الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول
أثر سُنَّة التَّرك في تخصيص العموم
الأصل في ذلك: أن سُنَّة التَّرك دليل خاص يقدم على كل عموم.
وإليك توضيح ذلك بالأمثلة:
المثال الأول: تَرْكه صلى الله عليه وسلم للأذان في العيدين (1)؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تَرَكَه مع وجود المقتضي لفعله في عهده وهو إقامة ذكر الله ودعاء الناس إلى الصلاة.
فهذا التَّرْك دليل خاص يقدم على العمومات الدَّالة على فضل ذكر الله، كقوله _تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] والأذان من الذِّكر الذي يدخل تحت هذا العموم.
قال ابن تيمية تعليقًا على هذا المثال: "فهذا مثال لما حدث مع قيام المقتضي له وزوال المانع لو كان خيرًا.
فإنَّ كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة قد كان ثابتًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه أبو داود (1/ 298) برقم (1147) وصححه النووي، وقد تقدم.
فهذا التَّرْك سُنَة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس (1).
المثال الثاني: إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وما سُقِي بالنضح نصف العشر» (2) لأن عدم نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة منها يُنَزَّل كالسُنَّة القائمة في أن لا زكاة فيها.
المثال الثالث: تَرْكه صلى الله عليه وسلم استلام الرُّكنين الشاميين، وغيرهما من جوانب البيت.
وقد ورد في ذلك أن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما طافا بالبيت فاستلم معاوية رضي الله عنه الأركان الأربعة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، فقال معاوية رضي الله عنه: ليس من البيت شيء متروك، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فرجع إليه معاوية رضي الله عنه (3).
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 597).
(2)
أخرجه البخاري ص (301) برقم (1483).
(3)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 798 - 799).