المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لأبي عمر وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي - شذرات من كتب مفقودة في التاريخ - جـ ١

[إحسان عباس]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌مقدمة

- ‌أخبار البرامكة

- ‌لأبي جعفر

- ‌عمر بن الأزرق الكرماني

- ‌كتاب الأحداث

- ‌لأبي جعفر

- ‌محمد بن الأزهر

- ‌وتاريخ محمد بن أبي الأزهر

- ‌وتاريخ ابن أبي الأزهر والقطربلي

- ‌سير الثغور

- ‌لأبي عمر وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي

- ‌تاريخ العظيمي

- ‌أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن نزار التنوخي الحلبي

- ‌الاستظهار في التاريخ على الشهور

- ‌للقاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد الرجي المعروف بابن السمناني

- ‌عنوان السير في محاسن أهل البدو والحضر

- ‌لأبي الحسن محمد بن عبد الملك الهمنداني

- ‌ تاريخ همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب التنوخي

- ‌تواريخ صنفَها بَنو منقذ

- ‌ أزهار الأنهار

- ‌لأسامة بن منقذ

- ‌ ذيل على تاريخ أبي غالب همام بن المهذب المعري

- ‌عمله

- ‌أبو المغيث منقذ بن مرشد بن علي بن منقذ

- ‌ تاريخ جمعَه

- ‌أبو الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن منقذ

- ‌مدرج للمرهف بن أسامة بن منقذ

- ‌علق فيه شيئاً من التاريخ

- ‌تاريخ مختصر

- ‌عمله

- ‌أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب الفرضي البغدادي

- ‌المعروف بابن الدهان (- 592/1195)

- ‌ذيل على مختصر تاريخ الطبري

- ‌تاريخ الوزير أبي غالب عبد الواحد بن مسعود بن الحصين الشيباني

- ‌حلية السريين من خواص الدنيسريين

- ‌لأبي حفص عمر بن الخضر بن اللمش بن الدزمش التركي

- ‌ تاريخ حران

- ‌لأبي المحاسن ابن سلامة الحراني

- ‌الاستسعاد بمن لقيته من صالحي العباد في البلاد

- ‌لأبي الفرج ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الأنصاري المعروف

- ‌سيرة أحمد بن طولون

- ‌سيرة خمارويه

- ‌سيرة محمد بن طغج الإخشيد

- ‌لابن زولاق " 306 387 /919 997

- ‌ سيرة أحمد بن طولون

- ‌لابن زولاق

- ‌ سيرة أبي الجيش خمارويه

- ‌لابن زولاق

- ‌ سيرة محمد بن طغج الإخشيد

- ‌لابن زولاق

- ‌ذكر الإخشيد

الفصل: ‌لأبي عمر وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي

5 -

(1)

‌سير الثغور

‌لأبي عمر وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي

100/ - 1010

(1) معجم الأدباء 12: 128 - 129.

ص: 37

فراغ

ص: 38

نسبة أبو عمرو إلى طرسوس قد تشير إلا أنه ولد فيها، وفيها تلقى علمه، ولقي عدداً من شيوخها ومن المقيمين فيها وروى عنهم الحديث مثل أبي الحسن أحمد بن محمد بن سلام الطرسوسي وأبن العلاف محمد بن عيسى البغدادي وأبي عمران موسى بن القاسم الأشيب القاضي، وقرأ فيها على أبي بكر الإسكاف، وسمع كتاب القراءات لأبن مجاهد على إسحاق بن خلود، ثم أرتحل في طلب العلم، فسمح بدمشق وبطرابلس وغيرهما من بلاد الشام. وتولى القضاء بمعرة النعمان ثم بكفرطاب ن وكان حسن الخط رغم سرعته في الكتابة، فنسخ كثيراً وجمع وصنف، فقد رأى ياقوت بخطه كثيراً من كتب الأدب والشعر، كما جمع دواوين لشعراء عصره ممن عاصر سيف الدولة،ابنه مثل أبي العباس الصفري، وصنف كتاباً في أخبار الحجاب.

أما كتابه " سير الثغور " فإنه يدل على علاقة وثيقة بثغر طرسوس، ومعرفة تامة بخططه، وعدد كبير من الصلحاء والأئمة والمجاهدين الذين عاشوا فيه، وفيه شهادات سماعية عن بعض فرسان طرسوسمثل يمن بن عبد الله الربداني، وأبان أبن أحمد بن أبن، وأعينها مثل أحمد بن هارون الكوفي، ومجاهديهما مثل أبي الطيب الجرجرائي وغيرهم، وهو يتحدث في كتابه اعتماداً على المشاهدة: " وقد رأيت في هذا المسجد (مسجد طرسوس) ما لا أحصي..) .

وقد ألف الطرسوسي هذا الكتاب للوزير أبي الفضل جعفر بن الفرات (1) وهو

(1) بغية الطلب 7: 13، 9:212.

ص: 39

وزير كافور المعروف بابن حنزابة (308؟ 391/ 921 - 1001)(1) وكان رجلاً مكرماً للعلماء محباً لهم. وحديثه في الكتاب يدل على أن ذلك الثغر كان ما يزال قائماً بدوره وناسه كما عرفهم أبو عمر، ونحن نعرف ان نقفور قد أنهى " دور الرباط " الذي اضطلعت به طرسوس سنة 354، وهذا يعني أن تأليف ذلك الكتاب تم بعد ذلك الحادث، وهو أمر مقبول من الوجهة الزمنية بالنسبة لحياة المؤلف وحياة الوزير نفسه، ولكننا لا ندري أية صلة للطرسوسي بمصر، إذ معظم نشاطه الذي نعرفه كان محصوراً في نطاق الديار الشامية. كذلك فأن عنوان الكتاب " سير الثغور " يعني انه يشمل ثغوراً أخرى عدا طرسوس (أنظر الملحقات) .

1 -

(2)

[قال في ذكر طرسوس ومنازلها] :ويلاصق شارع البرامكة إلى جهة الغرب دار راغب مولى الموفق بالله (3) وهي الدار الصغيرة، فيها مواليه وموالياته وأولادهم في حُجَرٍ مفروزة، وكانت الرياسة فيهم إلى بشرى الراغبي، ثم انتقلت إلى أحمد ابن بشرى ووقوفهم بنقابلس وغيرها، وضياع في أعمال طرسوس بنواحي باب قَلَمْيَة (4) منها ما يضمن ومنها ما يُقَوّم. .

تم تسير فتجد عجالين؟ يسارك إلى دار راغب الكبيرة، وهي على مثال

(1) ترجمته في معجم الأدباء 7: 163 - 177 وتاريخ بغداد 7: 334 ووفيات الأعيان: 346.

(2)

بغية الطلب 7: 13.

(3)

كان في طرسوس سنة 284 وفي ذلك العام نشأت فتنة بينه وبين دميانة، لأن راغباً ترك الدعاء لهارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون ودعا لبدر مولى المعتضد فانتصر راغب وحمل دميانة إلى بغداد، وفي السنة التالية (285) غزا في البحر، وغنم مراكب كثيرة وفتح عدة حصون (ابن الأثير 7: 484، 491) وفي التي تليها استدعاه المعتضد وهو بالرقة وحبسه بعد أيام (ابن الأثير 7: 496) .

(4)

قلمية تقع على ستة أميال من طرسوس (ابن الأثير 7: 406) وبها يسمى أحد أبواب طرسوس " باب قلمية "(معجم ياقوت 4: 166) .

ص: 40

دار السيدة غير أن تلك على فناء، وفي هذه الدار خدم وشيخ من الفرسان المقدمين منهم أبو هلال الراغبي؟

- 2 - (1)

وفي هذا الدار [يعني دار راغب الكبرى] خدم وشيوخ من الفرسان المتقدمين منهم ابو هلال الغرابي، أدركته أنا وهو ابن قريب من مائة سنة.

وحدثني أبو الطيب يمن بن عبد الله الزبداني، أحد فرسان طرسوس وقوادها، أنهم كانوا في بعض المغازي، فوافوا العدو، فظفر أبو هلال الخادم الراغبي بالمرلس أحد فرسان الروم، فأخذه أسيراً، فعرفه المرلس نفسه وقال: أبق علي فأنا المرلس، فدفعه إلى بعض السواس أو المكارين وقال له: امض به إلى الأمير ثمل (2) وعرفه انك أنت أسرته ليدفع إليك ما جرى الرسم بمثله في من أخذ أخيذاً. فلما فلما حصل عند ثمل قال له: من أسرك؟ قال: رجل خادم من حاله وعلامته، وجدته على فرس من شيته، والة ٍ وسلاح هو كذا وكذا، قال له ثمل: وما أخذك هذا السائس؟ قال: لا، فأذن فأذن ثمل للناس في المقام في ذلك المنزل، وكان إذا أقام العسكر في بلاد الروم بمكان نودي: ألا إن الأمير مقيم ليتسع الناس في الذبائح وغيرها من المآكل، ومن عرض له قبل الأمير مهم قصد في مضربه فقضى وطره. فلما أقام أتاه المسلمون بالتهنئة بالفتح وبالمظفر بالمرلس، والمرلس جالس بقرب ثمل مناجاته، فكلما دخل رجل للسلام قال له ثمل: أهذا الذي أسرك؟ فيقول: لا حتى جاء أبو هلال الراغبي فقام المرلس قائماً، وسجد لأبي هلال تعظيماً، قال لثمل: أيها الأمير هذا الذي أسرني، فقال أبو هلال: ما أعرف شيئاً مما تقول ولا هو أخيذي، فاستحلفه ثمل بحياته، فقال: نعم إلا أنه ليس من المروة أن يظهر الرجل حسن أفعاله، وإنما

(1) بغية الطلب 9: 212.

(2)

كان ثمل متولي الغزو في البحر منذ سنة 306 وله عدة غزوات بحرية، ثم أصبح والياً لطرسوس (انظر صفحات متفرقة من الجزء 8 من تاريخ ابن الأثير) .

ص: 41

يحسن بالإنسان أن يحدث عنه غيره بما يأتي من الجميل. قال ثمل: يا أبا هلال لو غيرك أخذ المرلس لم يسعنا معه أرض النصرانية ولا أرض الإسلام، قال أبو هلال: فأطلق للسائس أن يتكلم، قال ثمل: لا رونق للكذب ولا نفاذ.

- 3 - (1)

[ذكر سكة تعرف بابن دينار بطرسوس وقال] :فيها دور بني جهور القضاة، وآخر من مات منهم القاضي أبو الطيب ابن جهور وعنه كتبنا كتاب الفرائض تصنيف احمد بن فهد بن خالد بن مقرن، توفي عن خمسمائة ألف درهم سوى دوره وضياعه، وخلف ولدين وأبنة فأما الولد الذكر فإنه أنفق جميع ما خصه من ميراثه عن ابيه في مدة ثمانية أشهر كما ينفقه الشباب في بطالتهم، وتوفي ودفن إلى جانب أبيه.

- 4 - (2)

وفي الشارع [يعني شارع النهر بطرسوس] من الدور المذكورة دار ابن القحطبي على ضفة نهر بردان؟ وفيها كان يسكن أبو القاسم القحطبي أحد صلحاء الصوفية وأبو القاسم الأبار أحد الزهاد الأخيار.

- 5 - (3)

[في ذكر المسجد الجامع بطرسوس] : وفي هذا المسجد أقوام معروفون راتبون لا يقرأ عليهم، متوجهون إلى القبلة يصلون نافلة نهارهم أجمع إلا في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، لا يشغلهم عن ذلك إلا النداء بالنفير أو الغزو، أو

(1) بغية الطلب 9: 115.

(2)

بغية الطلب 9: 174.

(3)

بغية الطلب 2: 262.

ص: 42

تجديد أوتشييع جنازة من يموت من الصالحين، أو عيادة مريض من المجاهدين، منهم ابو يعقوب بن إبراهيم الشهرزوري، ما زال لازماً للجانب الغربي من منبر طرسوس عشرين سنة لا يفارقه، إذا أخذ المؤذنون في أذان صلاة الظهر ختم القرآن قائماً مصلياً أو كاد يختم، ثم يصلي من الظهر إلى العصر كذلك، هذا دأبه إلى أن مات، رحمه الله.

- 6 - (1)

وقد رأيت في هذا المسجد ما لا أحصي، فممن أذكره وأعرف أبو يعقوب إسحاق بن خلاد التيلمي، وقد قرأت عليه مراراً عدة قراءات، وسمعت منه كتاب القراءات، لأبي بكر أبن مجاهد من أوله إلى آخره، فمر في مجلسه الذي يقرأ فيه أكثر من ثلاثين شيخاً قراء أستاذين عباداً يشار إليهم بالفضل والنبل والورد والزهد. فأما قوام إسحاق بن خلاد فإنه كان إذا فرغ صحى كل يوم من دراسة من يقرأ عليه صار إلى بستان قد فارق صاحبه على أجرته لعمله في كل يوم قبل شيءً من القت معلوم بثلثي درهم، ينفق من ذلك في مئونته ومؤونة زوجته ثلث درهم ويتصدق بما يبقى، ولم يذق شيئاً من الفاكهة بيده أربعين سنة، وعمله في البستان، وهو يسرد الصوم خمسين سنة، وهذا دأبه.

- 7 - (2)

وفي هذا المسجد [مسجد طرسوس] زبرج الثلمي الأسود، ترك اللذة وزينة الدنيا في أيام ثمل رحمه الله وحفظ القرآن وبرع فيه وتنسك وجعل قوته من المباح وقوام عيشه مما يجمعه منه من سنة إلى سنة، وكان يأوي إلى دويرة له بباب الصاف، طريقه أليها على رجل يعرف بأبي الحسن أبن العلاء الأذني وكان ابن

(1) بغية الطلب 2: 269.

(2)

بغية الطلب 7: 142.

ص: 43

العلاء هذا من تناء مدينة أذنة وأحد وجوهها ويظهر حب الصالحين ويداخل أهل حصن أولاس ومن يجري مجراهم، فوشى به إلى بني عبد الباقي من أفسد حاله معهم، واقتضت الصورة أن ينحاز على أذنة إلى طرسوس لأنها كانت ملجأ كل طريد وعصمة كل شريد، وكان ذا لسان وحال، فحدث زبرج الثلمي من يأنس به أن أبن العلاء هذا سأله مراراً ورغب أليه أن يجعل إفطاره عنده وأنه لما أكثر عليه استحي منه فأجابه، فقدم له طعاماً عند زبرج بمأكل منه بعيد، فنال منه زيادة على العادة من قوته وما وظفه على نفسه وجاء إلى منزله فقام إلى وردة فلم يطق القيام لغلبة النوم عليه، فنام ورأى في منامه رجلاً أسود قد تناول عصا أطول ما يكون يضرب بها زبرجاً ولا يقلع عنه ويكرر عليه، قال زبرج: فقلت يا هذا كم تضربني، ولأي ذنب تضربني؟ قال: الساعة أقول لك، فما زال ينتبه في منامه وتغلب عليه ويعود الأسود لضربه، ويسأله زبرج عن ذنبه ليتنصل منها ويعتذر إليه، فلما بلغ فيه غايةَ ما يكره وكدَّه وتعسّفه بالضرب المبرّح، قال له: يا زبرج أتأكل طعامَ ابنِ العلاء؟ هذا الضربُ لذلك. قال فقلت: فإني لا أعود، قال: إن عدتَ عدنا. فأصبح كئيباً مهموماً، واجتاز بابن أبي العلاء (1) لأنه على مدرجةِ طريقه وقد استحكم طَعَمه فيه، فعاوده يسألُ أن يفطرَ عنده، فأبى، وعاوده وسأله ورغب إليه وقبّل بين عينيه ويديه ورجليه فقال: يا هذا ما يمكنُ بعدها أن أذوق لك طعاماً، فضيق عليه موضع الاعتذار، فحدثه بما رأى في منامه، ففارقه ولم يعدْ لمثلها. وخرج زبرج عن طرسوس، وخواصُّ الناس ينظرون إليه نظرهم إلى أبي الخير صاحب التينات أو أفضل، لأن زبرجاً من القراء المجاهدين، وحصل ببيت المقدس يشار إليه ومات بها رحمة الله عليه [قال ابن العديم: أظن أن زبرجاً خرج من طرسوس إلى بيت المقدس لما استولى نقفور على طرسوس في شعبان سنة 354والله أعلم] .

- 8 - (2)

وقد صلى بأهل هذا المسجد أئمة من أهل العفاف والستر، واليقين والتقوى

(1) كذا في الأصل.

(2)

بغية الطلب 9: 239.

ص: 44

والصبر والزهادة والعبادة وسموّ الذكر، منزلتهم في الدنيا والآخرة عظيمة، ومواقع منافع الإسلام وأهله بهم حسنة جسيمة، يُفْتَخَرُ بذكرهم عند القراء، وتستزل بهم بركات السماء منهم أبن أبي قباس، وكان من فرسان المحراب. حدثني أبو حفص عمر بن أحمد البروجردي المقرئ، شيخ عابد فاضل، قال: حدثني أستاذي السوسندرجي أن أبن أبي قباس كان إذا قرأ في محراب طرسوس سمعت قراءته في سوق الصفارين، وكان إذا خطب حير السامعين وألهى المحزونين. وحدثني أحمد بن هارون الكوفي، كهل من أبناء طرسوس، ووجوهها، قال حدثني أبي قال: كتب السلطان قديماً إلى الأقاليم بسبب أبن طولون، فسب على منبر طرسوس على لسان أبن أبي قباس كما سب كل مكان، وحج أبن أبي قباس فسلك الركب الذين كانوا معه طريق مصر فدخلوها في شهر رمضان، وكان يصلي بابن طولون عشرة أئمة كل واحد منهم تسليمة واحدة، فصار أبن أبي قباس إلى دار أبن طولون فدخل في جملتهم، ووقع للحجاب والبوابين أن أبن أبي قباس أحد العشرة المرسومين للصلاة، فلما أقيمت تقدم، وكل واحد من العشرة يحسبه يصلي على إذن مؤامرة، ومنهم من يحسبه أحدهم، فأفتتح فقرأ فحير السامعين شجى وطيباً وتمموا صلاتهم، فلما أرادوا النهوض للتراويح سألوه أن يصلي ترويحة ففعل ثم أخرى ثم أخرى حتى فرغ من جميعها ومن الوتر، وانصرفوا ولم يصل أحد من العشرة فرضاً ولا نافلة، فسأل أبن طولون حجابة عنه فقالوا: ما نعرفه ولا رأيناه قبل وقتنا هذا، وقال بعضهم: ما ظنناه إلا واحداً من العشرة المرسومين بالصلاة، فتقدم أبن طولون إلى الحجاب إن عاد أن لا يحجب، فعاد لليلته المقبلة وتقدم وصلى، فلما أراد الانصراف استوقفه الحجاب وسألوه من هو ومن أين هو، فما أجابهم، فرد إلى أبن طولون، فخاطبه وسأله عن أسمه ونسبه فقال: أنا أبن أبي قباس، فسر به سروراً عجيباً، وأمره بالصلاة به ما بقي الشهر وحده، وأمر بسبه بحيث يسمع كما سبه على منبر طرسوس، فستعفاه فأبى عليه، واستعفاه فما وجد له من محيصاً، سأله الأمان فأمنه وقام فخطب، فلما وصل إلى حيث يسب رخم واختصر، فحتم عليه أن لا يغادر من السب حرفاً واحداً إلا لفظ به ففعل، وأتى عليه عن آخره، فأمر له بألف دينار وزوده إلى مكة وحمله، فحج وعاد إلى طرسوس شاكراً لا بن طولون حامداً.

ص: 45

- 9 - (1)

[عد أئمة جامع طرسوس وخطباءه فقال] :

ومن الخطباء أبو القاسم ابن الحمامي وقد كان أوتي حظاً من الحكمة والبيان، ونصيباً وافراً من الخطب لكل شان، ورزق من حسن النثر في كلامه أمراً بديعاً ومن تأتيه لما يحدث من أحوال الناس سبباً صعباً منيعاً.

حدثني أبو الفرج أبان بن محمد بن أبان، أحد أمراء الثغر وحماته وفرسانه، وقد ذكر ذاكراً فضل أبي القاسم ابن الحمامي الخطيب وحسن فصاحته، فقال: كان بعض الأمراء نادى بغزاةً عقدها، فلما حضر المسجد الجامع للخروج منه على الرسم اتصل الشتاء، ودامت الأمطار والأنداء، فتثبط فريق من الناس عن السفر وعاين أبو القاسم وهو على المنبر دون ما يعهد من عدد من حضر، فخطب على رسمه ثم تلا وأومأ إلى الرعية يقول (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) وأومأ إلى السلطان الحاضر لعقد تلك الغزاة والخروج فيها، ثم قال (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) يومئ إليه وإليهم أخرى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولانصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله أجر المحسنين) (التوبة: 120) فتجددت نيات جماعة لموعظته في خطبته، وتجهزت طائفة كثيرة منهم للغزو بسرعةٍ من وقته الذي ذكر فيه وساعته، وتجلى لما برزوا إلى ظاهر البلد ما كان اتصل من المطر وشدته، ورزقوا في غزوتهم الظفر والقهر، والغلبة والنصر، وأوتوا بالأعلاج مصفدين وبالسبايا والغنائم مثقلين، فاعترف من تجددت نبته لأبي القاسم بفضله، وأن غزاته بحسن اختراعه في خطبته، وام كان الله تمم ذلك بعونه وقدرته.

(1) بغية الطلب 9: 174.

ص: 46

- 10 - (1)

ومن أئمة طرسوس الصالحين المذكورين بالقراءة وطيب الصوت ابن أبي علي سمينة، صلى بالناس بضع عشر سنة لم يقبل لأحدٍ براً ولا أجاب إلى قبول صلة.

حدثني أبو الطيب الجرجرائي، شيخ من المجاهدين، أن أبا محمد الأولاسي حدثه أن ابن سمينة حمل إليه بعض الأمراء ألف دينار ليصرفه الصالحين المسجدية فقال ابن أبي سمينة للرسول: أبلغ صاحبك السلام وقل له: لو علمت أن في هذا المسجد من يؤثر أن يرتزق مما أنفذت درهماً واحداً لما صليت بهم يوماً واحداً، فليرد المال على أهله.

- 11 - (2)

[بعد أن ذكر أبا حفص عمر بن الحسن الموصلي] : وكان أبو بكر الإسكاف المقرئ تقدم قبله فصلى بالناس ثلاثاً، يعني في صلاة التراويح، فأمتنع من الإمامة، وقد رأيته وقرأت عليه، وكان من الأبدال المبرزين. حدثني من أثق به أنه لقن في مدة خمسين سنة في جامع طرسوس هو ومن يقرأ عليه في مجلسه أكثر من عشرة آلاف رجل لمواظبته في دراسة القرآن وتلقينه، وأن حلقته كانت أكثر الحلق عدد من يتلقى ويلقن، وكان قد وفده أهل طرسوس إلى بغداد هو وأبو علي الأصبهاني مستصرخاً حين ضايقها نقفور.

- 12 - (3)

حدثني أبو العباس أحمد بن العباس بن أحمد الخواتيمي، وهو ابن القاضي وكان ممن يحتفظ إذا تكلم، ويعد من الصادقين، أنه أحصى على أبي بكر محمد

(1) بغية الطلب 9: 239.

(2)

بغية الطلب 9: 32.

(3)

بغية الطلب 1: 187.

ص: 47

بن محمد بن داود مدة شهري كانون الأول والآخر وعشراً من شباط في كل يوم كسوة لا تشبه التي تقدمها.

؟ توفي أبو العباس أحمد بن العباس بن الخواتمي أول يوم من شهر صفر من سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وكان يرجى ويؤهل للرياسة لفضله ونبله وستره وثقته وعدالته، وكان أبو القاضي عليلاً فلما عزوه به وأنصرف المعزون من داره، أمسك على لسانه فلم يتكلم ثلاثاً ومات (1) .

(1) في الملحقات تتمة وافية لهذا الكتاب " سير الثغور ".

ص: 48