المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النكرة والمعرفة هذه هي المقدمة الثانية من المقدمتين اللتين لابد من - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ١

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌النكرة والمعرفة هذه هي المقدمة الثانية من المقدمتين اللتين لابد من

‌النكرة والمعرفة

هذه هي المقدمة الثانية من المقدمتين اللتين لابد من ذكرهما قبل الشروع في الأحكام التركيبية، وهي معرفة المعرفة من الأسماء والنكرة، والتعريف بكل واحد منهما. وتقسيم ما ينقسم منهما وبيان كل قسم، وذلك أن الفائدة إنما تحصل في الغالب بالمعرفة لا بالنكرة من حيث كان الإخبار عن الشيء ثنيًا عن معرفة ذلك الشيء. فإذا قلت: تكلم زيدٌ، حصلت به فائدةٌ. فإن قلت تكلم إنسانٌ، لم يفد شيئًا، إذ لا يخلو الوجود من إنسان يتكلم، فقد كان هذا المعنى حاصلًا قبل الكلام به، فلم يفد الإخبار بذلك فائدة زائدة، وكذلك إذا قلت: زيدٌ قائمٌ، حصلت للمخاطب فائدة، فلو: قلت رجلٌ قائمٌ، لم يفد شيئًا، فلما كان الأمر هكذا وكانت الإفادة في الغالب لا تحصل إلا مع المعرفة، والنكرة بضد ذلك، وأيضًا فقد تقع النكرة في موضع لا تقع فيه المعرفة، وقد تحصل الفائدة بالنكرة على خلاف ما تحصل بالمعرفة افتقر إلى بيان هذين النوعين لينبني حكم الإفادة على ذلك، فأخذ الناظم رحمه الله في ذكر ذلك ليصل الناظر إلى أحكام الجمل المفيدة بعد تحصيل ما يكون به الإخبار مفيدًا مما ليس كذلك، ثم إن النكرة لا تنحصر أنواعها، لكن قد تعرف

ص: 241

بالرسم والمعرفة تنحصر أنواعها فأتى للنكرة برسم جامع مانع يميزها عن المعرفة. ثم أتى بالمعرفة وأنواعها فقال:

نكرةٌ قابل "أل" مؤثرا

أو واقع موقع ما قد ذُكِرا

وغيره معرفةٌ كهم وذي

وهندَ وابني والغلامِ والَّذي

"أل" هي الألف واللام والقابل لها هو ما يصح دخولها عليه، فرجل وفرس ونحوهما يصح دخول الألف واللام عليها، فهي إذًا نكراتٌ، وقد اقتصر بعضهم على تعريف النكرة بما يصلح أن تدخله "أل" لكن هذا التعريف غير جامعٍ ولا مانعٍ، أما كونه غير جامعٍ؛ فلأنه يخرج عنه كثير من النكرات نحو: أين وكيف و "أفعل" التفضيل إذا كان معه "من" لفظًا أو تقديرًا، ومن وما الاستفهاميتين، فإنهما أيضًا نكرتان عند الجمهور خلافًا لابن كيسان فهذه الأشياء وأشباهها نكرات مع أنها لا تصلح أن تدخلها الألف واللام. وأما كونه غير مانع فلأن كثيرًا من المعارف تدخل عليها الألف واللام كحارثٍ وعباسٍ وحسنٍ وفضلٍ، فإنك تقول: الحرثُ والعباسُ والفضلُ والحسنُ وليست بنكرات اتفاقًا، وكذلك ما دخل عليه الألف واللام الزائدتان من المعارف كقوله:

*باعدَ أمَّ العَمرِو من أسيرِها*

ص: 242

وقولِ الآخرِ:

*رأيتُ الوليدَ بن اليَزِيدِ مُباركًا*

وقولِ الآخرِ:

*ولقد نهيتك عن بنات الأوير*

ومن ذلك كثيرٌ' فاقتضى أن هذه الأشياء نكراتٌ، بسبب صلاحية دخول الألف واللام عليها، وليس كذلك، وأيضًا إن سُلم ما قال ففي بعض أقسام الألف واللام لا في جميعها، فإن الزائدة غير معرفةٍ بما قال، فإذا دخلت على النكرة لم تدل على تنكيره فلا يقال: إن نفسًا من قولكَ: طبت نفسًا نكرةٌ بدليل قوله:

ص: 243

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

لأن الألف والام هنا زائدة، والزائدة غير مختصة بالدخول على النكرة، وإنما تختص بالمعرفة فكان هذا التعريف معترضا فلما كان كذلك استظهر الناظم على الثاني قوله:(مؤثرا) وهو حال من "أل" أي: حالة كون "أل"(مؤثرا) فيما دخل عليه، فرجل ونحوه أثر فيه "أل" التعريف بخلاف الفضل ونحوه، فإنه لم يؤثر فيه تعريفا، بل إنما دخل عليه لمعنى آخر غير التعريف وهو لمح الصفة، وبهذا القيد أيضا خرج "أل" الزائدة، فإنه حرف لا يؤثر فيما دخل عليه تعريفا، فلم يكن معتبرا في هذا التعريف، وأدخل الأول بقوله:(أو واقع موقع ما قد نكرا)"فواقع" معطوف على "قابل"، "وما" موصولة وما بعدها صلتها، وهي واقعة على قابل، "وما" وما بعدها في موضع ضمير، كأنه قال: أو واقع موقعه، أي: موقع القابل، ويريد أن النكرة ما قبل "أل" أو وقع موقع ما قبلها إذا لم يقبلها بنفسه، فـ "أين" و "كيف" يقع موقعهما ما يقبل "أل" وإن كانا لا يقبلانها بأنفسهما، فـ "أين" معناها في أي مكان، و "كيف" معناها على أي حال، ومكان وحال قابلان لـ "أل" إذا قلت: المكان والحال، وكذلك أفعل من لوقوعها صفة للنكرة في موضع فاعل، وفاعل يقبل الألف واللام أعني المؤثر وكذلك "من" و "ما" الاستفهاميتان إذا قلت: من زيد؟

ص: 244

فالتقدير: أي رجل زيد؟ وما هذا، معناه: أي شيء هذا؟ ورجل وشيء يقبلان اللف واللام المؤثرة فجميع هذه الأشياء نكرات لوقوعها موقع القابل، فتلخص هـ التعريف جامعا مانعا، وهو تعريف حسن، إلا أن فيه إشكالا من أوجه ثلاثة:

أحدها: أن الحارث والعباس والفضل وبابها إذا كانت بغير ألف ولام أعلام كزيد وعمرو، فتعريفها تعريف العلمية المحضة، فإذا دخلت عليها الألف واللام فلم تدخل عليها وهي أعلام، بل تقدير تنكيرها لتكون الألف واللام مشعرة بأصلها من الصفة، فإذا دخول الألف واللام عليها كدخولها على القائم والقاد وبابه، وهذا معنى ما ذكر سيبويه قال: وزعم الخليل رحمه الله أن الذين قالوا: الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه، يعني أن يكون لفظه موافقا لمعنى الصفة فيه، ولم يجعلوه سمي به ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد، فهذا انص سيبويه على ما ذكرته، فإذ ثبت هذا فقول الناظم:"مؤثرا" لا يخرج له حارثا وعباسا وبابه؛ لأن "أل" قد أثرت فيه معنى التعريف تقديرا ولمح الصفة فصار التعريف مشكلا.

والثاني: أن قوله: (أو واقع موقع ما قد ذكرا) إن كان يدخل له به "أين" و "كيف" ما ذكر معهما فلا يدخل له فيه الأسماء التي لم تستعمل إلا في النفي نحو: ديار وكتيع وعريب، لأنها كلها واقعة موقع أحد، وأحد لا يقبل "أل"؛ لأنك تقول: ما جاءني

ص: 245

الأحد، وذلك إذا لم يكن بمعنى واحد، فإنه إذا كان بمعنى واحد كأحد في أحد عشر، فليس المستعمل في النفي فإذا لا يدخل له باب ديار وعريب تحت قوله:(أو واقع موقع ما قد ذكرا) ولا تحت قوله: (قابل أل) إذ ليست بقابلة لـ "أل" مع أنها نكرات بإجماع، فكان هذا التعريف غير جامع.

والثالث: أن يقال: إن كان يخرج له بقوله: (قابل أل) العلم الجنسي، كما يخرج له العلم الشخصي، فإن قوله:(أو واقع موقع ما قد ذكرا) يدخل عليه العلم الجنسي، لأن معناه معنى النكرة، فأسامة وثعالة ونحوهما معارف لفظا، ولكن معانيها معاني النكرات، إذ كان أسامة مرادفا للأسد، وثعالة مرادف للثعلب، وقد نص على ذلك الناظم في باب العلم حيث قال:

ووضعوا لبعض الأجناس علم

كعلم الأشخاص لفظا وهو عم

فأسد إذا صلح وقوعه موقع أسامة، وثعلب إذا صلح وقوعه موقع ثعالة وهما قابلان للألف واللام يؤدي ذلك إلى اعتقاد كون أسامة وثعالة نكرتين إعمالا لقوله:(أو واقع موقع ما قد ذكرا) وهذا غير صحيح، فكان كلامه على إطلاقه غير صحيح.

والجواب عن الأول: أن الألف اللام في الحارث والعباس ونحوهما لم يؤثر في محصول الأمر زيادة على ما كان في الأسماء قبل دخولا، وإنما كانت قبل دخولها دالة على معين، وذلك حاصل بعد دخولها وإنما حقيقة تأثيرها أن تؤثر تعريفا فيما لم يكن فيه تعريف وباب الحارث والعباس ليس

ص: 246

كذلك، إذ لم تؤثر فيه ما ليس فيه، وأمل لمح الصفة فأمر زائد على معناها من التعريف الموجود قبل دخول "أل" وبعد ذلك، فلا يعترض عليه بذلك.

وعن الثاني: أن باب ديار وكتيع ليس بواقع موقع أحد على الخصوص بل أحد وكتيع وديار ونحوها واقعة موقع ما يقبل "أل" وهو مثلا رجل أو حي أو ساكن أو نحو ذلك، فقد دخل له هذا الباب بقوله:(أو واقع موقع ما قد ذكرا).

وعن الثالث: أن باب العلم الجنسي قليل، وعلى خالف الأصل في العلمية، فلم يعتبروه لذلك، ولأجل أنه على خلاف الأصل زعم عضهم أن بينه وبين النكرة فرقا من جهة أن العلم الجنسي وضعه أولا على نفسها كزيد في الخارج بخلاف النكرة؛ فإنها موضوعة لواحد مما في الخارج لا بعينه فافترقا، وليس هذا الوجه بجار على مذهب الناظم في ظاهر لفظه حسب ما يأتي في باب العلم إن شاء الله تعالى.

ثم قال: (وغيره معرفة) الضمير عائد على النكرة باعتبار موصوف محذوف مذكر على تقدير أن لو قال: اسم نكرة قابل أل ولذلك جرى عليها قابل وواقع كجرينها على المذكر، ويجوز أن يكون عائدا على قابل وواقع كجريانها على المذكر، ويجوز أن يكون عائدا على قابل وواقع، ويعتبر ما عدا ذكر التعريف به هو المعرفة، ثم أتى بأنواع المعرفة مشيرا إليها بالتمثيل، وهي عنده في هذا النظم ستة أنواع: المضمر: وهو الذي أشار إليه بقوله: (كهم) واسم الإشارة: وهو المشار إليه (بذى) الذي يشار به إلى المفرد المؤنث القريب،

ص: 247

والعلم: وإليه أشار بقوله: (وهند)، والمضاف غلى معرفة محضة، فإن المضاف ليس بمعرفة على الإطلاق، بل شرط الإضافة إلى معرفة، وليس كل مضاف إلى عرفة يكون معرفة يكون معرفة إلا بشرط أن تكون الإضافة محضة، وهذا كله منبه عليه بقوله:(وابني)، والمعرف بالألف واللام: بشرط أن تكون غير زائدة، فإنها إن كانت الزائدة لم تقد تعريفا فليس ما دخلت عليه بمستفيد بها تعريفا، كما سيأتي وقد بين هذا الشرط تمثيله لهذا النوع قوله:(والغلام)، والموصول: وهو الذي نبه عليه بمثال: (الذي).

ثم يتعلق بهذا الكلام ثلاث مسائل:

إحداها: أنه لم يذكر مراتب المعارف في التعريف، وقد جعل لها في "التسهيل" ست مراتب، فأعلاها ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم، ثم ضمير الغائب السالم عن إبهام، ثم المشار به، ثم الموصول وذو الألف واللام، وأما المضاف فبحسب المضاف غليه مطلقا عنده، هذه مراتبها في الأصل في مذهبه، وقد يعرض لها غير ذلك.

وهي عند غيره أربع مراتب، فأعلاها: المضمرات، ثم الأعلام ثم المبهمات، ثم ذو الألف واللام والمضاف بحسب المضاف إلى المضمر، فإنه في رتبة العلم، بحسب المضاف إليه، إلا المضاف إلى المضمر، فإنه في رتبة العلم، وهذا الترتيب الثاني هو المشهور من مذهب أهل البصرة وللكوفيين ترتيب آخر فكان من حق الناظم أن يبين مراتبها، للاضطرار إليها في باب النعت، إذ المعرفة من الأسماء لا ينعت بكل معرفة، وإنما ينعت بما كان في رتبته أو دون رتبته، لا بما هو فوق رتبته

ص: 248

بخلاف النكرة. فإنها لا يلزم فيها هذا المعنى، بل تُنعت النكرة بكل نكرةٍ كانت أعم منها أو أخص كما تقول: رجلٌ أبيض، وحيوانٌ ناطق، ولهذا لم يعتن النحويون بذكر مراتب النكرات في التنكير، كما اعتنوا بذكرِ مراتب المعرفة في التعريف. والعذرُ عن الناظم أنه قد استقر من مذهبه أنَّ النعت لا يلزم فيه أن يكون في رتبة المنعوت، أو أدنى منه، بل قد يكون فائقًا له في الرتبة وهو رأي الفرّاء، وحكاه المؤلف عن الشلويين، وأنه صححه وسينبه عليه في باب النعت، إن شاء الله تعالى وإذا كان كذلك لم يلزمه ذكر المراتب، كما لم يلزمه ذلك ولا غيره في التنكير.

والثانية: أنه أسقط من المعارف مما ذكره هو وغيره بعض أنواعها وزاد فيها ما لم يزد غيره، أما ما نقص منها فالمنادي المقصود نحو: يا رجل، فإنه معرفةٌ وليس بواحدٍ مما ذكر، ولذلك عدّه في "التسهيل" نوعًا سابعًا، واسم الفعل نحو: صه وإيهٍ ونزال، فإنها معارف إذا لم تنون، ونكراتٌ إذا نوّنت كما ذكر في بابه، ويظهر أنها ليست مما عده وألفاظ التوكيد معارفُ أيضًا نحو: أجمع

ص: 249

وجمعاء وأجمعين وجُمع، وكذلك "سَحر" من يوم بعينه نحو: جئتك يوم الجمعةِ سحر، وما أشبهه من ضُحى وضَحوة وعَشية وعتمة ونحوها، إذا كانت من يوم بعينه، فكان ينبغي للنّاظم أن يعدّ هذه الأشياء لما ظهر من أنها ليست مما ذكر، مع أنها معارف.

وأما ما زاد فالموصول ولم يذكره سيبويه في جملة المعارف حين تصدى لحصرها ووجَه ذلك ابن خروف بأن تعريفها إنما هو بالألف واللام، واجتزئ بإظهارها في الذي ونحوه من إظهارها في غيره "من" و "ما" و "أيّ" كما اجتزئ بالصفة به، وأبطل قول من زعم أنها معارف بالصلات، فإن الصلات جملٌ، والجمل في معنى النكرات، وأيضًا فقد تكون صفات وهي نكرات أعني الجمل، والنكرة في نفسه لا يكون لغيره مُعرفًا.

والدليل على أن تعريفها إنما هو بالألف واللام أن ما هي فيه لا تكون نكرةً البتة، بخلاف ما ليست فيه، فإنه قد يكون نكرة كـ "من" و "ما" و "أيّ" فإذا لم تقدّر فيها الألف واللام فالتنكير فيها موجود، وإذا قدرت ساوت "الذي" و "التي"، فظهر أن تعديد الناظم قاصرٌ.

والعذر عنه أن يقال: أما المُنادي فالاعتراض به مبني على أن تعريفه بالقصد إليه، والإقبال عليه، وليس ذلك بمتفق عليه، لقول طائفة بأن تعريفه بتقدير الألف واللام، كأنها حذفت لفظًا وبقي معناها كما يبقى معنى الإضافة مع حذف المضاف إليه في نحو قول الله تعالى: ((وكلًا نقص

ص: 250

عليك)) ((وكلًا ضربنا له الأمثال)) وقد أشار إلى هذا القول في "الفوائد المحوية" حيث قال: وما عرِّف بالنداء فاللام فيه منوية على رأيٍ، فلعله ذهب إلى ذلك ها هنا، وأما اسم الفعل فإنما هو معرفة بنية الألف واللام ألا ترى أن معنى "إيه" زدنا من الحديث الذي كنت فيه، ومعنى "صه" اسكت عن الحديث الذي أنت فيه، ومعنى نزالِ النُّزولَ النَزولَ، فجميعها كنايةٌ عما فيه الألف واللام، قاله ابن خروفٍ. وأما ألفاظ التوكيد فأعلامٌ عند الناظم، وقد صرح بذلك في بعضها، فقال في باب ما لا ينصرف:

والعلمَ امنع صرفهُ إن عُدِلا

كفُعَلِ التوكيدِ أو كثُعَلًا

فقد دخلت إذًا في نوع العلم، وقيل: إنها معرف بنية الإضافة ولا اعتراض بهذا أيضًا. وأما "سَحَرَ" فقد قال في الباب المذكور:

والعدلُ والتعريفُ مانِعا سَحَرْ

ويريد تعريف العملية: إذ لا تعريف يمنع الصرف إلا ذلك وقال ابن خروف: تعريفه بنية الألف واللام أو الإضافة، وهذا المعنى جارٍ في ضُحى وضَحوةَ وعشاءَ وعشيَّة، أو تكون هذه الأشياء نكراتٍ في اللفظ، وإن كانت لشيء بعينه كقولهم: لقيته عامًا أول، فعامٌ نكرةٌ في اللفظ، معرفة في المعنى؛ لأنه يريد العام الذي قبل عامك.

ص: 251

وأما الموصول ففيه خلافٌ، فمذهب جماعةٍ ما تقدم، وذهب طائفةٌ إلى أن تعريفه بالصلة. وعلى هذا بني الناظم، وقد أشار إلى ذلك في باب المعرف بالأداة حيث جعل الألف واللام في "الذي" و "التي" ونحوهما زائدةً، فهو كالنصِّ منه على أن تعريفها بالصّلة. والله أعلم.

والثالثة: من المسائل المتعلقة: أنه لم يذكر من أنواع المعارف "من" و "ما" الاستفهاميتين، فدل على أنه لم يرتض مذهب ابن كيسان في كونهما معرفتين، نظرًا إلى أن جوابهما يكون معرفةً، فإذا قيل: من عندك؟ فجوابه: زيدٌ، وإذا قيلَ: ما دعاك إلى كذا؟ فجوابه: لقاؤك أو نحوه، ومن حقِّ الجواب أن يكون مطابقًا للسؤال، فدل تعريف الجواب على تعريف السؤال، وضعفه المؤلف من وجهين:

أحدهما: أن تعريف الجواب غير لازم، فإذا قيل: من عندك؟ جاز له أن يقول: رجلٌ من بني فلان، وإذا قيل: ما دعاك إلى كذا؟ جاز أن تقول أمر مهم.

والثاني: أن "من" و "ما" في السؤالين قائمان مقام أي إنسان وأي شيء، وهما نكرتان، فوجب تنكير ما قام مقامهما، قال: والتمسك بهذا أقوى من التمسك بتعريف الجواب لأن تطابق شيئين قام أحدهما مقام الآخرِ

ص: 252

ألزم وآكد من تطابق الجواب والسؤال، وأيضًا فالتعريف فرع فمن ادّعاه فعليه الدليل، بخلاف التنكير فمدعيه مدعٍ لأصلٍ.

فإن قيل: من أين يؤخذ للناظم أن مذهب ابن كيسان غير مرتضى له وابن كيسان لم يدّعِ في "من" و "ما" تعريفًا خارجًا عما ذكر الناظم فلعله يقول بردّهما إلى الأنواع المذكورة، وإذ ذلك لا تظهر مخالفته. فيكون هذا الاستنباط غير صحيح.

فالجواب: أنه إذا لم يعين ذلك رجعنا إلى إمكان إلحاقهما بما تقدم فوجدناه لا يصلح كونهما مضمرين، ولا عَلمين، ولا أسمى إشارة ولا مناديين، ولا معرفين بالأداة، ولا بإضافةٍ لفظية ولا معنوية، فتبين أن تعريفهما عنده ليس مما تقدم. ولا يقال لعل تعريفهما عنده من قبيل تعريف الجواب، لأنّا نقول: قد يكون تعريف الجواب بالعلمية، كما يقال: من جاءك؟ فتقول زيدٌ، وبالإضافة كما تقول: غُلامك، وبالألف واللام كما تقول: الرجل الصالح، وبالإشارة كما نقول: هذا، فلو كان نوع تعريفهما معتبرًا بالجواب لكانا علمين مع العلم، مضافين مع المضاف، مُشارًا بهما مع اسم الإشارة، وهذا فاسدٌ، فما أدى إليه فاسدٌ، فثبت أن تعريفهما عنده ليس بشيءٍ مما ذكر الناظم، وانتهض الاستنباط المذكور وكان صحيحًا وبالله التوفيق.

*

*

*

ولما عدد أنواع المعرفة أخذ في ذكر أحكام كل نوع منها، وابتدأ

ص: 253