المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌112 - عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي * - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - جـ ٨

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ أَبُو العَبَّاسِ الغَافِقِيُّ *

- ‌2 - يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ بنِ أَبِي زُرْعَةَ البَجَلِيُّ *

- ‌3 - مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو يَحْيَى الكُرْدِيُّ الأَزْدِيُّ **

- ‌4 - عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ بنِ عُقْبَةَ الحَضْرَمِيُّ *

- ‌5 - سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي يَحْيَى التَّنُوْخِيُّ *

- ‌6 - زُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ بنِ قَيْسِ بنِ سَلْمٍ العَنْبَرِيُّ أَبُو الهُذَيْلِ

- ‌7 - قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ *

- ‌8 - السَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ *

- ‌9 - صَالِحٌ المُرِّيُّ أَبُو بِشْرٍ بنُ بَشِيْرٍ القَاصُّ *

- ‌11 - عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو سَعِيْدٍ الكَلَاعِيُّ *

- ‌12 - اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَهْمِيُّ *

- ‌الطَّبَقَةُ الثَّامِنَةُ

- ‌13 - مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الفِطْرِيُّ *

- ‌14 - مَيْسَرَةُ التَّرَاسُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ **

- ‌15 - المُغِيْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ *

- ‌16 - ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ المَدَنِيُّ *

- ‌17 - مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ القِتْبَانِيُّ المِصْرِيُّ *

- ‌18 - جُحَا أَبُو الغُصْنِ دُجَيْنُ بنُ ثَابِتٍ اليَرْبُوْعِيُّ *

- ‌19 - رِيَاحُ بنُ عَمْرٍو القَيْسِيُّ أَبُو المُهَاصِرِ *

- ‌20 - مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيُّ *

- ‌21 - مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ المَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ *

- ‌22 - الزَّنْجِيُّ أَبُو خَالِدٍ مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ **

- ‌23 - سُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ *

- ‌24 - سَلْمُ بنُ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاصُ *

- ‌25 - صَالِحُ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ *

- ‌26 - زُهَيْر بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجِ بنِ الرُّحَيْلِ الجُعْفِيُّ *

- ‌27 - زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو المُنْذِرِ التَّمِيْمِيُّ *

- ‌28 - القَاسِمُ بنُ مَعْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهُذَلِيُّ *

- ‌29 - يُوْنُسُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنُ حَبِيْبٍ الضَّبِّيُّ

- ‌30 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ القَسْمَلِيُّ *

- ‌32 - سَلْمٌ الخَاسِرُ بنُ عَمْرِو بنِ حَمَّادٍ **

- ‌33 - أَبُو المَلِيْحِ الحَسَنُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ *

- ‌34 - قَزَعَةُ بنُ سُوَيْدِ بنِ حُجَيْرٍ البَاهِلِيُّ *

- ‌35 - بَكْرُ بنُ مُضَرَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ **

- ‌36 - جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ *

- ‌37 - شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ *

- ‌38 - غَسَّانُ بنُ بُرْزِيْنَ أَبُو المِقْدَامِ الطُّهَوِيُّ *

- ‌39 - أَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ *

- ‌40 - وُهَيْبُ بنُ خَالِدِ بنِ عَجْلَانَ الكَرَابِيْسِيُّ *

- ‌41 - أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ عَبْدُ رَبِّهِ بنُ نَافِعٍ *

- ‌42 - عَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ أَبُو زُبَيْدٍ الزُّبَيْدِيُّ *

- ‌43 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌44 - حَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ *

- ‌45 - الوَلِيْدُ بنُ طَرِيْفٍ الشَّيْبَانِيُّ *

- ‌46 - يَزِيْدُ بنُ حَاتِمِ بنِ قَبِيْصَةَ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ *

- ‌48 - أَيُّوْبُ بنُ جَابِرٍ السُّحَيْمِيُّ اليَمَامِيُّ **

- ‌49 - أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ أَبُو يَحْيَى *

- ‌50 - مُحَمَّدُ بنُ جَابِرِ بنِ سَيَّارٍ السُّحَيْمِيُّ اليَمَامِيُّ *

- ‌51 - جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ *

- ‌53 - رَابِعَةُ العَدَوِيَّةُ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ العَتَكِيَّةُ *

- ‌55 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ الأُمَوِيُّ *

- ‌56 - هِشَامُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُعَاوِيَةَ المَرْوَانِيُّ *

- ‌58 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ بنِ هِشَامِ بنِ الدَّاخِلِ *

- ‌59 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ المَرْوَانِيُّ *

- ‌60 - المُنْذِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ أَبُو الحَكَمِ المَرْوَانِيُّ *

- ‌61 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَانِيُّ *

- ‌62 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ *

- ‌63 - الحَكَمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ *

- ‌64 - هِشَامُ بنُ الحَكَمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُؤَيَّدُ بِاللهِ *

- ‌65 - يَعْلَى بنُ الأَشْدَقِ العُقَيْلِيُّ **

- ‌66 - العَطَّافُ بنُ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ *

- ‌67 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ *

- ‌68 - الفَيْضُ بنُ أَبِي صَالِحٍ شِيْرَوَيْه *

- ‌69 - عُمَارَةُ بنُ حَمْزَةَ الهَاشِمِيُّ

- ‌70 - عُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّمِيْمِيُّ *

- ‌71 - خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ *

- ‌72 - مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ الحَرَّانِيُّ *

- ‌74 - أَبُو الأَحْوَصِ سَلَاّمُ بنُ سُلَيْمٍ الحَنَفِيُّ

- ‌75 - شِهَابُ بنُ خِرَاشِ بنِ حَوْشَبٍ الشَّيْبَانِيُّ *

- ‌76 - هُشَيْمُ بنُ بَشِيْرِ بنِ أَبِي خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّلَمِيُّ *

- ‌77 - عَبَّادُ بنُ عَبَّادِ بنِ حَبِيْبٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَزْدِيُّ **

- ‌78 - يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ العَيْشِيُّ البَصْرِيُّ *

- ‌79 - يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ القُمِّيُّ *

- ‌80 - عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدِ بنِ ذَكْوَانَ العَنْبَرِيُّ *

- ‌81 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ *

- ‌82 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي الوَلِيْدِ الأَسَدِيُّ

- ‌83 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشِ بنِ سُلَيْمٍ العَنْسِيُّ *

- ‌84 - ابْنُ السَّمَّاكِ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ صَبِيْحٍ العِجْلِيُّ *

- ‌85 - مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مِهْرَانَ الأُمَوِيُّ *

- ‌86 - المُطَّلِبُ بنُ زِيَادِ بنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ *

- ‌87 - عَبْدُ السَّلَامِ بنُ حَرْبٍ المُلَائِيُّ البَصْرِيُّ *

- ‌88 - عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ الكُوْفِيُّ الطَّنَافِسِيُّ *

- ‌89 - أَمَّا: عُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ البَصْرِيُّ الخَزَّازُ *

- ‌90 - يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ الوَادعِيُّ

- ‌91 - خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ صَاعِدٍ الأَشْجَعِيُّ *

- ‌92 - عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ العَائِذِيُّ *

- ‌93 - يَعْقُوْبُ بنُ دَاوُدَ بنِ طَهْمَانَ الفَارِسِيُّ *

- ‌94 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ العُمَرِيُّ *

- ‌95 - سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ البَزَّازُ *

- ‌96 - سُفْيَانُ بنُ مُوْسَى البَصْرِيُّ **

- ‌97 - سِيْبَوَيْه أَبُو بِشْرٍ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ قَنْبَرٍ الفَارِسِيُّ *

- ‌98 - الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ الغَسَّانِيُّ مَوْلَاهُم الدِّمَشْقِيُّ *

- ‌99 - يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ بنِ وَاقِدٍ الحَضْرَمِيُّ

- ‌100 - يَحْيَى بنُ يَمَانٍ أَبُو زَكَرِيَّا العِجْلِيُّ *

- ‌101 - عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيُّ *

- ‌104 - بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ *

- ‌105 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بنِ دِيْنَارٍ المَدَنِيُّ *

- ‌106 - صَرِيْعُ الغَوَانِي مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌107 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ *

- ‌108 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ *

- ‌109 - الهِقْلُ بنُ زِيَادٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ *

- ‌110 - يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ المَاجَشُوْن *

- ‌111 - العُمَرِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ *

- ‌112 - عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ *

- ‌113 - ضَيْغَمُ بنُ مَالِكٍ أَبُو بَكْرٍ الرَّاسِبِيُّ البَصْرِيُّ *

- ‌114 - الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضِ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ بِشْرٍ التَّمِيْمِيُّ **

- ‌116 - فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ الخَوْلَانِيُّ *

- ‌117 - فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ الصَّدَفِيُّ **

- ‌118 - النُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلَامِ بنِ حَبِيْبٍ التَّيْمِيُّ ***

- ‌119 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ *

- ‌120 - سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ مَيْمُوْنٍ الهِلَالِيُّ *

- ‌122 - الخُلْقَانِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا **

- ‌123 - مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ *

- ‌124 - مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ الأُمَوِيُّ *

- ‌126 - مُبَارَكُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ **

- ‌127 - مُعَاذُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ *

- ‌128 - عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ *

- ‌129 - غُنْجَارُ عِيْسَى بنُ مُوْسَى البُخَارِيُّ *

- ‌130 - عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ *

- ‌131 - أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشِ بنِ سَالِمٍ الأَسَدِيُّ *

- ‌132 - عَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدِ بنِ صُهَيْبٍ الكُوْفِيُّ *

- ‌133 - عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الكِلَابِيُّ *

- ‌134 - عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُنْذِرِ الكِلَابِيُّ **

- ‌135 - عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَطَاءِ بنِ مُقَدَّمٍ الثَّقَفِيُّ *

- ‌136 - الأَشْجَعِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ *

- ‌137 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتٍ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ *

- ‌138 - حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ ثُمَّ المَدَنِيُّ *

- ‌139 - بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ صَائِدِ بنِ كَعْبِ بنِ حَرِيْزٍ الحِمْيَرِيُّ **

- ‌140 - العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ *

- ‌141 - القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيُّ *

- ‌142 - أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ *

الفصل: ‌112 - عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي *

إِلَى العُمَرِيِّ: إِنَّكَ بَدَوْتَ، فَلَو كُنْتَ عِنْدَ مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فَكَتَبَ: إِنِّيْ أَكرَهُ مُجَاوَرَةَ مِثْلِكَ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَركَ متغَيِّرَ الوَجْهِ فِيْهِ سَاعَةً قَطُّ.

قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ فِي الوَعْظِ، وَإِلَاّ فَمَالِكٌ مِنْ أَقْوَلِ العُلَمَاءِ بِالحَقِّ، وَمِنْ أَشدِّهِم تَغَيُّراً فِي رُؤْيَةِ المُنْكرِ.

وَأَمَّا العُمَرِيُّ: فَمَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً، وَقَدْ وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَامَةَ كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ السِّرِّينِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ الجُدِّيُّ (2) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الزَّبَانِيَةُ أَسْرَعُ إِلَى فَسَقَةِ القُرْآنِ مِنْهُم إِلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، فَيَقُوْلُوْنَ: يُبْدَأُ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ؟

فَيُقَالُ: لَيْسَ مَنْ عَلِمَ كَمَنْ لَا يَعْلَم (3)) .

غَرِيْبٌ مُنكرٌ، وَلَا أَعْرِفُ مُوْسَى هَذَا.

قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ العُمَرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ستٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

‌112 - عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ *

(ع)

الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلَامِ، عَالِمُ زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ فِي وَقْتِهِ،

(1) نسبة إلى " سرين ": بليدة قريبة من مكة.

(2)

نسبة إلى جدة.

(3)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 286، وقال المصنف في ترجمة موسى بن محمد في " الميزان ": وحدث عنه الطبراني بخبر منكر في عذاب فسقة القراء.

وقال ابن حبان: حديث باطل.

(*) طبقات خليفة: 323، تاريخ خليفة: 146، التاريخ الكبير: 5 / 212، التاريخ =

ص: 378

أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ مَوْلَاهُم، التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي، أَحَدُ الأَعْلَامِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ.

مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.

فَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.

فَأَقْدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: هُوَ الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ الخُرَاسَانِيُّ، تَحَيَّلَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ إِلَى السِّجنِ، فَسمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ بقَايَا التَّابِعِيْنَ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّرْحَالِ وَالتَّطْوَافِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَفِي الغَزْوِ، وَفِي التِّجَارَةِ، وَالإِنفَاقِ عَلَى الإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَتَجهِيزِهِم مَعَهُ إِلَى الحَجِّ.

سَمِعَ مِنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبُرِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُردَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَهْمَسٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُوْنُسَ الأَيْلِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ،

= الصغير: 2 / 225، المعارف: 511، الجرح والتعديل: 5 / 179، الولاة والقضاة: 368، حلية الأولياء: 8 / 162، الانتفاء: 132، تاريخ بغداد: 10 / 152، طبقات الشيرازي: الورقة: 26، ترتيب المدارك: / 300، صفوة لصفوة: 4 / 134 - 147، وفيات الأعيان: 3 / 32، تهذيب الكمال: 730، تذهيب التهذيب: 2 / 177 / 2 تذكرة الحفاظ: 1 / 174، العبر: 1 / 280، الديباج المذهب: 130، غاية النهاية: 1 / 446، تهذيب التهذيب: 5 / 382، النجوم الزاهرة: 2 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 211، الطبقات الكبرى للشعراني: 50، شذرات الذهب: 1 / 295.

ص: 379

وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.

وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافِعَةَ الكَثِيْرَةَ.

حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِه، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَمُسْلِمٌ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَانُ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ إِحصَاؤُهُم، وَيَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم.

وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ.

وَيقعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ.

أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَامَةَ، وَعِدَّةٌ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الفُتْيَا فِي (المَاءُ مِنَ المَاءِ) رُخصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا.

أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَرُوَاتُهُ

(1) رقم (110) في الطهارة: باب ما جاء أن الماء من الماء، وأخرجه أحمد 5 / 115، 116، وابن ماجة (609) ، وابن حبان (228) ، من طريق الزهري، عن سهل بن سعد، ورواه أبو داود (214) من طريق الزهري، حدثني بعض من أرضى، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره..قال ابن حجر في " التلخيص " ص (49) : وجزم موسى بن هارون =

ص: 380

ثِقَاتٌ، لَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ سَهْلٍ.

ارْتَحَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى: الحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكِنَ.

قَالَ قَعْنَبُ بنُ المُحَرِّرِ: ابْنُ المُبَارَكِ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنْ تَمِيْمٍ (1) .

وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَلَاؤُهُ لِبَنِي حَنْظَلَةَ.

وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ فِي (تَارِيْخِ مَرْوَ) : كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خُوَارِزمِيَّةً، وَأَبُوْهُ تُرْكِيٌّ، وَكَانَ عَبداً لِرَجُلٍ تَاجِرٍ مِنْ هَمَذَانَ، مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا قَدِمَ هَمَذَانَ، يَخضَعُ لِوَالِدَيْهِ وَيُعَظِّمُهُم.

أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ السِّيْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

نَظَرَ أَبُو حَنِيْفَةَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَدَّتْ أُمُّهُ

= والدارقطني بأن الزهري لم يسمع من سهل، لكن للحديث طريق آخر صحيح أخرجه أبو داود (215)، والدارمي 1 / 194 من حديث محمد بن مهران الرازي قال: حدثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب: إن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد.

وذكره البيهقي في " السنن " 1 / 165 / 166، من طريق أبي داود، ووصفه بأن إسناده موصول صحيح، ورواه الدارقطني في " سننه " ص (46) وقال: صحيح، وصححه ابن حبان (229) ، وابن خزيمة (225) .

(1)

الخبر في " تاريخ بغداد " 10 / 153.

ص: 381

إِلَيْكَ الأَمَانَةَ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بعَبْدِ اللهِ.

قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلَاّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وُلِدَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.

وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَرَوَى عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ الحَمَّادِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ:

سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.

وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، قَالَ:

قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: ذَاكَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ السُّننَ، فَقُلْتُ: إِنَّ العَجَمَ لَا يَكَادُوْنَ يَحفَظُوْنَ ذَلِكَ، لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنِّي لَبِستُ السَّوَادَ وَأَنَا صَغِيْرٌ، عِنْدَمَا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ كُلَّهُم بِلبسِ السَّوَادِ، الصِّغَارَ وَالكِبَارَ.

نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُكثِرُ الجُلُوْسَ فِي بَيْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَوحِشُ؟

فَقَالَ: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ؟!

قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ أَتَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟

قَالَ: مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ مَرْوَ.

قَالَ: تَعْرِفُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: مَا فَعَلَ؟

قَالَ: هُوَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ.

قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:

أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِحَمَّادٍ: سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَدِّثَنَا.

فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تُحِدِّثُهُم، فَإِنَّهُم قَدْ سَأَلُوْنِي؟

قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ، أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِرٌ.

فَقَالَ: أَقسَمتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ.

ص: 382

فَقَالَ: خُذُوا، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَمَا حَدَّثَ بِحَرْفٍ إِلَاّ عَنْ حَمَّادٍ (1) .

قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:

عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيش يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَطَسَ؟

قَالَ: الحَمْدُ للهِ.

فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ (2) .

قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ابْنُ المُبَارَكِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، رَجُلٌ صَالِحٌ، يَقُوْلُ الشِّعْرَ، وَكَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ.

قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: جَمَعَ عَبْدُ اللهِ الحَدِيْثَ، وَالفِقْهَ، وَالعَرَبِيَّةَ، وَأَيَّامَ النَّاسِ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالسَّخَاءَ، وَالتِّجَارَةَ، وَالمَحَبَّةَ عِنْدَ الفَرْقِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى.

عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ:

كُنْتُ إِذَا طَلَبتُ دَقِيْقَ المَسَائِلِ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَيِسْتُ مِنْهُ.

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 155، وإسماعيل الخطبي هو إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي أبو محمد، نسبة إلى الخطب وإنشائها.

(2)

أخرج البخاري في " صحيحه " 10 / 502 في الأدب: باب إذا عطس كيف يشمت من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم " وفي " المصنف "(19678) بسند صحيح من حديث أنس بن مالك قال: عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الرجل: يا رسول الله، شمت فلانا ولم تشتمتني، فقال:" إن هذا حمد الله وإنك لم تحمد ". وأخرجه البخاري 10 / 504، ومسلم (2991) من طريق آخر عن أنس.

ص: 383

عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، قَالَ:

مَا لَقِيَ ابْنُ المُبَارَكِ رَجُلاً إِلَاّ وَابْنُ المُبَارَكِ أَفْضَلُ مِنْهُ.

قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.

عُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ شُعْبَةَ المَصِّيْصِيُّ، قَالَ:

قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقَّةَ، فَانْجَفَلَ النَّاسُ خَلْفَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ، وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ، فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ بُرْجٍ مِنْ قَصْرِ الخَشَبِ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟

قَالُوا: عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِمَ.

قَالَتْ: هَذَا -وَاللهِ- المُلْكُ، لَا مُلْكَ هَارُوْنَ الَّذِي لَا يَجْمَعُ النَّاسَ إِلَاّ بِشُرَطٍ وَأَعْوَانٍ (1) .

قَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ الجَهْضَمِيُّ، قَالَ:

قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟

قُلْتُ: لَا.

قَالَ: لَوْ رَأْيْتَهُ لَقَرَّتْ عَيْنُكَ.

وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزمَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيتِكُم مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.

الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ:

تَعَرَّفْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، إِلَاّ وَقَدْ جَعَلَهَا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ.

وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 156، و" وفيات الأعيان " 3 / 33.

ص: 384

الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ.

قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الصُّوْفِيُّ بِمَنْبِجَ، قَالَ:

خَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيْدُ المَصِّيْصَةَ، فَصَحِبَهُ الصُّوفِيَّةُ،

فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم لَكُم أَنْفُسٌ تَحْتَشِمُوْنَ أَنْ يُنفَقَ عَلَيْكُم، يَا غُلَامُ! هَاتِ الطَّسْتَ.

فَأَلْقَى عَلَيْهِ مِنْدِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يُلقِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم تَحْتَ المِندِيلِ مَا مَعَهُ.

فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُلقِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ يُلقِي عِشْرِيْنَ، فَأَنفَقَ عَلَيْهِم إِلَى المَصِّيْصَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ بِلَادُ نَفِيرٍ، فَنَقْسِمُ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَ يُعطِي الرَّجُلَ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّمَا أَعْطَيْتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.

فَيَقُوْلُ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يُبَارِكَ اللهُ لِلْغَازِي فِي نَفَقَتِهِ (1) .

قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخَلَاّلُ، قَالُوا:

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ:

كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَيَقُوْلُوْنَ: نَصْحَبُكَ.

فَيَقُوْلُ: هَاتُوا نَفَقَاتِكُم.

فَيَأْخُذُ نَفَقَاتِهِم، فَيَجْعَلُهَا فِي صُنْدُوْقٍ، وَيُقْفِلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُم، وَيُخْرِجُهُم مِنْ مَرْوَ إِلَى بَغْدَادَ، فَلَا يَزَالُ يُنفِقُ عَلَيْهِم، وَيُطعِمُهُم أَطْيَبَ الطَّعَامِ، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُم مِنْ بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ، وَأَكمَلِ مُرُوءةٍ، حَتَّى يَصِلُوا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ مِنْ طُرَفِهَا؟

فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 157، 158.

ص: 385

يُخْرِجُهُم إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُم، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ؟

فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا.

فَيَشْتَرِي لَهُم، ثُمَّ يُخْرِجهُم مِنْ مَكَّةَ، فَلَا يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِم إِلَى أَنْ يَصِيْرُوا إِلَى مَرْوَ، فَيُجَصِّصُ بُيُوْتَهُم وَأَبْوَابَهُم، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، عَمِلَ لَهُم وَلِيمَةً وَكَسَاهُم، فَإِذَا أَكَلُوا وَسُرُّوا، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ، فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُهُ.

قَالَ أَبِي: أَخْبَرَنِي خَادمُهُ أَنَّهُ عَملَ آخرَ سَفْرَةٍ سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ خِوَاناً فَالُوْذَجَ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْلَاكَ وَأَصْحَابَكَ مَا اتَّجَرْتُ.

وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الفُقَرَاءِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ (1) .

عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ إِلَى وَكِيلٍ لَهُ.

فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الكِتَابُ، قَالَ لَهُ الوَكِيلُ: كَمِ الدَّيْنُ الَّذِي سَأَلتَهُ قَضَاءهُ؟

قَالَ: سَبْعُ مائَةِ دِرْهَمٍ.

وَإِذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ كَتَبَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَرَاجَعَهُ الوَكِيلُ، وَقَالَ: إِنَّ الغَلَاّتِ قَدْ فَنِيَتْ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كَانَتِ الغَلَاّتُ قَدْ فَنِيَتْ، فَإِنَّ العُمْرَ أَيْضاً قَدْ فَنِيَ، فَأَجِزْ لَهُ مَا سَبَقَ بِهِ قَلمِي (2) .

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، قَالَ:

كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ كَثِيْرَ الاختِلَافِ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَانَ يَنْزِلُ الرَّقَّةَ فِي خَانٍ، فَكَانَ شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْمُ بِحَوَائِجِهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ مَرَّةً، فَلَمْ يَرَهُ، فَخَرَجَ فِي النَّفِيْرِ مُسْتَعجِلاً، فَلَمَّا

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 158.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 158، 159.

ص: 386

رَجَعَ، سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ، فَقَالَ: مَحْبُوْسٌ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.

فَاسْتَدَلَّ عَلَى الغَرِيْمِ، وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلَافٍ، وَحَلَّفَهُ أَلَاّ يُخْبِرَ أَحَداً مَا عَاشَ، فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ، وَسَرَى ابْنُ المُبَارَكِ، فَلَحِقَهُ الفَتَى عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى أَيْنَ كُنْتَ؟ لَمْ أَرَكَ!

قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كُنْتُ مَحْبُوْساً بِدَيْنٍ.

قَالَ: وَكَيْفَ خَلصتَ؟

قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْنِي، وَلَمْ أَدرِ.

قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّجُلُ إِلَاّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ (1) .

أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لابْنِ المُبَارَكِ:

أَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالبُلْغَةِ، وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالبَضَائِعِ، كَيْفَ ذَا؟

قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَا لأَصُوْنَ وَجْهِي، وَأُكرِمَ عِرضِي، وَأَسْتَعِيْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّي.

قَالَ: يَا ابْنَ المُبَارَكِ مَا أَحْسَنَ ذَا إِنْ تَمَّ ذَا (2) .

الفَتْحُ بنُ سُخْرُفٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ:

عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ (3) .

عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ:

مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحَدِّثُ للهِ إِلَاّ سِتَّةُ نَفَرٍ، مِنْهُم ابْنُ المُبَارَكِ.

أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الطَّبَّاعِ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ:

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 159.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 160.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 160.

ص: 387

سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:

مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ، وَلَا أَحْسَنَ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلَا أَقشَفَ مِنْ شُعْبَةَ، وَلَا أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:

مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلَا أَشَدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ، وَلَا أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلَا أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ (1) .

أَبُو نَشِيْطٍ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ:

قُلْتُ لابْنِ مَهْدِيٍّ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟

فَقَالَ: ابْنُ المُبَارَكِ.

قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُوْنَكَ.

قَالَ: إِنَّهُم لَمْ يُجَرِّبُوا، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ (2) .

نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَكَانَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ (3) .

أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:

سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ أَعْلَمُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ (4) .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَعْيَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالُوا لَهُ: جَالَسْتَ الثَّوْرِيَّ، وَسَمِعْتَ مِنْهُ، وَمِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَأَيُّهُمَا أَرْجَحُ؟

قَالَ: لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ يَوْماً مِثْلَ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يَقْدِرْ (5) .

(1) الاخبار الأربعة في " تاريخ بغداد " 10 / 160، 161.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 161.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 161.

(4)

" تاريخ بغداد " 10 / 161.

(5)

" تاريخ بغداد " 10 / 161.

ص: 388

ابْنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ:

قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُوْنَ سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُوْنَ وَلَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (1) .

مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَحْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ:

سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟

قَالَ: مَنْ أَهْلِ المَشْرِقِ.

قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُم أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟

قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟

قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.

قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟!

قَالَ: نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِبِ (2) .

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ قَالَ:

كَانَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ وَمَشْيَخَةٌ جُلُوْساً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ.

فَقَالَ فُضَيْلٌ: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا (3) .

وَقَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي جَمِيْلٍ، قَالَ:

كُنَّا حَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ الشَّرقِ، حَدِّثْنَا - وَسُفْيَانُ قَرِيْبٌ مِنَّا يَسْمَعُ - فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! عَالِمَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا (4) .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَزِيْرِ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا وَصِيُّ عَبْدِ اللهِ.

فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، مَا خَلَّفَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ (5) .

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 162.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 162.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 162.

(4)

" تاريخ بغداد " 10 / 262.

(5)

" تاريخ بغداد " 10 / 162.

ص: 389

أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ قَالَ:

شَهِدتُ سُفْيَانَ وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، قَالَ سُفْيَانُ لِفُضَيْلٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! أَيُّ رَجُلٍ ذَهَبَ!

يَعْنِي: ابْنَ المُبَارَكِ.

قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! وَبَقِيَ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ (1) ؟!

مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ:

لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلَغَنِي أَنَّ هَارُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: مَاتَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ (2) .

المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ (3) .

قُلْتُ: هَذَا الإِطلَاقُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَعْنِيٌّ بِمُسْلِمِي زَمَانِهِ.

قَالَ المُسَيَّبُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ قَاعِداً يَسْأَلُهُ.

قَالَ أَبُو وَهْبٍ أَحْمَدُ بنُ رَافِعٍ - وَرَّاقُ سُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ -: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: نَظَرْتُ فِي أَمرِ الصَّحَابَةِ وَأَمرِ عَبْدِ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ لَهُم عَلَيْهِ فَضْلاً، إِلَاّ بِصُحْبَتِهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَغَزْوِهِم مَعَهُ (4) .

مَحْمُودُ بنُ وَالَان، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ الحَسَنِ يَمدَحُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَقُوْلُ:

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 263.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 163.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 163، وكلمة " أجمعين " لم ترد فيه.

(4)

" تاريخ بغداد " 10 / 163.

ص: 390

إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ

فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا

إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ

فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلَالُهَا (1)

هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:

انْتَهَى العِلْمُ إِلَى رَجُلَيْنِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ (2) .

وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ:

عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ أَوسَعُ عِلْماً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ (3) .

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: سَمِعْتُ سَلَاّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ بِالمَشْرِقِ مِثْلَهُ (4) .

إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظاً.

فَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ رحمه الله كَيِّساً، مُسْتَثْبِتاً، ثِقَةً، وَكَانَ عَالِماً، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ الَّتِي يُحَدِّثُ بِهَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً أَوْ وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً (5) .

قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ المُغِيْرَةِ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ يَقُوْلُ:

رَأَيْتُ أَفقَهَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ (6) .

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 163.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 164.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 164.

(4)

" تاريخ بغداد " 10 / 164.

(5)

" تاريخ بغداد " 10 / 164.

(6)

" تاريخ بغداد " 10 / 164.

ص: 391

أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ - وَذَكَرَ أَصْحَابَ سُفْيَانَ - فَقَالَ:

خَمْسَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ - فَبَدَأَ بِهِ - وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ (1) .

قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: اخْتَلَفَ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ؟

قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى.

قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى؟

قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا.

قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؟

قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفصِلُ بَيْنَهُمَا.

قُلْتُ: الأَشْجَعِيُّ؟

قَالَ: مَاتَ الأَشْجَعِيُّ، وَمَاتَ حَدِيْثُهُ مَعَهُ.

قُلْتُ: ابْنُ المُبَارَكِ؟

قَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ (2) .

مَحْمُودُ بنُ وَالَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:

كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟

وَكَانَ يَحْيَى مُتَّكِئاً، فَجَلَسَ، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْراً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، كَانَ عَبْدُ اللهِ سَيِّداً مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ (3) .

وَسُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ؟

قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.

الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ:

قَالَ أَبِي: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: هَلْ تَتَحَفَّظُ الحَدِيْثَ؟

فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: مَا تَحَفَّظْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنَّمَا آخُذُ الكِتَابَ، فَأَنظُرُ فِيْهِ، فَمَا اشْتَهَيْتُهُ، عَلِقَ بِقَلْبِي (4) .

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 164.

(2)

" تاريخ بغداد " 10 / 165.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 165.

(4)

" تاريخ بغداد " 10 / 165.

ص: 392

قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: أَخْبَرَنِي صَخْرٌ - صَدِيْقُ ابْنِ المُبَارَكِ - قَالَ:

كُنَّا غِلْمَاناً فِي الكُتَّابِ، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَجُلٌ يَخطُبُ، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيْلَةً، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: قَدْ حَفِظتُهَا.

فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: هَاتِهَا.

فَأَعَادهَا وَقَدْ حَفِظَهَا (1) .

نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، قَالَ:

قَالَ لِي أَبِي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ، لأُحَرِقَنَّهَا.

قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فِي صَدْرِي (2) .

وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ: العَجَبُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُحَدِّثُه بِهِ (3) .

قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِيٌّ، ثِقَةٌ.

قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:

رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَى شُربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ:

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) وَهَذَا أَشرَبُهُ لِعَطَشِ القِيَامَةِ، ثُمَّ شَرِبَهُ (4) .

(1)" تاريخ بغداد " 10 / 165، 166، (2)" تاريخ بغداد " 10 / 166.

(3)

" تاريخ بغداد " 10 / 166.

(4)

" تاريخ بغداد " 10 / 166، وحديث " ماء زمزم لما شرب له " أخرجه أحمد، 3 / 357، وابن ماجه (3062) من طريق عبد الله بن المؤمل، أنه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ماء زمزم لما شرب له " وهذا سند ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل، لكن له شاهد عن ابن عباس، أخرجه الدارقطني في " سننه " من حديث محمد بن حبيب الجارودي، عن سفيان بن عيينة، عن أبي نجيح، عن مجاهد عنه، رفعه به، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2473) في حديث أبي ذر الطويل قوله صلى الله عليه وسلم:" إنها مباركة، وإنها طعام طعم "، ولفظ أبي داود الطيالسي 2 / 158 " إنها لمباركة وهي طعام طعم وشفاء سقم ".

ص: 393

كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي المَوَّالِ، وَصَوَابُهُ: ابْنُ المُؤَمَّلِ عَبْدُ اللهِ المَكِّيُّ، وَالحَدِيْثُ بِهِ يُعْرَفُ، وَهُوَ مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَكِنْ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ خَبَرُ ابْنِ المُبَارَكِ فَرْدٌ مُنْكَرٌ، مَا أَتَى بِهِ سِوَى سُوَيْدٍ، رَوَاهُ: المَيَانَجِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ.

أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ الخَلِيْلَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ:

كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ:

بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَخْرَجَنِي

وَبَيْعُ نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا

إِنِّيْ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ

مَا لَيْسَ يَبْقَى فَلَا وَاللهِ مَا اتَّزَنَا (1)

قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَ (الرِّقَاقِ) ، يَصِيْرُ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ مَنْحُوْرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ مَنْحُوْرَةٌ مِنَ البُكَاءِ، لَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَاّ دَفَعَهُ (2) .

أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ:

كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلَادِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَقَالَ: وَأَنْتَ

(1) تاريخ بغداد 10 / 166.

(2)

تاريخ بغداد 10 / 167.

ص: 394

يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا (1) !!

قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا وَهْبٍ يَقُوْلُ: مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَدعُوَ لِي أَنْ يَرُدَّ اللهَ عَلَيَّ بَصَرِي.

فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ.

وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ:

قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: اسْتَعَرتُ قَلَماً بِأَرْضِ الشَّامِ، فَذَهَبتُ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ، نَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعتُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ (2) .

قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلَامِ (3) .

أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ (ح) .

وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، قَالَا:

أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المُقْرِئُ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ (ح) .

وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُرْهفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَازُ (ح) .

(1) تاريخ بغداد 10 / 167.

(2)

تاريخ بغداد 10 / 167، والزيادة منه.

(3)

تاريخ بغداد 10 / 168.

ص: 395

وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلَاّنَ فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ دَاوُدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الوَكِيْلَ أَخْبَرَهُم، قَالُوا:

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا الفَخْرُ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، قَالَ:

أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، قَالَ سبْعَتُهُم:

أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدِّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَلْخِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو المُصْعَبِ مِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا (1)) .

وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحٍ،

فَذَكَرَهُ.

وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ سَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ:

أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: انْظُرُوا فُلَاناً لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِي ابْنَتِي قَوْلاً كَشَبِيْهِ العِدَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى الله -تَعَالَى- بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ.

هَارُوْنُ ثِقَةٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو.

(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 151 و154، 155، والفريابي في " صفة النفاق " ص 54، والخطيب في تاريخه 1 / 357 من طرق عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن عامر، وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " ص 451، وأحمد 2 / 175، والفريابي في " صفة النفاق " ص 53، 54 من طريق عبد الرحمن بن شريح المعافري، عن شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وسنده حسن في الشواهد.

ص: 396

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ.

وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.

وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُوَ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.

قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ مَوْلَى ابْنِ المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِثْلُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَمَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالُوا:

تَعَالَوْا نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ، فَقَالُوا: العِلْمُ، وَالفِقْهُ، وَالأَدَبُ، وَالنَّحْوُ، وَاللُّغَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالفَصَاحَةُ، وَالشِّعْرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالعِبَادَةُ، وَالحَجُّ، وَالغَزْوُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالفُرُوْسِيَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَتَرْكُ الكَلَامِ فِيْمَا لَا يَعْنِيْهِ، وَالإِنصَافُ، وَقِلَّةُ الخِلَافِ عَلَى أَصْحَابِهِ.

قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُبَارَكِ: قَرَأْتُ البَارِحَةَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ.

فَقَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ البَارِحَةَ يُكَرِّرُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إِلَى الصُّبْحِ، مَا قَدِرَ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا -يَعْنِي نَفْسَهُ-.

قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ البُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:

حَمَلتُ العِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ شَيْخٍ، فَرَويتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ.

ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: فَتَتَبَّعْتُهُم حَتَّى وَقَعَ لِي ثَمَانُ مائَةِ شَيْخٍ لَهُ.

قَالَ حَبِيْبٌ الجَلَاّبُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ؟

قَالَ: غَرِيْزَةُ عَقْلٍ.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟

قَالَ: حُسْنُ أَدَبٍ.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟

قَالَ: أَخٌ شَفِيْقٌ يَسْتَشِيْرُهُ.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟

قَالَ: صَمْتٌ طَوِيْلٌ.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟

قَالَ: مَوْتٌ عَاجِلٌ.

ص: 397

وَرَوَى: عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:

إِذَا غَلَبَتْ مَحَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى مَسَاوِئِهِ، لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئُ، وَإِذَا غَلَبَتِ المَسَاوِئُ عَنِ المَحَاسِنِ، لَمْ تُذْكَرِ المَحَاسِنُ.

قَالَ نُعَيْمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

عَجِبتُ لِمَنْ لَمْ يَطلُبِ العِلْمَ، كَيْفَ تَدعُوْهُ نَفْسُهُ إِلَى مَكْرُمَةٍ؟!

قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ لِي عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: مَا رَأَيْتَ وَلَا تَرَى مِثْلَهُ.

قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: وَسَمِعْتُ العُمَرِيَّ يَقُوْلُ:

مَا رَأَيْتُ فِي دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصلُحُ لِهَذَا الأَمْرِ -يَعْنِي: الإِمَامَةَ- إِلَاّ ابْنَ المُبَارَكِ.

قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، تُصِيْبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي لَا تُصِيْبُهُ عِنْدَ أَحَدٍ.

قَالَ شَقِيْقٌ البَلْخِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لَا تَجْلِسُ مَعَنَا؟

قَالَ: أَجلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَنْظُرُ فِي كُتُبِهِم وَآثَارِهِم، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُم؟ أَنْتُم تَغْتَابُوْنَ النَّاسَ.

وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ عُمْدَتُكُم الأَثَرُ، وَخُذُوا مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ الحَدِيْثَ.

مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

مَنْ بَخِلَ بِالعِلْمِ، ابْتُلِي بِثَلَاثٍ: إِمَّا مَوْتٌ يُذْهِبُ عِلْمَهُ، وَإِمَّا يَنْسَى، وَإِمَّا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ.

وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْفَعَةِ العِلْمِ أَنْ يُفِيْدَ بَعْضُهُم بَعْضاً.

ص: 398

المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: الرَّجُلُ يَطلُبُ الحَدِيْثَ للهِ، يَشتَدُّ فِي سَنَدِهِ.

قَالَ: إِذَا كَانَ للهِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَشتَدَّ فِي سَنَدِهِ.

وَعَنْهُ، قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا فِي القَلْبِ، وَالذُّنُوْبُ فَقَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ الخَيْرُ إِلَيْهِ؟

وَعَنْهُ، قَالَ: لَوِ اتَّقَى الرَّجُلُ مائَةَ شَيْءٍ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئاً وَاحِداً، لَمْ يَكُ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَلَو تَوَرَّعَ عَنْ مائَةِ شَيْءٍ، سِوَى وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَرِعاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خُلَّةٌ مِنَ الجَهْلِ، كَانَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ عليه السلام مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ:{إِنِّيْ أَعِظُكَ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ} [هُوْدُ: 460] .

إِسْنَادُهَا لَا يَصِحُّ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّ الاعْتِبَارَ بِالكَثْرَةِ، وَمُرَادُهُ بِالخُلَّةِ مِنَ الجَهْلِ: الإِصرَارُ عَلَيْهَا.

وَجَاءَ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ: مَنِ النَّاسُ؟

فَقَالَ: العُلَمَاءُ.

قِيْلَ: فَمَنِ المُلُوْكُ؟

قَالَ: الزُّهَّادُ.

قِيْلَ: فَمَنِ الغَوْغَاءُ؟

قَالَ: خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ -يَعْنِي: مِنْ أُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ-.

قِيْلَ: فَمَنِ السَّفِلَةُ؟

قَالَ: الَّذِيْنَ يَعِيْشُوْنَ بِدِيْنِهِم.

وَعَنْهُ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.

وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ قَدْرَ نَفْسِهِ، يَصِيْرُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَذَلَّ مِنْ كَلْبٍ.

وَعَنْهُ، قَالَ: لَا يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ.

ص: 399

وَقَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَامَةَ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ:

سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي عَنْ أَبَوَيهِ، فَقَالَ: مَنْ يَرْوِيْهِ؟

قُلْتُ: شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ.

قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟

قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ.

قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟

قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيْهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ (1) .

أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَجْدِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّوَامِيُّ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلَاةُ ابْنِ وَهْبَانَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، وَفَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (ح) .

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (ح) .

وَأَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَا:

أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالُوا:

أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ (ح) .

وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَغْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالَا:

أَخْبَرَنَا هِلَالُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ

(1) ذكره مسلم في مقدمة " صحيحه " 1 / 16، والمفاوز جمع مفازة: الأرض القفر البعيدة عن العمارة، وعن الماء التي يخاف الهلاك فيها.

ص: 400

عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ - وَمَرَرْتُ مَعَهُ بِبُقْعَةٍ - فَقَالَ:

سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (رُبَّ يَمِيْنٍ لَا تَصْعَدُ إِلَى اللهِ عز وجل فِي هَذِهِ البُقْعَةِ (1)) .

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَأَيْتُ فِيْهَا النَّخَّاسِيْنَ.

وَبِهِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكرٍ خَمْرٌ (2)) .

أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

إِنَّا لَنَحكِي كَلَامَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارِى، وَلَا نَستَطِيْعُ أَنْ نَحكِيَ كَلَامَ الجَهْمِيَّةِ (3) .

وَبِهِ: إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى يَقُوْلُ:

(1) إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله العمري، وشيخه عبيد بن أبي عبيد لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهو في " المسند " 2 / 303 من طريق عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم، عن عبيد، عن أبي هريرة.

(2)

إسناده حسن، وأخرجه مسلم (2003) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا:" كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة " وأخرجه أحمد 2 / 98، والترمذي (1861) ، وأبو داود (3679) ، والنسائي 9 / 558.

(3)

أتباع جهم بن صفوان الراسبي المكنى بأبي محرز، نشأ في سمرقند بخراسان، ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ، وكان مولى لبني راسب من الازد، وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في التنزيه، وإنكار صفات الله، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها.

وقد قتل سنة 128 هـ مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية

ص: 401

سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا عز وجل؟

قَالَ: فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ.

قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ تَقُوْلُ هَذَا.

قَالَ: لَا نَقُوْلُ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ، هُوَ مَعَنَا هَا هُنَا.

قُلْتُ: الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-:{وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] يَعْنِي: بِالعِلْمِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.

وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ - وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ -: كُنَّا - وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ - نَقُوْلُ:

إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤمِنُ بِمَا وَردَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إِمرَارُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءتْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَحرِيْفٍ، وَلَا تَشْبِيْهٍ وَلَا تَكْيِيفٍ، فَإِنَّ الكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الكَلَامِ فِي الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ.

وَقَدْ عَلِمَ المُسْلِمُوْنَ أَنَّ ذَاتَ البَارِي مَوْجُوْدَةٌ حَقِيْقَةٌ، لَا مِثْلَ لَهَا، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ -تَعَالَى- مَوْجُوْدَةٌ، لَا مِثْلَ لَهَا.

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ (1)) لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ

(1) ينفي غير واحد من أهل العلم ومنهم المؤلف نسبة هذا الكتاب إلى الامام أحمد، فقد رواه عن عبد الله بن الامام أحمد الخضر بن المثنى، وهو مجهول، والرواية عن مجهول =

ص: 402

الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:

سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا؟

قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِه، وَلَا نَقُوْلُ كَمَا تَقُوْلُ الجَهْمِيَّةُ: إِنَّهُ هَا هُنَا فِي الأَرْضِ.

وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الكِتَاب بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:

أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ خِفْتُ اللهَ -تَعَالَى- مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الجَهْمِيَّةِ.

قَالَ: لَا تَخَفْ، فَإِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لَا يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ.

وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ شُغْلٌ عَنْ سَقِيْمِهِ (1) .

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحَاجِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ:

سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قَرَأَ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ العَظِيْمِ.

= مقدوح فيها، ومطعون في سندها، ومما يقوي قولهم: أنا لا نجد له ذكرا لدى أقرب الناس إلى الامام أحمد ممن عاصروه وجالسوه، أو أتوا بعده مباشرة، وكتبوا في الموضوع نفسه، كالامام البخاري، وابن قتيبة، وأبي سعيد الدارمي.

(1)

لقد صدق هذ الامام رحمه الله، فإن في ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء وأي غناء على الأحاديث الضعيفة، ذات الضرر السيئ بالعقيدة والعبادة والسلوك، وقد نبه غير واحد من الأئمة على تجنب رواية الحديث، والاستشهاد به ما لم تعلم صحته من طريق حافظ مشهور متثبت من حفاظ الحديث.

ص: 403

قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: قُمْتُ لأَخْرُجَ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَذَاكَرَنِي عِنْد البَابِ بِحَدِيْثٍ - أَوْ ذَاكَرْتُهُ - فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتَّى جَاءَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ.

وَقَالَ فَضَالَةُ النَّسَائِيُّ: كُنْتُ أُجَالِسُهُم بِالكُوْفَةِ، فَإِذَا تَشَاجَرُوا فِي حَدِيْثٍ، قَالُوا: مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الطَّبِيْبِ حَتَّى نَسْأَلَه - يَعنُوْنَ: ابْنَ المُبَارَكِ -.

قَالَ وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِحَدِيْثٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الحَمِيْدِ! تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ لَقِيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ؟

فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا مِثْلُ عَبْدِ اللهِ، أَحْمِلُ عِلْمَ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَعِلمَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ اليَمَنِ، وَأَهْلِ الشَّامِ.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ.

فَقَالَ الشَّرِيْفُ لِغُلَامِهِ: قُمْ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا.

فَلَمَّا قَامَ لِيَركَبَ، جَاءَ ابْنُ المُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِه، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَفْعَلُ هَذَا، وَلَا تَرَى أَنْ تُحَدِّثَنِي؟

فَقَالَ: أَذِلُّ لَكَ بَدَنِي، وَلَا أَذِلُّ لَكَ الحَدِيْثَ.

رَوَى المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ المُبَارَكِ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ يَأْخُذُ - فَقَالَ:

قَدْ يَلقَى الرَّجُلُ ثِقَةً، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَقَدْ يَلْقَى الرَّجُلُ غَيْرَ ثِقَةٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ: ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ.

عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ

ص: 404

ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ قَطُّ: (حَدَّثَنَا) ، كَانَ يَرَى (أَخْبَرَنَا) أَوْسَعَ (1) ، وَكَانَ لَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَرفاً إِذَا قَرَأَ.

وَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلَا أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ.

الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي حَدِيْثِ ثَوْبَانَ:

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ (2)) : يُفَسِّرُهُ حَدِيْثُ أُمِّ سَلَمَةَ: (لَا تَقْتُلُوْهُمْ مَا صَلَّوْا (3)) .

وَاحْتَجَّ ابْنُ المُبَارَكِ فِي مَسْأَلَةِ الإِرْجَاءِ، وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَتَفَاوَتُ، بِمَا رَوَى عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ:

قَالَ عُمَرُ: لَوْ وُزِنَ إِيْمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيْمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجَحَ.

قُلْتُ: مُرَادُ عُمَرَ رضي الله عنه أَهْلُ أَرْضِ زَمَانِهِ.

نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِتْنَةٌ، وَلَا أَقُوْلُ لأَحَدٍ مِنْهُم هُوَ مَفْتُونٌ.

(1) قال أبو عبد الله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " 260: الذي أختاره في الرواية، وعهدت عليه أكثر مشايخي، وأئمة عصري: أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد: " حدثني فلان "، وما يأخذه عن المحدث لفظا مع غيره:" حدثنا فلان "، وما قرأ على المحدث بنفسه:" أخبرني فلان "، وما قرئ على المحدث وهو حاضر:" أخبرنا فلان ".

وقال يحيى بن سعيد: " أخبرنا " و" أنبأنا " واحد.

(2)

تقدم تخريج هذا الحديث في ص 215 تعليق رقم (1) فارجع إليه.

(3)

أخرجه مسلم (1854) في الامارة، والترمذي (2266) ، وأبو داود (4760) ، وأحمد 6 / 295، 302، 305، 321، من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا ".

ص: 405

وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُئِلَ: مَنِ السِّفْلَةُ؟

قَالَ: الَّذِي يَدُورُ عَلَى القُضَاةِ يَطلُبُ الشَّهَادَاتِ.

وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ البُصرَاءَ لَا يَأْمنُوْنَ مِنْ أَرْبَعٍ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يُدْرَى مَا يَصْنَعُ فِيْهِ الرَّبُّ عز وجل وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يُدْرَى مَا فِيْهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَفَضْلٍ قَدْ أُعْطِيَ العَبْدُ لَعَلَّهُ مَكْرٌ وَاسْتِدْرَاجٌ، وَضَلَالَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ، يَرَاهَا هُدَىً، وَزَيْغِ قَلْبٍ سَاعَةً فَقَدْ يُسلَبُ المَرْءُ دِيْنَهُ وَلَا يَشعُرُ.

قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ دِيْنَارٍ؛ صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ:

إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَتَصَدَّقُ لِمُقَامِهِ بِبَغْدَادَ كُلَّ يَوْمٍ بِدِيْنَارٍ.

وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ.

قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ (1) ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ.

قَالَ: فَقُلْتُ: لَا آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ، فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ:

يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ.

فَأَمسَكَ الرَّشِيْدُ.

الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:

سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْماً.

قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي.

يَعْنِي: لِمَ لَا يَصُوْمُهَا.

قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: (أَفْضَلُ

(1) بلد بالثغر من نواحي المصيصة.

ص: 406

الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ (1)) ، وَلَا حَدِيْثَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ (2) .

قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكِبْرُ؟

قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ.

فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ؟

قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لَا أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ.

قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَرْحَةٍ خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ العِلَاجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِ.

فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ.

فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقطٌ كَمْ يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ.

وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ؟

قَالَ: لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا بَعْدُ.

قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:

مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.

(1) أخرجه البخاري 3 / 13، 14، في التجهد: باب من نام عند السحر، ومسلم (1159) (189) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ".

(2)

انظر صحيح البخاري 6 / 327 في الأنبياء: باب قول الله تعالى (وآتينا داود زبورا) ومسلم (1159) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر.

ص: 407

وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ.

قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ - فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً (1)، ثُمَّ أَنْشَدَ:

دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ

وَاللهُ لَا يَقْبَلُ تَدْلِيْسَا

عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ.

قَدْ أَسلَفْنَا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى فُرُوْسِيَّتِه.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:

كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسُوْسَ، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرُ.

فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ! إِنْ قُتِلْتُ، فَافعَلْ كَذَا وَكَذَا.

ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ، وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةَ عُلُوجٍ، وَطَلَبَ البِرَازَ، فَكَأَنَّهُم كَاعُوا (2) عَنْهُ،

(1) التدليس: أن يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمع منه بصيغة لا تقتضي السماع، أو يصف الشيخ الذي روى عنه بأوصاف لا تعرف، وهو مذموم على الاطلاق، حتى بالغ إمام الجرح والتعديل شعبة بن الحجاج، فقال: لان أزني أحب إلي من أن أدلس، وقال: التدليس أخو الكذب، والصحيح الذي رجحه أئمة الحديث وجهابذته أن ما رواه الموصوف بالتدليس بلفظ محتمل لم يصرح فيه بالسماع لا يقبل، وما صرح فيه بالسماع يقبل، وهذا إذا كان المدلس ثقة في روايته.

(2)

كاعوا عنه: جبنوا، والكاعي: المنهزم.

ص: 408

فَضَرَبَ دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ، فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي:

يَا عَبْدَ اللهِ! لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ

، فَذَكَرَ كَلِمَةً.

قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلَا الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ العُلَمَاءِ.

وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.

وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ:

يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا مُعْتَبَرٌ.

وَقَدْ تَفَقَّهَ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلَامِذَتِهِ.

وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً، شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ.

قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفرَةَ ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلَةٍ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَكِ.

وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ:

كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ فَالُوذَقُ (1) ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:

إِنِّيْ دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا.

قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَوَجَدَ فِي

(1) الفالوذق، كالفالوذج نوع من الحلواء تسوى من لب الحنطة، فارسي معرب.

ص: 409

وَجْهِه عَبْدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ، فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:

وَفَتَىً خَلَا مِنْ مَالِهِ

وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ خَالِ

أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ

وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ السُّؤَالِ

وَقَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.

قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ:

كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم؟

قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ، وَمَعَهُ الغِلْمَةُ الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم، وَكُنَّا لَا نَقدِرُ عَلَى هَذَا.

قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعَهُ غُلَامٌ مُفرَّغٌ لِعَمَلِ الفَالُوذَجِ، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ.

أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ (1)) .

فَقُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ؟

قَالَ: فِي الغَزْوِ.

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 171، من طريق نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك..وأخرجه ابن حبان (1912) من طريق عمرو بن عثمان، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك..وهذا سند قوي، وأخرجه الحاكم 1 / 62 من طريق أحمد بن سيار، حدثنا وارث بن عبيد الله، حدثنا ابن المبارك

وصححه، ووافقه الذهبي.

ص: 410

عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.

قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً.

فَلَمْ نَجِدْه إِلَاّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ.

فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ.

قَالَ العَلَاءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ:

عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً

إِلَى النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ

أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ، قَالَ:

كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً، نَحْنُ نَرْزُقُكَ} (1) .

هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ.

وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ رحمه الله شَاعِراً، مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ:

إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ قَدْ وَلِي القَضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:

يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً

يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 176، وقد تحرف فيه " الضيق " إلى " الضيف ". وانظر تفسير ابن كثير 3 / 171.

ص: 411

احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا

بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ

فِصِرتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْد مَا

كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ

أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا

عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ

أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى

فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلَاطِيْنِ

إِنْ قُلْتَ: أُكْرِهْتُ، فَمَاذَا كَذَا

زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ

وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ:

أَمْلَى عَلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي إِلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ:

يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا

لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ

مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ

فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ

أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ

فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ

رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا

رَهَجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ (1)

وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا

قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لَا يُكْذَبُ:

لَا يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي

أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ (2)

هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا

لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لَا يُكْذَبُ

(1) الرهج والرهج: الغبار، والسنابك جمع سنبك طرف حافر الخيل وجانباه من قدام.

(2)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2 / 256 و342 و441. والنسائي 6 / 12، 13، 14، والحاكم 2 / 72، والبيهقي 9 / 161، من حديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والايمان في قلب عبد أبدا " وفي سنده ابن اللجلاج لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وله طريق آخر عند أحمد 2 / 340، والنسائي 6 / 12، 13، والحاكم 2 / 72 من حديث الليث، عن محمد

ابن عجلان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.

وهذا سند حسن، وصححه ابن حبان (1597) و (1599) .

ص: 412

فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ، فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ.

قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِدُ:

فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم

أَوِ اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا

وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لَا بُدَّ مَوْرِدُهَا

وَلَيْسَ يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ

وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً

فِيْهَا السَّرَائِرُ وَالجَبَّارُ مُطَّلِعُ

إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لَا انْقِضَاءَ لَهُ

أَوِ الجَحِيمُ فَلَا تُبْقِي وَلَا تَدَعُ

تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ

إِذَا رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا

لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ

قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا

وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ:

إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه

لِيْنٌ، وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلَامِ طَعَّانَا

فَلَا أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَراً

وَلَنْ أَسُبَّ - مَعَاذَ اللهِ - عُثْمَانَا

وَلَا ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ

حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا

ص: 413

وَلَا الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ، وَلَا

أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَا

وَلَا أَقُوْلُ: عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ، إِذاً

قَدْ قُلْتُ -وَاللهِ- ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا

وَلَا أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ، إِنَّ لَهُ

قَوْلاً يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا

وَلَا أَقُوْلُ: تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ

رَبُّ العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا

مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ

فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلَا هَامَانُ طُغْيَانَا

اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً

عَنْ دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا

لَوْلَا الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ

وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا

فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ (1)، قَالَ:

إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ! إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ.

وَقَالَ: أَمَا هُوَ القَائِلُ:

اللهُ يَدفَعُ بِالسُّلْطَان مُعْضِلَةً

...

فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلَا يَعْرِفُ حَقَّنَا؟

قَالَ الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فُضَيلِ

(1) مدينة على الفرات فوق الانبار من أعمال العراق، لكنها في بر الشام، والانبار في بر بغداد، والفرات يفصل بينهما، ودجلة تفصل بين الانبار وبغداد، وبها قبر هذا الامام.

ص: 414

بنِ عِيَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ مِنْ هَؤُلَاءِ القَوْمِ.

فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:

خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَال* ـ

آرُزِّ وَالخُبْزِ الشَّعِيْرِ

وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلَالاً

تَنْجُ مِنْ حَرِّ السَّعِيْرِ

وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا

كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأَمِيْرِ

لَا تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا

إِنَّهَا شَرُّ مَزُورِ

تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ

نِيْكَ مِنَ الحُوبِ الكَبِيْرِ

قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا

مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ بِيْرِ

وَارْضَ - يَا وَيْحَكَ! - مِنْ

دُنْيَاكَ بِالقُوتِ اليَسِيْرِ

إِنَّهَا دَارُ بَلَاءٍ

وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ

مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ

قَبْلَكَ أَصْحَابَ القُصُوْرِ؟

كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ

ثَاوٍ شَرِيْفٍ وَوَزِيْرِ؟

وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ

خَامِلِ الذِّكرِ حَقِيْرِ؟

لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو

هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ نَضِيْرِ

لَمْ تُمَيِّزْهُم، وَلَم

تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ فَقِيْرِ

خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى

تَحْتَ أَشقَاقِ الصُّخُورِ

وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ

بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ

احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا

مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ عَثُورِ

أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا

مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ؟

أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ

يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ المُبِيْرِ؟

أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ

يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ؟

اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ

بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ

ص: 415

قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْه.

وَلابْنِ المُبَارَكِ:

جَرَّبتُ نَفْسِي فَمَا وَجَدْتُ لَهَا

مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ كَالأَدَبِ

فِي كُلِّ حَالَاتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ

أَفْضَلَ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ

أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم

حَرَّمَهَا ذُو الجَلَالِ فِي الكُتُبِ

قُلْتُ لَهَا طَائِعاً وَأُكْرِهُهَا

: الحِلْمُ وَالعِلْمُ زَيْنُ ذِي الحَسَبِ

إِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ كَلَامُكِ يَا

نَفْسُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبِ

قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ:

أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ

أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ؟

وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أَنِّي

آمُلُ العَيْشَ وَالمَمَاتُ قَرِيْبُ

كَمْ أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي

وَنِدَائِي مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ

وَبِهِ:

يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلَا تَزْدَجِرْ؟

عَيْبُ الغِنَى أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ

مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ

عَلَى الغِنَى لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ

أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى

وَلَيْسَ تَعْصِي اللهَ كِي تَفْتَقِرْ

قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنشِدُ:

كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ

وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي؟

الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ

الدَّاعِيَاتُ نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ

القَائِلَاتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً

جَهدَ المَقَالَةِ: لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ

مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ

إِلَاّ التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ

ص: 416

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ (1) ، فَأَتَى بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ (2)، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:

أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا

مِنَ الحِصْنِ لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا

عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ، إِحْدَاهُمَا

تُقِلُّ بِهِ الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا

ثَلَاثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا

تَبَارَكْتَ يَا أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا!

فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا

وَمَا كَانَ يَمْلأُ تِلْكَ البُطُونَا

إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم

تَصَاغَرَتِ النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا

وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى

فَبَادُوا جَمِيْعاً، فَهُم هَامِدُوْنَا

وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ - وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ -:

اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ

إِذَا كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا

وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ

فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا

فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ

خَوْضٍ، وَإِنْ كُنْتَ بِالكَلَامِ فَصِيْحَا

وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ:

وَمِنَ البَلَاءِ وَلِلْبَلَاءِ عَلَامَةٌ

أَنْ لَا يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ

العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا

وَالحُرُّ يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ

قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:

(1) ضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه، وسكون النون، وفتح الدال، وزاي، وقال: هو في الأصل: اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة، وهي لغة كأنها لاهل خراسان وما وراء النهر خاصة.

أما السمعاني فقد ضبطه بضم القاف والهاء وسكون النون وضم الدال المهملة، وقال: هو من بلاد شتى، وهو المدينة الداخلة المسورة.

(2)

المن: معيار قديم كان يكال به أو يوزن، ومقداره 810 غرامات تقريبا.

ص: 417

الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى

مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِيْنِهِ

وَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى

فِي القَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِيْنِهِ

وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ

سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى جَبِيْنِهِ

فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَي* ـ

ـكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى قَرِيْنِهِ

رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ

غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى يَقِيْنِهِ

فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ

فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ بِدِيْنِهِ

قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:

لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ.

فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلَاماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلَاماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلَامِي.

يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.

قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهِيْتَ وَعَانَاتَ (1) ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.

قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، وَلَمْ أَرَهُ.

(1) قال ياقوت: بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهو مشرف على الفرات قرب حديثة النورة وبها قلعة حصينة.

ص: 418

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ.

قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟

قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ.

رَوَاهَا: رَجُلَانِ، عَنْ مُحَمَّدٍ.

وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ:

رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ هَهُنَا؟

قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي الأَرْضِ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَصِّيْصِيُّ: رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي.

قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَكِ؟

قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.

وَعَنْ نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟

قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ.

قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَاقُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ:

رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟

قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي.

قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.

قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ:

شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ.

وَلبَعْضِ الفُضَلَاءِ:

مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً

فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ

ص: 419

وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي

غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِي

وَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً

إِذَا هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ ثَلَاثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ الخَلَاّلُ، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:

المَرْءُ مِثْلُ هِلَالٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ

يَبدُو ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسِقُ

حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ

كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحِقُ

مِنْ (تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيِّ) : مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ:

كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ، فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا؟ أَوْ: مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا؟

فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فَأُعْجِبَ مَالِكٌ بِأَدَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ.

عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بِهَذِهِ فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.

وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ:

إِنَّا نُهِيْنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا.

ص: 420