الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
مع لعبة التمثيل والانتخابات
(1919 - 1922)
أحيل خالد بن الهاشمي على التقاعد في تشرين الثاني - نوفمبر -1919، فتقدم لانتخابات بلدية الجزائر، منافسا للحاج موسى مصطفى الذي تم انتخابه بعدد (940) مقابل (925) للأمير خالد. في حين هزمت قائمة حزب (الجزائر الفتاة) وفشلت بسبب تبني الحزب لقضية اكتساب الجنسية الإفرنسية. وأصابت هذه الهزيمة الدكتور ابن شامي بجرح لأنه كان يعتقد في نفسه أنه زعيم حزب الجزائر الفتاة منذ سنة 1912، وزاد من عمق جرحه أنه لم يحصل على أكثر من (332) صوتا. الأمر الذي دفعه إلى اتهام الأمير خالد (بالتآمر ضد السلطة الإفرنسية، واستثمار تأثيراته الفوضوية).
وتبنى مدير مكتب الشرطة هذا الاتهام، فقاد الدكتور ابن شامي إلى (باريس) حتى يقوم بعرض شكاواه ضد الأمير خالد. كما تابع ابن شامي حملاته ضد الأمير خالد في صحيفة الحزب (المستقبل الجزائري) ومما كتبه بهذا الشأن: من المعروف أنه
استنفر الجمهور علنا، طالبا تدخله الفوضوي، ومثيرا التعصب الإسلامي ضد سياسة الدمج، وضد الحصول على الجنسية الإفرنسية، متهما حامليها بالكفار، أصحاب القبعات الإفرنسية - البيريه). وعلقت صحيفة الأخبار على ذلك:(يجب إلغاء نتائج الانتخابات لأنها ألحقت الهزيمة بسياسة الدمج، وهي السياسة غير الشرعية لفرنسا ذاتها).
المهم في الأمر، هو أن مستشارية الشرطة ألغت نتائج انتخابات البلدية بزعم أن هذه الانتخابات قد اعتمدت على (التعصب الإسلامي).
جرت بعد ذلك انتخابات نيسان (أبريل) - حزيران (يونيو 1920، وعلى الرغم من معارضة الإدارة الإفرنسية، فقد تم انتخاب الأمير خالد - وعلى التتابع - نائبا ماليا، ثم مستشارا عاما، وتم انتخابه بأكثرية ساحقة ضد مرشحي الإدارة الإفرنسية، حيث حصل على (7) آلاف صوت مقابل (2500) صوتا نالها محيي الدين رزوق الذي كان أمينا عاما للاتحاد الإفرنسي - الجزائري منذ سنة 1914، ومستشارا عاما بأكثرية (2505) صوتا مقابل (256) صوتا أحرزها الدكتور تامزالي.
وفي انتخابات 18 نيسان - إبريل - استطاع الأمير خالد دعم أصدقائه، فأمكن ضمان النجاح لأربعة منهم، وهم محمد بن رحال والدكتور موسى وابن عموره وقائد حمود. وتم انتخاب مدير صحيفة (الأقدام - راشيدي) الحاج عمار حمو، مستشارا عاما ضد باشآغا بن سيام، والذي هزم في الانتخابات المالية من قبل شيخ
الزاوية (بن تونس). وبذلك أصبح باستطاعة حزب الأمير خالد أيضا احتلال 5 مناصب من مراكز المستشارين العامين البالغ عددهم 29 مستشارا.
وعلى الرغم من أن الأمير خالد ورفاقه الناجحين في انتخابات 18 نيسان - أبريل - لم يشكلوا أكثر من خمسة، من أصل 20 منتخبا، فقد أعلن المستعمرون والإدارة الإفرنسية، الويل والثبور لما بات يتهدد الإفرنسيين من خطر، على حد زعمهم (1).
وعمل رئيس الشرطة على توجيه رسالة مفتوحة لكل عمداء المدن - مخاتير - طالبا إليهم إعلامه عن متطلباتهم من البواريد والرشاشات لضمان الدفاع عن المراكز الاستعمارية.
وعقد بعد ذلك مؤتمر لعمداء الجزائر في شهر أيار - مايو - 1920؛ تم فيه توجيه احتجاج شديد اللهجة ضد الحقوق الانتخابية التي أقرها البرلمان الإفرنسي للمواطنين الجزائريين المسلمين. وأخذ هذا المؤتمر على عاتقه إثارة الاضطرابات ضد
تلك القوانين.
وحذر الحكومة الإفرنسية من مغبة (المسؤولية التي تتحملها وهي تتجاوز الاعتبارات، وتخطىء التقويم، بتطبيقها للقوانين التي تتم دراستها والتصويت عليها خارج الجزائر والجزائريين). وأعلن رئيس متتخبي الاستعماريين أمام النواب الماليين: (بأنه
(1) هناك تقرير يعود تاريخه إلى شهر آب - أغسطس - 1920 وفيه: (ليس الموقف خطيرا إلى درجة كبيرة، إذا ما أمكن لنا دعم الحزب الذي يبرهن على إخلاصه، بأكثر مما يفعله الحزب المنافس له).
يجب عدم الوقوع في خطأ منح كتلة - المسلمين الجزائريين - حقوق الانتخابات التي لا تتناسب مع حالتهم الاجتماعية - وهي الحالة التي كان يتم وصفها من قبل الاستعماريين بأنها حالة العصر البرونزي، إن لم تكن حالة العصر الحجري). وفي 15 أيار - مايو - أعلن أستاذ في جامعة الجزائر - هو الدكتور برنارد لافيرن - (بأن قانون سنة 1919 قد أفسح المجال الواسع أمام المنتخبين المسلمين بحيث أنه لن تمر أكثر من أربعة أعوام حتى تحمل الانتخابات ممثلي عائلات الزوايا والمساجد بالرغم من أنهم لا يرتبطون مع الإدارة الإفرنسية بأية روابط).
والمهم في الأمر هو أن هذه التظاهرة العنيفة قد حظيت بالدعم الاجتماعي والموحد لممثلي البلديات البالغ عددهم (246) ممثلا. وأدى ذلك إلى قيام حملة حقيقية في مجال الصحافة، بدأتها صحيفة (صدى الجزائر) بمقال يحمل عنوانا مثيرا:(الجزائر في خطر). وأثارت في مقالها الشكوك حول صحة ولاء الجزائري المسلم، والنقيب السابق خالد. وفي 20 آب - أغسطس - 1920، أجمعت الصحافة الاستعمارية على المطالبة:(باعتقال كل المحرضين من حزب خالد).
ومضت صحيفة (برق القسنطينة) لتشير - حسب زعمها - إلى ذلك (الحقد الدفين، والقسوة الوحشية التي تطبع بطابعها العرق بكامله - العرق العربي الإسلامي - والذي مضى قرابة قرن على تحضيره بدون أن تقتلع هذه الحضارة شيئا من وحشيته؟).
والغريب في الأمر أن الصحافة الاستعمارية - وهي تردد مثل
هذه الترهات، لم تحاول التعرض لما نزل بالمواطنين المسلمين من المجاعة في سنة 1920، (حيث كانت ألنسوة يحملن على سواعدهن أبناءهم الموتى من الجوع). ولم تعمل هذه الصحافة - إلا على شحن عواطف الاستعماريين بالمزيد من الكراهية والبغضاء - هذا إذا كانوا في حاجة لمثل هذا المزيد - ضد أولئك الذين تصدوا لمجابهة الشر، والذين رفضوا الخضوع لسياسة الضغط، فقاموا للدفاع عن حقوق المسلمين، وطالبوا بتمثيلهم تمثيلا سياسيا صحيحا.
نشرت صحيفة (الأزمنة) في عددها يوم 20 أيار - مايو - 1920، وعلى صفحتها الأولى، موضوعا عن التمثيل النيابي - البرلماني - للمسلمين الجزائريين، جاء فيه:(يجب أن يكون للمسلمين نوابهم في مجلس النواب والشيوخ، ذلك أن تطوير المصارحة الاستعمارية، يجب أن يتبعه تطوير مماثل وعلى ذات المستوى من الصراحة - من طرف المواطنين المسلمين).
وتحركت على الفور وفي الاتجاه المضاد، الدوائر الاستعمارية، فطرحت قضايا (طرح الجنسية الإفرنسية على المسلمين) و (مشكلة الأمن). وتجاوزت ذلك إلى ما يمكن تسميته (بتنظيم مؤامرة حقيقية) لاستصدار قانون (إعادة فرض السلطات التأديبية وتشديد الرقابة على المواطنين) وذلك عشية وصول الأمير خالد مع وفد جزائري إلى باريس يوم 29 تموز - يوليو 1920.
وهنا قد يكون من المناسب التوقف قليلا عند الطريقة التي تم
اتباعها لاستصدار هذا القانون، نظرا لأنها تمثل أسلوب الاستعماريين في المكر والخداع.
كان هناك مشروع تم تقديمه من قبل السلطات الإفرنسية في 20 أيار - مايو - 1920 من أجل تمديد العمل بقانون 15 تموز - يوليو - سنة 1914 لمدة سنتين إضافيتين. وكان لزاما تقديم هذا القانون إلى (هيئة الشؤون الخارجية والمستعمرات) في مجلس النواب الإفرنسي، غير أن تعديل هذا القانون والموافقة عليه لمصلحة المواطنين الجزائريين، كان سيحظى بدعم النائب (موتيه) صديق الأمير خالد، ولهذا فقد عمل الاشتراكي (ليون بلوم) على تحويل المشروع إلى (هيئة الإدارة العامة) وتم طرحه
أمام مجلس النواب في جلسة تغيب فيها النواب الذين يدافعون عن التمديد - وفي مقدمتهم - موتيه - وذلك في يوم 21 حزيران - يونيو - 1920. وأصبح هذا المشروع هو القانون المعروف بقانون 4 آب - أغسطس - 1920. وفيه تم تمديد العمل بقانون سنة 1914 لمدة سنة واحدة فقط.
المهم بعد ذلك أيضا، متابعة ذلك الحوار الذي تردد في البرلمان الإفرنسي. فقد وقف النائب (موتيه) لاستجواب الحكومة في موضوع السياسة التي تعتزم تبنيها تجاه المواطنين الجزائريين المسلمين. فتصدى للإجابة عليه نواب الجزائر - من الإفرنسيين - وأعلنوا:(بأنهم يستغربون عدم إقدام الحكومة حتى تلك اللحظة على اعتقال الأمير خالد زعيم المتعصبين المسلمين). (وطالبوا بتكوين هيئة تتولى التحقيق في موقف النقيب السابق خالد) ورد
موتيه على هذا الهجوم بقوله: (إن الأمير خالد يحمل الصليب الحربي، ولديه ما يكفي من أكاليل الغار لتحميه ضد العار الذي يراد إلصاقه به)(1).
ووقف أيضا نائب فرنسي ليقول: (بأنه كنائب اشتراكي، ارتكب عملا شائنا وقبيحا ضد مصلحة فرنسا، عندما حمل مجلس النواب الذي يستظل بالعلم الإفرنسي - الأزرق السماوي - على الموافقة على قانون قدمه النواب الجزائريون، وكانت الكلمة النهائية والحاسمة للنائب - موتيه - الذي عاد ليخاطب المنتخبين الجزائريين - الإفرنسيين بقوله: (إن سياستكم ستدفع بالمسلمين للتجمع خلف علمهم الأخضر).
هل من الغريب توجيه كل هذه السهام للأمير خالد بن
(1) المقصود بالعار الذي يراد إلحاقه بالأمير خالد، هو الاتهام الذي نشرته صحيفة (صدى الجزائر) وذكرت فيه أن الأمير خالد دفع ابنه للهرب إلى سوريا فرارا من الخدمة العسكرية في الجيش الإفرنسي.
وهذا الابن هو من مواليد سنة 1900، وكان محميا من نظام الخدمة الإلزامية بصفته ابنا لمواطن من مواطني المحميات. وعلى كل حال. فقد تطوع هذا الابن في الجيش الإفرنسي في بيروت بتاريخ 22 تموز - يوليو - 1920. وقد وجه إليه والده رسالة طلب إليه فيها أداء خدمته في الجزائر وليس في سوريا (لإعطاء المثل لإخواننا في الدين).
وقام النائب الإفرنسي - موتيه - بقراءة الرسالة التي وجهها الأمير خالد إلى ابنه - أمام مجلس النواب الإفرنسي. وجاء فيها: (إنك بتطوعك رددت السهم إلى صدور أولئك الخونة والانتهازيين الذين يهاجموننا عبر الصحافة. وأحبطت خطط الحاقدين الذين ما فتؤوا يستخدمون كافة الوسائل، ليضمونا في موقع العداء من فرنسا).
الهاشمي، وهو ما زال يحتل موقعا ثانويا ومتواضعا في أفق العمل السياسي؟ في الحقيقة، أبرزت الانتخابات البلدية بصورة مباغتة نجما تألق في ليل الظلام لمسلمي الجزائر، وأخذت كتلة المسلمين في التعرف عليه، عن كثب، وأعجبتها فيه دونما ريب قدرته على التصدي للإدارة الاستعمارية في الجزائر والانتصار عليها.
هذا السيد الكبير، الذي ينتعل دائما الحذاء البني ويلبس القفاز الأبيض، خلق يكون أميرا في كل ملامحه، بما في ذلك لحيته، وهو كما وصفه تقرير من تقارير الشرطة الإفرنسية:(إنه يلهب مشاعر الجماهير المسلمة حيثما اتجه، وهو يصر على طرح نفسه بصفته حفيدا للأمير عبد القادر).
وقد أخذت الشخصيات الإسلامية التقليدية في التقرب إليه والإحاطة به ومبايعته على العمل معه والاشتراك في الصحيفة التي بات يرأس تحريرها - صحيفة الأقدام. ولا ريب أن الأمير خالد قد تأثر بذلك أشد التأثير، فكان يسلك في ممارسته مذهب الزعماء الدينيين - المشايخ - فيؤم المصلين في صلواتهم، ويذهب لتعزية ومواساة العائلات الشهيرة بمعاداتها للاستعمار منذ أجيال عديدة. ويذكر له اشتراكه في العيد السنوي لسيدي عمار الشريف في قرية (آبو) ووقوفه لوعظ أكثر من ثمانية آلاف مسلم، تقاطروا من كل مكان للاشتراك في إحياء هذه المناسبة.
عملت الإدارة الاستعمارية من جهتها على تقديم الأمير خالد منذ فوزه بانتخابات البلدية، بصفة (الأمير المزعوم) و (رئيس
الشيح ذوي العمائم) و (بطل المسلمين المحافظين). وكانت ترى في نجاحه المباغت (يقظة مفاجئة للتعصب الإسلامي). وكتب الحاكم العام للجزائر رسالة إلى الوزارة الإفرنسية بتارخ 4 أيار - مايو - 1920 جاء فيها: (لم تتوقف كتلة المسلمين عن الخضوع لفكرة دينية تختلط فيها تطلعات غامضة وقوية عن الوطنية الإسلامية).
كما أن منظمة الاستخبارات لشؤوون الوطنيين المسلمين، خضعت للرعب من فكرة (الرابطة أو الجامعة الإسلامية) والتي كان يتم طرحها من قبل الأمير خالد قبل سنة 1914، ثم استبدالها بعد هذه السنة بشعار (الوطنية الإسلامية).
وقد اشتركت الصحافة في إذكاء مخاوف منظمة الاستخبارات من خلال طرحها لما يجده الأمير خالد، ولو أنها كانت تعالج هذه المخاوف بأسلوب ساخر، مثل قولها:(الفزاعة القديمة للجامعة الإسلامية)(والجهاز الحربي لخصومنا: الوطنيين).
ذلك هو الموقف العام للأوروبيين في الجزائر من الأمير خالد، غير أن بعض الإفرنسيين الليبراليين والذين عرفوه عن قرب اتخذوا
موقفا مؤيدا له، من أمثال فيكتور باروكاند وبوجيفا وفيكتور سيلمان الذي سيصبح فيما بعد رئيسا لتحرير (صحيفة الإقدام).
أما في باريس، فكان هناك تناقض في الرأي تجاهه. وعلى سبيل المثال، فقد كان رأي مساعد الأمين العام للدولة في وزارة الداخلية والمسؤول عن الجزائر - روبرت داوود - والذي عمل من قبل رئيسا لمكتب الحاكم العام للجزائر فأكسب معرفة جيدة
أوضاع الجزائر السياسية، كان هذا الرأي واضحا في تصريحه في شهر آذار - مارس - 1920 والذي تضمن ما يلي:(أكد الأمير خالد باستمرار ولاءه التام لفرنسا ولو أنه حشد حوله كل جماعة المشايخ، مما بات يدفع إلى التفكير بأنه تولى قيادة الحاقدين على فرنسا).
كما أن رئيس استخبارات شؤون الجزائر في وزارة الداخلية - بينر - والذي كان يستطيع أن يقوم بصورة صحيحة ما ترسله استخبارات الجزائر من معلومات، لم يعتقد أيضا بصحة ما يقال عن دور الأمير خالد (التخريبي) فقال معلقا على مثل هذه المعلومات:(يظهر أن هناك مبالغة كبيرة في القول بأن مشاعر الأمير خالد هي مشاعر مضادة لفرنسا).
أما الجنرال (ليوتي) فإنه لم يتوقف منذ سنة 1908، عن إثارة الشكوك ضد الأمير خالد، فكتب إلى صديق له في الجزائر يوم 4 آذار - مارس - سنة 1920 ما يلي:(أعرف الأمير خالد معرفة جيدة، وأعرف أية محنة أو كارثة يمثلها بشحصه) وعاد في 6 أيار - مايو - 1922 للقول: (لا أثق بهذا الشجاع المتهور الذي يندفع كما تندفع النار).
يظهر من خلال العرض السابق لمقومات الأمير خالد طوال سنتي 1919 و 1920، أنه بقي مخلصا، من وجهة النظر السياسية، لمبادىء حزبه - الجزائر الفتاة. ويبرز ذلك واضحا عبر ما كانت تطرحه (الأخبار) (من ترحيب بالحقوق التي أمكن اكتسابها بقانون سنة 1919 وخاصة ما تميز به من الصراحة في
مناقشة المجالس البلدية، الأمر الذي تحول إلى مدرسة كبرى لتعلم الحريات السياسية) وكذلك قول الأمير خالد إلى إخوانه المسلمين وهو يطلب إليهم (منح ثقتهم الكاملة لأولئك الإفرنسيين الفرسان والذين يعملون بصدق من أجل تمثيلنا بمثيلا صحيحا).
وحدد الأمير خالد في حزيران - يونيو - 1919 - في صحيفة الأقدام مطالب الجزائريين المسلمين وهي:
1 -
إزالة - أو رفع - القوانين الاستثنائية.
2 -
إقامة المجمعات المشتركة أو المختلطة (وكان الإفرنسيون يقيمون مدنهم الخاصة بهم).
3 -
إزالة الحواجز العسكرية.
4 -
ضم أقاليم الجزائر الثلاثة وإخضاعها للقوانين المطبقة على الأقاليم الإفرنسية ذاتها.
وعاد الأمير خالد فطالب باسم مسلمي الوطن الجزائري إجراء تمثيل للمواطنين الجزائريين في المجالس الإفرنسية - التشريعية والتنفيذية - مع منح مسلمي الجزائر حقوق المواطنين الإفرنسية ذاتها بدون أي تعرض أو تغيير في حالة المسلمين الشخصية. ويظهر من ذلك أن الأمير خالد كان يعارض سياسة الدمج الكامل للجزائر بفرنسا. وخاض في سبيل ذلك صراعا حادا مع صديقه (جان ميليا) الذي كان يطالب بدمج الجزائريين إدماجا كاملا بالإفرنسيين وإصدار قانون جديد مثل (قانون كريميو) خاص بالمسلمين. وكانت حجة الأمير خالد في ذلك:
أ - إن مشروع الدمج هو مشروع خيالي لأن كتلة المسلمين لا
تريده. وهي لا ترغب في نوعية المواطن الإفرنسي، ولا ترضى لحالتها بديلا بسبب تمسكها بعقيدتها الدينية.
2 -
إن فرنسا ذاتها لا توافق أبدا على مثل هذا البرنامج الاجتماعي خوفا من قيام خمسة ملايين مسلم جزائري بإغراق الإفرنسيين في وطنهم (1).
وجاء في تقرير للشرطة أن خالدا رد على (جان ميليا) خلال حفل تكريم أقيم على شرفه بما يلي: (إن إصدار قانون - مثل قانون كريميو - لا يمكن له أن يرضي المواطنين المسلمين الذين يريدون الاحتفاظ بلغتهم وعاداتهم وتقاليدهم ودينهم والذين يتطلعون للعيش بهدوء وسلام. ولا يمكن للمواطن المسلم أن يتخلى عن وضعه الشخصي).
وبينما كان الأمير خالد يعارض سياسة الدمج، فإنه طرح بديلا عن هذه السياسة بسياسة الاتحاد). وكان يردد:(لندع الحديث عن الدمج، ولنأخذ بسياسة الاتحاد). وقد أخذ في هذا المجال بالمقولة التي طرحها بعض الإفرنسيين وهي: (اعملوا على اتحاد العرقين - الجنسيتين - في إطار من الاحترام المتبادل للطرفين). وتبنى في هذا المجال شعار (فرنسا والإسلام). ومن أجل ذلك، فقد طالب بجعل التعليم الإبتدائي (عربيا - فرنسيا) في وقت واحد. وجعل هذا التعليم إلزاميا في الجزائر، إلى جانب إقامة
(1) مجلة الأقدام الأسبوعية 21 - 28 حزيران - يونيو - 1919. أما تقرير الشرطة المشار إليه فتاريخه 25 كانون الثاني - يناير - 1921.
جامعة عربية تقف إلى جانب الجامعة الإفرنسية في التعليم العالي.
لقد كان ذلك كافيا جدا حتى يعتبر (مجلس الاستعماريين) الذي عقد في حزيران - يونيو - سنة 1919 بأن الأمير خالد يجعل من نفسه (بطل العقل الوطني المسلم) وأن تعمل الصحافة الاستعمارية على وصفه (ببطل بعث الجامعة الإسلامية).
غير أن الأمير خالد استطاع أن يتجنب بكفاءة عالية ما تثيره مثل هذه المقولات من ردود فعل عند الاستعماريين الإفرنسيين فقال في حديث له مع المستشار العام للإدارة الجزائرية: (بأن عائلته في سوريا وقعت ضحية العنف التركي - مشيرا بذلك إلى إقدام جمال باشا على إعدام الأمير عمر وابنه يوم 20 نيسان - أبريل - سنة 1916 - ثم أن عائلته دفعت الثمن مرة أخرى على أيدي الوطنيين العرب).
غير أن ذلك لا يمكن أن يعيقه من الحفاط على علاقاته مع عائلته. والبقاء على حذر من مسيرة الأحداث وتطوراتها في سوريا. (وأنه إذا ما كان يصر على طرح القضية الوطنية، فليس ذلك إلا من أجل إشراك إخوانه في الدين للعمل عبر القنوات الشرعية من أجل الوصول إلى موقف أفضل). ولكن مثل هذا الدفاع لم يمنع المستشار الإفرنسي من تأنيبه: (لأنه قال لخصومه ممن قبلوا الجلسة الإفرنسية، بأنهم تنكروا لدينهم ولأصلهم - جنسيتهم).
لم يكن العمل السياسي للأمير خالد، بعد ذلك، في وسط المجالس الجزائرية، إلا ترجمة أمينة لأقواله المعروفة، ومواقفه
السياسية الثابتة، فعندما تم انتخابه مستشارا عاما، أعلن عن تمنياته:
1 -
أن يتم إلغاء وعزل كافة القوانين والمجالس الاستثنائية.
2 -
عدم العودة للسلطات الزجرية التي كان يعتمدها رجال الإدارة الإفرنسية.
3 -
الموافقة على التمثيل النيابي - البرلماني - للمواطنين المسلمين.
وأما في مجال عمله في الإدارة المالية - بصفته عضوا منتخبا فيها - فقد حاول الاحتجاج على الضرائب التي تضمنها مشروع قانون يعيد فرض السلطات الزجرية - الانضباطية - وكان رد الفعل على هذا الاحتجاج كما وصفه الحاكم العام الإفرنسي: (كان معظم الأعضاء المنتخبين من الكهول الذين حافظوا على وفائهم في خدمة الإدارة الإفرنسية. ولهذا فإنهم رفضوا احتجاج لأمير خالد وأحبطوا له أمنيته).
وقد نقلت الاستخبارات الإفرنسية في الجزائر للحكومة الإفرنسية معلومات - وصفتها بأنها مؤكدة - عن تصميم الأمير خالد على مقابلة مؤتمر عمداء الجزائر الذي عقد في أيار - مايو - 1920 وذلك بمحاولة تنظيم مؤتمر موسع لتمثيل المواطنين المسلمين. وأن سي بن رحال والدكتور موسى يعملان مع الأمير خالد في هذا الاتجاه. ولكن لم يتحقق شيء من ذلك -. وكان لهذه الفكرة التي طرحها الأمير خالد ثمارها فيما بعد، حيث تم عقد أول مؤتمر (للنواب المسلمين) في الجزائر يوم 11 أيلول - سبتمبر - 1927
.
(وهو تاريخ ولادة حركة اتحاد النواب المنتخبين للمسلمين).
وتبع ذلك توجه الأمير خالد والدكتور موسى وابن رحال إلى باريس لطرح وجهة نظرهم ومعارضة الوفد الذي أرسله الحاكم العام للجزائر (وضم محيي الدين زروق والدكتور بنثاني - أو ابن شامي - وقائد صياح سي حني) بهدف إقامة النظام (الخاص بالمسلمين). وقد وصل الأمير خالد ورفيقاه في وقت متأخر، حيث كان مجلس النواب الإفرنسي قد أقر إقامة النظام الذي اقترحه الحاكم العام للجزائر. وقام رئيس مجلس النواب الإفرنسي باستقبال الأمير ورفيقيه، وخفف من مخاوفهم بشأن الأساليب التي سيتم اتباعها في تطبيق هذا القانون).
وقابل الأمير خالد مساعد الأمين العام لوزارة الداخلية الإفرنسي. وطلب تقديمه لمحكمة تنظر في الاتهامات الموجهة إليه. ومنها (ما تضمنه برنامجه الانتخابي لسنة 1919 عن استقلال الشعب العربي) وكذلك ما كانت تتضمنه الحملة الصحافية التي كان يوجهها الاستعمار ضده ومنها تهمة (تنظيمه لبؤرة الاضطرابات في الجزائر على نحو ما سبق له أن فعله في المغرب).
غير أن مساعد الأمين العام لوزارة الداخلية أجابه بقوله: (لنضرب صفحا على الماضي) وأكد ذلك بأن الدوائر المركزية في باريس لم تأخذ بما كانت تتبناه الإدارة الاستعمارية في الجزائر من تحريض ضد الأمير خالد. غير أن هذا التأكيد لم يعمل على إزالة الشكوك من إمكانية تطوير الموقف نحو اتجاه أكثر ثوروية.
قدم الأمير خالد ومعه مستشارو البلديات المسلمين في الجزائر استقالاتهم من أعمالهم في يوم 9 تشرين الأول - أكتوبر -
1920.
وذلك على الرغم من عدم تطبيق قرار إلغاء الانتخابات الذي اتخذه مدير شرطة الجزائر. غير أن احتجاج المرشحين
الفاشلين في الانتخابات أمام مجلس الدولة جعل قرار الإلغاء معلقا. وكان أصدقاء الأمير خالد يتوقعون إجراء انتخابات جديدة، وكان يهمهم من أمر هذه الانتخابات إبراز المصالحة التي تمت بين أعضاء حزب (الجزائر الفتاة) بأكثر مما يهمهم الفوز فيها.
ولقد بدأت هذه المصالحة في أثر ذلك النداء المؤثر الذي وجهه الشيخ - الكهل - ابن رحال وطلب فيه (إقامة الوحدة بين أولئك الذين يمزق بعضهم بعضا، والذين يجب عليهم توحيد جهودهم لما فيه خير المسلمين ومصلحتهم). وانتهت المحاولات
الأولى بإجراء المصالحة بين الأمير خالد والدكتور موسى بن شفوف، النائب المالي عن خنشلة وذلك بحضور ابن شامي (بنثامي).
كما حدثت مصالحات كثيرة طوال سنة 1920، وأقبل القسم الأكبر من أعضاء حزب الجزائر الفتاة على إجراء المصالحة فيما بينهم، وتقارب الخصوم بعضهم من بعض في يوم واحد، مما دفع رئيس شرطة الجزائر الذي عمل طويلا من أجل هذا الانقسام والتمزق للقول:(لقد ظهر بأن الانقسام بين الأمير خالد وأعضاء حزب الجزائر الفتاة، لم يكن انقساما نهائيا أو حاسما). وأن
تظاهرة المصالحة هي تعبير عن الحقوق، وتأكيد على الخطأ السياسي الذي تم ارتكابه بتطبيق قانون المواطنين المسلمين).
كانت الثمرة الأولى للمصالحة هي وضع قائمة انتخابية موحدة برئاسة الأمير خالد وضمت قائد حمود والدكتور العربي والحاج عمار - وكان الحاج موسى قد توفي - بالإضافة إلى الدكتور تامزالي وشيكيكن وساطور رشيد وإلياس بن سمعان وفيكتور باروكان وضمت القائمة أيضا كافرا ويهوديا وإفرنسيا (وكان على رأس القائمه في وهران اليهودي مردخاي شالوم).
ومقابل ذلك تم وضع قائمة برئاسة الدكتور بنثامي (ابن شامي) وتوجيه الدكتور صوالح ودعم الإدارة الإفرنسية التي يمثلها الباشا
آغا صحراوي وصياح مصطفى سي حنة ومحيي الدين زروق والقائد الإبراهيمي الأخضر وكان لهذه المجموعة صحيفتها (المستقبل الجزائري) والتي كان يديرها الدكتور بنثامي، ثم أصبحت تحمل عشية الانتخابات اسم (مستقبل الجزائر) وانتقلت
إدارتها أيضا إلى الدكتور صوالح يوم 7 كانون الثاني - يناير 1921.
وعلى الرغم من دعم الإدارة الإفرنسية المطلق للقائمة المضادة لقائمة الأمير خالد، فقد انتصر الأمير خالد ونجحت قائمته بكاملها، فكتب يوم 9 كانون الثاني - يناير - 1921 رسالة إلى وزير الداخلية الإفرنسي - في باريس - جاء فيها:(على الرغم من الضغوط التي لا توصف، فقد نجحت القاثمة التي أترأسها بكاملها).وتجدر الإشارة إلى أن عدد الناخبين في الجزائر بلغ (1880) ناخبا؛ اشترك منهم في الاقتراع 866 مواطنا وحمل
الأمير خالد على (720) صوتا، أما الدكتور بنثامي، الذي فشل في الانتخابات، فلم يحصل على أكثر من (263) صوتا. أما الدكتور العربي الذي أخرج من قائمة الأمير خالد في اللحظة الأخيرة، فإنه سقط في الانتخابات، ولم يحصل على أكثر من (263) صوتا. وبرهنت هذه النتيجة، وللمرة الرابعة، ثقة الجزائرين المسلمين المطلقة بالأمير خالد، ودعمهم لقيادته.
لم يعد لدى الإدارة الاستعمارية في الجزائر، إعتبارا من هذا التاريخ، أدنى شك أو ريية في أن (خميرة الوطنية الإسلامية قد ثبتت في الجزائر). وبات الهم الأساسي الذي تعانيه أجهزة الاستخبارات هو متابعة تحرك المواطنين المسلمين في انتظار (إعادة بعث الحضارة الإسلامية - في الجزائر - بكل أبعادها وشموليتها). وهي الحضارة التي سيتم التمهيد لها - من وجهة نظر الإدارة الاستعمارية في الجزائر - وبنشر التعليم العربي على نطاق واسع).
واستخلصت الإدارة الاستعمارية مخطط عمل الوطنية الإسلامية، ومراحله بالتالي:
1 -
إقامة تحالف مع الاشتراكيين الأوروبيين.
2 -
تركيز الجهد في مرحلة وسيطة للحصول على المساواة بين العروق - الجنسيات - وتنسيق التعاون مع الدولة التي تحتل بلاد المسلمين.
3 -
الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة الاستقلال الكامل.
وكان هدف الإدارة الاستعمارية من إبراز هذا المخطط المزعوم، أو المفروض، هو إحراج الأمير خالد أمام حكومة باريس.
ومقابل ذلك فإن شباب (حزب الجزائر الفتاة) لم يتوقفوا أبدا عن التصدي لمجابهة مثل هذه المقولات الخبيثة - في تلك الفترة - فكان مما يقولونه عن خصومهم في الإدارة الإفرنسية في الجزائر: (إنهم يحاولون اظهار وطنيتنا على أنها مضادة لفرنسا، وكل ذلك لأننا مستقلون - ولم نخضع لهذه الإدارة الإفرنسية). وأظهر نائب جزائري صورة الموقف بالمقولة التالية: (يجب ألا يغيب عن الأنظار أبدا بأن الإدارة الإفرنسية تضع الانتخابات دائما في ظروف صعبة للغاية. فإما أن يفوز المرشح للانتخابات بدعم من الحكومة فيكون عبدا لها - مملوكا -، وإما أن يفوز مستقلا عنها فتصفه - أو تتهمه - بأنه محرض على الثورة).
أما مجلة الأقدام - الناطقة باسم (حزب الجزائر الفتاة) فقد نشرت في عددها 23 أيلول - سبتمبر - 1921 ما يلي: (اليوم، ونحن نمارس ذات الحقوق، ونضطلع بذات الواجبات التي يضطلع بها الإفرنسيون، بات لزاما علينا ممارسة الحقوق بصورة مشتركة دونما أي احتواء أو احتجاج).
وفي الحقيقة، فقد احتح أصدقاء خالد على توصية المستشار العام للجزائر الذي طالب بإلغاء تجنيد المسلمين مقابل رفض منحهم الحقوق الوطنية. كما عمل خالد بدوره على توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة الإفرنسية بهذا الشأن، مركزا بإلحاح على عدم
المساواة في مدة الخدمة العسكرية بين الجزائريين والإفرنسيين (1).
بقيت قضية التحالف مع الشيوعية، وهي القضية التي أخدت صفتها الشرعية من خلال اقتراح شخصي تقدم به الوفد الجزائري - التونسي إلى مؤتمر مدينة تور، وتضمن هذا الاقراح ما يلي:(إذا ما وافقت الجزائر - وصوتت - في المؤتمر فإن ذلك بسبب ما تضمنته بنود المؤتمر الثالث الدولي بشأن الاستعمار، وهي البنود التي أوجدت فيها البروليتاريا الجزائرية تعبيرا عن تطلعاتها في استرداد حقوقها).
وتولت مجلة الأمير خالد إدانة الشيوعية بقولها: (قضية المسلمين الجزائريين هي قضية عرقية ولا يمكن حلها بوسيلة صراع الطبقات)(2). وعادت المجلة للقول: (لنتحدث بصراحة، فحزب الجزائر الفتاة لا يحتاج لإخفاء عواطفه تجاه الشيوعية التي لا يمكن له اعتناقها بسبب عقيدته الدينية)(3). وقد أدان الحزب الشيوعي الإفرنسي - الجزائري - ما حملته مقررات المؤتمر الدولي الثالث للأحزاب الشيوعية في العالم. وهاجم أيضا (الوطنية الإسلامية الجزائرية) كما أدان المبادىء الوطنية والإقطاعية للبورجوازيين العرب.
(1) رفع المستشار للجزائر توصيته يوم 12 تشرين الثاني - نوفمبر 1921. واحتجت عليها مجلة (الأقدام) في عدد يوم 2 وكذلك في عدد يوم 16 كانون الأول - ديسمبر - 1921.
(2)
مجلة الأقدام - الافتتاحية 8 نيسان - إبريل 1921.
(3)
البرق الجزائري (Depeche Algerienne) عدد يوم 19 حزيران - يونيو -1921.
لم يلبث الأمير خالد أن استقال من مناصبه التي تم انتخابه لإشعالها وهي (المستشار العام) و (المنتخب المالي). وكانت استقالته المباغتة يوم 22 أيار - مايو - 1921، بسيب ما أوضحه الأمير خالد ذاته في مقولته التالية:(إنني لا أرى فائدة من وجودنا في هذه المجالس. إننا غارقون في وسط أكثرية ساحقة. وعلاوة على كوننا أقلية، فهناك عدد كبير منا من الأتباع - المرتبطين - وعلى هذا فستكون أصواتنا معدومة، وأعمالنا ملغاة).
وزاد من تأثير هذه المباغتة أنها حدثت عشية افتتاح مؤتمر (النواب المنتخبين الماليين) والتي تميزت عند افتتاحها في يوم 17 حزيران - يونيو - بخطاب ألقاه (ابن رحال) والذي وصفه ليوتي بقوله: (بأنه ذو فائدة عظيمة. في حين وصفته صحافة الجروة بأنه: (تظاهرة تعبر عن بعث الروح الإسلامية وهي تستعيد حقها في النهوض أمام السيادة الإفرنسية)(1).
ويظهر أن الأمير خالد أراد باستقالته، إثارة انتباه أعضاء البرلمان بشأن استعادة الحقوق الجزائرية. وقد كتب الأمير خالد في رسالة استقالته:(علينا اليوم وأكثر من أي وقت مضى، توجيه أنظارنا نحو الوطن الأم - فرنسا - ونحوها وحدها فقط، على أمل رؤية هذا الوطن وهو يقرر مصيرنا بصورة حقيقية). هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد اتخذ الأعضاء الماليون المنتخبون المسلمون - من العرب والبربر - قرارا بالإجماع يوم 31 أيار - مايو - 1921 يعارض مباشرة ذلك القرار الذي قدمه ممثل الإدارة الإفرنسية إلى
(1) مجلة الأقدام 23 حزيران - يونيو - 1921.
(المجلس الاستعماري الجزائري). وطالب النواب - المنتخبون المسلمون بصورة أساسية إجراء تمثيل خاص بهم، وانتخاب حر لهم، وإقامة مجلس للنواب الجزائريين المسلمين وأن يكون لهم نسبة الخمسين في المجالس الجزائرية القائمة أو التي ستتم إقامتها في المستقبل.
وجدير بالذكر هنا، أن النزعة الاستقلالية البارزة للمسلمين، لم تكن إلا رد فعل لما ظهر لدى المستوطنين الأوروبيين في الجزائر
من نزعة استقلالية، استثارت المسلمين جميعهم، ودفعت رئيس النواب الماليين للقول:(إن التجمع الجزائري يسمح لنا بالتصويت على الأسس والأنظمة والتي لا يمكن الاعتراف بها أو قولها إلا بواسطتنا ومن قبلنا).
وكان من الطبيعي، ومن المتوقع، أن تثير استقالة الأمير خالد جدلا حادا بين الأصدقاء والأعداء على السواء، كما كان من الطبيعي، ومن المتوقع أيضا، أن يتعرض الأمير خالد ذاته لضغوط بمجرد إصابته بإحباط، أو ردة فعل فقط على ما أظهره المستوطنون من نزعة استقلالية. وكان في جملة ما تعرض له الأمير خالد تلك الحملة الصحفية التي شنتها ضده الصحف التابعة للدوائر الاستعمارية.
وبالمقابل فقد تصدى آخرون للدفاع عنه، ومما قيل بهذا الشأن:(يجب ألا تنجح تلك العقول السقيمة والنفوس الخبيثة في مسعاها لترجمة الرغبة في التحرر من هيمنة فرنسا واستغلالها لخنق أصوات المسلمين الجزائريين).
وكان مما عاناه الأمير خالد هو إظهار بعض أصدقائه - وفيهم من كان شديد الحماسة - رغبتهم الواضحة في التخلي عن الصراع، واعتزال ميدان الجهاد. كما كان في جملة ما عاناه أيضا تعرض صحيفته (الأقدام) لمتاعب مالية؛ مما اضطره لإصدارها في صحيفة واحدة، بل حتى إيقافها عن الصدور من يوم 10 حزيران - يونيو -وحتى يوم 22 تموز - يوليو -. وكان أن اجتمع مؤتمر النواب المنتخبين المسلمين للبلديات، وتقدموا إلى الأمير خالد برجاء العدول عن استقالته. ورشح نفسه بعد ذلك للانتخابات الفرعية في شهر تموز - يوليو - 1921،وعادت الإدارة الإفرنسية في الجزائر لبذل جهودها لإسقاطه غير أنها فشلت في مساعيها، ونجح الأمير خالد بأكثرية ألفي صوت، وانتصر على منافسه (محيي الدين زروق) الذي كان مرشح المخابرات الإفرنسية.
أدى هذا النجاح، والذي لم يكن متوقعا تماما، إلى إعادة تنظيم صفوف حزب (الجزائر الفتاة) كما أعيد تنظيم إدارة صحيفة (الأقدام). فاختفى من إدارتها الحاج عمار وقايد حمود. وفي يوم 2 أيلول - سبتمبر - أعلن الرجلان (تنازلهما عن عملهما لمصلحة الأمير خالد) الذي أسند إدارة الصحيفة إلى أحمد بلول، وهو أستاذ مجاز في العلوم الفيزيائية. كما أدى نجاح الأمير خالد إلى مصالحة بينه وبين (بنثامي) أو بن شامي. وعندما جرت الانتخابات الفرعية في تشرين الأول - أكتوبر - 1921، أفاد (بنثامي) من دعم الأمير خالد له، ففاز في المدية بانتخاب (المستشار العام)،كما عمل الأمير خالد على دعم مرشح آخر في هذه الانتخابات (في المليانة) مما أدى إلى نجاح هذا المرشح.
عاد التفاؤل مهيمنا على مناخ حزب الجزائر الفتاة في نهاية شهر تموز - يوليو - 1921 وذلك لدى استقبال الحاكم العام الجديد للجزائر، والذي عمل فور وصوله على إعادة قانون سنة 1919 إلى مجلس الشيوخ. وعبرت مجلة (الأقدام) عن تفاؤلها هذا بقولها:(إننا على يقين من أن - الحاكم الجديد - سيسرع إلى تأمين حل مناسب لقضية إعادة حقوقنا، نظرا لعدالة قضتنا)(1)؛ وهي القضية التي تشمل، فيما تشمله: التمثيل النيابي - البرلماني - والإلحاق السياسي والإداري بفرنسا، والتي باتت اليوم تحتل أكثر من أي وقت مضى - الأفضلية الأولى على كل ما عداها من الأمور.
ولم يحاول حزب الجزائر الفتاة - في كل ذلك - إخفاء مخاوفه من إقامة نظام (المحمية الجزائرية - أو الدومينيون الجزائري) نظرا لأن إقامة مثل هذا النظام ستضع الجزائريين المسلمين تحت رحمة الاستعماريين. وقد حاول الأمير خالد من جهته طرح ذلك، على أحد الوزراء، لدى مروره بالجزائر، غير أن السلطات الجزائرية حالت بينه وبين مقابلة هذا الوزير. فانتقم الأمير خالد لنفسه بأن طرح ما يريد قوله على وفد برلماني إفرنسي كان قد وصل إلى الجزائر في أيار - مايو - 1921، لمشاهدة المعرض الذي أقيم فيها.
وفي هذا اللقاء، عارض الأمير خالد منح حقوق الإستقلال للمستوطنين الإفرنسيين وطالب بإلحاق الجزائر بالوطن الأم - فرنسا - سياسيا وأداريا - مع الاستجابة لرغبات المسلمين في الاحتفاظ
(1) الأقدام 23 أيلول - سبتمبر - 1921
.
بحالتهم الشخصية. وكان من رأيه أن تستمر فرنسا بممارسة دورها الوسيط أو الحكم بين المستوطنين - الكولون - وبين الجزائريين المسلمين. وكان يردد باستمرار: (أننا نريد أبدا البقاء تحت الوصاية الإفرنسية - فرنسا - ذلك لأنها هي وحدها القادرة على توجيه مصالح جميع العناصر من سكان الجزائر بصورة متوازنة وعادلة)(1). وتجدر الإشارة إلى ذلك السؤال الذي طرحته صحيفة جزائرية على الأمير خالد وهو: (ما هو الحال الذي ستكون عليه الجزائر في سنة 1950؟ وهل ستكون فرنسية أو عربية؟ فأجاب الأمير خالد بقوله: (سيكون هناك أجانب - أغراب - تحت قبضة الأوروبيين المسوطنين في الجزائر؟، وهو ما حدث فعلا.
قام (أحمد بلول) بتقديم مقترحات الأمير خالد - سابقة الذكر - إلى لجنة مجلس الشيوخ الإفرنسي وذلك في يوم 23 كانون الأول - ديسمبر - 1922، واستهلها بقراءة تقرير (قائد حمود) والذي تبناه نواب العرب والقبائل في مؤتمرهم يوم 31 - أيار - مايو - 1921. ثم اقترح الموافقة على منح حق الاقتراح - الانتخاب لهذا التمثيل للهيكل الانتخابي الذي تنبثق عنه مجالس المنتخبين - أو النواب المالين) - وهذا يعني منح هذا الحق إلى مائة ألف ناخب تقريبا من المسلمين الجزائريين. وقام أفراد لجنة مجلس الشيوخ بتهنئة (أحمد بلول) على تواضعه وعلى ما تميزت به مقترحاته من الواقعية. كما أن النواب الافرنسيين بصورة عامة لم يكونوا معادين أو ضد مثل هذا
(1) الأقدام 27 كانون الثاني - يناير - 1922.
التمثيل، غير أنهم لم يكونوا في الوقت ذاته على استعداد للتضحية بمستوطني الجزائر، أو التعرض لمقاومتهم العنيدة بصفتهم ممثلي الاستعمار. وهكذا تم تشكيل جامعة إفرنسية لتمثيل المواطنين المسلمين الجزائريين في مجلس النواب - البرلمان - وأسندت رئاسة هذه الجامعة إلى الفرنسي (إداوار هيريوت)؛ غير أن هذه الجامعة ولدت ميتة، ولم تمارس أي نشاط. وأثناء ذلك، حاول الأمير خالد تنظيم (جمعية الأخوة الجزائرية) في الجزائر بهدف تأمين الوسائل الضرورية للعمل من أجل دعم المطالب السياسية. غير أن دور هذه الجمعية اقتصر على جمع الاشتراكات، وتأمين الدعم المالي، ولم تتحول إلى حزاب سياسي حقيقي.
قام رئيس الجمهورية الإفرنسية (ميلراند) بزيارة للمغرب العربي - الإسلامي (الذي كان يطلق عليه الاستعماريون اسم شمال أفريقية لفصله عن العالم العربي - الإسلامي. فأفاد حزب (الجزائر الفتاة) من هذه المناسبة لإثارة انتباه فرنسا، وتركيز الأنظار على قضية مطالب الجزائريين - المسلمين
…
وحصل الأمير خالد على موافقة الحاكم العام للجزائر من أجل مقابلة رئيس الجمهورية الإفرنسية - بالرغم من معارضة رئيس الشرطة في الجزائر وتم هذا اللقاء يوم 20 نيسان - أبرل - 1922. في المكان الذي اختاره الحاكم العام للجزائر وهو (مسجد سيدي عبد الرحمن) في الجزائر العاصمة. وأراد الأمير خالد تفسير انتقال
رئيس الجمهورية (ميلراند)(1) إلى المسجد (بمثابة تعبير عن رغبة في الإعلان لسكان الجزائر، دونما تمييز بين معتقداتهم، ودونما تفريق بين عروقهم - أجناسهم - أنهم جميعا أبناء لفرنسا، وأن لهم حقوقا متساوية في أوطانهم).
وطالب الأمير خالد باسم التضحيات التي قدمها الجزائريون المسلمون في الحرب، ومن أجل التطور البطيء والثابت للمصالح والأفكار، أن يتم تطوير الحريات التي قدمتها فرنسا بسخاء وذلك حتى يأخذ الجزائريون المسلمون مكانتهم في صف العائلة الإفرنسية الكبيرة. وكان مما قاله:(لقد أتينا للاشتراك في تمثيل نيابي - برلماني - في البرلمان الإفرنسي. ونحن نستحق هذا الشرف. وسيعتبر الوطن الأم دونما ريب، أن من واجبه إقرارنا ومنحنا هذه الحقوق تلقائيا).
ولقد وصف نائب فرنسي كان يرافق رئيس الجمهورية، بأن الأمير خالد قدم مطالبه بفخر وتعال ولكن باحترام. ورد الرئيس الإفرنسي الذي ما جاء إلى الجزائر إلا من أجل دعم الإفرنسيين المستوطنين وإدخال الطمأنينة إلى نفوسهم. فقال بوضوح وصراحة: (لا ريب عندي بأنه سيأتي يوم يتم فيه زيادة الحقوق
(1) ميلراند - اتيين الكسندر - MILLERAND ETIENNE ALEXANDRE رجل سياسي إفرنسي، من مواليد باريس، (1809 - 1143) اشتراكي، عمل وزيرا للحربية (1914 - 1915) ثم أصبح رئيسا للجمهورية (1920 - 1924) ثم انسحب من ميدان العمل السياسي بسبب معارضة (كارتل اليساريين) ومقاومتهم له.
السياسية التي سبق منحها للمواطنين الجزائريين
…
وأعتقد أنه من الحذر انتظار النتائج التي سيسفر عنها قانون 1919).
الأمر الواضح هو أن هذه الإجابة السلبية لم تغلق الباب نهائيا أمام مطالب الأمير خالد، وعلق الأمير خالد على ذلك بقوله:(إن رئيس الجمهورية الإفرنسية لا تستطيع قول ما هو أكثر من ذلك، ،وإلا فإنه سيخرج على سلطاته المحدودة والضعيفة والتي حددها له الدستور الإفرنسي). أما مرافقو الرئيس الإفرنسي - مساعدوه - فكان تعليقهم على لقاء خالد برئيس الجمهورية، كالتالي:(لقد كان لقاءا مشهورا ومتسما بالعظمة ولعله أمر مثير رؤية حفيد الأمير عبد القادر وهو يتحدث من موقع الند للند، مع رئيس الجمهورية الإفرنسية).
هذا في حين أخذت دوائر المستوطنين الاستعماريين اعتبار خطاب خالد أمام رئيس الجمهورية بأنه لا يمثل (أكثر من صوت نشاز - منعزل) إلا أن خطاب قائد حمود أمام الرئيس الإفرنسي في بليدا، وكذلك خطاب محمد بن رحال في وهران، دحض مقولة أولئك الحاقدين اللذين اعتبروا أن موقف الأمير خالد هو موقف (لا يحتمل، ولا يحوز التهاون بشأنه، وأخذوا في تناقل النبأ على أنه (حدث خطير).
وقامت الدوائر الاستعمارية في الجزائر بنقل المعركة ضد الأمير خالد إلى الصحافة الإفرنسية في فرنسا. فأخذت هذه - عن عمد وتصميم - في التعليق على خطاب الأمير خالد تحت عناوين مثيرة، مثل:(الخطاب المباغت) و (الموقف غير المتوقع) و (الخطاب الذي جاء في غير وقته، وفي غير محله) و (ضربة قوة حقيقية) أو (الانقلاب
الحقيقي) و (تظاهره وطنية للجزائريين المسلمين على غرار التظاهرة التونسية). وذهبت بعض الصحف للتذكير (برحلة الأمير خالد ورفيقه انفر باشا إلى موسكو في أيلول - سبتمبر - 1920). وقامت الحكومة الإفرنسية بنشر كتيب خاص تحت عنوان (رحلة الرئيس إلى الجزائر) وتضمن في موضوع خطاب الأمير خالد، الفقرة التالية:(لم يكن من المتوقع أبدا، على ما يظهر، أن يلقي الأمير خالد مثل هذا الخطاب، لا سيما وأن عائلته تعيش مع عدونا - عمه عبد الملك).
وهكذا استطاعت الدوائر الاستعمارية في الجزائر - الكولون - تجنيد أكثر من مائتي صحيفة لتضخيم ما أطلقت عليه (أسطورة الحدث الشهير ليوم 20 نيسان - أبريل - 1922). غير أن رجلا واحدا لم يغير موقفه من الأمير خالد، وهذا الرجل هو الحاكم العام للجزائر، الذي قال في مقابلة صحافية: (لقد رفع البعض أصواتهم بالصراخ عاليا
…
أليس من الواجب رؤية الأمور من زاوية مضادة؛ والنظر إلى مطالب الأمير خالد على أنها علامة إيجابية على التعلق بفرنسا، مما يثير الإعجاب بمؤهلاته ومواقفه) (1).
لم يكن الإفرنسيون في الجزائر مستعدين على كل حال للتساهل تجاه هذه القضية التي طرحها الأمير خالد. وفي 20 أيار - مايو - 1922، أعلن النواب - المنتخبون - الماليون بأنهم لا يستطيعون الموافقة على التعديلات في تكوين المجالس الجزائرية. وهي التعديلات التي منحت، المستوطنين الأوروبيين حتى التمثيل في البرلمان
(1) صحيفة (برق تولون) 30 نيسان - إبريل - 1922 DEPECHE DE TOULOUSE.
- مجلس النواب - الإفرنسي، مع زيادة عدد ممثليهم، مستشاريهم -.
وعارض رئيس مجلس النواب - المنتخبين - تسجيل هذا الطلب الذي تقدم به النواب المسلمون في إعلانهم. وعندئذ غادر النواب المسلمون قاعة الاجتماع احتجاجا على موقف رئيس المجلس. وأخذ حزب (الجزائر الفتاة) بالمطالبة بتحقيق المساواة مع الأوروبيين في مجال التمثيل النيابي (أي 6 ممثلين لمجلس النواب و3 ممثلين لمجلس الشيوخ). وذهبت صحيفة إفرنسية - مذهب السخرية من ذلك - فقالت: (يمكن تأجيل منح الحقوق السياسية - للمسلمين الجزائريين - حتى وقت متأخر - وإلى سنة 2325 م. تقريبا).
انتقل الصراع إلى مجلس النواب الإفرنسي، حيث تقدم نائبان فرنسيان بمشروع قانون لتأجيل تطبيق نظام (المواطنين المسلمين). ويقترح مشروع القانون هذا منح حتى التمثيل النيابي - البرلماني - لخمسة ملايين من المسلمين)،وذلك بمعدل نائب واحد لكل مقاطعة من مقاطعات الجزائر الثلاث، وممثل واحد عن الجزائر كلها لمجلس الشيوخ. ودافع أحد النائبين اللذين قدما هذا المشروع - وهو السيد موتيه - عن مشروعه أمام لجنة شؤون المسلمين بقوله: (يجب الاهتمام بالمسلمين الجزائريين، وتأهيلهم للحياة السياسية الإفرنسية
…
ويجب إفساح المجال أمام المسلمين الجزائريين حتى يستديروا بوجوههم نحو فرنسا ومعاملتها كحكم - أو وسيط - عادل
…
ولقد أزفت الساعة لإظهار أنفسنا بصفتنا متحررين جدا - ليبراليين -
…
ويجب عدم الانتظار حتى تقوم الحركة التي ترتسم على صفحة الجزائر بانتزاع هذا الإصلاح، وتحقيقه بالقوة
…
ولعله من
الأفضل إجراء هذا الإصلاح في الوقت المناسب (1).
جاء رد النواب الجزائريين المسلمين على هذا المشروع في رسالة إجماعية تتلخص بأن شروع القانون ليس أكثر من (هيمنة إفرنسية). في حين دافع أصحاب المشروع عن مشروعهم فوصفوه بأنه (فأل حسن). وعندئذ استخدم النواب الجزائريون الإفرنسيون حججا أخرى تتلخص بأن: مطالب المنتخبين الجزائريين هي مطالب تتناقض مع مبادىء الحقوق الإفرنسية، وأنها تعيق عملية الدمج؛ وهي بنتيجة ذلك ظاهرة تعبر عن الوطنية الإسلامية.
وهذا ما عبر عنه نائب - وهران - الإفرنسي بقوله: (يشعر الجزائريون شعورا غامضا - ضبابيا - عن تخمر الوطنية الإسلامية في نفوسهم، وهم يتعاطفون بقلوبهم مع الأتراك. ويريدون التعبير عن تطلعاتهم هذه بمجموعة من التظاهرات، ويعتقدون أن باستطاعتهم الوصول إلى أهدافهم الجديدة عن طريق طرح قضية التمثيل النيابي - البرلماني).
ورافق ذلك الجدل، توجيه الاتهامات وإثارة الشكوك حول شخص الأمير خالد. وفي يوم 5 تموز - يوليو - 1922، وقف أحد النواب في مجلس النواب ليوجه اتهامه للأمير خالد بأنه ومحرض الثورة) و (قاتل الجزائر)، في حين وقف نائب آخر ليثير قضية (علاقة الأمير خالد بعمه الخائن لفرنسا - عبد الملك. وكان الإفرنسيون على
(1) جلسة مجلس النواب الإفرنسي يوم 9 تشرين الثاني - نوفمبر - 1922.
حق - من وجهة نظرهم طبعا - بتوجيه كل أحقادهم ضد الأمير خالد وحزبه (الجزائر الفتاة) الذي تبنى في هذه الفترة الحكمة التالية شعارا لعمله: (لا أحد يدافع عمن لا تمثيل له في مجلس النواب -البرلمان).
4 -
الصفحات الأخيرة في جهاد الأمير خالد
(1923 - 1936)
بينما كان النواب الجزائريون في صراع مع مجلس النواب الإفرنسي لإسقاط القانون الذي يمنح النواب المسلمين تمثيلا في البرلمان الإفرنسي، كان الحاكم العام للجزائر يكتب رسالة إلى وزير الداخلية يؤكد فيها وجهة نظره:(وهي أن الإصلاحات التي تم إدخالها منذ سنة 1919 هي إصلاحات كافية ختى تلك الفترة).
وأثناء ذلك كانت الإدارة الاستعمارية في الجزائر تهاجم بعنف ما أسمته: (الحفنة الصغيرة من أنصاف المتعلمين الذين يتلقون أوامرهم وتعليماتهم من الأمير خالد (. هذا في حين عمبت هذه الإدارة على تكوين أربع دواثر انتخابية جديدة في أيلول - سبتمبر - 1922 وذلك بطريقة تسمح بتعديل نتائج الانتخابات القادمة للمستشارين العامين بحيث يكون نصف عددهم من المسلمين، وقد تم اقتطاع هذه الدوائر الانتخابية بما يضمن عزلها عن نفوذ دوائر (الجزائر الفتاة).
وعندما جرت الانتخابات في العاصمة الجزائر، نجحت الإدارة الإفرنسية في إسقاط ثلاثة من مرشحي حزب (الجزائر الفتاة) وذلك على الرغم من فوز الأمير خالد في هذه الانتخابات. وكانت نتائج هذه الانتخابات تمثل انتصارا لرئيس الشرطة الذي تمكن من إسقاط كل أصدقاء الأمير خالد وإخوانه. وشعر الأمير خالد بخيبة أمل مريرة لهذا الفشل غير المتوقع عبر عنها بقوله:(إننا ضحايا قضية عادلة. وتشاركنا كتلة الجماهير كلها طريقتنا في معالجتنا للأمور. وإنهم قليلون أولئك الذين يمتلكون الشجاعة للتعبير عن آرائهم).
اتسع أفق الصراع فور ظهور نتائج الانتخابات بين الأمير خالد وأعدائه. فمنذ شهر أيلول - سبتمبر - 1922، أخذت الصحافة التابعة للدوائر الاستعمارية - الكولون - في فرنسا ذاتها بالترويج بالفكرة:(إن مطالب الأمير خالد لا تقف عند حدود التمثيل النيابي - البرلمان - وإنما تتجاوزها للمطالبة بتوسيع نطاق التعليم للأدب العربي. وأنه يحاول جمع الأموال لإقامة مدرسة كبرى، يتم فيها تعليم اللغة العربية بصورة حرة).
وفي 20 كانون الأول - ديسمبر - 1922، وقف نائب في مجلس النواب الإفرنسي ليناقش قضية التعويضات التي تدفعها فرقا لأحفاد الأمير عبد القادر بقوله:(يجب عدم مساعدة أولئك الذين لا يعملون على مساعدتنا)(1). واستنكر من جديد تلك الحملة من
(1) يذكر أن مجموع ما كانت تخصصه فرنسا لورثة الأمير عبد القادر هو (60) ألف فرنك تقريبا - من موازنة الخارجية الإفرنسية، وكان نصيب الأمير خالد يمثل أكبر حصة فيها - حيث خصص له مبلغ (7500) فرنك في سنة 1923.
الاضطرابات التي يقودها الأمير خالد، والتي تتخمر فيها الثورة ضد فرنسا. واتهم الأمير خالد:(بأنه يثير الحرب الأهلية ويحرض على انفصال الجزائر عن فرنسا).
وأورد هذا النائب (مورينو) ما كان قد كتبه الأمير خالد في صحيفته محذرا الأوروبيين بقوله: (إنكم تدفعون بالجزائريين المسلمين إلى مهاوي اليأس، وتثيرون فيهم مشاعر الغضب، عندما تبرهنون بأنهم لن يحققوا شيئا من المكاسب عن طريقكم، وعندئذ
لا يحدون أمامهم سوى اللجوء إلى السلاح، وهم لا يخافون أن يخسروا شيئا بعد كل ما فقدوه منذ وقت طويل بفضل أعمالكم، وهم عندها لن يقولوا لكم أبدا:(افسحوا لنا المجال بقربكم) وإنما سيقولون لكم: لماذا أتيتم، وماذا تفعلون هنا؟ عودوا إلى بلادكم).
ثم تابع - النائب مورينو - هجومه على الأمير خالد، مشيرا إلى تلك النداءات التي كان يوجهها الأمير إلى مواطنيه المسلمين وإلى الكتلة الوطنية. وعاد من جديد إلى ما كان يتقاضاه الأمير خالد من تعويضات، طالبا إيقافها ومنعها عن (هذه الأفعى التي تنفث سمها في صدر من يقدم لها الغذاء). ونهض نائب فرنسي آخر - عن الجزائر - (وكان قد أحيل من قبل إلى القضاء بتهمة التحريض على العصيان العسكري وإثارة حركة عصيان) فوجه حديثه إلى رئيس مجلس النواب:(مطالبا بإعادة النظر في اضبارة - ليوتي - وما تتضمنه من إدانة للأمير خالد وما قام به من تحريض ثوري في المغرب). ثم حصل على موافقة مجلس النواب بتمديد (قانون أو نظام التعامل مع
المواطنين المسلمين) لمدة خمسة أعوام، بعد أن كان من المقرر تطبيقه لمدة سنتين فقط.
وتبع هذه الهدية التي قدمتها فرنسا إلى الأمير خالد مع قدوم عيد الميلاد - نويل - أن وقف بعض أصدقاء الأمير خالد، ووجهوا إليه التقريع واللوم باعتباره المسؤول عن الاقتراع الذي أدى إلى تمديد (نظام التعامل مع المواطنين المسلمين). ودافع الأمير عن نفسه، غير أن هذا الدفاع لم يخفف من العبء الثقيل الذي بات يرزح على صدره، وهو العبء الذي زاد من ثقله استمرار الصحافة في حملتها الشرسة ضده.
وكان من أبرز ظواهر الحملة الجديدة، تخصيص زوايا اعتبارا من بداية كانون الثاني - يناير - 1923 ،يتم فيها نشر مقولات زعماء المسلمين والشخصيات البارزة من أتباع فرنسا - والتي تتركز ضد:(المحرض خالد عدو فرنسا وعدو مواطنيه المسلمين). وظهر بوضوح أن هذه الحملة ليست إلا تمهيدا للانتخابات القادمة من أجل تجديد انتخاب المندوبين أو النواب الماليين.
أما صحافة الدوائر الاستعمارية - في فرنسا والجزائر - فقد ركزت هجومها في شهري شباط - وآذار (فبراير ومارس 1933) على مقولة (اتهام الأمير خالد بالعمالة لموسكو). وكان مما قيل بهذا الشأن: (هذا الأمير الذي تموله فرنسا ليقود بالتعاون مع البولشفيك في موسكو حملة هدفها إشعال نار الثورة وذبح الإفرنسيين). وكذلك: (هذا السيد العظيم المسلم الذي يسير وهو يضع يدا بيد مع الحزب الشيوعي في الجزائر، ويلتقط اليهود في البلد، ويجمع الناقمين من الموظفين
ويحشدهم جميعا في حزب وطني جزائري، للعمل ضد فرنسا).
وقالت إحدى صحف الدوائر الاستعمارية: (لقد ذهب الأمير خالد إلى موسكو لتلقي التوجيهات والتعليمات، ثم عاد إلى عنابة -بونة - للدفاع عن حزبه - الجزائر الفتاة - ودحض حملة الافتراءات الموجهة إليه شخصيا. ونجح في ذلك نجاحا كبيرا. كما استطاع توجيه حملته لإثارة الاضطرابات ضذ الإفرنسيين. وقد عملت الإدارة الإفرنسية منذ زمن بعيد على إعاقته حتى لا يتحرك على هواه).
وأثناء ذلك أقام ابن النائب - مورينو - دعوى على الأمير خالد بتهمة (القدح والذم) ضده وذلك لأن ابن هذا النائب (قارن خدمة النقيب المتقاعد خالد في الجبهة بنزهة من نزهاته التي يتسكع فيها (بالشوارع) وكان أن حكمت المحكمة على الأمير خالد بدفع غرامة ألف فرنك كتعويض وخمسة آلاف فرنك - عطل وضرر
…
وأثناء ذلك أيضا، كان الأمير خالد هو المرشح عن الدائرة الانتخابية الأولى للجزائر العاصمة - منذ يوم 23 آذار - مارس - 1923، غير أنه امتنع عن دخول المنافسة الانتخابية.
وفي يوم 6 نيسان - أبريل - أعلنت صحيفة (الأقدام)(بأن الأمير خالد يتنازل عن حقه في الانتخاب لمصلحة منافسه عبد النور تامزالي). وامتنع عن الظهور في المحافل العامة. وكان قد كتب يوم 16 آذار - مارس - ما يلي: (فليشهد الله بأني لست من أولئك الباحثين عن شرف الوصاية، لقد اقتحمت مجال العمل السياسي، وخضت الصراع في مجالس النواب - المنتخبين - للدفاع بكل ما
وهبني الله من القوة، وبكل ما في قلبي من الحب لحماية مصالح إخواني المسلمين ورفع الضرر عنهم).
أثار انسحاب الأمير خالد من المعركة الانتخابية جوا من الشك، فمضى المواطنون بين مصدق ومكذب، غير أن الأمير خالد قطع الشك باليقين في رسالته التي وجهها إلى الصحافة يوم 11 نيسان - أبريل - 1923 وجاء فيها:(لقد أتعبتني خدمتي العسكرية الطويلة، فأحلت على التقاعد بحالة عجز صحي كامل - مائة بالمائة - وأرغب في أخذ استراحة باتت ضرورية، أو حتمية، لصحتي المتدهورة. وانسحب من مجال العمل السياسي، متنازلا عن كل المناصب التي تم انتخابي لها - في النيابة المالية، والمستشارية العامة، والبلدية). فهل كانت استقالة الأمير خالد حقا بسبب سوء حالته الصحية؟ للرد على هذا السؤال، يمكن العودة لما كان قد كتبه يوم 26 - آذار - مارس - ذلك الخصم العنيد للأمير خالد - الجنرال ليوتي - وجاء فيه: (لقد أصابني ما يشبه الدوار خلال إقامتي في الجزائر، وأثناء أحاديثي مع أصدقائي القدامى من الجزائريين بشأن التطورات الطارئة
…
إنني لم أعرف من قبل مثل هذا الشعور العميق بالمرارة، والإحباط، والحقد. إنها سياسة إجرامية حقا).
والجنرال ليوتي، لا يحاول معرفة أساب هذه المشاعر - التي لم يعرفها من قبل على حد زعمه - وكل ما أمكن له معرفته هو تدهور الوضع في الجزائر إلى مرحلة خطيرة. وعلاج هذه الحالة من وجهة نظر الاستعماريين معروف ويتلخص بالقمع ولا شيء غير القمع. ونظرا لما يتطلبه مثل هذا القمع من أضحيات، فلماذا لا يكون
الأمير خالد وحزبه - الجزائر الفتاة - ضحية جديدة في حملة ضحايا الاستعمار؟ وفي الواقع، فإن الإدارة الاستعمارية الإفرنسية في الجزائر حققت نجاحا كبيرا في تنفيذ مخططاتها خلال هذه المرحلة. وأمكن لها في انتخابات 15 نيسان - أبريل - 1923 إسقاط كل مرشحي حزب الجزائر الفتاة، وجاءت بعد ذلك لاستثمار هذا النجاح وترجمته رسميا على أنه ارتداد المواطنين الجزائريين المسلمين عن سياسة الأمير خالد، واتجاههم لتأييد الشخصيات المعروفة بولائها - عمالتها - لفرنسا.
وقد جاء في تقرير الموقف السياسي والإداري عن مسلمي الجزائر - يوم الأول من أيار - مايو - 1923 ما يلي: (تمت ترجمة انسحاب الأمير خالد من الانتخابات - في كل مكان - بأنه شارة تدل على الرغبة في التهدئة والاتفاق والمصالحة، على نحو ما يحدث في المعارك الانتخابية. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن عزوف الناخبين عن الانتخابات، وتجنب حدوث أي صدام، قد طبع هذه الانتخابات بطابع الإدانة، فلم يظهر إلا كل معتدل حذر أو من الموالين للسلطة وأتباعها).
لقد أدى انسحاب الأمير خالد من المعركة الإنتخابية إلى زوال ما يمكن أن يطلق عليه اسم (معركة انتخابية) فاقتصرت بيانات مرشحي القوى المتوازنة والمتعاكسة على تبادل التهاني، وحتى أصدقاء خالد لم يضمنوا بياناتهم شيئا أكثر من عرض قضية التمثيل النيابي - البرلماني - وأكثر من قضية مدة الخدمة العسكرية؛ وامتدح واقعية القوانين الشرعية للناخبين الذين يعرفون من يفضلون من مرشحي النظام والمصالحة.
غير أن هناك على كل حال رغبة - تمثل احتجاجا - رفعها المجلس البلدي لمدينة (سطيف) في أيار - مايو - 1923 ونقلت إلى حكومة باريس. وهي توضح تماما ما كانت عليه هذه الانتخابات. وقد جاء في هذا الاحتجاج ما يلي: (يطلب مستشارو البلدية الأوروبيون، ألا تكون الانتخابات القادمة للمسلمين خاضعة لأي نوع من أنواع الضغوط أو الإرهاب، وأن تترك لهم حرية انتخاب المرشحين الذين يرغبون في انتخابهم).
وقف الحاكم العام للجزائر أمام نواب المالية المنتخبين، واكتفى بالقول:(كان الفشل من نصيب أولئك المحرضين الذين يكثرون من شقشقة اللسان). ذلك لأنه كان يعتبر من وجهة نظره بأن مطالب حزب (الجزائر الفتاة) لا تستجيب للتطلعات العميقة، غير أنها تمهد الطريق للاقتراحات النظرية التي كان يطرحها الأمير خالد ورفاقه. وهي اقتراحات في غير وقتها - هذا مع إزالة الشكوك المحيطة بها - ذلك لأن الحاكم العام لم يكن ليأخذ بهذه الشكوك القائلة بوجود مؤامرة وطنية مضادة لفرنسا.
حققت الإدارة الإفرنسية في الجزائر، المرحلة الأولى من مخططها، فقد أمكن لها إرغام الأمير خالد على الانسحاب من مجال العمل السياسي، وألحقت الهزيمة بحزبه في الانتخابات. وجاءت المرحلة الثانية لإبعاده عن الجزائر. ولم تكن هذه الإدارة في حاجة لاستصدار مرسوم بالإبعاد أو افتعال أزمة تزيد - أو تعيد للزعيم المهزوم قوته، وتمنحه مزيدا من الرصيد المعنوي. لا سيما وأن العمل الرسمي ضد الأمير خالد كان سيصطدم حتما بعقبات كؤود وليس أقلها كون الأمير
خالد (ضابطا سابقا في الجيش الإفرنسي) علاوة على كونه (نائبا منتخبا) حتى بعد استقالته.
وعلى هذا فقد كانت الضغوط غير المباشرة أفضل وسيلة تمتلكها الإدارة الإفرنسية للوصول إلى أهدافها في محاربة الأمير خالد، لاسيما بعد أن حققت وسائل الضغط هذه نجاحا كبيرا في المرحلة السابقة، ولم يعد من الغريب أن تظهر عملية إبعاد الأمير خالد - أو نفيه - على أنها مجرد رغبة شخصية. وقد عبر الأمير خالد عن رغبته هذه في رسالته التي حررها في (عين البيضاء) يوم 11 نيسان - أبريل - وأعلن فيها استقالته، كما أعلن رغبته بالتوجه إلى سوريا.
غير أنه أرجأ الحسم في قرار الإبعاد الاختياري حتى نهاية شهر تموز - يوليو - 1923، حيث أعلن (الشيخ عبد العزيز الثعالبي) أيضا رغبته في مغادرة تونس والتوجه إلى الشرق بعد هزيمته (1). وقد كتب الأمير خالد إلى أصدقائه رسالة في 30 تموز - يوليو - 1923 جاء فيها:(لم يعد بمقدورنا إطلاقا العيش في الجزائر حيث أصبحت الحياة فيها - بالنسبة لي - أمرا لا يطاق ولا يحتمل، ولم يعد أمامي إلا الانسحاب إلى بلد يتوافر فيه قدر أكبر من الإنسانية).
(1) يظهر أن سياسة الإبعاد عن البلاد والتي كانت تستعمرها فرنسا. قد تشابهت في طرائقها وأساليبها فقد ادعى الشيخ الثعالبي - أنه يغادر البلاد لأسباب صحية. وأثارت قضية إبعاده تعليقات متناقضة غير أن الأمر الثابت هو أن الشيخ الثعالبي قد تعرض لضغوط وظروف مشابهة لتلك التي عاناها الأمير خالد، ومنها نجاح السلطات الإفرنسية الاستعمارية في تفتيت حزبه، وإثارة الخلافات مع أقرب أنصاره، وعلى كل حال، فقد تكشفت كل منه الأساليب بعودة الشيخ الثعالبي من منفاه إلى تونس في شهر تموز - يوليو - سنة 1937. واستقباله فيها استقبال الأبطال المنتصرين.
كانت سياسة (السوط والجزرة - أو الترغيب والترهيب) هي إحدى السياسات المعروفة للاستعمار، وقد طبقت فرنسا هذه السياسة على (الأمير عبد القادر - وورثته). وقد تحدث الشيخ ابن باديس الذي كان يعتبر الأمير خالد زعيما عظيما، بأن موضوع مغادرة الأمير خالد للجزائر قد طرح على المناقشة. وأن فرنسا قد أخذت على عاتقها وفاء ديونه التي بلغت (85) ألف فرنك. كما التزمت بدفع نفقات سفره، وأبقت له تعويضاته السنوية (1).
وصل الأمير خالد إلى مصر، وشرع على الفور بالعمل لتسوية قضية (الخلافة الإسلامية) ووجه نداءا طالب فيه بعقد مؤتمر إسلامي في كابول. باعتبار أن أفغانستان هي البلد الإسلامي الوحيد الذي لم يخضع للاستعمار. ومن النعروف أن (كمال أتاتورك) قد أزال منصب الخلافة الإسلامية في 3 آذار - مارس - 1924، مما أثار نقمة عارمة في كل أنحاء الوطن الإسلامي، وبصورة خاصة في المشرق الإسلامي. وفي الأول من نيسان - أبريل - 1924 نشرت صحيفة الأهرام (القاهرية) نداءا وجهه الأمير سعيد حفيد الأمير عبد القادر، طالب فيه عقد مؤتمر إسلامي عالمي، وكان الأمير سعيد هو رئيس الرابطة الإسلامية لبلاد المشرق الإسلامي. فكان من الطبيعي، ومن المتوقع، أن ينضم الأمير خالد إلى الأمير سعيد، ليعملا معا لدعم قضية العالم الإسلامي.
حدثت بعد ذلك تطورات على الساحة الإفرنسية دفعت بالأمير خالد للتفكير في استئناف نشاطه السياسي. فقد جاءت نتائج
(1) جريدة الشهاب - شباط - فبراير - 1936.
انتخابات أيار - مايو - 1924، لتحمل تحالف اليسار (الكارتل اليساري) إلى سدة الحكم، فاستقال رئيس الجمهورية (ميلراند) وتولى (هيريوت)(1) تشكيل الحكومة. وهو الرجل الذي كان معروفا بتعاطفه الشديد مع حزب (الجزائر الفتاة). واشتهر بتشجيعه لهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان من مقولاته المشهورة، (لنشجع أولئك الفتيان المغمورين في الجزائر، والذين أخد الوطن الإفرنسي في استقبالهم واحتضانهم، كأبنائه الآخرين، منذ أن سقط إخوانهم قتلى إلى جانب أبنائنا - في ميادين القتال).
وعندما أعلن (هيريوت) بيانه الوزاري، ضمنه تأكيده:(بأننا سنأخذ بعين الاعتبار مصالح مستعمراتنا. وذلك عن طريق تعميم ثمار حضارتنا على أبناء المستعمرات والذين لا تعتبرهم فرنسا موضوعا من موضوعاتها وإنما أبناء لها). ومع استلام الرئيس (هيريوت) لمسؤولياته، ترأس (الجامعة الإفرنسية، لتمثيل المواطنين المسلمين الجزائريين في المجلس النيابي الإفرنسي. وأدى ذلك إلى بعث التفاؤل في نفس الأمير خالد الذي أرسل في ذات اليوم الذي تشكلت فيه الوزارة الإفرنسية الجديدة - وهو يوم 14 حزيران - يونيو -برقية عاطفية ومثيرة جاء فيها:
(إننا نرى في تسلمكم السلطة، بشائر عصر سعيد، ومقدمة
(1) هيريوت - إدوار (HERRIOT EDOUARD) كاتب إفرنسي ورجل سياسي، من مواليد تروي، TROYES سنة 1872 وهو أحد رؤساء الحزب الراديكالي - الاشتراكي. شغل منصب رئيس مجلس الوزراء في مرات عديدة، كما عمل رئيسا لمجلس النواب (1936 - 1940) ثم رئيسا للجمعية الوطنية سنة 1947 وسنة 1951.
عهد جديد، يتم فيه إدخال المواطنين الجزائريين المسلمين في طريق التحرر، وإزالة القوانين والتدابير الاستثنائية وإجراء تمثيل في المجلس النيابي الإفرنسي - البرلمان - وإصدار عفو سياسي عام، وتأمين حرية التعليم، وتحقيق المساواة في الأعباء العسكرية. وأملنا كبير بنفسكم الحرة الليبرالية) التوقيع - الأمير خالد - في المنفى-.
لقد كان تذييل البرقية الموجهة للرئيس الإفرنسي بصفة (المنفى) هو تأكيد ثابت بأن مغادرة الأمير خالد لوطنه الجزائر، لم تكن مغادرة طوعية، وهو ما أكده الأمير خالد أيضا بعد ذلك في تصريحاته أثناء جولة له في فرنسا بقوله:(أنه أبعد عن وطنه لأنه دافع عن المصالح الحيوية لمواطنيه المسلمين الجزائريين). وأخذ في الاستعداد أو للسفر إلى فرنسا، غير أنه كان لا بد له قبل سفره من الاشتراك في استقبال الزعيم المصري الكبير سعد زغلول باشا في الإسكندرية، وذلك لدى عودته من منفاه للمرة الثانية ظافرا باعتراف حكومة العمال البريطانية بزعامته للحركة الوطنية المصرية.
ولقد كان لتواقت الأحداث في عودة الزعيم المصري من منفاه وفوز تحالف اليسار الإفرنسي دورهما الثابت في حفز الأمير خالد لمتابعة الجهاد والتوجه إلى فرنسا حيث وصل إليها في بداية شهر تموز - يوليو - وفي نفسه أمل كبير بأن يتمكن من الدفاع عن قضية إخوانه المسلمين في الجزائر.
استقبل الحزب الشيوعي الأمير خالد بمجرد وصوله إلى باريس، في محاولة منه لاحتضانه والمتجرة باسمه. ونشرت صحيفة (أومانيتيه)(1)
(1) أومانيتيه (L'HUMANITE) 3 تموز - يوليو - 1924.
صورته مع صورة عن رسالة (المنفي الأمير خالد) إلى الرئيس هيريوت. وأعد الحزب الشيوعي في برنامجه تكليف الأمير خالد بإلقاء محاضرتين حدد موعدهما في يومي 12 و19 تموز - يوليو - حضرهما حشد كبير من أبناء المغرب العربي - الإسلامي بالإضافة إلى عدد من أبناء المستعمرات الأخرى ممن يعملون أو يقيمون في العاصمة الإفرنسية. وقدم عريف الحفل الأمير خالد إلى جمهور الحضور بالعبارة التالية: (القائد الذي أرهب الاستعمار وأدانه بأكثر مما فعله أحد سواه).
وقد استقبل أبناء المغرب المسلمين الأمير خالد بنداء: (عاشت أفريقيا الشمالية حرة مستقلة) غير أن الصحافة الشيوعية تجنبت الإثارة من قريب أو بعيد إلى نداء أبناء المغرب المسلمين الذين كانوا يرددون الهتاف دونما توقف.
وفي المحاضرة التي ألقاها الأمير خالد يوم 12 تموز - يوليو - نهض النائب الشيوعي الإفرنسي - أندريه برثون - والذي تولى من قبل الدفاع عن الشيخ الثعالبي - فوعد الحضور: (بأن تعمل الشيوعية الدولية على تحرير مسلمي الجزائر) ثم ختم مقولته بنداء وجهه الأمير علي بن الأمير عبد القادر (والذي كان عضو الهيئة المركزية للحزب الشيوعي) إلى حضور المحاضرة.
وظهر واضحا أن الأمير خالد لم يخضع لهيمنة الحزب الشيوعي، على الرغم من كل المحاولات، وهذا ما أشار إليه تقرير الهيئة المركزية - فرع أفريقيا الإفرنسية - غير أنه أيد الإتحاد بين أبناء المستعمرات ودافع بصورة موضوعية عن قضية (التبعية لحزب
سياسي) مشيرا بذلك إلى ما كانت قد نشرته صحيفة (الأقدام)(1) حيث رد الأمير خالد على صحيفة (العمل الإفرنسي) بالجملة التالية: (من المحال علينا التبعية لحزب أوروبي - لم نشكله نحن نظرا لما عليه حالنا البائسة ونحن خاضعون للقوانين الاستثنائية).
واكتفى الأمير خالد بتوجيه الشكر إلى ممثل الأحزاب الاشتراكية والشيوعية (الذين يدافعون عن المسلمين). وأثار بصفته ممثلا وحيدا لفكر المسلمين الجزائريين إلى التكتل الاتحادي (تريدينيون) والذي كان يوجهه صديقه - فيكتور سبيلمان - الذي وصفه أمير البيان شكيب أرسلان (بأنه الملاك الحارس للشعب الجزائري)(2).
غير أن ذلك لم يمنع الحزب الشيوعي من استثمار هذا التجمع لتشكيل حزب (نجمة شمال أفريقيا) وهو الحزب الذي تبنى هدف (المطالبة باستقلال أقطار الشمال الأفريقي الثلاثة - تونس والجزائر والمغرب - استقلالا كاملا، وسحب جيوش الاحتلال الإفرنسية من هذه الأقطار). وأصدر هذا الحزب صحيفة ناطقة باسمه، اختار لها اسم المجلة الأسبوعية التي كان يصدرها ويحررها الأمير خالد وهي (مجلة الأقدام) وأضيف لها اسم الأمير خالد بصفة (مدير شرف).
تميزت محاضرات الأمير خالد بالموضوعية، وبوفرة المعلومات قدر تميزها بقوة العاطفة والحماسة، وقد نشرت هذه المحاضرات تحت
(1) الأقدام 30 آذار مارس - 1923.
(2)
الأمة العربية (LA NATION ARABE) كانون الثاني (يناير) نيسان (أبريل)1937.
عنوان (موقف المسلمين في الجزائر - محاضرات ألقيت في باريس بحضور أكثر من (12) ألف مستمع) وذكر أن عدد العمال الجزائريين في مقاطعة السين أكثر من (15،450) عاملا (1). وركز الأمير خالد في محاضراته على ما تضمنته رسالته إلى الرئيس الإفرنسي من مطالب، وأبرزها:
1 -
التمثيل النيابي البرلماني - للمسلمين بما يتعادل مع تمثيل الأوروبيين المستوطنين في الجزائر (أي 6 منتخبين لمجلس النواب و3
منتخبين لمجلس الشيوخ مع تجاوز التفاوت الكبير في العدد، حيث كان عدد المسلمين في الجزائر يتجاوز الخمسة ملايين).
2 -
إزالة النظام المفروض على المواطنين المسلمين - أنديجين.
3 -
المساواة في أداء الخدمة العسكرية بين الجزائريين والإفرنسيين.
4 -
إفساح المجال أمام الجزائريين للترفيع في المناصب المدنية والرتب العسكرية حتى أرفع المناصب والرتب.
5 -
ضمان حرية الصحافة وحرية التعليم.
6 -
ترك حرية التعليم الديني وفصله عن تدخل الكنيسة والدولة.
7 -
تطبيق القوانين الاجتماعية - الضمانات - الممنوحة للإفرنسيين على المواطنين الجزائريين.
(1) تقرير مدير شرطة باريس 11 تشرين الأول - أكتوبر - 1923. أما (التقرير عن موقف المسلمين في الجزائر، فقد نشرته مؤسسة الاتحاد (تريدينيون) ثم الجزائر - 1924.
8 -
منح العمال الجزائريين حرية العمل في فرنسا بصورة تامة.
لقد اصطدمت هذه المتطلبات بمقاومات مختلفة، ففي مجال عمل الجزائريين في فرنسا، صرح رئيس اتحاد عمداء الجزائر - الإفرنسيين آبو - (بضرورة تقييد خروج اليد العاملة الجزائرية من الجزائر. وقال: بأن هذه اليد العاملة ضعيفة غير أنها مفيدة في كل الأحوال للعمل في الجزائر وفي الجزائر وحدها) (1). وكذلك فعلت كافة الصحف التابعة للدوائر الاستعمارية. أما صحيفة الشيوعيين - أومانيتيه - فقد عالجت الموضوع بأسلوب ساخر، وذكرت:(أنها مع إقرارها لهذه الحقوق الأساسية إلا أن البورجوازيين يهدفون من خلالها غزو الديموقراطية بأجمل الوسائل وأمضى الأسلحة).
على كل حال، وبالرغم من خلو محاضرات الأمير خالد من المطالب الجديدة، فإن ما طرحه أصبح فيما بعد هو الأساس الذي تبناه الوطنيون الجزائريون في برامجهم الحزبية. وبصورة خاصة ما أعلنه الأمير خالد - بلسانه - للمرة الأولى، وعلى رؤوس الأشهاد، عن وضع الجزائر قبل الاستعمار الإفرنسي من تطور علمي ورفاه اقتصادي (حيث كانت أموال الأوقاف - الحبوس - وحدها تتجاوز مئات ملايين الفرنكات الإفرنسية، وأن قسما من هذه الأموال كان مخصصا لتعليم أكثر من 300 ألف طفل في مدارس تعليم القرآن الكريم). وقارن ذلك بما أصبح عليه حال الجزائر من فقر وبؤس متعاظمين نتيجة النهب الاستعماري.
(1) صحيفة الكومونات (JOURNAL DES COMMUNES) 1 - كانون الأول - ديسمبر - 1923.
تصدى الليبراليون واليساريون للعمل على مستوى المخطط السياسي الإفرنسي، فأدانوا تفاهم الأمير خالد مع الشيوعيين واعتبروا ذلك - ذنبا لا يمكن الصفح عنه-. وعمل مدير (مجلة المواطنين الجزائريين - بورداري)(1) على اتخاذ قرار بقطع علاقاته مع الأمير خالد (الذي فضل - بزعم مدير المجلة - الاستسلام للإرهابيين المغامرين الشيوعيين).
أما الرئيس الإفرنسي الإشتراكي - هيريوت - فقد صرح فيما بعد - وبمناسبة الحديث عن تونس:
(بأنه يعارض هذا التحالف الوحشي الغريب بين الشيوعية والوطنية) وكان هذا الرأي هو المهيمن بصورة عامة على وسط اليسار الإفرنسي. أما اليمين الإفرنسي فقد عاد لتبني اتهامات فرنسيي الجزائر للأمير خالد (المجند في خدمة البولشفيك). بالإضافة إلى افتراءات كثيرة - منها إقدام الأمير على تنظيم العمال المسلمين في فرنسا
…
انعكست هذه الحملة الجائرة التي اشترك فيها اليمين واليسار بصورة قوية على الصفحة النفسية للأمير خالد، وأشعرته باليأس. فطلب من جديد إلى صحيفة - أومانيتيه - نشر رسالة له تضمنت ما يلي: (ما أن يرفع مواطن مسلم صوته عاليا في الجزائر للاحتجاج ضدها ينزل به من الظلم حتى يتهمونه بأنه محرض على التخريب وأنه عامل ضد فرنسا
…
وليست محاولات تغطية احتجاجاتي ضد
(1) مجلة المواطنين الجزائريين: (LA REVUE INDIGENE DIRECTEUR BOURDARIE).
نوعية الوصاية المفروضة على المواطنين المسلمين في الجزائر إلا كمن يحاول اعتراض ضياء الشمس بالمظلة).
كانت هذه الرسالة البليغة والاحتجاجية آخر محاولة علنية بذلها الأمير خالد لطرح قضية وطنه. وعرف من ردود الفعل الإفرنسية أن إقامته في باريس لم تعد موضع رضى السلطات فيها. كما شعر بأن جهده مع (كارتل اليسار) قد وصل إلى منتهاه. فغادر فرنسا، ووصل إلى الإسكندرية - في مصر - مع بداية فصل الخريف لسنة 1924، ولم يتمكن من تحقيق رغبته في التوجه إلى دمشق، نظرا لمنع السلطات الإفرنسية له من اقتحام مناطق نفوذها.
وفي الإسكندرية حاول الأمير خالد الهرب من رقابة القنصل الإفرنسي، واستخدم جواز سفر وأوراق ثبوتية زائفة لمغادرة مصر. غير أن أمره اكتشف فأحيل إلى محكمة قنصلية في الإسكندرية، واعتقل، وأصدرت المحكمة حكمها عليها في شهر آب - أغسطس - سنة 1925 بالسجن لمدة خمسة أشهر
…
ضاع بعد ذلك كل أثر للأمير خالد، وترددت شائعات كثيرة عن اشتراكه في ثورة الريف بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي. كما ترددت شائعات مماثلة عن اشتراكه في الثورة السورية الكبرى (سنة 1925) غير أنه ما من وثائق رسمية تؤكد ذلك أو تنفيه.
أفاقت دمشق على خبر مباغت صباح يوم 10 كانون الثاني - يناير - 1936 معلنا وفاة المجاهد الأمير خالد بن الهاشمي الجزائري.
وأقيمت عليه الصلاة في مسجد بني أمية الكبير. وانتقل إلى جوار
ربه عن عمر يناهز الستين عاما. وانتقل الخبر بسرعة في أقطار العالم الإسلامي. فصدرت الصحافة الجزائرية - الإسلامية - وهي (تعلن الحداد العام في الجزائر. لقد مات الأمير خالد). (1) وكتبت صحيفة الدفاع: (تبكي جزائر المسلمين اليوم في الأمير خالد فارسا ومجاهدا مضى، غير أن اسمه الخالد سيبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا بحركة الجزائر الفتاة التي أسسها ودعمها بكل ما في نفسه من العزم والقوة، وغذاها بكل حماسته وإيمانه).
لم يشمل الحزن إخوانه من حزب الجزائر الفتاة فقط. فقد شعر الجميع بالخسارة الفادحة لفقده، فمضى العلماء لتأبينه، واشترك الشيوعيون في مأتمه.
لقد مضى الإنسان المؤمن والمجاهد الصادق للقاء وجه ربه، غير أن تضحياته وجهوده ومعاناته لم تلبث أن أينعت ثمارا عمت بفائدتها كل الوطن الجزائري (2).
(1) الدفاع 24 كانون الثاني - يناير - 1936.
(2)
المرجع الرئيسس للبحث: السياسات الاستعمارية في المغرب (شارل روبرت أغرون) ص: 249 - 284 (إفرنسي) وكذلك مجلة تاريخ وحضارة المغرب - كلية الآداب الجزائر - يناير - 1968 العدد 4 ص 19 - 39.