًا مستورة في أغطيتها لم تظهر في حياتك، وإنما تظهر بعدك. و (أخشى) بمعنى: أظن.

و(الحِمام) -بكسر الحاء المهملة-: الموت.

يعني: ما كنت أظن أنَّ موته يكون بكَفِّ.

و(سَبنتى)، و (سَبندى) -بالتاء والدال؛ بوزن فَعنلى-: النَّمِر.

و(المُطرق): المُغْضب.

ولنرجع إلى بقية حديث "البخاري":

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما قُبض عمر رضي الله عنه خرجنا به، فانطلقنا نمشي -يعني: إلى حُجرة عائشة-، فَسلّم عبد الله بن عمر، وقال: يَستأذنُ عمر بن الخطاب. قالت: أدخلوه. فَأُدخل، فَوُضِع هنالك مع صاحبيه، فلما فُرِغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط -يعني: أهل الشورى- فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزبير رضي الله عنه: قد جعلت أمري إلى عليّ. وقال طلحة رضي الله عنه: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد رضي الله عنه: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن. فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: أيكما تبرأ من هذا

ص: 38

الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه. فأسكت الشيخان -يعني: عليًا، وعثمان-، فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: أفتجعلونه إليَّ، والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم. فأخذ بيد أحدهما -يعني: عليًا- فقال: لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقِدَم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أَمَّرتُك لتعدلن، ولئن أَمَّرتُ عثمان لتسمعن ولتطيعن، قال: نعم. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعَه، فبايع له عَليٌّ، ثم وَلجَ أهل الدار فبايعوه.

زاد الطبراني في روايته: أنَّ عبد الرحمن دار تلك الليلة كلها على الصحابة ومن وافى المدينة من أشراف الناس، لا يخلو برجلٍ منهم إلَّا أمره بعثمان، فقال: يا علي؛ إني سألت الناس كلهم؛ فما رأيتهم يعدلون بعثمان.

تَنبيْه

عُلِم من هذه الأحاديث أنَّ عمر رضي الله عنه كان أحبَّ الناس إلى عليّ، وأنَّ عليًا كان أحبَّ الناس إلى عمر رضي الله عنهما؛ كما يدل عليه قوله: إن ولوها الأَجْلَح. الحديث، وأنه إنما لم يُولّهِ الخلافة مع إخباره بأولويته؛ مخافة أن يصدر من الخليفة أمرٌ فيكون هو المسؤول عنه؛ لعلمه أنَّ الفتن تقع بعده، ولهذا قال:"لا أتحملها حيًا وميتًا". في جواب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فما يمنعك أن تولّي عليًا؟

وظهر بهذا كَذِبُ الرافضة وافتراؤهم أنَّ عليًا واطأ أبا لؤلؤة في قتل عمر رضي الله عنهما، وأنه إنما قتله عن أَمْرِ علي رضي الله عنه، وأنَّ عمر رضي الله عنه إنما جعل الخلافة شورى بين ستة؛ ليصرفها عن علي رضي الله عنه، وأنَّ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه باطن عثمان رضي الله عنه على ذلك. إلى غير ذلك من الزُّور والبُهتان، فقاتلهم الله أَنّى يُؤفَكون، وقاتلهم الله بما يفترون، فَإنّا لله وَإنّا إليه راجعون.

ومنها: قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه:

عن الزبير رضي الله عنه أنه قال: قتَل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح رجُلًا من قريش صَبرًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "لا يُقتل قُرشي بعد هذا اليوم صبرًا إلَّا

ص: 39

رَجُلٌ قتل عثمان بن عفان فاقتلوه، فَإلَّا تَفعلوا تُقتلوا قَتْل الشاء" رواه البزار والطبراني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه قال وعثمان رضي الله عنه محصور: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها ستكون فتنةٌ واختلاف -أو اختلافٌ وفتنة- قال: قلنا: فما تَأمُرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمير وأصحابه. وأشار إلى عثمان" رواه الحاكم وصححه، والبيهقي.

وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عثمان رضي الله عنه فجعل يُسِر إليه ولون عثمان يتغير، فلما كان يَومُ الدار قلنا: ألا تقاتل؟ قال: لا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهد إليَّ أمرا فأنا صابر عليه. رواه ابن ماجه، والحاكم، وصححه، والبيهقي، وأبو نُعيم.

وعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذات يوم تهجمون على رجلٍ معتجرٍ ببُردة يبايع الناس من أهل الجنة"، فهجمت على عثمان وهو معتجرٌ ببُردة حِبَرةٍ يبايع الناس. رواه الحاكم وصححه.

وعن مُرّة بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكر فتنة فَقَرّبها، فمر به رجل مُقنع بثوب، فقال:"هذا يومئذ على الهدى"، فَقُمتُ إليه؛ فإذا هو عثمان رضي الله عنه.

وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: "إنَّ الله مُقمِّصَكَ قميصًا -أي: مُوليك الخلافة- فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه".

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عثمان؛ إنك ستلي الخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصُم في ذلك اليوم تفطر عندي" رواه ابن عدي، وابن عساكر.

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أَوّلُ الفتن قتل عثمان، وآخرها خروج الدجال.

وزاد ابن عساكر في روايته: والذي نفسي بيده؛ ما من رجل في قلبه مثقال حبة من

ص: 40

قتل عثمان؛ إلَّا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره.

وسبب قتله بالاختصار: أنهم انتقدوا عليه بعض الأمور؛ منها: أنه وَلَّى محمد بن أبي بكر مصر، فلما كان في بعض الطريق، إذا بغلام عثمان رضي الله عنه على ناقته متوجهًا نحو مصر، فأتوا به، فسألوه عن الخبر، فلم يُخبرهم، ففتشوه، فلقوا معه كتابًا إلى العامل بمصر يأمُرُه فيه بقتله، فرجع إلى المدينة، فاجتمع عليه أربعة آلاف من أوباش مصر، ورئيسهم ابن عُديس، وابن تميم، وغيرهما، وسألوه -أي: عئمان رضي الله عنه عن الكتاب والغلام، فقال: لا علم لي به. فقالوا: إنَّ هذا فِعْلَ مروان. وعرفوا خطه، وقالوا: فادفعه إلينا. فلم يفعل، فأرادوه على أن يعزل نفسه، فلم يفعل؛ امتثالًا للحديث المارِّ:"إنَّ الله مُقمِّصك قميصًا. . .".

وكانوا لما هجموا المدينة، كان عثمان رضي الله عنه يخرج فيصلي بالناس وهم يُصلون خلفه شهرًا، ثم خرج في آخر جُمعةٍ خرج فيها، فَحَصَبُوه حتى وقع عن المنبر ولم يقدر أن يُصلي بهم، فَصلّى بهم يومئذ أبو أُمامةَ سهل بن حُنَيف، فمنعوه، وكان يُصلّي ابن عُديس تارة، وكنانة بن بشر أخرى، فبقوا على ذلك عشرة أيام، وكان طَلحة يُصلي بهم، وأكثر ما كان يصلي بهم علي رضي الله عنه، وهو الذي صَلّى بهم العيد، فحاصروه؛ قيل: عشرة أيام، وقيل: أربعين يومًا. ويمكن الجمعُ بأنَّ ثلاثين يومًا كان يخرج للصلاة، وعشرة شَدّدوا عليه الحصار ومنعوه من الخروج للصلاة، ومنعوه الماء، فجاءت الأنصار إلى الباب وقالوا: يا أمير المؤمنين؛ إن شئت كُنا أنصار الله مرتين، فقال: لا حاجة لي في ذلك؛ كُفُّوا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِد إلي عَهدًا وأنا صائرٌ إليه. وجاء علي كرم الله وجهه في جماعةٍ من بني هاشم يُريد نصره.

فقال: كُلّ من لي عهدٌ في ذمته يَكُف عن القتال. فأخذ عليّ رضي الله عنه عمامته ورمى بها في صحن داره، وقال:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} ، ومنعوه الماء العذب، فأرسل عليٌّ الحسنَ والحسينَ وعبدَ الله بن جعفر رضي الله عنهم في فتيةٍ من بني هاشم بثلاث قِرَبٍ من الماء، فحالوا دونهم، فحملوا عليهم حتى جُرِح الحسن أو الحسين بن علي رضي الله عنهم، وسال الدَمُ على وجهه،

ص: 41

وأوصلوه الماء، فلما رأوا ذلك خافوا بني هاشم، وتركوا الباب، ونَقبُوا البيت من ظهره، وكان عنده في الدار عَبيدُهُ الكثيرون، فأرادوا أن يمنعوا عنه، فقال: من أغمد سيفه فهو حُر. ومنعهم من ذلك.

وكان ممن دخل عليه الدار: محمد بن أبي بكر رضي الله عنه فذكر له بعض مناقبه في الإسلام، ويقول: أَنشدُك الله ألم تعلم كذا؟ ألم تعلم كذا؟ وَكُلّ ذلك يقول محمد: نعم.

ثم قال له: لو رأى أبو بكر مكانك هذا مني لساءه ذلك، فخرج محمد، ودخل عليه جماعةٌ فقتلوه في أواسط أيام التشريق والمصحف بين يديه، سنة خمس وثلاثين من الهجرة عن ثمان وثمانين سنة من العُمْرِ، وقيل: أكثر، وقيل: أقل.

ورأى في ليلة يوم قُتل فيه النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عثمان؛ أفطر عندنا". فأصبح صائمًا، وقتل وهو صائم.

رَوى ابن منيع في "مسنده" من طريق النُعمان بن بشير، عن نَائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان رضي الله عنه؛ قالت: لما حُصِر عثمان رضي الله عنه ظل صائمًا، فلما كان عند الإفطار سألهم الماء العذب، فمنعوه، فبات، فلما كان في السَّحَر قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع عليَّ من هذا السقف ومعه دلوٌ من ماء، فقال:"اشرب يا عثمان"، فشربت حتى رويت، ثم قال:"ازدد"، فشربت حتى تملأت.

وَروى الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"، عن مُهاجر بن حبيب قال: بعث عثمان إلى عبد الله بن سَلام وهو مَحصُور، فقال له: ارفع رأسك ترى هذه الكُّوّة، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف منها هذه الليلة، فقال:"يا عثمان؛ أحصروك؟ ! " قلت: نعم. فأدلى دلوًا فشربت منه، فإني لأجِدُ بَرْدَهُ على كبدي، ثم قال لي:"إن شئت دَعوتُ الله فينصرك عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا"، فاخترت الفطر عنده، فقُتل في يومه.

وفي "تنوير الحلك" للسيوطي، مَعزُوًا لابن باطيش في كتاب "مزيل

ص: 42

الشبهات": عن عبد الله بن سلام: أتيت عثمان رضي الله عنه وهو مَحصُور، فقال: مرحبًا يا أخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخوخة، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عثمان؛ أحصروك؟ " قلت: نعم. قال: "عطشوك؟ " قلت: نعم. فأدلى لي دلوًا فيه ماء، فشربت حتى رَويتُ، وحتى أني لأجد بَردَهُ بين ثديي وبين كتفي.

فقال صلى الله عليه وسلم: "إن شئت نُصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا؟ " فاخترت أن أفطر عنده، فقتل ذلك اليوم.

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت صوتًا يوم قتل عثمان: "أبشر يا بن عفان برَوْح وريحان، أبشر يا بن عفان بربٍّ غير غَضْبان، أبشر يا بن عفان بغُفران ورِضوان. فالتفت فلم أر أحدًا" رواه أبو نُعيم.

وَروى الطبراني، وأبو نُعيم: عن سهم بن حُبيش قال: دفنا عثمان رضي الله عنه ليلًا، فغشينا سوادٌ من خلفنا، فهبناه حتى كدنا أن نَتفرّقَ عنه، فنادى مُنادٍ: لا رَوْعَ عليكم، اثبتوا؛ فإنَّا قد جئنا لنشهده معكم. فكان ابن حبيش يقول: هم والله الملائكة.

وَروى أبو نُعيم، عن عروة رضي الله عنه قال: مكث عثمان رضي الله عنه في حَشِّ كوكب مطروحًا ثلاثًا لا يدفنونه، حتى هتف بهم هاتف: ادفنوه ولا تصلوا عليه؛ فإنَّ الله عز وجل قد صَلّى عليه.

وكان الذين خرجوا عليه: عبد الرحمن بن عُديس البلوي، وكنانة بن بشر -أحد رؤوس الخوارج-، وآخرون ساروا بأهل مصر، واجتمع عليهم خَلقٌ من أوباشِ الناس، وقُتل عبد الرحمن هذا وأصحابه بعد عام، أو عامين بجبل لبنان.

وقد روى البيهقي، وأبو نُعيم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج أناس يمرقون من الدَّين كما يَمرُق السهم من الرمية، يُقتلون في جبل لبنان"، أورده السيوطي في "الخصائص".

وروى أبو نُعيم، عن عثمان بن مُرّة، عن أمه؛ قالت: سَمعتُ الجن تَنُوحُ على

ص: 43

عثمان رضي الله عنه فوق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال، فكان مما قالوا:

لَيلةَ الحصبة إذ

يَرمُون بالصَّخْر الصِّلاب

ثُمّ جاؤوا بُكرةً

يَبغُون صقرًا كالشِّهاب

زَينهم في الحيِّ والـ

مجلس فَكَّاكُ الرِّقاب

وكان علي رضي الله عنه حين قُتل في أرضٍ له، فجاءه الخَبرُ، فَدُهش من شدة ما سمع، فجاء ولطم الحسن، وضرب صدر الحسين رضي الله عنهما، وسب عبد الله بن جعفر، وابن الزبير، وقال: أيقتل عثمان وأنتم أحياء؟ ! فاعتذروا بأنهم ما عَلِمُوا.

وصَحّ أنه أشرف من كُوَّةٍ فقال لعلي رضي الله عنه: يا أبا الحسن؛ ما هذا الذي ركب متني؟ فقال: اصبر يا أبا عبد الله، فوالله ما غِبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كُنا على أُحُدٍ، فتحرك الجبل ونحن عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: اثبت أُحُد؛ فإنه ليس عليك إلَّا نبي، أو صِدِّيقٌ، أو شهيد"، وايم الله لتُقتلن، ولأقتلن معك -أي: بعدك-، وليُقتلن طلحة، والزبير.

وصح أنه استشهد جماعة من الصحابة منهم: علي، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم على أنه اشترى الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم مرات، فشهدوا له، فقال الخارجون عليه: صدقوا، ولكنك غَيّرتَ. فقال: ويلكُم، كيف يُغير من هذا حَاله؟ !

ثم ذكر أنهم سيقولون ذلك في غيره أيضًا، وكان كذلك، فإنهم قالوا في علي رضي الله عنه حين خرجت عليه الخوارج، فاستشهد الصحابةَ في خُصُوصياته، فشهدوا له، فقالوا: صدقوا، ولكنك غَيّرتَ.

ومنها: وقعة الجمل:

رَوى الحاكم عن علي وطلحة رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للزبير: "أتحب عليًا؟ ! أما إنك سَتخرُجُ عليه وتقاتله، وأنت له ظالم".

ص: 44