الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 2، 3، 4 -
كتاب الأحداث
لأبي جعفر
محمد بن الأزهر
وتاريخ محمد بن أبي الأزهر
وتاريخ ابن أبي الأزهر والقطربلي
فراغ
قبل التعريف بم} لف كتاب الأحداث لابد من تقديم بعض الحقائق الضرورية، فهنالك ثلاثة أشخاص قد يقع اللبس لدى الحديث عن جهودهم في علم التاريخ وهم:
1 -
أبو عبد الله بن محمد الأزهر الأخباري وهو الذي ينقل عن أبن خلكان كثيراً من الأخبار المتصلة بيعقوب بن الليث الصفار وأخيه عمر (1) وقد ذهب دي سلان إلى أن هذا هو نفسه هو محمد بن أبي الأزهر الذي ذكره السخاوي ونسب اليه كتاباً كان اسمه " الهرج والأحداث "(2) ، والفرق واضح في أن أحدهما " ابن الأزهر " والثاني " ابن أبي الأزهر " وهما يختلفان في الكنية، كما سأوضح.
2 -
أبو جعفر محمد بن الأزهر من عيسى الأخباري (200، 279) ، سمع من أبن الأعرابي وغيره، وله كتاب التاريخ وهو من خيار الكتب (3) ، وهذا هو الذي نسب إليه أبن العديم الكتاب " الأحداث "، وغيره يقول: إن كتاب الأحداث لمحمد أبن أبي الأزهر (الآتي ذكره) .
3 -
أبو بكر محمد بن احمد بن مزيد (أو محمد بن مزيد) المعروف بابن أبي الأزهر وهو نحوي بوسنجي توفي سنة325، وقد ضعفه المحدثون ونسبوه إلى
(1) وفيات الأعيان 6: 402، 404 وينتهي النقل عنه ص 415.
(2)
الإعلان بالتوبيخ: 156 وروزنتال: 694.
(3)
الفهرست: 126.
الكذب، وقد قرن أبن النديم باسمه المهرج والمرج في أخبار المستعين والمعتز (1) وكذلك فعل المسعودي حين قال:" وكتاب محمد بن أبي الأزهر في التاريخ وغيره، وكتابه المترجم بكتاب الهرج والأحداث "(2)، وهذا يعني أن كتاب " الهرج والأحداث " كتاب واحد ولعله أن يقابل ما سماه أبن النديم " الهرج والمرج " وهنا موضوع أشكال لأن أبن العديم وهو دقيق في نقله نسب كتاب الأحداث للمكني بأبي جعفر (رقم:2) وعند السخاوي أن كتاب الهرج والأحداث لمحمد بن أبي الأزهر (دون ذكر للكنية) . فأين وجه الصواب في هذه القضية؟
من الصعب أن نخرج بحكم قاطع فأبو جعفر وأبو بكر كلاهما متعاصران إلا إن أبو بكر عمر طويلاً (إذ عاش أكثر من ثلاث وتسعين سنة)(3) وكلاهما أخباري. والقطعة التي أوردها أبن العديم تتصل بعهد المعتز (وهو محور كتاب الهرج والأحداث الذي ينسبه صاحب الفهرست والمسعودي لأبن أبي الأزهر) ، وعلى فقد نقدر أن أبن العديم وقع في الوهم رغم دقته أو أن هناك كتابين بهذا العنوان أحدهما لأبي جعفر والثاني لأبي بكر.
وما دام الرجحان في نسبة الكتاب يتجه نحو أب أبي الأزهر فلا بد من إشباع القول فيه وفيه جهوده العلمية: فقد كان الرجل متعدد المعارف، ويبدو أن النحو أستأثر باهتمام كبير ومنه عرف بأنه " مستملي المبرد "(4) فهو قد أخذ عن المبرد وعن أحمد بن محمد بن منصور الخياط (5) وعن العباس بن الفرج الرياشي (6) ، ووصف
(1) الفهرست: 165.
(2)
مروج الذهب 1: 16.
(3)
سنة 313 كان قد مضى من عمره ثمانون سنة وثلاثة أشهر (الفهرست) .
(4)
إنباه الرواة 3: 70 وتاريخ العلماء النحويين: 48 وطبقات الزبيدي: 116 وأمالي القالي 1: 31.
(5)
تاريخ العلماء النحويين: 48.
(6)
إنباه الرواة 2: 367.
بأن كانت عند أخبار الرياشي (1) وعن أخذ القالي (2) والسيرافي (3) وأبو الفرج الأصبهاني والمعافى بين زكريا وأبو بكر أبن شاذان والدارقطني (4) . وقد توقف الخطيب عن دور المحدث لديه وقرر بالخبر والأمثلة انه كان كذاباً يروي المناكير (5) ، وأوردت له المصادر مقطوعين من الشعر، فالأولى (6) :
لا تدع لذةَ يوم لغدٍ
…
وبع الغيَ بتعجيل الرَشَدْ
إنها إن أُخرتْ عن وقتها
…
باختداع النفس فيها لم تعد
فافشل النفسَ بها عن شغلها
…
لا تفكرْ في حميم وولد
أو ما خُبَرْتَ عما قيل في
…
مَثَلٍ باقٍ على مرَ الأبد
" إنما دنياي نفسي فإذا
…
تلفت نفسي فلا عاش أحد " والثانية هي:
إذا كنتُ احتاجُ في حاجتي
…
وأنت صديقيَ أن أُذْكِرَكْ
فحقُك عندي إذ ما قضيت
…
بعد اقتضائيَ أن أهجرك
فلا حظَ فيك لذي حاجةٍ
…
إذا كان حضك أن يعذرك ولأبن أبي الأزهر عدد من المؤلفات منها خارج نطاق التاريخ البحت: كتاب أخبار: كتاب أخبار عقلاء المجانين (7) وكتاب أخبار قدماء البلغاء (8) .
(1) لإنباه الرواة 2: 368 وأخبار النحويين البصريين: 68.
(2)
أمالي القالي 1: 31 وإنباه الرواة 1: 208.
(3)
أخبار النحويين البصريين: 68.
(4)
بغية الوعاة 1: 242.
(5)
تاريخ بغداد 3: 288 - 291 والوافي بالوفيات 5: 18 وميزان الاعتدال 4: 35 ولسان الميزان 5: 377.
(6)
الوافي بالوفيات: 5: 18 - 19.
(7)
الفهرست: 165 وبغية الوعاة: 242 وكشف الظنون 1: 27 وعنه ينقل ياقوت في معجم الأدباء فيسميه أحياناً ويغفل اسمه أحياناً أخرى، انظر مثلاً: 3: 18، 13: 296، 17: 132، 150.
(8)
الفهرست: 165.
أما في ميدان التاريخ فقد وردت المؤلفات الآتية:
(1)
كتاب في التاريخ (أو في التاريخ وغيره) ، كما ذكر المسعودي وابن العديم (1) ، وكلاهما نقل عنه، فنقل عنه المسعودي خبراً متصلاً بالواقدي (2) وآخر بأبي تمام (3) .
(2)
كتاب الهرج والمرج أو الهرج والأحداث، كما ذكر أبن النديم والمسعودي والسيوطي (4) وينقل السخاوي عن سنان بن ثابت نقداً لهذا الكتاب جاء فيه: فألف كتاباً جعله رسالة لبعض إخوانه من الكتّاب، واستفتحه بجوامع الكلام في أخلاق النفوس وأقسامها من الناطقة والغضبية والشهوانية، وذكر لمعاً من الساسات المدنية مما ذكره أفلاطون في كتابه فيها من العشر المقالات، ولمعاً مما يجب على الملوك والوزراء، ثم خرج إلى أخبار زعم أنها صحَّتْ عنده ولم يشاهدها، ووصل ذلك بأخبار المعتضد بالله وذكر صحبته إياه وأيامه السالفة معه، ثم ترقى إلى خليفةٍ خليفةٍ في التصنيف مضادة لرسم الأخبار والتواريخ وخروجاً من عمل أهل التصنيف، وهو وإن أحسن فيه ولم يخرجه عن معانيه فإنما عيب لأنه خرج من صناعته، وتكلف ما ليس من مهنته (5) ، ولو أقبل على علمه الذي أنفرد به من علم إقليدس والمقطعات والمجسطي والمدورات، ولو أستفتح آراء بقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس مخبراً عن الأشياء الفلكية والآثار العلوية والمزاجات الطبيعية والسبب والتأليف والنتائج والمقدمات، والصنائع والمركبات، ومعرفة الطبيعيات من الإلهيات والجواهر والهيئات ومقادير الأشكال، وغير ذلك من أنواع الفلسفة، لكان قد سلم مما
(1) بغية الطلب 2: 35.
(2)
مروج الذهب 4: 331 ومعجم الأدباء 18: 280.
(3)
مروج الذهب 4: 371 - 374.
(4)
انظر أيضاً كشف الظنون 2: 2043.
(5)
الإعلان: من معانيه.
تكلفه، وأتى بما هو أليق بصنعته، ولكنَّ العارف بقدره معدوم، والعالم بمواضع الخلل مفقود (1) .
هذا النقد نفسه أورده المسعودي في مروج الذهب (2) ، ولكنه لم يوجهه إلى كتاب الهرج والأحداث وإنما وجهه إلى سنان بن ثابت نفسه، إذ قال:" ورأيت سنان بن ثابت بن قرة البحراني حين انتحل ما ليس من صناعته واستنتج ما ليس من طريقته قد ألف كتاباً جعله رسالة إلى بعض إخوانه من الكتاب؟. إلخ "
ومن الواضح هنا أن الوهم قد تلبَّس بنصّ السخاوي لورود الخبر عن أبن أبي الأزهر وعن سنان متواليين في مروج الذهب، ومما يؤيد ذلك أن لا أحد يدفع ابن أبي الأزهر عن المشاركة في التاريخ، لأن المسعودي نفسه - وهو الذي ينقل عنه السخاوي - قد أباح لنفسه النقل عن تاريخ أبن أبي الأزهر، ثم أن المشهور بمعرفة إقليدس والمجسطي والمنطق والفلسفة والطب هو سنان بن ثابت، ولا علاقة لابن أبي الأزهر بهذه العلوم، فكيف يحثُّ على التزام خطة ليس لها فيه أدنى نصيب؟
(3)
كتاب في التاريخ اشترك في تأليفه مع القطربلي، وقد عرف المسعودي هذا الكتاب ونقل عنه دون أن يسميه، فحيث تجده يقرن بين الاسمين فمعنى ذلك أنه ينقل عن ذلك الكتاب، وذلك مثل قوله: حدث عبد لله بن الحسين بن سعد الكاتب (يعني القطربلي) وابن أبي الأزهر عن محمد بن يزيد النحوي المبرد؟ الخ (3) . ونقل عنه الزبيدي في طبقات النحويين فقرة تتعلق بالمبرد (4) ، كما اطلع ابن القارح عليه ونقل عنه حكاية عن أحد المتنبئين، وظن أنها تدور حول أبي الطيب المتنبي، فقال ابن القارح: حكى القطربلي
(1) الإعلان بالتوبيخ: 157 وروزنتال: 694.
(2)
مروج الذهب 1: 16.
(3)
مروج الذهب 4: 367.
(4)
طبقات النحويين: 101.
وابن أبي الأزهر في كتاب اجتمعا على تصنيفه، وأهل بغداد وأهل مصر يزعمون أنه لم يُصَنَّفْ في بغداد مثله لصغر حجمه وكبر علمه (ثم أورد حكاية المتنبي)(1) . وكان ردُّ أبي العلاء في توهين الحكاية أن المتنبي المذكور حبس بالعراق ولم يُعرف ذلك عن أبي الطيب لأنه إنما حبس في الشام (2) ، وأما اجتماع اثنتين على تأليف كتاب فذلك من الزّول - في رأي أبي العلاء - وذلك متعذَّر في بني آدم، إذ كانت الجبلة على الخلاف وقلة الموافقة (3) . وما عدَّه أبو العلاء عجيباً تؤكد وقوعه - رغم غرابته - تلك النقول الهامة التي أوردها ابن العديم في بغية الطلب.
أما القطربليّ المشارك في هذا التأليف فاسمه كما ذكر المسعودي، وكما أكد ذلك أيضاً ابن العديم، عبد لله بن الحسين بن سعد الكاتب. ويؤخذ من خبر عابر في وفيات الأعيان (4) أنه كان صديقاً ليحيى بن علي المنجم وأن هذا أقام عدة أيام " في قصف وشرب وصبوح وغبوق " بمنزله في الرحبة (5) ، وعلى هذا ينتفي أن يكون القطربلي المشارك لابن ابي الأزهر في تأليف ذلك الكتاب هو الذي ذكره صاحب الفهرست باسم أحمد بن عبد لله بن الحسبن بن سعد بن مسعود القطربلي (6) ، فهذا هو القطربلي الإبن، وكان مهتماً بالتاريخ مثل والده، وله كتاب التاريخ عمله إلى أيامه، وكتاب فقر البلغاء، وكتاب المنطق.
أما القطربلي الأب فقد كان له مؤلفات تمثل جهداً مستقلاً عدا الجهد الذي بذله مع ابن أبي الأزهر في ذلك الكتاب المشترك. ويذكر المسعودي أن له: " كتاب التاريخ وأخبار الخلفاء من بني العباس وغيرهم "(7) ، ويبدو أن هذا يعني
(1) رسالة ابن القارح إلى أبي العلاء (مطبوعة مع رسالة الغفران) : 25.
(2)
رسالة الغفران: 410.
(3)
رسالة الغفران: 416، والزول: العجب.
(4)
وفيات الأعيان 6: 200.
(5)
توفي ابن المنجم هذا سنة 300هـ؟.
(6)
الفهرست: 138، وقد ورد هذا الخطأ في التعليق على رسالة الغفران:410.
(7)
مروج الذهب 1: 16.
كتابين لا كتاباً واحداً أحدهما كتاب في التاريخ والثاني في أخبار الخلفاء، وأغلب الظن أن ما نقله المسعودي فإن مصدره هو كتاب التاريخ (1) ، وقد أكد النجاشي نسبة كتاب التاريخ له، وذكر أنه كان من خواص سيدنا أبو محمد (أي أنه كان من وجوه أهل الأدب)(2) ، فهو يوصف الكتاب، وله في مروج الذهب ثلاث مقطعات من الشعر (3) ، وكانت بينه وبين البحتري علاقة وثيقة (4) .
ومن الواضح أن كلا الرجلين ابن أبي الأزهر والقطربلي كان متشيعاً في ميوله.
- 1 - (5)
سنة 205: وقد كان أحمد المولّد وجّه من سرّ من رأى في جماعة من الأتراك لمعونة أيوب بن حمد عند محاربته محمد بن خالد بالسُّكَير، وأتبع بسيما أخي مفلح، وكان مقداماً سفاكا للدماء فملأ ايدهما من أموال محمد بن خالد وغيره من أموال بني المعمر، ثم كتب إليهما فلحقا صفوان، فأقام سيما معه، ومضى أحمد المولّد إلى قنسرين وحمص، وقتل أحمد المولد في طريقه خلقاً كثيراً، ثم وافى حمص، وبايع مؤمل وغطيف المعتز، فأقام أياماً بحمص، ثم اغتال غطيفاً فضرب عنقه صبراً ووجه برأسه إلى سرّ من رأى، وورد الخبر على المعتز بفتوح أحمد المولد، وتوجه في طريقه إلى الشام ومعه صفوان بن إسحاق إلى أهل باجدّا، فأقام عليهم وحاصرهم حتى دخلوا في طاعة المعتز وبايعوا، وتوجه إلى حران فأقام عليها ثلاثاً، وناوشوه شيئاً من القتال ثم فتحت فبايعوا المعتز، وتتبع كور قنسرين كورة كورة يفتحها ويبايع أهلها للمعتز، خلا حلب ومنبج وإنطاكية فإنهم أقاموا على طاعة
(1) مروج الذهب 4: 367، 368.
(2)
رجال النجاشي: 170.
(3)
مروج الذهب 5: 117، 182.
(4)
انظر أخبار البحتري: 51 وديوانه.
(5)
بغية الطلب 2: 165 (من كتاب الأحداث لأبي جعفر محمد بن الأزهر) .
المستعين مع محمد بن هارون بن العوفية، فقتل منهم أبو العوفية مقتلة عظيمة، ثم دخل أحمد المولد البلد فبايعه أهلها.
- 1 - (1)
سنة 215: فيها [ولي حلب والعواصم بأسرها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين، استعمله عليها المأمون وعزل ابنه العباس بن المأمون] ثم عزل المأمون إسحاق بن إبراهيم في هذه السنة وأعاد ابنه العباس بن المأمون إلى الولاية وعقد لإسحاق ولاية مصر. وقد روي عنه إنشاد من الشعر، وحكى عنه أحمد بن محمد بن المدبر وأبو حشيشة، وكان أميراً عاقلاً متميزاً مذكوراً، وجيهاً كريم الأخلاق، وعظم أمره عند المتوكل حتى جعل إليه أمر القضاء، فعزل وولّى.
- 2 - (2)
وذكر الفضل بن مروان أن أشناس (3) كان إذا سكر عربد، وكانت امرأته غالبة عليه، وكان يخافها خوفاً شديداً، فإذا بلغها عربدته شدت عليها ثيابها وأخذت قوسها وسهمها ووقفت بإزائه تشتمه وتهدد فينام، فشق ذلك على المعتصم فبعثني إليها أنكر عليها فعلها واعرفها محل أشناس وجلالته، وان هذا يغض منه فقالت: ما أجيبك إلا بحضرته، فلما حضر قالت له: أتكره ما أفعله أم تحبه؟ قال: بل احبه واسر به فقالت: ما عندي لك جواب غير هذا، قال: فرجعت للمعتصم فأخبرته فأمسك عنها.
ومات أشناس سنة ثلاثين ومائتين في شهر ربيع الأول.
(1) بغية الطلب 2: 235 (من تاريخ محمد بن أبي الأزهر الكاتب) .
(2)
بغية الطلب 3: 247 (من تاريخ ابن أبي الأزهر) .
(3)
كان أشناس التركي قائداً مذكوراً في عهد المأمون والمعتصم وكان على مقدمة المعتصم في فتح عمورية.
- 1 - (1)
سنة 226: وفيها مات إسحاق بن عيسى الطباع بأذنه
- 2 - (2)
سنة 282: وفي شعبان منها كان الفداء بين المسلمين والروم على يد أحمد ابن طغان (3) وورد كتاب فيه: أعلمك أن أحمد بن طغان نادى في الناس بحضور الغداء نادي في الناس بحضور الغداء، وأنه صلّى في الجامع وركب منه، ومعه راغب ومواليه ووجوه البلد والقواد والموالي والمطوعة، بأحسن زي وأكمل عدة، ووقع الفداء يوم الثلاثاء لتسع خلون منه، فأقاموا على ذلك اثني عشر يوماً، فكان جملة من فدي به من المسلمين من رجل وإمرأة وصبي ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس، وأنصرف الفريقان، وخرج أحمد بن طغان وأستخلف على طرسوس دميانة ولم يعد إلى طرسوس. ولما كان في هذا الشهر - يعني في صفر سنة أربع وثمانين - وافى يوسف بن البغامردي يخلف بن طغان على طرسوس، فهوى به دميانه، فوثب براغب، فنصر راغب وقبض على دميانه، وابن البغامردي وابن اليتيم، فقيدهم وبعث بهم إلى بغداد، وكتب أهل طرسوس إلى هارون بن خمارويه: لا توجه إلين إلينا واليا من قبلك، فإن اتانا قاتلناه، فكف عنهم، وبعثوا إلى المعتضد ليولي عليهم والياً.
- 3 - (4)
سنة 289: وفي آخر هذه السنة ظهر رجل يقال له محمد بن عبد الله بن يحيي
(1) بغية الطلب 2: 290 (من تاريخ القطربلي وابن أبي الأزهر) .
(2)
بغية الطلب 1: 117 (من تاريخ القطربلي وابن أبي الأزهر)
(3)
قائد من قواد خمارويه بن أحمد بن طولون ولي على طرسوس وعلى جميع الثغور الشامية سنة 279 وعزل عنها محمد بن بن موسى الأعرج، وكان أحمد بن طغان حسن السيرة في تدبير الثغور مشكور السياسة وله غناء في الجهاد، وإليه ينسب المدي الطغائي الذي كان أهل طرسوس يتعارفونه.
(4)
بغية الطلب 1: 132 (من تاريخ القطربلي وابن أبي الأزهر) .
من ولد إسماعيل بن جعفر العلوي بنواحي دمشق يدعو إلى نفسه واجتمع إليه خلق كثير من الأعراب وأتباع الفتن، فسار بهم اإلى دمشق وكان بهم طغج بن جف موالى أمير المؤمنين على مصر والشام، فلما بلغه خبره استعد لحربه، وتحصن بدمشق فحصر هذا العلوي بها وكانت بينهما وقعات.
- 4 - (1)
سنة 290: وفي هذه السنة جرت بين طغج بن جف وبين القرمطي حروب كثيرة، كلها على طغج، فكتب إلى هارون يستنجده، فوجه إليه من مصر جيشاً بعد جيش، وكان ذلك يهزمهم القرمطي، ثم وجه هارون بن خمارويه ببدر الحمامي، وكتب إلى طغج في معاضدته، وضمّ إليه وجوه القواد بمصر والشام. وخرج إلى القرمطي كان بينهم حروب كثيرة أتت على أصحاب بدر الحمامي. وكان هذا القرمطي قد جعل علامته ركوبَ جملٍ من جماله، وترك ركوب الدواب، ولبس ثياباً واسعة وتعمم عمة أعربية، وأمر أصحابه ألا يحارب أحداً وأن أُتِيَ عليهم، حتى ينبعث الجمل من قبل نفسه من غير أن يثيره أحد، فكانوا إذا فعلوا ذلك لم يهزموا، وكان إ ذا أشار بيده إلى ناحية من النواحي إنهزم من يحاربه، واستغوى بذلك الأعراب، فخرج إليه بدر يوماً لمحاربته فقصد القرمطي رجل من أصحاب بدر يقال له زهير بزانة فرماه بها فقتله، ولم يظهر على ذلك أصحاب بدر إلا بعد مدة، فطلب في القتلى فلم يوجد، وكان يكنى أبا القاسم.
قال ابن أبي الأزهر: وحدثني كاتبه المعروف بإسماعيل بن النعمان - ويكنى بأبي المحمدين - وسبب هذه الكنية أنه وافى مع جماعه من القرامطة بعد الصلح وقبولهم الأمان من القاسم بن سيما وكان على طريق الفرات ومن عبد الله بن
(1) بغية الطلب 1: 122 - 137 (من تاريخ القطربلي وابن أبي الأزهر) .
الحسين بن سعد وكان على القابون، فكان القاسم بن سيما يكنى أبى محمد وصاحب الخرائط قرابة أبي مروان يكنى أبا محمد فكنى إسماعيل هذا أبا المحمدين فبقي معروفاً بذلك، فحدثني إسماعيل عن هذه الوقعة قال: فصرت أليه غير مرة وهو راكب على نجيبه، وعليه دراعة ملحم، فقلت له: قد اشتد الأمر على أصحابنا، وقد قربوا منك، فتنح عن هذا الموضوع إلى غيره، فلم يرد علي جواباً ولم يثر نجيبه، فعدلت أليه ثانية فقلت له: قم، فانتهرني ولم يرم إلى أن وافته زانة - أو قال: حربة فسقط عن البعير، وكاثرنا من يريد أخذه فمنعنا منه، وقتل زهاء مائة إنسان في ذلك الموضوع، ثم أخذنا وتنحينا بأجمعنا. فقلت: أهذا الذي أقمتموه مقامه أهو أخوه؟ فقال: لا والله ما نعلم ذلك، غير أنه وافانا قبل هذه الحادثة بيومين فسألناه من أنت من الأمام؟ فقال: أنا أخوه، ولم نسمع من الشيخ شيئاً في أمره - يعني المتكني بأبي القاسم وكان هذا المدعي أخاه يكنى أبا العباس، وأسمه أحمد بن عبد الله، فعقد لنفسه البيعة على القرامطة، ودعاهم إلى مثل ما كان أخوه يدعوهم إليه، فاشتدت شوكته، ورغبت البوادي في النهب، وانثالت عليه أنثيالاً، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر من هذه السنة، ثم صار إلى دمشق فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه، فانصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف دمشق وحمص فتغلب عليها وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدي، ثم صار إلى مدينة حمص فأطاعه أهلها وفتحوا له بابها فدخلها، ثم صار إلى حماة وسلمية وبعلبك فاستباح أهلها وقتل الذراري ولم يبق شريفاً لشرفه ولا صغيراً لصغره ولا امرأة لمحرمها، وقتل أهل الذمة وفجروا بالنساء.
حدثني من كان معهم قال: رأيت عصاماً سيافه وقد اخذ من بعلبك امرأة جميلة جداً، ومعها طفل لها رضيع، فرأيته والله قد فجر بها، ثم أخذ الطفل بعد ذلك فرمى به قطعتين، ثم عدل إلى أمه بذلك السيف نفسه فضربها به فبترها. فلما اتصل عظيم خبرهم إقدامهم على انتهاك المحارم ودام، خرج أمير المؤمنين المكتفي بالله متوجهاً نحوه يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر رمضان في قواده ومواليه وغلمانه وجيوشه، وأخذ على طريق
الموصل، ثم صار إلى الرقة وأقام بها، وأنفذ الجيوش نحو القرامطة، وقلد القاسم ابن عبيد الله بن سليمان تدبير أمر هذه الجيوش، فوجه القاسم: محمد بن سليمان الكاتب صاحب الجيش خليفةً له على جميع القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة، فنفذ عن الرقة في جيش ضخم وآلة جميلة وسلاح شاك، وكتب إلى جميع القواد والأمراء في النواحي بالسمع له والطاعة لأمره، وضم محمد بن سليمان القواد بعضهم إلى بعض، وصمد نحو القرمطي، فلم يزل يعمل التدبير ويذكي العيون ويشاور ذوي الرأي ويتعرف الطرقات إلى أن دخلت سنة إحدى وتسعين.
وفي أول السنة كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن سليمان وإلى سائر القواد ومناهضة القرمطي فساروا إليه، فالتقوا على اثني عشر ميلاً من حماة في موضع بينه وبين سليمة، فاشتدت الحرب بينهم وصدقوهم القتال، فتجمع القرامطة وحملوا على الميمنة حملة رجل واحد، فثبت الأولياء فمروا صادفين عنها وجعلوها هزيمة، ومنح الله أكتافهم، وقتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي، واستمرت بهم الهزيمة، وطلبهم الأولياء إلى وقت صلاة عشاء الآخرة من ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم. ولما رأى القرمطي ذلك ورأى من بقي من القرامطة قد كاعوا عنه حمل أخاً له يدعى أبا الفضل مالاً وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع آخر فيصير إليه. وتجمع رؤساء القرامطة وهم الذين كانوا صاروا إلى رحبة مالك بن طوق فطلبوا الأمان، وهم أبو المحمدين والنعمان بن أحمد وأحمد بن النعمان أخو أبي المحمدين ووشاج وعطير وشديد بن ربعي وكليب من رهط النحاس وعصمة السياف وسحيفة رفيقة ومسرور وغشام، فقالوا للقرمطي وهو صاحب الخال: وقد وجب حقك علينا، وقد رأيت ما كان من جدنا واجتهادنا، ومن حقك علينا أننا ندعك ورأيك، وإنما يطلبنا السلطان بسببك، فانج بنفسك، فأخذ ألف دينار فشدها في وسطه في هميان، وأخذ معه غلاماً له رومياً يقال له لؤلؤ كان يهواه ويحل من محل بدر من المعتضد بالله، وركب معه المدثر، وكان يزعم أنه أبن عمه، والمطوق غلامه، ومع كل واحد هميان في وسطه، فأما المطوق وهو أتخذ له سخابٌ وقت دخوله إلى مدينة السلام
فإني سألت عنه أبا المحمدين فذكر لأن رجل من أهل الموصل، وأنه صار إلى الأمام بزعمه، فجعل يورق له ويسامره، ولم يعرف قبل ذلك الوقت، واخذ دليلاً وسار يريد الكوفة عرضاً من البرية، فغلط بهم الدليل الطريق، وأخرجهم بموضع بين الدالية والرحبة يقال له بنو محرز، فلما صاروا إلى بني محرز نزلوا خارج القرية في بيدر عامر فأخرجوا دقيقاً كان معهم في مزود واقتدحوا ناراً واحتطبوا ليخبزوا هناك، وكان وقت مغيب الشمس، فعلا الدخان، وأرتاب الموكلون ببني محرز من أصحاب المسالح بما رأوه، فأموا الموضع فلقوا الدليل، فعرفه بعضهم فقال: ما وراءك؟ قال: هذا القرمطي وراء الدالية، فشدُّوا عليهم فأخذوهم، وكتبوا إلى أبي خبزة وهو في الدالية يعلمونه بهذا، فأتاهم ليلاً فأخذهم وصار بهم إلى الدالية، وأخذ من وسط غلام له همياناً فيه ألف دينار ومن وسط المدثر مثل ذلك، وأخذ الهميان الذي كان مع القرمطي، ووكل بهم في دارٍ بالدالية، وكتب إلى أحمد بن محمد بن كشمرد، وهوبالرحبة، يخبره، فأسرع السير اليهم، فلنا وافى احتبس القرمطي في بيت لطيف في مجنب الحيري. فحدثني بعض اهل الدالية قال: لما وافى ابن كشمرد سأل القرمطي: ماذا اُخِذَ منك؟ قال: ما أُخِذَ مني شيء، فقال له المطوق: أتبغي من الإمام ما لا يحسن منه الإقرار به؟ ودعا بالبزاز فأخذ ثياباً، ثم دعا بالخياط ليقطع للقرمطي تلك الثياب، فقال الخياط للقرمطي: قمْ حتى أقدِّرَ الثوبَ عليك، فقال المطوق للخياط: أتقول يا أبن اللخناء للإمام قم؟ اقطع - ثكلتك أمك - على سبعة أشبار. وصار أبن كشمرد وأبو خبزة بالقرمطي إلى الرقة، ورجعت جيوش أمير المؤمنين بعد أن تلقطوا كل من قدروا عليه من أصحاب القرمطي في أعمال حمص ونواحيها.
وورد كتاب القاسم بن عبيد الله بأن القرمطي أُدخلَ الرقةَ ظاهراً للناس على جملٍ فالج، وعليه برنس حرير ودراعة ديباج، وبين يديه المدثر والمطوق على جملين، في يوم الاثنين لأربع ليال من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين، حتى صير بهم إلى دار أمير المؤمنين بالرقة، فأوقفوا بين يديه، ثم أمر بهم فحبسوا، واستبشر الناس والأولياء بما هناه الله في أمر هذا القرمطي، وقرظ أمير المؤمنين
القاسم بن عبيد الله في هذا الوقت وأحمده فيما كان من تدبيره في أمر هذا الفتح، وخلع عليه خلعةً شرَّفه بها، وقلده سيفاً، ولقبه بولي الدولة، وانصرف إلى منزله بالرقة. وخلف أمير المؤمنين عساكره مع محمد بن سليمان، وشخص من الرقة في غلمانه ووجوه من أصحابه وحرمه، وشخص معه أبو الحسين القاسم بن عبيد الله إلى بغداد، وجعل معه القرمطي والمدثر والمطوق وجماعه ممن أسر في الوقعة، مستهلَّ صفر، وقعد في الحراقات في الفرات، ولم يزل متلوماً في الطريق حتى وصل إلى البستان المعروف بالبشرى ليلة السبت لليلتين بقتا من صفر، فأقام به، ثم عبر من هناك إلى الجانب الشرقي، فعبأ الجيوش بباب الشماسية، وكان أمير المؤمنين قد عزم على أن يدخل القرمطي بغداد مصلوباً على دقل، والدقل على ظهر فيل، وأمر بهدم الطاقات التي يجتاز بها الفيل إذا كانت أقصر من الدقل، ثم استسمج ذلك، فعمل له دميانة غلام بازمار كرسياً ارتفاعه ذراعان ونصف، وأجلسه عليه وركّبَ الكرسيَ على ظهر الفيل، فدخل أمير المؤمنين مدينة السلام صبيحة يوم الاثنين مستهل ربيع الأول في زي حسن وتعبئة وجيش كثيف وآلة تامة وسلاح شاك، وقدَّم الأسرى على جمال مقيدين عليهم دراريع حرير وبرانس حرير، ثم قدم المدثر بين يدي القرمطي فألج وعليه دراعة ديباج وبرنس حرير، ثم دخل دخل أمير المؤمنين خلفه حتى أشتق مدينة السلام إ لى قصره المعروف بالحسني، والقاسم بن عبيد الله خلفة. وأمر بالقرمطي والمدثر فأدخلا الحبس بالحسني، ووجه بالأسرى إلى الجبس الجديد بالجانب الغربي، ومضى المتكفي من ساعته من الحسني إلى الثريا بعد أن خلع على أبي الحسين القاسم بن عبيد الله وانصرف إلى منزله. ووافى محمد بن سليمان بعد أن إصلاحه الأمور، وتلقطه جماعة من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب شرطة، فأخذهم وقيدهم وأنحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام فوافى بغداد إلى الباب المعروف بباب الأنبار ليلة الخميس لإحدى عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان قد أمر القواد جميعاً بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه إلى بغداد، ففعلوا ذلك، ودخل محمد بن سليمان صبيحة يوم الخميس وبين يديه نيف وسبعون أسيراً غير من أسمينا، والقواد معه
حتى صاروا إلى دار أمير المؤمنين بالثريا، فدخلوا عليه، وأمر أن يخلع على محمد أبن سليمان ويطوق بطوق ذهب ويسور بسوارين، وخلع على جميع القواد القادمين معه وطوقوا وسوروا وانصرفوا إلى منازلهم، وأدخل الأسرى إلى الحبس الجديد بمدينة السلام في الجانب الغربي منها.
فلما كان في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول بنيت دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي الذي تخرج إليه الثلاثة الأبواب ومن باب خرسان، تكسير ذراعها عشرون ذراعاً، وجعل لها أربع درج يصعد منها إليها، وأمر القواد جميعاً بحضور هذه الدكة، ونودي بذلك في الناس أن يحضروا عذاب القرامطة ففعلوا، وكثر الناس في هذا الموضع، وحضر القواد والواثقي المتقلد للشرطة بمدينة السلام، وحضر محمد بن سليمان، فقعدوا جميعاً عليها، وأحضروها وثلاثمائة ونيفاً وعشرين إنساناً ممن كان اسر قديماً ومن جاء به محمد بن سليمان، وأحضر القرمطي والمدثر فاقعدوا، نيف وثلاثون إنساناً من هؤلاء الأسارى من وجوههم، فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم ثم قطع القرمطي فضرب مائتي سوط، ورش على الضرب الزيت المغلي وكوي بالجمر، ثم قطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه، فلما قتل وانصرف القواد وأكثر الناس ممن حضر للنظر إلى عذاب القرمطي، وأقام الواثقي إلى وقت العشاء الآخرة في جماعة من أصحابه حتى ضرب أعناق باقي الاسارى، ثم انصرف. فلما كان يوم الأربعاء لست بقين من هذا الشهر، صير ببدن القرمطي إلى باب الجسر الأعلى من الجانب الشرقي فصلب هناك، وحفر لأجساد القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها وطمت، فلما كان بعد أمر بدهم الدكة وتعفية أثرها، ففعل ذلك.
- 5 - (1)
سنة 293: قال ابن أبي الأزهر: وفيها ورد الخبر بأن أخا الحسين زكرويه المعروف بصاحب الشاملة ظهر بالبداية من طريق الفرات في نفر، واجتمع إليه
(1) بغية الطلب 1: 137.
جماعة من الأعراب، وسار بهم إلى إلى نحو دمشق، فعاث في نواحيها، فندب للخروج إليه حسين بن حمدان، فخرج في جماعة وورد الخبر برجوعه إلى الدالية. فحدث محمد بن داود بن الجراح أن زكرويه بعد قتل صاحب الشامة انفذ رجلاً كان معلماً للصبيان يقال له عبد الله بن سعيد، فتسمى نصراً ليخفى أمره، فدار في أحياء كلب يدعوهم إلى رأيه، فاستجاب له جماعة من صعاليكهم وسقاطهم وسقاط العليصيين، فسار بهم إلى بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية، فقتل وسبى وأخذ الأموال. قال أنفذ زكرويه رجلاً يقال له القاسم بن أحمد داعية فصار إلى نحو رستاق نهر ملخانا، قال: فالتفت به طائفة فساروا حتى الكوفة حتى صبحوها غطاة يوم النحر، وهم غارون فوافو باب الكوفة عند انصراف الناس من المصلى، فأوقعوا بمن قدروا عليه وسلبوا وقتلوا نحواً عشرين رجلاً، وكان رئيسهم هذا قد حملوه في قبة يقولون: هذا أبن رسول الله، وهو القاسم بن أحمد داعية زكروية وينادون: يا ثارات الحسين، يعنون بالحسين صاحب الشامة، وشعارهم يا محمد يا أحمد، يعنون أبني زكروية ويموهون بهذا القول على أهل الكوفة، ونذر بهم الناس فرموهم بالحجارة من المنازل.
6 -
(1)
سنة 302: وفيها جلس الوزير علي بن عيسىللنظر في المظالم، وأحضر مجلسه المتنبي (2) وكان محبوساً ليخلي سبيله، فناظره القضاة والفقهاء، فقال: أنا أحمد النبي، ولي علامة في بطني خاتم النبوة، وكشف عن بطنه وأراهم شبيهاً بحبسه في المطبق.
(1) بغية الطلب 1: 34.
(2)
وهم علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح فظن أن هذا المتنبي هو أبو الطيب، وذكر الحادثة في رسالته إلى المعري، والحادثة كانت سنة 302 ولم يكن المتنبي ولد بعد، وأبو محمد عبد الله بن الحسين الكاتب القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر ماتا جميعاً قبل أن يترعرع المتنبي ويعرف، وهذا المتنبي الذي أحضره علي بن عيسى هو رجل من أهل أصبهان تنبأ في أيام المقتدر يقال له أحمد بن عبد الرحيم الأصبهاني.