الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
هنالك كتب يقول من يجوس خلال رياضها: حقاً لقد وقعت على كنوز متعددة متنوعة، لا على كنز واحد. من تلك الكتب تاريخ دمشق لابن عساكر وبغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم. وقد عايشت هذا الكتاب الثاني سنوات طويلة وكنت في كلِّ مرة أكتشف فيه أشياء جديدة. ولا ريب في أنَّ كمال الدين ابن العديم كان يملك مكتبة نادرة، وحرصا على العلم، وخطاً جميلاً، بالإضافة إلى ما كان يعمر في قلبه من محبة لحلب، ولمعالمها وللقرى والدساكر والحصون التابعة لها. وفيه تتجلى إلى جانب ذلك كله دقة المعالم، وحصافة الناقل. وعلى مدى الأيام أصبح كتاب بغية الطلب صديقاً مؤنساً، تارة أفهرس المواد التي أجدها فيه مفيدة لي في أبحاثي، وتارة أحاول ترتيب القرى المذكورة فيه؟ أرتبها على حروف المعجم وأعرِّف بها بالمقارنة مع المعاجم الجغرافية الأخرى؛ ولكن أكبر ما أقدمت عليه بوحي منه هو التعرف إلى مصادره الكثيرة، وكثير منها نادر. وكان أن أخذت أجمع النقول المأخوذة من كتاب واحد، وأضعها في نطاق، لكي يتمَّ لي تصوُّر المصدر الأصليّ الذي عنه أخذت، ومصادر بغية الطلب تعدّ بالعشرات، ولهذا كان عملي في البداية " ألهية " تؤدي إلى المعرفة وترسخها، ثم تطورت هذه الألهية حين حاولت أن أتجاوز بغية الطلب، وأبحث عما نقل في غيره من هذا المصدر أو ذاك. عندئذٍ اتسع نطاق العمل كثيراً، وفي مدى سنوات ركَّزت على ثلاثين باباً، وأهملت ما عداها، وراعيت أن تكون هذه الكتب في ميدانين أحببتهما وهما التاريخ والأدب.
وليكن القارئ على ثقة بأن ما لم أورده من الكتب أكثر بكثير من العدد الذي أوردته، لا استقلالاً من شأن ما أغفلت، وإنما لأنَّ العمل في ثلاثين كتاباً، وتحقيق حال مؤلفيها، كان عملاً مرهقاً، فكيف بطلب الشمول في إيرادها كلها. غير أن ما بقي مما لم يرد في هذا المجموع مثير للنزوع إلى الاطلاع بكثرته وتنوعه. فمن كتب الأنساب؟ وحدها؟ نجد ابن العديم يعتمد المصادر التالية:
1 -
نسب بني العباس لأبي موسى هارون بن محمد بن إسحاق العباسي.
2 -
كتاب المعقبين من ولد الحسن والحسين للحسن بن جعفر النسابة.
3 -
أنساب بني صالح بن علي بخط القاضي أبي طاهر صالح بن [؟.] الهاشمي.
4 -
المجرد في النسب للشريف أبي الغنائم عبد لله بن الحسن بن محمد الزيدي.
5 -
نزهة عيون المشتاقين في النسب للشريف أبي الغنائم الزيدي.
6 -
المنصف النفيس في نسب بني إدريس لمحمد بن أسعد الجواني.
7 -
نزهة القلب المعنَّى في نسب بني المهنا لمحمد بن أسعد الجواني.
8 -
الجوهر المكنون لمحمد بن أسعد الجواني.
9 -
القرع والشجر في النسب لأبي الحسين محمد بن القاسم التميمي.
10 -
ديوان العرب وجوهرة الأدب وإيضاح النسب لمحمد بن حمد بن عبد الله الأسدي.
11 -
مشجرة ولد العباس لبي المنذر علي بن الحسين بن طريف النسابة.
12 -
الكتاب المجدي في أنساب الطالبيين لأبي الحسن علي بن محمد العلوي المعروف بابن الصوفي.
هذه اثنا عشر كتاباً في علم واحد، لا أحسب أن واحداً اطلع عليها أو اهتمَّ بالبحث عنها؛ فماذا أذكر من كتبٍ في علوم أخرى؟ بل إن التاريخ الذي استغرق معظم هذا المجموع أرجأت الحديث عن كثير من مصادره، وعرض نصوصه: مثل تاريخ الفرغاني وتاريخ ثابت بن سنان وتاريخ السليل بن أحمد بن عيسى ومختصره
للشمشاطي، وتاريخ جمعة أبو إسحاق ابن حبيب السقطي، وتاريخ لعمر بن محمد ابن عبد الله العليمي، وتاريخ الرئيس حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي، وتاريخ جمعة الرئيس أبو علي الحسن بن علي بن الفضل الرازي، وتاريخ يحيى بن علي ابن عبد اللطيف بن زريق، والتاريخ المحدد لأبي الحسين محمد بن العباس بن محمد بن الحسن الكتاني الدمشقي، وغير ذلك كثير.
إن هذه الكثرة الهائلة من المؤلفات التاريخية وحدها؟ سواء منها ما عرضت له وما لم أعرض له؟ تجعل من المحتوم إعادة النظر في " تاريخ التاريخ " وعدم الاكتفاء في تصور تاريخ التأليف التاريخي على ما هو مطبوع.
فهذا الكتاب ليس سوى معرض لثلاثين كتاباً أكثرها في حكم المفقود، فهي على ما تقدمه من فوائد للباحثين كانت دفينة، تفتح المجال أمام المهتمين بالتراث، لكي يضيفوا إلى كل كتاب فيها ما يجدونه من نصوص فاتتني، ولا ريب في أنه فاتتني نصوص كثيرة، ولكي يضيفوا إلى الكتب الثلاثين كتباً أخرى ذات قيمة. وهذا " المعرض الجديد " مؤشر على شيئين: أولهما على كثرة الكتب المهمة التي ضاعت أو ما تزال مختفية، وثانيهما على مبلغ النقص في بعض الكتب التي نشرت.
ويؤكد هذا الكتاب أن القرن السابع الهجري قد رزق ثلاثة رجال كبار متقاربين لأنهم جميعاً كانوا يأوون إلى حلب وهم ياقوت والقفطي وابن العديم، ويتميز الأول بأنه كتبي " مثقف " لا يكتفي أن يكون نسخه للكتب مصدر رزق، بل أن يكون أيضاً مصدر ثقافة، ولذلك فإن إطلاعه لا يقل عن إطلاع زميليه الثريين اللذين يملك كل منهما مكتبة تضمَّ مئات من الكتب، وتتضح صورة هؤلاء الثلاثة في هذا الكتاب، لأنهم جميعاً اشتركوا في الاطلاع على مصادر بأعيانها وأفادوا منها في ما ألفوه من الكتب.
وأنا على يقين من أن الدارسين من ذوي الجد والحرص على العلم سيجدون في فهرس هذا الكتاب ما يسعفهم على الإفادة منه في دراساتهم وبخاصة لأنه يضم ثلاثين كتاباً، وذلك عدد غير قليل في شموله وتنوع مادته.
ولا يفوتني في خاتمة هذه الكلمة المجزة أن أتوجه بالشكر الجزيل لدار الغرب الإسلامي، وأخص بذلك صديقي الصدوق الحاج الحبيب اللمسي الذي استطاع في مدةٍ تعد قصيرة في عمر نشر الكتب أن يصدر عدداً من أروع كتب التراث وأهمها، وأن يعيد إلى الناشر العربي الذي تغوّل على حقله زمرة من الأدعياء، الثقة التي فقدها، باحترامه للكتاب؟ مادة وصفّاً وورقاً وتجليداً وفهرسةً؟ وباحترامه للكتاب والمحقق، على كل صعيد. وفقه الله في خدمة التراث العربي الإسلامي، وكلأه برعايته، وشملني برحمته، وجعل الخير لي منهجاً وغاية، إنه سميع مجيب.
في 20 أيلول (سبتمبر) 1987
الجامعة الأردنية
إحسان عباس